المسار الثاني لمعارك التحرير

مسار معارك التحرير الثاني  : ( العقبة – وادي اليتم – القويرة ” معسكر الأردن “)

قوات الأمير زيد بن الحسين تصل العقبة بعد تحريرها
قوات الأمير زيد بن الحسين تصل العقبة بعد تحريرها

العقبة

 بعد تطهير العقبة الأردنية من قوات الاحتلال التركي والألماني والنمساوي على يد فرسان العشائر الأردنية وقوات الثورة العربية يوم 6 تموز 1917 وبقيادة الشريف ناصر والشيخ عودة أبو تايه، بدأت مرحلة جديدة للثورة العربية الكبرى، وأصبحت الحاجة لوضع خطة محكمة للانطلاق نحو استكمال أهداف الثورة العربية. الأمير فيصل كان قد انتقل الى العقبة في الشهر التالي لتحريرها، حيث طلب من أبيه الشريف الحسين بن علي أن يشد أزره بأخيه زيد، وهنا أمر الشريف الحسين بن علي ابنه الأمير زيد أن يلتحق بأخيه الأمير فيصل وأبحر زيد من ثغر الوجه فبلغ العقبة  يوم ٢ تشرين الثانى ١٩١٧ ومعه 1500 مقاتل.

انزال جيش الأمير زيد بن الحسين من السفن في العقبة
انزال جيش الأمير زيد بن الحسين من السفن في العقبة

انزال الجمال من القوارب الخاصة بقوات الأمير زيد بن الحسين البحرية في العقبة
انزال الجمال من القوارب الخاصة بقوات الأمير زيد بن الحسين البحرية في العقبة
حشود من عشائر العقبة تستقبل موكب الأمير زيد بن الحسين أثناء دخوله للعقبة
حشود من عشائر العقبة تستقبل موكب الأمير زيد بن الحسين أثناء دخوله للعقبة
حشود من عشائر العقبة تستقبل موكب الأمير زيد بن الحسين أثناء دخوله للعقبة
حشود من عشائر العقبة تستقبل موكب الأمير زيد بن الحسين أثناء دخوله للعقبة

ومنذ وصوله تولى مسؤوليات القيادة الى جانب أخيه فيصل، وعمل ساعداً أيمن له حتى انتهاء الحرب. وكان التكتيك العسكري واللوجستي لقوات الثورة قد دفع القيادة الانجليزية للحذر لاحقاً بعد أن أيقنوا أن فرسان العشائر الأردنية يعلمون ما يبغونه من تحالفهم المؤقت معهم؛ حيث بادر فرسان العشائر الأردنية تحت القيادة الهاشمية بعد تطهيرهم للعقبة من بقايا الاحتلال التركي والالماني والنمساوي إلى :

  1. احصاء الاسلحة بكاملها وتجميعها، وإعادة تنظيم قوات الثورة فيها .
  2. تجهيز الميناء والاستعداد لوصول سفن القوات الحليفة.
  3. التمهيد لإنتقال الأمير فيصل الى القاعدة الجديدة في القويرة.
قلعة العقبة بعد تحريرها
قلعة العقبة بعد تحريرها

كانت القلعة المملوكية التى أوسع بنائها قانصوه الغوري هي المعلم البارز في العقبة ودليل على عهد التنمية بها قبل الاحتلال العثماني، اضافة لرصيف ميناء صغير أمام القلعة والتي أقامت قوات العشائر الأردنية فيها وحولها، وبدأوا استعداداتهم للمرحلة القادمة بالانطلاق منها عبر المسار التالي  :

الأمير فيصل بن الحسين و الشيخ عودة أبو تايه و عدد من ضباط جيش الثورة في سيارة تالبوت في وادي اليتم
الأمير فيصل بن الحسين و الشيخ عودة أبو تايه و عدد من ضباط جيش الثورة في سيارة تالبوت في وادي اليتم
  1. وادي اليتم

سلكت قوات الثورة وادي اليتم في طريقها الى العقبة، وحين بدأت بالتخطيط للتوجه شمالاً سلكت أيضا طريق وادي اليتم في طريقها التي تنتهي عند القويرة .

 كانت الحركة من العقبة، بعد وصول الأمير فيصل إليها في شهر أيلول 1917 ومع مجموعة من القوات العسكرية حيث انتقلت هذه القوات الى معسكر الاردن ( القويرة ) .

