Latest articles
November 15, 2024
November 15, 2024
November 15, 2024
تمهيد
عرف المجتمع النبطي، كغيره من المجتمعات القديمة والحديثة، شكلاً قانونياً للمعاملات المدنية والحقوقية والجزائية الناظمة لحياتهم اليومية بما يكفل الحقوق ويعرّف الواجبات للأفراد والجماعات، وتشير الدراسات التاريخية والاجتماعية إلى أن المجتمع النبطي تطور مع الزمن من البداوة إلى التحضر نتيجة عوامل عديدة أهمها العامل التجاري، الذي لعب دوراً رئيساً في تحولهم الاجتماعي والاقتصادي، ولعل هذا التحول بدأ عندما استقر الأنباط في البترا، حيث فَرض عليهم نمط الاستقرار احتياجات جديدة لتنظيم حياتهم في النواحي التجارية والمدنية الأخرى بما يتناسب مع ظروف المجتمع الجديد المتحول في أُسلوب حياته.
وكان مفهوم شيخ القبيلة أو الجماعة هو نمط السلطة القائم لدى المجتمع النبطي في بدايات تكوينه، كغيره من المجتمعات البدوية المتنقلة التي عاشت في الأردن، ومن ثم بدأت السلطة تنتقل ببطء من سلطة الشيخ على الجماعة أو الجماعات إلى الاعتراف بالشيخ ” كسلطة اجتماعية مطلقة، التي تطورت لاحقا إلى لقب “ملك ” فيما رافق هذا التحول الاجتماعي الجديد استحقاقات موازية فرضتها عليهم طبيعة المرحلة، واتساع نمط العلاقات بين الأفراد والجماعات داخل الدولة الجديدة، فشملت شتى مناحي الحياة اليومية للأردنيين الأنباط. وكان القانون واحداً من أَهم المظاهر التي شهدت تغيراً واكب نمط الحياة الاجتماعية الجديدة.
يتميز نظام الحكم لدى الأردنيين الأنباط أنه لم يكن ملكياَ فحسب، بل كانت لديهم أسرة ملكية بمعنى أن الحكم كان متوارثا في تلك الأسرة.
تاريخ البحث في التشريعات النبطية
حظيت دراسة المظاهر القانونية في المجتمع النبطي باهتمام عدد من الباحثين في العقود الماضية، ولكن الجزء الأغلب من هذه الدراسات جاء مقتضباً في مناقشة الجوانب القانونية والتشريعية، ويعود السبب في ذلك إلى عدم اكتشاف مدونات تتضمن تشريعات نبطية تمكن الباحثين من تصور وإعادة بناء هيكل المؤسسة القانونية النبطية، وظلت أغلب الدراسات مقصورة على التعليق على الكتابات الجنائزية على واجهات المدافن في مدائن صالح، ومن بين هذه التعليقات ما قام به A. Jaussen و R. Savignac، من تدوين لبعض الملاحظات حول التشريعات القانونية النبطية عبر دراستهم لنقوش مدائن صالح.
وكان لاكتشاف عدد من المخطوطات -البرديات- النبطية في منطقة البحر الميت، التي تضمنت عقوداً قانونية متنوعة، صدىً كبيراً لدى المهتمين، فقد أعطى هذا الاكتشاف الأمل في الحصول على معلومات أكثر وضوحاً حول التشريعات النبطية، حيث نشرStarcky. J في عام ١٩٥٤ أول هذه البرديات، التي اشتملت على أحد العقود النبطية، والذي احتوى معلومات جديدة في مجال التشريعات القانونية النبطية ثم تناول Y. Yadin في عدد من المقالات موضوع التشريعات القانونية النبطية من خلال التعليق على برديات البحر الميت، كما قامت A. Yardeni بنشر كتاب تضمن عدداً من المخطوطات الآرامية والعبرية، إضافة إلى ثمانية عقود قانونية من منطقة البحر الميت، حيث قدمت قراءة وترجمة لها، ومن ثَم قام مهدي عبد العزيز بكتابة أطروحة دكتوراة في عام ٢٠٠١ حول الصيغ القانونية في النقوش النبطية، تضمنت دراسة تحليلية لمخطوطات البحر الميت، ودراسة عدد من مظاهر الحياة القانونية النبطية، كما نشر لاحقاً دراستين حول التشريعات النبطية كان أولها يتضمن ملاحظات حول بعض مظاهر الحياة القانونية عند الأنباط .
الإطار التاريخي للنقوش القانونية الأردنية النبطية
ظهرت الكتابات النبطية التي تتضمن صيغاً قانونية، كنصوص المدافن، في فترة تاريخية بدأت منذ عهد حكم الحارث الرابع، ولعل في هذا مؤشر إلى أن فترة حكم هذا الملك (٩ق.م-٤٠م) التي عرفت بالعصر الذهبي للأنباط، قد شهدت تحولاً جذرياً في تنظيم المعاملات القانونية وطريقة تدوينها، ونرى أن هذا التطور القانوني مر بمراحل واسعة من التطور، حيث بدأ النظام القانوني النبطي في مراحله الأولى على أعراف متداولة يمثل الشيخ فيها رأس السلطة، وقد يمتد نظام القضاء العشائري الأردني إلى هذه الحقبة، ولعل فترة حكم الملك الحارث هي الفترة التي شهدت ذروة التطور القانوني وبدء تدوين المعاملات القانونية.
إن أهم العقوبات الموثقة في النظام القضائي الأردني النبطي هي الغرامات المالية واللعنات، ولكن حجم هذه العقوبات يتفاوت من نقش لآخر، كما أن بعض الدارسين لاحظوا أن الدين كان أحد المصادر الرئيسية للتشريع في المجتمعات القديمة ومنها المجتمع الأردني، في حين كان الدين أيضاً هو المصدر الرئيسي للتصورات والمفاهيم في شتى مجالات الحياة والعلم أيضا، وهذا لا يعني أن كل القوانين والشرائع والرؤى والأنظمة كان مصدرها دينيا، بل أن الكثير منها ألبس عباءة الدين للاستعانة بالدين لإضفاء الهيبة والإحترام والثبات على تلك التصورات أو الأنظمة أو المفاهيم ومن الأمثلة على ذلك ما حملته بعض نصوص اللعنات التي كانت تفرض غرامات محددة للآلهة في حال حصول التعدي على حرمات المقابر.
وتشير بعض العقود النبطية، إلى وجود قاض في المؤسسة القانونية النبطية، فيرد في أحد النصوص ” وق ب ل ت م ل ك و د ي ن و ف ت و ر ا و ا س ر ت ج “واشتكيت أمام الملك والقاضي والمفسر والحاكم”، وفي ذلك أيضاً إشارة إلى أهمية رتبة القاضي، حيث ذكر في الترتيب بعد الملك وقبل المفسر والحاكم.
القواعد و الأعراف و القوانين النبطية
إن المصدر التاريخي الأساسي لدراسة القانون النبطي الأردني هو نقوش الأضرحة لأنها نصوص ذات صفة قانونية، و تحوي شروطاَّ حول استخدام الضريح، وإرث الضريح، و تقسيمه، والغرامات المتعلقة بسوء استخدامه.
