بقايا أثرية لربة عمون- جبل القلعة

مقدمة
ربة عمون – عمّان الاسم الذي حافظ على وجوده منذ بداية العصر الحديدي الثاني حتى يومنا هذا، عاصمة الدولة الأردنية العمونية، وعاصمة إقليم البلقاء حتى نهايات القرن الخامس عشر، التي عادت لتكون عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية في بدايات القرن العشرين .

في هذا البحث نحاول تسليط الاهتمام على ربة عمون عاصمة المملكة الأردنية العمونية، استكمالاً للجهد البحثي الذي نقوم به لدراسة المملكة الأردنية العمونية، والأردن في العصر الحديدي الثاني (عصر الدول الوطنية ذات السيادة على أرضها).

ربة عمون- الموقع والطبيعة والمناخ

ربّة عمون عاصمة مملكة عمون الأردنية 1880

شيّد أجدادنا الأردنيون العمونيون عاصمتهم العظيمة على رأس التل الناتئ من المرتفعات المطلة على وادي عمّان من الجهة الشمالية الغربية، واختاروا هذا الموقع الذي بنوا به القلعة ومرافق المدينة الرئيسية كونه موقعا حصينا مزودا بالمياه، ويستطيع جهاز الدولة الإداري عبره السيطرة والإشراف على مختلف النشاطات التي تمارس في محيطه، كما أنه منيع في وجه الغزو الخارجي.

يعتبر موقع جبل القلعة الحالي هو الموقع التاريخي للعاصمة الأردنية العمونية ربّة عمون، حيث أن القلعة والمرافق الرئيسية للعاصمة بنيت عليه كما أسلفنا، إلا أن الحدود الحقيقية لربّة عمون تتسع لتحتوي كامل المنطقة المحيطة بنهر عمّان أو ما يسمى بوادي عمّان الذي نشأت على المرتفعات المحيطة به مدينة عمّان الحديثة.

حيث أن ما يسمى بالأبراج العمونية، وهي أبراج دفاعية شيدها أجدادنا الأردنيون العمونيون، المنتشرة في أكثر من موقع في محيط مدينة عمّان تشير إلى الحدود الحقيقية لربّة عمون.

سميت ربّة عمون أيضاً بمدينة المياه، وهي إشارة إلى كثرة مياهها، حيث تكثر بها الينابيع، وأحواض تجميع مياه الأمطار، ويمر من منتصفها نهر عمّان الذي يصب في “يبوق” نهر الزرقاء، وكان لكثرة توافر المياه في هذه المدينة تأثيراً واضحا على التواجد البشري بها منذ أقدم العصور، وعلى الرغم من الطبيعة الجبلية لربّة عمون إلا أن الأردنيين الأوائل الذين استوطنوها استطاعوا التغلب على قسوة تضاريسها وإعمارها وزراعة أراضيها بشكل ملفت، حيث سميت عمّان أيضاً “معدن الحبوب” لجودة الحبوب التي زرعها الأردنيون الذين سكنوها في مختلف العصور.

إن الطابع المناخي الذي يطغى على العاصمة الأردنية العمونية ربّة عمون هو ما ينطبق عليه مناخ البحر الأبيض المتوسط، الذي يتسم بالبرودة والأمطار شتاءً، والحرارة المعتدلة صيفاً، لذلك اعتمد الأردنيون الأوائل في ربّة عمون على مياه الأمطار بشكل رئيسي في إنتاجهم الزراعي، كما أنشؤوا البرك والمستوعبات المائية لاستخدامها أثناء الصيف، بالإضافة إلى استثمار مياه الينابيع المتفجرة من مرتفعات المدينة ومياه نهر عمّان.

ربّة عمون – التسمية

قارورة تل سيران

سميت ربّة عمون نسبة إلى الأردنيين العمونيين الذين اتخذوها عاصمة لهم منذ نشأة دولتهم العظيمة، ويتكون الاسم من مقطعين، المقطع الأول “ربّة” وقد فسره أغلب الدارسين بأن معناه العاصمة، أو دار الحكم، والشق الثاني “عمون” أو “بني عمون”، وهو نسبة هذه العاصمة إلى أصحابها وهم الأردنيين العمونيين، وقد ورد اسم ربّة عمون أو ربّة بني عمون في العديد من المصادر، سواء في المصادر التاريخية أو في السجلات الأشورية، والنقوش والكتابات العمونية، والجدير بالذكر أن ربّة عمون حافظت على اسمها منذ عهد أجدادنا الأردنيين العمونيين حتى يومنا هذا، باستثناء الفترة التي سيطر بها السلوقيون على المنطقة من ثم الرومان، حيث أطلقوا عليها اسم فيلادلفيا، ولكن تعرض الاسم لشيء من التحوير اللغوي، حيث شطبت لفظة “ربّة” وتم تغيير لفظة “عمون” إلى “عمّان”.

ربّة عمون قبل نشوء المملكة الأردنية العمونية

تماثيل عين غزال، المصدر : موقع هلا أخبار

كما ذكرنا سابقاً فإن ربّة عمون هي مدينة المياه، والتربة الخصبة التي تنتج أجود أنواع الحبوب، والقمح تحديداً، لذلك فإن أول استيطان بشري مسجل في منطقة ربّة عمون والتلال التي تحيط بها تعود إلى 200000 ق.م، حيث وُجدت مخلفات أثرية لأدوات صوانية استخدمت في الفترة ما بين (200000 إلى 3000 ق.م).

واستمرت المدينة في التطور والإزدهار، حيث تطورت التجمعات الزراعية إلى مدينة عمّرها أجدادنا الأردنيون الأوائل، الذين مارسوا التجارة على نطاق واسع، إذ وُجِدت بقايا فخار وأدوات متنوعة تعود إلى العصر البرونزي المتأخر (1650-1250ق.م) جلبت من مصر واليونان وقبرص وغيرها، وهذا دليل على تبادل تجاري تخطى حدود الإقليم.

ربّة عمون في زمن المملكة الأردنية العمونية

بقايا أثرية- ربّة عمون – جبل القلعة

كانت ربّة عمون قبل نشوء المملكة الأردنية العمونية، إحدى الدول المدن التي أنشأها أجدادنا الأردنيون الأوائل، ومع انتهاء عصر الدول المدن، استطاع أجدادنا الأردنيون العمونيون تأسيس مملكتهم الموحّدة ذات السيادة على كامل أراضيها، ويبدو أن الزعيم الأردني العموني الذي أجمع عليه أجدادنا الأردنيون العمونيون ليقود دولتهم كان يسكن المدينة التي تحولت حينها إلى العاصمة، وفي تحليل أقرب إلى الصحة لعب الموقع الجغرافي لربّة عمون الدور الأساسي في اختيارها كعاصمة للمملكة الأردنية العمونية التي احتوت في أقل تقدير على عشرين مدينة أخرى، حيث أن ربّة عمون تقع في منتصف المملكة الأردنية العمونية الأمر الذي يجعلها بعيدة عن الأخطار الخارجية المتكررة، كما أن المناطق المرتفعة التي تحيط بها والتي بنى عليها أجدادنا الأردنيون العمونيون أبراجهم الدفاعية تعطيها أفضلية استراتيجية من ناحية دفاعية، وحيث اختار أجدادنا الأردنيون الأوائل موقع بناء هذه المدينة بدقة منذ البداية قبل نشوء المملكة الأردنية العمونية، فلقد بنيت على قمة مرتفع محاط بمنحدرات وعرة يصعب تسلقها، وتحتوي على مصادر دائمة للمياه بحيث تستطيع المدينة الصمود أمام حالات الحصار لمدد طويلة.

أمّا الأمر الآخر الذي دفع إلى اختيار ربّة عمون كعاصمة للمملكة الأردنية العمونية هو وجودها على الطريق التجاري الملوكي الذي يربط الجنوب بالشمال والذي يعد الطريق التجاري الأهم في العصور القديمة، بالإضافة إلى ثروتها الزراعية المهمة.

وصفت ربّة عمون في المصادر التاريخية بأنها – مدينة المياه – ، ووصفت أيضاً بالمدينة الملوكية، دلالة على حالة الترف والتطور الحضاري التي عاشها أجدادنا الأردنيون العمونيون وخصوصاً في عاصمتهم، وذكرت المصادر التاريخية أيضاً مدى منعة المدينة وقة تحصينها، حيث كانت ذات أسوار عالية قوية جعلتها تصمد مراراً أمام حالات الحصار التي تعرضت لها على مر تاريخها.

تكونت ربّة عمون في عصر الأردنيين العمونيين من نصفين، النصف الأول وهو أسفل الوادي حيث مارس أجدادنا الأردنيون العمونيون نشاطاتهم اليومية، من زراعة وتربية مواشي ومعاملات تجارية يومية، ومن قسم علوي على رأس المرتفع والذي كان محاطاً بالأسوار والتحصينات الدفاعية، واحتوى على قصر الملك والمباني الإدارية والمباني السكنية الخاصة بالقادة وكبار التجار، ومبنى المعبد الرئيسي للإله الأردني العموني ملكوم، وساحة لباقي الآلهة التي عبدت من قبل أجدادنا الأردنيين العمونيين، وبعض الوحدات السكنية الخاصة بصغار المزارعين والتجار وغيرهم، وكان جميع سكان المدينة يلجؤون إلى القسم العلوي من المدينة في حالات الحرب، وأكدت المسوحات الأثرية أن المدينة في ذلك العصر شُيّدت على 245 دونما قسمت مناصفةً بين القسم السفلي والعلوي من المدينة.

لمحة عن ربّة عمون في العصور اللاحقة للأردنيين العمونيين

مشهد عام لربّة عمون، يظهر في الصورة بقايا آثار رومانية (معبد هرقل)

مع اجتياح الاسكندر الكبير للمنطقة عام 333 ق.م بدأت المملكة الأردنية العمونية بالاضمحلال ككيان سياسي، و خضعت المنطقة للحكم الإغريقي وعند موت الاسكندر الكبير، اختلف ورثته بطليموس وسلوقيوس على الأردن، واستطاع السلوقيون السيطرة على المنطقة لمدة من الزمن، وثم في عهد بطليموس فيلادلفوس الثاني استطاع البطالمة إعادة السيطرة على الأردن، ولقد أعجب بطليموس فيلادلفوس الثاني بربّة عمون، فأمر بإعادة إعمار المدينة، وسماها تيمناً باسمه فيلاديلفيا.

ثم عاد السلوقيون في عام 218 ق.م للسيطرة على المنطقة واستطاعوا احتلال ربّة عمون (فيلادلفيا)، بعد مدة طويلة من الحصار كادوا أن ييأسوا من دخولها خلاله، إلا أن أحد سكان المدينة وقع في أسرهم واستطاعوا أن يحصلوا منه على المدخل السري الذي تتزود منه المدينة بالماء، واستطاعوا قطع المياه عن المدينة التي استسلمت لاحقاً.

واستمر حكم السلوقيون للمنطقة ومن ضمنها ربّة عمون (فيلاديلفيا) إلى أن سيطر أجدادنا الأردنيين الأنباط على المنطقة من البتراء جنوباً حتى دمشق شمالاً، والجدير بذكره العثور على مخلفات أثرية أردنية نبطية في ربة عمون.

وحين سيطر الرومانيون على المنطقة، أنشأ القائد الروماني بومبي  مدن حلف الديكابولس، التي حافظت على استقلالها في تلك الفترة، وعندما سيطر الملك الروماني تراجان على المنطقة شيد طريق تراجان التجاري العظيم والذي يمر في ربّة عمون.

أما في عهد الامبراطورية البيزنطية، فقد تمتعت ربّة عمون بحالة ازدهار واضحة، حيث حصلت على نوع من أنواع الحكم الذاتي، وصُكّت فيها النقود الخاصة بها، وشكلت مجلساً خاصاً للشعب.

وفي عصر الأمويين، ازدهرت ربّة عمون مرة أخرى، حيث تلاشى اسم فيلادلفيا، وعاد للمدينة اسمها القديم الذي تعرض لتغيير لغوي بسيط لتصبح عمّان، وكان لعمّان مكانة واضحة في العهد الأموي، حيث أنشأت بها دارٌ لضرب النقود التي تحمل اسمها.

أما في العهد العباسي فقد تعرض الأردن عموما ومن ضمنه عمّان لحالة من الإهمال، حيث أن العباسيين اعتبروا القبائل الأردنية حليفاً تقليدياً للأمويين وأرادوا الانتقام منهم ما دفع لقيام عدد واسع من الثورات الأردنية ضد العباسيين، إلا أن المدينة استمرّت كمركز تجاري مهم.

وبدأت مكانة عمّان بالعودة مع الدولة الفاطمية، ثم في عهد المملكة الأيوبية، حيث أصبحت أهم المراكز التجارية في المنطقة، ثم استمرت مدينة عمّان كمركز حضاري في عهد المماليك بعد الهزيمة التي لحقت بالتتار على يد المماليك في عين جالوت، إلا أن الغزوة التترية الثانية أثرت كثيراً على المدينة، ثم انتشر طاعون عام 1347م، الذي فتك بسكان المدينة، ثم أعيد إعمارها في عهد الأمير المملوكي صرغمتش الذي أقام بها مدرسة في عام 1356 م.

أما في زمن الاحتلال العثماني فقد تعرضت ربّة عمون (عمّان)، لنفس النزعة الانتقامية التي عانى منها الأردنيون، طيلة فترة هذا الاحتلال، الأمر الذي جعلها تضمحل، حتى قيام الدولة الأردنية الحديثة التي اتخذتها عاصمة لها بعد السلط لتطوّر وتزدهر مرة أخرى مستلهمةً مجدها السابق عبر التاريخ.

