Latest articles
November 16, 2024
November 16, 2024
November 16, 2024
المسار الثاني عشر لمعارك التحرير
خط المسير الجغرافي لقوات الثورة : ( معان – غدير الحاج – الشيدية – قلعة عقبة حجاز ( المبروكة ) وادي الرتم ( بطن الغول ) – حصن طوابي – تلول الشحم – رملة – المدورة )
مقدمة
تعتبر المنطقة ما بين معان والمدورة من أهم مسارح حرب الثورة العربية الكبرى، ويبلغ طول مسار هذا المسرح العسكري حوالي 120 كلم ، وهو يمتاز بقساوة المناخ والطبيعة ولكنه الأكثر حيوية وكان حاسماً فى تقرير مسار الحرب العالية الاولى، ومن دراسة مسار معان المدورة ككل وعلى طول مسار معان المدورة نلاحظ فيه ما يلي :
- امتداد سكة الحديد
- تنوع محطات الخدمة ووجود الآبار
- وجود بعض القلاع الضخمة
- انتشار النقاط الحصينة والمراقبات وهذه جميعها جعلت من من طبيعة عمليات هذا المسار ذات قيمة خاصة ، فهو المسار الذي شهد:
- دخول قوات الهجانة التي قدمت من مصر لأول مرة للمسرح العسكري الأردني .
- دخول القوات المدرعة واشتراكها في معارك المدورة لأول مرة أيضا .
مميزات أرض العمليات بين معان والمدورة
تتحكم العوامل التالية في عمليات الجيوش في تلك الفترة في هذه المنطقة :
- طول خطوط الامداد والتزويد
- البعد أو القرب من القواعد الأساسية للقوات العسكرية
- تنظيم وتسليح القوات العسكرية خاصة وأن هذا العامل يظهر في الميدان فجأة عندما يدرك الطرفان قوة بعضهم قبل الاصطدام بفترة قصيرة.
- المعلومات والاستخبارات وهذا ماكان يعوز الطرفين ، فعطفا على العامل السابق فإن قوات الثورة عندما تتحرك للهجوم أو تنفيذ عمليات عسكرية معينه تتفاجأ بقوة العدو، فتحجم عن العملية أو تحول مسارها اتجاه آخر وقد كان هذا واضحًا في أكثر من عملية عسكرية.
وقد ظهرت هذه العوامل بشكل واضح أثناء العمليات العسكرية خاصة بسبب الظروف الصعبة التي تسود هذه المنطقة وطبيعتها الجغرافية وطول المسافة وتباعدها وخلوها من السكان المحليين أو أية تجمعات سكنية قد تفيد أو تعين فى مجال الارشاد والإدارة.
مسار العمليات العسكرية بين معان والمدورة
نقدّم هنا دراسة لمسار العمليات العسكرية وفقاً لتسلسلها من جنوب معان وهي كالتالي :
غدير الحاج وقد شهدت معركتين هما :
- معركة غدير الحاج الأولى
شهدت المنطقة بين معان والمدورة أول عملية عسكرية لقوات الثورة العربية الكبرى فوق الأرض الأردنية، فعندما تحركت القوات العسكرية بقيادة الشريف ناصر ومعه الشيخ عودة أبو تايه من الجفر، اتجهت من الجفر التي تبعد حوالي 40 كلم من خط سكة الحديد باتجاه الجنوب والغرب فهاجمت محطة غدير الحاج الى الجنوب من معان بـ 17 كلم، وقضت على القوة العثمانية المتواجدة فيها قبل أن تواصل سيرها باتجاه منطقة أبو اللسن ورأس النقب وتنفذ عملياتها هناك كما ورد في المسار الأول لمعارك الثورة عن عمليات تحرير العقبة.
وكانت هذه العملية وهي الأولى في 1 تموز 1917 ، بمثابة الإنذار للقوات العثمانية وحلفائها الأمان و النمساويين لتعيد تنظيمها وتركز قواتها وهذا حصل بالنسبة لمعان والتي كانت تتحصن فيها القوات العثمانية و عدد من كبار الضباط و المهندسين الألمان و النمساويين، لكن بعد عملية غدير الحاج ومن ثم أبو اللسن وتقدم فرسان العشائر الأردنية جنوبا باتجاه العقبة اعادت القيادة العسكرية العليا للقوات العثمانية و حلفائها الألمان و النمساويين – ممثلة بالجنرال الألماني أوتو ليمان فون ساندرس – تنظيم وتعزيز القوات العثمانية في معان لتصبح منطقة دفاعية قوية وبدء استخدام أهالي معان كدروع بشرية عبر التهديد و الوعيد، ما أدى لجعل المهمة أصعب على قوات الثورة التي خشيت على سلامة أهالي معان بالمقام الأول .
