Latest articles
November 15, 2024
November 15, 2024
November 15, 2024
مقدمة
تعد بلدة عراق الكرك من أعظم فصول البطولة الأردنية في حقبة الثورات الصغرى التي خاضها أجدادنا ضد الاحتلال العثماني، هذا الاحتلال البغيض الذي مارس أبشع صنوف الخسة والغدر والمجازر الجماعية على مدار أربعمائة عام من النهب والتدمير الممنهج لكل ما ينبض بالحياة أو يشير لوجودها على الأرض الأردنية، وقد خاض أبناء عراق الكرك معركة الوجود الأردني الأزلي ودفعوا ثمن استقلال كل شبر من تراب أرضنا الأردنية بدمائهم ولم يتزحزحوا قيد أنملة عن حق وجودهم على الرغم من الابادة العرقية التي تعرضوا لها إبان ثورة الكرك عام (1910)، حيث تفنن المحتل العثماني بممارسة كل صنوف الفتك الهمجي في تنفيذها.
وفي السياق التاريخي فقد أصدر الاحتلال العثماني عام 1864 قانوناً مأخوذًا عن التنظيم الإداري الفرنسي عرف بقانون الولايات؛ وأتى هذا القانون بعد استفاقة للاهمال والاجحاف بحق العديد من المناطق ومن ضمنها الأردن، فأتى ببعض الايجابيات كالسماح ببناء دور العبادة والمدارس والمستشفيات فعلى سبيل المثال بني أول مسجد بالأردن بعهد “الخلافة” عام 1862 بالسلط. وبموجب هذا القانون أيضاً، قسمت مناطق الاحتلال إلى ولايات والولايات إلى ألوية (سناجق) والألوية إلى أقضية (قائمقاميات) والأقضية إلى نواحي والنواحي إلى قرى ومزارع. وتشكلت الكرك حينها من سنجق هي الكرك ومتصرفية الشوبك ومتصرفية العراق، وكان المرجعية لأبناء عشيرة المواجدة خصوصاً وسكان عراق الكرك عموماً هو الفارس الشيخ مسلّم المواجدة والذي كان أحد أهم رموز الحركة الوطنية الأردنية وأهم فرسانها بتلك الحقبة.
عدد سكان العراق في عام 1910
في سلسلة حصر النفوس والتي كانت مقدمة لثورة الكرك، نجد فيها أعداد السكان في بلدة العراق في مدينة الكرك حيث تواجد عشائر المواجدة كتجمع رئيسي بالإضافة إلى عشائر الحطيبات والخطبة والتيمة والجماعات والموانيس والحرازنة والمرابحة والطبور.
فتظهر احصائات العثمانيين أن عدد المسلحين يفوق (80) فارس لدى عشيرة المواجدة، إضافة لتجمع بيوت حجرية يقارب ( 30 ) بيت ويصل عدد أفراد العشيرة إلى (480) فرد، ونجد أيضا أن عشيرة الحطيبات لديها ( 40 ) فارس مسلح وما يقارب (15) بيت بينما يصل عدد أفراد العشيرة إلى (240) فرد، أما عشيرة الخطبة فلديها (45) فارس مسلح وما يقارب (16) بيت بينما يبلغ عدد أفراد العشيرة (270)، ويذكر الحصر أن عشيرة التيمة لديها أيضا (45) فارس مسلح وما يقارب (14) بيت، بينما يصل عدد أفراد العشيرة إلى (270).
الحالة السياسية والاجتماعية التي سبقت عملية الإبادة العرقية لأهالي عراق الكرك على يد المحتل العثماني
قاد أبناء بلدة العراق عهد التنوير مع أشقائهم من فرسان العشائر الأردنية ليمولوا على نفقتهم الخاصة انشاء مدرسة رشدية في مواجهة أربعة قرون من تفشي الجهل والأمية على يد المحتل العثماني بعد أن كانت الأردن موطن العلوم حتى عهد خلافة الأيوبيين والمماليك، حيث تم تأسيس المدرسة في متصرفية العراق عام 1897.