المراجع

  1. كفافي ، د. زيدان عبد الكافي (2006 )، تاريخ الأردن وآثاره في العصور القديمة ( العصور البرونزية والحديدية) ، دار ورد ، عمان .
  2. غوانمة، د. يوسف درويش (1979)، عمان حضارتها وتاريخها، دار اللواء للصحافة والنشر، عمان.
  3. العبادي، د. أحمد عويدي (2018)، التاريخ السياسي للممالك الأردنية القديمة، دار مجدلاوي للنشر والتوزيع، عمان.
  4. الموسى، سليمان (1985)، عمان عاصمة الأردن، منشورات أمانة العاصمة، عمان.

العاصمة الأردنية العمونية – ربّة عمون

المقدمة

استعرضنا في أبحاثنا السابقة من سلسلة الأردنيين الغساسنة جوانب مهمة من تاريخ وحضارة المملكة الأردنية الغسانية التي انطلقت من حوران الأردنية وتمركزت لاحقا في البلقاء. وفي هذا البحث نستكمل الحديث عن جانب مهم من جوانب الحضارة الأردنية الغسانية وهو جانب العمران.

لم يغفل الأردنيون الغساسنة عن التفنن في المعمار، فاقتبسوا الطرز البيزنطية ومزجوها مع الطرز الفارسية. وغالبا ما تركزت بناهم حول الكنائس والأديرة والمجامع الرهبانية. يتميز العمران الغساني الأردني بالفسيفساء، الفن الأردني الخالص الذي نراه جليا في الكنائس الأردنية.

أولا: المصادر الدينية

ساهمت الأديرة التي انتشرت في كل مناطق مملكة الأردنيين الغساسنة في عدة أمور أهمها “رسالة رؤساء الأديرة العرب” المكتوبة 570 ميلادي. فصحيح أن كل الأديرة كانت ذات عمران متميز، ومساحات زراعية واسعة ساهمت، بحسب الباحثين، في النهضة الزراعية والتجارية للبلاد، إلا أن الوثائق التي تركتها لنا الأديرة هي الكنز الثمين الذي سنتتبّع من خلالها طبوغرافية مملكة الأردنيين الغساسنة، وأماكن توزع الأديرة والكنائس.

وبالعودة لأهم وثيقة دينية حصلنا عليها، تُعد وثيقة رؤساء الأديرة العرب نصا دينيا يمثل جوهر الإيمان الأرثوذكسي (المونوفيزي) (خلف:2008) فالأردنيون الغساسنة كانوا مسيحيين على المذهب الذي يؤمن بالطبيعة الواحدة للمسيح وكانوا مخلصين دافعوا طوال الأربع قرون عن حريتهم في ممارسة تعاليم مذهبهم. ويُرجع مؤرخو الكنيسة الفضل للملك الأردني الحارث بن جبلة لعدم ضياع هذا المذهب.

تكمن أهمية هذه الوثيقة بكونها تحمل توقيع 137 رجل دين، أغلبهم من رتبة الأرشمندريت (رئيس دير) وعدد قليل من الشمامسة والكهنة. (خلف: 2008)

تمنحنا هذه التواقيع تأكيدا على أن الأردنيين الغساسنة عرفوا اليونانية إلى جانب السريانية والعربية. فهناك 18 قس وقعوا باليونانية و34 وقعوا بالسريانية وواحد لا يجيد الكتابة وأكثر من خمسين وقعوا بالنيابة (خلف: 2008) وكان التوقيع الشخصي يرفق باسم الدير وموقعه.

ثانيا: البناء على طول خط التجارة

خريطة الطريق العربي الغربي وهو طريق تجاري استحدثه الأردنيون الغساسنة وكانوا مسؤولين عن حمايته. المصدر:
Shahid. E (2009) Bazantinum and Arab in the sixth century

كنّا قد تناولنا في بحث منفصل عن طرق التجارة الأردنية الغسانية كيف عمل الأردنيون الغساسنة على استحداث ثلاثة طرق تجارية جديدة متفرعة عن طريق الحرير التجاري الرئيس. كانت الطرق الأردنية الثلاثة (طريق وادي السرحان – الطريق البحري – الطريق العربي) تمر بأهم المدن والحواضر الأردنية وقد دعت الحاجة حينها لبناء الأديرة على طول هذه الطرق. ونتيجة لهذا الامتداد التجاري الواسع إضافة لكون الأردنيين الغساسنة يضطلعون بمهمة حماية القوافل التجارية وتأمينها؛ اتصفت الأديرة على طول هذه الخطوط بأنه أشبه ما تكون بقلاع منيعة مسورة وأبراج عالية للمراقبة. (خلف: 2008)

ثالثا: الأديرة الغسانية

إن كانت تلك المدن والحواضر قد اندثرت آثارها اليوم فهي مذكورة في الوثيقة الرسمية التي ترجمت من السريانية إلى اللاتينية من ثم إلى العربية، ولو اختلف رسم الأسماء بشكل أو بآخر كان من السهل أن نتتبع مواقع الأديرة الأردنية الغسانية وذلك لأن كثير من المدن والقرى الأردنية لا زالت تحمل اسمها من العهد الأردني الغساني وحتى الآن. وسنستعرض تاليا أسماء الأديرة في المدن والقرى الأردنية التي وقع رؤساؤها على وثيقة “رؤساء الأديرة العرب”

طورا حرثا (دير جبل الحارث)

آثار قويلبة “أبيلا” في حرثا إحدى مدن الديكابولس الأردنية

تكريما للملك الأردني الغساني الحارث بن جبلة، سميت منطقة حرثا باسمه، أما طورا حرثا فهي الاسم السرياني لدير جبل الحارث. (خلف: 2008) ويعتقد أن هذه المدينة امتدت بشكل واسع شمالا في سهول حوران الأردنية.

وحرثا اليوم قرية في أقصى شمال الأردن وتتبع للواء بني كنانة. وتحوي واحدة من أهم مدن حلف الديكابولس الأردنية: مدينة أبيلا أو كما تسمى اليوم (قويلبة).  وبحسب الأبحاث والدراسات المستمرة على المنطقة يُعتقد بأنّ المدينة الحالية مبنية على مدينة كاملة مدفونة.

حريمايا (حوش حريمة – دير حريمايا)

سهول حريما الخضراء

تعني حريمايا الدير المقدس. وقد وقع رئيس ديرها القس جرجس على الوثيقة. وحريما اليوم قرية أردنية تبعد 10 كلم شمال مدينة إربد وتتبع للواء بني كنانة.

عقربا (دير مار اسطفانوس دير الأباتي تيطس)

عقربا المطلة على نهر اليرموك

ديرين في مدينة واحدة، فلا بد أن تكون عقربا ذات أهمية ومكانة خاصة لتحوي ديرين بحسب الوثيقة. أما اسمها “عقربا” فهي صيغة آرامية لكلمة “عقرب” العربية. (خلف: 2008) وهي اليوم إحدى قرى الكفارات في إربد تطل على نهر اليرموك وتتبع إداريا للواء بني كنانة .

حوارة (دير برج حوارة)

لافتة بلدة حوارة في إربد

وقع على الوثيقة القس مار بولس رئيس دير برجا حوارة (برج حوارة). وحوارة اليوم مدينة أردنية عامرة تبعد 4 كلم شرق مدينة إربد.

 جديراثا (دير جديراثا)

إطلالة على آثار أم قيس

جديرا أو جدارا، مدينة أم قيس الشهيرة بآثارها. جدارا إحدى مدن الديكابولس الأردنية وتقع في الشمال. تحتوي على كنيسة قديمة، وقع عن الدير فيها (يوحنا) بالنيابة عن القس مار إيليا رئيس الدير. (خلف: 2008)

كفر جوزا (دير كفر جوزا)

سهول كفر جايز الخضراء

لا توجد قرية أو مدينة تسمى حرفيا بمثل هذا الاسم ولكن من الأرجح أنه قد تم تحويره ليصبح “كفر جايز” وهي حاليا قرية من قرى شمال غرب إربد. وقد وقع بالنيابة الشماس أيوب رئيس دير كفر جوزا.

عين جرا (دير عين جرا)

يُرجح أن عين جرا هي الاسم الأصلي لعنجرة وهي بلدة أردنية تقع في لواء قصبة عجلون. وقد وقع الشماس بولس على وثيقة رؤساء الأديرة العرب بالنيابة عن الدير فيها.

دير كيفا

تحمل اسم كيفا قرية “كفر كيفيا” في إربد. وكيفا كلمة سريانية تعني الصخرة وهي اسم لبطرس الرسول. (خلف: 2008) والقرية مشتهرة بآثارها القديمة ويرجح أن الدير كان موجودا ولكنه اندثر.

أفا (أيوبا -دير أيوبا)

أفا كلمة سريانية وعند كتابتها بالعربية تقلب الفاء باء.  وتحمل “كفر يوبا” اسما قريبا معدلا عن “ايوبا”. وهي  قرية أردنية تعد من أكبر قرى إربد وتبعد عن الوسط 3 كلم. وقد وقع على الوثيقة القس نطيرو رئيس دير أيوبا.

غسانيا (دير غسانيا)

أما في سهول حوران الأردنية فيمتد تل غسان الذي سمي نسبة للغساسنة الأردنيين وفي الموقع مغاور وكهوف تعود للعصر النبطي والروماني والغساني إضافة لبقايا معاصر عنب وزيتون وبرك مياه وقنوات وآثار طرق قديمة (خلف:2008)، ولكن لا أثر للدير فيعتقد أنه تهدم بفعل عوامل الزمن واندثر ولكن آثار الموقع تدلل على أهميته. وقد وقع القس يوحنا رئيس دير غسانيا بالنيابة عن مار إيليا رئيس الدير.

بهذا نكون قد استعرضنا الأديرة المذكورة وفقا لوثيقة رؤساء الأديرة العرب السريانية. ويدل هذا الانتشار الكثيف للأديرة على أهمية المواقع التي بنيت فيها وعلى ازدهار العمران الديني لدى الأردنيين الغساسنة.

رابعا: الكنائس

كنيسة القديس سرجيوس في الجابية

الجابية عاصمة الأردنيين الغساسنة الأولى ومن المفترض أن تحوي عدة كنائس ولكن وثيقة رؤساء الأديرة العرب لم تذكر سوى كنيسة واحدة تدعى كنيسة القديس سيرجيوس أو سرجس (شهيد: 2002) وهي كنيسة بنيت لتمجيد ذكرى الشهيد القديس سرجس أو سركيس شفيع الغساسنة والذي تتوسط أيقونته الشعار الحربي للأردنيين الغساسنة.

شعار المملكة الغسانية وفي المنتصف أيقونة القديس الشهيد سركيس

كنيسة بيت غسان

يصلنا ذكر هذه الكنيسة من كتابة “الإصابة في تمييز الصحابة” لكاتبه العسقلاني وفيه يذكر “ابن أرطبان” ويزيد على أن أرطبان ” هو شماس كنيسة بيت غسان” ولا تذكر مصادر أخرى هذه الكنيسة (شهيد: 2002)

كنيسة يوحنا المعمدان

يدلنا نقش ثنائي اللغة وجد في حرّان (منطقة في سهول حوران الأردنية) على وجود كنيسة بناها “شراحيل بن ظالم” لتمجيد القديس يوحنا المعمدان عام 463. ويمنحنا هذا النقش تصورا عن طبيعة الحكم لدى الغساسنة حيث من الواضح أن شراحيل كان فيلارخا (أي أميرا) غسانيا ولكنه غير مذكور خارج هذا النقش ولا في أي مصدر آخر. (شهيد: 2002)

كنيسة نجران

يذكر معجم البلدان وجود عدة مناطق تحمل اسم نجران واحدة في سهول حوران الأردنية والثانية في جنوب الجزيرة العربية. والأرجح أن الكنيسة المقصودة هي في نجران حوران الأردنية. كان أهالي نجران يعتنقون ذات المذهب المسيحي الذي يعتنقه الأردنيون الغساسنة ولذلك نشأت روابط قوية بينهما (شهيد:2002)  ذكر ياقوت الحموي  وجود “بيت” أي كنيسة في نجران وقد مدح جمال هذه الكنيسة وروعة مذبحها، فيقول هي بيعة عظيمة عامرة حسنة مبنية على العمد الرخام منمّقة بالفسيفساء وهو موضع مبارك[1]

كنائس جلق

جلق مدينة من مدن حوران الأردنية – تقع في الأراضي السورية حاليّا- وكانت بمثابة عاصمة أخرى من عواصم الأردنيين الغساسنة ويأتي ذكر كنائس جلق من شعر يزيد بن معاوية حيث يقول واصفا محبوبته بأنها تبيت في “بِيَع جمع بيعة وهي الكنيسة”  ويصفها بأن ذات قباب ويحفها الزيتون (شهيد: 2002)

نزهة حتى إذا بلغت … نزلت من جلق بيعا

في قباب وسط دسكرة … حولها الزيتون قد ينعا [2]

كنائس حوارين (إيفاريا)

حوارين قرية من قرى سهول حوران الأردنية وكانت تسمى إيفاريا. ومن المؤكد أن إيفاريا احتوت على كنيسة واحدة على الأقل بدلالة أن القس يوحنا (519) قس إيفاريا كان من أوائل القساوسة عند الأردنيين الغساسنة. كما تذكر المصادر أن المنذر ذهب لإيفاريا لافتتاح كنيسة  (شهيد: 2002)

كنيسة تل العميري

النقش اليوناني المكتشف في كنيسة موقع تل العميري

كشفت التنقيبات في موقع  تل العميري عن كنيسة أثرية تعود للعهد الغساني. موقع تل العميري أحد المواقع الأثرية الشهيرة ويقع قرب منتزه عمّان القومي في العاصمة وهو منطقة مأهولة بالبشر منذ العصر الحجري. يذكر النقش الذي تم اكتشافه أنه تم رصف مقام القديس سرجيوس ( سركيس)، شفيع الأردنيين الغساسنة بالفسيفساء، وبأن هذا العمل مهدى للملك الأردني الغساني المنذر بن الحارث. ويخلد النقش أيضا بناء الكنيسة التي تم التنقيب عن آثارها حديثا ليتم الكشف عن صحنها وخزان ماء وعدة مرفقات أخرى.