تحميل المعدات و الأسلحة على عربة رولز رويس تمهيدا لنقلها من العقبة إلى معسكر القويرة
تحميل المعدات و الأسلحة على عربة رولز رويس (العسكرية وقتها) تمهيدا لنقلها من العقبة إلى معسكر القويرة
  1. مجموعة من رجال قبيلة بني عطية يقومون بتحميل المؤن لقوات الثورة في العقبة استعدادا لنقلها لمعسكر القويرة

مجموعة من رجال قبيلة بني عطية يقومون بتحميل المؤن لقوات الثورة في العقبة استعدادا لنقلها لمعسكر القويرة

  1. القويرة ( معسكر الاردن )

كان في القويرة حصن تركي وبركة ماء كبيرة وهناك اقام جيش الثورة معسكره الأول وحمل المكان اسم معسكر الأردن، وبعد أن تكاملت قوات الثورة وجحافل من المتطوعين الفرسان من عشيرة الجازي (الحويطات) وقبيلة بني صخر وغيرهم، قام الأمير فيصل باستعراض هذه القوات ومن ثم تنظيم الجيش العربي ليصبح في انساق ثلاثة .

مجموعة من ضباط و مقاتلي قوات الثورة في معسكر القويرة
مجموعة من ضباط و مقاتلي قوات الثورة في معسكر القويرة

أهمية القويرة الاستراتيجية العسكرية:

  1. القويرة منطقة سهلية تسهل فيها عمليات المراقبة والكشف وهي واسعة والقويرة نفسها كأنها مركز دائرة يمر محيطها من جهته الجنوبية بأكتاف وادي اليتم قبل البدء بالانحدار فيه، ويمر محيطها الغربي بسلسلة جبال الشراه الشاهقة الصعبة المسالك، وهذه تؤمن حماية جيدة ويمر محيطها الشرقي بسلسلة رم المدببة وسط رمال كثيفة، أما محيطها الشمالي فهو يمر من سلسلة مرتفعات جبال النقب التي تلتقي مع الشراه غرباً، ونصف قطر هذه الدائرة التى تتوسط سهول حسمى المعروفة يبلغ عشرة كيلومترات وهذه المسافة وفقا لنظام المعركة في مطلع القرن العشرين تعد طويلة وتؤمن الحماية وتوفر الوقت للتخطيط والتنفيذ .
  2. يتوفر مصدر مياه من خلال وجود البركة الكبيرة التي يبلغ طول ضلعها . ٤ متراً، إضافة لوجود بئرماء لجهة الشرق قليلاً من هذه البركة بجانب صخرة القويرة المستطيلة والتي تتوسط سهل القويرة ويستند اليها حصن القويرة .
  3. وجود مقر قيادة جاهز هو نفسه الحصن التركي بعد تحريره وتطهيره من قوات الاحتلال التركية والألمانية والنمساوية وطردهم، وهو قلعة صغيرة مساحتها حوالي 500 متر مربع تتألف من غرف ايواء ومكاتب وساحة داخلية.
  4. قرب المنطقة وسيطرتها على طرق الميناء نحو العقبة مصدر الامدادات والتعزيزات وسيطرتها على طرق التقرب نحو الأهداف شمالا .
    الشريف ناصر
    الشريف ناصر

    الخطة العسكرية وتنظيم الجيوش في القويرة

تم وضع الخطط العسكرية لتنفيذ العمليات العسكرية المقبلة فى أوائل شهر كانون الثاني 1918 والتي على أساسها جرى تنظيم قوات الثورة كما يلي :

  1. الرتل الأول بقيادة الشريف مستور وهدفه تحرير الطفيلة، ويعاون الشريف مستور فرسان العشائر الأردنية من عشيرة الجازي من قبيلة الحويطات الأردنية بقيادة الشيخ حمد بن جازي .
  2. الرتل الثاني بقيادة الشريف ناصر وهدفه تحرير جرف الدراويش، يعاونه نوري السعيد رئيس أركان حرب القوات النظامية وباعتماد رئيسي على فرسان العشائر الأردنية من قبيلة بنى صخر وفرسان التوايهة من قبيلة الحويطات بقيادة الشيخ عودة أبو تايه .
  3.   الرتل الثالث بقيادة الشريف عبدالمعين وهدفه تحرير الشوبك باعتماد رئيسي على مساندة الأهالي خاصة بعد ثورات الشوبك 1900 و1905 وما نجم عنها بمجزرة سجن معان .
  4.  قوات الاحتياط العام بقيادة الأمير زيد بن الحسين وهدفها تحرير طريق أبو اللسن – وادي موسى يعاونه جعفر العسكري قائد القوات النظامية واعتماد رئيسي  على تحرك فرسان وأهالي عشائر الطفيلة خاصة بعد الرد الهمجي على ثورة بني حميدة عام 1888 والتي سنأتي على تفاصيلها بمنشور قادم.

