Latest articles
November 15, 2024
November 15, 2024
November 15, 2024
دور النشميات الأردنيات في الثورة
مشخص وبندر و شفق المجالي
لم تغب شمس النشمية الأردنية عن تاريخ البطولة وكانت دوما المرأة الأردنية ركناً لا هامش في تاريخ التضحيات في سبيل استقلال الأردن وأساساً في التنمية في وقت الرخاء ومنذ القدم نرى صورتها جنباً الى جنب مع شريكها الأردني كما بعملة الملك الحارث الرابع وزوجته شقيلات.
وفي العصر الحديث ضربت جداتنا أروع صور البطولة في مواجهة أربع مائة عام من الاحتلال التركي والتجهيل والفقر والسرقة تحت ستار الخلافة والتجارة بالدين وسارت النشميات جنباً الى جنب مع فرسان العشائر الأردنية حتى تحقق الحلم الأردني بالاستقلال وعودة الأردن الى مساره الطبيعي في الاسهام والتفاعل الحضاري.
ونحاول في هذا البحث المقتضب سرد المواقف التاريخية البطولية لنشميات الكرك في رحلة تحرير الأردن من الاحتلال التركي العثماني:
عندما قاد سامي الفاروقي طوابير عسكره المحتلين إلى الكرك، من أجل إخماد الثورة الوطنية الأردنية ضد الاحتلال التركي العثماني، استخدم كل ما توفر من قمع وقوة السلاح المعززة بالمدافع، ولاحق الرجال والنساء والأطفال، وقد أدرك الدور المؤثر الذي اضطلعت به المرأة الأردنية بتوفير الإسناد والدعم ورفع الروح المعنوية وتقديم الاسناد فمنهن من بعن ذهبهن لتمويل الثورة ضد الاحتلال التركي فكنّ هدفا للمحتل التركي لذا عمل على ملاحقتهن خلال إخماد الثورة فبدأ فرسان الهية إخلاء النساء والأطفال من المدينة والمناطق التي يصل إليها جيش الاحتلال التركي العثماني الذين ارتكبوا فظائع كثيرة سجلها التاريخ الرسمي والذي ورد بتفاصيله في أبحاث ثورة الكرك.
للاطلاع على البحث الخاص بثورة الكرك اضغط هنا
خرجت مشخص وبندر المجالي مع بعض النساء هاربات إلى الجنوب بحماية بعض الرجال، من أشهرهم الفارس البطل صخر المجالي الذي استشهد وهو يُشاغل عسكر الاحتلال التركي العثماني حتى ابتعدت النساء عن متناول يد جنود الاحتلال.
وقد خلدن نساء الكرك الشهيد صخر في أهازيج الأعراس لفروسيته وتضحيته بغنائهن:
صخر يا صخر يا كاسر الطوابير.
فيما يقول المؤرخ السوري منير الريس في تأريخه لحادثة استشهاد صخر: ( لقد عادت مخيلتي في تلك الليلة إلى الكرك وظلت في مخيلتي صورة المآتم في الكرك. والنسوة في حلقات مشعثات الشعور، ملطخات الوجوه، مشققات الجيوب، يبكين وينشدن: (صخر! يا صخر ! يا كاسر الطوابير).
قُبض حينها على النشميات بندر ومشخص المجالي في الشوبك التي ثارت مسبقا على الاحتلال التركي وأُرسلن إلى سجن معان سيء الذكر المعروف لدى العثمانيين بكمّ المجازر التي ارتكبوها ضد الأردنيين فيه. وكان الهدف من وراء سجن بندر ومشخص يتلخص بقطع عملية جمع الصيغة من نشميات الكرك واستخدامه في تسليح الثوار الساعين للاستقلال خاصة وأن ثورة 1910 التي بدأت في الكرك قد امتدت من العقبة الى البلقاء وكانت في طريقها لتوحيد باقي الأردنيين لذا فقد أصبح قطع الامداد التمويلي التي أدارته الشيخات مشخص وبندر مسألة وجودية لجيش الاحتلال. أما الهدف الآخر فكان باعتقاد العثمانيين أن سجنهم للنساء سيكسر عزة وكرامة الأردنيين فأتاهم الرد بعد ست سنوات بالثورة العربية الكبرى.
كانت الراحلة النشمية بندر المجالي حاملاً بحابس ابن الشيخ رفيفان المجالي (رئيس هيئة الأركان في الجيش العربي الأردني وبطل معارك باب الواد واللطرون في القدس وقاد الجيش الأردني فيما بعد في أدق الظروف السياسية التي أحاطت بالأردن) وولدته في السجن وأسمته لهذا السبب حابس كناية عن الولادة بالحبس.
