وليام موريس رمز حركة الحفاظ على الإرث

By Published On: July 18, 2018

ولد وليام موريس في بريطانيا وكان معماريا كلاسيكيا تخرج من من جامعة أكسفورد عام 1856. كان من الأوائل الذين أثاروا قضية الحفاظ على الإرث في القرن التاسع عشر وجذب الاهتمام إليها. حيث كان الإرث قبله يعاني من سوء الرعاية وقلة الاهتمام.  الأمر الذي دفع موريس لتغيير مفاهيم وممارسات الحفاظ على الإرث وتأسيس جمعية لحماية الأبنية القديمة (SPAB) عام 1877.

صورة وليام موريس

قامت الجمعية بالكتابة للمجالس المحلية لحثهم على إلغاء خططهم التي تسعى لتدمير الإرث. وقد حُفظت العديد من الرسائل إلى وقتنا الحاضر مبينة القيم المختلفة للإرث والأشكال العديدة التي يتخذها وفقا لما رآه موريس. إن أهم جزء في هذه الخطابات كان الجزء الذي يسلط الضوء على روح وفلسفة الجمعية.

شعار الجمعية

فالبيان أدناه يوضح كيف أن الإرث عامل تعليمي وتثقيفي مهم لأبنائنا من الأجيال اللاحقة. يحاول موريس أن يوضح لنا كيف أن تجريد المبنى وعزله عن سياقه ومحاولة تغيير مظهره هو محاولة لنزع هويته وحرمانه من صورته الأصيلة. ويعقب بأن “الأوصياء على المباني”  يتوجب عليهم أن يحموا  إرثنا دون المساس بقيمته الجمالية. يقترح موريس أيضا أن الإرث “يمكن أن ينظر [إليه] على أنه أمر فني أو تصويري أو تاريخي أو عتيق أو أمر أساسي وضروري” أي أنها أمور ستكون محط توقير واهتمام من قبل أجيال المستقبل.

يتابع بيان الجمعية موضحا الفوائد العائدة عن صون الإرث:

 “يجب على الجمعية التي تنادي بالحفاظ على الأبنية القديمة أن توضح كيف ولماذا للعامة. كيف ولماذا ستحمي الأبنية القديمة التي يعتقد الغالبية العظمى من الناس أن لها من يحميها ويرعاها أيما مراعاة وهذا هو التوضيح الذي سنقدمه.

لقد ظهر في الخمسين سنة الأخيرة اهتمام جديد، بلا شك. لقد أثارت هذه المواقع الفنية اهتمام الدراسين وكانت مثار حماس ديني وتاريخي وفني وهذا حتما أحد أهم مزايا عصرنا الحالي. على أننا نعتقد أنه إن استمرت هذه المعاملة بهذه الطريقة لن تجد الأجيال القادمة أي فائدة من هذه المواقع عدا عن برودة شعورهم تجاهها. إننا نعتقد أن هذه الخمسين سنة من المعرفة والدراسة ألحقت الدمار بهذه المواقع أكثر بكثير من قرون من الثورة والعنف وحتى الازدراء والتحقير.

أما بالنسبة للعمارة فبعد سنوات الاضمحلال الطويلة ماتت كفن من الفنون وبعثت كحقل معرفي من القرون الوسطى. ولهذا فإن العالم المتحضر في القرن التاسع عشر لا يمتلك طرازا معماريا خاصا به على الرغم من معرفته بجميع الطرز الخاصة بالعصور الأخرى. من هذا النقص ومن هذه المعرفة خطرت في بالنا فكرة غريبة: ترميم المباني القديمة؛ هذه الفكرة الغريبة والمصيرية والتي يتضمن اسمها إمكانية تجريد المباني من معناها ومن سياقها التاريخي والابقاء عليها بحالة من العشوائية بحيث لا تزال تاريخية قائمة كما كانت من قبل.

في وقت مبكر كان مثل هذا التزييف أمرا مستحيلا لأن المعرفة خانت المعماريين أو حتى لم تستطع تثبيت موقفهم.  إن احتجنا للإصلاحات وإن طغى الطموح أو المعتقد الديني وأريدَ التغيير فإن هذا التغيير سيكون مطلوبا بشكل لا لبس فيه. يمكن لكنيسة بنيت في القرن الحادي عشر أن تعدَّل وتغيَّر في القرن الثاني عشر أو الثالث عشر أو الرابع عشر أو الخامس عشر أو السادس عشر أو حتى القرنين السابع والثامن عشر. ولكن، كل تغيير حاصل، أيا كان التاريخ الذي دمره هذا التغيير، سيترك التاريخ بفجوة دون تلك الأفعال التي أغنت روح المكان أثناء تصميمه.  والنتيجة هي مبنى بتغييرات قد تكون قاسية ومرئية للعيان وعلى النقيض تماما  من تغييرات مفيدة ومثيرة للاهتمام وغير مضللة. ولكن أولئك الذين يقومون بهذه التغيرات تحت دعوى الترميم  يقولون بأنهم يبتغون إعادة المبنى إلى الحقبة التاريخية الخاصة به ولكنهم لا يمتلكون دليلا أو توجها محددا بل يتبعون أهواءهم الشخصية لتقرير ما هو جميل ويستحق الإبقاء عليه وما هو قبيح ويستحق الإبعاد. بينما تفرض عليهم مهمتهم أن يهدموا شيئا وأن يملؤوا الفجوة بتخيل ماذا كان أصحاب الموقع الأوائل ليفعلوا أو ماذا يتجب عليهم أن يفعلوا.  إضافة لما سبق، يتم العبث بسطح وشكل المبنى بأكمله أثناء عملية الهدم والإضافة، لذا فإن كل الطرز القديمة والمظهر العتيق سيختفي من المكان. وهنا لا يوجد من يتابع أو يشك بما قد يفقد من المكان. وفي المحصلة، تزييف واهن وخال من الحياة وجهد مهدور.

