حوارات زليحة & انعام بإرث اللهجة واللغة

Zulaykha Enam
بعد نشرنا لمقالة الدكتورة انعام الور عن الضاد والظاء ابتدأ حوار ثري بينها وبين الأديبة الكبيرة زليخة أبوريشة ذات الذائقة والخبرة اللغوية العظيمة والغنية عن التعريف. الحوار ابتدأ عن الضاد باضائات جميلة وتفرع الى زوايا غنية باللغة واللهجة وبطابع شخصي ثقافي راقي بين شخصيتين بهذه المرتبة، فوجدنا نشره ضرورة للباحثين والمهتمين بهذا العلم المهم.

 

 

الأديبة زليخةأبو ريشة:
شكراً عزيزتي الدكتورة إنعام على هذه المقالة التوضيحية والواضحة، والتي تحبب موضوعات علم اللغة إلى أبعد الناس عنها. وهي عطفٌ علميٌّ على ما جرى بيننا في بيتي ذلك المساء. وبالنسبة إليّ فقد اكتسبتُ معرفةً جديدةً تتعلَّقُ بعدم تخطيء من يكتب الضاد في ضوء مثلاً ظاءً (ظوء)، ولكن، ألا يُعتبَرُ هذا نتيجة فشل النظام التعليمي في نقل الطالب/ة من لغة الأم إلى لغة المجتمع؟

الدكتورة انعام الور:
شكرا جزيلا استاذة زليخة، وقد اعدت ذكرى تلك الامسية الرائعة في منزلك. بالنسبة لموضوع هذا المنشور القصير بالذات أردت ان اوضح ان موضوع الابدال في هذين الصوتين بالذات له عدة ابعاد، منها بُعد هام جداً وهو حقيقة ان لا لهجة عربية تحوي الصوتين معاً-يعني كلنا في الهوا سوا بالنسبة لهذين الصوتين-، وأن تاريخية التغيرات التي طرأت على هذه الاصوات تحتم علينا الاخذ بعين الاعتبار ان ما نسميه ‘اغلاط’ لا يعدو كونه نتاج طبيعي لمبادئ راسخة في نظريات علم اكتساب اللغة. هنالك مبدأ معروف وأساسي واصبح من البديهيات في علم اللغة التاريخي وهو انه اذا حدث اندماج فونولوجي بين فونيمين-ايّ صوتين كانا في سابق عهدهما متميزين- بحيث انتقلت عضوية مفردات هذا الى ذاك ، فلا يمكن اعادة فصلهما حسب الصورة الاصلية للفصل، وهذا هو بالفعل ما حدث ل ض-ظ العربيتين. الفصل الذي نجده في الفصحى المكتوبة كان فصلا تصنعه النحاة، ولم يكن طبيعيا بمعنى ان الكلمات التي نكتبها ض انحدرت الينا هكذا وذات الشيئ بالنسبة لكلمات ظ، وانما ما حدث انهم لعلمهم بوجود هذا الفصل سابقا رسمّوه عند تدوين العربية، ولربما بطريقة عشوائية-لا ندري. مثلا كلمتا {عريض} و {غليظ} في بعض المصاحف تتناغمان، ولكن لاحظي انه ان لفظت الاولى ض والثانية ظ لا تتناغمان، وأما ان لفظتا بذات الصوت، سواء ض او ظ فإنهما تتناغمان. بالنسبة لنظام التعليم، هو لا شك يُخفق في كثير من الاحيان، ولكن في حالة ض ظ بوسعنا القول، ونظراً للتاريخية والواقع الذي سردته، ان السليقة غالبة في كثير من الاحيان. انظري مثلا كيف لا يمكننا نحن ان نجيد لغة ثانية اذا كان في قواعدها ما يتعارض فونولوجيا مع لغتنا الام. انا مثلا بدأت تعلم الانجليزية من صف البستان، يعني بعمر ٤ سنوات، ورغم تعرضي المستمر للانجليزية منذ ذاك الحين لا زال عندي مشكلة في التفريق بين حرفي علّة قصيرين: i/e كما في كلمات
في التفريق بين حرفي علّة قصيرين: i/e كما في كلمات
bit-bet, disk/desk
لا شك ان السبب في ذلك ان القواعد التي ترسخت في كمبيوتر دماغي اللغوي تعتبر الفرق بين هذين المعتلّين على غير ذي اهمية بالنسبة لمعنى الكلمة، وهو كذلك في العربية -سواء لفظنا كلمة {زِت} بكسرة عادية او كسرة مكسورة اكثر لا يهم، ودماغي لم يرضى طوال هذه السنوات ان يغيّر هذه القاعدة مع انني حاولت اقناعه. الممارسة والتعليم والتعرّض يُفلحان احيانا، لذا حرصت على ذكر نتائج تحليلي للاصوات المرققة {ث ذ} مقارنة بالمفخمة. لاحظي ان لا احد في الاردن يدمج ث مع ت، او ذ مع د عند القراءة او الكتابة، مع ان {ث ذ} ايضا غير موجودات في اللهجات المدنية. السبب برأيي ان في الاردن لهجات لا تدمجهما فيتلقى/تتلقى المتحدث/المتحدثة جرعات يومية تبين كيفية الفصل بين الصوتين لغايات الكتابة او الخطابة باستعمال الفصحى. لاحظي معي ايضا ان افصح فصحاء المغرب، وسمعت بعضهم، لا يفصل بين اي من هذه الاصوات عند التحدث، ومثال اقرب للحالة الاردنية هي تونس، فلا يوجد في لهجة المدينة ض، جميعهم في نشرات الاخبار يقرأونها ظ. اذاً في هذه الحالة يمكن نظام التعليم بريء! هناك البعد الاجتماعي ايضاً وهو هام كذلك ولكني اطلت كثيراً وأعتذر منك.. اذا لم يكن عندك مانع استاذتنا ان ننسخ هذا النقاش على صفحة إرث الاردن نكون ممنونين، تحياتي ومحبتي

