Latest articles
November 22, 2024
November 22, 2024
November 22, 2024
مقدمة
نشأ من طينة أرض القرابين ، قرابين الفداء و التضحية على أنغام ربابة عزفت لحن الرجوع الأخير على أسوار قلعة الكرك، فارس ملثّم بهدب البطولة و الرجولة و الفخار، ووريث لبطولات الحارث و ميشع ، إنه الشيخ إسماعيل المجالي الملقب بالشوفي.
نشأة الفارس اسماعيل الشوفي
هو الشيخ إسماعيل بن يوسف بن سليمان المجالي، ولد في القرن الثامن عشر تربى على الفروسية في ميادين القتال وعلى الشهامة والكرم على يد والده الشيخ يوسف المجالي الذي كان يلقب بأمير البادية. كان شجاعاً صلدا بوجه من يتعرض لأرضه وعرضه، فنشأ على أن يكون الطليعة بين الفرسان وعلى مقدمتهم فأطلق عليه لقب (الشوفي) والتي تعني من يترأس الفرسان، كما أنه يصدق القول ويصون العهد ولا يتراجع عن الحق ولذلك رافقته المقولة الشفوية الشعبية ( الشوفي إن وعد يوفي).
المجالي ونخوة ( خوات خضرة )
حمل أحفاد الشيخ إسماعيل الشوفي لقب الحمية والشرف (خوات خضرة ) منذ عهد طويل، وكان سبب تسميتهم بهذه النخوة ما قام به البطل إسماعيل الشوفي عندما انتخت به النشمية خضرة المدادحة ذات يوم، وتمحورت قصة هذه النخوة عندما كان جنود ونساء الحامية العثمانية يعملون على تسخير الكركيات لجلب المياه لهّن إلى القلعة التي حوّلت من حصنٍ وطني عظيم إلى حرملك للجواري والخبائث، ومن كان يعرف المسافة الفاصلة بين عين سارة والقلعة يدرك حجم المعاناة التي كنّ يعانيها نساء الكرك من أجل ايصال الماء للقلعة، وفي عام 1828 حدثت الواقعة عندما اعترضت النشمية الكركية السيدة خضرة المدادحة طريق الشيخ إسماعيل الشوفي في منطقة سيل الكرك ” عين سارة ” وكن آنذاك – نساء الكرك – يتجمعن لملئ قراب الماء ومن ثم يقمن بنقلها إلى قلعة الكرك؛ وأثناء مرور الشيخ إسماعيل المجالي (الشوفي) صرخت النشمية خضرة المدادحة بصوت عالي لتصل كلماتها لمسامع الفارس إسماعيل الشوفي حيث قالت ( ما تشوف المي تسيل من على ظهورنا يا اسماعيل) – وتقصد بذلك الظلم والإجبار الواقع على بنات الكرك- وكانت أن فتحت خضرة الباب الموصد على مصراعيه في صدر البطل، فصاح الفارس الشيخ إسماعيل المجالي بأعلى صوته قائلاً ( أبشري وأنا أخوكي يا خضرة ).
حيث عاد أدراجه الى الكرك وقام بجمع فرسن العشائر الأردنية في الكرك وترأس هذه الطليعة وهجم على حامية الخليل التابعة للجيش العثماني وقضى عليها عن بكرة أبيها، وفور وصول الخبر للإدارة العثمانية قام الحاكم المحلي العثماني بطلب الصلح من عشائر الكرك حتى لا يتحول ما حدث إلى ثورة شعبية عارمة تمتد على مساحة الأرض الأردنية وبين عشائرها وكان شرط البطل إسماعيل الشوفي للموافقة على الصلح هو توقف نساء الكرك نهائيا عن نقل المياه لجنود ونساء الحاشية التركية في القلعة، وتحولت فزعة الفارس البطل اسماعيل الشوفي للنشمية خضرة المدادحة لتصبح نخوة عشيرة المجالية حتى يومنا هذا ومصدر فخرهم واعتزازهم الدائم بفروسية جدهم البطل.
