Latest articles
December 23, 2024
December 23, 2024
December 23, 2024
تمهيد
من على قمم الجبال الجنوبية للأردن، وعلى حافة الصحراء الأردنية القاسية، أنشأ أجدادنا الأردنيون الأوائل في أدوم، القرى والمدن، شقوا الصخر، وروضوا رمال الصحراء، وجروا المياه، ليصعدوا سلم الحضارة بثبات، وينشؤوا أولى ممالكهم القوية والمنيعة، ذات السيادة، وقد ظلت قدرتهم على عسف الطبيعة لمصلحتهم لغزاً محيراً حتى اللحظة.
لقد سكن الأردنييون الأوائل هذه المنطقة منذ العصور السحيقة، واستمروا بإعمارها منذ بدايات الوجود البشري، حتى لحظتنا هذه، دون انقطاع، ومهما بحثنا في ملف الأصول الإثنية لشعوب العالم القديم، لن نستطيع تحديد هذا الأمر بدقة، إلا أن المؤكد أن أجدادنا الأدوميين، يعودون بجذورهم إلى هذه الأرض، وجبالها الشامخة، فهم يشبهونها، ويشبهون طبيعتها، صعوبةً وعطاءاً في ذات الوقت.
ولدراسة أصول مملكة أدوم الأردنية، بحثنا في عدة حقول، كانت تتمايز بها شعوب العالم القديم عن بعضها، وأهمها اللغة، ونمط العمران، والصناعة الفخارية، كما حاولنا المقارنة بين الممالك الأردنية القديمة الثلاث بإيجاز، حتى يتمكن القارىء فيما بعد وعند اكتمال الأبحاث المختصة في هذه الحقبة من فهم ما يميّز بين أجدادنا الأردنيين الأوائل.
مفهوم الاثنية
الاثنية أو الجماعة الاثنية، هي مجموعة من الناس، يتشاركون في الأصل، والعادات والتقاليد، والنظم الرمزية مثل الميثولوجيا والفنون، وتجمعهم مصلحة مشتركة، ويتواجدون غالباً في حيز جغرافي واحد، وهذا المفهوم ليس مفهوما مؤطراً تماماً، ولا تعني الاثنية أنها مجموعة محصورة من الناس لا تربطها أي علاقات بمن هم حولها، ولا يعبر عنها دائماً بشكل سياسي.
ومفهومنا في هذا البحث للإثنية يعنى بدراسة المميزات الثقافية للمجتمع الأردني الأدومي عبر دراسة اللقيات الأثرية، وتحليل نمط العمران والبناء، و اللغة، الأدومية، ككيان سياسي منفصل، يحمل صفاته الثقافية الاجتماعية التي تميزه عن محيطه.
اللغة الأدومية
تعتبر اللغة أحد أهم أسس التقسيم الإثني، وقد تكون أسهلها، رغم أنها قد لا تعطي وصفا شاملاً ودقيقاً، حيث أنه بالامكان صبغ شعوب منطقة ما بلغة شعب محتل، أو أن يندمج شعب مهاجر في ثقافة شعب ما والتحدث بلغتهم، إلا أن اللغة تبقى من أهم العناصر الدالة على إثنية أو أصول الشعوب، وهي أقوى الروابط بين شعب أو أمة معينة.
وبالنظر إلى اللقيات الأثرية التي تحمل كتابة أدومية، نجد أن أجدادنا الأردنيين الأدوميين، كانوا يتحدثون لغة تقع ضمن مجموعة اللغات السامية، واللغات السامية الغربية تحديداً، هذا الأمر يعيد أجدادنا الأردنيين الأدوميين إلى ما يسمى بالشعوب السامية.
نمط البناء الأدومي
أ.تقنية البناء
وجدت الحفريات الأثرية أن تقنية البناء المستخدمة لدى الأدوميين في المساكن، تسمى تقنية ( دراي ستون) بمعنى أن الجدران كانت تبنى برص الحجارة دون استخدام مواد لاصقة، فيما استخدمت الأعمدة الحجرية لرفع السقوف، وفي بعض المواقع كان يستخدم الطوب اللبن.
ب.مخطط البناء
1.المنازل ذات الساحة المفتوحة
هي منازل تحتوي على ساحات مفتوحة وغير مسقوفة في منتصفها.
2.المنازل ذات الشكل المستطيل المكونة من ممرات طويلة
وهي منازل مستطيلة الشكل تحتوي على غرف صغيرة مربعة الشكل حول الممرات.
الفخار الأدومي
يعتبر الفخار وصناعته من أهم المميزات بين الشعوب والدول في العالم القديم، حيث أن كل شعب يمتاز بطريقة معينة في صناعة الفخار، واستخداماته، وزخارفه وألوانه، حسب البيئة والطبيعة، والاحتياجات، والمواد الأولية المتوافرة، وقد كان هنالك تمايز بسيط أحياناً بين فخار الشعوب ذاتها، حسب المنطقة والطبقة الاجتماعية، إلا أن الطابع العام لفخار شعب ما يكون متقارب بشكل كبير، وقد امتاز أجدادنا الأردنيين الأدوميين بصناعة فخارية متميزة وقد اهتموا بزخرفة الفخار وجماليته.
