Latest articles
November 16, 2024
November 16, 2024
November 16, 2024
عثماليكس – الجزء 5 : معارك معان وفق مذكرات ضابط تركي
تناولنا في نهاية (الجزء السابق) عن معارك معان وفقا لما كتبه مدير شعبة الاستخبارات في القوة التي كانت تحتل مدينة معان في رسالة وصف بها المعارك التي دارت حول تلك المدينة بين قوات الثورة من جهة والأتراك مع من ساندهم من الألمان والنمساويين من جهة أخرى ، و نستمر في هذا الجزء بوصف المعارك التي جرت حول معان وذلك من خلال وثيقة جديدة هي عبارة عن مذكرات ضابط تركي ، يظهر فيها اعترافات الأتراك ببسالة قوّات الثورة و فرسان العشائر الأردنية وشجاعتهم واقترابهم الكبير من تحقيق الانتصار وتحرير المدينة في ظل ضعف القوات التركية امامهم ثم الانسحاب التكتيكي المفاجئ للثوار بعد ذلك :
يقول الضابط في مذكراته :
“علمنا في أول شباط ١٩١٨ من أقوال عيوننا وأرصادنا أن قوات الثورة تعد العدة للهجوم على معان، وأنها قررت نسف الخطوط الحديدية شمالاً وجنوباً وتدمير الجسور بالديناميت ليحول دون وصول الذخيرة والعتاد الى القوات التركية في الجنوب بحيث يحملها على الاستسلام وأرسل محمد جمال باشا في طلب الإمدادات والنجدات لأنه اعترف بعجزه عن المقاومة وكان اليأس قد سرى إلى نفسه أن يذهب بنفسه الى دمشق ليتصل برجال القيادة ويفاوضهم ويطلعهم على الحالة ويسعى لاستقدام قوات جديدة.
لكن سعيه جاء بعد أوانه فلم يكد يغادر معان حتى أخذت قوات الثورة بمضايقتنا، ودارت معارك بيننا وبينهم حول محطات السكة خلال شهري آذار ونيسان وكان النصر فيها سجالاً، فيوم لنا ويوم لهم وربما كان أعظمها شأناً معركة المدورة فقد التحم فيها الفريقان بالسلاح الأبيض وكان الثوّار يظهرون بسالة خارقة” .
معلومات سرية ومخاوف وقرارات متأخرة
يتحدث الضابط عن المخاوف التركية مما وردهم من انباء عن طريق جواسيسهم ، حول تقدم الثوار باتجاه معان ونيتهم تحريرها ، وان قوات الثورة أعدت عدتها ووضعت خطتها الرامية لعزل القوات العثمانية الموجودة في معان عن الإمدادات العسكرية في الشمال والجنوب ، كما يتحدث عن تأخر وصول الإمدادات نتيجة لعدم أخذ القيادة العثمانية والألمانية لنداءات الاستغاثة على محمل الجد (كما جاء في الجزء الثالث ووصفها من قبل القائد الالماني للقوات العثمانية بأنها من قبيل المبالغة العثمانية المألوفة) ، مما دفع قائد قوات الاحتلال العثمانية في معان محمد علي باشا للذهاب بنفسه الى دمشق، والتفاوض مع الضباط والقيادات هناك ، إلا أن ذلك حدث بعد فوات الاوان ، فمع مغادرته وصل الثوار وفرسان العشائر الأردنية لمشارف معان وبدأت معارك التحرير ، فكانت الحرب سجالاً ، ونلاحظ إشادة الضابط في مذكراته ببسالة الثوار وامتداحه شجاعتهم، وهذا شهادة حق من ضابط في الطرف المقابل.
