سلسلة الفن المعماري عند الأردنيين الأنباط – الجزء الرابع

By Published On: August 14, 2018

مقدمة

اهتم الأردنيون الأنباط بفن العمارة بشكل واسع، وهذا ما يؤكده الإرث العمراني الضخم الذي خلفوه، وما يزال قائماً حتى يومنا هذا بكل شموخ وصلابة، وحيث أن عمر الحضارة الأردنية النبطية امتد على مدى قرون، فقد كان الفن المعماري النبطي متباينا، ومتطوراً باستمرار، حيث بلغ من البذخ في ذروة هذه الحضارة، ما سبق حضارات استعمارية ضخمة، ونورد في هذا البحث ملامح هذا الفن العظيم الذي أولاه أجدادنا الأردنيون الأنباط اهتماما منقطع النظير، بطريقة تساهم في تعزيز فهم القارىء لما يراه ماثلا بعينه من إرث عمراني يشكل قفزة ضخمة في فن العمارة على مستوى البشرية.

في هذه المدخل البحثي من إرث الأردن تقرؤون الجزء الرابع من سلسلة الفن المعماري عند الأردنيين الأنباط.

أنماط وسمات الهندسة المعمارية عند الأردنيين الأنباط

جرت عمليات البناء لدى الأردنيين الأنباط ضمن أُطر محددة بتناغم مع الطبيعة والعوامل البيئية فضلاً عن نوعية المكان والذي بدوره أغنى هذه الحضارة ومنحها هويتها الحضارية التي تميزت بها عبر باقي العصور السابقة واللاحقة، وكما ذكرنا سابقاً فقد قُسمت العمارة في الحضارة الأردنية النبطية إلى قسمين رئيسيين الأول يختص بالعمارة الدنيوية أما الثاني يختص بالعمارة الدينية وفيما يلي تفصيلٌ عن القسم الثاني منها.

العمارة الدينية في الحضارة الأردنية النبطية

 عمارة المعابد الأردنية النبطية

اهتم الأردنيون الأنباط بتزيين وتعظيم معابدهم، حيث اختلفت المعابد النبطية في بنائها ومعمارها على حسب البيئة الطبيعية التي تواجدت فيها والتي بدورها شكلت فضاء روحيا خاصا.

ومن الجدير بالذكر أن بعض المعابد قد تحولت إلى أضرحة ولكن معالمها الأصلية صمدت، وقد شكلت خزنة فرعون أنموذجا رائعا للعمارة الأردنية النبطية التي لا زالت راسخة إلى اليوم، فقد بدت الخزنة وكأنها مدفونة داخل صخر جبل المذبح الذي نحتت فيه، وقد تكونت من طابقين؛ الطابق السفلي مزين ومسنود بستة أعمدة من الطراز الكورنثي وتحمل فوقها سطحا نقش عليه رسمان لأبي الهول ورسمان لأسد ولفهد وعلى الجانب الأيمن من الأعمدة نرى رجلا حافي القدمين يقود جمل، وأفعى تحاول لدغ رجل في قلبه على اليسار، كما نرى المثلث الهليني ضمن مساحة مزخرفة معتلية الأعمدة، وتكون الطابق السفلي للخزنة من ثلاث اسطوانات تفصل الواحدة عن الأخرى كوتان اثنتان نحتتا في الصخر، وتكونت الأسطوانة الوسطى من عمودين يعلوهما تاج نصف دائري محزز وجرة فوقها تمثال للإله العزى .

لقد اشتركت المعابد في العديد من الأمور من بينها النقوش والمنحوتات ولعل أكثر المنحوتات بروزا تلك التي نراها للأمازونات الواقفات بثياب قصيرة رافعات سلاحهن من البلطات فوق رؤوسهن، بالإضافة إلى منحوتات لنساء بأجنحة يٌعتقد بأنهن أحد أشكال الملائكة وتزين شرفة الطابق برسومات الزهور والثمار والنسور .

كما قسم الباحثون في الحضارة الأردنية النبطية المعابد إلى قسمين معابد شمالية وجنوبية، فقد تميزت المعابد الشمالية ذات المساحة المستطيلة مع المقعد الدائري المنتصب بانتظام أمام المعبد والذي شكل جزءا من تصميم المبنى، أما المعابد الجنوبية فقد قسمت إلى أجزاء تمثل الأول بمقدس وفي كل جزء غرفة واسعة ومن ثم تأتي الأجزاء الثانوية، ومن الجدير بالذكر أن بعض المعابد لها علاقة مباشرة مع الثراء لا سيما في الفترة بين القرن الثاني قبل الميلاد حتى القرن الثاني الميلادي والذي اتضح فيه التزايد في عدد المباني الدينية والآلهة الحامية، كما كانت كلمة (م ح ر م ت) والتي تعني مكانا مقدسا أو محرابا أكثر من كونها معبدا، كما شاعت عدة كلمات للمعابد ككلمة ( ب ي ت ا) والتي تعني بيت الآلهة .