و قد وجد في الحِجر حوالي 30 نصباَ وعددا قليلاَ من النصوب وجد في البترا، إلا أن هناك نقشاَ مهماَ وجد على ضريح في البتراء يشير إلى جوانب قانونية، وهناك نقش آخر يحمل نصا قانونيا في مادبا، وأحد هذه النصوص يشير بالتحديد إلى حقيقة أن نسخة من هذا النص، ربما النص الأكمل تم وضعه في معبد لأحد آلهة الأردنيين الأنباط، وهذا ينطبق على كل الحالات، ما يعني أن الوثائق المنقوشة على واجهات الأضرحة هي نصوص قانونية و ليست مجرد تحذيرات لعدم التدخل في الضريح.
ومن الجدير بالملاحظة أن الكلمة النبطية للنسخة القانونية هي “ن س خ ت” و المأخوذة عن الأكادية “نسخانو” و تعني “سجّل رسمي” ول را ن ا ك وت ون س خ ت د ن ه ي ه ب [ب ب ي ت ق ي س ا ب ي ر ح ن ي س ن س ن ت ا ر ب ع ي ن ل ح ر ت ت “و لسيدنا بنفس المقدار وفقا للنسخة الموضوعة في معبد قيسا في شهر نيسان، السنة الأربعين للحارثة”. كما أن النسخ كانت تحفظ في سجل مدني.
وعند وضع قوائم تحريم قانونية من قبل كاتب النقش، فإن هناك آثارا لصيغ قانونيا وجدت أيضا في نصوص نبطية، مثلا الفعل “م ش ك ن” يترجم “إعطاء ضمان”. و هناك فعل أقل شيوعا و هو “ر ه ن ” (رهن)، وهو مرادف للكلمة (م ش ك ن)، ورهن كلمة وجدت أيضا على خاتم آرامي، وفي وثيقة غير منشورة محفوظة في بروكسل.
(( وواحد من أفعال التحريم القانونية الأخرى هو تغيير النص فالكلمة المستعملة لذلك هي “غير”، و هي اسم و تعني غير، من الجذر العربي غير بمعنى “ليس” متبوعة بالمضاف إليه.. و الكلمة تتبع باسم أو ضمير، هكذا:( و م ن د ي ي ع ب د ك ع ي ر م ن د ي ع ل ا ك ت ي ب) “وكل من يقوم بغير هذا المكتوب أعلاه” أو “م ن ي ق ب ر ب ه ع ي ر ك م ك م) أو “الذي يدفن فيه واحد غير كمكم – اسم شخص على الأغلب ” (و م ن ي ع ب د ك ع ي ر د ن ه)، “وإذا قام أي أحد بغير هذا ” (و م ن د ي ي ع ب د ك ع ي ر د ن هـ)” وأي كان يقوم بغير هذا “، (ا وي ك ت ب ا وه ب ه ا وع ي ر ه ل ا ن وش ك ل ه)” أو كتب صك هبة أو إعارة لأي واحد “(و م ن ي ع ب د ك ع ي ر د ي ع ل ا )” وأي كان يقوم بغير ما ذكر أعلاه “( ع ي ر م ن ع ل ا ك ت ي ب)” ما عدا هؤلاء المكتوبين أعلاه “، و هذه الكلمة تأتي كفعل مضارع للمذكر الغائب و تعني يغير\يبدل ( و ا ن د ي ي ع ي ر ول ا ي ع ب د ك د ي ع ل ا ك ت ب ي )” وأي كان يغير أو لا يقوم وفقا لما كتب سابقا “.، وهذا يعتبر أحد عناصر البناء القانوني والتشريعي لدى الأردنيين الأنباط، إلى جانب العقوبات والتنظيم التجاري وغيرها.
إن الناحية القانونية واضحة في النقوش الضريحية للاستخدام الكلي للضريح أو جزء منه، و هذا يعني أن النصوص قانونية و هي كصكوك رسمية حقيقية، ومعمولة خصوصا بصورة واضحة بأمثلة قليلة متضمنة لتقاصيل دقيقة عن هوية الشخص الذي عليه استعمال أي جزء من الضريح المشار إليه.
أنماط الكتابات القانونية النبطية
إن التشريعات التي كانت سائدة في الأردن في الفترات السابقة كانت عبارة عن أحكام إلهية تطورت إلى سوابق قضائية وصيغ قانونية، ثم أصبح القانون مجموعة من التقاليد الدينية، التي تطورت مع تطور المجتمعات إلى إحكام قانونية مدنية ذات طابع ديني في قضايا معينة، وفي مرحلة نضوج التشريعات والمؤسسة القانونية، أصبحت القوانين ذات صبغة مدنية تصاغ بمعرفة السلطة.
ويضاف إلى هذا مدونات قانونية تتضمن تشريعات وعقوبات تترتب على مخالفيها، قد وجدت في المنطقة، وقد أسهمت هذه المعطيات في فهمنا للتشريعات النبطية عن طريق المقارنة، وتجدر الإشارة إلى أن التشريعات القانونية التي سادت في الأردن في تلك الفترة، تأثرت بعض الشيء بالتشريعات القانوية الأكادية والرومانية، فقد انتقلت التأثيرات الأكادية إلى التشريعات والصيغ القانونية النبطية عن طريق الآرامية، ويظهر هذا الأمر جلياً عند دراسة العقود النبطية في برديات البحر الميت، فثمة العديد من الألفاظ والصيغ القانونية الواردة في العقود النبطية، قد نقلت عن الآرامية، التي أخذتها هذه الأخيرة عن الأكادية، ومن أمثلتها: د ي ل ا د ي ن و ل ا د ب ب “ولن يكون لا مقاضاة ولا اعتراض ولا حلف يمين“، و ل ا م ت ن و ب ك ل ش ه ي د “لا طعن بالشهود” ، وهذه الصيغ تشبه ما ورد في النصوص الآرامية من وادي الفيلة، حيث ترد الصيغة الآتية: و ل ا ن ك ه ل ن ر ش ي ك د ي ن و د ب ب “ولا يحق لنا المقاضاة “، (ويبدو من خلال الصيغة القوية للمعاملات أن الأردنيين الأنباط نقلوا بعض هذه الصيغ بشكل مباشر عن المعاملات الأكادية)، لقد دونت الكتابات النبطية بعضاً من المظاهر القانونية التي كانت سائدة لدى الأردنيين الأنباط، ويمكن تقسيم هذه الكتابات الى نمطين رئيسين: أولهما الكتابات ذات المحور القانوني، وتتمثل على نحوٍ رئيس في العقود القانونية من وادي الحفير، غرب البحر الميت، التي اشتملت على عقود توثق بيع مزارع نخيل، وعقد فك رهن، وعقد توثيق دين، وعقد تأجير أرض زراعية ، ويشمل النمط الثاني الكتابات التي لم يكن موضوعها الأساسي قانونياً، وإنما وردت فيها بعض الصيغ والمظاهر القانونية، ويتمثل هذا النمط على نحوٍ رئيس في نقوش واجهات المدافن التي تحمل إعلانات ملكية المدافن، إضافة إلى بعض الصيغ الخاصة بملكية المدفن والحقوق المتعلقة بصاحبه وبالورثة من بعده، وهي نقوش جنائزية ذات صيغ قانونية خاصة، إذ إنها تحتوي على شروط استخدام المدافن ووراثتها وبعض الغرامات والعقوبات المتعلقة بذلك وقد أشارت هذه النقوش إلى جوانب مهمة من مظاهر الحياة القانونية للأردنيين الأنباط، فاشتملت على إشارات حول مفهوم الجريمة والعقاب، ومفهوم الالتزام، ونظام الميراث، وأثر السلطة المدنية والسلطة الدينية في المعاملات القانونية.