يستكمل الضابط في مذكراته :
“ولا أذكر جيدا تاريخ اليوم الذي ابتدأ فيه هجوم قوات الثورة على معان، وإنما أظنه وقع بين 5– 6 نيسان، فقد أخذت مدافعهم تطلق نيرانها بشدة على جبال سمنة وهو خطنا الأمامي وبينما كان جيشهم يدخله في المساء سمعنا أصوات الديناميت تقصف كالرعد من شمال وجنوب، ورأينا القضبان الحديدية تتطاير فأدركنا خطورة الموقف وعرفنا أننا اصبحنا في عزلة عن العالم، واستأنف جيش الثورة القتال في الغداة فأمطر خطوطنا الأمامية نيراناً حامية ثم هجوم المشاة تشد أزرها القبائل الأردنية فاستولوا بعد مقاومة طفيفة على المرتفعات القائمة بين معان وسمنة والمرتفعات الواقعة جنوبي المحطة ومركز القيادة التركية وكان نصرهم عظيماً في ذلك اليوم فقد صارت معان وسمنة تحت رحمة مدافعهم التي نصبوها في جبل سمنة كان رصاصهم يصل أيضا إلينا، فتراجعنا على إثر ذلك إلى الخنادق المجاورة وحشدنا قواتنا في خط الدفاع الأخير من المحطة وأقمنا في الخنادق الشرقية والأرض هناك منبسطة نحو 300 جندي للدفاع اذا حصل وهاجمتنا قوات الثورة من هذه الناحية مع مدفع واحد.
وكانت قواتنا في معان منقسمة إلى قسمين : قسم البلاد وقسم المحطة، وتتألف القوة الأولى من فوج مشاة لديها ٤ رشاشات ومدفعان نمساويان سريعا الطلقات يشد أزرهم فرسان العشائر المتطوعين من البلد وقد انضموا مع نسائهم للجيش وعددهم 300.
وتتألف قوة المحطة – وتبعد نحو نصف ساعة من البلدة – من فوج مشاة و ٨ رشاشات مع مدفعين نمساويين ومدفعي صحراء وآخر من الطراز القديم وقد نصبوها في الجبال المطلة على المحطة وفي الهضاب الممتدة على طريق معان وشرقيها ( المحطة ) وجنوبها وشمالها ويقود هذه القوة القائم مقام علي وهبي بك، وأصبحنا في اليوم الثالث ونحن أمام قوات الثورة وجهاً إلى وجه – يروننا ونراهم على مسافة 200 – 300 متر، وكانت قنابلهم تتساقط علينا كالمطر ونحن في الخنادق فلا نستطيع أن نرفع رؤوسنا مخافة ان يصيينا طلق ناري، واستنجد قائدنا بدمشق والمدينة أيضا طالباً إمدادات سريعة فأجابه فخري باشا من المدينة بأن امداده له هو الدعاء إلى الله بنصره وقالت القيادة العثمانية في دمشق يجب أن لا تستسلموا للعدو إلاّ جثثا هامدة، وبدأت قوات الثورة في صباح اليوم الرابع بهجوم على جميع المناطق من الميدان وكانت مشاتها تتقدم ببطء، وقد بلغ بعضها خنادق الترك ولكنها ما كانت تثبت في الميدان لعجزها عن مجاراة النظاميين فتراجعوا أمام نيران الترك ولا سيما رشاشاتهم فكانت تصليهم نارا شديدة – رغم تساقط قنابل مدفعية الثورة عليها.
واستولت قوات الثورة بعد نضال عنيف على آخر هضبة بجوار المحطة وأصبحوا يسيطرون على الساحة وكانت حالتنا سيئة جدا في اليومين الخامس والسادس فقد قلت مسيرتنا وكنا نوزع قطعة من الخبز المجفف مع قليل من الزيتون على الجند كما صدر أمر الى المدفعيين والمشاة بالاقتصاد في انفاق القنابل والرصاص لنفاذ المدخر لدينا.
وقد كنا في حالة يرثى لها لفقد القوة الأدبية ( المعنوية ) وصرنا عاجزين عن القيام بأقل حركة أمام قوات الثورة الزاحفة وأنهكنا التعب داخل خنادق لم تكن مبنية على الطراز الحديث “ .
