Latest articles
December 24, 2024
December 24, 2024
December 24, 2024
مقدمة
يأتي هذا البحث تمهيداً للبدأ بقراءة عصر الممالك الأردنية القديمة الثلاث، هذا العصر الذي يعد من أهم المراحل التاريخية التي مر بها الأردن، وتكمن أهمية هذا البحث بأنه يتيح الفرصة للقارىء التعرف على طبيعة الأردن من حيث الجغرافيا والسكان وأشكال التجمع البشري فيه قديماً، ولبيان أهمية مرحلة (الدولة المدينة) التي كانت حلقة وسيطة للوصول إلى عصر الممالك الأردنية العظيمة الثلاث (أدوم، مؤاب، عمون)، ورغم شح المعلومات الشديد حول هذا الملف، فقد دفعنا الإصرار لإنجاز هذه المادة البحثية لتكون مقدمة تسهل على القارىء فهم الخلفية التاريخية لنشأة هذه الممالك، كما رأينا أنه من الواجب علينا أن نفي حق أجدادنا الأردنيون الأوائل، الذين حفروا وجودهم في التاريخ، دون كلل ولا ملل، ورفضوا إلا أن يكون اسهامهم في تطور قصة البشرية عظيما، حيث طوروا المنظومات الميثولوجية الدينية، والفنية الثقافية، وأنظمة الحكم، والصناعة والزراعة، وصدروا منتجات إلى مصر وبلاد الرافدين وصولا إلى شواطىء بحر إيجة، منذ أقدم العصور، كما أسسوا أولى القرى الزراعية المعروفة عبر التاريخ، وأورثوا أحفادهم إرثا وطنيا عظيما يستحق البناء عليه والمضي به.
لمحة عامة حول جغرافية الأردن
شكلت جغرافية الأردن ، امتزاجاً ثقافياً وحضارياً وسياسياً واقتصادياً، يتمايز عن محيطه ويتفاعل معه ايجابياً في نفس الوقت، منذ العصور القديمة حتى هذه اللحظة، حيث أن التقارب المناخي ووحدة التضاريس، بالإضافة إلى تشارك الموارد الطبيعية، حدت بالأردنيين الأوائل إلى خلق وتطوير منظومات متشابهة تتفاعل فيما بينها، ونجد هذا واضحا في اللقيات الأثرية من حيث أنواع الفخار وطبيعة الميثولوجيا الدينية وصولا إلى تشابه اللغة والخط، فيما أدى موقع الأردن الجغرافي المتمركز بين عدة أقاليم والذي فرض نفسه بقوة على خارطة المنطقة والحضارات، بالإضافة لإنتاجهم الصناعي التحويلي او الاستخراجي الفائض عن حاجتهم، أن يكون النشاط الاقتصادي الأبرز لدى أجدادنا الأردنيون الأوائل هو التجارة، الأمر الذي حتم عليهم أن يتفاعلوا إيجابياً مع الحضارات المجاوره، فأخذوا منها وأضافوا اليها، واستخدموا الأدوات السياسية والبروتوكولات الدبلوماسية في أرقى أشكالها المعروفة آنذاك حفاظا على مصالحهم الوطنية السياسية والاقتصادية، إلى جانب خوضهم حروباً ضروسة ناجحة للحفاظ على سيادتهم ومصالحهم، ولفهم طبيعة الاستقرار والتغيرات السياسية التي طرأت على الأردن والأردنيين الأوائل خلال العصور القديمة علينا الاطلاع بداية على أهم الملامح الجغرافية للأردن القديم وفق العلماء الآثاريين.
توزيع مناطق الأردن الجغرافية
أولا منطقة حفرة الانهدام الآردنية
تحوي جغرافيا الأردن على ثلاث مناطق رئيسية من ضمن حفرة الانهدام(الأخدود الآسيوي- الإفريقي) الذي يمتد من شمالي غرب سوريا وصولا إلى منطقة البحيرات في كينيا، هذه المناطق هي: (غور الأردن، البحر الميت، وادي عربة).