أ. معبد بعل شمين  

يقع المعبد في سيع ويمتاز بأنه أكبر المعابد في تاريخ المملكة الأردنية النبطية وقد تم تكريسه لعبادة الإله بعل شمين إله الخصوبة، كما تضمن شتى تفاصيل المعابد الأردنية النبطية بجميع تقسيماتها، كما غطى المعبد الخارجي ما مساحته 19*20 م، وعند الدخول من الممر الذي يلي المدخل عبر الرواق فيقودنا إلى المقام الداخلي والأبراج ذات المداخل الثلاثة، أما مساحة المقام الداخلي فقد قُدرت بـ 8.28*7.26 م، كما تشكلت وسط المعبد صومعة مفتوحة للسماء بأربعة أعمدة ذات قواعد حرة وقد كانت مكاناً عالياً للعبادة ومن المعتقد أنها مقبرة مركزية، بلغت المساحة المكشوفة بين المقام الداخلي والخارجي للمعبد أربعة أمتار، وتم العثور على عدد كبير من النقوش النبطية واليونانية في بقايا المعبد والتي بدورها ساعدت على تأريخ مراحل عديدة لهذا المركز الديني، وأكثر النقوش أهمية هو نص تكريس المعبد والذي تم تأريخه بين 33/32 أو 2/1 قبل الميلاد، والذي باكتشافه ساعد على تحديد أجزاء متعددة من هذا المعبد كالمقامات الداخلية والخارجية بالإضافة إلى أروقة المعبد المغطاة في الساحة، بالإضافة إلى المسرح الذي امتلك مكانة بارزة في حياة الأردنيين الأنباط خاصة في شعائرهم الدينية والذي أثبته نص آخر وُجد أيضاً في هذا المعبد، كما عُثر على العديد من الموجودات الأثرية التي من المرجح أنها كانت تُؤخذ للطقوس التعبدية والولائم الجنائزية، والتي تم شرحها من خلال عدة أجزاء مزخرفة تم اكتشافها في معبد خربة التنور.

ب. معبد الأسود المجنحة في البترا

يعد معبد الأسود المجنحة من أكبر المعابد الأردنية النبطية كما يُعد بناءً فريدا زود الباحثين بآثار نادرة عن الأردنيين الأنباط وعباداتهم، يُطل المعبد على البوابة الرومانية الثلاثية المتصلة بالشارع، مطلاً على طريق الجسر فوق مجرى المياه في لحف جبل، كما تشير الأسود المجنحة  التي يمكن أن تكون رمزا للإلهة العزى ومن المرجح أنه كان مكرسا لعبادة الإلهان العزى آلهة المرتفعات والإله دوشرا إله الشمس والخمر معاً، ومن المُعتقد أن المعبد قد بُني حوالي 27 ميلادي، وتكون المعبد من شرفة أمامية تتقدمها أعمدة بطول 9,5 م ويتم الدخول منها عبر البوابة العريضة إلى قاعة المعبد الرئيسية ذات الشكل المربع المحيط بالأعمدة التي بنيت في الجدران، وبداخلها صفان من الأعمدة، ووُجدت منصة المذبح بارتفاع 1.3 م في أقصى القاعة، كما وُجد على جانبي منصة المذبح إلى الجهة الأمامية مدرجات ذات أبواب حديدية، حيث كان يجري الطواف حول المنصة التي كانت ترتفع عليها أنصاب الآلهة، كما تقع خلف المنصة فسحة توضع عليها التقدمات التي تقدم كهدايا ونذور للمعبد والتي وُجد فيها تماثيل للآلهة، ومن الجدير بالذكر أن قواعد الأعمدة تكونت من حلقة رخامية تحيط بالقاعدة الحجرية كما استخدم الرخام البني لأعمدة المنصة بينما استخدم الرخام الأبيض لباقي الأعمدة أما تاجيات الأعمدة المزخرفة فقد مُثلت على زوايا بعض منها أسود مجنحة ومن هذه الأسود جائت تسمية المعبد ومن المُرجح أن تكون هذه التاجيات لأعمدة المنصة .

بُلطت أرضية القاعة الرئيسية بالرخام الأبيض المموج بالبني بينما بُلطت المنصة بالرخام الأبيض والأسود وزُخرفت جدران المعبد الداخلية بالرخام والقصارة الملونة والجص وعُثر على قطع جصية بأشكال رؤوس آدمية وأقنعة مسرحية وأشكال أزهار مثبتة على الجدران أما بالنسبة للسقف فقد كان مقوساً ومغطى بالقرميد .