دلالات مصطلح “ب ي ت ق ي ش ا”
ثمة إشارات في النقوش النبطية إلى وجود مكان تحفظ فيه الوثائق والمعاملات القانونية اليومية، ويتضمن النقش الجنائزي، إعلان ملكية مدفن، حيث يمكن قراءته على النحو الآتي: – و ل م ر ا ن ا ك و ت ك ن س خ ت د ن هـ ي هـ ي ب [ب ب] ي ت ق ي ش ا ويفسر الباحثون مصطلح “ب ي ت ق ي ش ا” على أنه إشارة إلى “معبد الإله ق ي س”، حيث كانت نسخ من المعاملات القانونية تحفظ في هذا المعبد، وهناك من يرى أن المصطلح قد يعني “بيت القياس” في إشارة إلى أرشيف تحفظ فيه المعاملات القانونية، ونستطيع مقاربة اللفظة النبطية “ق ي س ا” بالعربية “قياس”، والألف في نهاية الكلمة هي أداة التعريف الآرامية، ويقال في العربية قاس الشيء يقيسه قيساً وقياساً إذا قدره على مثله، وجذره قَيس ولعل في هذا النقش إشارة إلى وجود بيت للقياس يشبه من حيث وظيفته، ما يسمى في أيامنا هذه بـ “الأرشيف”، حيث تحفظ فية نسخ من المعاملات القانونية يرجع إليها في حال وقوع خلاف، ومن المحتمل أن بيت القياس هذا كانت تحفظ فيه بعض التعليمات القانونية أيضاً، ولم يكن مكاناً لحفظ الوثائق القانونية فحسب، ويعتقد هنا أن ورود مصطلح “ب ي ت ق ي ش ا” في النقش، ما هو إلا تذكير بالنص القانوني الموجود في بيت القياس، الذي يشير إلى وجوب دفع مبلغ من المال كعقوبة جزائية تقع على كل من يعبث بالمدفن، أو يخالف ما ورد فيه، يدفع للإله ممثَّلاً في الكاهن، أو للسلطة المدنية ممثَّلة في الملك أو من ينوب عنه في المنطقة التي تقع فيها المخالفة، ولكننا لا توجد أدلة كافية تؤكد هذا التخمين.
ويرى جون هيلي إلى أن لفظة “ن س ح ت ا” تعني “سجلاً حكومياً”، وهي ترتبط أصلاً بالكلمة الأكادية “ن س خ و”، وأن نقوش المدافن على نحوٍ ما تمثل وثائق قانونية وليست مجرد وثائق تحذر من انتهاك حرمة المدفن، ويشير النقش (204 II CIS (الذي وجد منحوتاً على واجهة أحد المدافن في الحجر، إلى أن أحد الأشخاص قام بعمل المدفن، وأنه يهبه لزوجته بموجب الوثيقة التي بيدها، وقد جاء فيه: – م ن ز م ن ش ط ر م و هـ ب ت ا د ي ب ي د هـ د ي ت ع ب د ب هـ ك ل د ي ت ص ب ا م ن (٢٦ ) ب أ ب ش ن ت (٢٥ ) ل ح ر ت ت م ل ك ن ب ط (من تاريخ عقد الهبة الذي بيدها والذي تعمل به (بموجبه) كل ما تريد منذ ٢٦ آب سنة ٢٥ للحارث ملك الأنباط“، إن الإشارة إلى وثيقة الهبة الواردة في النقش، التي تخول الزوجة حرية التصرف في المدفن منذ تاريخ منحه لها من قبل زوجها، تشير إلى أن ثمة صك هبة متوافر بين يدي الزوجة، كنسخة أخرى عن النقش الموجود على واجهة المدفن، وربما يكون المقصود بعبارة ” ش ط ر م و هـ ب ت ا د ي ب ي د هـ” هو (عقد الهبة الذي بيدها)، وهو إشارة إلى وجود نسخة من وثيقة الهبة في مكان تحفظ فيه نسخ من المعاملات القانونية للأفراد، ويُعتقد أن هذا المكان يشبه “ب ي ت ق ي ش ا” إن لم يكن هو ذاته، خاصة وأن النقش المشار إليه (204 II CIS ) هو من المنطقة نفسها التي وجد فيها نقش (CIS209 II ) الذي يذكر مصطلح “ب ي ت ق ي ش ا”، إضافة إلى أن كلا النقشين يعودان إلى فترة حكم الملك الأردني النبطي الحارث الرابع، ولا يفصل بينهما سوى خمسة عشر عاماً، فيؤرخ النقش الأول إلى السنة الخامسة والعشرين للحارث الرابع (٩ ق.م -٤٠ م.) بينما يؤرخ الآخر إلى السنة الأربعين لحكم الملك نفسه. ومن جهة أخرى فإن الإله (ق ي س) لم يظهر في الكتابات النبطية سوى في أسماء الأعلام المركبة وبالإضافة إلى هذا فإنه “ق ي س” لم يرد في أي من نقوش الدفن النبطية على أنه إله يتلقى الغرامات المالية من المخالفين، ولم يرد أيضاً له ذكر بين الآلهة الذين ستحل لعناتهم على كل من يخالف ما ورد في النقش خلا في نقش واحد من الحجر، حيث ورد اسم الإله “ق ي ش ا” مع الآلهة الذين ستحل لعناتهم على من يخالف ما ورد في النقش، وجاء ذكره بعد ذي الشرى ومناة، لذلك يُرجح الباحثين أن معبد الإله “ق ي س” هو المكان الذي يحتفظ به بنُسَخ من عقود إعلان ملكية المدفن.
وسواء كانت عبارة “ب ي ت ق ي ش ا” تشير إلى معبد الإله “ق ي س” أو إلى بيت القياس (الأرشيف)، فإن ما يعنينا هو ورود هذا التأكيد بأن أجدادنا الأردنيين الأنباط وثَّقوا عقودهم واحتفظوا بها في مكان خاص تحفظ فيه المعاملات القانونية وهو “ب ي ت ق ي ش ا”. ونخلص مما سبق إلى الاعتقاد بأن الأردنيين الأنباط قد احتفظوا بسجلات مكتوبة توثق معاملاتهم القانونية اليومية لتكون مرجعاً قانونياً.
القانون الدستوري ونظام الحكم الأردني النبطي
على الرغم من تماسك الأسرة الحاكمة للمملكة الأردنية النبطية، واسباغها صفة الألوهية على الملوك لتبعد كل المدعين الطامحين بالسيطرة على الحكم، وأحاطت الحاكم من تلك الأسرة بروابط أخوة، وفي ذلك بالإضافة إلى معنى المشاركة في المشورة وبعض المسؤولية، رغبة في إضفاء نوع من وحدة “هيئة الحكم” ، فزوجة الملك أخت له وصورتها تظهر مع صورته على النقود، ووزير الملك أخ له، وكلاهما بهذه الأخوة يشاركه المسؤولية أو جانباَ منها في الحكم، فظهور صورة الملكة على النقد ليس تكريماَ وحسب، بل يومئ إلى نوع من المشاركة، ومما يثبت أن أخوة “الملكة” لم تكن بالدم- وإنما برابطة الوفاق والمشاركة- أن الوزير كان يعد أيضاَ أخاَ للملك وليس هو بأخ له حقيقة، والملك يسمى بالنبطية “ملكو” أو “منكو” وزوجته تسمى “ملكا” وقد يخاطب أحياناَ ب “مرنا” وهي لفظة تعني سيدنا أو ربنا، إلا أننا نستطيع الإدعاء بأن نظام الحكم كان ديمقراطياً متجاوزاً بمراحل الحالة الطبيعية للأنظمة الحاكمة في تلك الحقبة الزمنية، حيث أن الملك كان يخدم نفسه بنفسه ويقوم على خدمة الضيوف، ويقدم حساباته وشؤونه الخاصة إلى مجلس شعبي، وهو كريم سخي، ويعمل بطريقة ديمقراطية، كما أن المجلس الشعبي آنذاك كان يشبه مجالس الشورى في أيامنا هذه، ولعله في الوقت نفسه كان يحظى بدور تشريعي أو قضائي، مما يعني أن التشريع النبطي كان مستمداً من البيئة النبطية، ومتجانساً مع المجتمع النبطي.
