Latest articles
December 23, 2024
December 23, 2024
December 23, 2024
سلالة من ذهب ( الخيل الأردنية في العصر القديم )
لم يستطع المؤرخون حسم بيئة انطلاق الخيول الأولى ولكنهم نظرياً يعيدونها إلى آسيا الوسطى حيث امتدت إلى أنحاء الجغرافيا العالمية في ثلاث موجات كبيرة.
ينسب للعرق الذي استقر على سواحل اليونان باقي الأنساب من الخيل فيما عدا ما استوطن الصين وشرق آسيا ومنذ ذلك التاريخ باتت الخيل رديف وجود الإنسان أينما استوطن وتقدم دور هذا الكائن الجميل حتى بات ركيزة في معادلة الحب والحرب، وغير بعيد عن حضارة الأمم كان أجدادنا الأردنيين الأنباط يتربعون على قمة هرم أهم حضارات التاريخ فوطنوا الجواد واقتنوه لينطلق بعدها عهد طويل بين الأردنيين والجياد امتد إلى يومنا الحاضر ووصل إلى جعل الحصان رمزاً للأصالة والعراقة والنبل، فحيكت ميثولوجيا الريح الجنوبية التي عجنتها الآلهة ليخرج من رحمها الحصان ومنه عرف بلقب ( ابن الريح )، وأكملت المدن الأردنية التاريخية السبعة من أصل عشرة الديكابوليس – أثناء فترة الاستقلال الذاتي في العهد الروماني – عملية توطين الخيل وتسخيره في بناء حضارة الأردن التاريخية فكان عهد الفروسية والمجد، وعلى ذلك العهد تابع الحفدة رواية العشق لهذا المخلوق النبيل فكوّن الأردنيون مخزونا من المفردات وقاموسًا غزيرًا يتعلق بالخيل يختصون به عن باقي المحيط، حتى نضج واكتمل هذا الإرث الخاص بالخيول الأردنية فبات إرثا وطنيا أردنيا مكتمل الأركان.
سلالة من ذهب (الخيل الأردنية في العصر الحديث )
مرّ تاريخ الخيول في الأردن كما أسلفنا بمراحل سطوع وأفول كان الحفاظ على الإرث يحتاج إلى تكيف ومرونة فانتقل الأجداد من حالة استخدام الخيول في جيوش نظامية إلى مرحلة فرسان العشائر – عبر عمليات الكر و الفر سريعة التأثير- التي تكيفت لمواجهة حالة الاحتلال العثماني، الذي استهدف وجود الأردن بتغيير خطوط التجارة التاريخية ليتحول المجتمع الأردني من مساحة البناء الحضري الثابت الى المرن المترحّل السلس الحركة، كوسيلة دفاع في فترة حرب التوحش التي قادها العثمانيون تحت ستار الدين .
نجح فرسان العشائر الأردنية بتكوين معادلة البقاء القائمة على الترحال المرن، وكان رديفهم في تلك المعركة المصيرية الطويلة مع الاحتلال العثماني هو الخيل، وشاع صيت الفرس الأردنية الأصيلة نظراً لثبات الأردنيين في معاركهم التي وصلت إلى ما يقارب الـ ( 53 ) ثورة ضد الاحتلال العثماني على مدار 400 عام، ما دفع الكثير من الجيوش الطامحة بالمجد لبعث ارساليات بحثية ورحّالة للحصول على سلالات الخيل الأردنية، وفي عام 1773 استطاع الانجليز الحصول على فرس من سلالات خيل قبيلة بني صخر وقدمت كهدية للملك جورج الثالث ونجد في كتاب سمو الأميرة عالية بنت الحسين (قصة الخيول الأردنية العربية) سرد شيق لتفاصيل تاريخية دقيقة عن تاريخ الخيل الأردنية والدول التي أرسلت في أثر سلالات الخيل الأردنية ومنها بولندا وروسيا وهنغاريا وايطاليا وفرنسا واسبانيا وغيرها وتفاصيل هذه البعثات .
ويورد بيتر اوبتون في الفصل الثاني من كتاب ( قصة الخيول الأردنية) سلسلة للروايات التاريخية عن الشغف الذي دار في القرون الوسطى للحصول على فحول الخيل الأردنية لنقل سلالاتها لأوروبا، حيث يسجل لاسطبلات ( بابولنا ) في هنغاريا (المجر) حصولها على ما يقارب عشرين رأس خيل أردنية خلال الفترة ما بين 1843-1897 م، فيما حصلت اسطبلات ( شيرباتوف وستروجانوف) في روسيا القيصرية في حينها على سلالة ( الكحيلان ) الأردنية في عام 1888، وفي عام 1889 حصلت بولندا على رسن كحيلان العجوز الأردني واشتهرت خيول فرسان العشائر الأردنية من الصخور والعدوان والدعجة وبني عطية وبني حميدة والحويطات في القرن السادس عشر وحتى ما بعد التخلص من الاحتلال العثماني، فيما كانت خيول الكرك والبلقاء وعجلون إحدى أهم كنوز حرب الإفرنج في فترة الغزو الإفرنجي للأردن ومحيطه وكان لخيل الأردن الدور الأبرز في ميدان الفصل في معارك عجلون والكرك التي حسمت الحرب مع الإفرنج لصالح الأردنيين.
