شيخ و فارس و ثورة ( ذياب و صالح العوران )
Latest articles
November 15, 2024
November 15, 2024
November 15, 2024
الفارسان الشيخان ذيـاب و صالح العوران
مقدّمة
في الــ 25 من كانون الثاني عام 1918 خاض أهالي الطفيلة المعركة الحاسمة المعروفة بحد الدقيق ضد أرتال وطوابير الاحتلال العثماني التركي بعد ان اجتمع أهل الطفيلة على قلب رجل واحد لنصرة الثورة العربية الكبرى والانضمام لقوات الشريف الحسين بن علي بزعامة الشيخ ذياب العوران الذي كان احد الزعماء الكبار في الطفيلة انذاك.
في هذا البحث نستعرض سيرة الشيخ ذياب العوران أحد قادة معارك الطفيلة في الثورة العربية الكبرى و أبطالها العظام ، و سيرة نجله الشيخ صالح العوران ” وريث ارث الثورة و البطولة و الفداء “
الفارس البطل ذياب العوران
نسبه و نشأته
هو الشيخ ذياب عبدالرحمن عبيدالله العوران ، ولد في مدينة الطفيلة عام 1853م، وهو أحد أبناء الشيخ عبدالرحمن الذي أنجب يحيى وخليل وأحمد ومحمود وجعفر وعبدربه ، وساهم في تأسيس القواعد العشائرية، وتقلد زمام الزعامة في جنوب الاردن أيام الحكم العثماني.
موقفه من الثورة العربية الكبرى
كان الشيخ ذياب العوران أحد زعامات مدينة الطفيلة المشهود له بالكرم و الفروسية و الزعامة المتوارثة و الرأي السديد، وكان صاحب اجماع و مكانة بين عشائر الطفيلة و شيوخها، وتولى لمرات عديدة مهمات الدفاع عن أبناء المدينة، وجلب حقوقهم، ومحاولة الحفاظ على أعلى حالات ديمومة الأمن و الاستقرار للمدينة ابناء السيطرة العثمانية عليها حتى اندلاع الحرب العالمية الأولى.
و بسبب الاحتلال العثماني والاضطهاد الذي كان يتعرض له أبناء الطفيلة اجتمعوا بقيادة شيخ المنطقة ذياب العوران واتفقوا على رأي واحد وهو الانضمام لقوات الشريف حسين، فوصلت مواقفهم للأمير فيصل الذي كان متواجدا في معسكر القويرة، حيث سارع الشيخ ذياب العوران بإرسال ابنه عبدالسلام – تبعا لإجماع أهل المدينة- إلى الأمير فيصل القائد العام لجيوش الثورة العربية الكبرى في الأردن وذلك بشكل سري نظرا لكثرة العيون و الجواسيس المنتدبين من قبل القيادة التركية المحتّلة لمراقبة خطوط تواصل شيوخ العشائر الأردنية مع قادة الثورة و معسكراتها، ووصل عبد السلام ذياب العوران حاملا رسالة أهل الطفيلة و شيوخها من أجل إبلاغ الأمير فيصل للتقدم بقوات الثورة اتجاه الطفيلة و للتوجه نحو الحامية التركية المكونة من أكثر من 200 جندي والتي كان قائدها العربي ( زكي الحلبي ) والاخير هو ايضا كان على اتصال سري مع الامير فيصل .
هذه الاتصالات السرية والتي كانت قناتها الأبرز الشيخ ذياب العوران ساهمت بشكل مهم في دخول قوات الثورة الى الطفيلة واستسلام الحامية التركية فيها ورضوخها، حيث جرت الاتصالات لاحقا بين الامير زيد بن الحسين وبين الشيخ ذياب العوران شيخ مشايخ الطفيلة وذلك لمساندة الثورة ورجالها ضد الاتراك، وقد استعد الشيخ ذياب العوران للوقوف الى جانب الثورة، فوصل الشريف ناصر بن علي ومن معه من رجاله الى منطقة الطفيلة ، وأقامت لهم عشائر الطفيلة معسكرا في وادي الفرس ، حيث حضر الشيخ ذياب العوران ليرحب بالشريف ناصر ومن معه، وهناك وقفت عشائر الطفيلة تستقبل قوات الشريف ناصر بن علي القادمة من الشرق بالأهازيج المعروفة لديها، و عرف عن الشيخ ذياب العوران بأنه كانت تربطه صداقة مع كل من الشيخ عودة أبوتايه ومحمد بن جازي شيوخ الحويطات وقد ساهم هذا الأمر في التفافهم جميعا حول راية الثورة و دعمهم لها، ومن وادي الفرس توجه الشريف ناصر يرافقه الشيخ ذياب العوران الى الحامية التركية شرقي الطفيلة وجرت مفاوضات بين الطرفين كان من نتيجتها ان استسلمت القوة التركية في 15 كانون الثاني عام 1918م. وفي نفس اليوم وصل الى الطفيلة الشريف مستور وقواته القادمة من الغرب ومعه شيخ الحويطات حمد بن جازي والملازم محمد علي العجلوني وبالنهاية تم رفع راية الثورة على قلعة الطفيلة في تاريخ 15/كانون الثاني / 1918
وفي الأيام التالية وصل الأمير زيد بن الحسين وجعفر العسكري ومعهما قوة نظامية صغيرة وأقاموا معسكرهم في جنوب الطفيلة بجوار مزار جابر الانصاري.