صورة جوية لكنيسة تل العميري الأردنية الغسانية

ترجمة النص عن اليونانية: “يا رب ، تقبل قربان المتبرع صاحب الكتابة ، عبدك موسيليوس و أبناءه
يا رب يسوع المسيح ، إله القديس سرجيوس ، احمي القائد بالغ التعظيم المنذر
يا إله القديس سرجيوس ، بارك خادمك أوزيبيوس وأبناءه!
يا إله القديس سرجيوس ، بارك ابنك يوانيس مع زوجته وأولاده!
يا إله القديس سرجيوس ، بارك خادمك عبد الله وديونيسيوس و [- – -]!
في عهد الأسقف بوليوكتوس ، المحبوب من الله ، تم رصف هذا الضريح للشهيد القديس سرجيوس بالفسيفساء بسعي من ماري ، ابن ربوس ، الكاهن الأكثر تقوى ، وجورجيوس الشماس ، وسابينوس وماريا. في شهر أبريل في وقت [..].” [3]

إشكاليات تاريخية

طرح العديد من الباحثين في علوم الآثار قضية أن الآثار والقصور الأموية تعود في الحقيقة للأردنيين الغساسنة. تم الاستدلال على هذه الفكرة بأسلوب المعمار والزخارف والرسوم التي تزين القصور. ومن المعلوم أن العادة جرت على تحويل المباني إلى اسم ودين الحاكم الجديد. فالمعابد الوثنية تم تحويلها لكنائس عند تحول الإمبراطورية الرومانية للمسيحية، والكنائس المسيحية تم تحويل الكثير منها لمساجد عند سيطرة الحكم الإسلامي عليها.

قصر المشتى أحد أهم القصور في البادية الأردنية

قصر المشتى أحد أهم القصور الصحراوية في الأردن والشهير بالواجهة المزخرفة التي قام الاحتلال العثماني بنزعها واهدائها للقيصر الألماني تماشياً مع سلوك ادارة المزرعة بتلك الحقبة المظلمة من تاريخ الأردن، ما زال هذا القصر يثير الجدل إلى الآن. فيرى المؤرخان كبرنوف ونودلكه أن القصر غساني ويعود للقرن السادس الميلادي، أما سترزغوتسكي  فيرى أنه يعود للقرن الثالث أو الرابع الميلادي، وجانسن وسيرغناك يقولان بأنه غساني أو لخمي (مناذري).

يواجه الباحثون قضية أخرى متعلقة بكل الآثار الرومانية المبنية ضمن حقبة حكم الأردنيين الغساسنة. فالمدرج الروماني والكنائس البيزنطية ككنيسة الخارطة في مادبا، كل الآثار التي بنيت على أرض الأردن في تلك الفترة تطرح سؤالا مهما. وقد ثبت أن الأردنيين بمختلف تنوعهم السكاني (القبائل الأردنية في البادية والحضر – إدوميين – أنباط – غساسنة … الخ) قد بنوا هذه المباني والآثار فلماذا ما زالت تُنسب حتى الآن إلى الرومان أو البيزنطيين والأمويين أحيانا أخرى؟

خارطة مادبا الفسيفسائية

من المتعارف عليه أن المناطق الواقعة تحت النفوذ الروماني ستتبع الأسلوب الروماني في البناء، وفي أفضل الحالات سيؤدي التلاقح الحضاري لاقتباس بعض السمات المعمارية كما هو الحال مع الخزنة في البترا المبينة على الطراز الروماني. وعلى هذا، صحيح أن المدرجات والكنائس الأردنية القديمة مبنية على الطراز الروماني إلا أنها وبكل تأكيد بنيت بأيد أردنية، وباتت تستحق استعادة هذا النسب وإعادة تدقيق الوصف والمُسمى الأثري والتاريخي لها.

الخاتمة

استعرضنا في هذا البحث المصادر التي اعتمدنا عليها في تتبع الأديرة والكنائس الأردنية الغسانية. الكثير من العمران يثبت مدى التفوق والرقي والاهتمام الكبير الذي أولاه الأردنيون الغساسنة لهذا الجانب الثقافي من حضارتهم التي امتدت لأربعة قرون.

المراجع

  • Shahid, (1995) Byzantium and the Arab in sixth century, VOL.2, Part 1, the Toponymy, monuments and historical geography, Dumbarton Oaks Research library: Washington D.C
  • خلف، تيسير، كنيسة العرب المنسية (2008) دار التكوين، دمشق: سوريا
  • واجهة قصر المشتى.. تحفة فنية أردنية في برلين، صحيفة الدستور، نوفمبر 2015

[1] ياقوت الحموي، معجم البلدان الجزء الخامس، الصفحة 270

[2]  السيوطي، تاريخ الخلفاء، الجزء الأول، ص 159

[3] حقوق الترجمة محفوظة للباحث تيسير خلف.

العمران الأردني الغساني

مقدمة

اهتم الأردنيون الأنباط بفن العمارة بشكل واسع، وهذا ما يؤكده الإرث العمراني الضخم الذي خلفوه، وما يزال قائماً حتى يومنا هذا بكل شموخ وصلابة، وحيث أن عمر الحضارة الأردنية النبطية امتد على مدى قرون، فقد كان الفن المعماري النبطي متباينا، ومتطوراً باستمرار، حيث بلغ من البذخ في ذروة هذه الحضارة، ما سبق حضارات استعمارية ضخمة، ونورد في هذا البحث ملامح هذا الفن العظيم الذي أولاه أجدادنا الأردنيون الأنباط اهتماما منقطع النظير، بطريقة تساهم في تعزيز فهم القارىء لما يراه ماثلا بعينه من إرث عمراني يشكل قفزة ضخمة في فن العمارة على مستوى البشرية.

في هذه المدخل البحثي من إرث الأردن تقرؤون الجزء الرابع من سلسلة الفن المعماري عند الأردنيين الأنباط.

أنماط وسمات الهندسة المعمارية عند الأردنيين الأنباط

جرت عمليات البناء لدى الأردنيين الأنباط ضمن أُطر محددة بتناغم مع الطبيعة والعوامل البيئية فضلاً عن نوعية المكان والذي بدوره أغنى هذه الحضارة ومنحها هويتها الحضارية التي تميزت بها عبر باقي العصور السابقة واللاحقة، وكما ذكرنا سابقاً فقد قُسمت العمارة في الحضارة الأردنية النبطية إلى قسمين رئيسيين الأول يختص بالعمارة الدنيوية أما الثاني يختص بالعمارة الدينية وفيما يلي تفصيلٌ عن القسم الثاني منها.

العمارة الدينية في الحضارة الأردنية النبطية

 عمارة المعابد الأردنية النبطية

اهتم الأردنيون الأنباط بتزيين وتعظيم معابدهم، حيث اختلفت المعابد النبطية في بنائها ومعمارها على حسب البيئة الطبيعية التي تواجدت فيها والتي بدورها شكلت فضاء روحيا خاصا.

ومن الجدير بالذكر أن بعض المعابد قد تحولت إلى أضرحة ولكن معالمها الأصلية صمدت، وقد شكلت خزنة فرعون أنموذجا رائعا للعمارة الأردنية النبطية التي لا زالت راسخة إلى اليوم، فقد بدت الخزنة وكأنها مدفونة داخل صخر جبل المذبح الذي نحتت فيه، وقد تكونت من طابقين؛ الطابق السفلي مزين ومسنود بستة أعمدة من الطراز الكورنثي وتحمل فوقها سطحا نقش عليه رسمان لأبي الهول ورسمان لأسد ولفهد وعلى الجانب الأيمن من الأعمدة نرى رجلا حافي القدمين يقود جمل، وأفعى تحاول لدغ رجل في قلبه على اليسار، كما نرى المثلث الهليني ضمن مساحة مزخرفة معتلية الأعمدة، وتكون الطابق السفلي للخزنة من ثلاث اسطوانات تفصل الواحدة عن الأخرى كوتان اثنتان نحتتا في الصخر، وتكونت الأسطوانة الوسطى من عمودين يعلوهما تاج نصف دائري محزز وجرة فوقها تمثال للإله العزى .

لقد اشتركت المعابد في العديد من الأمور من بينها النقوش والمنحوتات ولعل أكثر المنحوتات بروزا تلك التي نراها للأمازونات الواقفات بثياب قصيرة رافعات سلاحهن من البلطات فوق رؤوسهن، بالإضافة إلى منحوتات لنساء بأجنحة يٌعتقد بأنهن أحد أشكال الملائكة وتزين شرفة الطابق برسومات الزهور والثمار والنسور .

كما قسم الباحثون في الحضارة الأردنية النبطية المعابد إلى قسمين معابد شمالية وجنوبية، فقد تميزت المعابد الشمالية ذات المساحة المستطيلة مع المقعد الدائري المنتصب بانتظام أمام المعبد والذي شكل جزءا من تصميم المبنى، أما المعابد الجنوبية فقد قسمت إلى أجزاء تمثل الأول بمقدس وفي كل جزء غرفة واسعة ومن ثم تأتي الأجزاء الثانوية، ومن الجدير بالذكر أن بعض المعابد لها علاقة مباشرة مع الثراء لا سيما في الفترة بين القرن الثاني قبل الميلاد حتى القرن الثاني الميلادي والذي اتضح فيه التزايد في عدد المباني الدينية والآلهة الحامية، كما كانت كلمة (م ح ر م ت) والتي تعني مكانا مقدسا أو محرابا أكثر من كونها معبدا، كما شاعت عدة كلمات للمعابد ككلمة ( ب ي ت ا) والتي تعني بيت الآلهة .

أ. معبد بعل شمين  

يقع المعبد في سيع ويمتاز بأنه أكبر المعابد في تاريخ المملكة الأردنية النبطية وقد تم تكريسه لعبادة الإله بعل شمين إله الخصوبة، كما تضمن شتى تفاصيل المعابد الأردنية النبطية بجميع تقسيماتها، كما غطى المعبد الخارجي ما مساحته 19*20 م، وعند الدخول من الممر الذي يلي المدخل عبر الرواق فيقودنا إلى المقام الداخلي والأبراج ذات المداخل الثلاثة، أما مساحة المقام الداخلي فقد قُدرت بـ 8.28*7.26 م، كما تشكلت وسط المعبد صومعة مفتوحة للسماء بأربعة أعمدة ذات قواعد حرة وقد كانت مكاناً عالياً للعبادة ومن المعتقد أنها مقبرة مركزية، بلغت المساحة المكشوفة بين المقام الداخلي والخارجي للمعبد أربعة أمتار، وتم العثور على عدد كبير من النقوش النبطية واليونانية في بقايا المعبد والتي بدورها ساعدت على تأريخ مراحل عديدة لهذا المركز الديني، وأكثر النقوش أهمية هو نص تكريس المعبد والذي تم تأريخه بين 33/32 أو 2/1 قبل الميلاد، والذي باكتشافه ساعد على تحديد أجزاء متعددة من هذا المعبد كالمقامات الداخلية والخارجية بالإضافة إلى أروقة المعبد المغطاة في الساحة، بالإضافة إلى المسرح الذي امتلك مكانة بارزة في حياة الأردنيين الأنباط خاصة في شعائرهم الدينية والذي أثبته نص آخر وُجد أيضاً في هذا المعبد، كما عُثر على العديد من الموجودات الأثرية التي من المرجح أنها كانت تُؤخذ للطقوس التعبدية والولائم الجنائزية، والتي تم شرحها من خلال عدة أجزاء مزخرفة تم اكتشافها في معبد خربة التنور.

ب. معبد الأسود المجنحة في البترا

يعد معبد الأسود المجنحة من أكبر المعابد الأردنية النبطية كما يُعد بناءً فريدا زود الباحثين بآثار نادرة عن الأردنيين الأنباط وعباداتهم، يُطل المعبد على البوابة الرومانية الثلاثية المتصلة بالشارع، مطلاً على طريق الجسر فوق مجرى المياه في لحف جبل، كما تشير الأسود المجنحة  التي يمكن أن تكون رمزا للإلهة العزى ومن المرجح أنه كان مكرسا لعبادة الإلهان العزى آلهة المرتفعات والإله دوشرا إله الشمس والخمر معاً، ومن المُعتقد أن المعبد قد بُني حوالي 27 ميلادي، وتكون المعبد من شرفة أمامية تتقدمها أعمدة بطول 9,5 م ويتم الدخول منها عبر البوابة العريضة إلى قاعة المعبد الرئيسية ذات الشكل المربع المحيط بالأعمدة التي بنيت في الجدران، وبداخلها صفان من الأعمدة، ووُجدت منصة المذبح بارتفاع 1.3 م في أقصى القاعة، كما وُجد على جانبي منصة المذبح إلى الجهة الأمامية مدرجات ذات أبواب حديدية، حيث كان يجري الطواف حول المنصة التي كانت ترتفع عليها أنصاب الآلهة، كما تقع خلف المنصة فسحة توضع عليها التقدمات التي تقدم كهدايا ونذور للمعبد والتي وُجد فيها تماثيل للآلهة، ومن الجدير بالذكر أن قواعد الأعمدة تكونت من حلقة رخامية تحيط بالقاعدة الحجرية كما استخدم الرخام البني لأعمدة المنصة بينما استخدم الرخام الأبيض لباقي الأعمدة أما تاجيات الأعمدة المزخرفة فقد مُثلت على زوايا بعض منها أسود مجنحة ومن هذه الأسود جائت تسمية المعبد ومن المُرجح أن تكون هذه التاجيات لأعمدة المنصة .

