جغرافية اللهجات الأردنية وبعض خصائصها

Woman on porch

بقلم الدكتورة انعام الور

يهدف هذا المنشور الى التعريف بالتصنيف العام للهجات الأردنية التقليدية وتفرعاتها ونأمل من خلال هذه التغطية الموجزة جدا أن تكون معينا للشبيبة ممن لديهن او لديهم اهتمامات في الدراسات اللغوية في تحديد مواضيع بحثية وأن تشجعهم على القيام بذلك. فأبناء الأردن أقدر على دراسة لهجات بلدهم ان أرادوا ذلك. وأذكّر في هذا السياق اننا نعمل في مؤسسة ارث الأردن من أجل تنظيم دورات وورشات عمل لتدريب كادر من الباحثات والباحثين يغطي جميع مناطق المملكة بهدف تجميع مادة لغوية تكون أساسا لإنشاء مكتبة لغوية اردنية ومن ثم العمل على اصدار أطلس لغوي للهجات الاردن

تُصنّف اللهجات الأردنية ضمن عائلة اللهجات المشرقية. وحتى نتفادى الخلط بين مدلول كلمة ‘المشرقية’ كما استعملها في هذا المنشور واستعمالها في ثنائية ‘مشرقي-مغربي’، وهو التصنيف الجغرافي-اللغوي المعتمد في التفريق بين مجموعتين كبيرتين للهجات العربية، فإنني أعني بالمشرقية لهجات شرق المتوسط، ويقابل هذا التعبير في الإنجليزية:

Levant, Levantine dialects

تشمل هذه المجموعة لهجات كل من سوريا ولبنان وفلسطين والأردن، مع الاخذ بعين الاعتبار أن في كل من هذه المناطق تعددية لهجية ولغوية لا يشملها هذا التصنيف، فمثلاً في سوريا، تصنّف لهجات منطقة الجزيرة الفراتية عامة ضمن لهجات ‘ما بين النهرين’ كالعراقية، ايّ انها ليست لهجات مشرقية. واللهجات البدوية من مثل لهجات عنز وشمّر تعتبر لهجات جزيرية –نجدية على الاغلب. وفي سوريا تعدد لغوي كبير نسبيا: عربية، كردية، سريانية، دومرية، ارمنية الخ. في لبنان هنالك بعض اللهجات البدوية وهي ليست مشرقية، إضافة الى اللغات الأرمنية والسريانية والدومرية. وفي فلسطين، جميع اللهجات البدوية جنوبا-النقب- هي لهجات غير مشرقية، إضافة الى وجود مجموعات تتحدث اللغات التالية: السريانية والشركسية والارمنية والدومرية.

وبالنسبة الأردن، فإن جميع اللهجات التي نسميها ‘بدوية’ لا تصنف على انها مشرقية. بعض هذه اللهجات البدوية يمكن تصنيفها مع المجموعة النجدية، مثلا لهجة قبيلة بني حسن، وأخرى يمكن تصنيفها مع المجموعة الحجازية، مثل لهجة قبيلة الحويطات.[i] وفي الأردن أيضا تعددية لغوية: شركسية –اديغيه؛ شيشانية-انغوش/غالغاي؛ دومرية؛ تركمانية؛ ارمنية؛ سريانية.

تقسم عائلة اللهجات المشرقية الى قسمين رئيسيين: شمالية وتشمل لهجات الساحل والداخل في سوريا، عدا الحورانية، ولهجات لبنان؛ وجنوبية وتشمل لهجات الأردن وفلسطين، كما يوضح الرسم ادناه

اللهجات المشرقية
اللهجات المشرقية

وأما الفرع الأردني تحديدا فإنه يقسم الى ثلاثة أنواع أُدرجها اسفله مع ذكر لهجة ممثلة لكل فرع:

– الحورانية (لهجة عجلون)

– البلقاوية (السلط)

– المؤابية (الكرك)

