عبد الله العكشه

لم يعد الشاعر عبدالله العكشة الى أرض وطنه إلا بعد هزيمة الدولة العثمانية وانتصار قوات الثورة العربية الكبرى وفرسان العشائر الأردنية على المحتل العثماني وتحريرهم لكامل الأرض الأردنية، حيث نظم قصيدة يذكر بها قساوة ما عاناه الأردنيون من قوات الاحتلال العثماني وتسلطها وظلمها لأهل وطنه طيلة قرون من حكمها الغاشم، وينتقل للحديث عن أهوال الحرب العالمية الأولى وسعير اشتعالها والتحضير لها :

ألبارحة عين اعْنَ النَّوم لاَجَتْ             إوْ حالي مِنْ كِثَر الاهموم هاجت (1)

تِقلْ مَوجَاتَ البحَرْ يَوم هَاجتْ             إوْ قلبي في بَحَر الهواجيس جالِ (2)

قلبي تِفكّرْ بَالبَلا وَالمِصِيبه ،               واحْوالْ دْهَركْ صَايره مِستريْبه (3)

زالَ السَّعَدْ، وَالويلْ جَانا لهِيبَه،            تِزَلزَت إرْكان حَالَ الاحوال (4)

أللهْ مِنْ حِرْب غَشَانا سَنَاهُا،                شَطَّت على الدِّنيا تِزايد بلاها، (5)

عَمَّتْ خَلايق نايْمهِ في اخْباها              سِبْحان مِن هُوه على الكِلّ والي (6)

حربا ً سَناها طَالْ روُس المشاريفْ،      نار ادعَقتْ بِالهيشْ اوْ باقي التلافيف (7)

مَالَهْ مِثْل اوْ لاَ سِبَقْ لَه تِواصيفْ،         عَفَّت اشروشْ امْغَطِيْه بالدّمالِ (8)

الموتْ لاَوجوه المداغيش قَصَّاب،         إعْيالْ مِنْ شَرَّه غدوا اليوم شيَّابْ (9)

وِاطفَالْ ضَاعَتْ بِوَعَرهْا والاهضْاب،     وارَواحْ رِخْصَت بَعَدْ ما هي غوالي (10)

حرباَ مَهُولِة إو ما سِبَقْ لهَ بالامثال،       كِثرةِ عَسَاكِرْ لَلْقِبيلين تَنهالْ (11)

إمْكَمَّلِهْ باسْلاحْ عَ الكيف يا ارجالْ         آلات اجهنَّم زايدة بالشَّعالِ (12)

مَوازنا ً تكْسِرْ مِتينَ الاعظامِ                مَدَافعا ً تِفني خَلايقْ وَانامِ (13)

فعلَ القنابل زايدا ً بالاكرامِ،                أَللِّي ادهَجَنُّه ما بقي ليَهْ تالي (14)

بَالوَصِفْ غَوَّصاتْ مِنْ تحتِ الابحارْ،     وِالاَّ اقلاعا ً بالهوا فوق طيَّاره (15)

وِالاَّ حَناتيرٍ على القَاعْ سَيَّارْ ،              وِالاّ مراكِبْ عَ الابحور الزَّلالِ (16)

ثلاثِ اسنْينٍ وَالعربْ بَالبلاَوي،             ذاقوا مِظالْمِ مَعْ عَذاب او مِساوي (17)

كانَ السَّببْ (جمال) باشا خلاوي*          النَذَلْ نَذَل أوْ لو يسمَّي جمالِ (18)

يَا ظِلُمْ تِركيَّا ، غذا اليوم مَشهور،          يم العرب سَاقَت ثَلَثمْيِةِ طابورْ (19)

(جمال) باشا كِنَّه الوحش مَسْعورْ           جزارْ ما يَرحمْ رِضيعَ الطَّفالِ (20)

بَسّ هَقِوتهُ يشفي غَليِلُه ابْعربها              مِشانقا ً ، وفي كلّ مَوضعْ نِصَبهْا (21)