- معركة غدير الحاج الثانية
تأتي هذه المعركة بعد اتخاذ العمليات العسكرية طابعها النظامي، واعتماد العمليات العسكرية المدروسة في عمليات تحرير الأرض الأردنية، وكانت قد بدأت في 22 نيسان 1918 أي بعد عام تقريبا من العملية الأولى.
وقد أورد القائد محمد علي العجلوني في مذكراته عن الثورة العربية الكبرى أن عملية غدير الحاج كانت تمهيدا للمعركة الرئيسية في معان، حيث صدر أمر الزحف إلى جنوب معان للواء الثاني مشاة من الفرقة الثانية، ويذكر العجلوني أنه كان قائدا لإحدى سرايا المشاة، وقد هاجم الفوج استحكامات محطة الغدير وقصفها بالمدافع فاستسلمت المحطة كاملة بعد مقاومة شديدة ووقع العديد من الأسرى العثمانيين و الألمان في أيدي قوات الثورة.
ويروي العجلوني أن الترك أسروا ضابطا من قوات الثورة برتبة نقيب فقتلوه و من ثم مثلوا بجثمانه، وهنا أراد جميل المدفعي الثأر لروح الشهيد و للفعلة البشعة التي ارتكبها العثمانيون، فتقدم لاختيار أربعة من الأسرى الأتراك لإعدامهم على الفور لكن أخلاق قوات الثورة و رفضهم الذاتي لاستخدام ذات أساليب المحتل العثماني فتم الصفح عنهم ومعاملتهم بإنسانية، واشترك في مقدمة قوات الثورة فرسان عشيرة الحويطات من التوايهة بقيادة الشيخ عودة أبو تايه ويقدر عددهم بـأكثر 200 مقاتل كما شارك بذات العدد فرسان الجازي الحويطات بقيادة الشيخ حمد بن جازي .
وقد بدأت العمليات العسكرية بقصد الاستطلاع أولا وجرى العمل على الهدف في المنطقة كالتالي :
- تقدمت مفرزة الاستطلاع المؤلفة من امراء السرايا والمدفعية والرشاش.
- أثناء وجود قوات الاستطلاع في وادي العقيقة تعرضت القوات للحصار من قبل سرية عثمانية من الخيالة المسلحة فأيقنوا أنهم سيقعون في الأسر ومن ثم سيكون مصيرهم القتل والتمثيل بهم، لكن وهم يعيشون هذه اللحظة الحرجة جاءت لنجدتهم خيالة الحويطات بقيادة الشيخين عودة أبوتايه وحمد بن جازي وتمكنوا من هزيمة السرية العثمانية المحاصرة لهم، وانقاذ قوة الاستطلاع وقد جرح الشيخ الفارس حمد بن جاري في هذ المعركة ونقل الى المستشفى .
- في 21 نيسان 1918 م أرسل قائد السرية أحد الجنود لمهمة الاستطلاع لكن هذا الجندي لم يعد و اعتبر مفقودا ولم تعرف أخباره إلاّ بعد تحرير محطة غدير الحاج.
- في 22 نيسان 1918م بدأ العمل على موقع القوات العثمانية حيث تقدمت قوات سرية المشاة من جهة الجنوب وهاجمت القوات التركية في المنطقة وأسندت السرية الثانية هذا الهجوم فاستسلمت القوات العثمانية في هذا الموقع ومن ثم تبعتها بالهجوم على المحطة حيثث بدأ الهجوم بقصف مدفعي تمهيدي ثم زحف المشاة والتحموا مع القوات العثمانية في المحطة بمعركة حامية وانتهت باستسلام قوات المحطة وأسر 300 بين ضابط وجندي تركي و ألماني والاستيلاء على مدفعين رشاشين و أسلحة أخرى وواصلوا عملياتهم بنزع ألف قضيب من قضبان سكة حديد القطار العسكري وتدمير خمسة جسور يستخدمها القطار ومن ثم اتجهت شمالا لتسهم في عمليات تحرير معان.
