دراسة إثنو-أثرية: الأردنيين القدماء تناولوا المنسف قبل أكثر من 7 الآف عام

مقدمة

تقدم مؤسسة إرث الأردن سلسلتها البحثية الجديدة المتعلقة بالإرث الغذائي والإنتاجي الأردني تزامناً مع افتتاح مطعم إرث الأردن والذي جاء ليتوّج جهود خمس سنوات من العمل والزيارات الميدانية لمختلف المناطق الأردنية لتوثيق الأطباق الأردنية المصنوعة من منتجات محلية، وطرق إعدادها الأصلية كما عكفت على ذلك الجدّات والسيدات الأردنيات لسنين طويلة، بشكل يضمن استدامة هذا الإرث والحفاظ عليه، من خلال حرص المؤسسة على الحصول على المنتجات من السيدات الأردنيات اللاتي ما زلن يحافظن على أصالة هذه الأطباق ويقمن بإنتاج المواد اللازمة لذلك منزلياً في تسع محافظات أردنية، تتناول هذه السلسلة البحثية كافة تفاصيل المطبخ الأردني، وما يلتصق بعملية إعداد وتناول الطعام من أبجديات الضيافة وطقوس اجتماعية تمتد لتاريخ طويل من الإسهام في الإرث الغذائي الإنساني الممتد لأكثر من أربعة عشرة ألف سنة  وهو تاريخ أقدم بقايا خبز تم العثور عليها في العالم على الأرض الأردنية.

تمهيد

يعتبر المنسف سيد المائدة الأردنية والحاضر الأول في كل الطقوس والمناسبات الاجتماعية، ويرتبط المنسف بالعديد من الطقوس والدلالات والمعاني، فإلى جانب الدلالات على كونه من أقدم الأطباق التي عرفتها التجمعات الإنسانية في المنطقة والتي ارتبطت بالمناسبات الاجتماعية وتقاسم الطعام وتشارك الموارد والأكل من نفس الطبق، فهو يعكس أيضاً بنية المجتمع الأردني التي تبرز فيها قيم الأرض والإنتاجية من خلال تمازج المكونات والمنتجات الزراعية والرعوية، فالمنسف لا يمكن أن يكون طبقا صحراويا، فالقمح والأرز لا ينبت في الصحراء بالحد الذي يجعل منه جزءاً أساسياً من الغذاء اليومي للبدوي، ولا المزارع المتفرغ لعملية الزراعة في حقوله وبساتينه قادر بسهولة على تأمين لحم الضأن ولبنها، لكن عندما تلتقي نكهة صحراءنا وجميدها مع حبوب سهلنا وصنوبر ولوز جبلنا فيسيل اللبن نهراً خالداً يروي قصة الكرم الأردني الذي لا يجف والتاريخ المستمر من الوجود الإنساني الذي لم ينقطع على الأرض الأردنية.

تاريخ المنسف . . . حكاية نصر ومجد

تشير الرواية الشعبية المتداولة حول المنسف بالاسم الحالي إلى ما قبل نحو 3200 عام، خلال فترة المملكة الأردنية المؤابية على وجه التحديد حين نجح الملك الأردني ميشع في تحميل الغذاء مضامين سياسية واستخدمه كوسيلة للاستفتاء الديمقراطي ليتمكن بحكمة القائد الذكي من معرفة مدى استعداد الرأي العام والرضا الشعبي لخوض معركة مصيرية ضد خصومهم التاريخيين بني إسرائيل في مملكة يهوذا على جزء من أراضي غرب نهر الأردن (الأراضي الفلسطينية المحتلة)، والذين كانوا في حالة حرب وعداء دائم مع الأردنيين المؤابيين، وكانت عقيدتهم تحرّم طهو اللحم باللبن فبحسب التوراة  وفي سفر الخروج الإصحاح (23) تقول آية (19): :أَوَّلَ أَبْكَارِ أَرْضِكَ تُحْضِرُهُ إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ إِلهِكَ. لاَ تَطْبُخْ جَدْيًا بِلَبَنِ أُمِّهِ.” ، وكانت العلاقات الأردنية المؤابية مع الجار السيء تمر بفترات من الشد والرخاء كما هي السياسة  في كل مكان فبعد سنوات من الحرب والدماء والتضحيات، كانت تمر فترات من الهدنة والمعاهدات، وخلال احدى تلك الفترات اكتشف الأردنيون المؤابيون نوايا بني إسرائيل للغدر والانقضاض على المملكة الأردنية المؤابية ، فما كان من الملك الأردني ميشع حين وصل الخبر الى مسامعه إلا الإعداد لحرب استباقية.

