الفارس النبيل حمد الجازي الحويطات

الفارس الشيخ  حمد بن عرار بن جازي الحويطات

7mdshe5

مقدمة

في موقعة غدير الحاج أثناء تحرير الأردن من الاحتلال التركي وتحديدا في وادي العكيكة طوقت سرية خيالة تركية قوات الثورة العربية الكبرى المتواجدة في المنطقة، فقطعت قوات الثورة العربية الكبرى الأمل من الخلاص، يروي الزعيم محمد عارف أحد المحاصرين في الموقع حينها:

“لقد أيقنا في ذلك الحين أن الأتراك سيمثّلون بأجسامنا حرقا وتقطيعا قبل ذبحنا”

هكذا أجرم المحتل التركي مع كل من وقع في يديه على مرِّ تاريخ طغيانه، وعلى ذلك قرر جميع الضباط المحاصرين من جيش الثورة العربية الانتحار بدلا من السقوط في براثن المحتل التركي، وفي هذه اللحظة الحرجة ظهر فارس أردني ليغير مسار اللحظة، و يحول الحصار إلى انتصار  فكان البطل هو الشيخ الأردني حمد بن جازي وطوابير خيالته وفرسان عشيرته من الحويطات يسابقون الموت فجاسوا خلال قطعان الاحتلال التركي وبذلك أنقذوا الضباط المحاصرين.

أصيب الراحل العظيم حمد بن جازي بجرح بليغ في هذا الهجوم وقدر له الحياة ليكمل رسم درب الاستقلال الأردني.

نشأته

كانت هذه البطولة مجرد سطر في تاريخ البطولة للفارس الأردني النبيل الراحل حمد بن عرار بن نصار الجازي الذي ولد عام (1886) في بيت امارة فوالده الراحل عرار (أبو ذوقان) حمل لقب ” شيخ مشايخ قبيلة الحويطات ” في بادية الأنباط الأردنية، هناك حيث أضاف الأجداد الأنباط الأردنيين للتاريخ لونه الوردي في البتراء، قبل أن يدخل الاحتلال التركي العثماني ويفصل الأردن عن تاريخه وحضارته لمدة اربع قرون من الاضطهاد والانتقام والسرقة والعبث باسم الدين.

5tmshe5
ختم الشيخ حمد بن جازي

فتحول الأردنيون الى التكيف والتحول الى البداوة فأنشأوا نظاما بدويا متكاملا يمكنهم من مواجهة صراع البقاء الذي فرض عليهم من قبل أكبر آلة عسكرية في ذلك الوقت فمزجوا الزمن والمكان في معادلة الارتحال بالصيف والشتاء وطوعوا الشعر والصوف في دينميكية الترحال بعد أن باتت بيوتهم المستقرة على مدى آلاف السنين هدفا سهلا لقطعان الاحتلال التركي بين الدك والهدم الممنهج أو الابتزاز عبر ضريبة متصاعدة تبدأ بخمسة وعشرين بالمئة وتتزايد بمزاجية الجابي التركي المحتل و أعوانه.

على خطى الأجداد

أعلن الاردنيون سلسلة من الثورات الصغرى في حرب الكر والفر مع المحتل التركي منذ العام الأول للاحتلال التركي، ولم يكن الراحل الفارس حمد بن جازي بعيدا عن ذلك وهو الأردني العتيق حيث تمثلت الروح الوطنية الأردنية مبكراً في مواقفه عندما عاضد وانتصر للحركات الوطنية الأردنية ضد المحتل التركي وأهمها ثورة الشوبك 1905، وثورة الكرك 1910، جاء في جريدة المقتبس العدد 651 الصادرة في 15 نيسان 1911 “إن عشائر الحويطات والرولة وبقية العشائر البدوية التي وقفت الى جانب العشائر الكركية، تعرضت للتنكيل من قبل السلطات العثمانية، وعاقبت الدولة مائة من البدو وشنقت منهم ستة اشخاص” وبذلك الوعي الفطري الأردني رسم ( أخو صيتة ) وفرسان العشائر الأردنية درب الاستقلال الأردني.