أنواع الأواني الفخارية حسب الشكل والاستخدام
- الزبادي
- الزبادي العميقة
- الأطباق
- الأكواب
- قدور الطبخ
- الجرار
- الأباريق
- القوارير
- المصابيح
أنواع العجينة الفخارية
- العجينة الخشنة
وقد كانت أقل استخداماً ولم تتواجد في جميع المواقع الأردنية الأدومية، وهذه العجينة لا تتم زخرفتها بالعادة.
- العجينة الناعمة
وهي العجينة الفخارية الأكثر استخداماً، ويتم زخرفتها.
أنواع الزخرفة
- البطانة
كان أجدادنا الأدوميين يهتمون بتلوين بطانة الفخار، فقلما وجد فخار أدومي غير ملون البطانة، وقد استخد لتلوين البطانة عدة ألوان منها (الأحمر، البرتقالي، الأسود، واللون الأبيض بشكل أقل)، فيما كانت البطانة غالباً مصقولة لامعة.
- الدهان
استخدم أجدادنا الأردنيين الأدوميين الدهان لرسم زخارف على الفخار، وقد تنوعت هذه الزخارف، بين خطوط وشرائط متوازية، خطوط متوازية بينها نقاط، أشكار هندسية من مثلثات ومربعات، أو شبكة (رقعة شطرنج) وسلالم، وقد استخدموا الألوان (الأسود، الأحمر، الأبيض) في رسم هذه الزخارف.
العلاقة بين الممالك الأردنية الثلاث (أدوم، مؤاب، عمون)
نشأت الممالك الأردنية القديمة الثلاث (أدوم، مؤاب، عمون) في ذات الوقت، أي مع بداية العصر الحديدي الثاني، وفي ظل ظروف متشابهة، وكان الانتقال من حالة الدولة المدينة إلى دولة الأمة أو الدولة الوطنية متزامناً، وقد تشابه طبيعة النشاط الاقتصادي بين شعوب هذه الممالك بشكل ملفت، والأهم من ذلك أن الخط واللهجات كانت متقاربة بين شعوب هذه الممالك بشكل كبير جداً.
فضلاً عن ذلك فقل ما دخلت هذه الممالك في صراعات بينية، بل على العكس من ذلك كانت تربطهم علاقات جيدة، وقد اشتركوا بالعداء تجاه شعوب وممالك مجاورة، حيث أن الأردنيين الأدوميين انتصروا على مملكة يهوذا عقب النصر العظيم الذي حققه الملك المؤابي الأردني المؤابي ميشع على اليهود.
هذه المؤشرات جميعاً تدلل بشكل أو بآخر، على أن هناك صلات قرابة، أو جذر واحد، يجمع أجدادنا الأردنيين في الممالك الأردنية القديمة، وأن ما حدا بهم أن ينشؤوا ممالك مختلفة، ظروف سياسية واقتصادية عديدة، لكن المؤشر الأهم يدلل على توافر البذرة الأولى لنشوء هوية وطنية واحدة جمعت هذه الشعوب والقبائل الأردنية القديمة .
سبب تسمية مملكة أدوم الأردنية
اختلف علماء الآثار حول تسمية أدوم، هل تعود للأرض أم للشعب، إلا أن الدلائل أغلبها تشير، أن اسم أدوم يعود إلى الأرض والشعب معا، فقد سمي الحيز الجغرافي الذي قامت عليه المملكة الأردنية الأدومية، بأرض أدوم، كما سمي الأردنييون الأوائل الذين اسسوا مملكة أدوم، بالأدوميين أيضا، وقد تعددت الروايات حول سبب التسمية أيضا، فحسب الرواية التاريخية يقال أن جد الأدومييون هو أخ النبي يعقوب الأكبر وقد سمي أدوم لأن شعره كان أحمر اللون، إلا أن أغلبية علماء الآثار رفضوا هذا السبب، وأكدوا أن سبب التسمية يعود إلى انتشار الحجر النوبي الأحمر اللون في أراضي أدوم، الأمر الذي صبغ تلك التسمية على أرض أدوم، وفي ما بعد على أجدادنا الأدوميين الأوائل الذين سكنوا هذه المنطقة وأسسوا المملكة الأردنية الأدومية العظيمة.
المراجع
- ياسين ، د. خير نمر (1994) ، الأدوميون ، الجامعة الأردنية ، عمان .
- جتاوية، نداء (2012)، مفهوم الإثنية في علم الآثار: دراسة تحليلية للمالك (عمون، مؤاب، أدوم) في الأردن خلال العصر الحديدي. رسالة ماجستير غير منشورة، الجامعة الأردنية، عمان، الأردن.
- Bienkozki , piotr (1996) The art of Jordan , UK