ووقعت عدة منشآت سكنية وراء جدران المعبد الخلفية بالإضافة إلى مشاغل الدهان وتصنيع المعادن والمذابح ومعصرة زيتون ودرج رخامي فضلاً عن مشغل للرخام عُثر فيه على قطع من كتابة نبطية أُرخت للسنة السابعة والثلاثين من حكم الحارث الرابع أي لحوالي 26-27 ميلادي، ومن المرجح أن يكون تاريخ هذه الكتابات مرتبط بتاريخ بناء المعبد أي في حدود نهاية القرن الأول قبل الميلاد، ومع بداية القرن الثاني من الميلاد كان المعبد قد أُحرق وتهدم ثم أعيد بناؤه كمنازل صغيرة واستعمل حتى منتصف القرن الرابع الميلادي حتى تهدم في الهزة الأرضية عام 363 م .

ج. معبد قصر بنت فرعون

سُمي اختصارا بقصر البنت ولعل هذه التسمية الشعبية لمعبد الإله ذو الشرى، يقع المعبد على النهاية الغربية لوادي موسى تحت الجبل الحبيس على منصة ضخمة بمساحة 60*120 م في الساحة التي تلي البوابة التذكارية الرومانية، ويُرجح أن يكون قد بُني في النصف الثاني من القرن الأول قبل الميلاد وترتفع جدران هذا المعبد إلى ما يُقارب 23 مترا، وبُنيت بوابة المعبد على شكل بوابة مقوسة، وقد كان مخطط المعبد مثيراً للاهتمام من حيث تقسيمه فقد بُني ضمن صنف صندوق في صندوق الذي بُنيت عليه الكثير من المعابد الأردنية النبطية، فيما كانت طقوس العبادة في هذا المعبد من تضحية الحيوانات على المذبح الكبير في الساحة حيث يتم حرق البخور بوصوله للسقف وعند الانتهاء من هذه الطقوس كانت تُقام وليمة فاخرة، ومن المُرجح أن يكون المعبد هو المكان المُقدس في بترا والذي تم تكريسه للإله دوشرا إله الشمس والخمر.  

تميز معبد قصر البنت بمخطط أرضي واسع وكبير كما يحيط بالمعبد باحة خارجية مربعة الشكل أو على وجه أدق قد تكون مائلة للاستطالة قليلاً كما لم يتبق من السور الخارجي إلا أساساته، كما وُجدت ثلاث حنايا صخرية على جدرانه الثلاثة بالإضافة إلى بوابته في الجدار الرابع .

زُينت الواجهة الشمالية للمعبد بأربعة أعمدة كان يُصعد إليها من خلال درج من الرخام الأبيض وأٌقيم فيها مذبح للتقدمات يقع إلى الشمال بمواجهة قدس الأقداس، كما كان الكهنة يدخلون إلى المعبد من الفناء الخارجي إلى الهيكل ثم من بين الأعمدة  ومن الجدير بالذكر أن أنصاب الآلهة كانت ترتفع على منصة في المحراب الأوسط، وفي المرحلة الثالثة أُضيفت دعامات خارجية للجدران في القرن الثالث وأُقيمت مرافق للسدنة حول المعبد، كما بُنيت قرية شمال المعبد تتألف من عدة بيوت تتوسطها ساحات مركزية وفيها حمام وظلت مأهولة حتى العصر البيزنطي .

ويوضح المخطط الداخلي للمعبد تناظراً متوازناً لأقسام المعبد حيث تقع غرفتان كبيرتان على اليمين واليسار معاً بينما تقع الغرف الأصغر إضافة إلى المخازن في عمق المعبد إضافة إلى غرفة مركزية تتوسط المعبد .

كما زُينت المنطقة المحاذية للمبنى بتصاميم حرم وأزهار هندسية بألوان متنوعة، وطُليت الأعمدة الداخلية بالحصى، ومن المُرجح أن المعبد كان مخصصاً لعبادة اللات ورُجح تاريخ بناؤه إلى النصف الأول من القرن الثاني الميلادي، وقد ذكر بعض المؤرخين أن المعبد كان مكرساً لعبادة الإله ذي الشرى ولأمه العذراء وهي العزى أفروديت وتم التأكد من ذلك عن طريق أجزاء من النصب المزينة بعينين يتوسطها الأنف بالإضافة إلى الكتابات التي أكدت هذه الرواية .

تم استعمال المعبد في العصر الروماني من القرن الثاني الميلادي ثم تعرض للنهب والحرق في أواخر القرن الثالث قبل أن يضربه زلزال 363 م .

