Latest articles
November 25, 2024
November 25, 2024
November 25, 2024
الولادة والنشأة
ولد الشيخ الأمير راشد بن درغام بن فياض بن مصطفى بن سليم الخزاعي الفريحات عام 1850م في منطقة جبل عجلون شمال الأردن وهي مدينة أردنية ذات تاريخ حافل ، حيث يمتد نسب عائلته لقبيلة قضاعة الأردنية التي يعود استمرار تواجدها التاريخي على الأرض الأردنية لما قبل الميلاد؛ حكمت قبيلة قضاعة منطقة شمال الأردن قبل الغساسنة وكانت جرش عاصمة مملكتهم الأردنية في ذلك الوقت، ومنها أيضاً بني عوف أمراء منطقة جبل عجلون التي تمتاز بوجود العديد من العائلات الأردنية التاريخية المسيحية والمسلمة الذين يجمعهم التاريخ الناصع المشرّف والمشترك وتضحياتهم المبذولة في سبيل الوطن الذي استطاعوا الحفاظ عليه عبر صونهم للحقوق والحريات وإعلائهم لقيم المواطنة على الاعتقاد، فتجدهم استقبلوا القائد الكردي صلاح الدين الأيوبي وساعدوه في حربه وحربهم ضد الفرنجة، وهي المعارك التي شارك فيها الأردنيون جميعاً للدفاع عن وطنهم لما استشعروا خطر الغزو الخارجي المتستر بالدين واقترابه من حدودهم، ففتحوا لصلاح الدين أبواب قلعتهم التاريخية “قلعة الربض” في أعلى جبل عجلون لتكون حصناً ومقراً لقيادة المعارك في ذلك الوقت، ومن هنا جاء راشد ليكون وريثاً شرعياً وعن استحقاق لجينات الزعامة الوطنية إلى جانب الوعي بهذه المفاهيم والقيم الأصيلة الداعية لحرية الاعتقاد والتعايش والانسجام، مما جعل منه أيقونة للدفاع عن الحريات الدينية والوئام ليس في الأردن فقط ، بل امتد وعيه ودفاعه هذا ليغطي الدول المجاورة.
راشد الخزاعي في مواجهة العثمانيين
كان راشد الخزاعي الفريحات زعيماً وقائداً وطنياً لمنطقة جبل عجلون، ومن الطبيعي جداً أن ينحاز القائد الحقيقي لشعبه ووطنه ويستشعر الظلم الواقع عليهم عندما يرى أهله يعانون من الاضطهاد، ورغم محاولة العثمانيين السيطرة على فطرة الأردنيين نحو الحرية ورفض الحكم الخارجي، واستماتتهم في محاولة استرضاء وكسب ود الزعماء والمشايخ في فترة الاحتلال العثماني والحكم بالوكالة، وهو ذاته ما فعلوه مع راشد باشا الذي كان ممثلا كسنجق دائم وأميراً لحاكمية جبل عجلون، حيث عمد الاحتلال العثماني إلى تأسيس سنجقية عجلون في سنة 1517 بعد تقسيم العثمانيين للمنطقة لولايات وسناجق لتسهيل السيطرة عليها والحد من الثورات الأردنية الصغرى التي انطلقت منذ بداية العهد العثماني، فما كان من راشد باشا وهو الوطني الحر إلا أن يدافع عن أبناء شعبه بكل الطرق الدبلوماسية في بادئ الأمر ويقف في وجه الضرائب العثمانية الجائرة والمرتفعة جداً بعد أن تعمدوا بسياستهم إفقار وإذلال الأردنيين وتجفيف مصادر دخلهم لقتل أي أمل للتحرر وما زال أهل عجلون يذكرون ما تناقلوه عن أجدادهم في وصف تلك الأيام قائلين: “كنا نطحن البلوط ونخبز الشعير” ، بعد أن كانت عجلون مزدهرة في العهد المملوكي وما سبقه من الفترات التاريخية، حين كانت قلعتها صرحاً علمياً عالمياً يخرج الأطباء والجراحين .