Jordanian Accents

هنالك بحث واحد فقط، وصفي شامل عن لهجة السلط حصرياً، أسميه على سبيل الدعابة ‘القاروط’، وقد قام بإجرائه برونو إران ونال عليه درجة الدكتوراه من جامعة بروكسل، ونعكف حاليا على إصداره ككتاب بعنوان ‘قواعد اللهجة السلطية’.[ii]

تتشارك اللهجات الأردنية بخصائص لغوية على جميع المستويات التركيبية من نظام صوتي –فونولوجيا- ونحو وصرف ومفردات، كما يمكن تمييز الواحدة عن الأخرى بحفنة خصائص، يعرفها الأردنيون على السليقة. ومن الصفات المشتركة بين جميع اللهجات الأردنية، أذكر التالية:

خصائص لفظية – تشترك اللهجات الأردنية التقليدية بجميع الفاظها عامة، سأرمز للفظ الأردني لحرف القاف باستعمال الحرف العربي المعتاد /ق/، ولا ضير في ذلك فليس في اللهجات التقليدية غير هذا اللفظ.[iii] ونظراً لأهمية التباين في لفظ هذا الصوت من حيث معانيه الاجتماعية-السياسية فإنني سأفرد له منشورا خاصاً قادماً.

ثم ان جميع اللهجات الأردنية التقليدية تحوي /ث/ /ذ/ /ظ/ وجيم شديدة، وليس بها /ض/.

في اللهجات الشمالية –الحورانية- يكون حرف العلّة مضموماً في الكلمات من مثل {جُبنة، قمُح، بحُر، قبُر، طعُم، قبُل}، بينما تلفظ هذه الكلمات بكسر حرف العلة في لهجات الجنوب {جِبنة، قمِح، قبِر، طعِم، قبِل}. وأما في لهجة السلط فان الصيغة الحديثة هي الكسر، ولكننا نعتقد بالاعتماد على الأبحاث التي اجريتها مع إران بأن لهجة السلط القديمة كانت تلفظها بالضم كما في لهجات الشمال، ولكنها تغيرت اجمالا الى الكسر في لهجة السلط الحديثة وقد تم اعتماد الكسر في لهجة عمّان ايضاً، كما ان لهجة اربد تتباين بين الضم التقليدي والكسر الحديث، ما يؤشر على تغيّر لغوي باتجاه الكسر في لهجات الشمال. في بحث دكتوراه على وشك الانتهاء تبين طالبتي نورا أبو عين بأن الكسر دخل ايضاً الى لهجة سحم الحورانية

في اللهجات الشمالية تُفخّم اللام في كلمات من مثل {قال، خال، برغل، نخلة، قلعة، غلا}، بينما تُلفظ اللام مرققة في الكرك والجنوب اجمالا. وفي حالة لهجة السلط فإننا وجدنا انها ايضاً كانت بها لام مفخمة في هذه الكلمات، وما زالت كذلك في كثير منها، ايّ ان هذه الخاصية أيضا متباينة في السلط بين التفخيم والترقيق. وقد بيّن بحث الدكتورة اريج الحوامدة في بلدة سوف، والذي نالت عليه درجة الدكتوراه حديثا، بأن تفخيم اللام متباين في سوف أيضا، وذات الشيئ اشارت اليه نتائج بحث نورا أبو عين في سحم. هاتان الدراستان تشيران بوضوح بأن الترقيق قد غزا لهجات الشمال في قلب حوران، عقر دار التفخيم.

تُقلَب الكاف /تش/ عندما تُسبق او تُلحق بالكسر اجمالا وأحيانا بالضم، في كلمات من مثل {تشيف (لعاد)، ديتش، رِتشب، ديوتش، أبوتش، قلتلتش}، مع ملاحظة ان هذا القلب لا يحدث في مواقع أخرى، فنقول {كيلة، كُنّا، أكل، بوكل، كريم، فُك، مفكوكة}. هذه الخاصية متأصلة في جميع لهجات الشمال والسلط. وأما في الكرك وقراها والجنوب اجمالا فباعتقادي انها ليست على ذات القدر من الانتشار، مع انها موجودة ايضاً، وربما كانت خاصية لبعض اللهجات وليس جميعها في الجنوب –يلزمنا التأكد من قواعد توزيع هذه الخاصية في الكرك والجنوب اجمالاً. وبالعودة الى الشمال والسلط فإن ابحاثنا تشير بوضوح الى تناقص مضطرد في استعمال /تش/ في السلط، وهي قطعا غير موجودة في عمان، وتتباين وربما تتناقص أيضا في الشمال، حسب نتائج الدكتورة اريج الحوامدة من سوف.