و عند وصول الخبر الى الاحتلال العثماني عن استسلام الحامية التركية على يد قوات الثورة وبجهود عشائر الطفيلة وعلى رأسهم الشيخ ذياب العوران زاد هذا الأمر من اضطراب الاحتلال التركي و زاد من خوف الأتراك من تحرير المناطق الأخرى من قبل قوات الثورة، وبدأت على عجل بإرسال رسائلها المتكررة للشيخ ذياب العوران و أهالي الطفيلة تدعوهم لمساندتها في وجه جيش الثورة العربية الكبرى و قادتها مقدما الاغراءات و الوعود بكافة أصنافها ، لكن الرفض كان قاطعا و أعلنت الطفيلة أنها لن تميل أو تتزحزح عن موقفها الداعي لتحرير الطفيلة من الاحتلال العثماني لها، فمزقت رسائل الأتراك و شدّت على أيدي زعاماتها بأنها لن تتنازل أو تتراجع عن محاربة الجيش التركي في حال قرر إعادة احتلال المدينة، وحينها وبعد أن علمت القيادة التركية بالموقف القاطع لعشائر الطفيلة و شيوخها قررت اعادة احتلال الطفيلة و البطش بعشائرها و اذاقتهم صنوف الاجرام و العذاب عبر تصريح الجنرال التركي حامد فخري قبيل وصوله للطفيلة بأنه سيضع سيفه في رقاب أهل الطفيلة جميعا، و كان واضحا اصرار القوات التركية و حلفائها الألمان و النمساويين على استعادة الطفيلة لأهميتها الاستراتيجية السياسية والاجتماعية والعسكرية والتي توفر حماية طبيعية جغرافية .
دوره في معركة حد الدقيق
وفي معركة حد الدقيق، و ما أن وصل حامد فخري مشارف وادي الحسا حتى بدأ بممارسة تهديده وبواسطة مدافع (القدرتلي) التي اصابت ثلاثة مواقع في الطفيلة.
وكأن ما حدث هو ايذان بإعلان معركة، وبقي اهل الطفيلة في البلدة ولم يغادروها انما استعدوا للمواجهة بأسلحتهم فتشاور كبارهم وعلى رأسهم الشيخ ذياب العوران لمقابلة الامير زيد في خاصرة الطفيلة الجنوبية ليمدوا له يد العون. وكانت قذائف مدافع الاتراك تلك انطلقت مساء 24 كانون الثاني من وادي الحسا – شمال الطفيلة ثم ارتاحت القوات التركية تلك الليلة في بطن الوادي فرجالها من مجموعات المشاة جاءوا راجلين.
وعند وصول خبر زحف الاحتلال التركي تجاه الطفيلة الى الأمير زيد ،بادر بإرسال رسائله الى الامير فيصل لينبئه بالزحف العثماني الى الطفيلة وطالبا منه العمل على امداده.
فكان رأي الامير فيصل ان يستعين الامير زيد فورا بالشيخ ذياب العوران لحشد المقاتلين من فرسان الطفيلة و شبابها، وايضا من اجل الإغارة على السكة التي هي شريان المواصلات الرئيسي للأتراك وعبره يتم نقل المؤن و الأسلحة و الأسرى. ويوضح المؤرخ سليمان القوابعة؛ لم تكن تلك القوة التابعة للأمير زيد في الطفيلة كافية بحيث تستطيع ان تواجه قوة الترك مباشرة في الميدان، فالنظاميون كلهم لا يزيد عددهم على ستين وهم جنود الرشاشات الأربع يقودهم الملازم صبحي العمري، وجنود المدفعين الجبليين (اللذين) لم يكن مع كل منهما سوى ثماني طلقات واثني عشر خيالا وعدد من المتطوعين المحليين يقدر عددهم بخمسين رجلا ويقودهم الرئيس اسماعيل نامق بالإضافة الى عدد من الحجازيين يشكلون خاصة الامير زيد و حاشيته.