انتزع راشد الخزاعي زعامة جبل عجلون بشكل فعلي عن جدارة واستحقاق وباعتراف رسمي من الدولة العثمانية في بداية القرن العشرين، خصوصاً بعد وفاة الشيخ حسين البركات ، وتعزز دوره بعد زواجه من ابنة الرجل القوي والشيخ الأسبق حسن البركات الفريحات ، الذي توفي عام 1881م والذي وصفة الرحالة (اوليفانت)(4) سنة 1879م بأنه يستطيع أن يجند 1400 فارس ، في الوقت الذي لا يمكن لغيره تجنيد عشرة فرسان ، وبذلك جمع ثقة فرعي الزعامة في العشيرة وعجلون عموماً، الأمر الذي دفع براشد أن يكون خصماً ونداً للعثمانيين لا معيناً لهم ضد أبناء شعبه، فكان الولاة العثمانيون يخشونه ويتحاشون الاصطدام به لنفوذه في منطقة عجلون وما حولها، وحدث أن تأخر راشد الخزاعي عن حضور إحدى الاجتماعات لحكام المناطق الواقعة تحت سيطرة الاحتلال العثماني، فلم يسمح الوالي العثماني ببدء الاجتماع قبل وصول راشد ، وعند وصوله أجلسه بجانبه محاولاً كسب وده، إلا أن حيلة الاسترضاء هذه سرعان ما أثبتت فشلها مع أول جولة من النقاشات، حين سأل الوالي العثماني الحضور عن ما جمعوه من ضرائب وعن عدد الأنفس والمواشي في مناطقهم، الأمر الذي استفز راشد الخزاعي فأخذوا يجيبونه ويقدمون ما جمعوه ويقول كل منهم عندي كذا وكذا، وحين وصل الدور لراشد باشا كان رده : ( أنا عندي أربع آلاف بواردي (رجل مسلّح) ومش المهم قديش عنا أراضي وقديش النا وقديش الك، المهم عندي إنه بلادنا ما فيها صحة والأمراض سارية ومنتشرة، تعليم ما في ومحاولاتكم في التتريك مستمرة، والضرائب بدون مقابل أرهقت الشعب، كل فترة ضريبة جديدة، والأشجار تم تقطيعها، ولو أردتم إدراك الأمور فيجب عليكم إصلاح هذا الحال)، وحاول العثمانيون تهدئته ووعدوه بتحسين الأمور، لكن لم يحدث أي تغيير على الوضع القائم منذ احتلالهم للمنطقة، مما دفعه للتوقف عن جمع الضرائب لصالحهم وتأسيس حكم محلي ذاتي في منطقة جبل عجلون لإدارة شؤونها وتسيير أعمالها أسوة بالتجارب المماثلة الناجحة في عدد من المناطق الأردنية المجاورة ومنها الكورة بزعامة كليب الشريدة، حيث سخّر الأردنيون العوامل الجغرافية لتوحيد الإنسان مع الأرض في رفض الاستعمار والحكم الخارجي.
حياة راشد الخزاعي الأسرية
وفقا لحفيده الأستاذ المحامي معن الخزاعي : تزوج الخزاعي أربعة نساء الزوجة الأولى خزنه المومني ، توفيت ولم تنجب أبناء ، أما الثانية : يقال لها بنت طراد من بلدة عرجان ، أنجبت ولدين هما :محمد وفهد ، ولأنه كان محبا للأبناء والعزوة ، تزوج من رفقه الحسن ، وهي بنت الشيخ حسن البركات (شيخ عشيرة الفريحات وشيخ جبل عجلون لمدة تزيد عن 15 عاما خلال الاحتلال العثماني ) ، ورفقه الحسن كانت أشهر زوجات الشيخ راشد، اذ كانت متعلمة تتقن القراءة والكتابة وتنظم الشعر وكانت عوناً له في ادارة الشؤون المحلية وهنا يبرز الدور التاريخي للمرأة الأردنية والمشاركة السياسية والمدنية لها في المجتمع ، وقد أنجبت ستة أبناء هم : (فوزي ، لطفي ، شفيق ، محمود ، فواز ، فايز ) وتوفيت رفقة الحسن عام 1928م ، فتزوج بعدها الشيخ راشد الزوجة الرابعة (2) وهي آخر زوجاته ، واسمها بهيره بنت محمد صالح الصمادي،
وقد أنجبت السيدة بهيره الصمادي للشيخ راشد خمسة أبناء هم ( رفيق ، وفيق ، فائق ، حسان ، إحسان ).