د. معبد رم  

يعد معبد رم من أهم المراكز الدينية الأردنية النبطية، ويعود تاريخ تشييده إلى القرن الأول قبل الميلاد، وقد تم بناؤه على ثلاث مراحل.

تألف المعبد من بناية خارجية بطول 35*50 م وضم مقاماً داخلياً بطول 4*5 م، وبداخله صومعة مفتوحة باتجاه الشرق تحتوي في جدرانها الثلاثة على أعمدة متلاصقة بالإضافة إلى غرف جانبية، وقد ذكرنا أنه قد تم بناء المعبد ضمن ثلاثة أطوار، حيث ظهرت الأبراج المحتوية على درج بالإضافة إلى أجزاء أخرى في الطور الأول، وفي الحقبة الأولى كانت الصومعة محاطة بممر مشكلاً ساحة ذات أعمدة مفتوحة على الغرف الجانبية، كما تم اكتشاف درج أمامي عريض وتماثيل الآلهة التي وُقرت في هذا المعبد ومن المرجح أن تكون الآلهة هي اللات قرينة دوشرا إضافة إلى الآلهة الأخرى كـ بعل شمين سيد السماوات والعزى سيدة الينابيع ويبدو أن وجودها في محله بسبب موقع المعبد القريب من الينابيع كنبع عين الشلالة، بالإضافة إلى سلسلة المياه السطحية العذبة التي تقع بين الطبقة الصخرية والجسم الحجري الرملي لمرعى جبل رم.

هـ. معبد خربة التنور

يقع معبد خربة التنور في الطريق الجنوبي بين الطفيلة ووادي الحسا حيث يبعد ما يقارب 8 كم شمالاً عن معبد الذريح ويعود تاريخ بنائه إلى القرن الأول قبل الميلاد والفترة التي تليه وقد كان مكرساً لعبادة الآلهة النبطية أترغاتس إلهة السمك والحبوب والفواكه والخضار والتي زُين تمثالها بقوس كبير يبرز قرن واضح في كل فتحة من فتحاته أما الحجر الأوسط للقوس فهو لنسر مبسوط الجناحين ومن الجدير بالذكر أن التمثال نُقل إلى متحف الآثار في عمان، كما كان مكرساً لعبادة الإله حدد والذي كان يرافقه الثور في تمثاله، بُني معبد خربة التنور على تل عال ومنعزل وسط الساحة المنبسطة على رأس جبل التنور وقد تبين أن المعبد بُني كهيكل أومذبح بينما جزئه السفلي كان عبارة عن صومعة أو مقدس، واحتوت البناية الأصلية للمعبد على منصة المذبح على شكل حرف U ومن الجدير بالذكر أنه كان يتم تجديد منصة المذبح في جميع أطوار هذا البناء كما وُجد درج متسلسل يقود إلى المذبح وإلى سقف البناية السفلي، كما تم تقدير حجم المعبد بما مقداره 36*47 م والتي غطت المعبد وساحته الكبيرة مع ملاحق في الشمال والجنوب من مساحة المعبد، امتلك المدخل بوابة واحدة من الجهة الشرقية وامتلكت البوابة أعمدة متوجة من الطراز الكلاسيكي الأردني النبطي وزُين كل عمود بلوحات ورسوم لنباتات كالقمح ومنحوتات بارزة من الحجر لنساء بأغطية رأس، كما احتوى المعبد في الجهة الشرقية باتجاه مدخل المقام الخارجي والمذبح على مقام خارجي مكشوف يضم في داخله مقاماً داخلياً فريداً ومساحته 3.7*4 م، كما احتوى المعبد على العناصر الضرورية للعبادة في ذلك الوقت كالمحرقة والتي وُجد فيها لاحقا رماد وعظام لضحايا ضمن حفر في أرضية الساحة ومكاناً لحرق البخور على قمة المقام بالإضافة لركن لولائم العيد في الغرف الملحقة بالمعبد والتي تم العثور فيها على حجرات مميزة في بعض منها .

و. معبد الذريح

 يقع المعبد في الجهة الشرقية من خربة الذريح على الضفة الشرقية لوادي اللعبان بالقرب من خربة التنور وتُقدر مساحته بـ 45*115 م  محتويا على ساحتين كبيرتين وقد بُني المعبد على واحدة من هذه الساحتين بمساحة 16.8*22.8 م، كما تم الاستدلال من خلال النقوش التي وُجدت في المعبد على وجود مسؤولٍ لعين المياه والذي كانت وظيفته هي السيطرة على الزراعة والري كما عُثر على نص يعود إلى القرن السابع ما قبل الميلاد، ومن الملفت بهذا المعبد هو واجهته الأمامية ذات التصميم والزخرفة الجمالية والدقيقة، كما تم العثور على عشرين معبد أردني نبطي شعبي لخدمة الأردنيين الأنباط وتسهيل عباداتهم .