بعد ان تواردت انباء الحملة التركية من وادي الحسا اجتمع شيوخ الطفيلة ومعهم الشيخ ذياب العوران وعقدوا أمرهم على نصرة الثورة فتوجهوا الى مخيم الامير زيد واحتشدوا ظهر يوم 25 كانون الثاني بعدد يزيد على الثلاثين من كبار اهل البلدة وهم خيالة وتبعهم راجلون وطلبوا من الأمير ان يتجه معهم بقواته لمرتفع الطفيلة في العيص لمواجهة الترك فاعتذر بداية اذ لا يستطيع ان يغامر بالمدافع، كما اضاف ان ذخيرة مدافعه ضئيلة جدا غير ان الرجال ألحوا عليه فتريث قليلا.
وفي نهاية معركة حد الدقيق و بعد تحقيق الانتصار وصل المقاتلون ومعهم الاسرى الاتراك ليلا الى داخل البلدة حيث حيث كان الامير زيد وجعفر العسكري وعبدالله الدليمي وراسم سردست وصبحي العمري يقيمون في منزل الشيخ ذياب العوران.
وهكذا كان للشيخ ذياب العوران الدور الكبير في تثبيت دعائم انتصار ثورة الأردنيين و أهل الطفيلة على الاحتلال التركي.
توفي الشيخ ذياب العوران في عام 1938م، بعد حياة حافلة بالعطاء و التضحية و الانتماء الوطني .
الشيخ صالح باشا ذياب العوران
**مقدمة :
كانت حياة صالح العوران والظروف التي نشأ فيها بيئة ملائمة لبروز شخصيته ومقدرته على الاضطلاع بجهود ومهام صعبة ، بين فترات حرجة من عمر الدولة الأردنية ، كما عايش الإرهاصات التي سبقت مرحلة التأسيس ، فكان بذلك رجل مرحلتين مهمتين كان لهما دورهما الكبير في ما آلت إليه الحال في المنطقة برمتها ، وفي مختلف الميادين السياسية والعسكرية والاقتصادية.
**نشأته :
ولد الشيخ صالح باشا العوران في الطفيلة سنة 1888 م ، وينتسب الشيخ صالح ذياب الى عشيرة العوران الواقعة بجذروها في الطفيلة بالجنوب الاردني ، ويعد ذياب العوران من اشهر الزعامات العشائرية الاردنية وكان من الزعماء المهابين من قبل رجال الاحتلال العثماني انذاك..
**موقفه من الثورة العربية الكبرى:
حظي الشيخ صالح ذياب العوران بتربية قوية وشجاعة وذات خبرة بسبب مرافقته لوالده ذياب العوران ، في بداية طفولته تعلم تعليماً اولياً من خلال الكُتاب ولكنه لم يكمل مراحله الثانوية ، ثم توجه الى الحياة العملية و كسب الخبرات المتراكمة وان يساهم بشكل مبكر مع اخاه عبد السلام الاكبر منه سناً في مساعدة والدهما ، وكان له الدور بالمساهمة في معارك الطفيلة وفي جيش الثورة العربية الكبرى. كانت الثورة العربية الكبرى حالة ذات ابعاد عميقة في وجدان الشيخ الباشا صالح العوران التي حمل رسالتها طوال سنوات عمره ، ولم يتباطئ عن دوره في بناء مؤسسات الدولة الاردنية منذ تأسيسها عام 1921.
**الشيخ صالح باشا العوران والجو الاجتماعي:
عاش الشيخ صالح العوران في جو اجتماعي عشائري فيه طابع الرجولة والعشائرية والنشاط وفي نفس الوقت فيه الكثير من الإنسانية والتعاون مع المجتمع كله، دخل السياسية بطريقة غير مباشرة ، ففي تلك الفترة لم تكن الأمور واضحة بل متغيرة، فقد عاشوا في فترة صعبة جدا على المستوى المحلي الأردني في عهد الاحتلال العثماني.
أما عن مشاركته السياسية فقد كان الشيخ صالح العوران عضوا في أول مجلس تشريعي وكان ذلك عام 1929 و واستمر لفترة لا بأس بها فأول خمس مجالس تشريعية كان عضوا فيها ، إلى أن جاء مجلس النواب ، فقد قام بواجب وطني تجاه القيادة الهاشمية و تجاه الطفيلة و تجاه الأردن لأنه جزء من مؤسسة كبيرة جدا.