لم يسجل التاريخ الرسمي ولم نجد في المرويّات الشعبية للتاريخ شيئاً عن سجن المرأة في ذلك الزمن وأغلب الروايات التي وصلت إلينا تتحدث عن ايداع المرأة المذنبة لدى شيخ الحارة أو المختار أو شيخ القبيلة ولكن المحتل العثماني اعتاد على أدنى درجات الخسة والوضاعة في أسلوب استخدام الرهائن الذي امتهنه لكسر إرادة الأردنيين.
وقد خلدت الأشعار الشعبيّة الأردنية النشميات وجعلت من مشخص المجالي شخصيّة بارزة في الثورة مما جعلها هدفاً للسلطة العثمانية لتقوم بسجنها مع بندر، تنفيذاً لعقوبة على جريمة سياسيّة، كما أن مشخص أخذت موقفاً من حالة مجتمعها في ذلك الزمن بتحريضها لزوجها الشيخ قدر المجالي على الثورة.
وكان هنالك شقيقة لمشخص ذات دور بطولي لم يأخذ حقه بالتوثيق والتأريخ وهي شفق المجالي والتي قامت عندما أخذها الأتراك بالتظاهر أمامهم بالجنون وبدأت تقوم بــ نثر التراب على رأسها من أجل أن يطلقوا سراحها وبالفعل قام الأتراك باطلاق سراحها وكانت غاية شفق المجالي أن تقوم بتبليغ فرسان العشائر الأردنية عن موقع مشخص وبندر وفداحة وخسة ما حصل من أسرهما وباقي النساء وذلك من أجل المسارعة في تحريرهم من أيدي الاحتلال العثماني.
وكما أيضاً من بطولات المرأة في ذلك الوقت حيث يقدِمن على وضع رماد النار في علائق خيول الفرسان بدلاً من مادة الشعير لإشعال صدور الخيول بالحرارة والهيجان.
وكما أسلفنا لم تسجل المروّيات الشعبيَة ولا التاريخ المدوّن أية إشارة عن السجينة السياسيّة في منطقة الشرق الأوسط قاطبة حتى عام 1910 (أحداث ثورة الكرك) بذكرها لأولئك الأردنيات الخالدات.
لقد أصبحت بندر ومشخص المجالي رمزاً وطنياً متفرداً، يكشف ما تمتعت به المرأة الأردنية منذ فترة مبكرة من مكانة، مكنتها من إدراك دورها وأداء واجبها بمبادرة فطرية، مستعدة بذلك لتحمل الثمن الباهظ، حتى وإن خسرت زوجها أو شقيقها، أو حتى حياتها، لأن الأوطان لا تبنى ولا تصان إلا ببذل الغالي والنفيس، وحمل الأحرار لأرواحهم على أكفهم إذا ما ادلهمت المخاطر وعصفت الأحداث بالأرض والإنسان، فتحية للأردنيات المنافحات عن الكرامة والمبادئ السامية، والسجل الوطني حافل بالنساء الكثيرات اللواتي قدمن للوطن ما لم يقل عن ما قدمه الرجال في أي مرحلة تاريخية مضت.
وما زال الأردنيون يرددون في أهازيجهم في ذكرى الثورة على المحتل العثماني وعسكره في الهية و تقديراً لدور مشخص وبندر والمرأة الأردنية عموما بقولهم:
يا سامي باشا ما نطيع … ولا نعد ارجالنا
لعيون مشخص والبنات …ذبح العساكر كارنا
ارفيفان معهم باول الخيل القدام…..لعيون مشخص يطرد الترك بشمام
المراجع
- د.سعد ابو دية ،ثورة الكرك 1910 “الهية”
- نوفان رجا السوارية و محمد سالم الطراونة ، اضاءات جديدة على ثورة الكرك (1328هـ/1910م)، ط1 ،(الأردن، الكرك،دار رند للنشر والتوزيع، 2000) ، ص36-37
- الريس،منير ،الكتاب الذهبي للثورات الوطنية في المشرق العربي،ط1 1969،ص32
- محمود الزيودي ،كركيات”1″،صحيفة الدستور الأردنية 28 ايار 2009، العدد رقم 17494 السنة 50
- مقابلة من قريق ارث الأردن مع عاطف عطوي المجالي ومقابلة مع رايق عياد المجالي في تاريخ 4/6/2016،الكرك-الربة
- منتديات أبناء الأردن،محمود سعد عبيدات، تاريخ 2008
- هزاع البراري،بندر ومشخص،رائدات العمل النضالي