حماية مسيحيي المشرق
ولم يكن الحكم المحلي الذي قام الشيخ راشد الخزاعي الفريحات بتأسيسه في جبل عجلون كوسيلة لتخليص أبناء المنطقة من شرور الاحتلال العثماني وتسلطه بمنأى عن الأحداث الإقليمية، بل استطاع الشيخ راشد الخزاعي أن يكون لاعباً أساسياً في الأحداث الخارجية التي شهدتها المنطقة، ونتيجة لأحداث الفتنة الطائفية بين الدروز والموارنة في لبنان في نهاية الاحتلال العثماني والتي كان للعثمانيين الدور الأبرز في تأجيجها من خلال تعزيز النظام الاقطاعي وتعمد استفزاز المسيحيين والتجييش ضدهم، تعاون الأمير راشد الخزاعي مع الأمير عبد القادر الجزائري الذي قام الاحتلال الفرنسي بنفيه من الجزائر لسوريا، وتدخل الأميران عبر قيامهما بجهود جبارة لحماية المسيحيين من الفتنة التي اجتاحت سوريا ولبنان، كما نجح الشيخ راشد بحكمته بحماية الأردنيين وإبقائهم بمعزل بعيداً عن نيران هذه الفتن الطائفية، مستنداً للقيم الأصيلة من المحبة والتآخي والوئام بين مكونات المجتمع الأردني تاريخياً، وهو الدور الذي يحافظ على هذه القيم والمثل قائمة حتى يومنا هذا في الأردن في ظل ما تشهده المنطقة من سباق نحو القاع في هذا الصدد، فقد أخمد الأميران نار الفتنة وسعيا لتطويقها، وأعلن الشيخ راشد الخزاعي أن أي اعتداء على أي مسيحي سيعتبر اعتداءً على شخصه، وعلى عشيرته وكل العشائر الأردنية عامة وعشائر عجلون خاصة، متوعداً بأنه سيوقع العقوبة بالمثل على أي شخص تسول له نفسه الاعتداء على أي مسيحي في المنطقة، الأمر الذي أدى لرحيل العديد من العائلات المسيحية السورية واللبنانية ولجوئها لعجلون إلى جانب العائلات الأردنية المسيحية والمسلمة ذات الوجود التاريخي المسجل في المنطقة والذي يعود لما قبل ميلاد السيد المسيح عليه السلام، وتكريما له على جهوده حصل الشيخ راشد الخزاعي على وشاح القبر المقدس من بابا الفاتيكان عام 1887 ليكون أول أردني مسلم وأول عربي يحصل على هذا الوسام الذي يعتبر من أعلى الاوسمة في الفاتيكان ويعطى للمطارنة والكاردينالات، وذلك لدور الشيخ راشد الخزاعي في حماية حرية الأديان وترسيخ مبادىء المحبة والسلام والوئام، ولجهوده ونضاله في حماية مسيحيي المشرق والدفاع عنهم وايوائهم .
حكومة جبل عجلون في العهد الفيصلي
استمر الحال في منطقة جبل عجلون على ما هو عليه من حكم محلي حتى انطلقت بعد ذلك بفترة أحداث الثورة العربية الكبرى التي كان الشيخ راشد أحد مناصريها، والتي جعلت منطقة الأردن خالية من الوجود العثماني في عام 1918، وانطلق بعدها الثوار الأردنيون لمساعدة الأشقاء في سوريا ، حيث وصلت قوات الثورة العربية الكبرى لدمشق وتم تأسيس المملكة الفيصلية في المناطق المحررة بقيادة الملك فيصل بن الحسين وتشكلت في الأردن ما بعد الثورة العربية الكبرى وقبل وصول الملك عبد الله الأول لتأسيس إمارة شرق الأردن عدد كبير من الحكومات المحلية إثر سقوط المملكة الفيصلية على يد الاحتلال الفرنسي، وفي البداية تشكلت حكومة إربد في شمال الأردن برئاسة علي خلقي الشرايري بتاريخ 5/9/1920 وكان راشد باشا الخزاعي من أبرز أعضائها ثم انفصل راشد باشا عن هذه الحكومة وقام بتشكيل حكومة أخرى برئاسته بتاريخ 13/9/1920 وسميت حكومة عجلون وكان انفصاله ومبادرته بتشكيل حكومة منفصلة كتلك الموجودة في الكورة