استراتيجية التنظيم العسكري لقوات الثورة و أهميتها:

  • تغطي منطقة عمليات قوات الثورة فى المنطقة غرب سجن معان من الطفيلة الى جرف الدرويش ثم الشوبك والسيطرة عليها تأمين الاتصال مع الحلفاء المؤقتين  من قوات الجيش البريطاني ضد تحالف الألمان والأتراك والنمساويين وهذا كان سياق المرحلة بواقع حرب عالمية واصطفافات جاهزة.
  • تهدف العمليات من خلال هذا التنظيم الى عزل حامية الاحتلال التركي في سجن معان من جهة الغرب تماماً بعد نجاح عزلها من جهة الجنوب باتجاه القويرة – وادي اليتم– العقبة، في نفس الوقت الذي يجري عزلها من جهة الجنوب الشرقي حيث تدور العمليات العسكرية مع الاحتلال التركي وحليفه الالماني والنمساوي على محطات سكة الحديد باتجاه المدورة .
  • مدينة الطفيلة هي واحدة من الأهداف التي يحرص الاحتلال التركي وحليفه الالماني والنمساوي على الحفاظ عليها ويعتبرونها منطقة تقع ضمن الخط الاحمر بالنسبة لهم والاستيلاء على الطفيلة يعني السيطرة على موطئ قدم تمهيدا للاتصال مع الحلفاء من القوات البريطانية في مادبا ويعني تسهيل العمليات المقبلة لتطهير الكرك، لذا تركز الهجوم على الحامية التركية في الطفيلة لاهميتها الاستراتيجية الكبيرة . من منحى آخر فان للطفيلة أهمية استراتيجية فائقة، فهي الأمهر بصناعة ملح البارود وبكمية لا تنضب وبهذا فان من يسيطر على الطفيلة وأهلها (الأمهر بصناعة ملح البارود) يضمن ذخيرة لا تنضب وبالأخص حرص الاحتلال على التحرك من الكرك الى الطفيلة بحيث يمنع تحريرها من قبل الثورة العربية وبالتالي وضع كم لا منتهي من ملح البارود تحت تصرف فرسان العشائر الأردنية والتي كان أغلب سلاحها قديماً من النوع المعتمد على ملح البارود وليس الطلق المعبئ جاهزاً.
  • في الوقت الذى عينت فيه الأهداف للأرتال الثلاثة، تم تنظيم قوات أخرى على شكل قوة احتياطية، وهي في الأصل قيادة جوالة لتكون في الموقف الذي يستطيع تقديم الدعم والاسناد لأي رتل خلال تنفيذه لعملياته العسكرية، وتألفت هذه القوة من مجموعة من الرشاشات وجنود المشاه بقيادة الأمير زيد بن الحسين ومعه القائد العام جعفر العسكري.
  • تحركت الأرتال الثلاثة في منتصف شهر كانون الثاني 1918 في نفس الوقت بهدف تشتيت جهود الاحتلال التركي والنمساوي والالماني وتحقيق مبدأ الاستنزاف واشغال الجبهة بكاملها

وفي القويرة تم رسم خطة المرحلة القادمة والتي ظهرت على شكل توجيهات من الأمير فيصل الى الأمير زيد كالتالي :

الأمير زيد بن الحسين
الأمير زيد بن الحسين

توجيهات الأمير فيصل الى الأمير زيد: ( الهاشميون يحاربون في المقدمة )

بعد اكتمال تنظيم الأرتال العسكرية الثلاثة وتنظيم قياداته الرئيسية أرسل الامير فيصل توجيهات الى القائد الأمير زيد بن الحسين وتضمنت ما يلي :

  1.  أن يكون هو على رأس القوات المتقدمة الىشمال العقبة تماشياً مع إرث الهاشميين أباً عن جد.
  2. أن يتمركز في الطفيلة بعد تطهيرها وأن لا يتركها حتى يتوفر التمويل الكافي للمرحلة القادمة
  3. الحفاظ على تماسك قوات الثورة والتماسك بين أبناء العشائر الأردنية المقاتلة والتفطن لأي فتنة يمكن أن يزرعها المحتل العثماني بينهم كما كان يفعل سابقاً.
  4. أن يعهد الى الشريف عبدالله بن حمزة بأن يسيطر على ميناء غور المزرعة وأن يتمركز في أي نقطة قريبة حوله على أن يستمر فى التنسيق مع الأمير زيد.

