كذبة لورانس – الجزء الثامن

By Published On: August 7, 2016

080716_1022_1

يتناول الجزء الثامن من سلسلة كذبة لورانس ، رأي أبطال الثورة ومشايخ الطفيلة وبني صخر فيه وردهم على أكاذيبه ومزاعمه حول معارك تحرير الطفيلة ومحاولات السيطرة على السلط

تقديم :

كنا قد تحدثنا في الجزء السابع من هذه السلسلة عن تحرير الطفيلة والدور الذي بذله الشيخ “ذياب العوران” وأهل الطفيلة في استسلام الحامية العثمانية ، وقد اضطربت القيادة التركية بعد سقوط الطفيلة وصممت على استردادها خوفاً من أن تبادر قوات الثورة لمهاجمة الكرك ، وحشد العثمانيين قوات مهولة من كتائب مشاة وسرايا فرسان وزودت القوة بالمدافع، واستبسلت قوات الثورة وأهل الطفيلة في الدفاع عنها ضد محاولة إعادة احتلالها من القوات العثمانية ، وانتهت المعركة نهاية لم يتوقعها الأتراك ولا الثوّار وغنمت قوات الثورة فيها مغانم كثيرة ومنها على سبيل الذكر، مدفعين و23 رشاش و200 من الخيل و218 أسيراً بينهم 12 ضابطاً ، أما القتلى فبلغ عددهم أكثر من 400.

رأي الشريف زيد في لورانس ومحاولته سرقة انتصار الطفيلة:

ورغم أن الانتصار ينسب الفضل به لضباط وقادة جيش الثورة وعلى رأسهم الضابط صبحي العمري البطل الحقيقي لمعارك تحرير الطفيلة ورفاقه والشيخ ذياب العوران وفرسان عشائر الطفيلة، إلا أننا نشاهد بعد ذلك أن لورانس يتحدث عن المعركة في كتابه بإسهاب (حوالي 3 آلاف كلمة) ويحاول هو و مؤرخو حياته نسب هذا الانتصار له ووصفه بأنها المعركة النظامية الوحيدة التي أشرف عليها وأدارها واتخذوا منها دليلاً على عبقريته العسكرية ونبوغه وتفوقه في فن القيادة ومن الطبيعي القول أن أولئك الكتاب بنوا آراءهم على أقوال لورنس، وعن هذا يقول الأمير زيد في مقابلة مع الكاتب والمؤرخ الأردني سليمان الموسى :”في معركة الطفيلة لم يفعل لورانس أي شيء ، ولم يكن بمقدوره أن يفعل شيئاً ، كانت المعركة دون نظام أو ترتيب”.

رأي مشايخ أهل الطفيلة في لورانس :

يروي الكاتب والمؤرخ سليمان الموسى عن لقاءاته مع أهالي الطفيلة وعيمة ممن ساهموا في المعركة، ومنهم السادة : هويمل ذياب العوران ، وسليمان العوران وصالح المحيسن ، وموسى المحيسن ، وصفوق الجازي وسمور القرعان، وأكثر من تم التحدث إليهم يذكرون أنهم شاهدوا لورانس ، ولكن لم يكن له شخصية بارزة في الثورة فلم يسترع انتباههم كثيراً.

لورانس حافي القدمين

يقول لورانس أنه سار من الطفيلة إلى وادي الحسا مسافة عشرة كيلومترات سيراً على قدميه حافياً ولا ندري كيف يتهيأ لمن يعتبر نفسه قائداً أن يسير على قدميه هذه المسافة الطويلة كي يقدم تقريره، ويروي سمور القرعان وهو شيخ في السبعين من عمره حين اجراء المقابلة وقد كان من موظفي الحكومة العثمانية في الطفيلة قبل أن ينشق ويشارك في عمليات الثورة مرة في نسف جسر القويع شمالي محطة عنيزة ومرة أخرى في هجوم على محطة جرف الدراويش، يقول أنه يذكر لورانس جالسا في مجلس الأمير زيد وأنه كان يبدو صامتاً معظم الوقت، وكثيراً ما يجلس ورأسه بين يديه وكان يكذب بطريقة مكشوفة ويدعي انه عربي بلهجة ولغة ضعيفة وركيكة، أما مزاعمه بأنه كان يسير حافي القدمين وأن الشوك أدمى عقبيه، فهو مدعاة للضحك لأن أهل المنطقة أنفسهم ما كانوا يسيرون حفاة ولم يكونوا يستطيعوا فعل ذلك في تلك الأرض الوعرة وفي شهر كانون القارص البرد، وذكر من تم التحدث معهم أنهم يذكرون لورانس يرتدي بزة ضابط وعلى رأسه كوفية وفي قدميه حذاء عادي ولم يكن يخفى على أحد أنه أجنبي حالما يتكلم العربية بطريقة مضحكة.

