Latest articles
December 23, 2024
December 23, 2024
December 23, 2024
مقدمة
تعتبر نشأة مملكة أدوم الأردنية من أهم الألغاز التي لم تفكك بشكل كامل بعد، بسبب قلة الحفريات الآثارية الرامية إلى ذلك، وبسبب التشويه المتعمد الموجود في الرواية التوراتية لأجدادنا الأردنيين الأدوميين، وينعكس ذلك على علماء الآثار التوراتيين الذين حاولوا عسف المكتشفات الأثرية وفقاً للرواية التوراتية في أكثر من موقع، رغم ذلك نورد في هذا البحث ملمحا بسيطا حول الظروف التي هيأت لنشوء المملكة الأردنية الأدومية، وبداية نشأتها، من شرح لجغرافيا أدوم وطبيعة السكان فيها قبل نشوء المملكة.
موطن أدوم
لقد فرضت جغرافية الأردن منذ قديم الزمن حتى اليوم على الأردنيين، أن يسكنوا الجبال ويتطبعوا بطباعها، صلابةً وقوة عزيمة وتحدٍ، وخطت الأودية ملامح الأردنيين عبر التاريخ، وطبيعة عيشهم واختيارهم للأصعب دوماً، وهذا ما نجده جلياً في موطن أجدادنا الأدوميين، حيث اختاروا موطناً جبلياً تصل ارتفاعاته نحو 4000 قدم فوق سطح البحر، تتخلله أودية وتضاريس صعبة، تمنحهم الأمن، وتتطلب منهم القوة والعزيمة للعيش والعمل والإنجاز، وشق الطرق والمسالك، وبناء المستوطنات.
استوطن أجدادنا الأردنيون الأدوميون في منطقة الجبل ومنطقة الشراه وكلتاهما مرتفعات عالية، فأما منطقة الجبل فهي تقع بين قلعة عنزة على سكة القطار العسكري العثماني وبين جبل ضانا، وهي منطقة ذات صخور بركانية تحوي العديد من الأودية، أما منطقة الشراه فهي تنحدر وصولا إلى معان مطلة على وادي حزمة، ويحدها من الجنوب وادي رم، ويغطي هذه المنطقة غالباً الحجر الجيري.
وقد قام أجدادنا الأردنيون الأدوميون بشق الطرق والمسالك عبر هذه الجبال ووديانها، لتصل بين مدنهم وقراهم ومستوطناتهم، كما كانت طرقهم ممراً رئيسياً للعديد من القوافل التجارية، وأبدع أجدادنا في عملية جر المياه وتخزينها وشق قنوات الري، حيث كان أغلب اعتمادهم مائياً على المياه الجوفية والينابيع التي تتفجر في الجبال، وعلى المياه الجارية والمتجمعة في الأودية، كما وجدت المسوحات الآثارية الكثير من مواقع تخزين الحبوب والغلال، مما يدل على تذليلهم لوعورة المناطق الجبلية التي يسكنونها وعدم اكتفائهم بنشاطات الرعي فقط، بل طوروا الزراعة، بالإضافة إلى استغلالهم لمعدن النحاس المتوافر بكثرة في وادي عربة وضانا.
التطور السكاني لمنطقة أدوم الأردنية عبر التاريخ
- العصور الحجرية القديمة
إن أول أدلة على الوجود الإنسان في الأردن، موجود في موقع عبيدة الأثري، الواقع في غور الأردن الشمالي، حيث أن اول دليل على نشاط إنساني كشفت عنه التنقيبات يعود إلى 300,000 إلى 200.000 قبل الميلاد، وقد كانت منطقة جنوب الأردن (أدوم، مؤاب) تشهد تذبذباً مستمرا في أعداد السكان في العصور الحجرية السحيقة بسبب حالة المناخ التي كانت تتغير بشكل ملفت في تلك الحقبة الزمنية، بين الجفاف والرطوبة، وكان الباحثون قد وجدوا أدوات صيد صوانية في الحفريات العائدة إلى تلك العصور القديمة.
- العصر الحجري الحديث
لاحظ الآثاريون في دراستهم خلال هذه الحقبة، التطور الذي وصل إليه الأردنيون الأوائل في بناء المنازل، وما رافقها من شعائر دينية بدفن الموتى تحت أرضيات هذه البيوت، وقد كانت هذه البيوت إما دائرية وأرضياتها أخفض من مستوى الأرض المحيطة بها، أو أنها كانت مستقيمة الجدران، وكانت أرضياتها جصية، وملونة باللون الأحمر الداكن.
- العصور البرونزية
في العصور البرونزية المبكرة شهد جنوب الأردن حالة من الندرة السكانية بسبب ظروف مناخية استثنائية، عم فيها الجفاف وشحت الأمطار، وانكشف الغطاء النباتي وتدهورت الحياة البرية، فيما عاد التواجد البشري في جنوب الأردن إلى سابق عهده مع بداية العصر البرونزي المتأخر وبداية العصر الحديدي الأول.وقد أكدت المسوحات الآثارية أن الأردنيين الأوائل في هذه الحقبة، شيدوا المدن والقلاع والحصون والمعابد، ومارسوا تجارة خارجية، وصلت بحر ايجة ومصر.