لم تكن العلاقة مع المحتل التركي في عراق الكرك تنفصل عن مثيلتها من أشكال العلاقة لباقي المدن الأردنية مع نظام محتل أخرج الأردن من سياقه التاريخي الممتد لآلاف السنين ليدخل الوطن الضارب بالمجد بدوامة من عصور الظلام التي امتدت لأربع قرون تحت ستار الدين، ومن خلف هذا الباب تم افقار المجتمع الأردني وسرقة تاريخه ونهب مقدراته وإعادته إلى عصور البربرية فدخلت الأردن قرون التيه العثمانية الأربع التي خاض خلالها أجدادنا عددا كبيرا من الثورات الصغرى في درب الاستقلال الطويل الذي توج بالثورة العربية الكبرى.
وبالعودة إلى الإبادة العرقية في مدينة عراق الكرك فيمكن اجمالها بمرحلتين رئيسيتين:
المرحلة الأولى (1907): وقعة عين ترعين
وقع أول صدام بين أهالي عراق الكرك وقوات الاحتلال العثماني التركي عند عين مياه ترعين حيث خالف الأتراك الاتفاق بعدم ورود الماء من قبل قوات الاحتلال إلاّ بأوقات محددة فقام العثمانيون بكسر الاتفاق وتواجدوا بوقت ورود نساء البلدة اليه، فهاجم فرسان عشيرة المواجدة قوات الاحتلال التركي العثماني وقتلوا ثلاثة من الجنود العثمانيين قبل أن يفر البقية، فيما ارتقى شهيدين من أبناء المواجدة دفاعا عن كرامة المرأة الأردنية ومنظومة القيم التي تلعب فيها المرأة الأردنية دوراً محورياً في كل مناحي الحياة لكن محفوظة الكرامة بعيداً عن أخلاق المحتل الخسيسة.
المرحلة الثانية (ثورة الكرك 1910- الهية)
كان حراك أبناء العراق مقدمة من ضمن كتلة من الرفض والمجابهة للمحتل العثماني التي توّجت بثورة الأردنيين 1910 والتي عرفت لاحقاً ب”هية الكرك” حيث اشتعال شرارتها الأولى، وهي الثورة التي امتدت من أقصى شمال شرق الأردن حيث قبائل السرحان وبني خالد وحتى العقبة جنوباً كما قدمنا وبالوثائق في بحث ثورة الكرك.
وتعد ثورة الكرك عام 1910 ضد الاحتلال العثماني من الحركات التحررية التي شهدها مطلع القرن العشرين، حيث تمثل مقدمات وارهاصات لثورة العرب الكبرى، بعد تزايد طغيان واستبداد الاحتلال العثماني الذي مارس جملة من السياسات تصدرتها سياسة نقل طريق التجارة والحج من موقعه السابق الى خط السكة اليوم بعام 1519، بالاضافة لسياسات التتريك والتهميش التنموي وفرض الضرائب بلا خدمات والتجنيد الإجباري على مدى قرون ولم يكن آخرها بناء القطار العسكري العثماني بالسخرة على أكتاف الأردنيين وعلى حساب ثروتهم الحرجية.
لم تكن ثورة الكرك حالة ترف سياسي وإنما ضرورة سبقتها دلائل، فالواقع أن مؤشرات الثورة كانت موجودة واختارت إدارة الاحتلال العثماني القمع والتطهير العرقي لأبناء الأردن كعادتها في سياستها المبنية على الإبادة منذ تمددها إلى الأراضي الأردنية، ويورد هنا الرحالة النمساوي “موزيل” توقعه للثورة ضد الأتراك بذات التوقيت ولكن في معان وليس الكرك وفي كتابه ” شمال الحجاز” مرّ بمعان يوم 10 ـ 7 ـ 1910، وقال موزيل: “بأن كل شيء في معان يوحي بالثورة وإنها واقعة لا محالة إما في معان أو بين الحويطات الذين سأل عنهم فأخبروه أنهم توجهوا غربا ويستعدون للثورة.”
في ذات السياق كانت أخبار العشائر وتحركاتها التي توردها الصحف في ذلك الوقت وبخاصة جريدة المقتبس تدل على تذمر العشائر الأردنية وعدم قبولها للأوضاع الإدارية العثمانية؛ فكانت الثورة في الكرك التي أطلق عليها عدة تسميات بحسب ما ورد في سجل محكمة شرعية الكرك 1912.