إفْحولَهم يَمَّ المجازرْ جَلَبهْا                   هذا امَلْولَحْ ذاكْ بالنَعش شالِ (22)

مِنْهُمْ في عَتْمَ السراديبْ مكتوبْ،             إوْ منهم مِنْ شَرَّ العذايات مخطوف (23)

مِنهمْ على المقابل فَاتْ مَزنوفْ،              مِنهمْ فرارا ً بالافِجوج الخوالي (24)

سَرْقن حَريمٍ ما عليهن جَنيِّهْ،              واطْفَالْ رِضَّعْ ما ايَعرفوا الخطيَّه (25)

إوْ حَريمْ مبكّي يا دموع سخّية             على افَراق اعيْالهنْ وَالرِّجال (26)

راحوا العَربْ شِتاتْ بكلِّ الاوطانْ،        في (أنْقَرةَ) و (قونية) إوْ نِيْة قوزان (27)

مِثلْ عَبيدَ الرِّقّ، من قَبلْ ذِلْوانْ            عَبيد يِنْجلبُونْ وَالسِّعرْ غَالي (28)

هَيْلَ الامْوالْ رَاحُون كِتهم مَماليكْ،        عِقْبَ الغَنَى اليومْ لَونَ الصَّعالِيكْ (29)

مَصْرُوفهم يَومِي عِدَّة مِتَاليكْ،             إمْنَ الوَرَقْ أَللِّي عَليَه الاِهْلاَلِ (30)

يَا ربَّ يَا اللِّي عَ المخاليقْ وَايقْ          يَا امْفرِّج الضِّيقَات يَومَ المضَايقْ (31)

يا عَارفا ً سِرَّ الخفا بَالدِّقايقْ،             إلْطِفْ بِنا مِنْ مَيْلية الحالْ مالِ (32)

إرْحم اطفْالا ً ما عليها شِفيِق             إوْ حَريمْ تِبكي اصِياحَهِن والزّعيق (33)

غَدَنْ شِتاتٍ بَيْن وَعْر او طَريق         غِفرات عاشَنْ بالِحْلَى والدَّلالِ (34)

شرح الابيات

(1). البارحة حادت عيني عن النوم ، واضطربت أحوالي من كثرة الهموم .

      لاجَت : هجرت النوم .

(2). مثل أمواج البحر عندما هاجت وقلبي كان يطوف في بحر من الهواجس.

      الهواجس : الأفكار المزعجة الحائرة المضطربة .

(3). قلبي يفكر في البلاء والمصائب ، وأحوال الدهر المريبة.

    مستريية : باعثة على الارتياب . زال السعد : فقد الحظ الحسن.

(4). فقد الحظ وجاءنا يهب لنا الويلات ، اضطربت أسس الحياة وأحوالها .

     حال الأحوال : تحول كل أمر كان في الأصل مستقرا ً.

(5). أشكو إلى الله من حرب لفنا دخانها ، التهبت على الدنيا وزادت أهوالها .

     شطَّت : التهبت بسرعة .

(6). عمت بشرا ً مُسالمين ينامون في بيوتهم مطمئنين ، سبحان الله والي كل البشر!..

     إحباها : بيوتها ،والخباء في الأصل مستقر العروس  دلالة على الأمثلية.

(7). هي حرب وصل دخانها إلى أعلى الأعالي ونار أحرقت الغابات وما حولها .

      سناها : معناها هنا ، الدخان الكثيف .

(8). ليس لها مثيل ولا سبق أن وُصف مثلها استأصلت الجذور التي تحت الأرض.

      التلافيف : ما حول الغابة .

     عَفَّت : استؤصلت الجذور المدفونة تحت التراب.

(9). الموت أهلك الهجَّامين من الأبطال ، شبان من شر الحرب صاروا شيوخا ً

(10). أطفال ضاعوا في الوعر والهضاب ، ورخصت الأرواح بعد غلائها .