برئاسة كليب الشريدة ، احتجاجاً من الزعامات الوطنية لمناطق شمال الأردن على التدخل البريطاني السافر والمباشر في عمل هذه الحكومات واستئثار الاستقلاليين السوريين اللاجئين للأردن هروبا من الاحتلال الفرنسي بمعظم مفاصل الدولة وموقفهم سيئ الذكر من الحركة الوطنية الأردنية، سيما مع انكشاف المخططات الهادفة لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين وإخضاع الدول المحررة من الاحتلال العثماني للاحتلال البريطاني والفرنسي ، الأمر الذي جعل من السياسيين والزعامات الوطنية يتحركون على مختلف الصعد السياسية والدبلوماسية والعسكرية لرفض هذه المخططات كل حسب طريقته ، وضمّت حكومة عجلون عدداً من الشخصيات الوطنية ، من خارج جبل عجلون حتى أن الشيخ الخزاعي في ذلك الوقت كان قد عيّن السيد علي نيازي التل كقائم مقام لتلك الحكومة أي (حكومة عجلون)، مما يدل على أنها كانت وغيرها حكومات ذات أهداف وأجندة سياسية وطنية جامعة وعمل وطني منظّم وليس مجرد تقسيمات عشوائية قائمة على أسس جهوية أو مناطقية، مما يفند أن يكون مؤسسو هذه الحكومات قد قاموا بتأسيسها بحثا عن جاه أو منصب، سيما وأن هذا الجاه متأصل في كل منهم فهم زعماء اختارهم الشعب عن محبته وثقته ولما رآه فيهم من قدرة على إدارة الدفة وقيادة المنطقة في تلك الفترة التي شهدت أحداثاً صعبة، فلعبت الحكومات المحلية في تلك الفترة دورا في حفظ النظام، وإدارة شؤون الناس وأحوالهم
تأسيس إمارة شرق الأردن ومقاومة الخزاعي للانجليز والفرنسيين والايطاليين
ومع وصول الأمير عبد الله بن الحسين للأردن عام 1921م وقيامه بتأسيس الإمارة والدولة الحديثة بمساندة العشائر الأردنية ومبايعتها له ايمانا بشرعية الإنجاز، شارك الشيخ راشد الخزاعي الفريحات ووفد مكون من 30 شخصاً من وجهاء عجلون جموع الأردنيين في استقباله، وانضوت الحكومات المحلية بما فيها حكومة عجلون تحت الحكومة المركزية ومقرّها عمان، واستمر الشيخ راشد الخزاعي شأنه شأن بقية الزعماء الأردنيين بمقاومة أوجه الاحتلال مهما تعددت أعلامه وتسمياته وطريقته وحجم تدخله، فاستمر في رفضه للانجليز وللتعاون معهم، كما ساهم في دعم الثوار السوريين والأردنيين ضد الاحتلال الفرنسي لسوريا، واستضاف في بلدة كفرنجة عدداً من قيادات الثورة السورية ومن جملتهم سلطان باشا الأطرش الذي كانت تربطه علاقة وثيقة بالشيخ راشد الخزاعي، وشارك الخزاعي في دعم الثورات الفلسطينية ضد الانجليز، وتزويدها بالمال والسلاح، وتعدى دعم راشد حدود الدول المجاورة وتجاوز ذلك ليصل لما هو أبعد من فلسطين وسوريا، فكان له الدور في دعم الثوار الليبيين بزعامة عمر المختار ضد الاستعمار الايطالي، وفي نفس الوقت واصل العمل السياسي إلى جانب بقية الزعماء الأردنيين؛ الذين ما انفكوا يعقدون الاجتماعات والمؤتمرات التي كان يتمخض عنها قرارات وخطوات عملية في ذاك الوقت ، حيث كان للشيخ راشد باشا الخزاعي دور بارز في العديد من المواقف الهامة في الحياة السياسية في فترة تأسيس إمارة شرق الأردن حيث شارك في جميع المؤتمرات الوطنية التي عقدت في عهد الإمارة بدءاً من أول مؤتمر والذي عقد بتاريخ 25/7/1928 في عمان إلى آخر مؤتمر والذي عقد بتاريخ 6/6/1933 بعمان إلى جانب عضويته ومساهمته في تأسيس العديد من الأحزاب الوطنية الأردنية في ذلك الوقت وهي كما يلي :