ويعدُّ تعداد السكان أو ما عرف بحصر الأنفس العثماني شرارة الثورة الأردنية حيث بدأ المحتل العثماني بحصر الشباب وعدّهم تمهيداً لتجنيدهم في حروب العثمانيين الاستعمارية التي لم تقدم سوى الموت لأبناء الأردن والذين رفضوا بدورهم الخضوع لنظام السخرة القائم على العبودية والسادية.
وبالإضافة إلى نظام السخرة وفرض الضرائب تحول الأردني إلى مجرد رقم في قطار السفربرلك حيث حروب الجنون والدم بلا جدوى فيرسلون أجدادنا في قطار الموت إلى المناطق النائية كالقرم والرومللي والأناضول وثلوج أرضروم وجبال القفقاس وغيرها حيث يموتون من الجوع والبرد في الصفوف الأمامية بينما السلطان بين الغلمان والجواري في حرملك الأسيتانة.
ولحظة إعلان الثورة انطلق فرسان المواجدة على صيحة (الشوامخ) وهي نخوة المواجدة متجهين الى الحامية العثمانية ليخوضوا معهم مواجهة الفرسان والسيف ليرتقي من الأردنيين المواجدة (12) شهيدًا، فيما تكبد العدو العثماني المحتل (65) قتيل وكان من بين الفارين أحد العاملين مع المفرزة العثمانية من مدينة عربية غير أردنية واسمه (محمد قاسمية) الذي هرب واستجار بالسيدة الفاضلة زوجة الشيخ الفارس (مسلم المواجدة) الذي كان مع بقية وجهاء الكرك يشرفون على إدارة عمليات الثورة، فهرب عامل المحتل العثماني (محمد قاسمية) مذعوراً بعد أن شاهد بأم عينيه تساقط عناصر المفرزة العسكرية العثمانية التي يحتمي بها وأعضاء لجنة الإحصاء، غير قادر على جرّ ساقيه، فصرخ عند مدخل منزل الشيخ مسلم المواجدة حيث كانت الفاضلة زوجة الشيخ مسلم المواجدة : (أنا بوجهك يا طويلة العمر.. أنا بوجه الشيخ مسلم)، وكان فرسان القرية يلاحقونه للقبض عليه، فرقّ قلبها عليه وقبلت استجارته، ومنعت الشبان من النيل منه، وقالت لهم: أنتم في منزل الشيخ مسلم وطريدكم دخل المنزل مستجيراً، فهل تقبلوا قتل المستجير، وأنتم أهل نخوة ؟؟، فرجع الفرسان. وما أن غادر مضارب المواجدة آمناً حتى اتجه للحامية العثمانية مبلغاً عما جرى غادرا بمن أجاروه.
بلغت ثورة الكرك كل مناطق الأردن فالتحم الأردنيون وعادوا بعث الروح الوطنية وسجلت مراسلات العثمانيين أن كل تاريخهم بات على المحك إن لم توقف الثورة الأردنية، فحشد المحتل كل آلته العسكرية ووجهها صوب الأردن عبر قوة عسكرية لقمع الثورة، وأبرقت الإدارة العثمانية إلى سامي الفاروقي قائد الجيش العثماني في دمشق ومنحته الصلاحيات باستخدام كل الإجراءات القمعية الممكنة تجاه العشائر الأردنية الثائرة، فجهز آلاف الجنود شملت ستة طوابير من الفرسان والمشاة وبطارية مدفع بقيادة ( البيكباشي صلاح بك ) رئيس أركان حرب الحملة الحورانية، وتوجهت القوة إلى محطة القطرانة بواسطة القطار العسكري ووصلت بتاريخ 11 كانون اول 1910 وبدأت بالزحف نحو قصبة الكرك عن طريق اللجون.
صعد فرسان الهية لملاقاة الجيش الجرار ولكنها كانت محاولات ” كف يناطح مخرزا ” فالجيش التركي الزاحف بقيادة سامي الفاروقي كان ألوفا مؤلفة لا قِبَل للثائرين به وبالسلاح والمدفعية التي تؤازره فمارست القوة المسلحة بالمدافع وبالعتاد والعدة سياسات البطش والتنكيل بالأهالي وبدأت سلسلة من جرائم الحرب شملت الإعدامات وإلقاء الناس من أعلى أسوار قلعة الكرك إلى الوادي السحيق لتتناثر أشلاؤهم.