(11). حرب هائلة لم يسبق لها مثيلة ، وعساكر كثيرة تنهال على المتحاربين.

(12). سلاحها كامل كما تشتهي ، آلات جهنمية يزيد اشتعالها.

(13). بنادق موزر تحطم العظام المتينة ، ومدافع تفني الخلق والأنام.

(14). أفعال القنابل زائدة جدا ً ، وكأنَّ زيادتها هي تكريم لضحاياها . فالذي أصابته ، ما بقي له من أثر !

(15). يصنعون غواصات في البحار وقلاعا ً طائرة في الهواء .

       إقلاعا ً : شبه الطيارات بالحصون الطائرة.

(16). وسيارات في السهول سائرة ومراكب على البحور الصافية .

       حناتير : مفردها حنتور ، ويعنون بها السيارة .وكانوا يطلقون هذا الاسم عن العربة ذات الراكب الواحد يقودها حصان واحد .

(17). قضى العرب ثلاث سنين بالمصائب . ذاقوا ظلما ً وعذابا ً وإساءات .

 (18). السبب جمال باشا وحده ، النذل نذل ولو سمي جمالا ً . خلاوي : وحده لا رفيق له .*لام خلاوي مضخمة.

(19). ظلم الترك أصبح مشهورا ً جردوا على العرب ثلاثمئة طابور.

(20). جمال باشا يشبه الوحش الكلب – المسعور – ، جزار لا يرحم رضيع الأطفال.

(21). غرضه الأوحد شفاء غليله من العرب ، فنصب المشانق في كل مكان.

        هقوته : مراده . فحولهم : عني بذلك عظماء الرجال . إملولح : يتأرجح متدليا ً بحبل المشنقة .

        شال : رُفع .

(22). ساق عظماءهم إلى المجازر فهذا يتأرجح مشنوقا ً ، وآخر محمول على النعش.

(23). بعضهم مصفد في السراديب المظلمة ، وبعضهم خطف لونه من شر العذاب.

(24). ومنهم من أدخل في المقابر ذليلا ً ومنهم الذي فرَّ في البراري الخالية .

       فرار : هارب. الاقجوج : مفردها فجِّ ، الصحارى الخالية العظيمة الاتساع.

(25). هجّروا نشاء لا جريمة لهن ، وأطفالا ً رضعا ً ما يعرفون الخطيئة.

        سَرْفن : كلمة تركية معناها أبعد عن الأوطان . ومنهم من يقول (سَرْ فَلْ).

       ما عليهن جَنيّة: لم يَرتكبن جنابة.

(26). ونساء يبكين بدموع سخية ، على فراق أطفالهن ورجالهن.

(27). شتت العرب بجميع الأوطان ،في (أنقرة) و (قونية) و (القوقاس).

       (أنقرة) و (قونية) و (ادنة) مدن في تركية في الأناضول . هيل الأموال : أهل الأموال.

(28). كعبيد أرقاء في الزمن القديم قبل زماننا هذا ، عبيد يجلبون للبيع وأثمانهم غالية .

(29). أهل الأموال أضحوا كأنهم مماليك ، بعد الثراء اليوم يشبهون الصعاليك.

      ميلة الحال مايل : تبدل الأحوال الى أتعس ألوان الشقاء.

     زعيق : صراخ بذعر شديد . غَدَن : أصبحن .

(30). نفقاتهم اليومية أتفه أنواع النقد  . متاليك : جمع متليك ، نقود تركية الواحد منها عشر بارات من ورق النقد العثماني عليه الهلال – والبارة تساوي فلسا ً.

(31). يا الله أنت مطلع على كل الخلائق يا مفرج الضيق أيام الضيق.

(32). يا عالم أدق أسرار الخفا، أُلطف وأنقذنا من الحوال المائلة .

(33). ارحم أطفالا ً ليس هناك من يشفق عليهم ، ونساء يبكين بكاؤهن زعاق.