ز. معبد التوانه  

جرت تسمية هذا المعبد تيمناً بمكان وجوده، وله عدة تسميات كمعبد ثونا باليونانية أو باللاتينية ثورنيا، ويقع هذا المعبد شمال شرق العاصمة الأردنية النبطية بترا على الطريق الروماني، وجُسدت بقايا البناء بالمعبد بمساحة 20*23.6 م والذي بُني داخل حصن بقياس 86*113 م، كما احتوى المعبد في الجهة الشمالية على ثلاث غرف مستطيلة ذات أبواب تتوسطها الغرفة الكبيرة كما ارتبطت هذه الغرف مع بعضها بأبواب داخلية، ومن الجدير بالذكر أن المعبد بُني على الطراز النبطي كمعبد القصر .

ح. معبد ذات الرأس  

يقع معبد ذات الرأس في شمال وادي الحسا ويُعد أصغر المعابد الأردنية النبطية هناك، حيث قُدرت مساحته بـ 9.85*31.85 م ويمتلك مدخلاً جنوبياً محاطاً بمحراب على الجانبين، اقتصر تصميم المعبد على مقدمة المعبد التي تظهر لنا عند الدخول من البوابة والمقام ومساحتهما 3.70*2.40 م، وبأقصى شمال المعبد يقع المقدس بمساحة 2.73*6.22 م أما بقية أجزاء المعبد فقد اقتصرت على البوابة الجنوبية التي تحتوي على ثلاثة مداخل .

ط. معبد مُحي  

عُرفت هذه البناية على أنها معبد لأنها امتلكت خصائص بناء المعبد الأردني النبطي على غرار معبد القصر، ويقع على المنحدر الأسفل لتلة واقعة شمال وادي الحسا على مساحة 12*23 م، تركزت المداخل الثلاثة في الواجهة الشرقية بالإضافة إلى برج سّلمي بعرض 4.05*5.5 م على الزاوية الشمالية الشرقية للمعبد، أما المعالم الداخلية للمعبد فلم يوجد أية بقايا للمعبد ما عدا البرج السّلمي والجدار الخلفي الذي تم تشييده لاحقاً .

ي. معبد قصر الربة  

يعد معبد قصر الربة من البنايات التي تم تعريفها لاحقاً بالمعبد، يقع هذا المعبد المعزول في قلب مؤاب شمال الربة، وقد تم بناء المعبد بعناية ودقة عالية حيث استُخدمت الحجارة الكبيرة مربعة الشكل وقُدرت مساحة البناية 27*31.60 م، وقسم إلى ثلاثة أقسام وصومعة بثلاثة مداخل، إلا في الجهة الجنوبية اذ احتوت واجهته الرئيسية على مدخلين وُضعت في رواق معمد عميق من أربعة أعمدة، كما احتوت الواجهة الأمامية على أبراج سَلمية، أما الأجزاء الداخلية للمعبد فقد كان تقسيمها ثلاثياً مشابهاً لمعبد التوانه .

ك. معبد ماعين  

تم الاستدلال على هذا المعبد بناءً على الزخرفة التي احتوت عليها البناية كما استُخدمت حجارة المعبد الكبيرة في بناء جدار بسيط في ماعين جنوب مادبا، ومن الأجزاء الباقية في هذا المعبد وُجد عمود مستطيل متوج مع بقايا قرنين وتمثال لرأس صغير متكسر وكان هذا التمثال مشابهاً للتماثيل الموجودة في المعابد الأردنية النبطية في السويداء وسيع وخربة التنور مما يُرجح أنها كانت أماكن تعبدية لنفس الإله .

ل. معبد السويداء  

احتوى معبد السويداء على جميع العناصر الرئيسية للمعابد الأردنية النبطية كالمقدس والصومعة بالإضافة للجدران المقسمة من حوله كما امتاز بعدد الأعمدة التي يمتلكها والتي احتضنت الصومعة، ومن الجدير بالذكر أن ترتيب رؤوس الأعمدة غير معروف كثيرا في القسم النبطي الجنوبي ولهذا السبب حمل الجزء السفلي للرأس صفين من أوراق الإقنثا، كما احتوى المعبد على جدار خارجي على شكل بهو معمد.

م. معبد أم الجمال 

اقتصرت أدلة التعرف على هذا المعبد الأردني النبطي الصغير الذي يقع في الزاوية الجنوبية الغربية لمدينة أم الجمال على واجهة بعمودين ولا تتوفر معلومات أوفى عنه.