وفي سلسلة جرائم الحرب العثمانية كانت بطولة أهل العراق إحدى أولويات الانتقام العثماني، فكيف لمجموعة من الفرسان الذين لا يملكون العتاد والعدة أن يواجهوا حامية عثمانية مكونة من (65) عسكري تركي مدرب عدا عن أن ينتصر فيها فرسان عراق الكرك؟ لقد كانت لطمة المواجدة للعثمانيين محل حنق وحقد؛ فوجهت قوة مخصصة لإبادة العراق وأهلها عن وجه الأرض.
وكعادتهم بالخبث والخسة، تظاهر العثمانيون بأنهم بدخلون العراق بسلام رافعين الرايات البيض بعد بذلك توطئة من قبل بعد أعوانهم من الناطقين بالعربية. دخل المحتل العثماني واتخذوا من الأطفال والنساء دروعاً بشرية داخل احدى المضافات وذلك لإرغام الفرسان على تسليم أنفسهم وهذا ما كان، ليقوموا بعدها بجمع فرسان عشيرة المواجدة بالاضافة لكل ذكر متواجد من عشيرة المواجدة وبعضهم أطفال في أسلوب همجي بدون أي محاكمة مدنية أو عسكرية والتي تعرفه الأمم المتحدة على أنه ابادة عرقية أو تطهير عرقي، وبعد جمعهم تم ربطهم إلى بعضهم وقتلهم بطريقة تفيض بالخسة والغدر والقاء جثثهم في كهف لا زال قائما لليوم شاهدا على افتقاد هذا المحتل لأدنى قيم الإنسانية إذ لم يقم ولم يسمح حتى بدفن جثامينهم بشكل لائق يحفظ لهم كرامتهم بعد إعدامهم. هذا وقد استشهدت النشمية خضرا القرالة لتضاف لسجل الشرف بقائمة نساء الثورة من الشهيدات والبطلات.
ارتقت أسراب الشهداء من الأردنيين وفاضت أرواحهم في درب طويل رسمه الأجداد الأردنيون نحو الاستقلال ولعودة الأردن إلى مسارها التاريخي ومستقبلها التنموي والحضاري.
استشهاد الشيخ مسلم المواجدة
بقي الشيخ البطل مسلم المواجدة مطلوباَ لسلطات الاحتلال العثماني حتى ألقي القبض عليه بمكيدة في صباح يوم 10/1/1911 وسيق الشيخ إلى قلعة الكرك وأجريت له محاكمة صورية كان يرافقه فيها 14 فارس من المواجدة.
وقد حاول العثمانيون دفعه لطلب الاسترحام فرفض الشيخ البطل وآثر الموت شهيداً على أن يعيش ذليلاً تحت الاحتلال العثماني، فتم القاؤه من الجهة الغربية للقلعة، وكان العثمانيون يقيدون كل اثنين من فرسان المواجدة معا ويلقوهم أو يربطون رقابهم إلى حجر كبير ويلقونهم من أعلى أسوار القلعة.
حاول فرسان عشيرة الشمايلة جمع رفاة الشهداء لمدة أربعة ليالي تحت إطلاق النيران من العثمانيين، حتى نجحوا بالحصول على رفاة الأبطال الشهداء وتم دفنهم بالقرب من قرية الشهابية إحدى قرى الكرك.
عدد شهداء الثورة
اختلفت المصادر في حصر عدد شهداء بلدة عراق الكرك أثناء الثورة ولكن جميعها اتفقت على عظم المجزرة التي ارتكبها الاحتلال العثماني والذي يصنف بالإبادة الجماعية.
ويذكر ( الزركلي ) في وصف المرحلة الثالثة من الصدام بين أبناء عراق الكرك والاحتلال العثماني أن شهداء أبناء عراق الكرك يفوق السبعين شهيدًا.
- الصدام الأول كما ذكرنا كان عام 1907 وقضى فيه شهيدين أردنيين على عين ماء ترعين.