- دخلت القوات العربية الى محطة الغدير وطهروها ووجدوا فيها الجندي الذي كان قد أرسل في مهمة استطلاعية – وعدّ مفقودا – مقطوع الرأس داخل المحطة .
- عادت القوة بعد العملية إلى معسكر الوهيدة غرب معان لتبقى في مهمة الاحتياط لقوات تحرير معان وقد حملت 7 ضباط اتراك و 40 جنديا كأسرى
وبالتالي فإن عملية محطة غدير الحاج الثانية قد جاءت بالنتائج التالية :
- التأكيد على قطع خطوط الإمداد إلى القوات العثمانية في معان من جهاتها الجنوبية فمحطة غدير الحاج هي الأقرب لمعان على بعد 17 كلم إلى الجنوب ويعني هذا أن قوات الثورة تستطيع أن تراقب وتستطلع المنطقة وتجمع المعلومات تمهيدا للهجوم على القوات العثمانية و الألمانية في معان .
- تعطيل عصـب المواصلات نهائياً في منطقة الجنوب خاصة بعد اكمال قوات الثورة لمهمتها ما بين عمان والمدورة في تعطيل خطوط القطار العسكري العثماني ونزع القضبان وتفجير العديد من العبارات.
- اثرت هذه المعركة معنويا بإيجابية في الروح القتالية لقوات الثورة ودفعتهم للعمل بسرعة استعدادا للانطلاق نحو الشمال وتحرير الأرض الأردنية كاملة.
- محطة الشيدية
محطة الشيدية بناء منفرد من أجل الحراسة والشيدية حملت هذا الاسم لكونها منطقة يغلب عليها اللون الابيض أو لون الشيد، وفيها الآن اكبر مناجم الفوسفات في الاردن .
لا تبعد محطة الشيدية عن منطقة غدير الحاج كثيرا وهي تتوسط المسافة إلى عقبة حجاز تقريبا ويجيء ذكرها في العمليات العسكرية في بطن الغول وعقبة حجاز وغدير الحاج.
- قلعة عقبة حجاز ( فصوعة ) أو المبروكة
ترتبط هذه المنطقة بحدث سياسى بارز وهو الكشف عن اتفاقية سايكس بيكو ، فقد كان من المقرر الهجوم على هذه المحطة وعلى القلعة، ولكن الكشف عن الاتفاقية وغدر الحلفاء أوجد ارباكا في تنفيذ قرار الهجوم، فطرح بعض القادة فكرة التوجه شمالا فوراً حتى لا يصل البريطانيون الى الشمال أولا ولكن كان الرأي النهائي السير في تنفيذ الهجوم والذي تم بصورة دراماتيكية.
- عملية عقبة حجاز ( المبروكة )
عقبة حجاز محطة مهمتها هي الحراسة والمحطة و القلعة تشكلان مصدر مياه رئيسي في المنطقة ومن هنا فإنها تكتسب أهمية خاصة وموقعها الجغرافي في منطقة تسيطر على طريق التقرب والانحدار نحو الجنوب فهي تقع على حافة أودية سحيقة أشهرها بطن الغول.
العملية العسكرية التي تمت ضد محطة عقبة حجاز في حد ذاتها غارة عسكرية سارت من معسكر أبي اللسن جنوب معان سالكة الأودية المحاذية لمنطقة رأس النقب لتقطع المنطقة باتجاه الشرق رأسا الى هذه المحطة
- الوضع السياسي والعسكري بعد الكشف عن اتفاقية سايكس بيكو
ساد القلق والاضطراب بين الضباط ومقاتلي وجنود الثورة بعد وصولهم أنباء اتفاقية سايكس بيكو والتي شارك فيها الروس، لكن بعد الثورة البلشفية نشر الروس وثائق السلطة القيصرية ومن بينها اتفاقية سايكس بيكو على العلن، ما جعل القيادة العسكرية العثمانية تستغل الفرص لتثبط عبر هذه الوثائق همّة مقاتلي الثورة.