أدرك الاحتلال التركي أهمية الراحل حمد بن جازي في المعادلة الأردنية فسارعوا لطلب ودّه وعقدوا اتفاقية معه تمنحه الحكم الذاتي ولقب الباشوية مقابل حصول المحتل التركي على هدنة من طرفه، وكانت هذه الاتفاقية سببا في تأخر انضمام الشيخ حمد بن جازي الى صفوف الثورة العربية الكبرى والسبب ببساطة لأن الراحل منح كلمة شرف للأتراك تضمن حياده وبروح الفارس الأردني لزم عهده حتى باق وغدر المحتل التركي بالاتفاق كعادتهم في معركة اوهيدة يوم 17 تموز 1917 فأعلن أنّه في حلٍّ من عهده مع المحتل التركي على الفور، وبشهامته المعهودة ترك كل مكتسباته ليوظّفها في سبيل تحرير الأردن في مسيرة الثورة العربية الكبرى والتي تَوجت رحلة الأردنيين البطولية نحو الاستقلال.

mthgal+7md
من اليمين : الشيخ مثقال الفايز و الشيخ حمد الجازي

يقول فايز الغصين أحد قادة الثورة العربية الكبرى في مذكراته في وصف لحظة انضمام ( أبو نايل ) – الشيخ حمد بن جازي – للثورة وأثناء نقاش في مجلس الأمير فيصل حول أهمية الشيخ حمد بن جازي في ترجيح كفة النصر، أشار الأمير أن الرّهان كان على مواقفه الأردنية الرجولية حيث ختم الحديث بالقول: “إن الذي انتصر وناصر ثورة الشوبك وثورة الكرك لن يكون الا مع ثورة الشريف الحسين بن علي ،وستنجلي الحقيقة بعد أيام” وبالفعل هذا ما كان.

المحتل يحفر قبره

وفي تفصيل فتنة معركة اوهيدة فقد قام الألمان والأتراك بنشر دعاية اعلامية شيطانية بين عشائر الكرك والصخور والحمايدة والجازي تقوم على لعبة التجارة بالدين التي يتقنها الأتراك منذ قرون وتنص الدعاية على أن الفرنسيين والانجليز يتقدّمون في جنوب الاردن فحشدت العشائر في الكرك ومعهم الصخور وبني حميدة وآزرهم الشيخ حمد بن جازي ومن معه من الحويطات بعد ان التقاهم في طريقهم لصد هذا الزحف المزعوم وفي اوهيدة تجمعوا تحت تأثير الخدعة التركية الألمانية الشيطانية وتوجهوا الى ( الغريغرة ) حيث يجتمع أبناء العشائر الاردنية ممن انضموا للثورة دون علم الطرف المغرر به بالخدعة التي روجها الاحتلال التركي وهناك شن الكركية والحمايدة والصخور والجازي هجوم على العدو الانجليزي الفرنسي المفترض وما أن انبلجج الغبار حتى اكتشف الأردنيون انهم يقاتلون بعضهم تحت عباءة أقذر خدعة مارسها الاتراك على مدى قرون وهي التجارة بالدين، فضرب شيوخ العشائر كفا بكف من هول الصدمة وصاحوا بفرسان العشائر الأردنية أن أوقفوا القتال فقبيلنا هو أهلنا ودمنا.

كانت فتنة اوهيدة التي أرادها الاتراك والألمان مجزرة لأبناء الأردن؛ ذات أثر عكسي بعد أن حولها فرسان العشائر الاردنية وعلى رأسهم (أخو صيتة) الراحل حمد بن جازي الى مسمار جديد في نعش الاحتلال التركي وحلفاءه الألمان والنمساويين، وفي الغريغرة تحول موقع الفتنة بين العشائر الأردنية الى موقع البيعة لراية الثورة.

سجل الشرف

ما أن انتهت فتنة اوهيدة حتى توجه الشيخ حمد بن جازي الى العقبة حيث مقر الأمير فيصل ليعلن بيعته للثورة ليكمل ترصيع سجل الشرف والفروسية بسلسلة معارك نجملها بالتسلسل:

  • الغريغرة
  • الحسا
  • عنيزة
  • جرف الدراويش
  • الطفيلة
  • معان

وفي معركة الطفيلة الثانية حشد الأتراك والألمان والنمساويين قوة كبيرة مدعومة بالطائرات بقصد استعادة ما خسروه على يد فرسان العشائر الأردنية وزحفت القوة الاحتلالية المشتركة من ألمان وأتراك ونمساويين في رتلين ليقينهم أن استمرار سيطرة الثورة على الطفيلة يعني انتهاء الاحتلال التركي ومن حالفه، كانت القيادة في هذه المعركة لقوات الاحتلال التركي والألماني والنمساوي تحت امرة المارشال الألماني فون فالنكنهاين وسمى قطعانه من أتراك وألمان ونمساويين بقوة (التأديب) وأوكلت مهمة قيادتها للضابط الألماني ( نيونيدر ماير)، وتتشكل من ثلاثة ألوية مشاة، وسرية خيالة، وثمانية مدافع صحراء ومدافع جبلية، وسرية رشاشات، ومفارز ألمانية ونمساوية جاءت بعضها من نابلس للانتقام من فرسان العشائر الأردنية. استبسل فرسان العشائر لتسعة أيام تحت القصف المدفعي والجوي وبرز دور الراحل حمد بن جازي حيث يصفه القائد صبحي العمري في مذكراته بهذه المعركة نصَّاًّ : ” لقد بدأ الصدام من مفرزة خيالة الاستطلاع الألمانية في غرب محطة الحسا، وقد انسحب الألمان بعد أن قتل منهم نحو (25) جندياً وغنم فرسان الحويطات الكثير من خيلهم وأسلحتهم وبدأت فرسان العشائر الأردنية تتلاحق من كل جانب، وحضر في مقدمتهم الشيخ (حمد بن جازي) مع خيالته”، وبعد عشرة أيام من الكر والفر انهار القائد الألماني تحت ضرب نار العشائر الأردنية وفي يوم 18 آذار 1918 بعد معارك استبسل فيها فرسان العشائر الأردنية انسحب الاحتلال التركي وحلفائه الألمان والنمساويين وهم يحملون قتلاهم وجرحاهم فارين من ويل ما أصابهم ، فيما استشهد في هذه المعركة 25 بطل أردني وجرح 40 فارسا، ومن بين الشهداء الشهيد أحمد محمود العوران، والشهيد عبدالعزيز الجرابعة، والشهيد جلال ابو جفين، والشهيد جلال أبو هويمل.

ولم يكتفي الشيخ حمد بن جازي أخو صيتة بتحرير أرضه الأردنية بل أكمل وشارك بتحرير أرض جيرانه المحتلين وشارك بمعركة دمشق وتحريرها وشهد رفع علم الثورة العربية الكبرى وانزال علم الاحتلال التركي من على مباني دمشق.

لقد تحول كل إرث البطولة والفروسية الطويل الذي قدمه الراحل البطل حمد بن جازي مثار شهوة لصوص التاريخ وفي زمن كانت آلة الاعلام الغربية تتفوق وجد  ضابط بريطاني يدعى لورنس الفرصة بتجيير بطولة الراحل وتاريخه في المعارك لينسبها لنفسه- كمعارك الطفيلة مثلا- وهكذا دارت معه كاميرات السينما ولكن شمس الراحل حمد بن جازي لا يمكن حجبها بغربال الفبركة والكذب.

 

الشيخ حمد وبناء الدولة

لم يحز الراحل على لقب ( قاضي القلطة ) من فراغ، أما قاضي القلطة فهو أعلى مرجع قضائي – وله صلاحية تعديل العادات فيعتبر مشرّع ويأخذ القضاة بتشريعه وبهذا يدرك مدى خطورة القرار الذي يصدره. وما يدل على وعيه الذي سبق عصره ما قاله لحظة البدء ببناء الدولة الأردنية بعد طرد المحتل التركي : ” البطولة أن تكون في الدفاع عن الوطن، وليس في محاربة أبناء الوطن القربان منهم والعربان وأبناء العمومة، لقد فرضت علينا المحاربة والفتنة في عهد الاحتلال التركي، والخسارة كانت للجميع، والأردن هو الخاسر الأول، و بإذن الله سنضع نهاية للمحاربة بين كل الأطراف ولا يكون بعد اليوم فرقة واختلافات بين القبائل والعشائر الأردنية “.

1946+shr7 word
اثناء حفل اعلان الاستقلال 1946 ويظهر فيها من اليمين الشيوخ حمد بن جازي، ماجد العدوان ، معارك المجالي ، سالم الهنداوي

لقد أدرك بفطرة القاضي والحكيم كل فتن الأتراك والإنجليز من بعدهم وحسم الطريق الى الاستقلال بردم كل الفتن بوضع المعيار الأعلى لقياس الرجولة والشرف وهو خدمة الأردن. وهكذا كان باشراف الأمير عبدالله وشيوخ الأردن بمبدأ “الحفار والدفان”. لتبدأ رحلة التنمية والنهضة بعد قرون الاحتلال والتجهيل.

نُذْر الشهادة

وعلى هذا العهد نذر الشيخ غرة أبنائه وفلذة كبده (نايل) في الجيش الأردني حيث ميدان الفروسية الحقيقية ولا راية تعلو على علم الأردن، نايل كان على عهد أبيه وعظمة الجيش الذي انتمى له وفي  باب الواد في عام 1948 سد الفارس الأردني نايل بن حمد الجازي الباب بوجه تقدم العدو بصدره واستشهد في القدس بطلاً أردنيا من طراز الأنباط الأشاوس.

sayl7mdloa2
الراحل الحسين بن طلال ، و بجواره الشهيد وصفي التل و اللواء صايل الجازي

كما خدم نجله اللواء صايل حمد الجازي في ميادين الإباء و الشرف، قائدا البادية، ومساعدا لمدير الأمن العام، ومديرا للشرطة في عدة محافظات أردنية.