ن. معبد جرش  

على الرغم أنه لا يوجد لحد الآن أية آثار على وجود مستعمرة أردنية نبطية في جرش، لكنها كانت تحمل اسم جرشو في نقش عُثر عليه في بترا بالإضافة إلى اكتشاف بقايا معبد بُني على الطريقة النبطية في جرش، وقد أكد على ذلك العديد من القطع النقدية الأردنية النبطية والتي عُثر عليها في أعلى جزء من مدينة جرش حيث وُجد المعبد، وقدرت مساحة المعبد الصغير الأصلي بـ 24*27 م كا اكتُشفت بقايا لثلاثة أعمدة وأجزاء لجداري المعبد الواقعة في النصف الشرقي من التيمونس، كما توسط المذبح الساحة وامتلك الرواق أربعة أعمدة بالإَضافة إلى قبو يُرجح أنه كان مكاناً للدفن أسفل الرواق، أما خلف الصومعة كانت هناك مساحة صغيرة شكلت المقدس، وفي الجانب الشمالي للساحة هناك سلسلة من الغرف الصغيرة متعددة الاستعمالات كغرف  للتخزين وللنوم، ومن الأمور التي دعمت هوية هذا المعبد أنه بُني على شاكلة المعبد ثلاثي الأجزاء في مؤاب .

س. معبد ذيبان  

تم ذكره في التوراة بمعبد ديبون ويقع إلى الشمال من قصر الربة، وتم بناؤه بجانب جدار مصطبة، تكون المعبد من حظيرة خارجية بمساحة 14.5*15.5 م يتم الصعود إليها من خلال سلمين عريضين يقودان إلى مقدمة المعبد والصومعة ذات التقسيم الثلاثي وإلى واجهته ذات العمودين، كما وُجد مدخلٌ يقود إلى المقام بمساحة 13*5 م، كما تم العثور على غرف سفلية ذات سقوف مقببة أسفل الصومعة على ما يبدو أنها كانت تستخدم كممر سري، كما احتوى المعبد على درج عريض في واجهته، واثنان من السلالم العريضة التي تقود إلى مقدمة وواجهة المعبد ذي العمودين، ومن الجدير بالذكر أن مخطط هذا المعبد متأثر بشكل كبير بمخطط معبد قصر البنت بحيث يمتلكان نفس مساحة المقدس الواسع بالإضافة إلى الصومعة ثلاثية الأقسام .

ع. معبد عبدة  

يقع المعبد في النقب ومُقام على جدار مصطبة ضخمة مع برجين ذا أدراج واقعة في الزوايا الشمالية الغربية والجنوبية الغربية للمصطبة التي تطل عليه، كما تكون البرج السُلمي من رصيف “ركيزة، دعامة” محاطة بصفوف الدرجات للسلالم والفسحات بين الدرجات والتي من خلالها يقودنا الدرج العلوي إلى رواق واسع يشغل الجزء الغربي لجدار المصطبة، وقد تم إعادة تكريس المعبد في منتصف القرن الثالث بعد الميلاد لزيوس كما اتضح من العديد من النقوش التي اكتُشفت في منتصف القرن الرابع بعد الميلاد، وقد تم هدم المعبد وبناء كنيسة في الجزء الشمالي منه .

ف. المقامات  

تعتبر المقامات من الأماكن التابعة للمعابد وعلى أية حال من المُرجح أن تكون معابد بدائية أو مزارات توضع فيها أنصاب تدل على العبادة وربما كان هناك غرفة واحدة للتعبد، ومن أهم المقامات هو مقام القمر على جبل عطوف الذي زُينت واجهته عمودان مخروطيان ينتهي بقمة كل منهما هلال، وربما كان هذا المكان لعبادة القمر .

ص. سبيل الحوريات  

يُعد سبيل الحوريات معبداً لآلهة المياه العذراوات بنات الإله أوقيانوس، وفي الحقيقة هناك سبيلان للحوريات أحدهما شمالي والآخر جنوبي يقعان في وسط العاصمة الأردنية النبطية بترا في الوادي الواسع الذي يفصل بينهما جبلا الخبثة والمذبح وجبلا الدير وأم بيارة، والذي يُعدان امتداداً لوادي فرسا ووادي الثغرة .

تكون سبيل الحوريات من نافورة على شكل عين ماء متدفقة مخصصة للعذراوات آلهة الينابيع وعيون الماء (النيمفات) وكان هذا المكان بمثابة أماكن سكن وعبادة لهن حيث جمعت في تكوينها المعماري بين المغارة والمنزل وعين الماء والمعبد، كما اكتُشف بقايا معبد أو هيكل صغير أمام السبيل .