حيث أحدثت حالة من الارتباك والشك والقلق حول الكيفية التي سيتصرفون بها مع قوات التحالف التي تقاتل معهم وتتآمر عليهم في ذات الوقت، ومن هنا بدأ الحديث والنقاش يتركز حول أسلوب العمل المقبل، فعرض قادة الجيش على سمو الأمير فيصل خططا للتقدم شمالا والدخول في معارك حاسمة مع القوات العثمانية وذلك لاغتنام الفرصة قبل فوات الأوان، وقبل زحف القوات الانجليزية واستيلائها على الأرض والسيطرة عليها وتنفيذ مخططاتهم، وقد أوردت المراجع التاريخية هذه العمليات وأكدها الذين شاركوا في العمليات العسكرية في تلك الفترة ومنها رواية صبحي العمري الذي كان موجودا في قاعدة أبو اللسن التي انطلقت منها حملة عقبة حجاز .
وجاءت هذه التوجيهات للانطلاق شمالا وحسم الموقف مع العثمانيين على اثر الفتور الشديد والخمول الذي ساد وأوشك على أن تفرغ الثورة من اندفاعها ومن وميضها، فالهدف كان الاستقلال من الاحتلال العثماني واستعادة السيادة على الأرض، فكيف وهم في غمرة أعمالهم التي توجتها انتصاراتهم العديدة سيشاهدون أنفسهم ينطلقون من حكم أجنبي إلى حكم أجنبي جديد، وقد طلب الثوار من الشريف الحسين بن علي السعي لدى الحلفاء للحصول على تفسير لما يجري لكن الواقع كان مخالفا ومغايرا وجاءت التأكيدات البريطانية للشريف الحسين بن علي على شكل تطمينات، مؤكدين على أن السيادة والاستقلال لن يتم المساس بهما وأن ما يجري هو لتنظيم العمل فى المنطقة ما بين الحلفاء وما إلى غير ذلك من التطمينات غير المنطقية.
- تنفيذ عملية عقبة حجاز
قدم ضباط الجيش مضبطة الى سمو الامير فيصل على خلفية اخبار اتفاقية سايكس بيكو، حيث أمر سمو الأمير فيصل بإسناد القيادة إلى جعفر العسكري، فتحركت الحملة في اوائل شهر نيسان من عام 1918 م والطقس كان غائما باردا فاشتدت العاصفة وهطلت الأمطار بغزارة واصبح استمرار السير صعبا، وعلى ضوء الموقف أمر جعفر العسكري القوات بالعوة الى ابواللسن، وقد تقدمت مجموعة انقاذ من أبواللسن وصادفت العائدين في الطريق وقدمت الاسعاف لهم .
كان تنفيذ هذه الحملة ضروريا للأسباب التالية :
- وجود قوة عثمانية كبيرة في المنطقة تتمركز في محطة عقبة حجاز وفي القلعة القريبة منها .
- أهمية هذه المحطة لأنها تسيطر على بداية الطريق المتشعبة باتجاه منطقة وادي رم والديسه والعقبة باتجاه الغرب والجنوب والجنوب الغربي و باتجاه منطقة السهول الشرقية الواسعة نحو الجفر والأزرق وباير.
- تعتبر مصدرا هاما لتزويد الماء وتخزينها في المنطقة.
- كما أن تحرير هذه المنطقة يعني تزويد قوات الثورة بمركز قيادي جاهز يؤمن المأوى ومصدر المياه .
لقد ركزت قيادة الثورة على أهمية حرير هذه المنطقة، لكن وبسبب التحولات السياسية الجديدة والظروف الجوية فقد أعيد التخطيط من جديد للإنطلاق شمالا في سياق عسكري وسياسي نحو الاستقلال.
ويروي البطل محمد علي العجلوني في كتابه ( ذكرياتي عن الثورة العربية )، وقد شارك فعليا في هذه الحملة: ” وقد اتفقت مع الضباط على أن نمضي الليل فى قلع شجيرات الشيح والبلان ومحاولة اشعالها لتدفئة الجنود، خاصة أن حركة القلع ونقل الشجيرات واشعالها تحرك الدم ومضى الليل بطوله الى الصباح ونحن في معركة مع الطبيعة خوفا من الفناء من التجمد، ولولا ذلك فلا يدري أحد منا كيف تكون عاقبته، ولما أسفر الصباح وفي ظل هذه الظروف جاء القرار بتنفيذ الحملة، ويروي العجلوني أن القرار جاء مفرحا للثوّار وكأنه أنقذهم من حالة سبات وركود الى اندفاع من جديد.