أ. غور الأردن (وادي الأردن):
غور الأردن أو وادي الأردن، هو سهل منخفض تبلغ مساحته ما يقارب ال400 كلم² يبدأ من بحيرة طبريا، وصولا الى رأس البحر الميت، مع مجرى نهر الأردن، وتصب به عدة أودية يجري بها الماء عادة في فصل الشتاء مثل: (وادي العرب، وادي زقلاب، وادي شعيب وغيرها)، وهو سهل خصب نسبيا، وتتفاوت نسب الهطول المطري به بين جانبه الشمالي والجنوبي من 400 ملم وصولا لـ 100 ملم، ويبلغ متوسط درجات الحرارة العظمى به 44 درجة مئوية، فيما ينقسم طبوغرافيا إلى ثلاث مناطق: الزور وهو مجرى نهر الأردن شرقا، فيما يليه من الغرب منطقة “الكتار” وهي منطقة تتكون من الهضاب، وفي أقصى الغرب منطقة الأغوار من الكتار حتى سفوح الجبال، وتعتبر منطقة غور الأردن، منطقة زراعية جيدة منذ العصور القديمة.
ب. البحر الميت:
وهو بحيرة ملحية، ويعد أخفض بقعة على سطح الكرة الأرضية، ويتغذى البحر الميت من نهر الأردن وبعض الأودية، ومياه الأمطار، وقد تقلصت مساحة البحر الميت بما يزيد عن 35% في العقود الماضية، إلا أن أكبر مساحة رصدت للبحر الميت قبل بدء تقلصه بسبب عوامل بشرية وأخرى مناخية حوالي 997 كلم²، بطول 80 كم وعرض أقصاه 15كم، وتتبع له الأغوار الجنوبية الواقعة إلى الجنوب من جنوبه الغربي، وتنقسم الأغوار الجنوبية إلى (غور المزرعة، غور الصافي، غور حديثة)، وتحتوي الأغوار الجنوبية على عدة أودية رئيسية شكلت بعضها بيئة جاذبة للتجمعات البشرية في العصور القديمة مثل : (وادي الكرك، وادي عسال، وادي الذراع، وادي الحسا ووادي فيفا)، وقد كان البحر الميت أيضا مصدرا مهما للقار¹ في العالم القديم.
ج. وادي عربة:
يمتد وادي عربة بين البحر الميت شمالا وخليج العقبة جنوبا، فيما يحده من الشرق جبال الشراه والبادية النبطية وبعض الكثبان الرملية، ويمتاز وادي عربة ببيئة صحراوية جافة، رغم جريان عدة أودية به في فصل الشتاء مثل (وادي خنزيرة، والظحل وفينان وغيرها)، ومع أن طابعه صحراوي وجاف، إلا أنه كان مستقرا لعدة تجمعات بشرية منذ عصور ما قبل التاريخ، لغناه بعدة موارد طبيعية أهمها النحاس، التي كشفت الدراسات الأثرية استخراجه بكميات كبيرة.
ثانيا منطقة المرتفعات الجبلية
تتكون منطقة المرتفعات الجبلية الأردنية، من عدة سلاسل جبلية من الشمال إلى الجنوب وهي: (إربد، عجلون، البلقاء، مؤاب، والشراه) وتقع هذه السلاسل شرقي حفرة الانهدام، تتراوح تكوينات هذه السلاسل الجبلية بين الترسبات الكلسية شمالا، الى الرملية جنوبا، وبعض المناطق البازلتية خصوصا في حوض نهر اليرموك، ويغلب على هذه الجبال الطابع الحرجي نباتيا، فيما تحتوي على سهول خصبة تمتاز بانتاج الحبوب وخصوصا القمح، فيما يعد مناخها معتدلا ويغلب عليه طابع البحر الأبيض المتوسط.
شكل المناخ المعتدل، وخصوبة الأراضي والتنوع البيئي الذي تحتويه السلاسل الجبلية الأردنية، الى قيام التجمعات البشرية الأولى بالتوطن فيها منذ فجر التاريخ، كما ساهمت تضاريسها التي تشكل في عدة مناطق منها قلاع طبيعية يسهل حمايتها الى نشوء أوائل المدن والنظم الحضارية على مستوى العالم.
