Latest articles
December 24, 2024
December 24, 2024
December 24, 2024
حملت تجارة الأردنيين الأنباط معالم الإبداع الاقتصادي الذي نتج عن العديد من العوامل منها موقع الأردنيين الأنباط الجغرافي و السياسي بين حضارات العالم القديم بل وطبيعة المنطقة التي حكمها الأردنيون الأنباط، اذ اهتم الأردنيون الأنباط بطريقة النقل إسوة بإهتمامهم بطرق النقل فاهتموا بالجمال وتوفير ما تحتاجه من المسكن و التزود بكل ما يمكن على توضيب البضائع على ظهر الجمال وترتيبها وتصنيفها عدا عن تجهيز ما يلزم للموانئ لبناء السفن وتخزين البضائع ونقلها وتحميلها وتنزيلها .
ولم يكن الإنتاج النبطي الأردني بطبيعة الحال أيضا قائماً على الاكتفاء الذاتي فحسب بل قاموا بإنتاج ما تحتاجه الشعوب الاخرى واحتاج هذا الامر إلى مخازن بنوها خارج المدن في البارد في البترا (1) .
كانت الطرق البرية للأردنيين الأنباط قد اخترقت النقب شمالاً و غرباً و كانت لهم طرق رئيسية لذلك و طرق فرعية أيضاً و عبروا الأردن و سيطروا على الطريق السلطاني الممتد بين شمال حوران الأردنية والبحر الأحمر ؛ أما جنوباً فقد عبروا الحِجر الذي مكنهم من الوصول إلى الطرق الرئيسية في معظم الجزيرة العربية وامتلاكهم لزمام التجارة عبر مدينة الحوراء على الساحل الشرقي للبحر الاحمر للوصول إلى الهند حتى انهم سيطروا على النقل البري الآتي من ميناء الجرها على الساحل الغربي لشبه الجزيرة العربية ، كان لامتداد طرق تجارتهم عبر النقب الأثر الواسع لانفتاح طرقهم التجارية إلى غزة والعريش وسيطرتهم على موانئها مما فتح لهم الطريق إلى مصر عبر سيناء (2).
كانت جميع هذه الطرق تحت نطاق حكمهم ، فبراعة الأردنيين الأنباط في التجارة و جودة قوافلهم وأساليب نقلهم مكّنتهم من السيطرة على أكثر الطرق التجارية القديمة و تعزيزها ، ففي الجزيرة كان هناك الطريق المار باليمن بمكة وتيماء مروراً بالعلا فأيلة العقبة، وفي الشرق كان الخليج فتيماء فوادي السرحان، و إلى الغرب كانت الاسكندرية فالعريش و غزة فالنقب و من ثم عصيون جابر فالعقبة ، وإلى الشمال فالبترا ومن ثم طريق تراجان المعروف بالسلطاني فبصرى أو طريق الملوك عبر مدن الديكابوليس فجرش من ثم بصرى؛ أما على الصعيد البحري فميناء العقبة كان يصدّر ويستورد من وإلى اليمن وإلى الهند جنوباً وإلى مصر ومن ميناء غزة إلى روما والغرب (3) .
هذا الموقع المميّز مكّن الأردنيين الأنباط من احتلال مركز الصدارة في التجارة في المنطقة فكان اليمنيون يسلمون بضاعتهم إلى تجار النقل النبطي الأردني ليصار نقلها إلى الشمال أو الغرب، أما الى بلاد الرافدين فكان الأردنيون الأنباط يتبعون طريق حائل- بابل لتجنب مصاعب الصحراء قدر الامكان؛ و من الجدير بالذكر هنا أن الأردنيين الأنباط كانوا قد استخدموا الكتبة بنظام أشبه ما يكون بالجمارك اليوم لتحصيل نسبة مناسبة من عائدات النقل والتمرير حتى على القوافل غير النبطية .