(34). أصبحن مشتتات بين الوعر والطرق كالغزلان الصغار عشن بين الحلى والدلال .

المصادر:

معلمة للتراث الاردني، روكس بن زائد العزيزي، مطبعة السفير، 2012.

عرس البويضا، فريد العكشة، وزارة الثقافة،2011.

قصيدة عبدالله العكشة بالظلم العثماني

عبد الله العكشه

مقدمة

كان جريئأ في قول الحق بأشعاره، لا يخشى تهديداً في مرافعاته، متواضعاً في حياته ويرفض الالتفات خارج دوائر الحقيقة و الواقع، إنه من نسل أجدادنا الأردنيين الذين قدموا أنفسهم  فداء من أجل بلدهم، فلم يقبل الظلم والضيم و القمع الذي مارسته سلطات الاحتلال العثماني ضد وطنه وأحرار العشائر الأردنية وفرسانها،  فحمل سلاحيه ( لسانه وقلمه ) ضد البطش والظلم وكان بحق أحد أوّل مؤسسي حركات المعارضة الأردنية والمطالبة بالاستقلال من الحكم العثماني، ما حمّله مصاعب شتى بين السجن والنفي والملاحقة جعلته شاعر الثورات الأردنية الوسطى و أبرزها ( ثورة الكرك – الهيّة ) وأحد أبرز روّادها.

ولادته ونشأته

ولد الشاعر المحامي عبدالله العكشة في الكرك عام 1880، وقد جاء الشاعر الى هذه الدنيا حينما حفّت وطنه الأردن السحب العثمانية السوداء وما رافقها من الإهمال والتجهيل الذي مارسته السلطات العثمانية منذ احتلالها للأرض الأردنية وحكمها من الخارج بالوكالة، ورغم هذا الاهمال المتعمّد وعدم وجود المدارس آنذاك والعائق الكبير الذي أوجده العثمانيون أمام الراغبين في طلب العلم من أبناء الأردن عبر اشتراط تعلّم اللغة التركية للدراسة في مدارسها خارج الأردن، إلا أن العكشة كان عصامياً رافضًا الخضوع لعوائق العثمانيين، يطلب العلم بكل الوسائل الممكنة ولا ينتظر قدومه وقد أسعفه الحظ بدخوله مدرسة الروم الارثوذكس، ولم يكتفِ بذلك ما جعله لاحقا الشاعر والمحامي المُجيد لخمس لغات مختلفة سبق فيها أقرانه في ظل محتّل يجبر المواطنين على تعلّم لغته وحده فقط، ولكن كيف تعلم هذه الخمس لغات؟؟

8.indd
مدينة الكرك في الفترة التي ولد ونشأ فيها البطل عبدالله العكشة

مقاومة التجهيل العثماني

تذكر القصة التي رواها الراحل عبدالله العكشة أنه سمع شاباً قادماً من القدس يتكلم الفرنسية مع أحد السياح فأخذه الحماس والإصرار على طلب العلم وتعلم اللغات على وجه التحديد، ما جعله يقوم باللجوء إلى كاهن الطائفة اللاتينية في الكرك المعروف عنه اتقانه للفرنسية والايطالية والانجليزية ليقوم بتعليمه اللغات الثلاث، أما التركية فكان يتقنها كتابةً وقراءة ولفظًا والتي تعلمها مُكرها بسبب سياسة التتريك التي كانت تجبر الناس على تعلمها، بينما كانت العربية لغته الأم التي أحبها وأجاد فنونها.

تميز (الاعكيش) – كناية عن انتسابه لعشيرة العكشة – بـ قوة الشخصية والنباهة والاجتهاد ما جعل حياته عبارة عن صورة مشرقة وبالغة الأثر في البنية السياسية التي كانت آنذاك وفي البنية الاجتماعية أيضاً .