ثالثا منطقة البادية الأردنية
تمتد البادية النبطية الأردنية، من السلاسل الجبلية إلى الشرق، لتكون البادية النبطية الأردنية فاصلا طبيعيا بين الأردن والجزيرة العربية، حيث كانت القبائل البدوية الأردنية تاريخيا على سيف الصحراء، تصد الغزو الصحراوي عن المراكز الحضارية الأردنية، واستمرت هذه القبائل في حالة من المراوحة، بين الفلاحة والاستقرار غربا، والبداوة والرعي شرقا حسب الظروف السياسية، أو المناخية والبيئية، تماما كما عاد أجدادنا إلى هذا النمط من الحياة إبان الاحتلال العثماني لحماية أنفسهم وتمردا على الظلم وحفظاً للكرامة، وكانت هذه القبائل على اتصال وعلاقة بنيوية دائمة مع المدن والقرى الأردنية، ومن الطبيعي أن مناخ المنطقة هو مناخ صحراوي جاف قليل الأمطار، ومصادر الماء الرئيسية بالبادية الأردنية هي الينابيع والغدران والقيعان، وتنقسم منطقة البادية الأردنية إلى ثلاثة أقسام:
أ. البادية الشمالية الشرقية:
تنقسم البادية الشمالية الشرقية الأردنية إلى قسمين، الأولى المنطقة البازلتية والتي تسمى الحرة وتحتوي هذه المنطقة على أراض خصبة صالحة للزراعة، والمنطقة الثانية وهي منطقة الجير أو الكلس وهي منطقة قاحلة غير صالحة للزراعة، وأهم مصادر المياه في البادية الشمالية، واحة الأزرق وينابيع قصر برقع وبيار الغصين وقاع الأزرق وقاع خنا وقاع العميري.
ب. البادية الوسطى:
تمتد البادية الوسطى من حوض الأزرق ووادي السرحان شمالا إلى رأس النقب جنوبا، وهي منطقة منبسطة، ذات تربة جيرية مغطاة بأحجار صوانية صغيرة، وتحتوي البادية الوسطى على حوض الجفر المائي الذي جف مع السنوات لأسباب بشرية وأخرى مناخية.
ج. منطقة الحسمى:
منطقة الحسمى هي الجزء الجنوبي من البادية النبطية الأردنية، وهي منطقة رملية تحتوي على بعض الأودية والمرتفعات، من أهمها المرتفعات الموجودة في وادي رم، كما يحتوي وادي رم على قاع الديسي المائي.
استغلال الأرض في الأردن في العصور القديمة
مع نهاية مرحلة البلايستوسين²، التي كانت تتصف بكثرة الغابات والموارد الطبيعية، والدخول في مرحلة الهولوسين³ التي تغيرت بها البيئة بشكل عام وكثرت الصحاري وشحت الموارد، بدأ الانسان القديم بالتحول من جمع القوت والغذاء والتقاطه، إلى انتاج الطعام، عبر الزراعة وتدجين الحيوانات، وبدأ ينتشر طابع الاستقرار في مكان واحد حول المزروعات والحيوانات المدجنة، بدلا من الترحال وملاحقة مصادر الغذاء، وكان الأردن قد شهد توطنا مستمرا، منذ ما قبل هذا العصر، حتى الآن، ولكن ما يهمنا هو ما بدأ مع حقبة البلايستوسين، التي على الرغم من عدم وجود استقرار مناخي مع بدايات هذه المرحلة، إلا أن المسوحات الأثرية أكدت على استمرارية التواجد البشري دون انقطاع، في جميع المناطق الجغرافية الأردنية.