و يقول : ” وبعد بضعة أيام على تلك المباحثات صدر قرار قيادة الثورة بالتأهب للغارة على محطة للقطار العسكري جنوب معان اسمها ” فصوعة ” وتلقيناها بارتياح وكلنا عزم وعلى استعداد للتضحية وفي صبيحة أحد الايام زحفنا فى في كتيبة مشاة بقيادة جعفر العسكري ومعنا بعض المدافع الرشاشة، وكان ذلك اليوم قارسا باردا والجو غائم، وكنا كلما توغلنا في السير رأينا أننا في احترابين مع الطبيعة الغضبى ومع العدو الذي نحن مقبلين عليه، ولما أدركنا المساء ونحن فى مسيرنا رأينا السماء تزمجر و أخذت الأمطار تهطل بغزارة ورافق تهاطلها ذرات الثلج .
ويكمل العجلوني بقوله : ” توقف المطر و رجعنا إلى الوراء مذهولين من هول الكارثة وأيدينا متورمة من اقتلاع الشجيرات والبرد على أشده ومررنا بالجمال وهي باركة في الوحل وأكثرها متجمدا فأخذنا معاطفنا فارتديناها واستأنفنا السير إلى أبي اللسن، والتقينا الأمير فيصل ومعه الاطباء ووسائل الاسعاف فآلمتنا مضاعفات الكارثة، و يذكر العجلوني أن لورنس سكت وسكت غيره ولم يذكروا هذه الحادثة ولو تلميحا في حين أن لورنس يملأ صفحات كتبه بأتفه الأمور التي صاغها بأسلوبه الروائي ليرضي نزعة بعض الغربيين بلذة القصة ومحاكاة الخيال.
ومما زاد الأمر سوءا انه في نفس التوقيت تراجع الجيش البريطاني عن عمان وأنهزم أمام الجيش التركي الرابع وزاد هذا من قلق الضباط و فرسان الثورة وأثّر في معنويات قوّات الثورة، لكن نتيجة لاتصالات الأمير فيصل فقد استجابت القوات البريطانية لمطالبه وأرسلت الإمدادات العسكرية والأدوية وتقرّر البدء بالتخطيط لتنفيذ هجوم شامل على الجيش التركي وحلفائه الألمان النمساويين في معان .
- وادي الرتم ( بطن الغول )
أدت هذه المحطة دورا كبيرا في العمليات العسكرية، ولكن لم تشهد أية معركة بعينها إلاّ أن حركة جيش الثورة ووجيوش العدو التركي كانت تتم من خلالها وحولها، وهي محطة مكشوفة يصعب الدفاع عنها اذا ما هوجمت، وفي نفس الوقت يصعب الهجوم عليها لأن المهاجم يكون مكشوفاً ومن مسافة بعيدة حين يتقدم إليها .
- حصن طوابي
اسناد المحطات على السكك الحديدية بمواقع دفاعية على شكل حصون هو أسلوب اتبعته القوات التركية في تعزيز الدفاع والحماية لخط مواصلاتها الرئيسي، وتوجد بين المدورة ومعان ثلاثة حصون هي حصن أبو الرتام وحصن عمره وعمير وحصن طوابي ولكن حصن طوابي يتميز عنها كموقع عسكري متكامل للغايات الدفاعية ويمسك منطقة واسعة وهو نموذج دفاعي ولا زالت آثاره باقية حتى الآن.
مميزات موقع الحصن
لعل الدارس الجغرافية المكان والناظر اليه برؤية عسكرية لن يجد صعوبة في استنتاج أهداف السيطرة على هذا الحصن واسباب اختيار هذا الموقع.
- حصن طوبى يتوسط منطقة سهلية واسعة دائرية قطرها حوالي 1.5 كلم على الأقل.
- هذه المسافة الدائرية الفسيحة الخالية المكشوفة تمنع المفاجأة عن قوات الحصن، وتصعب عمليات التسلل إليه من كل جهاته.
- بعد التلال والمرتفعات عن منطقة الحصن تحول دون استخدام الأسلحة المتوفرة في ذلك الوقت ضد الحصن فهو يقع خارج مدى أسلحة الرشاشات والبنادق التي لا يزيد مداها عن 800 متر فى ذلك الوقت، وبالتالي لن تستفيد أية قوة مهاجمة من التلال والمرتفعات المحيطة لتنفيذ عملياتها.
- يؤمن الحصن نفسه مراقبة جيدة لارتفاعه وسيطرته على ما مسافته 6 كلم من خط سكة الحديد.