تزوج الشاعر عبدالله العكشة ثلاث مرات في حياته، حيث تزوج فتاة من عشيرة الحجازين من الكرك عام 1901وتزوج بعدها من عشيرة الزعمط من السلط، بينما تزوج الثالثة في السنة 1917 من عائلة أبو عقلة.

صورة أخذت في عام 1890 ويظهر في الشاعر عبدالله العكشة بجانبه رقم 8

 

نضاله ضد الاحتلال العثماني

كان لعبدالله العكشة الدور النضالي الواضح و المؤثر ضد تجبر وظلم الدولة العثمانية بمختلف الوسائل والأدوات، وبدأ هذا النضال على أوسع أبوابه حينما قام بكتابة رسالة شديد اللهجة إلى الصدر الأعظم – رئيس الوزراء العثماني في حينه – في اسطنبول يستهجن فيها سياسة الظلم وارتفاع الضرائب والسخرة التي يعانيها أهل الكرك في ذلك الوقت، وحتى يحمي نفسه من الملاحقة والغدر العثماني؛ قام عبدالله العكشة بتغيير خط يده ولم يترك اسماً أو توقيعاً على الرسالة وكتب في آخرها باللهجة المحكية ( تحكمنا دولة قرود ولا الدولة العثمانية) ما يشير إلى قبول الناس – في ظل فظاعة المحتّل – لأي شكل من أشكال الحكم بدلا عن هذا الحكم، ولكن ورغم اخفائه لهويته قامت السلطات العثمانية وبعد أشهر قليلة باعتقاله ونفيه إلى الطفيلة عقابا له على رسالته اذ لم تكن لتخفى لغة هذا البطل عن أعين جواسيس المحتل وقياداته.

شعر العكشة في مواجهة العثمانيين

تبدّت نبوغة العكشة في الشعر منذ صغره، اذ عرف عنه ذائقته الشعرية البليغة وقدراته اللغوية التي مكنته من التعبير بذكاء عن كل ما يمرّ به، وقدرته الفائقة على تحويل الكلمات و المفردات إلى نصوص شعرية مليئة بالصور الفنية السهلة الممتنعة، إضافة لثقافته الواسعة وامتلاكه لفنون الخطابة القادرة على التحفيز والإثارة.

وكلما اشتم العكشة رائحة الضيم أو الجور، كان يثور بحمية لا تعرف الخضوع، ويحتج على ذلك بالشعر، اذ كانت أشعاره تنبه زعماء الكرك، ومشايخها للدفاع عن بلدهم، ورفع الضيم عنها، ما جعله شاعرا أوّل وأوحد لثورة الأردنيين عام 1910 ( الهيّة ) وما سبقها من انتفاضات شعبية ضد العثمانيين، وقد جلبت له أنفته وثورته على الظلم حقد العثمانيين وبطشهم ذلك الأمر الذي جعله معرّضا لسلاح السجن و النفي لمرات متعدّدة بعيدا عن أهله وأحبائه ووطنه.

بدأت مسيرة الراحل البطل عبدالله العكشة في مواجهة العثمانيين في عام 1900 عندما تسلّم ( مصطفى باشا العابد ) منصبه كمتصرف جديد بعد متصرف اللواء السابق ( رشيد باشا )، وكانت سمعة مصطفى باشا العابد سيئة جدا، اذ لم يكن يخجل أبداً من التباهي بقبوله للرشوة وأخذها من الشاكي ومن المشتكى عليه، وفيما بعد أعاد مصطفى باشا العابد تطبيق و إحياء نظام ( السخرة ) العثماني على أهالي الكرك وأجبر الأهالي على العمل بها، رجالاً ونساء ومن جميع الأعمار، اذ تعددّت الأعمال من بناء الثكنات العسكرية و جلب المياه إلى المعسكرات والمخافر وشق الطرق المؤدية لها ومن ثم قطع الأشجار الحرجية ونقلها لمحطات سكة القطار العسكري العثماني الذي استخدم فورا وبعد انطلاقه بقليل لقمع ثورة الهيّة ، ورغم أنها جميعها يفترض بها أن تكون أعمالا موكلة للجيش والدرك التركي، ونظرا لحجم مساوئ هذا النظام ضجر الأهالي، وساءت العلاقة بين الشيخ قدر المجالي وشيوخ الكرك وبين المتصرف مصطفى باشا العابد .