إنه من المحزن القول، أن أغلب الكاتدرائيات وعدد كبير من المنازل المتواضعة في إنجلترا والقارة كذلك يتم التعامل معها من قبل رجال بموهبة جيدة يستحقون توظيفا أفضل، ولكنه الصمم عن دعوات الشعر والتاريخ، بكل معنى الكلمة!

ولما تبقى من الإرث، فإننا نضرع للمعماريين أنفسهم، قبل الأوصياء الرسميين على المباني وقبل الشعب بشكل عام، إننا نتوسل إليهم بأن يتذكروا أن ما فقد من الدين والفكر والقيم الخاصة بالماضي ودون موافقة عالمية، يمكن أن يحفظ. وأن يضعوا بعين الاعتبار أنه بالإمكان حفظ هذه المباني وحفظ روحها التي لا يمكن أن تتكرر والتي كانت جزءا من الدين والفكر والقيم الماضية. وبدورنا نؤكد لهم بلا خوف أن كل الترميم الذي تم فعله لم يتطرق للتجريد المتهور للمباني من أكثر خصائصها المادية إثارة للاهتمام؛ بينما يحتفظ الأفضل بترميم مطابق ومناظر للصورة القديمة وإن طلب منا في نهاية المطاف توضيح مقدار ما تحمله هذه المباني من فن أو طراز بشكل يجعلها تستحق الحماية فإننا سنجيب بأن كل ما يعتبر فني أو تصويري أو تاريخي أو عتيق أو أساسي وجوهري: أي عمل لن يختلف على جماله المثقفون والفنانون.

وهذا يختص بكل هذه المباني، من كل الأزمنة والطرز. إننا نتضرع للقائمين على هذه المباني بفرض حماية على المكان لترميمه. لحفظ هذه المباني من الدمار عن طريق الرعاية اليومية، لإسناد جدار يكاد ينهار أو إصلاح سقف يرشح ماء.  مثل هذه الأمور التي يقصد بها الدعم والتغطية وعدم ادعاء وتزييف أي فن آخر بل الإبقاء والتأكيد على طراز وزخرفة المبنى كما هو. إن لم يعد المبنى صالحا لاستخدامه الحالي فلن نقوم بتغييره أو توسعته بل سنقوم بإيجاد مبنى آخر. لتتم معاملة هذه المباني كمواقع لفن الماضي، مواقع صممت بقيم وأعراف الماضي التي لا يمكن للفن الحديث أن يتدخل فيها دون تدميرها

وبهذا، هذا وحده، يمكننا الهروب من فخ التعلم والمعرفة الذي وقعنا فيه. بهذا وبهذا فقط يمكننا حماية المباني القديمة وتسليمها للأجيال القادمة بحالتها الفنية للأجيال التي تلينا”[1]

يتوضح لنا من هذا البيان أن موريس قدر الإرث تقديرا كبيرا. عقب تأسيس الجمعية، كتب الأعضاء بشكل فاعل رسائل توضح الدمار اللاحق بالإرث حاثين المجتمعات المحلية على المساهمة في وقف مخططات المجالس. لا زالت الجمعية موجودة حتى يومنا هذا ولا زلت تمارس نشاطاتها وفقا لنفس المبادئ مؤكدة على أن فكرة الإرث ستظل دوما متعلقة بالمجتمع المعاصر.

كان موريس الرجل المحفز لبدء وتطوير قضية الحفاظ على الإرث. وقبله كان الأمر يدور حول استبدال الإرث لا الحفاظ عليه.  واليوم، أصبح الإرث قضية جيو-سياسية في العالم عملت على قيام منظمات كاليونيسكو التي وجدت للتأكيد على أن كلا الإرثين الملموس وغير الملموس محمي. أصبح قانون الإرث حقلا متطورا أيضا يجبرنا على أخذ الأخلاقيات والسياسات والمعاهدت الدولية المتعلقة بإدارة الإرث بعين الاعتبار.  إننا ندين لأناس كموريس أرونا قيمة الحفاظ على إرثنا.  فيتوجب علينا الاستمرار بكوننا “أوصياء على المباني” وأن نحاول جهدنا لاستكمال القيم التي خطها بيان موريس.

[1]موريس، و. 1877  جمعية حماية الأبنية القديمة. البيان متوفر في : https://www.spab.org.uk/what-is-spab-/the-manifesto/