الكرك 1900 – مدخل مدينة الكرك عبر نفق يؤدي إلى القلعة وسورها الممتد حول المدينة وهو نفق يعتقد بأنه يعود لحقبة المملكة الأردنية المؤابية

 لكن هذه الحرب كانت تتطلب استعداد الجميع وموافقتهم وبالتالي التضحية من الجميع والاستعداد لتحمّل النتائج وأولهم الملك الأردني ميشع نفسه الذي ضحّى بأحد أبناءه على أبواب قلعة مؤاب التاريخية في الكرك، فأمر الشعب بطهو اللحم باللبن وفي ذلك نسف لعقيدة بني إسرائيل، فتم ذلك وأرسل أعينه بين الناس وتأكد أن الجميع مستعد للمعركة المصيرية، وكان الانتصار المخلّد حتى يومنا هذا في مسلّة ميشع الحجرية المحفوظة في متحف اللوفر والذي دوّن فيها الملك الأردني المؤابي ميشع انتصاره على بني إسرائيل بقيادة ملكهم “عمري” ، وكتبت باللغة المؤابية القديمة، وجاء فيها ما يلي وفقاً لترجمة النقش كما وردت عند الدكتور يحيى العبابنة في كتابة اللغة المؤابية في نقش ميشع:

مسلة الملك الأردني المؤابي ميشع الموجودة حالياً في متحف اللوفر في باريس وهناك جهود متواصلة لاستعادتها

” أنا ميشع بن كموش ملك مؤاب الدبياني ، أبي ملك على مؤاب ثلاثين سنة، أنا ملكت بعد أبي، وأنشأت هذا المكان المرتفع نصب لكموش “إله المؤابيين” بقرحة ، لأنه أعانني على كل الملوك ، ولأنه أراني في أعدائي (أتاح لي فرصة التغلب على أعدائي) ، أما عمري ملك إسرائيل فانه عذب مؤاب أياما كثيرة ، حتى غضب كموش على أرضه ، فأعقبه ابنه وقال سأعذب مؤاب في أيامي ، قال :فنظرت إليه وإلى بيته ، وإسرائيل باد باد إلى الأبد (ضربتهم ضربه قاضية ) ورث عمري كل أرض مهدبا ، وسكن بها في أيامه ، ونصف أيام ابنة أربعين سنة ، وأرجعها كموش في أيامي ، فبنيت بعل معان ، أنشأت بها اشوح (بركة ) ، وبنيت قريتان وكان آهل جاد (من بني إسرائيل ) يسكنون في أرض عطرت (مدينه) من زمن بعيد ، فعمر ملك إسرائيل عطرت ، فحاربت المدينة أخذتها (فتحتها) وقتلت كل آهل المدينة ، فقرت عين كموش ومؤاب ، ورددت من هناك هيكل دوده، وسحبته أمام كموش بقريت (اسم مدينة ) وأسكنت آهل شران وأهل محرت ، فقال لي كموش اذهب وخذ نبه (اسم جبل) من بني إسرائيل ، فسرت بالليل ، وحاربت بها من مطلع الفجر إلى الظهر ، وأخذتها ، وقتلت جميعهم وهم سبعة آلاف رجل وامرأه وجارية ، وأحرمتهم (قدمتهم قربان) لعشتر كموش ، وأخذت من ذلك المكان يهوه وآتيت بها إلى كموش ، وملك إسرائيل عمر يهص (اسم مدينة ) وسكن بها وهو يحاربني ، فطرده كموش من أمامي ، وأخذت من مؤاب مائتي رجل من عظمائهم ، وسيرتهم إلى يهص وأخذتها (فتحتها) فضمتها إلى ديبان ، وأنا بنيت قرحة وحمت هيعرن ، وحمت هعوفل (أسماء ثلاث مدن ) فبنيت أبوابها وبنيت أبراجها ، وأنا بنيت بيت الملك ، وأنشأت البركتين بقرب المدينة ، ولم توجد بئر في داخل قرحه ، فقلت لشعب: اجعلوا لكم آباراً في بيوتكم ، وأنا قطعت الأشجار على أيدي الأسرى من بني إسرائيل ، وأنا بنيت عراعر (مدينه ) وأنا مهدت الطريق إلى أرنن (وادي الموجب كان قديماًً يسمى نهر أرنن أو نهر أرنون) ، وأنا بنيت الأنصاب ، لأنه كان (تخرب) ، وبنيت بصرى (مدينه )لأنها كانت خرابا ديبان خمسين ، لأن ديبان خضعت لي وأنا حكمت وأنا بنيت الأنصاب ، لأنه كان (تخرب ) ، وبنيت بصرى (مدينه ) لأنها كانت خرابا  مائة المدن إلى ضمتها إلى الملكة …وانا بنيت مهدبا وبيت دبلتان وبنيت بعل معان ، وسيرت إليها ..غنم البلاد وحورنان (مدينه )  وأسكنت و.. فقال لي كموش انزل لتقابل كموش، فنزلت.. كموش في زمن و.. من ثم ..وأنا.. “