صورة توضح مدى الظلم الذي كان يقع على الاردنيين عبر اجبارهم على العمل بالسخرة في بناء سكة القطار العسكري العثماني

وقد عبّر عن هذا الضجر والاستنكار الشاعر البطل عبدالله العكشة، اذ بينما عُقد اجتماع لعشائر الكرك للقضاء على ( نظام السخرة) وفرض الضرائب والتجنيد الاجباري والوقوف في وجه استمرار تطبيقها، قام الشاعر وانتهز الفرصة لإلقاء قصيدة في هذه المناسبة، وكانت غايته أن يشعل الهمّة في صدر الشيخ قدر المجالي ومن معه من شيوخ العشائر الأردنية ضد الاحتلال العثماني و ظلمه و فساده، وقد قال في بعض أبيات قصيدته :

الله مِنْ قِلْبِ أظرمَت بِيْه نِيــــــــرانْ                جِوَّى ضلوُعي زَايد لْهِا لَهابـــــــا

عدِيرةٍ ما هي مِلِكْ إبن عثمــــــــــانْ              وظلَّت عَزيزة بَالشَّرف والمهابــــــا

تَرى السِّخْرَةْ خَلَّت النَّاس نِســـــــوان              وغَدَت على بعض المخاليق نابـــا

لا يا قدر يا شَوقْ مَسلوبَ الابِـــدانْ                يا شيخ لا تَرضَى علينا الخرابــا

انخى أخو شاهه  يوم رَوْغَاتَ الارهَانْ            رفيفان فَرِّج هَمَّنا والعذابـــــــــا

لقراءة القصيدة كاملة أنقر هنا

وما أن ألقيت القصيدة حتى تحمس الشيوخ و الوجهاء و الفرسان و ثاروا واشتعلت جرعات الأدرينالين التي بثها العكسة في أبياه، فأبرقت الإدارة العثمانية المحلية برقيات مستعجلة إلى المراجع العليا لدى الباب العالي العثماني محذرة من قيام الثورة نتيجة هذه الاحتجاجات على نظام السخرة، فأوقفت السخرة في النهار نفسه قبل أن يعاود الاحتلال العثماني استخدامها مجددا عندما بدأ بمدّ سكة القطار العسكري العثماني عبر الأراضي الأردنية، ما جعل قصائد العكشة سلاحا فعّال في وجه المحتّل لم يكن يسهل مواجهته أو كتمه.

قصائد المنفى – الكرك والثورة في وجدان العكشة

كان الشاعر عبدالله العكشة يحب الكرك، يتغنى ويتغزل بها على الدوام و قد سطّر في حبها القصائد العظام، كردٍّ بالغ على تصرفات الدولة العثمانية وممارساتها ضد وطنه وأهله، وما بعد ثورة الكرك ( الهيّة ) عام 1910 وعقابا له على المشاركة بالثورة والتحريض عليها عبر قصائده، وتحسّبا من العثمانيين من مشاركته ودعمه للثورة العربية الكبرى التي بدأت تصل أنباؤها للأردنيين، صدر بحقه مع مجموعة من شيوخ ووجهاء العشائر الأردنية عقوبة النفي خارج الأردن وكان نصيبه النفي إلى منطقة قوزان في جبال القوقاز، فكان قرار نفيه يلخص هذا التخوّف بالقول : ( انفوه حتى لا يتحول لسلاح إضافي في يد الثوّار ، لا ينقص الثورة العربية الكبرى شعراء جدد ، يكفينا ما نالنا منه بالهيّة ) !