- يستطيع الحصن أن يؤمن الاسناد أو يتبادل الاسناد مع حصن أبو الرتام ومحطة أبو الرتام شمالا وحصن عمره وعمير ومحطة رملة جنوباً .
- بتميز بوقوعه على طريق الإمداد والتموين وهو خط القطار العسكري ذاته إضافة لوجود مواقع تموين اضافية شمال محطة أبو الرتام في جبل بطن الغول حيث توجد آثار مخبز ومواقع لتربية الحيوانات ومصاطب امداد الخبز.
- عملية محطة تلول الشحم
يذكر لورنس في كتابه اعمدة الحكمة السبعة أن تنفيذ عملية محطة تل الشحم تطلبت جهدا خاصا حيث استخدمت قوات نظامية مسلحة بأسلحة معقدة ويقصد هنا بالمعقدة قياسا مع الأسلحة الحديثة التي كانت سائدة في تلك الفترة، وهو يذكر بإسهاب عن القائد الانجليزي ” داوني ” ويتجاهل دور قوات الثورة وأبطالهم من أمثال محمد علي العجلوني وغيرهم وهم الذين صنعوا المعركة وصنعوا النصر فيها.
ويذكر سليمان الموسى في كتابه لورنس وجهة نظر عربية أن الحملة قد غادرت صباح 30 كانون الأول 1917 بهدف مهاجمة محطة المدورة وأن الحملة في كانون ثاني 1918 سعت إلى نسف خط القطار العسكري بين تل الشحم ووادي الرتم وواجهتهم صعوبات متعددة حيث أنهم من لن يتمكنوا من ذلك دون تعرضهم للكشف من من قبل القوات التركية، لذا اتجهوا نحو الجسر ذي القناطر السبعة وتقدمت السيارة ذات المدفع ( 10 رطل ) وخربت الجسر ومن ثم اتجهت شمالا نحو محطة تل الشحم وهاجمتها وحققت عنصر المفاجأة للقوات التركية، خاصة وأن الأتراك لأول مرة يشاهدون العربات المصفحة والمدرعة.
والجدير بالذكر أن قوات الثورة قد شاركت في هذه العمليات حول تل الشحم وقاتلت وتعاملت مع الأسلحة الحديثة واكتسبت خبرات جديدة، وقد تميزت المعركة بأنها معركة متكاملة وتكاد الروايات تتطابق عن معركة تل الشحم باستثناء ما يورده لورنس الذي يحاول ابراز ذاتيته وشخصيته بطريقة تلغي دور وبطولة قوات الثورة وحتى أنها تقلل من دور أقرانه من الضباط الانجليز ، رغم أنّ المراجع نفسها تؤكد أن القائد لهذه المعركة هو الشريف ناصر بن علي وساعده الكولونيل الانجليزي ” داوني “.
واذا ما عدنا إلى تسلسل معركة تل الشحم فقد تمت وفق السيناريو التالي :
- تقدمت القوات المصفحة الى الخندق القريب من المحطة في سكون الليل لتحقيق عنصر المفاجأة مع انبلاج الفجر.
- تولت المصفحة رقم (1) ورقم (3) نسف جسري القطار العسكري (أ.ب) وفقا لمخطط العمليات والمصفحتين من طراز ( رولز رايس ).
- بينما تتجه السيارتين المصفحتين من طراز تالبوث لنسف جسور القطار ( د،ف) وفقا لمخطط العمليات الذي تم وضعه وفقا لطبيعة المنطقة.
- بعد ارتفاع الشمس تكون الرؤية واضحة، تهاجم قوة المركز الجنوبي للمحطة بينما تهاجم قوة أخرى من الشرق، فيما تهاجم قوات العشائر الأردنية من الشمال تحت نيران الرشاشات البعيدة المدى التي فوق المدرعات وتحت حماية مدافع “برودية ” المتمركزة فوق تلة المراقبة.
- تهاجم قوات الثورة بعد ذلك وراء الدبابات للتقدم نحو المحطة.
وقد تم تنفيذ هذا السيناريو ، والمفاجأة كانت فى سرعة استسلام الأتراك، ولقد حصدت قوات الثورة كثيرا من الأسلحة والتجهيزات فقد روي أن ثمانية من كل عشرة فرسان من فرسان الثورة قد حصدوا اسلحة وذخائر كافية وعادوا الى مضاربهم وقد بلغ مجموعها 200 بندقية و 8000 صندوق مليئة بالخرطوش والقنابل اليدوية والمؤن والملابس.