وقد عثر على آثار تجارتهم في مناطق مثل سلوقية و الاسكندرية و رودس و مليتوس و ديلوس و موانئ سورية و مصب الفرات حتى، و كان محصلة هذه الرفعة والتقدّم الاقتصادي في الفترة بين 100ق.م و 100 ب.م ؛ أن الأردنيين الأنباط اهتموا بتوفير المياه على طول الطرق التجارية والأمان الموفّر و المرشدين و الأدلاء ومزودي الأعلاف و الغذاء و الخدمات الأخرى على الطرق التجارية مما أدى إلى تفضيل التجار عموما للتعامل مع الأردنيين الانباط بدلاً من غيرهم من شعوب المنطقة . (4)
وبالرغم من التنوع الصناعي و الزراعي لدى الأردنيين الأنباط إلا أن موردهم الأساسي ودخلهم الرئيسي كان يتمثل في تأمين القوافل التجارية وغيرها من الخدمات، ففي بعض الأحيان كانت تصل قيمة ما يعود عليهم من رسوم إلى ما يقرب ربع قيمة البضائع، و هذا ما أثّر على شكل انتشار الأردنيين الأنباط وتوسعهم السياسي – التجاري فسيطروا على ما بين البحر الأحمر وشمال حوران الأردنية و البحر الأبيض عبر بئر السبع و غزة جنوباً .
أما بحريا، فقد كان الأردنيون الأنباط كباقي الشعوب المطلة على السواحل والبحار ؛ ذات إرتباط بالبحر لوجود عدة مسطحات مائية تحيط بهم فلم يكن من الجديد او الغريب ركوب البحر عندهم، فكان لهم موانئ متعددة مثل أيلة، ولوكي كومي، وأكرا كومي، أو الموانئ الأخرى الواقعة على ساحل البحر المتوسط، مثل غزة، ورفح، والعريش أو الجرها على الخليج العربي. وشارك الأردنيون الأنباط، مثلهم مثل التجار الإغريق والرومان، في نقل التجارة من الموانئ الشمالية إلى الموانئ الجنوبية في البحر الأحمر، ليتم نقلها من هناك بوساطة التجار المحليين إلى المناطق البعيدة، مثل شرق أفريقيا والخليج العربي والهند والصين ، وبالرغم من قرب الموانئ الواقعة على ساحل البحر الابيض المتوسط للمملكة النبطية الأردنية إلا أن الأردنيين الأنباط لم تكن لديهم سيطرة مباشرة على هذه الموانئ القريبة إلا لفترات متقطعة إذ أن تسيير الشؤون التجارية للأردنيين الأنباط كان يسير بأطر دبلوماسية أكثر من الحاجة للجوء للخيار العسكري ما حقّق نفوذا تجاريا نبطيا واسعا (5) .
أما ميناء أيلة العقبة فقد تأسس في القرن الرابع لما قبل الميلاد ، حيث كانت العقبة مدينة تجارية نبطية فاعلة وقد اهتم الأردنيون الأنباط بتخطيط الميناء و بناء المستودعات حتى كان أفضل من الموانئ الرومانية حينها (6) ، إلا أنه لم يكن الميناء الرئيس للأردنيين الأنباط على البحر الأحمر بالرغم من أهميته ، اذ غلبه في الأهمية لاحقا ميناء لوكي كومي بالقرب من وادي عينونة في شمال شبه الجزيرة الأكثر أهمية حينها ، فقد كان يتسع لـ 200 سفينة و محوّط بالجبال و كان الميناء يشكل نقطة تفرع بين المضي بحراً إلى الاسكندرية و برا إلى البترا بشكل كبير كأنها حركة جيوش ضخمة اذ أن حركة النقل التجاري كانت تصل إلى 7-10 آلاف جمل في السنة ، من ثلاث جهات كما أن الأردنيين الأنباط كانوا قد أجروا المياه العذبة إلى الساحل لبناء ما عرف بالـ”مدينة البيضاء” بسبب طلاء مبانيها بالجبس الابيض (7) .
لم تكن هذه الموانئ هي الوحيدة على ساحل البحر الاحمر فقد كان هناك ميناء ثالث يسمى اكرا كومي جنوب من مدينة الوجه- شمال شبه الجزيرة – بـ 45 كيلو متر ، و كان مجهزاً بكل ما تحتاجه السفن حتى أنه كان مزوداً بطرق معبدة (8)، و كان للنيل المصري حصته من الاهتمام فقد كان يزخر بالنقوش النبطية التي وجدت هناك أكثر من أي مكان آخر بل ووجد معبد نبطي كان يشرف عليه كاهن نبطي بالقرب من تل الشقافية في منطقة شرق الدلتا كدلالة على كثرة استخدام الأردنيين الأنباط للنيل و عمق تواجدهم التجاري في مصر (9) .