سأجعلهم عبرة

لقد كان الراحل الكبير حمد بن جازي سمحاً في مجلسه ومعاملته وصلباً في مواقفه يذكر أنه عندما تجمع الفارين من سوريا في عمان ومن بينهم مظهر أرسلان أرسلوا للأمير عبدالله بن الحسين عند وصوله معان رسالة يهددون فيها بمنعه من دخول عمان وكان أرسلان ومن معه يتكؤون على معاونة الإنجليز الذين احتمى بهم مظهر أرسلان وأتباعه وقرأت هذه الرسالة في معان بحضور الأمير عبدالله وبوجود الشيخ حمد بن جازي فرد الراحل حمد بن جازي بكل نخوة قائلاً: ” والله شاهد عليَّ والسامعين…لو ظل هذا الرجل عند عدائه لحركة أبناء الأردن، سأصل عمان لأقطع رأسه ليكون عبرة لكل عملاء الانجليز“.

 لقد كان الأردنيون وعلى رأسهم الراحل حمد بن جازي على دراية من أنهم حققوا الاستقلال الأولي من الأتراك وعملائهم وبات أمامهم مشوار التحرر من عملاء الانجليز وكان على رأسهم الفارين من سوريا ومنهم مظهر أرسلان وفؤاد سليم وآخرون .

أطول تجربة برلمانية

وهكذا وبهذا الوعي الوطني والذكاء في النضال السياسي انخرط البطل في العمل السلمي فكان يُعد صاحب أطول تجربة برلمانية على المستوى الأردني والعالمي حيث كانت تجربته الفريده بتمثيل البادية النبطية الجنوبية عشر دورات برلمانية متتالية بالتزكية – 33 سنة – من عام 1929 حتى وفاته عام 1962.

1958 a3yan+shr7
الشيخ حمد بن جازي (الاول من اليمين – الصف الاول ) في افتتاح مجلس الامة عام 1958م

فارسٌ ترجّل

بتاريخ 8/12/1962 انتقل الشيخ حمد بن جازي للرفيق الأعلى وبذلك فقدت العشائر الأردنية علمًاً من أبرز أعلامها ورمزاً كبيراً من رموزها وذلك لدوره المشهود على الساحة الوطنية الأردنية والعربية حيث أمضى سني عمره ومنذ صباه وحتى وفاته في خدمة وطنه فأبّنه الشعراء وكذلك الصحف وشارك الشيوخ والوجهاء ورجالات الدولة الكبار والجموع الغفيرة من كل قبائل الأردن في تشييع جثمانه الطاهر إلى مثواه الأخير في الرشادية حيث دفن فيها.

7md+king
الملك الراحل الحسين بن طلال مصافحا الشيخ حمد بن جازي

قال عنه الراحل الكبير الملك الحسين بن طلال في خطاب له ألقاه في زيارة له لمضارب قبيلة الحويطات في الحسينية بتاريخ 5 تشرين أول 1989:

“لقد كنت خلال زياراتي وتجوالي بين الأهل والعشيرة أجد الشيخ المناضل حمد بن جازي ومعه الشيخ فيصل وإخوانه على رأس الجميع يتفانون في خدمة كل الناس، وستظل هذه الصورة حيّة في ذاكرتي ما حييت وسأحملها في كل زياراتي ولقاءاتي مع الأهل في هذا الجزء الغالي من وطننا الكبير.

أذكر في السنة الأخيرة وقبل أن يختار الله الشيخ حمد بن جازي إلى جواره عندما غطى الثلج هذا الجزء من وطننا الكبير كان رغم كبر سنه يتفقد أحوال الناس. هذه الصفات لا بد أن نحافظ عليها وهذه العلاقات لابد أن تتواصل بيننا، هذه قيم ورثناها عن آبائنا وأجدادنا وهذه سمات عرفناها، وأنني أتمنى أن تتكرر هذه الصورة داخل الأسرة الواحدة، يد واحدة وقلب واحد في حبهم واحترامهم لبعضهم البعض”.

 

المراجع

  • المجاهد الشيخ حمد بن جازي (1886-1962)،محمود سعد عبيدات،2015.
  •  مذكرات الزعيم طاهر محمد عارف، من قيادات جيش الثورة العربية الكبرى.
  • سليمان الموسى، امارة شرق الأردن.
Scroll to top