ق. الأماكن المرتفعة “المعلاّيات”  

تعد المعلايات أحد الأماكن التعبدية البارزة وهي عبارة عن مساحة كبيرة ذات شكل بيضوي محفورة في جبل في وسطها مذبح للعطايا، ويتكون المذبح من مسلتين صخريتين تشيران إلى الإله دوشرا والإلهة العزى وكان المذبح بكامل مكوناته يشبه معبد الأضاحي المكون من بناية لها أبراج وحصن ومكونة من غرف وفناء مكشوف محاط من ثلاثة جهات بمصاطب مقطوعة من الصخر وخزان صغير للماء ومن أحواض القرابين والمسلات . وهناك عدد من المعلاّيات الأردنية النبطية في البترا أهمها معلى القرابين على جبل المذبح الذي يمكن الوصول إليه عن طريق المواكب النبطي الذي يبدأ بالصعود قرب المدرج مروراً بوادي المحافر .

ر. المسلات

كانت المسلات عبارة عن أنصاب عمودية ذات أربع وجوه تستدق قليلا كلما ارتفعت بالإضافة إلى بعض الخطوط والحزوز العرضية وانتشرت المسلات في أنحاء البترا وقد حمل بعضها كتابات ونقوش كما أن لبعضها قاعدة مدورة، ويقع ضريح المسلات على الجانب الأيسر من الطريق المؤدي إلى باب السيق، اذ انتصبت أربع مسلات أمام الضريح حمل بعضها كلمة الرقيم وهو الإسم السامي للبترا، وكانت الأنصاب في الغالب دلالة على وجود المقابر الأرضية أو المرتفعة بين الصخور .

ش. الموتاب  

ويُقصد بالموتاب  قاعدة عرش الإلهن وقد تم عبادتها كشيء بارز للإله يدعو إلى الوقار والإحترام ذلك لإن الإله نفسه روحي لا يمكن تصوره، وقد تم ذكر قاعدة عرش دوشرا مرتين في النقوش الأردنية النبطية، والذي شكل تطابقاً مع النصوص المدونة على ضريح التركمانية في البترا، والذي يسمى دوشرا “إله سيدنا وقاعدة عرشه (موتابه) المساوية لكلمة (حريشا)” واشتقاق كلمة موتاب من الجذر يتب بمعنى يجلس، كما فُسرت كلمة حريشا بمعناها المحروس أو المحص، وتُعد مقارنتها مع الكلمة العربية حرس صحيحة كما أنها تُعطي معنى الديوان أيضاً.

ت. النُصب  

قد يُطلق عليها المنحوتات وهي عبارة عن حجارة منحوتة تشير إلى إله أو مركز وقد تكون أيضاً منحوتات بلا ملامح أو على شكل حيوانات دالة وقد اكتُشفت العديد من النصب في البترا.

نصب الأسد

 يقع باتجاه الإنحدار من معلّية المذبح إلى وسط المدينة باتجاه وادي فرسا، وهو عبارة عن أسد كبير تخرج من فمه نافورة ماء، ويشير إلى الإلهة العزى حامية المدينة .

نصب الأفعى  

تنتصب الأفعى الحجرية على قاعدة صخرية مربعة الشكل في وادي الثغرة وتشير إلى الآلهة الأم ومن المرجح أن تكون اللات أو العزى .

نصب النسر

ويقع فوق التلة التي تمر من نفق المثلم على اليمين منحوتاً على كوة ومنفرشاً في وسطها، إلا أنه غير واضح المعالم وربما أشار هذا النصب إلى الإله دورا إله البترا .

زب فرعون  

وهو نصب حجري يقع خلف المعبد الكبير في البترا وقد شاعت هذه التسمية الشعبية له وربما أشار إلى الإله دوشرا .

ث. المسجدا (الكوة)

يسمى محراب العبادة لدى الأردنيين الأنباط مسجدا وتعني هذه الكلمة المكان المقدس أو الهيكل وهي عبارة عن حنايا حجرية وكوى بيضوية ومستطيلة داخل جدار أو صخرة تشبه المحراب ونُحتت فيها رموز أو أشكال الآلهة وقد وُضعت فيها تماثيل الآلهة وانتشرت هذه الحنايا في البترا وفي السيق البارد حيث عُثر عليها في الصخور المتصلة بجبال أو الصخور المنفصلة، وفي السيق البارد هناك عدد كبير من الحنايا للإلهين ذو الشرى والعزى واقفين بين فهدين وذُكر فوقهما اسم التاجر الذي تبرع بنحتهما وهو سابينوس الكسندروس .