كما كان هنالك نموذجاَ للسلطة التنفيذية ممثلاً بالوزير، الذي كان مسؤولاَ عن السفارات في الخارج، وإجراء المفاوضات، وعقد الاتفاقات، كما كان هنالك ما يسمى (Ethnarch) وهو نائب الملك، مهمته رعاية مصالح الأردنيين الأنباط في الخارج. وتذكر النقوش مصطلحات أخرى لعلها كانت وظائف في الدولة، منها:
مسعر (م س، ر) بمعنى مفتش، وقارئ (ق ر ء) وهي وظيفة دينية، وتتكرر في النقوش الأردنية النبطية لفظة “أفكل” التي تعني وظيفة دينية أيضاَ بمعنى “الكاهن” أو سادن المعبد.
الألقاب الملكية في المملكة الأردنية النبطية
1. م ل ك ا (الملك)
إن أول مصطلح يشير إلى أعلى الألقاب وأرفع الرتب في المملكة النبطية هو لقب “الملك”، و أغلب الباحثين يرون أن الحارثة المذكور في كتاب المكابين 5\7-9 هو أول ملك نبطي، والذي أطلق عليه لاحقا الحارثة الأول، لكن هذا غير مؤكد لأن لقبه المذكور في هذا الموقع ليس بمعنى “الملك” وإنما الحاكم المطلق، المشرع، وحامل هذا اللقب لا يكون بالضرورة ملكا، ولقب الحاكم المطلق الذي أطلق على الحارثة الأول يشير إلى أن الأنباط كانو أساسا مستقلين وتحت قيادة الحارثة في القرن الثاني قبل الميلاد. ”
وكان اللقب مرنا (سيدنا) يطلق على الملك، فيقال: مرنا الملك ( بمعنى سيدنا الملك)، ولقد أعطيت زوجة الملك لقب الملكة، وهذا يوضح استخدام وقبول لقب الملك بكل مضامينه، ومن المحتمل أن يكون الملك النبطي أقل امتلاكا للسلطة المطلقة، وهو عبارة عن شيخ أو رئيس يمتلك القيادة والتشريع، و يعد عبادة الثاني أول ملك نبطي حمل لقب باسيليوس – ماذا يعني ؟ – على قطعة النقدية، وحمل نفس اللقب بعده الحارثة الثالث (84-71 قبل الميلاد)على قطعه النقدية أيضا.
2.م ل ك ت (ملكة)
و من الصعوبة أيضا تحديد العلاقة بين الملوك والأنباط والعائلة المالكة، إضافة لزوجة الملك التي تحمل لقب الملكة، وهناك أيضا بعض النساء من العائلة المالكة، خصوصا أخوات الملك حملن لقب الملكة أيضا، ففي نقش عثر عليه في وادي موسى يشير إلى الملكة شقيلات الأولى الأخت، الزوجة للحارثة الرابع: 2-.. و ع ل ح ي ي ش ق ي ل ت ا خ ت ه م ل ك ت ن ب ط و 4-..ج مل ت م ك ن ب ط و
2-”.. و لحيات شقيلت أخته ملكة الأنباط 4…-”… و لحياة جميلة ملكة الأنباط… . كذلك فصيئل (جاء هذا الإسم مذكرا و مؤنثا) ذكرت كملكة للأنباط ، على الرغم من أن هؤلاء الإخوات لم يكن زوجات أو أمهات للملوك، وكذلك لقب الملكة قد تتقاسمه أكثر من امرأة واحدة في نفس الوقت، أي أن أخوات الملك يمكن تسميته الواحدة منهن بالملكة، وهذا يعني أن (اللقب) كان يحمل أكثر من دلالة مما نفهمه نحن في مغزى لقب الملكة، وفي نفس الوقت، فإن لقب الملكة يعود إلى المرأة الأولى في المملكة، زوجة الملك أو أمه، خصوصا الملكات المذكورات على المسكوكات، و كانت صورة الأم توضع على القطع النقدية إشارة إلى دور الوصاية من الأم على إبنها الملك إذا كان قاصرا.
- م ر ا (السيد)
إن الكلمة التي تصاحب لقب الملك هي م ر ن ا – امرؤنا (سيدنا). و امرؤ هو (الرجل) بينما مرأة ( المرأة)، وكلمة م را بمعنى سيد تأتي على شكل م ر ا ن ا و تعني (سيدنا)، وفي بعض الأحيان تأخذ مكان إسم الملك (ف ا ي ت ي م ع م ه ل ن ر ا ن ا)” فليحضر معه لسيدنا، لكن اللقبين كليهما يظهران أحيانا معا في عبارة واحدة. أو في التعبير” سيدنا عباده ملك الأنباط”، و قد ظهر اللقب عبارة عن سيدنا الملك: و ل ر ا ن ل ح ر ت ت م ل ك ا، وورد في كتابات الحضرعلى شكل (م ر ا د ي ع ر ب) الذي من الممكن تفسيره كزعيم أو شيخ، وهذا مواز لمنزلة الملك حيث أطلق هذا اللقب على ملك الرها.
و يتبع هذا اللقب أحيانا اللقب اليوناني(ه ج م ون) الذي يعني “حاكم”، ووجد اللقب (مرنا) في نص من حوران (29-30 ميلادي) بينما الحاكم المذكور هو فيليببن هيرود الكبير الحاكم لحوران والتراخونية – منطقة في جنوب سوريا شمال الأردن – ( 4 قبل الميلاد-34 ميلادي).
موظفو الدولة الرسميون
1- ا خ م ل ك ا (أخ الملك)
يبدو أن الأردنيين الأنباط قد عرفوا منصب الوزير أو ما شابه ذلك مثل نائب الملك أو ممثله للخارجية، إن حامل هذا اللقب هو سلي الذي يتكرر ذكره في النقوش النبطية ( د م ه ك ف ر ا د ي ع ب د س ل ي ا س ر ت ج ا )” هذه المقبرة التي بناها سلي القائد”، وربما كان وزيرا للملك أو نائبا عنه أو ممثله خارج المملكة الأردنية النبطية و قد يعني هذا اللقب رئيس الوزراء و سلي هذا من صاحب إيليوس جاليوس في رحلته لجنوب الجزيرة العربية في سنة 26 قبل الميلاد، وإضافة للنقوش النبطية العديدة التي ذكرت اسم سلي، قام سلي نفسه بنصب نقشين مكتوبين باللغتين النبطية واليونانية، وهذا النصوص تلتمس مساعدة الآلهة لدعم الصحة و العافية لعبادة الملك، كتبت بعد صراع بين سلي وهيرود بسبب حملاته على العرب في اللجاة، وهذا النص مكرس لدوشرا إله الأنباط في معبد أبولو في ميليتوس ويقرأ النقش:”( س ل ي ا ح م ل ك ا ب ر ت ي م و … م د ت ا ع ل ح ي ي ع ب د ت م ل ك ا ب ي ر ح ط ب ت س ن ت ..)” سلي أخ الملك، ابن تيمو تقديرا لحياة عبادة الملك، في شهر طبت في سنة النص اليوناني “.
