عثمان ليكس – الجزء 3 : معركة الأردن الثانية

By Published On: August 24, 2016

عثمان ليكس – الجزء 3 : معركة الأردن الثانية

image1

يستعرض الجنرال ليمان فون ساندرس في هذه الوثيقة التي نشرت كمقالة باللغة الألمانية إبان الحرب العالمية الأولى، المزيد من المعارك والأحداث التي جرت خلال شهر آذار عام 1918 ، أبرزها ، معركة الأردن الثانية التي استمرت لعدة أيام ، وإحدى المعارك الليلية ، وكذلك ما يتعلق بهجوم الثوار العرب على محطة السكة الحديدية العسكرية في معان.

يوضح هذا الجزء من المقال الأهمية العسكرية للسلط وما حولها من المناطق الأردنية واستماتة كافة أطراف الحرب العالمية للسيطرة عليها، وهو ما عاد على أهل المدينة بالمصائب والويلات من مجازر وتهجير ومشانق معلقة وقصف بالطيران من جانبي الحرب، وقد كان بالإمكان تجنب كل ذلك لو أن العثمانيين تركوا أهل المدينة وشأنهم يزرعون حقولهم، ويتاجرون في أسواقهم، ويبدعون في صناعاتهم، بدلاً من جر المنطقة بكافة مدنها ومكوناتها لحرب ليست حربهم ، واستخدام شبابها كوقود لهذه الحرب سواء بشكل مباشر من حيث التجنيد، أو بشكل غير مباشر من خلال استخدامهم في السخرة ، من خلال تقطيع الغطاء النباتي واستخدامه وقودا للقطار العسكري.

image7

يوضح هذا الجزء أيضاً ترهل القوات العثمانية وتقهقرها مع دخول القوات البريطانية وتأخرهم في تنفيذ الأوامر وضربات موجعة وإصابات في صفوف القيادة العثمانية، كما تبرز اعترافات فون ساندرس هذه  الدور المؤثر الذي لعبته قوات الثورة حتى من خلال بعض العمليات المحدودة التي كنا قد نشرنا عنها في أبحاث سابقة (مسارات التحرير) والتي تمثلت بقطع خطوط الاتصال الهاتفية ، وما كان له من أثر في مفاجأة قوات الاحتلال العثماني وتساقط الحاميات تباعاً.

نيران صديقة . . الأتراك يشتبكون مع الألمان عن طريق الخطأ !

ونظراً لما أسلفناه في (الجزء الأول من عثمانليكس) حول تركيبة أجزاء من جيش الاحتلال العثماني من مجندين إجباريين ومرتزقة لم يكن لهم الدراية بتكتيكات الحرب ، أو الحنكة العسكرية ، فتذكر الوثيقة أن السائق التركي لسيارة الجنرال الالماني صاح مرتعباً في إحدى الجولات الميدانية عند مشاهدته لمجموعة من الفرسان معتقداً أنهم من قوات الحلفاء، مخبراً سيده الألماني أنهم فرسان انجليز ، لمجرد ارتدائهم زي عسكري وقبعات قبل ان يلمح فون ساندرس بينهم زميله الألماني من قادة أركان الحرب  !

ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد بل تعداه لاشتباك بالرصاص ما بين الجنود الأتراك القادمين من الجبال ، والجنود الألمان باللباس الكاكي  وقبعة المستعمرات أثناء انتقالهم ما بين المناطق الشفا غورية قرب نهر الأردن.