- الصدام الثاني حيث الوقعة الكبيرة في ثورة الكرك عام 1910 وتقسم الى ثلاث مراحل من ارتقاء الشهداء من ابناء عراق الكرك:
- المرحلة الأولى وتحدد بتاريخ 24/12/1910 حين اشتعال ثورة الكرك واقتحم فيها فرسان عشائر المواجدة مقرّ الحامية العثمانية واستشهد 12 فارسًا أردنيًا من المواجدة وقتل 65 ضابطا وجنديا عثمانيا.
- المرحلة الثانية وتحدد بتاريخ 10/1/1911 حيث تم القبض على الشيخ مسلم المواجدة ويرافقه 14 فارسًا من المواجدة وتم تنفيذ الإعدام بإلقاء الأبطال من الجهة الغربية للقلعة من أعلى أسوار قلعة الكرك.
- المرحلة الثالثة بتاريخ 16/1/1911 حيث دخلت كتيبتين من الجيش العثماني المحتل بقيادة وحيد بيك وانطلق الطابورين وحاصروا مدينة العراق ليومين وجمعوا من السكان 70 شخصًا بعضهم من الأطفال كما تظهر هياكلهم العظمية في كهف العراق الشاهد على الابادة العرقية وأعدموهم طعنا وهم مقيدين أو رميًا بالرصاص وهم مقيدين أيضا.
يقول الراحل حمد بن سليمان المواجدة شاهد العيان على مذبحة العراق وأحد الناجين القلائل من هذه الإبادة العرقية في شهادته التي سجلها الباحث خالد المواجدة عام 1981؛ أنه بعد أن طوّق العثمانيون البلدة من جميع الجهات كانوا يمسكون أي شخص يمشي في الطريق فيربطونه ويكتفونه وينزلون به ضربا مبرحا بخيزراناتهم وبطريقة مذلة، ومن ثم قاموا بجمع 84 رجلا من رجال المدينة ووضعوهم في مضافة الوجيه موسى بن عيسى المواجدة، حينها بدؤوا بجمع كل خيول أهل المدينة المشهورة جدا بأصالتها وسرعتها ورشاقتها، ومن ثم نهبوا كل المؤن الموجودة في بيوت المدينة من سمن ولبن وقمح وطحين، وأخرجوا كل الأثاث والفراش وأحرقوه مرة واحدة مشعلين ناراً عظيمة.
يقول الراحل حمد المواجدة في روايته أنه حينما تم جمع الرجال في المضافة كان يجلس في حضن أخيه الشهيد محمد سليمان المواجدة احد شهداء المذبحة، حيث قام جنود الاحتلال العثماني بربط كل رجلين من الرجال مع بعضهم ووجوههم إلى الخارج، فالتقطه أحد الجنود وهو في حضن أخيه وبدأ بضربه ضربا موجعا ومن ثم قذف به كما يرمى الفراش إلى خارج المضافة فمضى باكيا موجوعا حافظا لتفاصيل وجوه القتلة و المجرمين.
ويقول الراحل بعيني الطفل المصدوم من هول الفاجعة أن جنود الاحتلال العثماني أخذوا يدخلون رجال المواجدة رجلين رجلين إلى السراي العثماني كما ربطوهم تماما ويتقابلون عليهم بحراب البنادق (السنجة) فيأخذون بأجسادهم طعنا وهم مربوطين لا حول لهم ولا قوة ومن لم يمت من فورها يطلقون عليه النار حتى لم يبق منهم رجلّ واحد حي، وبعد أن فرغ الجنود العثمانيون من مجزرتهم في السراي خرجوا منها فقابلتهم امرأة تصرخ بهم وتوبخهم على ما فعلوه وتبكي على من فقدته من أقاربها وهي الشهيدة ( خضرا بنت حريثان القرالة ) فأطلقوا عليها النار وغرزوا حرابهم في جسدها الطاهر في دلالة على غريزة الانتقام الحيواني التي تملكت جنود الاحتلال العثماني تجاه الأردنيين وثوراتهم للخلاص من هذا المحتل.