.1 حزب أنصار الحق سنة 1928
.2 حزب اللجنة التنفيذية 10/4/1929
.3 حزب التضامن 24/3/1933
.4 حزب مؤتمر الشعب الأردني في شهر آب 1933
.5 الحزب الوطني الأردني في نهاية عام 1936
لم يكن الشيخ الخزاعي شيخ عشيرة أو زعيما بالمعنى العادي للكلمة ، بل كان شخصية وطنية سياسية ذات ثقل في مجال العمل الوطني بشكل أزعج أدوات الانتداب البريطاني في ذاك الوقت، مما دفعهم للسعي للتخلص منه بشتى الطرق ، وكانت محاولات الاغتيال أحد هذه الطرق، وعلى إثر تزعمه لحزب اللجنة التنفيذية وترأسه المؤتمر الوطني الأردني للحركة الوطنية الأردنية الذي انعقد بتاريخ 6 آب عام 1933، تعرض الشيخ راشد الخزاعي لمحاولة اغتيال عقب انتهاء أعمال المؤتمر، لكنه نجا من تلك المحاولة ، واستمرت محاولات التخلص منه والتجييش ضده وضد بقية الزعامات الوطنية من قبل الانتداب البريطاني وأعوانه، حتى تم إبعاده للعقبة عام 1937 بأوامر مباشرة من الإدارة البريطانية إلى جانب عدد من الزعامات الوطنية كان من جملتهم سليمان باشا السودي وسالم باشا الهنداوي ، ومن هناك لجأ إلى الديار الحجازية، ومنها إلى سوريا ولبنان، الأمر الذي أثار غضب الأردنيين والزعامات الوطنية، وانطلاق موجة احتجاجات واسعة ضد الانجليز، إلى جانب استخدام أسلوب ( حرب العصابات Guerrilla warfare ) ضد الانتداب البريطاني من خلال عمليات تفجير خط البترول، كوسيلة للضغط على الانتداب البريطاني وأدواته للقبول بعودة الشيخ راشد الخزاعي الفريحات ورفاقه وهو الأمر الذي تكلل بالنجاح حيث عاد الشيخ راشد في عام 1939 ورفاقه وتم استقبالهم استقبالاً وطنياً واسعاً ، وهذا الأمر ما كان ليتحقق لولا تكاتف الزعامات الوطنية الأردنية التي كانت تجمعها علاقات وثيقة مع الشيخ راشد، من أمثال الشيخ مثقال الفايز والشيخ حديثة الخريشا ، وكانت تلك الأحداث مجتمعة نقاط تحوّل هامة في طريق حصول الأردنيين على استقلالهم التام عام 1946.
زيارة الأمير عبد الله المؤسس لراشد الخزاعي في بلدة كفرنجة :
على اثر عقد المؤتمر الوطني الثالث رفض بعض المؤتمرين (عبدالله الشريدة – محمود الفنيش) التوقيع على مقررات المؤتمر وحصل انقسام بين أعضاء حزب اللجنة التنفيذية وقام الشيخ رفيفان المجالي بتاريخ (20/7/1930م) بالتقدم بطلب إلى الحكومة بالموافقة على تشكيل الحزب الحر المعتدل، وهو حزب منافس لحزب اللجنة التنفيذية وما أن سمع الأمير عبدالله بهذه الانقسامات حتى قام بدور الإصلاح وقام بزيارة الشيخ راشد باشا الخزاعي في كفرنجة وفي طريقه عرج على قرية سوف وزار علي الكايد و زار أيضا كل من حسين الطراونة، و شلاش المجالي، و زعل المجالي، وسلامة المعايطة، ونايف المجالي في الكرك، خلال هذه الزيارات حاول الأمير عبدالله بإجراء الصلح بين أعضاء حزب اللجنة التنفيذية المعارض و الحزب الحر المعتدل الموالي للحكومة حفاظا على وحدة الحركة الوطنية الأردنية ومساعيها، و قد تكللت مساعي الأمير عبدالله بالنجاح حيث قام حسين الطراونة في تشرين ثاني 1930م بتوجيه الدعوة للاجتماع في منزل الشيخ مثقال الفايز لتقريب وجهات النظر بين الطرفين و قد حضر هذا الاجتماع حوالي مئة شخصية أردنية ومنهم راشد باشا الخزاعي وفعلا تم الإصلاح وفي نهاية هذا الاجتماع اقسم الحضور يمين الإخلاص للبلاد .