ومع بداية ظهور أول استقرار زراعي على شكل تجمعات وقرى زراعية بسيطة، بدأت تنشأ القرى في الأردن، وكما هو معلوم فإن الكشفيات الأثرية الحديثة أكدت أن أول قرية زراعية معروفة حتى الآن تقع في عمان وهي قرية عين غزال4، وقد كانت طبيعة استغلال الأرض في تلك الفترة بدائية وبسيطة، فبدأت في تلك الحقبة أولى محاولات تدجين الحيوانات، من طيور وماعز وأبقار، وصولا الى الخيليات، فيما تركزت الزراعة حول الحبوب مثل القمح والشعير والعدس، وكانت التجمعات الانسانية تتشكل أساسا حول مصادر المياه الدائمة هذا فيما يخص المناطق الغورية الأردنية والمناطق الجبلية، أما في البادية النبطية الأردنية، فقد كانت التجمعات البشرية تتركز حول فكرة الرعي وبعض الصيد، وكانت حالة التنقل في حدود معينة، تبعا للفصول صيفا أو شتاءً، وكان هنالك استثناءات في البادية لتجمعات بشرية تطورت لتكون مدناً مثل مدينة جاوة5.
ومع بداية العصر الحجري النحاسي6، بدأت عملية استغلال الأرض تتطور، حيث توسعت عملية الزراعة، وبدأ استخراج النحاس، وصهره واستخدامه في صناعة الأدوات، بدلا من الصوان على مراحل، وقد وجد أجدادنا الأردنيون الأوائل مصادر النحاس وخصوصا في منطقة وادي عربة، هذا الأمر الذي بدأ يسرع عجلة التوسع، حيث بدأ الأردنيون الأوائل، ينتجون أدوات وفخار، ومنتجات زراعية، أكثر من حاجتهم، الأمر الذي أتاح الفرصة لنشوء أول أشكال التجارة، مما حدا بالكثير من القرى الصغيرة إلى التطور، وإنشاء أولى المدن، مع بداية العصر البرونزي7، لتقوم دول المدن، من ثم تراكم التطور وخصوصا مع ارتفاع جودة الأدوات المصنعة من معدن البرونز، وبدأ استغلال الأرض والموارد يأخذ طابعا تجاريا، حيث برع الأردنيون الأوائل بالتجارة، وأثبتت اللقيات الأثرية وجود بضائع أردنية في منطقة بحر ايجة، ووجود نماذج فخارية أيضا تعود لبحر ايجة داخل الأردن، ومع هذا التراكم المضطرد بدأت الحاجة لقيام دول وطنية تضم عدة مدن، الأمر الذي ضاعف عملية استغلال الأرض والموارد بشكل ملحوظ، مما أدى إلى تضخّم حالة الترف في المدن الأردنية، وانتاج منظومات عقائدية وفنية معقدة ومتطورة.
بداية التمدن في العصر البرونزي وبداية مرحلة ( الدولة المدينة )
أفادت المسوحات والحفريات الأثرية في الأردن، في مواقع بداية العصر البرونزي المبكر، أن طبيعة الاستقرار والتوطن في هذه المواقع استمرت مشابهة للعصر النحاسي المتأخر، من حيث كانت التجمعات البشرية عبارة عن قرى ومخيمات أو بلدات، تتركز حول ينابيع المياه، ومصادر المياه الدائمة، ولكن هذه المرحلة تمايزت عن نهايات العصر البرونزي المتأخر بأن التجمعات البشرية كثرت، وازدادت، حيث كان هنالك عدة قرى وتجمعات بشرية في وسط وشمال الأردن مثل تل مادبا وباب الذراع والزيرقون، واعتمد في هذه المناطق نمط الزراعة البعلية، فيما اضطر سكان التجمعات البشرية والقرى في مناطق البادية الشمالية إلى بناء السدود والأحواض المائية مثل منطقة جاوة، وقد جاور سكان تلك المناطق جماعات بشرية اعتمدت على التنقل والصيد والرعي، أما في المناطق الجنوبية من الأردن وخصوصا في وادي فينان في منطقة وادي عربة، قد وجدت مواقع تعود لتجمعات أصغر حجما، ويرجح أنها اعتمدت على استخراج النحاس والتجارة به.
ثم بدأت المدن في الظهور مع بداية المرحلة الثانية من العصر البرونزي القديم، حيث بدأ ظهور المدن المحصنة ذات الأسوار، تنتشر في محيطها القرى التابعة لها، وقد رافق ظهور هذه المدن تغيرا سياسيا، حيث لم تعد قيادة المجتمع فردية (شيخ، زعيم)، بل تحول المجتمع الى مجتمع طبقي، تديره منظومة أكثر تعقيدا من سابقتها، وهي بداية ظهور نظام سياسي يسمى (نظام المدينة الدولة )8 حيث برز أيضا دور المعبد ورجال الدين في النظام السياسي، ونشط رجال الدين على صعد عدة، مثل الاقتصاد والاجتماع.