ينهي الراحل حمد بن سليمان المواجدة روايته بالقول ( لقد فقدنا في ساعة واحدة ثمانين لحية وشارب ) كناية عن حديثي السن والشباب الصغار وكبار السن أيضا، ولم يبق من رجال العشيرة إلاّ ( صربة – سربة ) رجال قليلين بينهم الشيخ مسلّم الذي أعدم لاحقا، وعاش من تبقى من المواجدة كأسرة واحدة صغيرة نتضامن ونضمد جراح بعضنا البعض.
ونجد أن مجموع الشهداء يفوق المئة وبذلك يكونون 20,8% من مجموع عدد أبناء عشيرة المواجدة الأربعمائة وثمانون. واذا قمنا بافتراض 5% زيادة سنوية للسكان منذ عام 1910 وحتى 2016 فإن ذرية الشهداء المئة ستتجاوز السبعة عشر ألف اليوم. على صعيد متصل فقد قامت سلطات الاحتلال العثماني بمصادرة جميع خيول المواجدة وباعت أراضيهم لحاشيتها والمتعاونين معها من الخون مما ضرب مصادر عيش العشيرة وناحية العراق في طريقة أخرى للعقاب الجماعي التي تعاقب عليه الأمم المتحدة وكافة المواثيق العالمية اليوم.
وتم حصر أسماء 85 شهيد بالوثائق الرسمية نوردهم في الجدول التالي :
قائمة الشرف من شهداء مدينة عراق الكرك اثناء مقاومة الاحتلال العثماني
اسم الشهيد/ة |
الرقم |
الشيخ مسلّم بن موسى بن عبدالكريم المواجدة | 1 |
عبدالله بن جمعة بن أحمد المواجدة | 2 |
الياس بن جمعة بن أحمد المواجدة | 3 |
محمد بن سليمان بن موسى المواجدة | 4 |
محسن بن محمد بن حمدان المواجدة | 5 |
مقبل بن عنيزان بن أحمد المواجدة | 6 |
محمود بن عنيزان بن أحمد المواجدة | 7 |
ارشود بن صبيح بن جبرائيل المواجدة | 8 |
مقبل بن عوده بن مقبل المواجدة | 9 |
سلام بن سليمان المواجدة | 10 |
سالم بن علي المواجدة | 11 |
حسين بن علي بن خليل المواجدة | 12 |
محسن بن علي المواجدة | 13 |
حسن بن علي المواجدة | 14 |
خلف بن خليفة المواجدة | 15 |
خليف بن خليفة المواجدة | 16 |
عبدالله بن اعوض المواجدة | 17 |
عودةالله بن اعوض المواجدة | 18 |
ماجد بن محمد المواجدة | 19 |
ثنيان بن محمد المواجدة | 20 |
خلف بن محمد المواجدة | 21 |
ارشود بن محمد المواجدة | 22 |
عفنان بن محمد المواجدة | 23 |
محسن بن محمد بن فلاح المواجدة | 24 |
عقله بن محمد بن فلاح المواجدة | 25 |
سلامه بن سليمان المواجدة | 26 |
أحمد بن قبلان المواجدة | 27 |
أحمد بن عيسى المواجدة | 28 |
طعمة بن مريحيل المواجدة | 29 |
حسين بن علي المواجدة | 30 |
عبدربه بن محمد المواجدة | 31 |
عبدالرحمن بن محمد المواجدة | 32 |
سليمان بن عبدالرحمن المواجدة | 33 |
شحاده بن سلمان المواجدة | 34 |
عبدالله بن ابراهيم المواجدة | 35 |
حميده بن حمدان المواجدة | 36 |
حمود بن حمدان المواجدة | 37 |
حسين بن خليل المواجدة | 38 |
موسى بن دعمس المواجدة | 39 |
محمود بن ابراهيم المواجدة | 40 |
عودةالله بن ضيف الله المواجدة | 41 |
سالم بن عبالهادي المواجدة | 42 |
خليفة بن عبدالرحمن المواجدة | 43 |
خلف بن جبريل المواجدة | 44 |
سالم بن ابراهيم المواجدة | 45 |
مسلم بن فلاح بن اعوض المواجدة | 46 |
عبدالقادر بن فلاح بن اعوض المواجدة | 47 |
سلامه بن علي بن خليل المواجدة | 48 |