الحامية العثمانية تختبئ في الخنادق تحت وابل نيران قوات الثورة
يصف الضابط مجرى الأحداث وكيف دارت المعارك، وعن هجوم قوات الثورة العربية الكبرى ومشاركة العشائر الأردنية فيها واصفا الدور الكبير للعشائر بأنها كانت تشد أزر الثوار ، وذلك خلال معارك تحرير معان من الاحتلال العثماني ، حيث يصف أدق التفاصيل المتعلقة بالمعركة ابتداء من تطاير قضبان السكة الحديدية، ووصولا لتعداد الأسلحة والمدافع الالمانية والنمساوية وعدد القوات التي تهاوت واختبأت في الخنادق المعدة المبنية بطريقة سيئة، نتيجة للضغط والكثافة النارية التي كان تحارب بها قوات الثورة، مما استدعى العثمانيين للانسحاب للخطوط الخلفية واتخاذ اوضاع دفاعية.
طلب النجدة من القيادة العثمانية والرد : لا نملك لكم سوى الدعاء
يصف أيضاً عجز القيادة العثمانية الألمانية عن إرسال أي دعم يذكر لقواتهم المحاصرة والمتهالكة تحت قنابل وصليات قوات الثورة، رغم محاولات الإغاثة واستجداء النجدة المتكررة من قبل قائد الحامية، إلاّ أن محاولاته كلها باءت بالفشل، بل يأتيه الجواب من فخري باشا المحاصر كذلك هو وقواته في المدينة المنورة في صيغة لا تخلوا من التهكّم ، بأنه لا يملك له من مساعدة سوى الدعاء، ومن دمشق لم تصلهم إلا الأوامر بعدم الاستسلام والموت جثثا هامدة في صيغة لا تخلوا من اليأس ومعرفة اقتراب المصير، وهو ما تسبب بانهيار المعنويات في صفوف القوات العثمانية في معان، التي أنهكها التعب داخل الخنادق ، وأخذوا يتقشفون ويرشّدون استهلاك الغذاء والسلاح.
يكمل الضابط :
“واشتدت مضايقة الثوّار لنا حتى أصبحوا على بضع خطوات منا وكانوا يصلونا نارا حامية من مدافعهم ورشاشاتهم وكان رصاصهم يتطاير من الشبابيك والنوافذ فيدخل الغرف، كما تسلل بعضهم الى داخل المحطة، فاستدعينا القوة التي كانت في الجبل حينما رأينا اشتداد الحال فجاءت وطردت مقاتلي العشائر من حول المحطة، ولولا وصولهم لاستولوا عليها ولزادوا قوانا الأدبية وهناً على وهن.
ولإنعاش هذه القوى وتنشيطها أذعنا بلاغا قلنا فيه إنّ الفيلق الثامن الذي يتقدم من القطرانة لانجاد معان صار قريباً وأنه سيدخلها ليلاً.
وصل هذا البلاغ جنودنا في الخنادق وأنعشهم وظهرت عليهم علائم السرور واخذ بعضهم ينبيء بعضاً : إنّ النجدات تاخرت لأسباب قاهرة وفي اليوم السابع أخذنا إشارة لاسلكية من القيادة أنها أرسلت فوجاً مع عتاد وميرة ومدفعي صحراء لإنجادنا وأن قوات الفيلق الثاني بقيادة الأمير آلاي دلي شوكت أرسلت الى محطة القطرانة لتعزيز قوات المحطات بين القطرانة ومعان ولصيانة طريق المواصلات ولمنازلة قوات الثورة وقد بدأت كتائبها تهاجم المحطات بعد احتلال الطفيلة.