لورانس ويده على خده

كما يدعي لورانس أن الذعر دب في صفوف أهالي البلدة وهذا غير صحيح ، لأن الأهالي منذ عصر اليوم السابق وطوال الليل يقاومون العدو بشدة ويحولون دون زحفه بسرعة كما يعترف لورانس نفسه، فكيف نوفق بين الذعر والاستعداد للفرار من جهة ، وبين المقاومة الجريئة من جهة أخرى ؟

ويقول لورانس أن ذياب العوران كان يحدثهم عن الخلافات بين الأهالي وعن غدرهم وهذا غير صحيح لأن ذياب كان في الواقع روح المقاومة بالنسبة للقرويين باعتباره زعيمهم، ويقول المؤرخ سليمان الموسى أنه وأثناء حديثه للمشاركين في المعركة من عائلتي العوران والمحيسن، نفى جميعهم وبشكل قاطع وجود أي خلافات وقعت في تلك الفترة، وعن ذلك يعلق العجلوني وكان ضابطاً في حملة الشريف مستور بقوله : “دخلنا الطفيلة ولم نلحظ الانقسام في صفوف الأهالي الذين قابلونا جميعاً بالترحيب على السواء ، ولعل لورانس بنى حكمه على طريقته الخاصة بتسجيل الظواهر الشاذة مهما كانت تافهة”، و الواضح أنه لم يكن بإمكانه بناء شخصيته الروائية كبطل و قائد إلاّ عبر اللجوء لتقزيم الشيوخ و الأبطال الحقيقيين و نقل الأكاذيب على ألسنتهم حتى يتفرد عبر هذه الخطة السردية بالبطولة و الزعامة و الذكاء الاستراتيجي .

وقد كان لورانس يلجأ لأسلوب النكتة والسخرية لخلط الجد بالهزل ، لتمييع الحقائق وتزييفها بالأكاذيب ، ومع ذلك تراه يعترف بألاعيبه أحيانا فلا يصدقه رؤساؤه بل يعتبرون الألاعيب جداً كل الجد ويعتبرون الاعتراف على أنه من قبيل تواضع العظماء، لاحظ هنا قوله في كتابه بعد وصف المعركة “أرسلت تقريراً للقيادة العامة في فلسطين، لقد كُتب بوضاعة، للتأثير على القادة ، وكان مليئاً بالتشابيه الطريفة والبساطات الهازئة، وجعلهم التقرير يحسبونني هاوياً متواضعاً يلحق بخطى القادة العظماء، لا بهلواناً يسترق النظر وراءهم ، كان التقرير مثل المعركة: محاكاة ساخرة ، ولكن القيادة العامة امتدحته ببراءة، ولكي تتوج المزحة قلدتني وساماً على ما جاء فيه ….ولو استطاع كل واحد في الجيش أن يكتب التقارير بنفسه عن أعماله دون شهود لامتلأت صدور الكثيرين بالأوسمة”.

وبالعودة لتقرير لورانس الذي اختتمه بقوله أنه كان منهوك القوى “بينما كان زيد يصفق بيديه مغتبطاً لنجاح خطتنا” ، ويضيف ناسبا الفضل لنفسه بطريقة مبطنة : “لقد تسببت بقراري خوض المعركة بمقتل عشرين أو ثلاثين من رجالنا”، ومن هنا نرى أن لورنس في تقريره الأول لم يدّع انه قاد المعركة أو أدارها ، رغم أنه سلّط الأضواء على نفسه ، أما في كتابه بعد ذلك فقد ادعى أن زحف الترك عكّر مزاجه فاعتزم أن يلقنهم درساً قاسياً ويقضي عليهم قضاءً مبرماً ، ومع ذلك فإن لورانس لم يستطع أن يوضح بأي شكل كيفية قيادته للمعركة، ولا نجد أي دليل مادي يقنعنا بأن ذلك كان في مقدوره تحت وطأة كل الظروف السائدة.

أكاذيب لورانس المرتبطة بمحاولة سيطرة الانجليز على السلط

بدأ الانجليزي هجوهم وأول معاركهم في الأردن ودخلوا السلط مساء يوم 25 آذار ، واضطروا للتراجع بعد خمسة أيام دون أن يتمكنوا من تدمير النفق الواقع على بعد 7 كيلومترات جنوبي محطة عمان.