وكان يؤدي دوره هناك كواجب وطني أردني مقدس ومن هذا المنطلق فقط بدأ بالمجلس التشريعي واستمر فيه ثم جاء إلى مجلس النواب في نهاية الاربعينات ، فعندما تأسس المؤتمر كان عدد اعضائه 20 شخص وكان منهم صالح العوران وهذا يعني أن صالح العوران هو واحد من الأشخاص العشرين الذين صاغوا دستور هذا الوطن و مما يعتز به أبناء الطفيلة أن صالح العوران كان في المؤتمر التأسيسي الأول وكان صاحب دور فاعل.
** الشيخ صالح باشا العوران و الملك المؤسس عبدالله الاول بن الحسين :
تحدث معالي محمد صالح العوران عن والده في لقاء له مع جريدة الدستور قائلاً :
أما عن علاقة الشيخ صالح العوران بالملك المؤسس فقد كانت العلاقة مميزة بين المرحوم الملك المؤسس وبين والدي بالإضافة إلى الزيارات التي كان يقوم بها الملك عبد الله إلى جميع محافظات المملكة وسمعت كثيرا أنه كان يأتي إلينا في المنزل ويبقى أياما ليلتقي بكل زعماء المنطقة ، كما يضيف أنه في عام 1950 قبل وفاة الملك المؤسس بسنة واحدة كان هو في الصف الرابع فكلفه والده أن يلقي بعض أبيات من الشعر أمام جلالة الملك عبد الله في زيارته للطفيلة وكان استاذه الكبير زيد الكيلاني هو الذي كتب له الأبيات فقال:
يا مرحباً بجلالة الملك الأبيّ يا مرحبا بالهاشمي اليعرب
شرفت ديرتنا فباركتها الحياة وسرت في أرضنا روح النبي
**الجانب الاجتماعي العشائري لصالح باشا العوران :
صالح باشا العوران هو ابن ذياب باشا العوران كما اسلفنا تربى في بيت مشيخة بمعناها القيمي والأخلاقي و كان قاضيا عشائرياً ، يمثل قمة معنى العطاء والإنسانية وإصلاح ذات البين، يوجه الناس لخيرهم، معطاءاً كريماً وبالتالي كانت سرايا ذياب العوران ومن بعده صالح العوران ملجًأ للمعوزين و المحتاجين و أبناء السبيل و الضيوف، يذهبون هناك ليجدوا الرفادة والسياقة وكرم ضيافة الطفيلي و نخوته .
ساهم الشيخ صالح العوران في حل القضايا الاجتماعية والعشائرية، وعمل على تلبية طلب كل صاحب حاجة، فساعد الفقير، وأغاث الملهوف، وكثيراً ما لجأ إليه رجال الحكم المحلي في الطفيلة ومدن الجنوب، ليساعد في حل كثير من القضايا الصعبة، خاصة القضايا والمشاكل ذات البعد العشائري، نظراً لمعرفته الكبيرة بالعادات والتقاليد العشائرية، وضلوعه بالقضاء العشائري، الذي يعد قضاءً مسانداً بفعالية كبيرة للقضاء المدني، لذا تمتع بتقدير خاص بين الناس، وباحترام وتقدير كبيرين لدى كبار مسؤولي الدولة، وقد واصل العمل المتميز والمخلص حتى وفاته عام 1955، ودفن في مدينة الطفيلة مسقط رأسه والمكان الأحب إلى نفسه.
المصادر و المراجع :
- الثورة العربية الكبرى ( معارك الطفيلة – صور من البطولة ) ، سليمان حمّاد القوابعة ، أزمنة للنشر و التوزيع ، الطبعة الأولى،2008
- التاريخ العسكري للثورة العربية الكبرى فوق الأرض الأردنية / بكر خازر المجالي، قاسم محمد الدروع 1995 .
- الثورة العربية الكبرى : الحرب في الأردن 1917-1918 : مذكرات الأمير زيد بن الحسين / سليمان الموسى، دائرة الثقافة والفنون.
- كتاب الطفيلة مملكة الادوميين وارض الكروم ، سلطان الحطاب
- جريدة الدستور لقاء مع معالي الدكتور محمد صالح العوران بتاريخ 8 /تشرين الثاني/ 2007
- لقاء مع الدكتورة سوسن العوران – حفيدة الشيخ صالح العوران- من قبل فريق إرث الاردن في مكتبها بالجامعة الاردنية
- لقاء مع معالي الدكتور محمد العوان من قبل فريق إرث الاردن بتاريخ19/اذار/2016
- موقع خبرني، مقال للاستاذ بسام العوران في تاريخ : 29/10/2015
- وكالة انباء سرايا الاخبارية، مقال للاستاذ بسام العوران في تاريخ 07-04-2010