الأديبة زليخة أبو ريشة:
طبعا.. شكرا لك. في كلامك إضاءة مهمة على علم النحو العربي تستدعي التفكير فعلا: هل أرضى علماء اللغة والنحو الأوائل قبيلتين.. واحدة تلفظ الضاد ضادا والأخرى تلفظها ظاء؟ ألا يجب البحث عن السبب او اقتراح سيناريوهات؟

الدكتورة انعام الور:
استاذة زليخة، لكِ طريقتكِ الخاصة في اضفاء رونقٍ وبهجة على الاحاديث، مهما كانت طبيعتها، قرأت جملتك عن ارضاء قبيلتين، فجلبت البسمة اولا ثم التفكير، لم يخطر على بال اللغويين الذين كتبوا عن سيناريو محتمل التفكير بذلك، ولكن لما لا؟ القصة المتداولة أكاديمياً تقول التالي: عند كتابة قواعد العربية، حوالي القرن الثامن -في العراق طبعا وليس داخل الجزيرة- كان الصوت القديم فعلا قد انقلب من /ظ ل/ -الصوت الذي وصَفتُ مخرجه بانحرافي كاللام وهو الضاد الاصلية التي عُنيَت في القول المأثور، لغة الضاد- كان قد انقلب الى /ظ/ وبدأ مثلث { ظ ث ذ} بالانقلاب الى ال {ض} الحديثة التي نعرفها و {ت د} على الترتيب. النحاة كانوا على علم باللفظ القديم وبأن الاندماج الذي بدأ يسري كالسُم في قوام اللغة، تلقفوا هذا اللفظ الجديد للضاد، الذي نستعمله حالياً، وجيّروا له الكلمات التي ظنوا انها كانت تتبع الصوت القديم، بمعنى انهم اتبعوا اسلوباً توجيهياً/تلقينياً -عكس وصفي- بهدف الحفاظ، كما ظنوا، على ‘نزاهة’ اللغة العربية. مع تحفظنا على المنهج التوجيهي الذي اتبعوه ولكن ما فعلوه كان عبقرية لغوية بحد ذاتها، إذ اختلقوا بذلك توازناً في النظام الصوتي العربي، لم يكن موجوداً، حيث اصبح لكل صوت لثوي احتكاكي صوت اسناني انفجاري مقابل، كما تبيّن الثلاثية التالية: اللثوي ث يقابله الاسناني ت، لثوي ذ اسناني د لثوي ظ يقابله اسناني ض(هنا العبقرية بأن وضعوا هذا الصوت الجديد مقابلا لل ظ فأستوت المعادلة المثلثة)، مرتب وجميل:أصبحت العربية تحوي حرفين مرققين لثويين {ث ذ}، حرفيين مرققين اسنانيين {ت د}، حرف مفخّم لثوي {ظ}، حرف مفخّم اسناني {ض}.

وأزيدك من الشعر بيتاً، تلاحظين أن الحرف ض يصوّر كما الحرف ص، النقطة فقط هي التي تفرقهما. هذه ليست صدفة. السبب هو ان الصاد كان مخرجها يشبه الضاد القديمة ايضاً. وهذه قضية أخرى لن اخوض بها هنا.