كما ورد في نقش الحارثة الرابع في السطرين السابع و الثامن: “( و ع ل ح ي ي ج م ل ت وه ج ر وا ح وت ه م ل ك ت ن ب ط وب ي م ل ك و م ل ك ا م ل ك ن ب ط و )” وعلى حياة جميلة و هاجرو أخواته ملكات نبطو أبناء ملكو الملك ملك الأنباط… ” و كانت هناك تعددية للملكات النبطية خلال فترة حكم ملك واحد مع الاستخدام المفرط لمصطلح “أخت” للأقرباء وزوجات العائلة المالكة، و من الجدير بالذكر أن الكلمة (أخ) في اللغات السامية هي كلمة ذات معان متعددة، وتتضمن كل العلاقات الإنسانية و الصداقة، والتحالف وكل المستويات المختلفة للرابطة والقرابة التي تربط بين الإنسان والأخ، ما عدا علاقة الأبوة، وقد فسر المعنى الحرفي للقب “أخ” هو برئيس الوزراء، الذي وصفه العديد من الباحثين، وهذا ربما يكون لقب وظيفة معينة، ولكنه قد يشير أيضا إلى علاقة قرابة فعلية، وهذه الوظيفة تحمل لقب (epitrop) باليونانية، وإذا كان هذا المنصب، مع الصيغة اليونانية للقب، موازيا ومرادفا للكلمة الرومانية قاضِ( Procutor)، عندها تكون المكانة والوظيفة عبارة عن مزيج لموقع وزير المالية والعدالة، مع رتبة عسكرية، كما إن سلي هو الوحيد المعروف الذي حمل هذا اللقب، وظهر أيضا امتلاكه لمهام دبلوماسية، حيث أنه قام رسميا بزيارة بلاط الملوك هيرود وأغسطس.
و إذا كان سلي حقيقة الأخ الفعلي أو الشقيق للملك الحاكم، فهناك احتمالية ولايته للحكم، فيما إذا كان التوارث الأخوي بالحكم هو السائد، ولكن هناك إشارات تظهر أن ولاية الابن بعد الأب هي السائدة، ولذلك من الصعوبة بمكان أن يكون سلي أخا الملك و ابن الملك نفسع معا، و على أية حال، لم تكن الولاية من خلال نسب المرأة، حيث إن ظهور الملكة الأم على القطعة النقدية يشير إلى دور الحاكم المعاون (المشاور) للملك، والاحتمال الأقوى أن معنى اللقب هو مجرد وصية على العرش لابن غير متزوج أو تحت السن القانوني لتولي الحكم.
2 – ر ب م ش ر ي ت ا “قائد العسكر”
لقد ظهر هذا اللقب مرتين، مرة في نقش من مادبا، يؤرخ إلى 37 ميلادي:
… د ي ع ب د ع ب د ع ب د ت ا س ر ت ا ج ا (هذا الذي صنع عند القائد)
ل ا ي ت ب ل ا س ر ت ج ا ا ب وه ب ول ا ت ي ب ل (ل ايتيبل الثاني القائد ول ايتيبل أبيه)
ر ب م ش ر ي ت ا (قائد المعسكر. و في نقش من الجوف: م ح ر م ت ا د ي ب ن ه ر ب \ م ش ر) هذا الذي صنع عند القائد، قائد المعسكر، م ح ر م ت ا د ي ب ن ه ر ب \ م ش ر ي ت ا” المحرم الذي بناه قائد المعسكر”، و ظهر اللقب في تدمر، ويشير إلى وظيفه عسكرية، وترجم على أنه قائد معسكر، والنقش من الجوف يشير إلى الطبيعة العسكرية للقب، حيث كان فرد اسمه غنمو ابن دماس ايبوس الذي عمل رئيسا للمعسكر (ر ب م ش ر ي ت ا) الواقع في واحة الجوف خلال السنة الخامسة من حكم الملك مالك الثاني ( 45 ميلادي)، و لقد افترض أن اللقب يعتبر مرادفا ل (Stratopedrach) اليوناني أو (praefectuscastrorum) اللاتيني.
حيث يرى كل من ر. سافيناك وج. ستاركي أن هذا اللقب، وفقا للرتبة والوظيفة يعد مرادفا رومانيا لوظائف مساعد ضمن الوحدة العسكرية مع ( رب م ش ر ي ت ا ) الذي عرف ب Stratopedrach أو Praefectuscastrorum، أي الضابط المسؤول عن تهيئة و إدارة المعسكر، فالتكوين الوظيفي و التنظيم العسكري النبطي مستدان إذن على نماذج رومانية و يونانية قديمة، وهذا المنصب هو أقل من رتبة ستراتيجوس، وهذا الافتراض قد بني على أساس نقش من الجوف تم ذكره سابقا، واعتمادا على نقش آخر عثر عليه في نفس المنطقة يشير إلى بناء معبد من قبل آمر المعسكر. ووفقا لهذا، فإنهم ترجموا اللقب على أنه وظيفة مدنية. و من خلال نقش مادبا، لاحظنا أن آمر المعسكر و القائد كانا مقيمين في نفس السكن. وظهر هذا اللقب أيضا كوظيفة عسكرية في العهد القديم (ارميا 51-59) في شكل رب مشريتا. ومن الجدير بالملاحظة، أن كلمة “رب” وجدت مع عدة ألقاب تشير إلى رتب متنوعة معروفة في لغات سامية مختلفة، على سبيل المثال يرد اللقب ر ب ب ي ت ا بمعنى “السادن في الحضرية”.
3- م ق ت ب ي “الجمّال”
إن منصب “الجمّال” يعبر عنه بالنبطية ب”مقتبي” و بالعربية “اقتب” هو وضع السرج الخلفي على ظهر الجمل. و “مقتب” تعني “الرجل الذي يضع السرج على الجمل”. و (م ق ت ب ي ا ) “مقتبيا” هي صيغة الجمع و تعني الجمالين من المفرد مقتب.
4- ر ا ش” الرئيس”
أطلق هذا اللقب على الشخص المسؤول عن توزيع كمية المياه المخصصة لأصحابها من قبل المعبد، وقد وجد نقش في منطقة الذريح ( جنوب الأردن) يقرأ: د ي ن ب ه ن ط ر ا ل ب ر ز ي د ا ل ر ا ش ع ي ن ل ع ب ن ع ل ح ي ي ح ر ت ت م ل ك ن ب ظ ور ح م ع م ه..” الذي بناه نطرئيل بن زيدا لرئيس عين لعبان، لحياة الحارثة ملك الأنباط محب شعبه”، و يستعمل أيضا ليعني “رئيس” المدينة مثل تدمر في القرن الثالث ميلادي، وتيماء والحجر في القرن الرابع ميلادي.
