Latest articles
November 14, 2024
November 14, 2024
November 14, 2024
- مقدمة:
يتميز المطبخ الأردني بتشكيلة واسعة من الخضار والفواكه المتوفرة طوال العام في هبة جغرافية تقدمها الطبيعة من خلال منطقة غور الأردن التي تعتبر سلّة الغذاء الأردنيّة والتي تنخفض عن مستوى سطح البحر مما يمنحها مناخ دافئ ورطب صيفاً ومعتدل شتاءً ما يعطي المزارع الأردني فرصة الحصول على دورة زراعية أطول ومواسم انتاجية متعددة خلال العام الواحد، بحيث يتنوع المحصول والناتج تبعاً لاختلاف الفصول والتوقيت من العام الزراعي، وقد كان الأردنيون القدماء من أقدم المجتمعات البشرية التي عرفت الزراعة من خلال الدلائل على حضارات نهر الزرقاء وعين غزال والتي تعتبر أول وأقدم مثال على المجتمعات الزراعية، وقد طور الأردنيون القدماء أساليب الزراعة وأحسنوا استغلال كل مساحة ممكنة من الأرض، تكيّف الفلاح الأردني مع مواقيت حركة الأرض والشمس وتتابع الفصول، وجعل مواسمه الزراعية تتناغم معها، ففي الشتاء تتم زراعة المحاصيل التي تحتمل البرد، وتكتفي بعدد أقل من ساعات إضاءة الشمس، وفي الصيف تزرع ما تسمى “نباتات النهار الطويل”، وفي الربيع تزرع ما ارتوى من المطر، وفي الصيف والخريف يقطف من الثمار ما أنضجته حرارة الجو، وما شبع من خصوبة الأرض، وحتى يومنا الحالي تصدّر الأردن لدول الجوار الكثير من الخضروات والمنتجات الزراعية، لا سيما خلال أشهر الشتاء البارد والتي تزيد من صعوبة انتاج الخضار في دول ذات طبيعة صحراوية مثل السعودية وبقية دول الخليج، أو في الدول الواقعة تحت تأثير المنخفضات الجوية مثل سوريا، فيتم عادة الاستعانة بالمحصول الزراعي الأردني صاحب السمعة الحسنة، ونتيجة لما تقدم فقد استفاد الأردنيون من هذه الوفرة الزراعية واستخدموها بشكل واضح في الهوية الغذائية، ونستعرض هنا أهم النباتات التي ساهمت في تنوع وثراء المطبخ الأردني.
- الخضروات في الحقول والبساتين والكروم
إلى جانب الحبوب والمحاصيل الزراعية التي كان يتم استخدامها للأهداف التجارية والتداولات والمعاملات النقدية والتي أصبحت مهنة وسمة لكثير من المناطق الأردنية، الا أن هذه السمة تأخذ شكل أكثر عمومية عندما نلاحظ كيف لجأ الأردني نصف الفلاح ونصف البدوي إلى زراعة المحاصيل والخضروات في مختلف المناطق بهدف الاستهلاك المنزلي، سواء في الحواكير المنزلية، أو في شكارة حقلية ( قطعة صغيرة من الأرض يستغلها المرابعي لزراعة الخضروات داخل حقوق الحبوب) أو في أراضي الكروم، أو حتى في مساحات بعلية مخصصة للزراعة الصيفية، أما في البساتين المروية فزرعت الخضروات مثل الكوسا والبندورة والبصل والفاصولياء والزهرة والملفوف والباذنجان والبطاطا والقرع واليقطين والبقدونس والنعنع والكزبرة.
أما البساتين المروية بماء الينابيع والقنوات المائية فخصصت لأشجار الرمان والخوخ والمشمش والسفرجل، وبين الأشجار زرعت الخضروات، بما فيها البندورة المروية، أما الخضروات البعلية والبطيخ والشمام والمقاثي فكانت تتم زراعتها في المناطق الجبلية الشفا غورية، فيما اشتهرت المناطق الشمالية الغربية وجبال السلط بكروم العنب والتين بنوعيهما الأخضر والأسود، وكذلك الحال فيما يتعلق بالزيتون، وتعتمد هذه الأشجار على مياه الأمطار، وفي الكروم كما هو الحال في حواكير المنازل، يحرص المزارع الأردني على زراعة النباتات والخضار بين الأشجار مستفيداً من الرطوبة التي توفرها، فتزرع البازيلاء والرشاد والفول والبصل والفجل والفليفلة والفلفل الحار وغيرها.