وفي ذلك اليوم وقبل وصول برقية القيادة المنشورة آنفاً أرسل علي وهبي بك الى الناصرة (مقر القيادة العليا للجيش التركي في بلاد العرب يومئذ) وإلى دمشق يقول فيها :
أن الذخيرة نفذت من مستودعات الجيش حتى لم يبق للجنود سوى خمس رصاصات وللمدافع سوى عشرين طلقة، وودع القيادة بعبارة مؤثرة “إنّ هذه آخر برقية أرسلها” وفعلا أمـر بإنزال عمود اللاسلكي، فأنزل، وأمر بإعداد المعدات في المحطة لنسفها ونسف المحطة في الصباح حتى لا يستلمها العرب حين دخولهم، وأبلغ الجند بأن يستعدوا المقاومة في السلاح الأبيض وأمر بدفن مال القيادة وكان لديها كميات من الذهب في حفرة يؤشر عليها إشارة سرية بعد دفنها، كما قرر حرق علم القيادة فلا يغنمه العدو.
وأشرقت شمس اليوم الثامن والثوّار يمطرونا نارا حامية شديدة كما كانت فقلنا أنها مقدمة هجوم عام على معان و أن انتصاره مؤكد وقد قررنا المقاومة بالسلاح الأبيض وعشنا في تلك الليلة أكثر من ساعتين أو ثلاث خوفاً من هجومهم وكنا ننتظر الدقيقة الرهيبة دقيقة المعركة الفاصلة حيث اشترك الجيشان بالسلاح الأبيض ولكن نيران العرب خمدت بعده”.
الدعاية العثمانية الكاذبة
يصف الضابط اشتداد المعركة واقتراب المقاتلين العرب الشديد من القوات التركية المختبئة داخل المحطة ، وتطاير الزجاج عبر النوافذ ودخوله الغرف وحالة الرعب التي كانت بها الجنود العثمانيين وقد كاد العرب يسيطرون على المحطة ويزيدون من انهيار معنويات الجيش العثماني لولا تدخل فرقة عثمانية كانت متمركزة على جبل مجاور.
كما يعترف باستخدامهم الأكاذيب لبث روح معنوية في جنودهم اليائسين، من خلال إذاعة بيان كاذب عن اقتراب وصول الامدادات، وهو ما لبث أن انتشر بين الجنود الذين اخذوا يتداولونه ويقاتلون بشكل أفضل مما سبق هذا البيان ، وتزامن هذا البيان في ذلك الوقت مع ارسال القائد العثماني لحامية معان علي وهبه بك برقية عاطفية يعلن فيها نهاية المعركة ونفاذ الذخيرة وأنها ستكون آخر برقياته ، تلا ذلك بعدها تجهيز معدات الإذاعة والمحطة و راية القيادة العثمانية للنسف والتدمير و الحرق لعدم افادة الثوّار منها في حال انتصروا ، وذلك يبرهن على شدة الوهن والضعف الذي كانت تمر به القوات العثمانية المحاصرة في معان في ذلك الوقت ، وشعورهم المؤكد بدنو أجلهم.
اخفاء المنهوبات
كذلك يتطرق الضابط بشكل غير مباشر لنقطة مهمة، وهو أن ذلك الوضع دفعهم كذلك لدفن المصاغات الذهبية والأموال التي كان يتم مصادرتها و نهبها وسلبها من البيوت الأردنية ومن التجار والمزارعين، حيث سارع مئات المرتزقة العثمانيين في دفن هذه الغنائم التي كانوا يسرقونها بغير وجه حق، ووضع العلامات التي تدل عليها أملاً في العودة لها لاحقا، وهو ما لم يتحقق ، وما كانت هذه الدفائن والكنوز في الحقيقة سوى حصاد تعب سنوات لمواطن أردني كان يرعى أو يزرع طول العام ، ليأتي ضابط عثماني يسلبه ما حصده.
بعد ذلك يتحدث عن وصول برقية تنبأهم حقيقة أن القيادة قد أرسلت لهم بعض الامدادات لمساندتهم، وكذلك عن تولي الفيلق الثاني لمهمة حراسة وصيانة السكة الحديدية العسكرية بين القطرانة ومعان والتي كانت قوات الثورة العربية الكبرى قد نسفتها لعزل القوات العثمانية المحاصرة في معان عن أي نجدات أو دعم قد يصلها.