بُلطت أرضية القاعة الرئيسية بالرخام الأبيض المموج بالبني بينما بُلطت المنصة بالرخام الأبيض والأسود وزُخرفت جدران المعبد الداخلية بالرخام والقصارة الملونة والجص وعُثر على قطع جصية بأشكال رؤوس آدمية وأقنعة مسرحية وأشكال أزهار مثبتة على الجدران أما بالنسبة للسقف فقد كان مقوساً ومغطى بالقرميد .

ووقعت عدة منشآت سكنية وراء جدران المعبد الخلفية بالإضافة إلى مشاغل الدهان وتصنيع المعادن والمذابح ومعصرة زيتون ودرج رخامي فضلاً عن مشغل للرخام عُثر فيه على قطع من كتابة نبطية أُرخت للسنة السابعة والثلاثين من حكم الحارث الرابع أي لحوالي 26-27 ميلادي، ومن المرجح أن يكون تاريخ هذه الكتابات مرتبط بتاريخ بناء المعبد أي في حدود نهاية القرن الأول قبل الميلاد، ومع بداية القرن الثاني من الميلاد كان المعبد قد أُحرق وتهدم ثم أعيد بناؤه كمنازل صغيرة واستعمل حتى منتصف القرن الرابع الميلادي حتى تهدم في الهزة الأرضية عام 363 م .

ج. معبد قصر بنت فرعون

سُمي اختصارا بقصر البنت ولعل هذه التسمية الشعبية لمعبد الإله ذو الشرى، يقع المعبد على النهاية الغربية لوادي موسى تحت الجبل الحبيس على منصة ضخمة بمساحة 60*120 م في الساحة التي تلي البوابة التذكارية الرومانية، ويُرجح أن يكون قد بُني في النصف الثاني من القرن الأول قبل الميلاد وترتفع جدران هذا المعبد إلى ما يُقارب 23 مترا، وبُنيت بوابة المعبد على شكل بوابة مقوسة، وقد كان مخطط المعبد مثيراً للاهتمام من حيث تقسيمه فقد بُني ضمن صنف صندوق في صندوق الذي بُنيت عليه الكثير من المعابد الأردنية النبطية، فيما كانت طقوس العبادة في هذا المعبد من تضحية الحيوانات على المذبح الكبير في الساحة حيث يتم حرق البخور بوصوله للسقف وعند الانتهاء من هذه الطقوس كانت تُقام وليمة فاخرة، ومن المُرجح أن يكون المعبد هو المكان المُقدس في بترا والذي تم تكريسه للإله دوشرا إله الشمس والخمر.  

تميز معبد قصر البنت بمخطط أرضي واسع وكبير كما يحيط بالمعبد باحة خارجية مربعة الشكل أو على وجه أدق قد تكون مائلة للاستطالة قليلاً كما لم يتبق من السور الخارجي إلا أساساته، كما وُجدت ثلاث حنايا صخرية على جدرانه الثلاثة بالإضافة إلى بوابته في الجدار الرابع .

زُينت الواجهة الشمالية للمعبد بأربعة أعمدة كان يُصعد إليها من خلال درج من الرخام الأبيض وأٌقيم فيها مذبح للتقدمات يقع إلى الشمال بمواجهة قدس الأقداس، كما كان الكهنة يدخلون إلى المعبد من الفناء الخارجي إلى الهيكل ثم من بين الأعمدة  ومن الجدير بالذكر أن أنصاب الآلهة كانت ترتفع على منصة في المحراب الأوسط، وفي المرحلة الثالثة أُضيفت دعامات خارجية للجدران في القرن الثالث وأُقيمت مرافق للسدنة حول المعبد، كما بُنيت قرية شمال المعبد تتألف من عدة بيوت تتوسطها ساحات مركزية وفيها حمام وظلت مأهولة حتى العصر البيزنطي .

ويوضح المخطط الداخلي للمعبد تناظراً متوازناً لأقسام المعبد حيث تقع غرفتان كبيرتان على اليمين واليسار معاً بينما تقع الغرف الأصغر إضافة إلى المخازن في عمق المعبد إضافة إلى غرفة مركزية تتوسط المعبد .

كما زُينت المنطقة المحاذية للمبنى بتصاميم حرم وأزهار هندسية بألوان متنوعة، وطُليت الأعمدة الداخلية بالحصى، ومن المُرجح أن المعبد كان مخصصاً لعبادة اللات ورُجح تاريخ بناؤه إلى النصف الأول من القرن الثاني الميلادي، وقد ذكر بعض المؤرخين أن المعبد كان مكرساً لعبادة الإله ذي الشرى ولأمه العذراء وهي العزى أفروديت وتم التأكد من ذلك عن طريق أجزاء من النصب المزينة بعينين يتوسطها الأنف بالإضافة إلى الكتابات التي أكدت هذه الرواية .

تم استعمال المعبد في العصر الروماني من القرن الثاني الميلادي ثم تعرض للنهب والحرق في أواخر القرن الثالث قبل أن يضربه زلزال 363 م .

د. معبد رم  

يعد معبد رم من أهم المراكز الدينية الأردنية النبطية، ويعود تاريخ تشييده إلى القرن الأول قبل الميلاد، وقد تم بناؤه على ثلاث مراحل.

تألف المعبد من بناية خارجية بطول 35*50 م وضم مقاماً داخلياً بطول 4*5 م، وبداخله صومعة مفتوحة باتجاه الشرق تحتوي في جدرانها الثلاثة على أعمدة متلاصقة بالإضافة إلى غرف جانبية، وقد ذكرنا أنه قد تم بناء المعبد ضمن ثلاثة أطوار، حيث ظهرت الأبراج المحتوية على درج بالإضافة إلى أجزاء أخرى في الطور الأول، وفي الحقبة الأولى كانت الصومعة محاطة بممر مشكلاً ساحة ذات أعمدة مفتوحة على الغرف الجانبية، كما تم اكتشاف درج أمامي عريض وتماثيل الآلهة التي وُقرت في هذا المعبد ومن المرجح أن تكون الآلهة هي اللات قرينة دوشرا إضافة إلى الآلهة الأخرى كـ بعل شمين سيد السماوات والعزى سيدة الينابيع ويبدو أن وجودها في محله بسبب موقع المعبد القريب من الينابيع كنبع عين الشلالة، بالإضافة إلى سلسلة المياه السطحية العذبة التي تقع بين الطبقة الصخرية والجسم الحجري الرملي لمرعى جبل رم.

هـ. معبد خربة التنور

يقع معبد خربة التنور في الطريق الجنوبي بين الطفيلة ووادي الحسا حيث يبعد ما يقارب 8 كم شمالاً عن معبد الذريح ويعود تاريخ بنائه إلى القرن الأول قبل الميلاد والفترة التي تليه وقد كان مكرساً لعبادة الآلهة النبطية أترغاتس إلهة السمك والحبوب والفواكه والخضار والتي زُين تمثالها بقوس كبير يبرز قرن واضح في كل فتحة من فتحاته أما الحجر الأوسط للقوس فهو لنسر مبسوط الجناحين ومن الجدير بالذكر أن التمثال نُقل إلى متحف الآثار في عمان، كما كان مكرساً لعبادة الإله حدد والذي كان يرافقه الثور في تمثاله، بُني معبد خربة التنور على تل عال ومنعزل وسط الساحة المنبسطة على رأس جبل التنور وقد تبين أن المعبد بُني كهيكل أومذبح بينما جزئه السفلي كان عبارة عن صومعة أو مقدس، واحتوت البناية الأصلية للمعبد على منصة المذبح على شكل حرف U ومن الجدير بالذكر أنه كان يتم تجديد منصة المذبح في جميع أطوار هذا البناء كما وُجد درج متسلسل يقود إلى المذبح وإلى سقف البناية السفلي، كما تم تقدير حجم المعبد بما مقداره 36*47 م والتي غطت المعبد وساحته الكبيرة مع ملاحق في الشمال والجنوب من مساحة المعبد، امتلك المدخل بوابة واحدة من الجهة الشرقية وامتلكت البوابة أعمدة متوجة من الطراز الكلاسيكي الأردني النبطي وزُين كل عمود بلوحات ورسوم لنباتات كالقمح ومنحوتات بارزة من الحجر لنساء بأغطية رأس، كما احتوى المعبد في الجهة الشرقية باتجاه مدخل المقام الخارجي والمذبح على مقام خارجي مكشوف يضم في داخله مقاماً داخلياً فريداً ومساحته 3.7*4 م، كما احتوى المعبد على العناصر الضرورية للعبادة في ذلك الوقت كالمحرقة والتي وُجد فيها لاحقا رماد وعظام لضحايا ضمن حفر في أرضية الساحة ومكاناً لحرق البخور على قمة المقام بالإضافة لركن لولائم العيد في الغرف الملحقة بالمعبد والتي تم العثور فيها على حجرات مميزة في بعض منها .

و. معبد الذريح

 يقع المعبد في الجهة الشرقية من خربة الذريح على الضفة الشرقية لوادي اللعبان بالقرب من خربة التنور وتُقدر مساحته بـ 45*115 م  محتويا على ساحتين كبيرتين وقد بُني المعبد على واحدة من هذه الساحتين بمساحة 16.8*22.8 م، كما تم الاستدلال من خلال النقوش التي وُجدت في المعبد على وجود مسؤولٍ لعين المياه والذي كانت وظيفته هي السيطرة على الزراعة والري كما عُثر على نص يعود إلى القرن السابع ما قبل الميلاد، ومن الملفت بهذا المعبد هو واجهته الأمامية ذات التصميم والزخرفة الجمالية والدقيقة، كما تم العثور على عشرين معبد أردني نبطي شعبي لخدمة الأردنيين الأنباط وتسهيل عباداتهم .

ز. معبد التوانه  

جرت تسمية هذا المعبد تيمناً بمكان وجوده، وله عدة تسميات كمعبد ثونا باليونانية أو باللاتينية ثورنيا، ويقع هذا المعبد شمال شرق العاصمة الأردنية النبطية بترا على الطريق الروماني، وجُسدت بقايا البناء بالمعبد بمساحة 20*23.6 م والذي بُني داخل حصن بقياس 86*113 م، كما احتوى المعبد في الجهة الشمالية على ثلاث غرف مستطيلة ذات أبواب تتوسطها الغرفة الكبيرة كما ارتبطت هذه الغرف مع بعضها بأبواب داخلية، ومن الجدير بالذكر أن المعبد بُني على الطراز النبطي كمعبد القصر .

ح. معبد ذات الرأس  

يقع معبد ذات الرأس في شمال وادي الحسا ويُعد أصغر المعابد الأردنية النبطية هناك، حيث قُدرت مساحته بـ 9.85*31.85 م ويمتلك مدخلاً جنوبياً محاطاً بمحراب على الجانبين، اقتصر تصميم المعبد على مقدمة المعبد التي تظهر لنا عند الدخول من البوابة والمقام ومساحتهما 3.70*2.40 م، وبأقصى شمال المعبد يقع المقدس بمساحة 2.73*6.22 م أما بقية أجزاء المعبد فقد اقتصرت على البوابة الجنوبية التي تحتوي على ثلاثة مداخل .

ط. معبد مُحي  

عُرفت هذه البناية على أنها معبد لأنها امتلكت خصائص بناء المعبد الأردني النبطي على غرار معبد القصر، ويقع على المنحدر الأسفل لتلة واقعة شمال وادي الحسا على مساحة 12*23 م، تركزت المداخل الثلاثة في الواجهة الشرقية بالإضافة إلى برج سّلمي بعرض 4.05*5.5 م على الزاوية الشمالية الشرقية للمعبد، أما المعالم الداخلية للمعبد فلم يوجد أية بقايا للمعبد ما عدا البرج السّلمي والجدار الخلفي الذي تم تشييده لاحقاً .

ي. معبد قصر الربة  

يعد معبد قصر الربة من البنايات التي تم تعريفها لاحقاً بالمعبد، يقع هذا المعبد المعزول في قلب مؤاب شمال الربة، وقد تم بناء المعبد بعناية ودقة عالية حيث استُخدمت الحجارة الكبيرة مربعة الشكل وقُدرت مساحة البناية 27*31.60 م، وقسم إلى ثلاثة أقسام وصومعة بثلاثة مداخل، إلا في الجهة الجنوبية اذ احتوت واجهته الرئيسية على مدخلين وُضعت في رواق معمد عميق من أربعة أعمدة، كما احتوت الواجهة الأمامية على أبراج سَلمية، أما الأجزاء الداخلية للمعبد فقد كان تقسيمها ثلاثياً مشابهاً لمعبد التوانه .

ك. معبد ماعين  

تم الاستدلال على هذا المعبد بناءً على الزخرفة التي احتوت عليها البناية كما استُخدمت حجارة المعبد الكبيرة في بناء جدار بسيط في ماعين جنوب مادبا، ومن الأجزاء الباقية في هذا المعبد وُجد عمود مستطيل متوج مع بقايا قرنين وتمثال لرأس صغير متكسر وكان هذا التمثال مشابهاً للتماثيل الموجودة في المعابد الأردنية النبطية في السويداء وسيع وخربة التنور مما يُرجح أنها كانت أماكن تعبدية لنفس الإله .