تأسيس مملكة أدوم الأردنية
على قمم جبال أدوم الشامخة، وفي مسالكها الوعرة، أنشأ أجدادنا الأردنيون الأدوميون، مملكتهم، بنوا المدن وشيدوا الحصون، زرعوا الأرض، واستخرجوا معادنها، وكانت حياتهم قتال، قتالٌ مستمر مع الطبيعة، ومع الأعداء، حتى خلفوا لنا إرثاً عظيماً كشفنا القليل منه، ومازال أكثره محفوظ، تحت رمال صحارينا، وتربة سهولنا وودياننا، وصخور جبالنا. مع بداية العصر الحديدي الثاني كانت الظروف مهيئة لقيام مملكة موحدة ذات طابع وطني سيادي، في جغرافيا أدوم الأردنية وعلى شعبها، وقد دعت الحاجة أيضاً إلى قيام هذه الدولة، حيث انهار مع نهايات العصر البرونزي المتأخر نظام الدولة المدينة لأسباب متعددة، ولم يعد هذا النظام السياسي قادراً على مواكبة تطور احتياجات أجدادنا الأردنيين الأوائل، المتزامنة مع تطورهم على كل الأصعدة. كان أجدادنا الذين سكنوا منطقة أدوم، متوزعين في عدة مدن، وقرى، وبعض التجمعات البدوية، خلال العصر البرونزي، وكانت كل مدينة أو تجمع يحكمها ملك أو زعيم أو شيخ، وخلال العصر الحديدي الأول، شكلت التهديدات الخارجية، وضرورة حماية المدن والتجمعات السكانية، بالإضافة إلى ضرورة حماية الطرق التجارية تحدياً أمام أجدادنا الأردنيين الأوائل، كما أن صراعاتٍ قامت بين الملوك والزعماء، هذه الأمور كلها قادت إلى أن ينتصر الملك أو الزعيم الأقوى، ليخضع بقية المناطق تحت سيطرته، الأمر الذي أدى إلى نشوء مملكة أدوم. وبحسب بعض الروايات التاريخية فانه أثناء حكم الملك داود، للمملكة الاسرائيلية الموحدة، قام داود عبر قائد جيشه يؤاب بمجزرة فظيعة بأجدادنا الأدوميين، الأمر الذي أفشل أولى محاولاتهم لإنشاء دولتهم الوطنية ذات السيادة، واستمرت الحال كما هي عليه حتى وفاة الملك سليمان، وانقسام المملكة الإسرائيلية، إلى مملكة اسرائيل شمالاً ومملكة يهوذا جنوبا، وقد حاولت مملكة يهوذا الاستمرار في فرض سيطرتها على أدوم الأردنية، وقد كان لهم مراكب يبحرون بها من ميناء عصيون جابر الأدومي، إلا أن أجدادنا الأردنيين الأدوميين ثاروا على يهوذا تحت حكم ملك واحد، وهزموا يهوذا هزيمة عظيمة، وطاردوهم حتى حدود مملكتهم، وحرقوا سفن يهوذا الموجودة في ميناء عصيون جابر، ومن هنا كانت انطلاقة جديدة لمملكة أدوم.
غير أن روايةً أخرى تسبق هذه الفترة، تدل أنه كان لأدوم الأردنية ثمانية ملوك، قبل نشوء الممالك العبريانية أساساً، حيث تورد التوراة طلب موسى النبي من الأدوميين أن يعبر مع بني اسرائيل من أراضيهم، ورفض الأدوميون ذلك، وجهزوا جيشا لمحاربة بني اسرائيل، وكان أن هُزم الأدوميون في هذه المعركة، وقُتل منهم الكثير فيما استطاع ملك أدوم هدد الهروب واللجوء لمصر والزواج من ابنة الفرعون، والعودة إلى بلاده واستعادة حكمه بعد ذلك.
أما وفقا للدراسات الآثارية، فإن أول الدلائل على ظهور مملكة أدوم الأردنية كانت في بداية العصر الحديدي الثاني، حيث بنيت مدن جديدة مثل بصيرة -بصيرا (عاصمة آدوم)، وطولان وأم البيارة وتل خليفة.
ولكن المؤكد أن أجدادنا الأردنيين الأدوميين استطاعوا حفر اسمهم بالتاريخ، وانتزعوا دولتهم وتجارتهم ونفوذهم، في صراع مرير مع الدول والامبراطوريات الطامعة في السيطرة عليهم، ولم يكلوا أو يملوا، ومارسوا أرقى أشكال الدبلوماسية، وكانت علاقاتهم وطيدة بالامبراطوريات الضخمة مثل مصر وآشور، وكانت لهم حظوة عند هذه الامبراطوريات.
المراجع :
- ياسين ، د. خير نمر (1994) ، الأدوميون ، الجامعة الأردنية ، عمان .
- كفافي ، د. زيدان عبد الكافي (2006) ، تاريخ الأردن وآثاره في العصور القديمة ( العصور البرونزية و الحديدية ) ، دار ورد ، عمان .