أما البحر المتوسط فيمثل أفضل نموذج يمكن من خلاله توثيق صلات الأردنيين الأنباط البحرية بمناطق شرق البحر المتوسط وآسيا الصغرى؛ وذلك لتوافر الأدلة المتعدّدة من آسيا الصغرى أو من المناطق النبطية. فقد عثر في خربة الذريح وفي المدن النبطية، مثل البترا وعبدة، على العديد من البضائع المستوردة من آسيا الصغرى، التي تعود الى فترة تمتد من القرن الثاني قبل الميلاد وحتى الأول الميلادي، كما عثر على الرخام وكسر الفخار المزجج والسرج الفخارية من مدينتي أفسوس وإسكندرونة (10) ، في مدن آسيا الصغرى والجزر المقابلة لها، مثل ميلتوس Miletus وكوس Cos ورودس Rhodes وديلوس Delos ،وغيرها من المدن والجزر على عدد من النقوش التذكارية النبطية التي كان الأردنيون الأنباط يشكرون فيها آلهتهم على الأغلب (11) .
وبالإضافة إلى الإمتداد شرقي المتوسط فقد ترك الأنباط مجموعة من النقوش ومعبداً للإله ذي الشرى في ميناء بوتيولي Puteoli ، ونقشان باللغة اللاتينية في روما، و قد عثر على المعبد النبطي في المنطقة المعروفة باسم Lartidianus vicus ،وهي الحي السكني الخاص بالتجار والمسافرين الأجانب ويقبع تحت الماء حالياً. وربما شكل ميناء بوتولي ، أكبر مستوطنة تجارية نبطية أردنية في البحر المتوسط ، و يعتقد أن المعبد لم يكن قاصراً على العبادة فقط، بل كان مقراً لاجتماع الجالية النبطية الأردنية وعقد الصفقات، مثل معابد الجاليات الأخرى . (12)
- المصادر و المراجع :
- عباس ، إحسان (1987) ، تاريخ دولة الانباط ، ط 1، عمان : دار الشروق للنشر و التوزيع ، ص 107-108 .
- المطور ، عزام ابو الحمام (2009) ، الأنباط تاريخ و حضارة ، ط1 ، عمان : دار أسامة للنشر و التوزيع ، ص 167-170 .
- المصدر السابق نفسه
- المصدر السابق نفسه
- العبدالجبار ، عبداالله بن عبدالرحمن (2011) ، تجارة الأنباط البحرية بين القرنين الرابع قبل الميلاد والثاني الميلادي . المجلة الاردنية للتاريخ و الاثار ، المجلد 5 (العدد 3) .
- Strabo, OP.Cit., pp16, 4, 18 ;Diodorus, OP.Cit.,pp 3, 43, 3, Alexandra Retzleff, “Nabataean and Roman Domestic Area at the Red Sea Port of Aila,” Bulletin of the American Schools of Oriental Research, 331 (2003) p. 45.
- المصدر السابق نفسه , p44
- .علي إبراهيم الغبان، “معطيات أثرية جديدة حول تحقيق موقع مينائي أكراكومي ولوكي كومي ومستوطنة أمبلوني في ساحل البحر الأحمر بالمملكة العربية السعودية،” الندوة العالمية لعلاقات الجزيرة العربية بالعالمين اليوناني والبيزنطي، .م٢٠١٠/١٢/٩-٦ الرياض
- عبدالمنعم عبدالحليم سيد، “النشاط البحري للعرب القدماء خارج الجزيرة العربية،” ندوة طرق التجارة العالمية عبر العالم العربي على مر عصور التاريخ، القاهرة ٢٠٠٠م
- Retzleff, “Nabataean and Roman Domestic Area,” pp. 61-62, Parker, “THE ROMAN AQABA PROJECT,” p. 391, Negev, Nabatean Archaeology Today, p. 93.
- David Hanson, NABATAEAN TRADE: INTENSIFICATION AND CULTURE CHANGE, PhD Dissertation University of Utah 1987, pp. 127
- العبد الجبار ، المصدر نفسه.