يعيد الضابط التأكيد من جديد على الحالة النفسية الصعبة التي كان يمر بها أفراد الحامية العثمانية المحاصرة في محطة معان ، وأنهم كانوا يعدون اللحظات المتبقية لهم ، حتى اشتبك الطرفان بالسلاح الأبيض وتوقف الرصاص بعد ذلك.
يكمل الضابط العثماني وثيقة مذكراته حول معركة معان بهذه الأسطر :
“ودقّ جرس التلفون وأنا أنزل إلى مقر القيادة العامة تحت الأرض لأتلقى أخبار معان فبشروني أن العدو انسحب من الخطوط الأمامية وأنه يواصل تراجعه فأبلغت هذه البشرى إلى علي وهبي بك فدهش وكان لا يصدقها، ثم صعد إلى سطح الأرض ووجه منظاره نحو قوّات الثورة فوجده يغادر الهضبة والأكمات المحيطة بالمحطة فأدركنا حينئذ أن العدو لم يشدد نيرانه إلاّ ستاراً لانسحابه، وما هي إلاّ دقائق معدودة حتى انتشر الخبر بين الجند فأخذوا يطلقون النار عليهم.
ولكن قائدنا أصدر أمراً إلى الجند بالرجوع الى أماكنهم خوفاً من أن تكون هناك مباغتة وعند الظهر رأينا مدفعية قوات الثورة تطلق مدافعها من جبل سمنة وقد اختلفت الآراء في سبب هذا الانسحاب وفي تعليله خصوصاً وقد كانت معان على وشك التسليم بعدما فقدت ذخيرتها وميرتها، ولو هجم الثوّار علينا يوم انسحابهم لدخلوها دون عناء ولعل أقرب تعليل للحقيقة هو التعليل الأتي :
لما رأى القائد العام لقوات الثورة أن الهجوم على معان طال أسبوعاً ولم يقترن بنتيجة، أمر جنوده بالانسحاب خوفا من تضعضع القوة الأدبية ولئلا يؤثر ذلك في نفوس فرسان العشائر، وشرعنا بعد ذلك في العمل فأصلحنا سكة الحديد وأنشأنا الجسر الذي نسفوه بين معان والجردونة، ووصلتنا النجدات والميرة والذخيرة وسيرنا قطاراً إلى دمشق ارسلنا فيه الجرحى والمرضى كما عززنا الدفاع عن معان وبثينا الألغام حولها، ولما شعرت قوات الثورة بوصول النجدات ورجوع الترك الى نشاطهم بدأوا بمهاجمة ( الجردونة ) ونسف قضبان السكة الحديدية بين محطات الجردونة وعنيزة والحسا وجرف الدراويش، ولا بد لنا من الاعتراف بأن بقاء جيش الثورة في ( جبل سمنة ) المطل على معان أزعجنا، فقد كان يصب نيران مدفعيته في الصباح والمساء دون انقطاع على مراكزنا ولذلك قررت القيادة استرداد هذا الجبل، فقمنا بحركة سريعة وما كدنا نستولي عليه حتى فاجأتنا قوات الثورة فانسحبنا منه.
وقد انحصرت الأعمال الحربية في خلال شهري نيسان وأيار وحزيران بمناوشات بسيطة واتجهت عناية جيش الثورة في الحركة نحو الشمال واشتبك مع الفيلق الثاني التركي بمعارك هائلة في جبهات الحسا، واستبسل الفريقان واحتفظ الأتراك بموقعهم وانتقل مقر الفيلق الثاني من القطرانة إلى عمان بعد استقرار الحالة في تلك المناطق ووجه وجهه نحو جبل الدروز وحوران لمقاومة الحركة العربية الثورية بعد أن بلغ دعاتها تلك الأنحاء “.