الشوفي والدخيل:
عام 1832م قامت ثورة في فلسطين بقيادة قاسم الأحمد بجبل نابلس ضد تسلط وظلم ابراهيم باشا ابن محمد علي باشا الوالي العثماني في مصر الذي انقلب على الباب العالي في الاستانة وانشق عنه، حيث استطاع ابراهيم باشا قمع هذه الثورة بأقصى درجات الهمجية، الأمر الذي أدى إلى هروب قائدها قاسم الأحمد إلى الخليل ومع إصرار قائد الحامية العثماني ابراهيم باشا على القبض عليه هرب من الخليل متجهاً إلى الكرك حيث اتجه إلى أحد البيوت فلم يجد بها أحداً سوى امراة تدعى (عليا الضمور) وهي زوجة الشيخ ابراهيم الضمور ولكن قاسم الأحمد عندما لم يرَ رجلاً بالبيت أدار ظهره احتراما لحرمة البيت وأهله وبحثا عن بيت آخر يجد فيه رجلا يستقبله ويحتمي عنده، وما كان الرد من الشيخة النشمية عليا الضمور عند التفافه عن البيت سوى قولها له: ( يا راعي خير، حنا خوات ارجال، يا هلا بيك من ممشاك لملفاك، يمّك المجلس وانتظر الشيخ لمنه يعاود).
وعندما عاد الشيخ ابراهيم الضمور ورحب بالضيف، طلب قاسم الأحمد الدخالة من الشيخ ابراهيم الضمور حيث رد عليه بالقول : ( أبشر تراك وصلت وبعون الله ما يصيبك ضيم) وعندما وصل خبر لجوء قاسم الأحمد إلى الكرك لـ ابراهيم باشا بعث بطلبه إلى الشيخ ابراهيم الضمور بضرورة تسليم الدخيل فورا ولكن ابراهيم الضمور رفض وعندما اتخذ ابراهيم باشا قراره بالهجوم على الكرك ومعاقبة عشائرها على حمايتهم للدخيل قاسم الأحمد، عقد الشيخ ابراهيم الضمور اجتماعا كبيرا ضمّ شيوخ الكرك وعقداء الخيل فيها وعلى رأسهم الفارس الشيخ اسماعيل الشوفي، وأطلع الشيخ ابراهيم الضمور الفارس اسماعيل الشوفي وشيوخ الكرك على التفاصيل فرد الشوفي قائلاً (ما نسلم الدخيل إلا على الموت و الرقاب )، وأمر الشوفي بتجهيز الفرسان من أجل التصدي لحملة ابراهيم باشا وحدثت المواجهة بينهم الأمر الذي أدى إلى اختطاف أبناء الشيخ ابراهيم الضمور (السيد و علي ) أثناء خروجهم في جولة تفقدية لايصال الطعام للرعيان حول مراعي الكرك ، فبعث ابراهيم باشا رسالة إلى الشيخ ابراهيم الضمور قائلا فيها ( سلمنا الدخيل وإلا أحرقنا ولديك)، في هذه الأثناء كان القرار الصعب على الشيخ ابراهيم الضمور الذي بعث من فوره إلى ابراهيم باشا كتابا كان نصه : ( إلى قائد الجيش المحتل إن لم يكن لديكم حطب ونار فسأبعث لكم ما تريدون من حطب وقطران، اقتلوا واحرقوا كما شئتم، ولن تدخلو الكرك ونحن أحياء) ، اشتعل الحقد في قلب ابراهيم بن محمد علي باشا فأوقد نارا بعد أن جمع كتلة حطب كبيرة وشد إليها علي و سيِّـد أبناء الشيخ ابراهيم الضمور الغساسنة على مرأى من الوالدين المفجوعين بفلذتي الكبد وأهالي الكرك، ولكن ما كان من الشوفي إلاّ أن شرب فنجان الثأر لأبناء الضمور بعد أن حرقوا أمامهم لرفضهم تسليم الدخيل، ولم ترضخ عشائر الكرك لوحشية السلطة جيش ابراهيم باشا واستمر النضال الاردني لينتقموا بعدها من جيش ابراهيم بن محمد علي باشا في موقعة البطل جلحد العرود الحباشنة التي جرت بتنسيق وتحضير مسبق بين شيوخ الكرك وفرسانها وعلى رأسهم الفارس البطل اسماعيل الشوفي .