خصائص صرفية. تحتفظ جميع اللهجات التقليدية بصيغ خاصة لمؤنث ومذكر الجمع في نهايات الكلمات كما في الضمائر، فنقول {هم – هن، انتو-انتِن} {عِمْلو-عِمْلِن} {داركو-داركِن} {دارهم – دارهِن}. وقد تخلّصت لهجة عمّان من صيغ المؤنث فأصبحت {هم، انتو، عملو، دارهم} تعني الجنسين. كما ان لهجات المدن في الشمال والسلط والجنوب تنحى الى ذات التغير، بحيث تُلغى صيغة المؤنث وتعمم صيغة المذكر.

خصائص نحو-صرفية. نظام النفي في لهجات الشمال والسلط يحوي علامتين، {ما} و {ش} وتأتي هاتان اما ملتصقتان كما في {مش ماكل} او منفصلتان كما في {ما اكلتش}. وتستعمل {لا} مع فعل الامر عامة وليس حصرا {لا توكل}. وليس لدينا تحليل دقيق عن الوضع في الكرك ولكن الدلائل تشير الى انه بالإضافة الى {لا} والتي تستعمل كما في اللهجات الأخرى، فإن النفي يقتصر على استعمال {ما} دون {ش}، وتلحق {ما} بنهايات/لوحق توافق الفاعل عددا وجنساً فنقول {اني ماني عاملة كذا، انتَ منتا، إنتِ منتي، انتو منتو، احنا محنا، هو مو، هي مي، همَّ ممَّ، هن من، احنا محنا}.

أرحب بتعليقات القراء الكرام، وربما زودونا مشكورين ببعض من كنوز لهجاتهم. أمامنا الكثير من العمل في توثيق لهجات الأردن والأمل معقود على الشبيبة للبدء بهذا المشروع الهام.

[i] هنالك نقص حاد في الدراسات التي تغطي اللهجات البدوية الأردنية فلا توجد حتى الآن أي دراسة شاملة في وصفها. أرجو التنبه الى ان ما ذُكر عن تصنيف اللهجات البدوية في المنشور لا يعدو كونه استنتاج اولي. ومن اللهجات التي تم وصفها بشكل جزئي، لهجة البدول –رسلان بني ياسين وجوناثان اوينز؛ لهجات قبائل العجارمة والحويطات وبني صخر –هيكي بالفا

[ii] المعني هنا هو الدراسات الوصفية الشاملة حصراً.
يوجد عدة دراسات اهتمت بتحليل خصائص معينة في أُطر نظرية عدة منها علم الأصوات وعلم النحو وعلم اكتساب اللغة وعلم اللغة الاجتماعي الذي اتخصص انا به. ويعود الفضل في اول دراسة عن الأردن في علم اللغة الاجتماعي الى زميلي الأستاذ حسن عبد الجواد –جامعة اليرموك سابقا، جامعة السلطان قابوس حاليا. وتبعه الأستاذ محمود الخطيب من جامعة العلوم والتكنولوجيا. كما للزميل الدكتور محمود السلمان من جامعة البلقاء عدة أبحاث في هذا المجال.

[iii]

اللهجة الأردنية الوحيدة التي يلفظ فيها هذا الحرف كما في الفصحى هي لهجة الدروز في الأزرق؛ كما ان لهجة السريان الاصلية كانت بها هذه القاف الفصيحة. غير هذه اللهجات لا نجد في الأردن لفظ قاف.

Scroll to top