انا لا اعارض الالتزام بقواعد لغة مرسّمة، فلكل لغة في العالم شكل مرسّم، ستاندرد، وهذا جيد وله فوائده. ما يؤلمني واعترض عليه هو التزمت، والايهام بأن اللغة بحاجة الى حرّاس، عادة يعيّنون ذواتهم، والانتقاص من لغات فئات اجتماعية معينة. الحق اللغوي لاي انسان بأن يتعامل باللغة التي اكتسبها طبيعياً جزء لا يتجزأ من حقوق الانسان. تُظهر نتائج الابحاث التي أجريت في الولايات المتحدة مثلاً ان ازدراء لهجة الافارقة الامريكان اجتماعياً سبب رئيسي في انخفاض التحصيل العلمي عند الاطفال من هذه الفئة الاجتماعية، وتركهم النظام التعليمي مبكراً، كما تَستنتج هذه الدراسات بأن الاثر النفسي السلبي على الطفل من جرّاء ازدراء الآخرين للهجته، اي الطريقة التي يتحدث بها، دائم او مستدام يترك جروحا مدى الحياة، تؤثر في مستقبل هذا الطفل العملية والاجتماعية. ذات النتائج توصلت اليها الابحاث بالنسبة للهجات الطبقات الاجتماعية العاملة في اوروبا. كما تُبين نتائج الابحاث التي حللت إجراءات سير المحاكمات الرسمية، والتحقيقات البوليسية، انه في كثير من الاحيان يُظلم المتّهمين المتحدثين بلهجات يزدريها المجتمع، ودراسات حديثة اخرى اظهرت أثر التمييز اللغوي في تلقّي العلاج في المستشفيات والعيادات.
اللغة ملك لجميع متحدثيها، من اي طبقة اجتماعية كانوا. لاحظي معي أن اللهجات التي يزدريها المجتمع هي عادة لهجات الفئات المهمّشة والفقيرة، وأن اللهجات التي تتمتع بمكانة اجتماعية رفيعة هي اللهجات التي تستعملها الفئات العليا القوية مادياً والمهيمنة اجتماعياً. هذه القضايا تعي لها المجتمعات الاوروبية، طبعاً لا يمكن تغيير المجتمع ولكن يمكن تغيير القوانين. مثلاً حتى وقت قريب، ربما السبعينات من القرن العشرين، لم نكن نسمع مذيع او مذيعة نشرة اخبار على المحطة الرسمية في بريطانيا سوى أولئك الذين باستطاعتهم تحدث اللهجة الرسمية، كما تتحدث الملكة، مما يعني حتمياً أن مجالات العمل تلك لم يكن الوصول اليها ممكناً الا لابناء الطبقات العليا اجمالا. وأما الآن ونتيجة للتقدم في شتى الميادين الحقوقية فإن حقوق الافراد محمية بقانون يجرّم التمييز بجميع اشكاله، فنجد الآن مثلاً مذيعين ومذيعات يقرأون الاخبار بلكنات متعددة، الحكم على كفائتهم لم يعد ‘كيف يتكلمون’.
الموضوع يتشعب كثيراً وها انّي قد استرسلت فسامحيني ثانية، خالص المحبة والتقدير

الأديبة زليخة أبو ريشة:
شرحٌ وافٍ ضافٍ واضح. عزيزتي دكتورة انعام. اطروحتك في هذا التعليق الذي يرقى الى مستوى مقالة، عظيمة. ولم أقرأ مثيلا لها في كتب النحو العربي. وراءها عقل ناقد وفكر حر واحترام عميق للإنسان. ولا أدري لو كان من علمني النحو في الجامعة (باستثناء استاذي الدكتور نهاد الموسى) علمني على هذا النحو، اين كنت ساكون الآن! أغبط تلامذتك عليك أستاذة. موضوع الصاد مثير. وموضوع النحاة وتدوين الضاد كما تحولت إليه مخارجها ما يزال يقلقني: كيف عرفوا مسقط راسها الأصلي؟ هل من مصدر يفيد بعثور أحدهم على متكلم “أصلي “؟ وبعد ذلك أرجو أن تبحثي لنا أمر الجيم الشامية والمصرية. وشكرا لكرمك.