ل. معبد السويداء  

احتوى معبد السويداء على جميع العناصر الرئيسية للمعابد الأردنية النبطية كالمقدس والصومعة بالإضافة للجدران المقسمة من حوله كما امتاز بعدد الأعمدة التي يمتلكها والتي احتضنت الصومعة، ومن الجدير بالذكر أن ترتيب رؤوس الأعمدة غير معروف كثيرا في القسم النبطي الجنوبي ولهذا السبب حمل الجزء السفلي للرأس صفين من أوراق الإقنثا، كما احتوى المعبد على جدار خارجي على شكل بهو معمد.

م. معبد أم الجمال 

اقتصرت أدلة التعرف على هذا المعبد الأردني النبطي الصغير الذي يقع في الزاوية الجنوبية الغربية لمدينة أم الجمال على واجهة بعمودين ولا تتوفر معلومات أوفى عنه.

ن. معبد جرش  

على الرغم أنه لا يوجد لحد الآن أية آثار على وجود مستعمرة أردنية نبطية في جرش، لكنها كانت تحمل اسم جرشو في نقش عُثر عليه في بترا بالإضافة إلى اكتشاف بقايا معبد بُني على الطريقة النبطية في جرش، وقد أكد على ذلك العديد من القطع النقدية الأردنية النبطية والتي عُثر عليها في أعلى جزء من مدينة جرش حيث وُجد المعبد، وقدرت مساحة المعبد الصغير الأصلي بـ 24*27 م كا اكتُشفت بقايا لثلاثة أعمدة وأجزاء لجداري المعبد الواقعة في النصف الشرقي من التيمونس، كما توسط المذبح الساحة وامتلك الرواق أربعة أعمدة بالإَضافة إلى قبو يُرجح أنه كان مكاناً للدفن أسفل الرواق، أما خلف الصومعة كانت هناك مساحة صغيرة شكلت المقدس، وفي الجانب الشمالي للساحة هناك سلسلة من الغرف الصغيرة متعددة الاستعمالات كغرف  للتخزين وللنوم، ومن الأمور التي دعمت هوية هذا المعبد أنه بُني على شاكلة المعبد ثلاثي الأجزاء في مؤاب .

س. معبد ذيبان  

تم ذكره في التوراة بمعبد ديبون ويقع إلى الشمال من قصر الربة، وتم بناؤه بجانب جدار مصطبة، تكون المعبد من حظيرة خارجية بمساحة 14.5*15.5 م يتم الصعود إليها من خلال سلمين عريضين يقودان إلى مقدمة المعبد والصومعة ذات التقسيم الثلاثي وإلى واجهته ذات العمودين، كما وُجد مدخلٌ يقود إلى المقام بمساحة 13*5 م، كما تم العثور على غرف سفلية ذات سقوف مقببة أسفل الصومعة على ما يبدو أنها كانت تستخدم كممر سري، كما احتوى المعبد على درج عريض في واجهته، واثنان من السلالم العريضة التي تقود إلى مقدمة وواجهة المعبد ذي العمودين، ومن الجدير بالذكر أن مخطط هذا المعبد متأثر بشكل كبير بمخطط معبد قصر البنت بحيث يمتلكان نفس مساحة المقدس الواسع بالإضافة إلى الصومعة ثلاثية الأقسام .

ع. معبد عبدة  

يقع المعبد في النقب ومُقام على جدار مصطبة ضخمة مع برجين ذا أدراج واقعة في الزوايا الشمالية الغربية والجنوبية الغربية للمصطبة التي تطل عليه، كما تكون البرج السُلمي من رصيف “ركيزة، دعامة” محاطة بصفوف الدرجات للسلالم والفسحات بين الدرجات والتي من خلالها يقودنا الدرج العلوي إلى رواق واسع يشغل الجزء الغربي لجدار المصطبة، وقد تم إعادة تكريس المعبد في منتصف القرن الثالث بعد الميلاد لزيوس كما اتضح من العديد من النقوش التي اكتُشفت في منتصف القرن الرابع بعد الميلاد، وقد تم هدم المعبد وبناء كنيسة في الجزء الشمالي منه .

ف. المقامات  

تعتبر المقامات من الأماكن التابعة للمعابد وعلى أية حال من المُرجح أن تكون معابد بدائية أو مزارات توضع فيها أنصاب تدل على العبادة وربما كان هناك غرفة واحدة للتعبد، ومن أهم المقامات هو مقام القمر على جبل عطوف الذي زُينت واجهته عمودان مخروطيان ينتهي بقمة كل منهما هلال، وربما كان هذا المكان لعبادة القمر .

ص. سبيل الحوريات  

يُعد سبيل الحوريات معبداً لآلهة المياه العذراوات بنات الإله أوقيانوس، وفي الحقيقة هناك سبيلان للحوريات أحدهما شمالي والآخر جنوبي يقعان في وسط العاصمة الأردنية النبطية بترا في الوادي الواسع الذي يفصل بينهما جبلا الخبثة والمذبح وجبلا الدير وأم بيارة، والذي يُعدان امتداداً لوادي فرسا ووادي الثغرة .

تكون سبيل الحوريات من نافورة على شكل عين ماء متدفقة مخصصة للعذراوات آلهة الينابيع وعيون الماء (النيمفات) وكان هذا المكان بمثابة أماكن سكن وعبادة لهن حيث جمعت في تكوينها المعماري بين المغارة والمنزل وعين الماء والمعبد، كما اكتُشف بقايا معبد أو هيكل صغير أمام السبيل .

ق. الأماكن المرتفعة “المعلاّيات”  

تعد المعلايات أحد الأماكن التعبدية البارزة وهي عبارة عن مساحة كبيرة ذات شكل بيضوي محفورة في جبل في وسطها مذبح للعطايا، ويتكون المذبح من مسلتين صخريتين تشيران إلى الإله دوشرا والإلهة العزى وكان المذبح بكامل مكوناته يشبه معبد الأضاحي المكون من بناية لها أبراج وحصن ومكونة من غرف وفناء مكشوف محاط من ثلاثة جهات بمصاطب مقطوعة من الصخر وخزان صغير للماء ومن أحواض القرابين والمسلات . وهناك عدد من المعلاّيات الأردنية النبطية في البترا أهمها معلى القرابين على جبل المذبح الذي يمكن الوصول إليه عن طريق المواكب النبطي الذي يبدأ بالصعود قرب المدرج مروراً بوادي المحافر .

ر. المسلات

كانت المسلات عبارة عن أنصاب عمودية ذات أربع وجوه تستدق قليلا كلما ارتفعت بالإضافة إلى بعض الخطوط والحزوز العرضية وانتشرت المسلات في أنحاء البترا وقد حمل بعضها كتابات ونقوش كما أن لبعضها قاعدة مدورة، ويقع ضريح المسلات على الجانب الأيسر من الطريق المؤدي إلى باب السيق، اذ انتصبت أربع مسلات أمام الضريح حمل بعضها كلمة الرقيم وهو الإسم السامي للبترا، وكانت الأنصاب في الغالب دلالة على وجود المقابر الأرضية أو المرتفعة بين الصخور .

ش. الموتاب  

ويُقصد بالموتاب  قاعدة عرش الإلهن وقد تم عبادتها كشيء بارز للإله يدعو إلى الوقار والإحترام ذلك لإن الإله نفسه روحي لا يمكن تصوره، وقد تم ذكر قاعدة عرش دوشرا مرتين في النقوش الأردنية النبطية، والذي شكل تطابقاً مع النصوص المدونة على ضريح التركمانية في البترا، والذي يسمى دوشرا “إله سيدنا وقاعدة عرشه (موتابه) المساوية لكلمة (حريشا)” واشتقاق كلمة موتاب من الجذر يتب بمعنى يجلس، كما فُسرت كلمة حريشا بمعناها المحروس أو المحص، وتُعد مقارنتها مع الكلمة العربية حرس صحيحة كما أنها تُعطي معنى الديوان أيضاً.

ت. النُصب  

قد يُطلق عليها المنحوتات وهي عبارة عن حجارة منحوتة تشير إلى إله أو مركز وقد تكون أيضاً منحوتات بلا ملامح أو على شكل حيوانات دالة وقد اكتُشفت العديد من النصب في البترا.

نصب الأسد

 يقع باتجاه الإنحدار من معلّية المذبح إلى وسط المدينة باتجاه وادي فرسا، وهو عبارة عن أسد كبير تخرج من فمه نافورة ماء، ويشير إلى الإلهة العزى حامية المدينة .

نصب الأفعى  

تنتصب الأفعى الحجرية على قاعدة صخرية مربعة الشكل في وادي الثغرة وتشير إلى الآلهة الأم ومن المرجح أن تكون اللات أو العزى .

نصب النسر

ويقع فوق التلة التي تمر من نفق المثلم على اليمين منحوتاً على كوة ومنفرشاً في وسطها، إلا أنه غير واضح المعالم وربما أشار هذا النصب إلى الإله دورا إله البترا .

زب فرعون  

وهو نصب حجري يقع خلف المعبد الكبير في البترا وقد شاعت هذه التسمية الشعبية له وربما أشار إلى الإله دوشرا .

ث. المسجدا (الكوة)

يسمى محراب العبادة لدى الأردنيين الأنباط مسجدا وتعني هذه الكلمة المكان المقدس أو الهيكل وهي عبارة عن حنايا حجرية وكوى بيضوية ومستطيلة داخل جدار أو صخرة تشبه المحراب ونُحتت فيها رموز أو أشكال الآلهة وقد وُضعت فيها تماثيل الآلهة وانتشرت هذه الحنايا في البترا وفي السيق البارد حيث عُثر عليها في الصخور المتصلة بجبال أو الصخور المنفصلة، وفي السيق البارد هناك عدد كبير من الحنايا للإلهين ذو الشرى والعزى واقفين بين فهدين وذُكر فوقهما اسم التاجر الذي تبرع بنحتهما وهو سابينوس الكسندروس .

خ. المغارات

وهي عبارة عن كهوف اتخذها العابدون أماكناً للتنسك والزهد وعملوا على تطوير شكلها البدائي ليجعلوه ملائماً لعبادتهم وسكنهم بما يروه مناسباً من رموز وإشارات ومنحوتات وأشكال الآلهة، ومن أشهر المغارات في البترا مغار النصارى الذي يقع غرب منزل دورثيوس وقد تميز بصلبان محفورة على الجدران .

ألواح الجن

تعتبر هذه الألواح نوعاً من الأنصاب الحامية للمدينة لأنها تشير إلى الإله دوشرا حامي المدينة، ومن المُعتقد أن تكون استخدمت أيضاً كخزانات مياه إلا أن هذه النظرية ضعيفة لعدم اتصالها بقنوات تدخل وتخرج المياه منها، وقد تعددت تسمياتها حيث كانت تسمى بصناديق الآلهة لاعتقاد الأردنيين الأنباط بوجود قوة روحية فيها كالجن والتي احتلت مرتبة تلي مرتبة الآلهة عند الشعب الأردني النبطي، وتعد ألواح الجن أو الصهاريج كما شاعت تسميتها بأنها أضرحة ناقصة وتوجد في عدة أماكن في العاصمة الأردنية النبطية بترا، لكن يقع أوضحها على يمين الطريق المؤدي للسيق حيث يبدو الصهريج الأول كشكل الصندوق الحجري، زُينت واجهته بأشكال مثلثة تشير إلى الرمز النبطي المسمى بعلامة الغراب، كما زُين اللوح الثاني بأعمدة ذات غطاء، ويعلو اللوح الثالث قبة مضلعة صغيرة .

فن التصميم الداخلي للأردنيين الأنباط

من الممكن ملاحظة أن العناصر الزخرفية لم تقتصر فقط على النُصب والمنحوتات وإنما وصلت أيضاً إلى البيوت والحجر في البيوت الأردنية النبطية، وكانت هذه العناصر تجسيداً لواجهات وتفاصيل معمارية تمثلت في فتحات الأبواب والإطارات المحيطة بها، ومن الواضح أن الفنان الأردني النبطي الذي صمم هذه الديكورات كان يأخذ بعين الاعتبار مساحة المكان وكلفة التصميم إلى حد ما، ومن الأمثلة النادرة على التصميم الداخلي للبيوت الأردنية النبطية الغرفة التي تقع ضمن مجموعة غرف لمنزل على سفحة مزينة بنبات الصبار و خط طولي من أزهار الدفلى ومطل على وادي الصيغ وسط البترا، كما اعتبرت من أساليب التزيين النادرة التي وصلت إلينا من هذه الحضارة الشيقة، ومن الأمور التي تُؤخذ بالحسبان هي مكونات الألوان التي احتفظت بقوة ألوانها على مدى 2000 سنة، ومن المُعتقد أنه تم استنباط اللون الأحمر من برادة الحجارة التي تحتوي على تركيز عالٍ من أكسيد الحديد، بينما اللون الأصفر فقد تكون من خليط من المعادن أبرزها الكبريت والحديد، أما اللون الأسود الذي نجده في الخطوط الرفيعة فقد تم الحصول عليه بسهولة من خلال الكربون الناتج عن تفحم الحطب أو عظام الحيوانات، وبالنسبة لللون الأخضر فيُعتقد أن الأردنيين الأنباط قد جلبوه من مناجم النحاس في منطقة خالد الواقعة في وادي فينان في عربة .

سيأتي يوم يستحدث فيها الإنسان الحديث أسلوباً يسمح لنا بسماع صوت الأزاميل وهي تنحت في الصخر فنطرب على هذا اللحن الخافت والذي أتى من عمل شاق في حلبة صراع بين عظام الرجال وصخر الجبال، سيأتي يوم نستشعر فيه المزيد عن عظمة هذا الشعب وقوة يديه التي عظم وجودها وعَلا صداها في الأرض .