وعملية تل الشحم والمحطة كانت من العمليات العسكرية الحاسمة لإحكام السيطرة على خط معان والمدورة، وبالتالي عزل الساحة الشمالية عن الساحة الجنوبية .
عملية محطة رملة
تكاد المراجع تجمع أنه لم تحصل أية اشتباكات في هذه المحطة فقد انسحبت الحامية العثمانية قبل وصول قوات الثورة إليها، لكن أهمية هذه العملية تكمن في :
- اكمال السيطرة واحكامها على مناطق المدورة جنوبا ثم رملة وتل الشحم تماما ، وبهذا تسيطر قوات الثورة على ما مسافته 26 كلم سيطرة تامة وبهذا حققت مبدأ العزل والفصل ما بين القوات التركية في الجنوب والأخرى المتواجدة في الشمال .
- تركت العملية أثرا معنويا ايجابيا فوصول قوات الثورة إليها وانسحاب الأتراك منها يعطي دلالة على نجاح فرسان الثورة في عملياتهم ومنحهم دفعا معنويا لمواصلة تحقيق الأهداف المنشودة.
- ركزت قوات الثورة تساندها قوات الحلفاء من مصفحات وهجانة على منطقة المدورة لأنها الحد الفاصل بين مسرح الحجاز ومسرح الأردن.
معارك المدورة
لعل واحدا من أشهر أسباب تسمية هذه المنطقة بالمدورة هي أن هذه الاراضي قد ( دورت ) إلى أملاك السلطان العثماني بعد الاحتلال العثمانى بقليل فسميت الأملاك بالمدورة وغلب عليها اسم المدورة من حينها.
العمليات العسكرية في المدورة
- العمليات العسكرية الأولى في شهر كانون الثاني 1918م .
حدثت العمليات العسكرية الأولى ضد الحامية التركية في المدورة في الفترة التي كانت تجري فيها معارك الطفيلة الأولى والتي اعقبت استسلام حامية الطفيلة وانضمام قائدها العربي لصفوف الثورة، ولقد تحركت قوات الثورة يوم 22 كانون الثاني وبدأ الهجوم يوم 23 كانون الثاني بقصف تمهيدي للتحصينات والمواقع في المحطة، وفد اورد الشيخ البطل بن سودان الزوايدة وهو ممن عاصروا هذه العملية من فرسان العشائر الأردنية بأن الأمير فيصل قد نزل في في قاع الديسي ويضيف أن الهدف هو نسف القطار العسكري العثماني الذي كان من المقرر أن يمر في منطقة ” محطة الزلاقة ” وقد قاد العملية الشريف هاشم يوم 22 كانون الثاني 1918م.
لكن التفصيلات الأكثر وردت في أوراق صبحي العمري كالتالي :
بدأت الهجمات على المحطة يوم 23 كانون الثاني 1918 وقد تألفت القوة المهاجمة التي اعتمدت اساسا على العشائر الأردنية كما يلي:
- القوات النظامية وتتألف من :
- عدد محدود من السيارات المصفحة البريطانية
- سيارات تحمل مدافع جبلية
- فصيل مدفعي مكون من ( مدفعين )
- سرية مشاة نظامية
- قوات العشائر الأردنية و تتألف من :
- فرسان قبيلة الحويطات بإمرة الشريف هاشم
- فرسان عشيرة العمران بإمرة الشريف هزاع
- فرسان قبيلة بني عطية بإمرة الشريف محمد علي البديوي
أما القوات التركية فقد تألفت من فوج مشاه ومدفعين وسرية رشاشات .
وقد أشرف على العمليات العسكرية الأمير فيصل بن الحسين واستند العملية وقصف مدفعي حيث أسفر الهجوم عن قتل خمسة جنود أتراك واستسلام 15 جنديا وتدمير دبابة، ولكن لم ينجح الهجوم بالاستيلاء على المحطة بشكل تام وانسحبت القوات الى الجفر.
وقد أورد البطل محمد علي العجلوني أن عشائر بني عطية قد نفذوا هجوما على المحطة وخططوا لخطف بعض الضباط الأتراك للضغط على الحامية العثمانية لتلسيم المحطة.