5- ف ر س ا “الفارس”
هناك مجموعة أخرى من الجنود يطلق عليها “فرسا”. وقد ظهر هذا المنصب في عدة نقوش جدارية من منطقتي الحجر و الجوف :(ش ل م ا س ك ر س ب ر ع ر ش ا) “تحية، اسكرس ابن الخيال“، و هذه الوظيفة تماثل ال(Decurion) مسؤول و رئيس لكل عشرة خيالة، ويظهر هذا اللقب بشكل(ر ب ف ر ش ي ا) في نقش من البتراء الذي يذكر شخصا يدعى ديودورس “كرئيس الخيالة” خلال السنة الثامنة من حكم الحارثة الرابع (8 ميلادي)، كما أن هناك عدة نصوص تتحدث عن الخيالة أو “الفرسان”، مثلا هناك نص يقرأ: (ب ل ي ا ي ش ل م ا ش د وب ر م ن ت ن و … و ا ف س ا ل ه ي ب ن ي ف ر س ي ا) “حقا، سلام، اشدوا ابن منتنو وافس اللاهي أبناء الخيالة”، مثال آخر:(زب د و ب ر ا ش ج وف ح ب ر وه ي ف ر ش ي ا ن ط ر ي ن) “زبدوا ابن اسدو و أصحابه ينتظرون الخيالة”. و يحدد نص نبطي آخر من مدينة الجوف عدة أشخاص كخيالة بأسمائهم:( ا ش د و) و (ا ف س ا ل ه ي) كأبناء الخيالة. ومن الجدير بالذكر أن هناك أسماء عدة تتعلق بالحصان، مثل (ف ل ب س ب ر د س ي) “فيليبوس بي دسي” من منطقة حوران، و ه ب ق ل س ب ر خ ي ر س ى” هيبوكلس ابن خيري” من البتراء. و مروض الحصان (د م س ب س) في الحجر، وهذه الأسماء تشير إلى التأثير اليوناني على تطور الخيالة و تربية الخيول عند الأنباط.
5-ف ت ور ا”مفسر الأحلام”
وذكرت وظيفة أخرى في الكتابات الموجودة على الأضرحة من المحتمل أنها تعود إلى التنظيم العسكري و المدني في الحجر، و هي ف ت و ر ا “فتورا”، و أول نقش يذكر هذا المصطلح يقرأ: (د ن ه ك ف ر ا د ي ع ب د م ل ك ي ون ف ت ور ا \ ع ل ح ن ي ن وح ف س ت ي ون كل ي رك ا) هذا الضريح شيدة ملكيون مفسر الأحلام من أجل حنينو و حفستيون قائد الألف “جندي”. ويعود هذا النص`لى ملكيون والد حفستيون القائد ( 8 ميلادي)، و لم يستطع ر.جوسين ور.سفيناك ترجمته، ولم يصل كليرمونت غانو إلى تفسير مقنع ولكنه توصل إلى عدد من الاحتمالات، ومنها أنه الاسم الأصلي لحفتيون. واقترح ج.كانتينو أن هذا اللقب هو “en “tout casceserait un nom de fonctio” وفسره على إنه “مفسر الأحلام و الطالع”.
وظهر هذا المصطلح أيضا في نص من الجوف والذي يقرأ السطران 4 و5 منه (م ل ك ف ت ور ا ب د وم ت ب ر ح ز أ \ ب ش ن ت ح م س ل م ن م وم ل ك وم ل ك ن ب ط و) “مالك المفسر للأحلام و الذي في دومت ابن حزا في السنة الخامسة من حكم الملك منكو الملك ملك الأنباط “. ولوجود اسم الملك في هذا النص، فإن فتورا لقب ربما يشير إلى وظيفة دينية مسؤولة عن تفسير المعجزات أو الأحلام، أو لقب عسكري يوناني أو لاتيني كتحريف اللقب أو اشتقاق فارسي، وقد ذكر نص آخر فيه لقب فتورا من البترا و يقرأ:(د ن ه س(ل) م ا ح ر ث ت\ ر ح م ع م ه م ل ك \ ن ب ط ود ت ا ق ي م \ ل ه ع ب د وف ت ور ا) “وهذا هو تمثال الحارثة المحب لشعبه، ملك الأنباط والذي أقامه له عبدو مفسر الأحلام” ونلاحظ في هذا النص أن اللقب يعني مفسر الأحلام، وظهر هذا اللقب أيضا في أحد نقوش مدينة الحضر رقم 290، و وفقا لرأي ح.ستاركي فإن لقب فتورا المذكور في نص البترا يقرأ على أنه “كاهن مقدس”، وقد ظهرت كلمة فتورا أيضا في أحد نصوص العهد القديم ” العدد 22،5”. وفقا للترجمة (البسيطة) السريانية Peshitta، والترجمة اللاتينية فتعني”مفسر” الرؤى و الأحلام، وكذلك الفعل فاتر\ فتر\ في العبرية، وفي الآرامية هو “مصطلح فني يعني الشخص الذي يفسر الرؤى.
التشريع التجاري الأردني النبطي
إن تعقيد النظام التجاري الأردني النبطي وتشعبه استدعى وجود موظفين ماليين مثل الجباة، وقد ذكر وجود جباة عند الحوراء يأخذون ما يبلغ 20% كضريبة على السلع، ولا بد أن نمد مثل هذا التصور ليشمل جباة في مواقع أخرى من المملكة، هذا عدا عن الجباة الذين كانوا يجمعون الضرائب على الزراعة والصناعة، بالإضافة إلى مشرفين على الأسواق المحلية يقومون بالرقابة الضرورية للحدّ من التلاعب بالأسعار أو الغش في السلع وتطفيف الموازين، كما أُستحدثت وظائف وإن لم تكن جزءاَ من الوظائف الحكومية فهي بطبيعتها تفرض التنسيق مع موظفي الدولة، من ذلك الأدلاء والدلالون في الأسواق، والتجار الوسطاء وعملاء التجارة، والوكالات التجارية والوكلاء التجاريين، ومثل هذا الاستنتاج ينسحب ولو جزئيا على الزراعة والصناعة.
النظام العسكري في المملكة الأردنية النبطية
كان للجيش الأردني النبطي تراتبية قيادية معقدة، تميز بين موقع الرئيس والمرؤوس، كما جمع بعض القادة العسكريين قيادة الحكم لبعض المناطق، بما يشابه الحكام الإداريين في عصرنا، مثل ما يسمى استراتيج التي تعني “حاكم” وهي في الأصل رتبة عسكرية أي صاحب المشاة، ولكن لما كان صاحب هذه الرتبة يجمع بين قيادة المشاة والإشراف على إحدى الولايات أصبحت دلالة لفظة “حاكم” هي الصالحة للربط بين الوظيفتين، وعندما كان الأردنيون الأنباط يطلقون على بعض شيوخ الحورانية لفظة “استراتيج” فإنهم كانوا يؤكدون المعنى الثاني، حتى أصبحت اللفظة مرادفة للفظة “شيخ” وإن كانت دلالتها في الأصل مختلفة، ويقابل صاحب المشاة موظف عسكري آخر هو قائد الفرسان ويسمى هبارخ (Hipparchus) والرتبتان متساويتان في الدلالة حين تستعملان بين مصطلحات الإدارة المدنية، وتحت هاتين الوظيفتين وظائف أخرى منها ” ك ل ي ر ك” الكليارك أي قائد الألوف و ” ق ن ط ر ي ن” أي القنطوريون وهو قائد المائة.