وادي الموجب 1900 نهاية القرن التاسع عشر شمال الكرك وعرف بنهر أرنون وقد تم ذكره في مسلة ميشع

ومن هنا كانت إحدى العوامل التي ربطت المنسف بالمجد والنصر والفخر في تاريخ الأردنيين الناصع بالتضحية والاستبسال في رد المطامع والاعتداءات والحفاظ على سيادتهم الوطنية في وجه أعتى الممالك والإمبراطوريات بما فيها الإمبراطورية الرومانية التي منحت الأردنيين حكمهم الذاتي رغم امتدادها الشاسع.

أدلة فخارية: المنسف الأردني طبق تاريخي جماعي عمره 7000 عام على الأقل

كان ما تقدم جزءاً من السردية الشعبية الأردنية المتداولة حول المنسف والمدعومة بنصوص دينية، لكن من وجهة نظر علمية نجد أن الأدلة الأثرية والدراسات الإثنو-أثرية لا تنفي ذلك بل تؤكده وتزيد عليه بأن جذور المنسف أقدم من ذلك التاريخ وتمتد لتصل الى 5000-6500 ق.م (أي قبل أكثر من 7000 سنة من الآن على الأقل)، وذلك مع ازدهار المجتمعات الزراعية على الأرض الأردنية والتي تعتبر عين غزال في عمان الشرقية أولها وأقدمها عالمياً.

ووفقاً لدراسة إثنو-أثرية أعدّها الأستاذ في علم الآثار أ.د زيدان الكفافي والتي استندت على عدة دراسات وتقارير عن فحوصات الكربون المشع المعاير، تشير النتائج أن الأواني الفخارية والمكوّنة من أطباق كبيرة الحجم والتي ظهرت لأول مرة في المنطقة الأردنية تعود لفترة العصر الحجري الحديث الفخّاري نحو 6000-6500 قبل الميلاد، حيث تتجاوز أقطار الأطباق أكثر من 30 سم، وهو ما يعني أن المجتمعات الأردنية الزراعية القديمة عرفت الأكل الجماعي واستخدمت أطباق تتسع لكميات من الطعام الكافي لأكثر من شخص يأكلون من نفس الطبق في ذات الوقت، وفي الدراسات الإثنو-أثرية يتم الاستناد لمثل هذه الأدلة في تحليل السلوكيات الاقتصادية والاجتماعية للحضارات والجماعات التي صنعت هذه الأدوات واستخدمتها في حياتها اليومية ومناسباتها الاجتماعية وطقوسها الدينية، وبمقارنة الأواني الفخارية الواسعة التي تم اكتشافها بكثرة في مناطق خربة الزريقون شمالاً وتل أبو الخرز في وادي الأردن نرى أنها تشبه إلى حد كبير طبق تقديم “سدر” المستخدم حالياً، وتشبه إلى حد أكبر النسخة الأقدم والأكبر من سدر المنسف الذي كان مستخدماً خلال القرن الماضي وما سبقه.