المراجع

  • عباس ، إحسان ، تاريخ دولة الأنباط ، ط1 1987 ، دار الشروق للنشر والتوزيع ، عمان ، الأردن .
  • أبو حمام ، عزام ، الأنباط تاريخ وحضارة ، ط1 2009 ، دار أسامة للنشر والتوزيع ، عمان ، الأردن .
  • الماجدي ، خزعل ، الأنباط (التاريخ ، الميثولوجيا ، الفنون ) ، ط1 2012 ، دار النايا ، دار المحاكاة ، سوريا ، دمشق .
  • العجلوني ، أحمد ، حضارة الأنباط من خلال نقوشهم ، ط1 2002 ، بيت الأنباط ، البترا ، الأردن .
  • المحيسن ، زيدون ، الحضارة النبطية ، ط1 2009 ، وزارة الثقافة ، عمان ، الأردن .

سلسلة الفن المعماري عند الأردنيين الأنباط – الجزء الرابع

مقدمة

اهتم الأردنيون الأنباط بفن العمارة بشكل واسع، وهذا ما يؤكده الإرث العمراني الضخم الذي خلفوه، وما يزال قائماً حتى يومنا هذا بكل شموخ وصلابة، وحيث أن عمر الحضارة الأردنية النبطية امتد على مدى قرون، فقد كان الفن المعماري النبطي متباينا، ومتطوراً باستمرار، حيث بلغ من البذخ في ذروة هذه الحضارة، ما سبق حضارات استعمارية ضخمة، ونورد في هذا البحث ملامح هذا الفن العظيم الذي أولاه أجدادنا الأردنيون الأنباط اهتماما منقطع النظير، بطريقة تساهم في تعزيز فهم القارىء لما يراه ماثلا بعينه من إرث عمراني يشكل قفزة ضخمة في فن العمارة على مستوى البشرية.

في هذه البحث من إرث الأردن تقرؤون الجزء الثالث من سلسلة الفن المعماري عند الأردنيين الأنباط.

أنماط وسمات الهندسة المعمارية عند الأردنيين الأنباط

جرت عمليات البناء لدى الأردنيين الأنباط ضمن أُطر محددة بتناغم مع الطبيعة والعوامل البيئية فضلاً عن نوعية المكان والذي بدوره أغنى هذه الحضارة ومنحها هويتها الحضارية التي تميزت بها عبر باقي العصور السابقة واللاحقة، وكما ذكرنا سابقاً فقد قُسمت العمارة في الحضارة الأردنية النبطية إلى قسمين رئيسيين الأول يختص بالعمارة الدنيوية أما الثاني يختص بالعمارة الدينية وفيما يلي تفصيلٌ عن القسم الأول منها.

العمارة الدنيوية في الحضارة الأردنية النبطية :

  1. العمارة السكنية

تُعد العمارة السكنية من أهم أقسام العمارة الدنيوية لدى الحضارة الأردنية النبطية لغناها الذي بدوره تميز بإبراز الهوية الحضارية للأردنيين الأنباط

أ- فئة القصور والمساكن الكبيرة : اتصفت هذه المساكن بأنها كانت فارهة جداَ لتفي بمتطلبات فئة قليلة من المجتمع الأردني النبطي، اذ اقتصرت على فئة رجال الدولة وكبار التجار، وجرى تقسيم هذه المساكن لتتضمن عدة حُجر منها للجلوس وللنوم بالإضافة إلى غرف الخدمات كالمطابخ والحمامات التي تتكون من مرجان صغير وموضع للغُسل أُنشئ في صُلب الجدار وقريباً من مدخل الحمام وغرف التخزين، كما زُودت هذه القصور بنظام مائي متطور يتناسب وفخامة القصر، وتُعتبر العاصمة الأردنية النبطية البترا أحد أهم الأماكن التي تتواجد فيها هذه الفئة بكثرة، أما بالنسبة للمساكن الكبيرة أو ما تُعرف بالفيلا فقد انتشرت في القرى والمدن الجنوبية في الأردن وتختلف عن فئة القصور الكبيرة بأنها قُسمت إلى ثلاثة أقسام هي قسم الاستقبال وقسم الخدمات وقسم العائلة، ومن الجدير بالذكر أن هذه الفئة من المساكن كانت مزودة بآبار لتخزين مياه الأمطار.

كما لوحظ أن الأردنيين الأنباط قد بنوا البيوت بشكل متلاصق أو متقارب لاشتراكها بالسطوح بالإضافة إلى الفناء الداخلي أو ما يُعرف بالحوش وهي ساحة مفتوحة على السماء الذي تتفتح عليه الغرف ومرافق المنزل مع درج خارجي يؤدي إلى الأدوار العليا، حيث كان الحوش يمثل لقاء العائلة الأردنية النبطية وحياتها المشتركة، أما النوافذ فقد صُممت مرتفعة عن الفناء الداخلي ومطلةً على الخارج، أما الأبواب فمنخفضة ومصنوعة من الخشب، كما دلت بعض الأبحاث على أنهم لم يضعوا أبواباً للغرف الداخلية، حيث كانت بعض هذه المساكن تحتوي على اصطبلات ومزاود، ومثال على فئة المساكن هذه قصر كرنب في النقب والعديد من المساكن في الحميمة .

ب- فئة البيوت التي نُحتت في الصخور

 لعل هذه البيوت هي من شكلت هوية الأردنيين الأنباط وعبقريتهم في النحت، وقد كانت البترا والسيق البارد محطاً لهذا النوع من البيوت الأردنية النبطية، ومن الجدير بالذكر أن هذه البيوت نُحتت بتناغم مع طبيعة المغاور والكهوف والتي حولها الأردنيين الأنباط بمهارة بنائيهم إلى بيوت أشبه بخلايا النحل، ومن الطبيعي أن تختلف أحجام هذه البيوت بحسب حجم المغارة والتي شكلت نُواة المنازل الأردنية النبطية، ومن البيوت المنحوتة الجديرة بالذكر البيت المصبوغ في السيق البارد قرب البيضا، حيث يُصعد إليه بمدرجات وسلالم قصيرة ويتكون من غرفة واسعة  أحيطت بغرف صغيرة واحدة منها بالعمق وقد زُينت برسوم وزخارف نبطية، والمنزل الذي يقع مقابل مسرح البترا والذي تميز بمساحته وبمنعته وبجدرانه المكسوة والمصبوغة في بعض المرافق، وقد عُثر تحت أرضيته على بعض الفخار النبطي، وكان ارتفاعه ثلاثة أمتار.

ج- فئة المساكن الريفية (مساكن المزرعة)  كان المسكن الريفي عبارة عن مجمع كبير يضم وحدات سكنية ومخازن واصطبلاً وساحات متعددة، كقصر الكرنب في النقب كما وُجد هذا النوع من المساكن في الحميمة وكان مؤلفاً من ثلاث أو أربع غرف حول ساحة مكشوفة وقد زُينت بزخارف بسيطة والتي عكست حالة المزارعين الاجتماعية والمادية .

د- فئة المساكن البسيطة  شكل هذا النوع غالبية مساكن الأردنيين الأنباط، والتي انتشرت بكثرة في الحميمة  واقتصرت على غرفتين أمامهما ساحة مكشوفة.

هـ – فئة المساكن ذات الصفة العامة  وكان هذا النوع من المساكن مصمم للأمور الخدماتية كخدمة كهنة وزوار المعابد، وانتشرت هذه المساكن في وادي رم والذريح .

2. عمارة المرافق العامة

اعتبرت العاصمة الأردنية النبطية البترا أبرز مثال على مثل هذا النوع من المباني كونها ضمت جميع أنماط المباني العامة إضافة إلى المباني الخاصة، وقد بُنيت المباني العامة وفقاً لمخطط المدينة العام حيث الشارع الرئيسي والشوارع الفرعية فضلاً عن الشوارع ذات المسارين، والشارع المحاذي للوادي والذي قسم المدينة إلى نصفين حيث لم يقف عائقاً أمام المهندس الأردني النبطي الذي بنى قنوات المياه في أسفله، وكذلك الأقواس الحجرية التي ترتفع عن سيل الوادي في فصل الشتاء، كما يمكن ملاحظة بعض من آثارها في الشارع الرئيسي بعد الانتهاء من شارع الخزنة .

أ. عمارة الحمامات

كان اهتمام الأردنيين الأنباط واضحاً بالحمامات بحكم قدرتهم على استنباط شبكات الري وتخزين المياه، ومن الجدير بالذكر أن الحمامت تختلف عن سبيل الحوريات بحكم أن سبيل الحوريات كانت أقرب إلى المعابد المائية لآلهة الينابيع الحوريات.

وهناك حمامان واضحان يقعان على شارع الأعمدة في وسط البترا، الأول صغير نسبياً ويقع على يمين البوابة الثلاثية مباشرة، أما الحمام الكبير والذي سُمي بالحمام البيزنطي فيقع على يسار الشارع المعمد وقد صنفه بعض الباحثين على أنه برج بيزنطي، وقد كانت جدران الحمام تحتوي على كوى لوضع المصابيح بالإضافة إلى الأعمدة الناتئة من الجدار والتي كانت تحمل تاجاً كورنثياً، كما وُجد في الحمام الكبير ثلاث غرف للبخار الحراري إحداها مدورة ومزودة بفرن .

ب. المسرح الأردني النبطي

بنى الأردنيون الأنباط المسرح في نهاية شارع السيق الخارجي في البترا، ثم أعاد الرومان استخدامه عام 106م، ويحتل المسرح مكاناً مطلاً على شارع السيق الخارجي حيث يقع خلفه مجموعة كبيرة من القبور والأضرحة، وتم تصميمه بشكل مقوس أو نصف دائري قُسمت مدرجاته إلى ثلاث أقسام بواسطة ممرات قوسية بالإضافة إلى منفذ دائري كما قُطعت مقاعده في الصخور الرملية بحوالي 700 مقعد، وبُنيت المنصة التي تقام عليها العروض كسطح صخري بالإضافة إلى ممران على أجنحة مكان العرض .

وقد أدى زلزال عام 263 م إلى تصدع جزء كبير وهدم القليل من المسرح، كما أدى إلى تحطيم واجهات بعض الأضرحة .

3. عمارة المداخل في الحضارة الأردنية النبطية

كانت المداخل تشكل بدايات الشوارع المؤدية إلى مركز المدينة، ويتم تمييزها من خلال بناء قوس النصر الذي يؤدي إلى باقي أجزاء المدينة وينظم شكلها وانقسمت العاصمة الأردنية النبطية البترا إلى مدخلين

أولهما : مدخل السيق  “باب السيق” حيث يمثل مدخل السيق نوعا من المداخل الطبيعية التي صنعتها الطبيعة وشذبها الإنسان، حيث ربط هذا المدخل الطريق المؤدي إلى سيق البترا بالسيق الداخلي كما عمل على تنظيم حركة الداخلين إلى المدينة، ويُعتقد أن المدخل كان قائما حتى سنة 1896 م.

وثانيهما : مدخل الشارع المعمد حيث ربط الشارع المعمد شوارع مركز المدينة وساحة قصر البنت، إذ احتوى هذا الشارع على الأسواق والحمامات والملاعب الرياضية، كما زين المدخل قوس تذكاري وأغلق المدخل بمصاريع خشبية، وكانت هذه البوابات تُبنى كشاهد تذكاري على نصر، في حين تميزت البوابة بطابع روماني حيث كانت مزينة بالرسوم والنقوش الرومانية والنبطية والتي تعلوها العقود والتيجان ذات الأعمدة المزينة بأشكال مختلفة، وقد كان هذا المدخل بأكمله نوعا من المداخل الاصطناعية التي بناها الإنسان .

4. عمارة الساحات العامة في الحضارة الأردنية النبطية

كانت الساحة بمثابة مكان يتجمع فيه الناس، وقد كانت ساحة السوق أو ساحة الندوة التي تلت البوابة التذكارية بالقرب من معبد البنت أشهر مثال على الساحات العامة في هذه الحضارة، حيث زودت بمصاطب حجرية ومدرجات ومقاعد على جانب جدار الساحة الجنوبي كما يُرجح بناء هذه الساحة في بداية القرن الميلادي الأول .

5. عمارة الشوارع في الحضارة الأردنية النبطية

كانت الشوارع بصفتها العامة واسطة لربط الأماكن ببعضها، وقد اقتصرت على ثلاث شوارع مختلفة عن بعضها بالتصميم تبعا لموقعها .

أ. الشارع المعمد   

بني الشارع المعمد في حدود العام 106م، إلا أن الأرصفة الأردنية النبطية تشير إلى تاريخ يرجع إلى القرن الثالث قبل الميلاد، ويمتد الشارع المعمد من ساحة قصر البنت في وسط البترا إلى نهاية السوق كما يسمى بالشارع المبلط بسبب رصفه بالطابوق، يُقدر عرض الشارع المعمد بستة أمتار وتمتد على أرصفة الشارع مجموعة من الأعمدة ذات التيجان  ويُرجح أنه كان مكاناً لعرض المواد التجارية إضافة للقصر الملكي والحمامات والأبنية الرياضية .

ب.شارع الواجهات 

يبدأ هذا الشارع مع السيق الخارجي أمام واجهات الأضرحة الملكية التي يبلغ عددها 44 ضريحاً، ويتفرع من هذا الشارع طرق فرعية عديدة غير مبلطة، لم يتحدد غرض استخدام هذا الشارع بسبب غياب ملامحه، و يُرجح أنه كان للعربات والخيول والقوافل التي تمر عليه .