صياغة العقود القانونية عند الأردنيين الأنباط
عرفت المملكة الأردنية النبطية أنماطا من المعاملات بين الأفراد وبين الجماعات، وجاءت الضوابط القانونية، سواء على هيئة أعراف أو قوانين مكتوبة، لتنظيم العلاقات والعيش بين أفراد المجتمع، وقد مرت هذه الضوابط لصياغة العقود بمراحل واكتسبت التطور في العلاقات بين الأفراد في المجتمع النبطي، حيث تم دراسة وتحليل أنماط متنوعة من وثائق تتضمن صيغ قانونية جوهرها الالتزامات بين طرفين لأغراض تجارية ومالية.
الإلتزام في العقود النبطية
يقوم موضوع الالتزام بمفهومه العام على نقل حق عيني أو القيام بعمل ما أو الامتناع عنه ويظهر هذا الإلتزام في الوثائق النبطية ذات الصيغ القانونية بشكل عام وفي برديات البحر الميت بشكل خاص وقد قسمنا العقود النبطية الموجودة بين أيدينا إلى عقود شكلية وعقود رضائية، فالعقود الرضائية هي العقود التي يكفي التراضي لانعقادها، ومن أكثر أشكالها شيوعاَ هي عقود البيع، ومن أمثلته في النبطية عقود بيع مزارع النخيل، وعقد تأجير الأرض الزراعية التي عثر عليها في منطقة البحر الميت.
إن طبيعة الالتزامات التي تنشأ عن كل واحد من هذه العقود تختلف في طبيعتها وفي ماهيتها، وقد جاءت الصيغ القانونية التي تشير إلى موضوع الالتزام في كل من هذه العقود مختلفة بحسب طبيعة موضوع الإلتزام نفسه، فمن هذه العقود ما يكون مُلزِماَ لطرفين ومنها ما يكون ملزما لطرفٍ واحد، ومن الأمثلة على العقود من النوع الأول هي عقود البيع، وعقود تأجير الأرض الزراعية وعقود الرهن، ففي عقود البيع كان طرفا الالتزام هما البائع والمشتري، حيث يلتزم المشتري بدفع ثمن المزرعة، ويلتزم البائع بنقل حق الملكية الى المشتري بعد قبض الثمن.
وفي عقد تأجير الأراضي الزراعية يلتزم صاحب الأرض بإعطاء حق الاستخدام للمستأجر مقابل التزام المستأجر بإعطاء المؤجر نصيب من المحصول الزراعي، وفي عقد الرهن يلتزم المدين بإعادة المال إلى الدائن مقابل أن يلتزم الأخير بإعادة المرهون مقابل الدين، أما العقود الملزمة لطرف واحد فتتمثل في صك الدين، حيث يلتزم الزوج بإعادة المال الذي كان قد اقترضه من زوجته، وهو جزء من مهرها، إليها، وقد جاء موضوع الالتزام في العقود النبطية ليشير إلى الأمور التالية:
نقل الحق العيني ويظهر هذا الموضوع في عقود بيع مزارع نخيل، صك فك رهن وصك توثيق دين بين الزوجين، ففي عقود بيع مزارع نخيل، عثر عليها في منطقة البحر الميت، نجد صيغاً تشير إلى نقل الحق العيني من البائع إلى المشتري، فبعد أن يذكر الثمن الذي تم الاتفاق عليه، وبعد تأكيد البائع على استلام ثمن العقار كاملاً، ترد صيغة تؤكد نقل الحق العيني للمشتري، وقد جاءت هذه الصيغ على النحو الآتي:
– ا ص ف ا + اسم البائع+ د ا ب ز ب ن ي ا م ن ك ل ا ن و ش ر ح ي ق و ق ر ي ب و ا ش ب ق ل ك ا ن ت + اسم المشتري+ د ن ه ل ك و ل ب ن ي ك من ا ح ري ك ع د ع ل م
– أبريء (أصفي) + اسم البائع+ بموجب عقد البيع هذا من كل شخص قريب أو بعيد وأتركه لك أنت، ولأولادك من بعدك للأبد.
ومن الصيغ التوكيدية للالتزام بنقل الحق العيني، نجد أيضاً في هذه العقود الصيغة التي تكتب على لسان البائع، والذي يعطي للمشتري الحق المطلق للتصرف، وذلك على النحو التالي:
-ل م ق ن ا و ل م ز ب ن و ل م ر ه ن و ل م ن ح ل و ل م ن ت ن و ل م ع ب د ب ز ب ن ي ا ا ل ه ك ل د ي ي ص ب ا
– لاقتنائه ولبيعه ولرهنه ولتوريثه ولهبته ولعمل كل ما يريده به بحسب عقد البيع هذا.
القيام بعمل معين ومثال ذلك الصك الذي يتناول تضمين أراض زراعية، بحيث يلتزم الطرف الأول بدفع الضريبة التي على الأرض وبوضع أرضه تحت تصرف الطرف الثاني، في حين يلتزم هذا الأخير بموجب العقد بالعمل في الأرض وزراعتها وبذرها بموجب عرف العمل لدى الأنباط، وقد جاءت صيغة هذا الالتزام على النحو التالي:
– و ع ل ي ي ه و ا ع م ل ا و ز ر ع ا …… و ع ل ي ك ي ه و ا ح ل ق […] د ي ع ل ا ر ع ا ….. و م ر ا س ك ح ل ي ق ت ع م ل ه …..
– ويكون عليّ عمل وزراعة الأرض . . . . وعليك نصيب من […] الذي على الأرض . . . وهذا التزام كطبيعة عرف العمل.
الامتناع عن عمل معين ويرد موضوع الالتزام هذا بشكل واضح في عقود البيع عندما يلتزم البائع بعدم الطعن بالشهود، أو الطعن بصحة العقد أمام القضاء، وقد جاءت الصيغ المؤكدة على هذا الالتزام على النحو الآتي:
– د ي ل ا د ي ن و ل ا د ب ب و ل ا م و م و ا . وترجمته: ولن يكون لا مقاضاة ولا اعتراض (طعن) ولا حلف يمين.
– و ل ا م ت ن و ب ك ل ش ه ي د ك ت ب و . و ترجمته: ولا طعن بأي شاهد مكتوب.
التعبير في العقود النبطية
ورد التعبير بالالتزام في العقود النبطية تعبيراً صريحاً بحيث لا يدع مجالاً للشك في العقد، فقد جاءت العقود مكتوبة بصيغ لغوية مسندة إلى ضمير المتكلم في العقود كان هو دائماَ البائع، وجائت هذه الصيغ على النحو التالي :
– ي و م ا ه و ز ب ن +(اسم المشتري) + م ن ي ا ن ه+(اسم البائع)+(محل الالتزام)+د ي بٍ (المكان) .
أما التعبير عن الايجاب فقد كان ضمنياً، إذ لم ترد صيغاً مسندة إلى الضمير العائد على المشتري، كما كانت هي الحالة في التعبير عن القبول، ولكن التحليل اللغوي لصيغ نقل الحق العيني في العقود كانت تدل على أن المشتري يتلقى الخطاب مباشرة من البائع، وهذا ما يسمى في القوانين الحالية ب “الإيجاب بالسكوت”. ويضاف إلى هذا الإيجاب أن المشتري قد وقّع في نهاية العقد بأن كتب اسمه بخط يده، وأشار بعده إلى أنه كتب ذلك بيده، كما يتضح كما يلي:
-اسم المشتري + ك ت ب ي د ه. أي: (اسم المشتري +كتابة خط يده).