مفاجأة لم يتوقعها أحد ، انسحاب عربي تكتيكي
يدور الحديث في الأسطر الأخيرة من الوثيقة عن المفاجأة التي حدثت في اللحظة الأخيرة من المعركة والتي لم تكن تخطر في بال أحد حيث كانت معان على وشك أن تتحرر، لولا الانسحاب التكتيكي العربي الذي كان صادماً ومفاجئاً للعثمانيين الذين كانوا ينتظرون لحظاتهم الأخيرة، وهو ما لم يصدقه القائد العثماني علي وهبه بك حتى تأكد من ذلك باستخدام منظاره، الذي لم يتخلّ عن مخاوفه حتى رغم انسحاب قوات الثورة فهاهو يأمر جنوده بعدم اطلاق النار على قوات الثورة خوفاً من أن تكون هناك خطة هجوم ارتدادي.
ويعزو الضابط في تحليله ما حدث أنه بسبب ما يعتقد أنه قرار قائد القوات الثورة العربية الكبرى المهاجمة بالانسحاب خشية تأثر الروح المعنوية للمقاتلين الثوار و فرسان العشائر الأردنية ، في ظل استمرار المعركة لمدة اسبوع دون نتيجة ظاهرة ، لكن في الواقع أن النتائج المخبأة والمفاجأة كانت أكبر.
ويتضح هنا أن الثوار رغم إرادتهم وعزيمتهم وإيمانهم بهدفهم الكبير إلا أن ذلك لا يكفي، في ظل الافتقار لخبرة عسكرية في القتال الطويل الأمد، كما أنهم لم يدركوا وهن القوات التركية ولم يديموا زخم هجومهم في اللحظات القاتلة التي أوشك فيها العدو على الاستسلام، إضافة إلى قدوم الإمداد العسكري العثماني ما دعا قوات الثورة إلى رفع النار عن القوات التركية والتراجع فانقلب الموقف.
الحلفاء لا يرغبون بتفوق عسكري حاسم لقوات الثورة
ويقول الدكتور بكر خازر المجالي في تعليقه على هذه الوثيقة في كتابه التاريخ العسكري للثورة العربية الكبرى فوق الأرض الأردنية :
“وأي كان فإن الوثيقة لم تتطرق الى قوات الثورة العربية الكبرى وكيفية تنظيمها لهجومها وتنفيذه واعتمادها على القصف والإسناد المدفعي، هذا الذي قطعه ( بيزاني ) القائد الفرنسي عندما أوشكت قوات الثورة على تحرير معان، والتعليل في ذلك أن الحلفاء لم يرغبوا في أن يشاهدوا قوات الثورة تحقق نصراً حاسماً فأوقفوا الاسناد المدفعي وأتاحوا للأتراك استخدام أسلحتهم، فأضعف ذلك من معنويات قوات الثورة خاصة وأنهم تقاتل منذ ثمانية أيام وهي في هذه الحالة أحوج ما تكون إلى ما يدفعها للأمام وليس إلى ما يثبط من هجومها فيوقف زحفها أو على الأقل يوقفها عند المناطق الواقعة التي حررتها و استولت عليها.
ويضيف: قد اعترف التقرير ببسالة الثوّار وقدرتهم على التعامل مع العدو، واعتراف بالحصار الذي ضايقهم، وليس ذلك فحسب فقد أدرك الأتراك أنهم بمعزل عن العالم بعدما شاهدوا قضبان سكة الحديد تتطاير، لكن هذه الأمور تزول بعد الانسحاب ويتمكن الأتراك من تسيير قطار إلى دمشق لنقل الجرحى والمرضى واستقدام المؤن وغيرها.
وأوضح التقرير أن الفرق بين النظاميين وغير النظاميين قد ظهر واضحاً بين قوات الثورة وهذا أثّر على سير المعركة واستفاد الأتراك من هذا التباين خاصة وأن المتطوعين من مقاتلي العشائر الأردنية لم يكونوا خبراء في التعامل مع التحصينات الدفاعية والاستحكامات التي كان العثمانيون وحلفائهم الألمان والنمساويون أكثر معرفة بها.
المراجع:
- مجلة الحرب العالمية العظمى
- التاريخ العسكري للثورة العربية الكبرى فوق الأرض الأردنية / بكر خازر المجالي، قاسم محمد الدروع. 1995