وهو ما توارثه الأردنيون عن آبائهم الغساسنة من فروسية، سبقهم إليها أجدادهم الأردنيين في مدن الأردن السبعة من أصل عشرة الديكابوليس في رحلة طويلة بعمق التاريخ تمر بالمؤسسين الأردنيين الأنباط ولا تنتهي معهم، كما كان للخيل الأردنية جولات الفروسية الطويلة بعد أن اعتلاها فرسان العشائر الأردنية في 20 مسرا رئيسيا و فاصلا في معارك الثورة العربية الكبرى وقادوا من خلالها عمليات التحرير و التطهير للأرض الأردنية من الاحتلال العثماني من العقبة جنوبا حتى دخلوا بها مدينة دمشق ليمدوا كف الخير العون و المساندة من نواصي خيلهم لتحرير أرض الجيران و الأشقاء.
وفي عصر النهضة بعد انتهاء عصر الظلام العثماني وعودة الأردن الى سياقه التاريخي تم مأسسة الحفاظ على هذا الكم الضخم من الإرث عبر انشاء الاسطبلات الملكية
وتذكر الوثائق التاريخية إهداء الشيخ مخيمر أبو جاموس الدعجة الخيل كرمز لأصالة العلاقة وعراقة الإرث الأردني والهاشمي للملك عبدالله المؤسس فيما كانت الفرس (جميلة) أغلى الهدايا التي أحبها الراحل الملك الحسين بن طلال والتي قدمها له الراحل المشير حابس المجالي قائد الجيش الأردني في أحلك منعطفات تاريخ الأردن الحديث .
صفات الخيل الأردنية الأصيلة
امتازت الخيول الأردنية بثلاثية ( الجمال، الرشاقة، والوفاء ) قابلها الأردنيون بثلاثية ( النبل، الفروسية، والأصالة)، ونظرا لهبة الجغرافيا الأردنية التي أدرك أسلافنا عمقها، كانت المرونة والديناميكية أمرًا لا يجب اغفاله في ذهنية البنائين الأوائل من أجدادنا الذين طمحوا للوجود بعين الحضارة لا على هامشها، وهكذا كان حيث تركوا الشواهد في كل جنبات الأرض الأردنية التي تروي الأردن بعين العمالقة الأوائل، وكانت الخيل جزءًا من هذه الوسائل التي تمنح المرونة والرشاقة في ركائز البناء الحضري بدءا من النقل، ولا تتوقف عند تكوين الجيوش في الدفاع عن المنجز، فمرّت الأردن تاريخيا بظروف متباينة ما قبل التاريخ بين سطوع مبهر لنجم الحضارة وأفول دون انطفاء، تنوّع خلاله التعاطي مع الخيل من جيوش منظمة وكراديس وكتائب كما في عهد الأردنيين الغساسنة إلى فرق وفرسان وخيالة تناضل للتحرير كما في عهد أبطال الثورات الصغرى ضد الاحتلال العثماني.
وتحمل الخيول الأردنية الأصيلة صفات متقاربة من الجمال يمكن ايجازها بما يلي :
- صدر واسع يمنح الرئتين مساحة أكبر تدعم قدرة السرعة والتحمل .
- عيون صافية وواسعة تضفي جمالاَ مع منح قدرة على الإحاطة بكل تفاصيل المدى.
- رأس معتدل يميل إلى الدقة والصغر .
- اعتدالٌ في الوقوف يضفي جمالاً على التكوين.
- سعةٌ في فتحات الأنف تسهل عملية التنفس أثناء العدو السريع وتتناسب مع سعة الرئة.
- فيما نجد أن الذيل يكمل جمال الصورة بطوله .
- كما تتميز الفرس الأردنية الأصيلة بملمسها الناعم الدّال على نبالة السلالة والأصل ومدى تكريم الفرس تاريخيا في الأردن.
- يكتمل المشهد بعنق طويل كان رمزاَ للجمال في أشعار الأردنيين الغزلية.
المراجع
- روكس بن زائد العزيزي ، الخيل فـي حياة الأرادنة
- الأميرة عالية بنت الحسين وبيتر اوبتون، قصة الخيول الأردنية العربية،المدينة للنشر،2011.
- الملك عبدالله الأول بن الحسين، جواب السائل عن الخيل الأصائل، وزارة الثقافة، 2011.
- مجموعة من المقابلات الميدانية مع عدد من الباحثين و المؤرخين من قبل فريق إرث الأردن ، 2016