- اكتمال الهوية باكتمال العناصر الغذائية
كما هو الحال مع الهوية الديموغرافية للسكان فقد تعرضت الهوية الغذائية الأردنية لكثير من العوامل الخارجية التي كان لها تأثيرات سلبية وايجابية على المطبخ الأردني، فرغم تحول بعض السكان إلى حياة التنقل هرباً من بطش وجباية الضرائب التي كانت تفرضها وكذلك الحال في حالة نهب المواشي التي كانت تتم على يد قطعان الجيوش العثمانية، الا أنه وبمجرد التخلص من تلك المرحلة عادت الهوية الغذائية الأردنية للتكامل مجدداً لتعيد توحيد نفسها ويمكن ملاحظة هذا بشكل واضح في الأطباق السلطية حيث تتوفر جميع الأطباق الأردنية التي تعتمد على الحبوب ومشتقات الحليب، لكن مع إضافة ما يتوفر من مواد وخضار لهذا المزيج، وهو ما يمكن ملاحظته من تحضير الكوسا المحشي، والباذنجان، والفليفلة، والفقوس، والفول الأخضر والعكوب بمريس الجميد .
ومن الأطباق المعروفة والشائعة بين بلقاوية عمان ما يعرف بـ “الفويرة بالخضار” وهي مزيج يجمع الزهرة او الباذنجان أو البطاطا، مع البصل واللبن والسمن وخبز الشراك التي يتم حوسها وتذبيلها مع إضافة المريس والبهارات ويتم غليها حتى تفور ثم توضع الخضار فوق الشراك ويتم تشريبها باللبن، وكذلك الحال في الموقر حيث يحظى طبق الرشوف بالقرع بأهميّة لا تقل أهميّة عن الذبيحة، رغم كونه طبق نباتي بامتياز، وذلك بحكم ندرة القرع قبل عودة امتداد المجتمعات الزراعية نحو المناطق الوسطى والجنوبية التي انخفضت فيها المناطق الصالحة للزراعة مقارنة بفترات تاريخية سابقة نتيجة للعوامل الجغرافية والاقتصادية والسياسية والتغيرات الاجتماعية التي رافقتها.
- النباتات الموسمية
تتيح مواسم الربيع للأردنيين فرصة تعويض ما فاتهم من عناصر غذائية خلال فترة الشتاء من خلال وفرة النباتات الموسمية التي يؤكل بعضها نيئاً وبعضها الآخر يستخدم في تحضير أطباق شهيّة لا سيما مع تزامن فصل الربيع مع موسم الصوم المسيحي وهي فترة تتشابه فيها الأطباق الأردنية النباتية على اختلاف الديانة، فتخرج السيدات إلى البريّة لجمع الكثير من هذه النباتات مثل “السوكران” وهو نبات له أوراق دقيقة، وكذلك الشومر الذي يتم استخدامه في صنع خبيز “العجة” مع إضافة البيض والدقيق، وكذلك يتم جمع السمينة التي تستخدم لإعطاء السمن لونه المميز، ويجمع النسوة في موسم الربيع العلت والخبيزة، وتُقلّى الخبيزة مع الزيت البلدي والبصل وتؤكل بالخبز، وأما العلت فيتم تحضيره بتذبيله مع البصل والزيت ويؤكل أو تصنع منه الفطائر باستخدام أفران الطابور التي كانت متواجدة بكثرة في البيوت الريفية الأردنية، ويتم صنع الفطائر أيضاً من الحميض والنعنع البري والزعتر بنفس الطريقة وأحياناً مع إضافة الجبنة للزعتر لإضافة طعم رائع، كما يتم جمع الفطر ما بعد الأيام الماطرة، وذلك بتمليحه وشويه على الجمر مباشرة أو قليه مع الزيت والبصل كمصدر للبروتين النباتي.