ويشير علماء الآثار والتاريخ، أن حالة الوفرة الاقتصادية هي التي دفعت المجتمعات الأردنية للتحول إلى المدنية بشكل أساسي، وأن حماية المنتجات والحقول والقطعان الحيوانية والأدوات، والسيطرة على طرق التجارة هي التي دفعت المجتمع المتمدن إلى بناء مدن كبيرة ومحصنة تحصينا جيدا، وقد امتازت هذه المدن، بأن كل مدينة لها حكمٌ خاصٌ مستقل، ونشأت بين هذه المدن نوعا من العلاقات، لتصريف الوفرة الإنتاجية ولحماية طرق التجارة.
وبسبب حالة الرفاه والازدهار الاقتصادي، طور الأردنيون الأوائل في تلك الحقبة، من ميثولوجياتهم الدينية ومن فنونهم على حد سواء، مراكمين على ما نشأ من ميثولوجيا وفنون في العصور السابقة، غير أن الاهتمام بالمعابد بات أكبر، وتوسعت نشاطات رجال الدين كما أسلفنا أعلاه.
ومع بداية المرحلة الثانية من العصر البرونزي المتوسط، بدأت تنمو هذه المدن بشكل أكبر، خصوصا بعد أن لحقها خرابا وتدميرا عزاه أغلب الباحثين إلى تغيرات مناخية رافقت المرحلة الثالثة والرابعة من العصر البرونزي المبكر، وقد باتت المدن في حقبة الازدهار هذه أكثر تعقيدا، حيث قسمت أغلب المدن إلى قسمين (المدينة العليا – المدينة السفلى)، وبدأت الدول المدن الأردنية بالتنافس في ما بينها ببناء الأسوار والتحصينات، كما ازدهرت الحالة الأدبية أيضا بسبب تطور الكتابة.
ولم تتعرض هذه البنية إلى تغيرات مهمة حتى نهاية العصر البرونزي، وقد اختلف الباحثون حول حقيقة استقلال كل مدينة من هذه المدن بشكل تام، أم أنه كان هنالك نوع من أنواع الوحدة السياسية وان كانت كونفدريالة بأضعف الأحوال، ولكن أغلب الباحثين اتفقوا أن هذه المرحلة هي مرحلة الدولة المدينة وكانت كل مدينة تتمتع باستقلال سياسي تام، ولكن الأكيد أن هذه الدول المدن كان يجمعها رابط حضاري ولغة واحدة مع اختلاف باللهجات المحكية.
التغيرات السياسية مع بداية العصر الحديدي والتحول الى الدولة الوطنية
تأثر الأردن القديم، كما تأثر سائر شرقي المتوسط، بسقوط الامبراطوريات الكبيرة وخصوصا الحثية والمصرية مع بداية العصر الحديدي9، حيث أدى سقوط هذه الامبراطوريات إلى تغيرات اقتصادية واجتماعية وسياسية كبيرة، ولعل أبرز مسببات هذه التغيرات، هو انتفاء حالة الأمن على الطرق التجارية، وتقاتل (الدول المدن) فيما بينها، بسبب الفراغ الذي تركه سقوط هذه الامبراطوريات، لتبدأ حقبة جديدة عظيمة في تاريخ الأردن القديم.
هذا التغير الذي أصاب المنطقة في العصر الحديدي الأول، بالإضافة للبدء بدخول معدن الحديد في صناعة الأدوات وخصوصا الزراعية، أدى إلى تطور ملموس في المجتمعات الأردنية القديمة، على مستوى الإنتاج، الأمر الذي لا بد له أن ينعكس على كافة مناحي حياة الأردنيين الأوائل، إذ بدأت التركيبة الاجتماعية تصبح أكثر تعقيدا، وبدت الحاجة لتوسيع القرى والمدن، فيما تحول العديد من البدو إلى سكان قرى، والعديد من القرويين إلى التمدن، وبسبب الفراغ السياسي والأمني الذي خلفه سقوط الإمبراطوريات القديمة، اضطر الأردنيون الأوائل للبحث عن آلية سياسية أكثر تطورا، توفر لهم الأمن والحماية عبر سيادة محلية، وتدير كافة النشاطات التي يقوم بها الناس في تلك المرحلة.