الدور الإجتماعي
كان راشد الخزاعي وطوال فترة حياته بحكم زعامته التاريخية في جبل عجلون يعتبر مرجعا في حل القضايا والمخاصمات التي تحدث بين الناس ويكون حكمة نافذا ولا تعقيب عليه ويقبل برضى الطرفين ، ويروي الحاج محمد مصطفى الفطيمات من بلدة الوهادنه نقلا عن والده أنه : في بداية القرن العشرين اعتدى أحد المتنفذين في خربة الوهادنه على أرض لوالد الراوي وأقاربه، وأراد المتنفذ الاستيلاء عليها بالقوة ، متسلحا بقوة مكانته وسلطته الاجتماعية ، فما كان من والد الراوي الى أن اتجه صوب بلدة كفرنجة وقدم شكوى إلى راشد باشا الخزاعي ، وبعد عدة أيام حضر الباشا ومعه أحد الجنود المكلفين بمساعدته لتنفيذ أوامره، وبعدما وقف على القضية واستدعى بعض الشهود وعند سماعه لهم ، أعاد الأرض لصاحبها وأمر المعتدي بالاعتذار من صاحب الأرض ، ولم يتعرض له بعدها .
كما يروي الحاج المرحوم مصطفى الخليل بني عطا مواليد عام 1910م أنه خلال الحرب العالمية الأولى وعندما كان يدرس في الكتاب في قرية فارة آنذاك ، زارهم الشيخ راشد الخزاعي زعيم جبل عجلون في المدرسة وفي وقت الطابور الصباحي، وقد أنشد التلاميذ أمامه نشيدا وطنيا ، وكان مؤثرًا لدرجة أن راشد باشا سالت دموعه وأخذ يمسحها بطرف منديله، وهذا دلالة على حجم الدور القيادي الحقيقي والمباشر الذي كان يمارسه في جبل عجلون إبان العهد العثماني.
وفاته
عاصر الشيخ راشد الخزاعي العديد من المحطات السياسية المهمة في تاريخ الأردن الحديث منذ تأسيس الإمارة على يد الملك عبدالله الأول والحصول على الاستقلال التام عام 1946، كما شهد الشيخ الخزاعي أيضاً أحداث انتقال العرش إلى الملك طلال عام 1951 عقب اغتيال الملك المؤسس مع ما صاحب تلك الحقبة من تداعيات محلية وإقليمية، وحتى السنوات الأولى من انتقال الراية إلى الملك الحسين بن طلال، وعندما كبر براشد باشا السن وقارب على المئة عام اعتزل العمل السياسي واكتفى بالدور الإجتماعي من خلال إصلاح ذات البين والقضاء العشائري وبقي كذلك إلى أن توفي بتاريخ 30/11/1958 عن عمر يناهز المئة وثمانية سنين، ليختتم فصلاً من حكاية الأردنيين ونزعتهم التاريخية نحو التحرر ورفض الانحناء للظلم، ولتستمر الحكاية، حكاية الأردن العظيم.
المراجع:
- بحث بعنوان “عشيرة الفريحات، نسبُها، ودورها الاجتماعي والتاريخي” ، من إعداد خالد زكي ظاهر فريحات ، أ. سامر عبدالرزاق فريحات
عضو اتحاد المؤرخين في تراث القبائل وأنسابها ، باحث في الموسوعة العجلونيّة ، منشور على موقع وزارة الثقافة الأردنية. - مخطوط تحت النشر للمؤرخ خالد زكي فريحات 2016
- مقابلة شفوية مصوّرة مع المؤرخ خالد زكي فريحات 2016
- مقابلة شفوية مصوّرة مع حفيد الشيخ راشد الخزاعي ، الأستاذ المحامي معن الخزاعي الفريحات 2016
- مقالة للمؤرخ الأردني الدكتور أحمد عويدي العبادي بعنوان الأمير الشيخ راشد الخزاعي الفريحات، (1850 – 1957) نشرت بتاريخ 16/07/2015
- مقال للكاتب الأردني ابراهيم غرايبة بعنوان ” احرقوا البيادر وانهزموا!” ، نشر في صحيفة الغد بتاريخ 3 نيسان / أبريل 2015
- مقال للمحلل السياسي الدكتور عامر السبايلة بعنوان ” الامن القومي.. امتحان جدي في مواجهة “إدارة الدولة” نشر في صحيفة العرب اليون بتاريخ 05/5/2014
-
مقال بحثي للباحث محمود حسين الشريدة بعنوان “من التاريخ المنسي / 7 الشيخ راشد باشا الخزاعي” نشر في وكالة عجلون الاخبارية بتاريخ 1 أيار 2017