- النباتات البريّة
اهتم الأردنيون حتى في عصور ما قبل الزراعة بالنباتات البريّة واستطاعوا معرفة وانتقاء ما يصلح للأكل منها وتمييزه عن غيره واستخدامه في عمليات الخبز الذي تم العثور على أقدم بقايا له في العالم على الأرض الأردنيّة وتعود للفترة النطوفية، ومن هذه النباتات ما تم تطويرها وأصبحت تتم زراعتها في الحدائق والحواكير المنزليّة لتغطية الاحتياجات الغذائية للعائلة، أو حتى لغايات واستخدامات طبيّة ومثال ذلك الزعتر البري ومنه نوعان: الأول الزعتر البري العادي، والثاني الزعتر الفارسي، ويستخدم هذا الأخير بإضافته للشاي لإضفاء نكهة مميزة، أو يغلى ويتم تقديمه لمن يعاني من آلام المغص، أما الزعتر العادي فيتم تجفيفه ويدق وينقى من الأعواد والشوائب ويضاف إليه السمسم والسماق الناعم، وأحياناً بعض الحمص المقلي (القضامة المحمّصة المطحونة) وكذلك بعض الجميد المطحون أو المكسرات حسب الرغبة، وكانت هذه المكونات تخلط جيداً وتحفظ في مطربان وتؤخذ منها كميات بسيطة حسب الحاجة، حيث تؤكل مع الخبز وزيت الزيتون كوجبة ثانوية، أما السماق فتقوم النسوة بغليه مع الماء للحصول على سائل حامضي خمري اللون كان يستخدم مع الطبخ كبديل للليمون في حال عدم توفره، وكذلك الحال مع دبس الحصرم (العنب غير الناضج).
كما وفرت البيئة المحيطة أنواعاً كثيرة من النباتات البريّة، ومنها الشومر الذي يؤكل أخضر، وقد يطبخ كالخبيزة، ويفضل أن يطبخ بالزبدة، والمرار الذي يؤكل أخضر نيئاً، أو يمكن ان يتم طبخه بالبصل، وكذلك القفرة التي غالباً ما تكون من الدهن، وهناك أيضاً نبات البسباس الذي يؤكل نيئاً أخضر، والخردلة التي تؤكل مع اللبن، والحويرنة التي تنبت في مجاري السيول ويستفاد منها في تحضير السلطات وتتميز هذه الأخيرة بمذاق حاد وحار، والقرة التي تعتبر من أنواع السرخسيات التي تنبت في مجاري السيول وتستعمل في السلط وهو ذات الحال مع العلت.
- أطباق نباتية – صيامية:
خلال أربعين يوماً من الصيام المسيحي، تتشكل مائدة كاملة لا تحتوي على اللحم بكل أنواعه ولا الحليب ومشتقاته، ويعتقد أن هذا الصيام الفلاحي من ِشأنه الحفاظ على الثروة الحيوانية خلال فترة الربيع وحمايتها من الذبح، إضافة لترك الحليب لرضاعتها، يحدث ذلك في الوقت الذي تفيض فيه الطبيعة بالأعشاب والنباتات المناسبة للأكل، وتدعم أطباق الأعشاب بالحبوب والقيطاني، ومن الأكلات الأردنية النباتية المناسبة للصوم “صيامية” والتي يستخدمها الجميع في تلك الفترة في الواقع، حوسات البصل والزيت مع الخبيزة أو الفطر، أو الكما، أو العكوب، أو الحميصة، أو الهندبة، أو السلق، أو اللوف، وكذلك سلطة العلت مع البصل والزيت، وسلطة فريم البندورة والبصل مع السماق، والنباتات النيئة كاللشيلوه (حويرة الماء)، وقرون القصيقصة، وقرون البرّيد والخرفيش، ومقالي الباذنجان، والبطاطا والكوسا والفليفلة، والفول الأخضر بالسماق، قلاية البندورة بالزيت، ورقة الدوالي أو ورقة اللسينة الذي يلف بالأرز، أو البرغل الدفين مع الحمص وفريم البندورة والخضار، حوسة الفول الأخضر بالكزبرة والزيت، المجدرة، الأرز بالشعيرية، الأرز والفول الأخضر بالزيت، مرقة العدس المجروش، مدمس العدس الحب، طبيخ العدس والباذنجان بالزيت والثوم والبصل والبقدونس، وأقراص النعنع والزعتر الأخضر والحميضة والخبيزة، وقلية القمح وغيرها.
- المراجع:
- حتّر، ناهض & أبو خليل، أحمد (2014) المعزّب ربّاح، منشورات البنك الأهلي الأردني. عمان: الأردن
- خريسات، محمد عبد القادر (2012) المسيحيون في قضاء السلط، عمان، الأردن
- العبادي، أحمد (1994) المناسبات عند العشائر الأردنية، دار البشير.
- العزيزي، روكس (2012) معلمة للتراث الأردني، مطبعة السفير.