تعد بدايات العصر الحديدي الثاني، مرحلة مهمة جدا في تاريخ الأردن القديم، حيث استطاع أجدادنا الأردنيون الأوائل، من إنشاء دول مكونة من عدة مدن موحدة، تحت اسم واحد، وخاضعة لحكم ملك واحد وبمرجعية سياسية واحدة، فيما حقق أجدادنا سيادتهم على اراضيهم، وشرعوا ببناء المدن وتوسيعها، وتنشيط الانتاج، كما طور الأردنيون الأوائل في تلك المرحلة من منظوماتهم الدينية والثقافية، واهتموا بالكتابة والتوثيق، وخاضوا حروبا كثيرة للحفاظ على سيادتهم على ما كانوا يعتبرونه حقهم الطبيعي من أراض، وقد كرست تلك المرحلة فكرة الوطنية والدولة الوطنية لدى الأردنيين الأوائل في ممالكهم الأردنية القديمة الثلاث: (عمون، مؤاب، أدوم).
إن هذه المرحلة التي دفعت بالأردنيين الأوائل، إلى إنهاء منظومة سياسية، والتحول إلى منظومة سياسية أخرى أكثر تطورا، لم تكن ترفا بل بسبب الظروف والتطورات التي حدت بهم لهذا التحول العميق، والذي غيّر معه بالنتيجة كامل المنظومة الحضارية، وتقدم بها خطوات عديدة إلى الأمام، وشكل حلقة مهمة من سلسلة التاريخ والإرث الأردني العظيم، الذي لم يبدأ عند هذه الحقبة، ولن ينتهي اليوم، لتستمر هذه الأرض وأهلها بالإسهام بالتطور الحضاري الإنساني حتى لحظات كتابة هذا البحث.
قائمة المصطلحات
- القار: للمزيد أنظر في بحث إرث الأردن استخراج القار عند الأردنيين الأنباط
- البلايستوسين: أو ما يسمى بالعصر الحديث الأقرب، هي حقبة زمنية امتدت من 2.588.000 سنة إلى 11.700 سنة قبل الوقت الحاضر.
- الهولوسين: آخر حقبة زمنية جيولوجية وتمتد حتى اليوم.
- قرية عين غزال: قرية أثرية مكتشفة في منطقة عين غزال على الطريق الواقع بين عمان والزرقاء.
- مدينة جاوة: موقع أثري يعود للعصرالبرونزي المبكر، يقع شمال شرقي الأردن في محافظة المفرق.
- العصر الحجري النحاسي: العصر الذي بدأت به أولى محاولات تصنيع الأدوات من معدن النحاس، عقب العصر الحجري الحديث وقبل العصر البرونزي.
- العصر البرونزي: هو العصر الذي بدأ به خلط معدن النحاس مع القصدير، لإنتاج معدن أكثر فعالية واستخدامه في صناعة الأدوات.
- عصر المدينة الدولة (دول المدن): هو العصر الذي كانت به كل مدينة عبارة عن دولة لها حاكم أو شيخ أو زعيم، ومستقلة عسكريا واداريا.
- العصر الحديدي: هو العصر الذي بدأ به استخدام الحديد في صناعة الأدوات، ويعد ذلك تقدما كبيرا، وبه نشأت الدول الأردنية الثلاث العظيمة.
المراجع :
- ياسين ، د. خير نمر (1994) ، الأدوميون ، الجامعة الأردنية ، عمان .
- كفافي ، د. زيدان عبد الكافي (2006) ، تاريخ الأردن و اثاره في العصور القديمة ( العصور البرونزية والحديدية)، دار ورد ، عمان .
- الموقع الالكتروني المركز الجغرافي الملكي
- Bienkozki , piotr (1996) The art of Jordan , UK .