ج. السيق

يبلغ طول السيق كيلومترين وهو شارع طبيعي يفصل بين جبل الخبثة والمذبح، وهو عبارة عن ممر وشارع بين صخور عمودية مهولة تكاد تتلامس مع بعضها إذ ما نظرنا للأعلى، وتقع على جانبي الطريق قناة مياه فخارية كما نشاهد حنايا صخرية ترمز للإله ذو الشرى والإلهة العزى .

6. عمارة الأسواق الأردنية النبطية

كانت الأسواق الثلاثية المطلة على الشارع المعمد مثالٌ واضح على النشاط التجاري الذي امتاز به الأردنيون الأنباط في حضارتهم، فقد سيطروا لفترات طويلة على التجارة التي ربطت الشرق بالغرب، حيث كان نشاطهم التجاري واسعا ليشمل البخور والتوابل وغير ذلك من السلع التجارية التي كانت منتشرة أبان حضارتهم، تقع الأسواق التجارية على يسار الشارع المعمد وهي السوق الأعلى والسوق المركزي والسوق الأسفل، وتميز السوقان الأعلى والأسفل بضخامتهما وشكلهما المربع والمستطيل .

7. عمارة مبنى الألعاب الرياضية في الحضارة الأردنية النبطية “الجمانيزيوم”

اقتصرت الألعاب الرياضية على مبنين ألا وهما الجمانيزيوم الأسفل ويقع على يسار البوابة التذكارية دخولا إلى الشارع المعمد وهو الأكبر، بينما يقع الجمانيزيوم الأعلى الأصغر منه بمحاذاته ويفصل بينهما مبنى صغير آخر .

ومن الجدير بالذكر أن الأردنيين الأنباط لم يغب عن أذهانهم بناء المسبح والذي يقع بجانب المعبد الكبير للبترا، ويُرجع تاريخ بنائه إلى نهاية القرن الأول قبل الميلاد .

المراجع

  • عباس ، إحسان ، تاريخ دولة الأنباط ، ط1 1987 ، دار الشروق للنشر والتوزيع ، عمان ، الأردن .
  • أبو حمام ، عزام ، الأنباط تاريخ وحضارة ، ط1 2009 ، دار أسامة للنشر والتوزيع ، عمان ، الأردن .
  • الماجدي ، خزعل ، الأنباط (التاريخ ، الميثولوجيا ، الفنون ) ، ط1 2012 ، دار النايا ، دار المحاكاة ، سوريا ، دمشق .
  • العجلوني ، أحمد ، حضارة الأنباط من خلال نقوشهم ، ط1 2002 ، بيت الأنباط ، البترا ، الأردن .
  • المحيسن ، زيدون ، الحضارة النبطية ، ط1 2009 ، وزارة الثقافة ، عمان ، الأردن .

سلسلة الفن المعماري عند الأردنيين الأنباط – الجزء الثالث

مقدمة

اهتم الأردنيون الأنباط بفن العمارة بشكل واسع، وهذا ما يؤكده الإرث العمراني الضخم الذي خلفوه، وما يزال قائماً حتى يومنا هذا بكل شموخ وصلابة، وحيث أن عمر الحضارة الأردنية النبطية امتد على مدى قرون، فقد كان الفن المعماري النبطي متباينا، ومتطوراً باستمرار، حيث بلغ من البذخ في ذروة هذه الحضارة، ما سبق حضارات استعمارية ضخمة، ونورد في هذا البحث ملامح هذا الفن العظيم الذي أولاه أجدادنا الأردنيون الأنباط اهتماما منقطع النظير، بطريقة تساهم في تعزيز فهم القارىء لما يراه ماثلا بعينه من إرث عمراني يشكل قفزة ضخمة في فن العمارة على مستوى البشرية.

في هذه البحث من إرث الأردن تقرؤون الجزء الثاني من سلسلة الفن المعماري عند الأردنيين الأنباط.

أنواع المساكن والأبنية في الحضارة الأردنية النبطية

بيوت الشعر أو الخيام 

انتشرت بيوت الشعر بشكل واسع على أطراف المملكة الأردنية النبطية، في مناطق البادية، حيث كان سكان البادية الأردنية النبطية يسكنون هذه البيوت، وقد ورثتها العشائر الأردنية إبان الاحتلال العثماني، وكانت وسيلة فعالة لمقاومة هذا الاحتلال، والتأقلم مع الوضع القائم الجديد.

وقد اختلفت  بيوت الشعر بناءً على عدة اعتبارات، فنجد أن بيوت الشعر تختلف عن بعضها البعض من حيث سعتها وفي سعة الخيمة دلالة على منزلة صاحبها ومكانته وثرائه، كما يتم قطع الخيمة إلى نصفين قسم المحرم وهو للنساء وإذا كان المحرم كبيراً يتم تقسيمه على عدد الزوجات وأم وأخوات صاحب البيت إن وُجد، وقسم المضيف أو المجلس وهو للرجال والضيوف ولباقي أفراد الأسرة في الحالة الطبيعية، ثم إذا كان صغيرا يتم قسمه إلى قسمين هما الربعة والمحي وهذا التقسيم يكون بواسطة الحواجز المصنوعة من القصب أو المنسوجة من الشعر وهي المُسماة بالقطع أو الساحة، كما تأتي الخيام على عدة أشكال وتختلف في مادة التصنيع فنجد الخيام المصنوعة من شعر الماعز هو الأكثر تفضيلاً لقدرته على مقاومة الظروف المناخية المختلفة، كما تُصنع الخيام من وبر الجمال أو صوف الضأن وتسمى بالخباء وترتكز على عامودين أو ثلاث وقيل أن الخباء من الوبر والصوف وهو من دون مظلة أوما يُشار له الآن بالسقف، وعادة ما تتميز خيمة شيخ القبيلة أو كبيرها عن غيرها من الخيام كونها قِبلة للضيوف واللاجئين وأصحاب الحاجة الذين غالباً ما يستدلون عليها من شكلها وحجمها كما كانت خيمة شيخ القبيلة منتدىً لأبناء القبيلة ومركزاً لعمل الشيخ الذي يدير شؤون قبيلته من خلالها، وفي بعض الحالات كان بعض الشيوخ يجعل لخيمته قبباً خاصة من الجلود “الأدم” والتي تُعتبر إشارة على التعظيم والتفخيم والامتياز والجاه، وغالباً ما تقع خيمة الرئيس وشيخ القبيلة متوسطة لمجموعة من الخيام المتناثرة ومن الجدير بالذكر أنه لم يصلنا أية آثارعن نوع وكم الخيم أو أنماط المساكن فيها، لأن المواد المستخدمة في بناء هذه الخيام من شعر وصوف أو حتى الحلقات المعدنية التي كانت تُستخدم لتثبيت الخيام في الأرض لا تصمد في الصحراء أكثر من عشر سنوات.

الكهوف والمغاور

إن أكثر ما عُرف عن الأردنيين الأنباط وبحسب المصادر الواردة التصاقهم بالكهوف، فمساكن الكهوف كانت معروفة في البلاد منذ أقدم العصور، كما يُقال أن الأردنيين الأنباط كانوا يسكنون الكهوف في الشتاء وينصبون  الخيم في الصيف كما وُجد في بعض القرى النبطية كهوفاً لعائلات بعينها وفي الفترات اللاحقة بنوا فوق الكهوف بيوتهم، كما استُخدمت الكهوف لأغراض السكن وتخزين الحبوب والسكر أو لإيواء المواشي وامتازت هذه الكهوف بارتفاعها عن مستوى الأرض ربما لأسباب دفاعية، كما تحتفظ بعض الكهوف في جبال الشراة ببعض من الخربشات والرسوم التي تُمثل المراحل التي استوطن فيها الأردنيون الأنباط هذه الكهوف، كما عُرفت الكهوف باسماء متعددة تبعاً لحجمها أو شكلها مما يدل على أهميتها لدى سكان المنطقة، وأكبر هذه الكهوف هو “البد” يليه “المغارة” ثم “الكهف” والتي كانت تصلح لسُكنى الإنسان، أما التي كانت تستخدم لأغراض أخرى غير السكن ولم يكن ليَد الإنسان فيها أي أثر فهي الشقيف واللجف تليها السلع .

حجرات وبيوتات الحجارة الغشيمة

لا تزال بقايا هذه الأبنية ظاهرة للعيان في جنوب الأردن التي تهدم معظمها أو تُرك بعد تطور الحياة وتتلخص فكرة هذه البيوتات التي تتكون من حجرة واحدة أنها كانت بيوتاً موسمية تُسكن في فصلي الصيف والربيع تأتي إليها الأسرة لأسباب اقتصادية تقتصر على جمع الحصاد من الحقول أو قطف الثمار وحراسة المحصول، قبل أن تعود إلى حياتها في البيوت الحجرية في القرى والمدن أو إلى بيوت الشعر في البادية.

ويمتاز البيت الحجري بالكثير من المميزات التي تجعل منه منزلاً موسمياً مفضلاً فهو أقل تكلفة من حيث الإنشاء، إذ أنه لا يتطلب أكثر من جمع حجر الغشيمة ثم رصفها وبنائها فوق بعضها إذ أنها لا تتطلب أدنى قدر من المهارة كما تجري عمليات البناء بدون استخدام الملاط في أغلب الأوقات، أما السقف فيتم بناؤه من تجميع أوراق الشجر وأغصانها أو ما تجود به البيئة، كما تمتاز الجدران بالسماكة كونها مرصوفة بصفين من الحجارة خالية من الملاط فإن ذلك من شأنه أن يُعزز جواً لطيفاً داخل البناء في الصيف، لذلك تم تسميتها بالقصور لأنها بمثابة المرابع الصيفية لأصحابها، وثمة استخدام آخر لهذه البيوتات حيث استخدمها البعض كمراكز لبعض أعماله التجارية مثل الدكاكين، وتُقام عادة على أطراف الطرق التجارية والدولية كما تمت إعادة ترميم الرجوم وبقايا الحجارة من قِبل العشائر الأردنية في مطلع القرن العشرين وتقويتها بالملاط الطيني أو الإسمنتي بسبب تعرضها إلى عدة زلازل، وقد أُعيد استخدام هذه البيوتات من قبلهم لأغراض إقامة الجدران الزراعية وبعضها لأغراض البناء الحديث، ومن الجدير بالذكر أن الأردنيين الأنباط كانوا قد استخدموا هذا النوع من البيوت على نطاق واسع حيث نرى بقايا البيوتات على شكل رجوم منتشرة في المرتفعات الجبلية خصوصاً المرتفعات الزراعية كما ينتشر بعض من هذه الرجوم في البادية أيضاً .

ومن الأمور التي أكدت عليها المصادر أن الأردنيين الأنباط قد شيدوا أبنيتهم من الحجر البازلتي المتوفر في المنطقة الشمالية من المملكة الأردنية النبطية بشكله الطبيعي مع القليل من التعديلات على حالته، عندما كان التنقل سائدا في بدايات نشوء الحضارة الأردنية النبطية، ومع بدء التحول نحو الاستقرار بشكل واسع بدأ الأردنيون الأنباط بناء مواقع متفرقة على الطرق والنقاط الجغرافية التي كانت ضمن حدودهم، وأهم مثال كان تل دبة بريكة في السويداء النبطية التي أبرزت لنا العمارة الأردنية النبطية المبكرة حيث تم الكشف عن معبد وبناء إداري وبرج للحراسة وثكنة عسكرية حيث  بُني المعبد بالحجر الغشيم دون استخدام المونة وكانت النوافذ وفتحات المعبد قليلة لزيادة تحصين البناء .

ومن المؤكد أن عدداً من البيوتات كانت دائمة بعد أن قام الأردنيين الأنباط بتوسيعها، ويُلاحظ أن معظم الأبنية اشتملت على طابقين بعد إجراء تعزيزات للسقف بالملاط المدعم والأخشاب أو بالحجارة المرصوصة وبعض من هذه الأبنية اشتمل على عدد من الغرف والمرافق العديدة مثل غرف التخزين وحجرة الحيوانات والمستلزمات الزراعية، ومن المُعتقد أن مثل هذه الأبنية كانت تُستخدم كمحطات للخدمات التجارية التي من خلالها يتم تلبية احتياجات القوافل التجارية المارة وفق مواسم وطرق محددة، ومن الخدمات التي كانت تقدمها للقوافل التجارية تلك التي تُعنى بالحيوانات كحذو الخيول والبغال التي ترافق التجار وإصلاح معدات القوافل كالبرادع والسروج والمقادم وغيرها، بالإضافة إلى البيطرة مما  يؤكد على أن الأردنيين الأنباط قاموا بتعزيز قدراتهم لنجاح عملية التجارة عبر بلادهم وعلاوة على ذلك فقد وفروا الأمن والحراسة للقوافل التجارية .

البيوت الحجرية المطينة

يمتاز هذا النمط المعماري الذي خلفه الأردنيون الأنباط لنا بالبساطة، فقد جرى بناؤها من الحجارة الغشيمة التي تتم معالجتها بطريقة بسيطة بعد أن يتم تعزيزها بالملاط الطيني من الداخل والخارج وفي بعض الحالات كانت تُسقف بالملاط الطيني بعد تدعيمه بالأخشاب والحجارة المرصوصة بإحكام على شكل أقواس أو قباب، وهذا النمط لا تزال بقاياه منتشرة في بعض القرى والأرياف الأردنية، ومن المُحتمل أن هذا النمط كان أساسياً في التحول من حياة البداوة أو نصف البداوة إلى حياة الزراعة الدائمة والمستقرة، كما أقام أصحاب هذه البيوت من حولها بعض المرافق بالإضافة إلى المرافق الموصولة بالمسكن الأساسي مثل حجرات التخزين وحجرة الدواب وحظيرة جانبية للأغنام.