نماذج الأطباق التي تم العثور عليها في موقع عين غزال شرق عمان والتي تعتبر الأقدم من نوعها بهذا الحجم على مستوى العالم
نماذج من الأطباق التي تم العثور عليها في موقع تل أبو الخرز في الأغوار الأردنية والتي تؤرخ لـ 5000 ق.م

وكما هو معلوم يجب تقديم وجبة المنسف في طبق دائري كبير يسمح بتناول عدة أشخاص للطعام في نفس الوقت وتؤكد الدراسة أن هذا الوعاء صُنع لأول مرة في المنطقة خلال فترة العصر الحجري الحديث ما قبل الفخاري ب (حوالي 7200 – 6500 ق.م.) حيث تم إثباته في المواقع المذكورة، وفي دراسة إثنو-أثرية سابقة للدكتور زيدان عن عين غزال تم نشرها عام 1986، يتأكد أنه وخلال الفترة نفسها تم تدجين الماعز والأغنام والخيل في موقع عين غزال، وكانت نسبة 71٪ من العظام المكتشفة هناك تعود إلى حيوانات مدجّنة ومستأنسة، وتمثل عظام الماعز 95٪ من اجمالي ما تم العثور عليه من عظام الحيوانات، وهذا يعني أن السكان كان لديهم فائض من هذا الحيوان “الماعز” في ذلك الوقت بالشكل الذي يسمح لهم باستخدامه كمصدر للغذاء، حيث لم يكن يؤذ اقتصادهم أن يقوموا باستهلاكه إذا تم ذبح بعض منها في مناسبات خاصة. وبعبارة أخرى، يمكن القول إن أوائل من قاموا بتحضير وجبة المنسف كانوا أولئك الذين يستطيعون صنع مثل هذا القدر الكبير، وهم الأردنيين القدماء الذين جمعوا ما بين الفلاحة والبداوة في آن واحد (مزارعي حبوب ومربي ضأن وماعز) وهنالك، بالطبع، انزياحات بدوية (يربون الإبل أيضاً. وهو ما يسمح لهم بمساحة تحرّك أوسع) وفلاحية (يزرعون البساتين والخضروات ويربون البقر والدجاج أيضاً كما، تحديداً، في الشمال الأكثر اقتراباً من عالم الفلاحين) ولكن الجدير بالملاحظة أنه لا يوجد دليل حتى الآن على وجود مثل هذه الأواني الكبيرة في المناطق الصحراوية، حيث يستخدم البدو من سكان هذه المناطق لحم الجمل بشكل أكبر في مناسباتهم وذلك بعد طهوه بالماء ويكون بذلك طبق الثريد المختلف عن المنسف، لأن لحم الجمل إذا تم طهوه باللبن يشد ويقسو ويصبح من غير المستساغ أكله.

عمان 1936 – الولائم التي اعدت لضيافة الأمير سعود – الملك لاحقا – ولي عهد المملكة العربية السعودية آنذاك أثناء زيارته إلى الأردن

مراسم تحضير وتقديم المنسف

يترافق تحضير المنسف مع أجواء خاصة، فالمنسف هو سيد المائدة كما ذكرنا ويندر أن يقدم لجانبه طبق آخر في نفس التوقيت، ويتشارك الجميع متعة تحضيره، فيتولى الرجال مهمة ذبح الأغنام أو الماعز وتقطيعها وطهوها في حين تقوم النساء بالعجن والخبز وتحضير الأرز، ويعتبر المنسف أداة للتعبير عن الشعور، فهو حاضر في المناسبات السعيدة والحزينة، ففي الفرح يقدم المنسف ويعتليه رأس مرفوع الرأس للأعلى وفي العزاء يكون الرأس منكس للأسفل تعبيرا عن حالة الحزن، وحين يقدم للضيف يترافق ذلك مع أجواء من البهجة والترحيب، وحين تطبخه الأسرة يكون ذلك في يوم الجمعة وهو نهاية الأسبوع ويوم اجتماع العائلة، حيث يندر فعلاً أن يتم تناول المنسف بشكل فردي باستثناء بعض المطاعم الحديثة اليوم، وفي المناسبات الاجتماعية الكبرى درجت العادة أن تقوم العائلات الأردنية باختيار أكثر أفرادها خبرة لإدارة عملية تحضير المنسف أو استئجار أمهر الطهاة المختصين بالذبح وإعداد المنسف من المشهود لهم بالخبرة والكفاءة في الجودة والمذاق، وفي الأفراح تحديدا تقدم المناسف ترافقها الأهازيج الشعبية .