العمليات العسكرية في المدورة في شهر نيسان 1918م
من بين عدة مراجع فإن مذكرات الأمير زيد بن الحسين أوردت ذكر عملية عسكرية تمت في شهر نيسان 1918 وتسلسل العملية كما يلي :
- الاستطلاع بواسطة الطائرات التي كشفت عن وجود قطار عسكري تركي فيها.
- في 21 نيسان تحركت قوات الثورة إلى الشمال الشرقي على مسافة 6000 ياردة من المحطة .
- جرى الاشتباك الأولي على مسافة 2500 ياردة قبل المحطة حيث فتحت المدفعية التركية نيرانها وأجبرت القوة المتقدمة على التراجع.
- كانت المحطة قد تلقت تعزيزات من الجيش العثماني وصلتها من ” الديسي ” وارتفع حجم القوات فيها الى حوالى 500 جندي و ضابط
- اتضح أن استمرار الهجوم على المحطة لن يحقق الأهداف المطلوبة لذا تحركت القوات العربية الى جنوب المحطة بـ 4 كلم ودمرت أجزاء من خط سكة القطار العسكري العثماني، ثم عادت الى منطقة ” تلول الشحم ” .
العمليات العسكرية في شهر آب 1918
فى سجل الحوادث ضمن أوراق الأمير زيد بن الحسين ورد أن المدورة سقطت بأيدي قوات الثورة في 8 آب 1918، ووقع 96 ضابطا وجنديا تركيا في الأسر وقتل 20 جندي تركي وجرح 30 . وقد نجحت القوات في تحرير المدورة وحققت هدف عزل الساحة الأردنية عن ساحة الحجاز ونجد أن هذه القوة واصلت الهجوم نحو الشمال وفشلت في تدمير نفق عمان ولكنها مهدت إلى حد ما للبدء فى العمليات الشاملة في الأردن
خاتمة
لا يختلف الحديث عن معركة المدورة عن الحديث عن بقية معارك الثورة العربية الكبرى لكن من الواضح هنا التنظيم في الفكر العسكري لقوات الثورة الذي يظهر جليا من خلال التخطيط العسكري لكل العمليات، وهذا يرتقي بالثورة إلى مصاف العمليات العسكرية المنظمة فكرا وعملا وتنظيما ويعطي الثورة صبغة العقلانية في التنفيذ والتخطيط بحيث يتأكد للباحث و القارئ أنها ليست ثورة مجازفة، كما يصفها بعض المؤرخين، ومن خلال مطالعة أحداث معارك المدورة بعملياتها العسكرية الثلاث نلاحظ أن المعلومات غير متكاملة حولها ولكنها تجمع وتؤكد على حدوث الوقائع والتنظيم في الأعمال العسكرية وتظهر الرؤيا البعيدة لقوات الثورة الذين رؤا في تنفيذ هذه العملية تحقيقا لمبدأ الفصل والعزل لساحتي القتال في الحجاز من جهة ، والأردن من جهة اخرى، ونلحظ التصميم في نفوس الثوّار والمقاتلين على انجاز المهمة رغم اتساع الجبهة وصعوبة الظروف القتالية في ضوء عدم توفر الأدوات التي تسهل العمليات العسكرية انذاك .
المراجع :
- الثورة العربية الكبرى : الموسوعة التاريخية المصورة ، البحث التاريخي والإشراف الدكتور بكر خازر المجالي ؛ فريق العمل خولة ياسين الزغلوان ، و فريق الفرس الشقراء ، مركز أرض الأردن للدراسات والنشر،2011 ، ص 142-144.
- التاريخ العسكري للثورة العربية الكبرى فوق الأرض الأردنية / بكر خازر المجالي، قاسم محمد الدروع 1995 .
- الثورة العربية الكبرى : الحرب في الأردن 1917-1918 : مذكرات الأمير زيد / سليمان موسى، دائرة الثقافة والفنون.
- المراسلات التاريخية 1914-1918 : الثورة العربية الكبرى. المجلد الأول / أعدها وحققها وكتب حواشيها وترجم بعضها سليمان الموسى ، 1973.
- لورانس والعرب وجهة نظر عربية ، سليمان الموسى الطبعة الثالثة 2010م.
- المعارك الأولى : الطريق إلى دمشق / صبحي العمري. Early Battles : The Road to Damascus ، رياض الريس للكتب والنشر.