كما تعددت صور حظيرة الأغنام تبعاً لمكانها فغالبا ما تكون تحت البناء أو بجانبه أو على مقربة منه كما أن بعض الأبنية قد حوت على ساحات داخلية، وكانت تُقام هذه الأبنية على أطراف القرى الزراعية والتي اعتُبرت مرحلة إنتقالية لحياة الاستقرار، كما تم دمج العمل الزراعي وتربية المواشي معاً لأن أصحاب الأبنية كانوا قد غادروا حياة البداوة وصاروا أقرب إلى النمط الريفي الزراعي بالإضافة إلى تربية المواشي والتي تعتبر من ملحقات العمل الزراعي.

البيوت الطينية الخالصة

يُعد هذا النوع من المساكن الأكثر بساطة وأقلها دواماً وحاجة إلى مواد البناء والدعم، حيث يمتاز هذا النمط باعتماده على الطين المحلي بالدرجة الأولى وعادة ما يلجأ إلى التربة الزراعية الحمراء لبناء هذه المساكن كما كانت تُخلط التربة ببعض المواد المحلية كالقش والتبن، وانتشرت هذه المساكن في المناطق الزراعية مثل منطقة غور الأردن تحديداً في تل ديرعلا حيث عُثر على بيوت كانت مبنية من اللبن الذي استُخدم نيئاً، وكان أحياناً يجري بناء الجدران أولاً بأول وقليلا ما كانت الأخشاب تُستخدم في تدعيم الجدران وكان هذا النوع من الوحدات السكنية يتألف من حجرة واحدة أو من عدد من الحجرات غاضين النظر عن المرافق الأساسية كالمطبخ والحمامات، بالإضافة إلى البيوت التي بُنيت في بعض المناطق الجبلية والتي كانت لأغراض الإقامة المؤقتة، كما بنيت العديد من المرافق بجانب المنزل لإيواء الحيوانات أو التخزين أو حجرة الطابون للخبز، كما استخدمت هذه البيوت لإيواء بعض الموظفيين الحكوميين خلال المواسم التجارية لتأدية بعض الأوامر الإدارية، ومن الجدير بالذكر أن ها النوع من المساكن لم يكن معروفاً في المناطق الصحراوية لعدم ملائمة تربة الصحراء لمثل هذا البناء، وكان يقطن هذه المساكن الفقراء من المزارعين الذين توارثوا هذه الحرفة أباً عن جد .

البيوت الحجرية المهندسة كالمعابد والمساكن والأبنية العامة

إن إيفاء هذا النمط المعماري حقه ليس بالأمر اليسير، بسبب مجيئه ضمن أكثر مراحل الفن المعماري الأردني النبطي تطوراً، كما احتل هذا النمط جل اهتمام دارسي وباحثي ومنقبي الآثار نظراً لفرادته التي جعلته عنواناً حضاريا مهماً للأردنيين الأنباط المتميز بالتنوع والغنى الروحي والفني، وعلى الرغم من وجود الكثير من الأبحاث المختصة بهذا الجانب من العمارة الأردنية النبطية، إلا أن هناك مناطق عديدة ظلت دون إجراء المسوحات والحفريات الأثرية، كما قُسمت هذه الأبنية ضمن فترتين الأولى التي امتدت من نهاية القرن الأول قبل الميلاد إلى منتصف القرن الأول الميلادي حيث وقعت معظم المساكن في منطقة جنوب الأردن وفي العاصمة الأردنية النبطية البترا وفي خربة الذريح والحميمة والعقبة، أما الفترة الثانية فقد امتدت بين منتصف القرن الأول الميلادي إلى بداية القرن الثاني الميلادي، كما سنعرض هذا النمط على وجه الخصوص بشكل مستقل ومفصل.

المراجع

  • عباس ، إحسان ، تاريخ دولة الأنباط ، ط1 1987 ، دار الشروق للنشر والتوزيع ، عمان ، الأردن .
  • أبو حمام ، عزام ، الأنباط تاريخ وحضارة ، ط1 2009 ، دار أسامة للنشر والتوزيع ، عمان ، الأردن .
  • الماجدي ، خزعل ، الأنباط (التاريخ ، الميثولوجيا ، الفنون ) ، ط1 2012 ، دار النايا ، دار المحاكاة ، سوريا ، دمشق .
  • العجلوني ، أحمد ، حضارة الأنباط من خلال نقوشهم ، ط1 2002 ، بيت الأنباط ، البترا ، الأردن .
  • المحيسن ، زيدون ، الحضارة النبطية ، ط1 2009 ، وزارة الثقافة ، عمان ، الأردن .

سلسلة الفن المعماري عند الأردنيين الأنباط – الجزء الثاني

مقدمة

اهتم الأردنيون الأنباط بفن العمارة بشكل واسع، وهذا ما يؤكده الإرث العمراني الضخم الذي خلفوه، وما يزال قائماً حتى يومنا هذا بكل شموخ وصلابة، وحيث أن عمر الحضارة الأردنية النبطية امتد على مدى قرون، فقد كان الفن المعماري النبطي متباينا، ومتطوراً باستمرار، حيث بلغ من البذخ في ذروة هذه الحضارة، ما سبق حضارات استعمارية ضخمة، ونورد في هذا البحث ملامح هذا الفن العظيم الذي أولاه أجدادنا الأردنيون الأنباط اهتماما منقطع النظير، بطريقة تساهم في تعزيز فهم القارىء لما يراه ماثلا بعينه من إرث عمراني يشكل قفزة ضخمة في فن العمارة على مستوى البشرية.

في هذه المدخل البحثي من إرث الأردن تقرؤون الجزء الأول من سلسلة الفن المعماري عند الأردنيين الأنباط.

ملامح الهندسة المعمارية لدى الأردنيين الأنباط

تعتبر العمارة الأردنية النبطية فناً قائما بحد ذاته، تنوع بين العمارة الدينية (المعابد والأضرحة) والعمارة الدنيوية (البيوت والأسواق والحمامات وصولاً للصالات الرياضية)، كما أثبت الأردنيون الأنباط قدرتهم على تطوير الفنون المعمارية من الحضارات المحيطة بهم ومنحها طابعاً نبطيا أردنيا خالصا، لتمتاز آثارهم بخصوصية عميقة على الجانبين الروحاني والمادي.

عكست الآثار المتبقية من المنحوتات النبطية عبقرية المهندسين الأنباط بما قاموا به من فنون نحت وعمارة حيث صبغ أجدادنا الأردنيون الأنباط فنهم المعماري بطابعهم الخاص.

أما بخصوص النحت في الصخر فقد تميز الأردنيون الأنباط بطرق وأساليب مدروسة بدقة في تنفيذ أعمالهم فبعد اختيارهم للسطح الصخري المناسب يقوم النحات النبطي بتحويله إلى لوح يُستطاع الرسم عليه وبعد إجراء الحسابات اللازمة للوح الصخري يتم البدء بتنفيذ أعمال النحت من أعلى السطح باستخدام السقالات، ومن المُعتقد أن النحاتين كانوا على مراتب ودرجات فبعضهم يقوم بتسوية السطح ثم يأتي الآخر للقيام بالحسابات والتسويات والآخر الذي يقوم بأعمال النحت والتي تتطلب مهارة عالية للتنفيذ ومن بعدها يأتي الفنانون الذين يختصون بنحت التماثيل والأشكال الفنية المعقدة، كما دلت بعض النقوش على أسماء القائمين بأعمال البناء بـ “بنيا” والنحات بـ “فسلا”.

ويبدو أن مهنتي النحت والبناء كانتا من المهن ذات الاحترام العالي في المجتمع الأردني النبطي، حيث وجد نقش البناء فلان أو النحات فلان على العديد من شواهد القبور النبطية.

المواد المستخدمة في العمارة الأردنية النبطية

استثمر الأردنيون الأنباط العديد من المواد المتوفرة في البيئة المحيطة، حيث وظفوا كل أنواع  الحجارة المحيطة بحضارتهم، ففي صحراء أم الجمال وصلخد وأبنية جبال الشراة جرى استخدام الحجارة البازلتية السوداء لأغراض البناء المختلفة، كما استُخدمت الحجارة الكلسية في خربة الذريح على الرغم من صعوبة التعامل معها بسبب لينها، ومع ذلك فقد كان نمط البناء الأردني النبطي يعتمد على الخلط بين العديد من الحجارة في البناء الواحد مثل قصر الربة الذي بُني إجمالاً بالحجر الكلسي والحجارة البازلتية التي جُلبت من شمال المنطقة بالقرب من وادي الموجب .

أما بالنسبة للحجارة المستخدمة في البناء فقد كانت تُستخدم الحجارة الغشيمة “الصغيرة ” إلى جانب الحجارة المنقوشة والمهندسة بعدة أشكال، وأما بالنسبة إلى الملاط المُكون من الشيد والجير الذي كان يتم تحضيره من اللتونات بالإضافة إلى التربة المحلية، فقد استخدم الأردنيون الأنباط الملاط بكثرة في أبنيتهم كمونة بين صفوف الحجارة الكبيرة لقدرته على العزل الحراري وعزل الرطوبة والأمطار ونرى فائدة الملاط واضحة في الفنون المعمارية الكثيرة كالأقواس التي تعتمد على تراص الحجارة والتي جرت تغطيتها بالملاط الطيني العازل، كما يمكن أيضاً مشاهدة الملاط المستخدم في قصارة الآبار والخزّانات المائية كخزان الحميمة والمساكن النبطية في النقب والتي أكدت على صلابة ومتانة البناء حيث فضلت مسكونة حتى القرنين الخامس والسادس الميلاديين، إضافة إلى الصلبان التي عُثر عليها في الكرنب حيث نُقش أكثر من صليب على عضادات الأبواب وبعض الأسكفة.

كما استُخدمت الأخشاب في أعمال التسقيف وصناعة الأبواب والشبابيك ويبدو ذلك واضحاً في وادي موسى لتوفر الأشجار في المنطقة ومنطقة جبال الشراة التي كانت غنية بالأشجار الحرجية، كما عرف الأردنيون الأنباط استخداماً آخر للأخشاب في البناء من شأنه تعزيز صمود الجدران أمام الهزات الأرضية، وقد أكّد على ذلك وجود الأخشاب في بقايا بعض الأبنية كقصر البنت في العاصمة الأردنية النبطية بترا.

المراجع

  • عباس ، إحسان ، تاريخ دولة الأنباط ، ط1 1987 ، دار الشروق للنشر والتوزيع ، عمان ، الأردن .
  • أبو حمام ، عزام ، الأنباط تاريخ وحضارة ، ط1 2009 ، دار أسامة للنشر والتوزيع ، عمان ، الأردن .
  • الماجدي ، خزعل ، الأنباط (التاريخ ، الميثولوجيا ، الفنون ) ، ط1 2012 ، دار النايا ، دار المحاكاة ، سوريا ، دمشق .
  • العجلوني ، أحمد ، حضارة الأنباط من خلال نقوشهم ، ط1 2002 ، بيت الأنباط ، البترا ، الأردن .
  • المحيسن ، زيدون ، الحضارة النبطية ، ط1 2009 ، وزارة الثقافة ، عمان ، الأردن .

سلسلة الفن المعماري عند الأردنيين الأنباط – الجزء الأول

 

مسجد القينة المعاد ترميمه، محافظة الزرقاء. حقوق الصورة محفوظة للباحث نادر عطية

بني مسجد القينة في محافظة الزرقاء وتعود أساساته للعهدين المملوكي والأيوبي، ويرجح الباحث محمد وهيب أن هذا المسجد شكل حلقة وصل مهمة لبناءه على موقع عال واستراتيجي. يحاط المسجد القديم بأشجار الزيتون ومقبرة من ثلاث جهات. أمام المسجد ساحة اسمنتية وفي جدرانه نوافذ للإضاءة وأخرى لوضع المصاحف.

باب مسجد القينة، ويلاحظ الإهمال اللاحق بالمسجد. حقوق الصورة محفوظة للباحث نادر عطية

أعيد ترميم المسجد عدة مرات وسقفه اليوم من الاسمنت، ولكنه يعاني إهمالا شديدا. وتظهر القصارة الاسمنتية متأكلة والسقف شبه آيل للسقوط.

المراجع:

  • الدرادكة، فتحي (1998) القصور والمساجد الأموية في الأردن، دراسة منشورة.

المساجد الأردنية القديمة: مسجد القينة

يجمع مسجد كفرنجة بين طرز العمارة الأيوبية والمملوكية والأموية على حد سواء، فيحاكي شكل الأسقف القباب والأعمدة، كما أنه يشبه جامع عجلون الأثري من أوجه متعددة، إذ نلاحظ فيه الأعمدة والسقف والمحراب والمدخل والشكل الداخلي كما نلاحظه في جامع عجلون، إلا أن جامع كفرنجة له مداخل من جهة الشمال خلافاً لجامع عجلون الذي اقتصرت أبوابه على الجهة الشرقية. وتسمي إحدى العبارات على اللوحة التأسيسية جامع كفرنجة بـ “جامع الفاروق” حيث تنسبه بعض الروايات للخليفة الثاني عمر بن الخطاب الفاروق

مدخل بلدة كفرنجة

المراجع:

  • الدرادكة، فتحي (1998) القصور والمساجد الأموية في الأردن، دراسة منشورة.
  • غوانمة، يوسف (1986) المساجد الإسلامية القديمة في منطقة عجلون. منشورات مركز الدراسات الأردنية: جامعة اليرموك.

المساجد الأردنية القديمة: مسجد كفرنجة الأثري

Scroll to top