ومع أنه لا يوجد تبادل صريح للتعبير عن الإرادتين، فإن توقيع المشتري في نهاية العقد هو إيجاب لما ورد فيه.
محل الالتزام
وهو ما يتعهد به المدين كنقل لملكية شيء، أو ترتيب حق عيني على شيء كرهن، أو القيام بعمل، أما محل العقد فهو العملية القانونية التي يراد تحقيقها من وراء العقد، وشرط محل العقد هو أن يكون مشروعاً وغير مخالف للنظام، وقد أكدت عقود البيع على ذلك حين أشار البائع إلى أنه قد دفع الضريبة السنوية على الأرض للملك وبهذا يكون العقد مشروعاً وغير مخالف للنظام.
ويشترط في محل الالتزام إعطاء شيء موجود أصلاً، وهو ما يسمى بالوجود والإمكان، وتشير العقود النبطية و خاصة عقود البيع إلى هذا الشرط القانوني في العقود، وتحدد عقود البيع طبيعة حدائق النخل محل الالتزام وبشكل منفصل، فيرد في العقد مكان الزراعة محل العقد، وحدودها من جهاتها الأربعة.
وتضمن الالتزام في العقود النبطية أيضاً عنصرين هامين هما عنصر المديونية وعنصر المسؤولية، ويرتبط العنصران مع بعضهما، فعلى المدين واجب الوفاء والدائن واجب القبول، فالمديونية تجيز الوفاء به اختياراً، والمسؤولية تجبر المدين على الوفاء به جبراً، ونجد هذا الأمر واضحاً بشكل خاص في عقد الرهن النبطي، فبعد أن يذكر ” أيل عزر” أنه سدد المبلغ الذي بموجبه تم الرهن للحانوتين المذكورين بالعقد لشخص يدعى ” أوس ملك”، يشير إلى مسؤولية وفاء أوس ملك هذا بإعادة الحانوتين جبراً، فيذكر أنه تقدم بشكوى للملك والقاضي والمفسر والحاكم.
الكتابات الجنائزية
ولا بد هنا من الإشارة إلى الالتزامات في النقوش الجنائزية، وإن لم تكن هذه النصوص تمثل عقوداً، ولكنها يمكن أن تعطينا فكرة عن المسؤولية الجزائية والسلطة المعنية بتنفيذ الالتزامات لدى الأنباط، فالنصوص تمثل إعلان ملكية، أو وصية حول المدفن، ويذكر فيها أصحابها مجموعة من الصيغ الخاصة بالمدفن، وحقوق الدفن، والتصرف فيه وفي محتوياته.
وتتضمن النصوص الجنائزية أيضاً شروطاً جزائية وعقوبات على كل من يخالف ما ورد فيها، وما يهمنا في هذا الموضوع، هو البحث في السلطة التنفيذية للالتزامات، فنجد النصوص الجنائزية تشير إلى السلطة الدينية الممثلة بالإله أو الكاهن، وبالسلطة المدنية ممثلة بالملك أو من ينوب عنه، كسلطتين مسؤولتين مباشرة عن تنفيذ الالتزام، وما يتبع ذلك من عقوبات تمثلت في اللعنات والغرامات التي كانت تؤدى للملك أو للمعبد.
وتشير العقود إلى أن السلطة المسؤولة عن الخلافات التي تنشأ عن تطبيق الالتزام هي السلطة المدنية ممثلة بالملك والقاضي والمفسر والحاكم المحلي، وهذا ما أشار إليه عقد الرهن الذي أشرنا إليه أعلاه.
أما في النصوص الجنائزية فنجد للسلطة الدينية حضوراً في مسألة تطبيق الالتزام، فنجد أن في النصوص إشارات إلى الآلهة، ونجد في أحد النصوص عبارة صريحة بهذا الخصوص، إذ يرد فيه أن الإله يشهد (أو يسهر بحسب قراءة اخرى) على تنفيذ الالتزام.
ويلاحظ تفاوت أثر السلطتين الدينية والمدنية في موضوع تطبيق الالتزام مع التطور الزمني في الكتابات النبطية، فنجد أن السلطة الدينية تظهر في النصوص القديمة، في حين أن السلطة المدنية تبدو أقل ظهوراً، ومن ثم تنقلب الحال في النصوص النبطية المتأخرة، إذ نجد أن السلطة المدنية أصبحت تطغى على السلطة الدينية بشكل واضح، حتى أنها تتفرد بأن تصبح مصدر الالتزام الوحيد، وهذا ما تظهره العقود النبطية المتأخرة.
الخاتمة
من خلال دراسة التطور التشريعي المرافق للتطور في نظام الحكم للملكة الأردنية النبطية، نجد أن الأردنيين الأنباط قدموا اسهاماً ضخماً في المجال القانوني، هذا الاسهام كان ضرورة حتمية للتعقيد المتواصل الذي رافق نمو هذه المملكة العظيمة، ليتنقل بين تشريع يعتمد أعراف عامة غير موثقة أو مكتوبة، إلى قوانين صارمة مدونة وموثقة وملزمة، وتنفذ من خلال سلطة مركزية تمتلك القوة لإنفاد القوانين، كما تطور نظام الحكم وتعقد ليتحول من نظام مشيخة وزعامة، إلى نظام ملكي ذي مؤسسات يواكب أو يتقدم على عصره أحياناً، وتم تنظيم مستويات الحكم والفصل بينها من حيث العسكري والمدني، كما كان لدور التجارة المحوري في حياة الأردنيين الأنباط أثراً بالغاً على تطور القوانين المختصة بالتعاملات التجارية والمالية، وصيغ العقود بحيث يتم ضمان حقوق كافة الأطراف المشاركة في النشاطات التجارية.
لقد تشعبت التشريعات القانونية في المملكة الأردنية النبطية لتشمل كافة مناحي حياة الأردنيين الأنباط، حتى وصلت إلى تنظيم الشؤون الدينية، إدارة المدافن، بالإضافة إلى الميراث والأحوال الشخصية، الأمر الذي يعد انعكاساً لرقي أجدادنا الأردنيين الأنباط وتقدمهم الحضاري المذهل، رغم أنه كان باستطاعتهم إما الاستكانة إلى حالتهم الأولى من تنظيم عشائري بسيط، أو الخضوع لقوى عظمى ذات نفوذ.
المراجع
- ابوالحمام،عزام(2009)، الأنباط تاريخ وحضارة،(ط1)،عمان: دار أسامة للنشر والتوزيع.
2. الماجدي، خزعل(2012)، الأنباط التاريخ-المثلوجيا-الفنون،(ط1)،دمشق: دار النايا ودار محاكاة للنشر والتوزيع.
3. عباس، احسان(1987)، تاريخ دولة الأنباط،(ط1)،عمان: دار الشروق للنشر والتوزيع.
4. عجلوني، أحمد(2003)، حضارة الأنباط من خلال نقوشهم،(ط1)،عمان:مشروع “بيت الأنباط” للتأليف والنشر.
5. مهدي عبدالعزيز، حسين القدرة، نظرية الالتزام في الكتابات القانونية النبطية، معهد الملكة رانيا للسياحة والتراث، الجامعة الهاشمية
6. عبدالعزير، القدرة(2009)، التشريع النبطي: أعراف متداولة أن قوانين مدونة؟، المجلة الأردنية للتاريخ والآثار، مقبول للنشر.