وتوضح تفاصيل المعارك والاشتباكات التي توردها الوثيقة ضعف قدرة قوات وجيوش العثمانيين والألمان والإنجليز على الحسم، ويبرهن على ذلك العمليات المحدودة واستمرار الاشتباكات عدة أيام للسيطرة على موقع معين، وعدم القدرة حتى على ملاحقة القوات المنسحبة المهزومة ومحاصرتها، رغم رجاء وأمنيات القيادات العثمانية والألمانية للقادة الميدانيين لفعل ذلك.

image8

كما يذكر فون ساندرس أن القوات العثمانية والألمانية لم يكن لديها ما يكفي من العتاد لإحراز النصر ، وكذلك فيما يتعلق بأفراد قوات الاحتياط، وهو ما جعل المعارك تدور في مجال محدد دون إحراز تقدم حتى مع تقهقر الطرف الآخر، كما يوضح دور سلاح الجو والطيران الألماني في حسم المعارك في ظل غياب فعالية القوات الأرضية، وهو ما يعني اعتراف صحيح باستخدام الطيران لقصف مدينة السلط في محاولات السيطرة عليها، وهو ما تؤكده بعض الصور والبيوت التي ما زالت قائمة حتى الآن وتشهد حجارتها على مآسي الحرب والصراع على النفوذ.

يتحدث فون ساندرس هنا عن استئناف فرسان ومحاربين الثورة العربية الكبرى من العشائر الأردنية معاركهم لتحرير معان من الاحتلال العثماني، واستهدافهم المتواصل لمحطات السكة الحديدية العسكرية وقيامهم بنسف جسورها بشكل مستمر ، معيداً ما أورده في أكثر من مناسبة عن تأثير هذه العمليات ومضايقتها للقوات الألمانية والعثمانية، بحكم اعتمادهم على السكة في نقل الإمدادات والجنود ، لا سيما مع نفاذ المعدات والأدوات التي تلزم لإصلاح هذه الخطوط المدمرة وإنشاء جسور بدل تلك التي يتم نسفها وهدمه.

فون ساندرس يصف المبالغة التركية المألوفة :

يربط فون ساندرس ما بين العمليات والمعارك التي يقودها الثوار العرب ضد السكة الحديدية ومحطاتها في معان ، وتأثيرها على المعارك في السلط وحول نهر الأردن ، وليس ذلك فحسب،  بل تعداه لمخاوف من تأثير ذلك وما قد يؤدي له من تحرير المدينة المنورة التي تم تهجير أهلها في “السفربرلك” وحولها القائد العثماني فخر الدين باشا وعصاباته الى ثكنة عسكرية وتحصنوا فيها ، إلا أن ساندرس يتحدث عن وجود موارد كافية لتأمين معيشة جنود فخر الدين، ولكنه كان شديد التذمر والمبالغة من خلال البرقيات المتكررة التي يستجدي فيها المساعدة والإغاثة وهو ما وصفه ساندرس بأنه لم يكن يتعدى سوى كونه من قبيل المبالغة التركية المألوفة، وهو ما أثبته الواقع ما بعد انتهاء الحرب واستسلام العثمانيين وحلفائهم وتوقيعهم على الهدنة.

image9 - Copy

بدايات البروباغندا . . محطة “عثمانية” تبث أخبار معارك الأردن للعالم باللغة الالمانية :

توضح وثائق فون ساندرس أصول البروباغندا الإعلامية التي ما زالت تنتهجها الإيديلوجيات ذات البعد العثماني ، من خلال استخدام وسائل الإعلام للتحريف و التهويل وإضافة الأساطير والبعد العاطفي والخيالي على الأحداث، فيذكر احتجاجه على ما كانت تقوم به المحطة اللاسلكية “العثمانية” من بث بيانات وبلاغات القيادة التركية حول معارك الأردن بشكل محشو بالأخطاء ومليء بالأكاذيب.

 

الألمان يسيطرون على أهم شؤون الجيش العثماني

في سياق رفضه لتوجهات القيادة الألمانية لنقل الكتائب الألمانية المقاتلة وخصوصا كتيبة القناصة  لمناطق جبلية أكثر برودة وملائمة للصحة، وهو ما استغربه فون ساندرس وأبلغ قيادته باستحالته بحكم تواجد القوات الألمانية على احتكاك مباشر مع العدو ومسكها بزمام الأمور من طيران ومدفعية وصحة في ظل ضعف الكفاءات العثمانية، مما يشير لضعف الثقة  بالأداء العثماني الهزيل.