هذه التوجيهات تعطي الدلالة على التخطيط العسكري السليم وأن العمليات العسكرية كانت تتم وفقا لمعايير صحيحة وتنظيم ودقة فهي ليست عمليات عصابات أو ما شابه ذلك، والتخطيط لها كان بعقلية وتنفيذ عربيين وهو ما أقلق الانجليز من مستقبل تحالفهم الآني مع قوات العشائر الأردنية والقيادة الهاشمية، وقد أورد الأمير زيد بن الحسين في مذكراته أنه تلقى تعليمات اضافية من أبيه الشريف حسين بالحرص على الإرث الهاشمي الذي يتطابق مع العادات والتقاليد وأخلاق الفروسية الأردنية وذلك بعدم إلحاق الأذى بالأسرى رغم أن ذلك لم يكن يوماً من شيمهم، وأن يدفع مبلغ عشرة ليرات ذهب لكل جندي من قوات الثورة يقوم بتسليمه أسيرا عثمانياً أو ألماني أو نمساوي كحافز مادي له لترك الثأر والتركيز على هدف التحرير من الاحتلال العثماني، ولعل في مجمل التوجيهات ما يعطينا الدلالات التالية :

  • الحفاظ على القصد والعمل على تحقيق الهدف .
  • أن يبقى الأمير في القيادة العامة للأرتال الثلاثة وان لا ينشغل برتل دون الاخر حتى يتمكن من الإحاطة بمسرح العمليات ومراقبة الوضع وضبط تطورات الموقف
  • أن تكون للعمليات جانب التأثير الاداري الاستراتيجي وذلك بالسيطرة على ميناء غور المزرعة الذي يستخدمه الاتراك لتلقي الامدادات التي تأتي من الشمال ثم عبر البحر الميت الى غور المزرعة وبعدها برّا الى معان والطفيلة والكرك وغيرها.
  • الحفاظ على المعنويات وتماسك الجنود المقاتلين خدمة للهدف العام الذي من اجله تتحرك جيوش الثورة .
  • التاكيد على التمركز في الطفيلة بسبب أهمية هذه المنطقة بالمطلق ولمهارة أهلها بصناعة ملح البارود عدى عن أنها ستكون موطئ القدم للتقدم شمالا نحو الكرك، والتأثير على خطوط سكك حديد القطار العسكري في الشوبك وجرف الدراويش .
  • اتاحة الفرصة للقوات المتقدمة للشوبك لتنفيذ عملياتها وهي محمية من جهة الشمال بعد عزل الحامية التركية في الطفيلة.
  • لم تخل هذه التوجيهات من الاخلاق الاسلامية العربية الأصيلة وذلك بعدم الحاق الأذى بالأسرى وهذه الاخلاق والأعراف متجذرة لدى الهاشميين وقوات العشائر الاردنية تحت لوائهم قبل توقيع وصدور معاهدات ومواثيق جنيف عام ١٩٤٩ وغيرها.
  • نصت التوجيهات على مبدأ توسيع ميدان المعركة وتأثير العمليات، فقد صدرت الأوامر إلى قوات الشريف عبدالله بن حمزة للإنطلاق شمالا بعد انجاز عملياته لتأخذ موطئ قدم في منطقة أريحا من أجل تأسيس نقطة اتصال قريبة مع قوات الحلفاء المتمركزة في فلسطين.

المراجع :

  1. الثورة العربية الكبرى : الموسوعة التاريخية المصورة ، البحث التاريخي والإشراف الدكتور بكر خازر المجالي ؛ فريق العمل خولة ياسين الزغلوان ، و فريق الفرس الشقراء ، مركز أرض الأردن للدراسات والنشر،2011 ، ص 142-144.
  2. التاريخ العسكري للثورة العربية الكبرى فوق الأرض الأردنية / بكر خازر المجالي، قاسم محمد الدروع 1995 .
  3. الثورة العربية الكبرى : الحرب في الأردن 1917-1918 : مذكرات الأمير زيد / سليمان موسى، دائرة الثقافة والفنون.
  4. المراسلات التاريخية 1914-1918 : الثورة العربية الكبرى. المجلد الأول / أعدها وحققها وكتب حواشيها وترجم بعضها سليمان الموسى، 1973.
  5. جيل الفداء : قصة الثورة الكبرى و نهضة العرب/ قدري قلعجي.
  6. المعارك الأولى : الطريق إلى دمشق, صبحي العمري, أوراق الثورة العربية؛ رياض الريس للكتب والنشر، لندن، بريطانيا ؛ ليماسول، قبرص , 1991, ط. 1.
Scroll to top