خ. المغارات

وهي عبارة عن كهوف اتخذها العابدون أماكناً للتنسك والزهد وعملوا على تطوير شكلها البدائي ليجعلوه ملائماً لعبادتهم وسكنهم بما يروه مناسباً من رموز وإشارات ومنحوتات وأشكال الآلهة، ومن أشهر المغارات في البترا مغار النصارى الذي يقع غرب منزل دورثيوس وقد تميز بصلبان محفورة على الجدران .

ألواح الجن

تعتبر هذه الألواح نوعاً من الأنصاب الحامية للمدينة لأنها تشير إلى الإله دوشرا حامي المدينة، ومن المُعتقد أن تكون استخدمت أيضاً كخزانات مياه إلا أن هذه النظرية ضعيفة لعدم اتصالها بقنوات تدخل وتخرج المياه منها، وقد تعددت تسمياتها حيث كانت تسمى بصناديق الآلهة لاعتقاد الأردنيين الأنباط بوجود قوة روحية فيها كالجن والتي احتلت مرتبة تلي مرتبة الآلهة عند الشعب الأردني النبطي، وتعد ألواح الجن أو الصهاريج كما شاعت تسميتها بأنها أضرحة ناقصة وتوجد في عدة أماكن في العاصمة الأردنية النبطية بترا، لكن يقع أوضحها على يمين الطريق المؤدي للسيق حيث يبدو الصهريج الأول كشكل الصندوق الحجري، زُينت واجهته بأشكال مثلثة تشير إلى الرمز النبطي المسمى بعلامة الغراب، كما زُين اللوح الثاني بأعمدة ذات غطاء، ويعلو اللوح الثالث قبة مضلعة صغيرة .

فن التصميم الداخلي للأردنيين الأنباط

من الممكن ملاحظة أن العناصر الزخرفية لم تقتصر فقط على النُصب والمنحوتات وإنما وصلت أيضاً إلى البيوت والحجر في البيوت الأردنية النبطية، وكانت هذه العناصر تجسيداً لواجهات وتفاصيل معمارية تمثلت في فتحات الأبواب والإطارات المحيطة بها، ومن الواضح أن الفنان الأردني النبطي الذي صمم هذه الديكورات كان يأخذ بعين الاعتبار مساحة المكان وكلفة التصميم إلى حد ما، ومن الأمثلة النادرة على التصميم الداخلي للبيوت الأردنية النبطية الغرفة التي تقع ضمن مجموعة غرف لمنزل على سفحة مزينة بنبات الصبار و خط طولي من أزهار الدفلى ومطل على وادي الصيغ وسط البترا، كما اعتبرت من أساليب التزيين النادرة التي وصلت إلينا من هذه الحضارة الشيقة، ومن الأمور التي تُؤخذ بالحسبان هي مكونات الألوان التي احتفظت بقوة ألوانها على مدى 2000 سنة، ومن المُعتقد أنه تم استنباط اللون الأحمر من برادة الحجارة التي تحتوي على تركيز عالٍ من أكسيد الحديد، بينما اللون الأصفر فقد تكون من خليط من المعادن أبرزها الكبريت والحديد، أما اللون الأسود الذي نجده في الخطوط الرفيعة فقد تم الحصول عليه بسهولة من خلال الكربون الناتج عن تفحم الحطب أو عظام الحيوانات، وبالنسبة لللون الأخضر فيُعتقد أن الأردنيين الأنباط قد جلبوه من مناجم النحاس في منطقة خالد الواقعة في وادي فينان في عربة .

سيأتي يوم يستحدث فيها الإنسان الحديث أسلوباً يسمح لنا بسماع صوت الأزاميل وهي تنحت في الصخر فنطرب على هذا اللحن الخافت والذي أتى من عمل شاق في حلبة صراع بين عظام الرجال وصخر الجبال، سيأتي يوم نستشعر فيه المزيد عن عظمة هذا الشعب وقوة يديه التي عظم وجودها وعَلا صداها في الأرض .

المراجع

  • عباس ، إحسان ، تاريخ دولة الأنباط ، ط1 1987 ، دار الشروق للنشر والتوزيع ، عمان ، الأردن .
  • أبو حمام ، عزام ، الأنباط تاريخ وحضارة ، ط1 2009 ، دار أسامة للنشر والتوزيع ، عمان ، الأردن .
  • الماجدي ، خزعل ، الأنباط (التاريخ ، الميثولوجيا ، الفنون ) ، ط1 2012 ، دار النايا ، دار المحاكاة ، سوريا ، دمشق .
  • العجلوني ، أحمد ، حضارة الأنباط من خلال نقوشهم ، ط1 2002 ، بيت الأنباط ، البترا ، الأردن .
  • المحيسن ، زيدون ، الحضارة النبطية ، ط1 2009 ، وزارة الثقافة ، عمان ، الأردن .