عمان 1935 – تحضير المناسف لتقديم الولائم بمناسبة زفاف الأمير طلال – الملك لاحقا

تقنيات التعامل مع المنسف كطعام للضيافة

ومن التقنيات والقواعد التي يجب الإحاطة بها والانتباه لها عند دعوتك لتناول طعام المنسف ما يلي:

  • يقدم المنسف في سدر دائري مفتوح كدلالة على المشاركة والمساواة، ويوضع تحته خبز الشراك الرقيق ثم الأرز أو البرغل، ويكلل بقطع اللحم ومن ثم يغطىّ بأرغفة خبز الشراك من الأعلى، ويقدم اللبن جانباً.
  • يؤكل بأصابع ثلاثة من اليد اليمنى (الإبهام والسبابة والوسطى) أو بأصابع اليَد كلها ويُعاب أن يصل الطعام إلى بطن اليد أو ظهرها، وفي وضع انتصاب القامة ” وقوفاً “، ويفضّل وضع اليد اليسرى الى الخلف.
  • يبدأ تناول المنسف بعملية ” الفجولة ” وهي بضع حركات لتحريك الغماس سواء كان من الجريش أو الأرز، ليتشرّب اللبن ويتمازج معه ويبرد قليلاً.
  • يتم سحب كمية بسيطة من الغماس باستخدام طرف الأصابع وبعض من الآدام (خبز الشراك) وصناعة كرة صغيرة من الأرز والخبز واللحم، ويتم دفعها بأصابع اليد لتدخل في جوف الفم، دون أن تلمس الأصابع الشفاه.
  • يتولى المعزّب مهمة استدامة تشريب (سكب) لبن المنسف للضيوف بناء على رغبتهم وبعد سؤالهم.
  • يُراعى أثناء تناول الطعام الحفاظ على جودته ونظافته ووفرته، حيث يؤكل المنسف على طورات (جولات أو مجموعات) متتالية من الآكلين، وهي عادة درجت قديماً يتم تشارك الطبق “السدر” الواحد من عدة مجموعات، في المناسبات الاجتماعية ذات الحضور الواسع، تعرف المجموعة الواحدة من الآكلين بـ “الطور أو الطورة”.
  • يوضع رأس الذبيحة مطهواً على المنسف في وضع الإعلان عن المناسبة، فيكون مرفوعاً لأعلى في الأفراح (قِرى العرس)، ومعكوفاً للأسفل في الأتراح (العزاء).
  • من المعيب عموما على الضيف أن يمس رأس الذبيحة، ومن المتعارف عليه أن يتولى هذه المهمّة المعزب أو كبير القوم، نظراُ للدلالة الرمزية للرأس، كما يعتبر قطع لسان الذبيحة وتقديمه للضيف نوعاً من التوجيب له، ولذلك دلالة رمزية أحياناً حينما يقدم اللسان لشاعر أو خطيب مشهود له بالفصاحة، كذلك لا ينبغي أن تُمد يد الآكل إلى اللحم في أعلى سدر المنسف أو اللحم عند جاره، لكن الرجل الكريم هو الذي يقطع اللحم من أمامه ويدفنه تحت الجريش ( مشتقات القمح المطهو ) أو الأرز، ليجد الآكل اللاحق – الطورة – شيئاً يأكله، أو أنه يعطي اللحم لمن هو خلفه من المنتظرين في الطورات التالية ومن الأمثلة الأردنية الدارجة عن هذه الحالة ؛ المثل القائل : ( اقعد خلف الرجال، وشوف ويش يمدّولك ) .
  • يعاب على الضيف إذا بان قاع الطبق ( بطن السدر ) لما فيه من دلالة على جشع الضيف، بل يستخدم الآدام (ما يغمس به من خبز الشراك)، ولا تغمس اللقمة كاملة بالخبز، بل طرفها فقط، ولذلك يعتبر في قانون الضيافة الأردني أن نقص الخبز عار على المعزّب، بينما نقص الغماس عارٌ على الضيف.
  • من دلالات كرم المعزّب تشريب ( سكب ) السّمن الذائب ( السّمنة السائلة ) أمام الضيف إضافة إلى عدد جيّد من أرغفة خبز الشراك، ومن زيادة كرم المعزّب عند بعض العشائر الأردنية وضع الزُّبد ( الزبدة ) أمام الضيف، وذلك لأن هذه المواد الثلاثة هي مونة أبناء العشائر الأردنية – تحديدا القبائل البدوية – لما تمثله من رمزية لأمنهم الغذائي.
مادبا 1937 – ضيوف في ضيافة الشيخ مثقال الفايز بني صخر يتناولون طعام الغداء