الدكتورة انعام الور:
استاذتي زليخة، هذه شهادة اعتز بها حقا، شكرا جزيلا ومن الاعماق. الضاد الاصلية ما زالت تُنطق كما وصفها لنا سيبويه او وصف شبيه جدا بذلك، آخر الابحاث كان من قِبَل طالبتي الدكتورة خيرية القحطاني Khairia Al-Qahtani ، قامت خيرية بإنجاز بحث عظيم نالت عليه درجة الدكتوراة، حيث ركّز بحثها الميداني في جنوب الجزيرة على لهجة تِهامة قحطان في قريتين جنوبيتين، الفرشة-سميت كذلك لانها تقع على سفح الجبل، والجّوا -وهذه كانها في الجوّ، على ارتفاع ٣٠٠٠ متر. وجدت خيرية ان نطق الضاد الاصلي ما زال موجودا في هذين الموقعين وقامت باجراء مقابلات وتحليلها، لذا فلدينا تسجيلات تُثبت وجود هذا النطق. ثم قامت بتحليل التباين والتغير في استعمال هذا الصوت تبايناً مع استعمال ظ، والنتائج مبهرة من حيث انها تبيّن لنا الكيفية التي تم بها الانتقال الى النطق الحالي للصوتين، بمعنى ان السناريو الذي وجدته خيرية لربما هو ذات السناريو الذي أثر في العربيات الاخرى ربما منذ ١٢-١٦ قرن. الجميل جداً في بحث خيرية انها اختبرت النتائج احصائيا، باستخدام برنامج معتمد عالمياً، فلدينا اذا ارقام ومعادلات رياضية احصائية تدعم نتائج التحليل. بالنسبة لكيف عرَف اللغويون كيفية تحول مخارجها ومسقط رأسها فكان ذلك باتباع المنهج التاريخي-المقارن، وهو منهج معتمد في علم تاريخ اللغات وهو العلم الذي وفّر لنا معرفة ان اللغات تنتمي الى عائلات -لها ام واخوات وبنات عم وبنات بنات عم وحفيدات وحفيدات حفيدات الخ. كما فسّر لنا كيفية انتقال بنات الام الواحدة الى لغات مختلفة، ولكنها رغم التطور الى لغات يبدو انها مختلفة تماماً تحمل جينات الام الاصلية -ومن خلال هذا المنهج علمنا مثلا ان لغات تبدو لنا مختلفة تماما كالفارسية والانجليزية في حقيقة الامر تنحدران من ذات الاصل/القرمية، والتي تُسمى الاندو-اوروبية. إحدى هذه العائلات اللغوية هي العائلة السامية والتي فرّخت الكنعانية والارامية/السريانية والاوغارتية والفينيقية والاكادية والعبرية والعربية الجنوبية والعربية الشمالية-العربيات اللواتي نتكلمهن حديثا هن بنات العربية الشمالية. هذه العلاقة العائلية تتيح لنا ان نقارن بين المتقابل من الاصوات بين افراد العائلة الواحدة، مثلا تلاحظين ان السين العربية يقابلها شين في العبرية ، كما في {سلام-شلوم}؛ الام السامية الاصلية كان بها صوت p انقلب هذا الصوت ال ‘ف’ في العربية ولكنه بقي p في الآرامية وفي العبرية يقابل هذا الصوت اما p او ف -على فكرة القلب من p الى f حدث ايضاً في اللغات الاوروبية، لذا تجدين الكلمة اللاتينية pater يقابلها في الانجليزية father . باتباع هذا المنهج استطاع اللغوون التعرف الى النظام الصوتي عند الام السامية الاصلية وما يقابل كل صوت في هذا النظام عند بناتها وحفيداتها. بالنسبة للضاد الاصلية، ما من شك على الاطلاق انها تنحدر من صوت به صفات من احرف ال ‘لام’ و ‘ظ’، وهو الصوت الذي ما زال موجودا جنوب الجزيرة في لهجات منعزلة كما ان هذه المناطق في الجنوب قريبة من اللغات العربية الجنوبية مثل المهرية والحرصوصية واللواتي ما زلن يحتفظن بهذا الصوت كما بينت ابحاث البروفيسيرة جانيت واتسون من جامعة ليدز والدكتورة منيرة الازرقي من جامعة الدمام. بالاضافة للمنهج المقارن يمكن استنتاج هذه الصفة للضاد جزئياً من الكلمات السامية التي تم اقتراضها من قِبَل لغات اخرى، مثلا اليونانية القديمة اقترضت من العبرية القديمة الكلمة التي تظهر في اليونانية هكذا balsamon والتي منها الكلمة الانجليزية balsam، في العبرية القديمة الكلمة هي {ب ضاد م}، تلاحظين ان ما يحل مكان الضاد في اليونانية والانجليزية هو حرف L والذي اتى حتما من اللفظ الاصلي للضاد في الكلمة العبرية الاصلية. مثال آخر، الكلمة العربية ‘القاضي’ هي اصل الكلمة الاسبانية al-calde. هنا تلاحظين ان الاسبانية حولت ضاد الى لام دال، والسبب ان الضاد التي سمعها الاعاجم كان بها شيئا من اللام. وهناك عشرات الامثلة المشابهة من لغات اخرى، منها الماليزية. يُتبع