حميدان بن ضيف الله المواجدة | 49 |
محمود بن حمدان المواجدة | 50 |
محمد بن أحمد المواجدة | 51 |
سالم بن طعمه المواجدة | 52 |
علي بن حسين المواجدة | 53 |
اسماعيل بن ابراهيم المواجدة | 54 |
محمد بن حمدان المواجدة | 55 |
ابراهيم بن صبح المواجدة | 56 |
سلمان بن سليمان المواجدة | 57 |
ذياب بن خلف المواجدة | 58 |
عوض بن اعوض المواجدة | 59 |
عوض بن عبدالقادر المواجدة | 60 |
مطير بن جمعه المواجدة | 61 |
طالب بن جمعة المواجدة | 62 |
يوسف بن خليل المواجدة | 63 |
حمد بن حمدان المواجدة | 64 |
عرار بن سرحان المواجدة | 65 |
عبطان بن سرحان المواجدة | 66 |
فرهود بن ابراهيم المواجدة | 67 |
مرار بن ابراهيم المواجدة | 68 |
فهد بن اعطيوي المواجدة | 69 |
رشيد بن تركي المواجدة | 70 |
عطوي بن فرحان المواجدة | 71 |
سليمان بن عبدالرحمن المواجدة | 72 |
سلام بن عوده المواجدة | 73 |
ياسين بن علي المواجدة | 74 |
اعطوي بن خليل المواجدة | 75 |
توفيق بن يوسف المواجدة | 76 |
عبدالعزيز بن خلف المواجدة | 77 |
عطوان بن خلف المواجدة | 78 |
عبدالرحمن بن محسن المواجدة | 79 |
محيميد بن حمدان المواجدة | 80 |
حمد بن سالم المرابحة | 81 |
لافي بن شحاده الحرازنة | 82 |
غريب الخطبا | 83 |
خضرا بنت حريثان القرالة | 84 |
سعيد الدرارجة الخرشة | 85 |
أهازيج ما بعد الجريمة
توالت أعوام الوجع على الفقد العظيم لكتلة من نخبة فرسان الأردن ورجالها بعد مجزرة الإبادة العرقية الذي مارسها المحتل العثماني، فكانت الأهازيج الكركية تنادي ( بزمزمة الفنجان ) أي بمنع القهوة في إشارة لتوقف كل مظاهر راحة البال والكيف حداداً على عظيم المصاب واستمرار النزف للجرح الذي لن يبرأ، وكان أهل عراق الكرك يسمون أسماء الشهداء وينادونهم بأهازيجهم توجداً في ترويد يحمل كل أوصاف الفجيعة، ويتموُّن الأهازيج بفضح من تواطأ مع المحتل العثماني بالصياح على حامل القهوة بأن ( لا تصبها لفلان ) وفلان هو بالذاكرة الجمعية يمثل كل من تواطأ بالغدر بأهله وعمل مع المحتل العثماني أثناء ثورات تحرير الأردن من عصور الظلام.
وينص مقطع من الترويدة على ما يلي:
” زمزم الفنجان يا بي يا الولد زمزم الفنجان…
ولا تصبوا لفلان يا وجه القشل لا تصبوا لفلان… “
قائمة المراجع
- نوفان رجا السوارية و محمد سالم الطراونة ،اضاءات جديدة على ثورة الكرك (1328هـ/1910م)، ط1 ،الأردن، الكرك، دار رند للنشر والتوزيع، 2000 ، ص1
- د.سعد ابو دية ،ثورة الكرك 1910 “الهية”.
- سجل محكمة شرعية الكرك(1) ، حجة 13،13 جمادى الثاني هـ/ 1912 م،ص 35-36.
- الريس،منير الريس،الكتاب الذهبي للثورات الوطنية في المشرق العربي،ط1 1969،ص32
- المقتبس، ع649(12 نيسان 1911)م
- البشير ع2006 (2شباط 1911م) ص3
- مقابلة فريق ارث الأردن مع كل من : الدكتور خالد المواجدة ، الباحث مصطفى المواجدة، عبدالصمد المواجدة، المؤرخ حامد النوايسة، المؤرخ فرّاس دميثان المجالي 9/2016م ، مدينة الكرك.
- موسوعة القرية الاردنية ( بوح القرى )، مفلح العدوان، مركز الرأي للدراسات ، عمان ، 2008.