وقد انتدب الأمير فيصل الشيخ مرزوق التخيمي للانتقال إلى منطقة بني صخر كي يتصل بالقوات البريطانية ويتعاون معها إذا نجحت في الاستيلاء على السلط وعمان، أما لورانس فقد أمضى أكثر من أسبوعين دون أن يؤدي عملاً معيناً، ويقول لورانس أنه غادر مقر الجيش في أبو اللسن يوم 2 نيسان مع مرزوق التخيمي باتجاه الشمال ومعهما ألفا جمل من جمال السراحين ( قبيلة السرحان ) تحمل المؤن والعتاد، وقد بلغوا وادي عطارة (عطاطير) شرق زيزياء يوم 7 نيسان، وقد كان ينزل فيه بنو صخر أثناء الشتاء والربيع ، حيث استقبلهم مفلح وفهد وعضوب الزبن، ولم تلبث الأنباء أن بلغتهم بدخول الانجليز السلط، فأخذوا يستعدون مع بني صخر للتقدم غرباً إلى مأدبا، ولكن أنباء أخرى بلغتهم بعد ذلك أن الانجليز بدأوا بالتراجع وأنهم لم يتمكنوا من نسف نفق السكة جنوبي عمان.


لورانس في زي نوريات (غجريات) والمزيد من قصص الخيال

يقول لورانس أنه شاهد جماعة من النور (الغجر) ينزلون قريبا من مضارب بني صخر، فأحب أن يستفيد منهم واتفق هو وتابعه ” فرج ” على أن يذهبا إلى عمان مع ثلاث من نسائهم، وهكذا مضى في زي النوريات إلى عمان فتجول فيها ثم عاد مسرعاً إلى رفاقه في وادي عطارة، ومنها عاد إلى مشارف معان حيث كان العرب يهاجمون تحصينات الترك منذ يومين.

على أن لورانس وبعد خمسة عشر عاماً، يعود ليناقض نفسه ويبتدع حكاية غريبة لا أصل لها من الصحة، تتعلق بهذه الواقعة، فمن المعلوم أن الإنجليز استولوا على السلط يوم 24 آذار ثم تراجعوا عنها في 2 نيسان (اليوم الذي غادر فيه لورانس أبو اللسن)، والحكاية المختلقة هي أن رجال العشائر في تلك الأثناء هاجموا خط السكة إلى الجنوب من عمان ثم عادوا ومعهم نحو 1200 أسير، واشترك لورانس في إطلاق سراح الأسرى كما زعم عندما كتب يقول : “أعدناهم إلى مواقعهم مع الاعتذار عن إزعاجنا لهم”، بل أضاف قائلاً أن جماعته والأسرى الأتراك “حلوا ضيوفاً عند البدو وسادت روح التعاطف في أثناء ذلك بين الطرفين” ، هذه الحكاية لم يسمع بها أحد من أبناء العشائر المحيطة بعمان والتي لم يرد لها أي ذكر في كتابات العرب أو الأتراك أو الانجليز، تعطينا فكرة عن شطحات خيال لورانس ، وكيف أخذت تستهويه القصص النابعة من عالم الأوهام.

مشايخ بني صخر يكذبون ويفندون مزاعم لورانس

ولا ندري من أين جاء لورانس برقم الألفي جمل ، فالسراحين ( قبيلة السرحان ) في مضاربهم في العادة إلى الشمال الغربي من الأزرق ، ومن أين للسراحين هذا العدد الضخم من الجمال في الوقت الذي كانت تعاني فيه الثروة الحيوانية في الأردن من الانحسار نتيجة سياسة العثمانيين في الضرائب على المواشي والدواب بمختلف أنواعها والتي تسببت في انخفاض الأعداد بشكل كبير، ثم إن جمال البدو في آذار ومع نهاية الشتاء تكون في حالة سيئة من الهزال ولا تصلح للاستخدام إلا في شهر أيار بعد فصل الربيع ، وقد أكد الشيخ عضوب الزبن أن الجمال التي جاءت مع مرزوق الذي رافقه لورانس، لم يزد عددها عن مائة ، أما قضية زيارة عمان بملابس النوريات فيستبعدها عضوب وتركي كل الاستبعاد ، ويؤكدان أنه لم يغادر مضارب قبيلتهما بني صخر، ويقول عضوب أن لورانس وإن لم يكن ذو أهمية قيادية إلا أنه لم يكن شخصاً مغموراً لهذا الحد الذي يتيح له أن يغيب عن عيوننا دون أن نفتقده، وكلا الرجلين لا يذكر وجود النَّوَر ويقولان أن القصة لو صحت لما خفيت عليهما، وقد ضحكا عندما سمعا عن ما اختلقه لورانس أثناء كتابته للأحداث.

المراجع :

  • لورانس والعرب وجهة نظر عربية ، سليمان الموسى الطبعة الثالثة 2010م