للاطلاع على قصة جلحد العرود الحباشنة او ما يعرف بـ(دلة جلحد) انقر هنا.
وما كان من اسماعيل الشوفي حينها في ظل الاقتحام المنتظر من جيش ابراهيم باشا لمدينة الكرك إلا أن يقوم بحماية الدخيل ومحاولة تهريبه خارج الكرك حتى لا يحصل له أي مكروه .
وقد واصل جيش ابراهيم باشا مطاردة الشوفي ومن معه فور وصول خبر تهريبه للدخيل قاسم الأحمد، ولكن الشوفي ضحى بنفسه على أن يسلم الدخيل فغير طريقه ليخدع جيش ابراهيم باشا، وأمر الدخيل أن يهرب من صحراء معان الى جرف الدراويش ومن ثم إلى القطرانة متجهاً بعدها إلى البلقاء ليحتمي بعشائرها هناك، حيث تمكن قاسم الأحمد من الفرار لفترة معينة ليعدم لاحقا بعد تسليمه لابراهيم باشا من إحدى العشائر المجاورة للحدود الأردنية الشمالية لقاء مبلغ مالي، بينما ألقي القبض على الفارس البطل اسماعيل الشوفي في معان وتم أخذه إلى القدس لينال عقوبته هناك.
اعدام البطل اسماعيل الشوفي
عندما قبض على البطل اسماعيل الشوفي بمعان من قبل قوات ابراهيم باشا تم أخذه فورا إلى القدس وهنالك في سوق البتراء أعدت للبطل إسماعيل الشوفي المقصلة العثمانية الشهيرة لقطع رأسه، وقبل أن يعدم بقليل طلب الشوفي طلباً أخيراً من قائد قوات ابراهيم باشا ومنفذ حكم الإعدام ؛ قائلاً لهم ( إذا عزمتم على إعدامي فأعدومني بسيفي لأنني أعرف أن سيفي بتاراً ولا أرضى أن أعدم بسيف الغدر )، وفعلاً أعدم الشيخ إسماعيل الشوفي بسيفه وقطع رأسه وبقي جسده ورأسه معلقين لمدة 3 أيام في سوق البتراء على مدخل مدينة القدس انتقاما منه وحقدا على مقاومته لابراهيم باشا ووقوفه بوجهه دون خوف أو وجل، لتبدأ لا لتنتهي قصة بطل أسطوري أردني عظيم ، استمرت قصصه كأيقونة للبطولة والصمود في وجه المحتل وقانونا للكرم والشهامة الأردنية حماية للدخيل واللاجىء من بطش المحتلين، وبيت شَعر مشرّع للبذل والعطاء.
وهكذا كانت الكرك وما زالت أرضا وأمًّا للقرابين، فلها ومنها قدم الملك المؤابي الأردني ( ميشع ) ابنه ( بلسام ) قربانًا للكرك، وقدم البطل اسماعيل الشوفي نفسه قربانًا لمحبوبته الكرك والقافلة تمضي بمثل هؤلاء العظام وتستمر، لتبقى سيرة هذا البطل مخلدة في أرواحنا ما حيينا ولتنقش سيرته بماء الذهب وبعنوان عريض لأسلافه وأحفاده الأردنيين ( الشوفي أن وعد ولو على الموت يوفي ).
المصادر:
- تاريخ جبل نابلس والبلقاء، إحسان النمر، مطبعة ابن زيدون، 1938.
- مقال الكرك سيدة العصور،الاستاذ نايف النوايسة، 2016 .
- معلمة التراث الأردني، روكس بن زائد العزيزي، وزارة الثقافة ، 2012.
- شيخ القلعة، احمد جميل الضمور، ط 1 ، 2010 .
- ثورة الكرك 1910″الهية” ، د.سعد ابو دية .
- النار ولا العار، مجلة الدفاع ، 16/5/1936
- عدد من المقابلات الشخصية من قبل فريق إرث الأردن مع كل من الدكتور حسن مبيضين و الباحث حامد النوايسة و المؤرخ فرّاس المجالي.