بالنسبة للجيم الحديثة التي نستعملها في الفصيحة فإن اصلها هو كما في الجيم القاهرية المصرية، وتجدين هذا اللفظ اضافة للقاهرية في اليمن وعُمان، مما يعني ان اللفظ للجيم الذي نستعمله في الفصحى ومعظم اللهجات العربية احدث من القاهرية بكثير -القاهرية هي الاقدم. تغيّر هذا الصوت، اي الجيم الاصلية والتي كانت تُلفظ كما في القاهرية وكما في الكلمة الانجليزية good ، تغيّر مخرجه بحيث انتقل الى الامام، من لهوي، اي عند الحلق، الى حنكي، اي اصبح مخرجه وسط الفم كما نلفظه في الاردنية والعربية الفصيحة -او هكذا عُلّمنا ان نلفظه قراءة- واما الجيم الدمشقية والتي تجدينها ايضا في لهجات الاغلبية العظمى من المدن في منطقتنا -عدا حلب- فإنها تطورت عن هذه الجيم التي نستعملها في الفصحى بأن ضَعُفَت، وهي على الاغلب التي سماها سيبويه ‘الجيم المعطشة’. عندما نحلل هذا الصوت وكيفية تطوره في العربيات باستطاعتنا استنبات جميع اشكاله الحديثة في العربيات المكتوبة والمحكية، بما فيها عربية مدن الخليج وفيها يلفظ ‘ي’. التطور ربما كان هكذا، بدْأ من الام السامية -لنسمها سامية من الآن فصاعدا وسأرمز للقاهرية بالحرف g وللفظ الموجود في الفصحى بالحرف j:
– سامية g ← لسبب ما انبتت نهاية ذلقية كالياء فاصبحت في العربية gy
– سقطت هذه الياء فأعطتنا اللفظ القاهري/اليمن/عُمان -مسقط- g وهذا هو اذا اللفظ الاقدم
– تطورت gy الى j وهذا هو اللفظ المعتمد في الفصيحة. هذا الانتقال من g الى j معروف في كثير من لغات العالم. تلاحظين مثلا ان كلمة garden الانجليزية يقابلها jardin بالفرنسية. هذا اللفظ نجده في الفصحى كما في الاردنية التقليدية والفلاحية الفلسطينية ولهجة مدينة حلب
– ضَعُفَت j فأعطتنا الجيم الدمشقية، ونجد هذا اللفظ ايضا في معظم المدن في منطقتنا كما في تونس والجزائر والرباط وجدة.
التضعيف ايضاً تطور لغوي معروف في لغات العالم. تلاحظين مثلا ان الفرنسية ليس فيها الجيم الشديدة مثل اخواتها من بنات اللاتينية، كالايطالية، وانما في الفرنسية فقط المضعّفة المعطشة.
-استمر تضعيف الجيم في بعض اللهجات فقطع شوطين بدل شوط واحد حتى وصل الى ‘ي’، وهو اللفظ الذي نجده في مدن الخليج، الكويت ولهجة العرب البحرينيين الخ. وذات التبادل بين الجيم والياء نجده ايضاً في بنات اللغات الجرمانية الغربية، مثلا الانجليزية مقارنة بالالمانية.
هنالك الفاظ اخرى للجيم، في السودان وصعيد مصر، لن اتطرق اليها الآن، فقد اسهبت واسهبت.
تحياتي ومحبتي

الأديبة زليخة أبو ريشة:
ما أكرمك! شكرا لك. الجيم الاوروبية ايضا أصابها تضعيف وتخفيف كما في الاسبانية بما يشبه حالها في الجيم الخليجية. اما الجيم اليمنية g أفلا يمكن الميل الى انها كذلك في لغة قحطان لا عدنان؟ لاني لاحظت ان المدن الساحلية في اليمن لديها هذه الجيم بينما صنعاء جيمها j ؟ يعني الأقرب إلى الحجاز غير جيمه والأبعد بقي عليها

الدكتورة انعام الور:
نعم، هي في بعض لهجات اليمن وليس جميعها. لا ادري ان كان لذلك علاقة بقحطان وعدنان، سأعود الى الدراسات التي غطت المنطقة واعلمك

وبالنيابة عن إرث الأردن نشكر القامتين العملاقتين على هذا الحوار الشيق وندعو أي مهتم لترك الأسئلة أسفل المنشور للاستزواد من هذا الاثراء اللغوي اللهجي الذي يقدران عليه.

Scroll to top