ومن محظورات أكل الطعام عموما والمنسف تحديدا:

  • اللهمطة: السرعة وعدم التركيز
  • الفغم: أكل الخضار بصوت مرتفع
  • اللغ: سكب اللبن بسرعة ولهوجة
  • الفنش: التغميس بلا أدب
  • اللشوطة: التعجّل على الأكل الحار (الساخن)
  • اللش: كثرة الأكل
  • مسح اليد بطرف الطبق
  • إعادة اللقمة أو بعضها بعد أخذها
  • إعابة الطعام بعد تناوله سواءً بحضور المعزّب أو غيابه؛ يقول المثل الأردني : ( الزاد ما يتفتّش ) أي لا يصح ذكر تفاصيله وعيوبه؛ ومن أجل ذلك يقول المعزّب ( كُل من حلالها وأترك حرامها ) كناية عن حُرمة إعابة الطعام.

للمزيد عن قواعد وأبجديات وآداب الضيافة والطعام عند الأردنيين أنقر هنا .

فرصة للتذوق

يمكنكم الاستمتاع بتجربة منسف العيش الأردني – أحد الأشكال الأكثر قدما للمنسف – بطعمه المميز وبطريقة تحضيره الأصلية في مطعم إرث الأردن، والذي تم افتتاحه مؤخراً بعد رحلة بحثية استمرت لأكثر من 4 سنوات في المطبخ الأردني والهوية الغائية تم جمع أكثر من 63 طبق متنوع من مختلف المحافظات الأردنية ويتم إعدادها بمنتجات بيتية من 9 محافظات وعلى يد أمهر الطهاة من أبناء هذه المناطق.

المراجع:

  • حتّر، ناهض ، أبو خليل، أحمد (2014) المعزّب ربّاح، منشورات البنك الأهلي الأردني. عمان: الأردن
  • بالمر، كارول (2008) الفلاحون والبدو في الأردن: دراسة اثنوجرافية في الهوية الغذائية، تعريب عفاف زيادة، مؤسسة أهلنا للعمل الاجتماعي والثقافي. عمان: الأردن
  • خريسات، محمد عبد القادر (2012) المسيحيون في قضاء السلط، عمان، الأردن
  • عبابنة، يحيى. (26-5-2009)، مقال منشور في صحيفة الدستور الأردنية بعنوان ” مسلّة ميشع الحجر المؤابي نقشُ الكرامة لملكٍ حرّر أرضه من الاحتلال
  • الزعبي، عبد الناصر (17-6-2013) مقال في موقع جراسا بعنوان: ” طهي المنسف الأردني.. معاداة سافرة لليهود”
  • Kafafi, Zeidan (2014)Sharing Food Eating from One Plate: An Ethno-Archaeological Study, Adumatu.
  • العبادي، أحمد (1994) المناسبات عند العشائر الأردنية، دار البشير.

Scroll to top