كان واضحا أن شعر العكشة الذي ايقظ البركان الأردني في الهيّة، كان قادرا أن يصل إلى حوران الأردنية لو أقبلت الثورة العربية الكبرى و العكشة بين أهله وفي وطنه، ولو قدّر له أن يكون في وطنه بدلا من المنفى لكان العكشة بلا منازع سلاح فرسان العشائر الأردنيين الفتاك في مواجهة آلة البروبوغندا الألمانية العثمانية .

ولم يكن للمنفى أن يبعده عن هواه ومعشوقته فقد قام عام 1918 بتنظيم قصيدة في منفاه يظهر فيها حجم شوقه للكرك.

وهذه بعض من أبيات القصيدة:

يَا نَاسْ ما بَالَ القَلمْ مِستِكنّ                        مِنْ عِقب ما هو ع القراطيسْ سنَّان

 سِرْ يا قَلَمْ إوْ فَرج الَهمّ عَني                     إكتبِ اقوافاً،فضي– فض البالَ غَثيانْ

دلن علي بينهــــــن شَوْشَحنّـي                      بالسيس حطني على حد قوزان

بِاديار ما فيها رفيقاً يحن                              كِلاً يَعضّ ابهامْ يِمْناه غلان

يا رَبّ يا رَبّ المخاليق حِنِ                          كَم شدة فرجتها وامرها هان

لقراءة القصيدة كاملة أنقر هنا

8.indd
قلعة الكرك – 1918

 

كما نظم قصيدة أخرى أيضاً في منفاه يتحسر فيها على غيابه عن مدينته وأحبته وينعى رفيقه الشيخ البطل قدر المجالي بعدما وصل خبر اغتياله بالسم من قبل العثمانيين إلى مسامعه في المنفى يقول في بعض أبياتها:

وَيْنَ(الكرك) وِاجْبَالْها،وين (شِيْحَانْ)؟              وين الاِقْنان اللِّي بها الميْس مغواه

وَيْنْ(القَصِر) يا عَين و(اتْلاعْ وسلمان)               (الرَّبَّة) الله عَزَّها نايف الجاه

إصبر  وَالين الصَّبرْ فَراجَ الاحزانْ                    كم شِدّة ياتي فرجها امْنَ الله

لا بِدَّ ما انْعُودَ الكرك وَايَّ الاوطانْ                وِاحاسبْ هَيلَ الدَّين إو نعطيهم اياه

لقراءة القصيدة كاملة أنقر هنا

ولم يعد الشاعر عبدالله العكشة إلى أرض وطنه ولم يصدر قرار فك أسره، إلا بعد انتصار قوات الثورة العربية الكبرى وفرسان العشيرة الأردنية وهزيمة الدولة العثمانية، حيث نظم قصيدة يذكر بها قساوة ما عاناه الأردنيون من قبل قوات الاحتلال العثماني وتسلطها وظلمها، وهولات الحرب العالمية الأولى وسعير القتال والتجهيز لها، يقول في بعض من أبياتها:

فعلَ القنابل زايدا ً بالاكرامِ               أَللِّي ادهَجَنُّه ما بقي ليَهْ تالي

بَالوَصِفْ غَوَّصاتْ مِنْ تحتِ الابحارْ    وِالاَّ اقلاعا ً بالهوا فوق طيَّاره

وِالاَّ حَناتيرٍ على القَاعْ سَيَّارْ               وِالاّ مراكِبْ عَ الابحور الزَّلالِ

ثلاثِ اسنْينٍ وَالعربْ بَالبلاَوي             ذاقوا مِظالْمِ مَعْ عَذاب او مِساوي

كانَ السَّببْ (جمال) باشا خلاوي          النَذَلْ نَذَل أوْ لو يسمَّي جمالِ

يَا ظِلُمْ تِركيَّا ، غذا اليوم مَشهور        يم العرب سَاقَت ثَلَثمْيِةِ طابورْ

لقراءة القصيدة كاملة أنقر هنا

وكما تفاخر وتغنى بالثورة العربية الكبرى كان لقائدها المغفور له الشريف الحسين بن علي وأبنائه من قادة جيوش الثورة نصيبا من شعره يقول فيه:

نَستحِمدَ الباري ، على كِلَّ الادوارْ           أَللي حَمانا مِنْ ظلايم هالاشرارْ

بالهاشمي اللِّي كِنَّهْ الذِّيب مِغوار             إبنَ الاِجْوادْ إو من افرُوع اطْوال

مِنْ (شان) تِخليص العَربْ مِنْ شِقاها        إرخْص ابروحهُ دُوْنها وافْتداها

مِنْ سِريةَ الأتراك (فيصلْ) حَمَانا             بَالسَّيفْ كِنْ قَطَّع مَواصِلِ اعدانا

(عبد الله) َ عجمع الامعادي رماها،            ألسِّرّيه القشرى ابسيُفه َ حداها

ب ( َ زيد) زاد النا الشَّرف  والمقام       حرًا َ نهار الرَّيب يروي الاحسامِ

لقراءة القصيدة كاملة أنقر هنا

2.indd
قائد الثورة العربية الكبرى – الشريف الحسين بن علي

عبدالله العكشة وميزان العدالة 

وبينما كان يناضل بقلمه في وجه قوة الاحتلال، لم يعدم البطل عبدالله العكشة الوسائل والحيل ولم يكتف بشعره فقط لمواجهة التجبر والظلم العثماني على أهله ووطنه، فحاول بكل الوسائل الممكنة تعلم القانون ليحاول متى استطاع الدفاع عن أهله بكل الوسائل الممكنة، ونظراً لعدم قدرته على الالتحاق بمعاهد علمية أو جامعات في ظل حالة التجهيل التي فرضتها الدولة العثمانية؛ طلب مساعدة صديقه عودة القسوس حيث كانا يتناقشان دوما في المسائل القانونية وفي مواد مجلة الأحكام وهما يتنزهان في الطريق السلطاني: طريق الكرك – عمان الحالية، وانكبّ على دراسة كتب القانون حتى تمكّن من تحصيل المعرفة القانونية بشكل مفصّل وواسع.

العكشة والمناصب العامة

عين المرحوم (عبد الله العكشة) عضوا في محكمة الكرك في العهد الفيصلي بعد نيل الاستقلال الأولي عن العثمانيين، ثم عيّن في محكمة بداية (إربد) في السنوات الأولى من تأسيس الإمارة الأردنية، وبعد تركه للوظيفة سنة ١٩٢٧ زاول الراحل مهنة المحاماة في الكرك، إلى أن تقاعد سنة ١٩٥٢،  فكان عبدالله العكشة المحامي النزيه الذي لا يستلم أي قضيةٍ إلا بعد دراستها جيدا فإن كانت على حق قبلها، أما إن كانت على باطل فكان يرفض استلامها مهما كان الثمن ومهما تكن الفائدة منها، فيما عيّن لاحقا عضوًا في لجنة الدستور الأردني.

سيرة الجَلَدِ والصبر

كان منزل ( الاعكيش ) يومياً لا يخلو من الأصدقاء والأقارب والمحبين حيث يلعبون الشطرنج والنرد وتقام الحلقات النقاشية والشعرية بينهم محولا له لصالون أدبي ثقافي ترفيهي دائم، وفي ذات يوم وفي إحدى الجمعات في منزله مات أحد أطفاله وما كان من عبدالله العكشة إلاّ أن حبس أنفاسه وآلامه بالصبر والكتمان، ونبه أهله بأنه لا يريد أن يسمع صوت بكاء أو صراخ إلى أن يخرج الضيوف مكرّمين من منزله، وفي اليوم الذي تلاه سمع الناس بوفاة ابنه فقاموا بتعزيته بمصابه، وسألوه متى توفي فقال لهم : “عندما كنتم في منزلي ” فتعجب القوم من تحمله المصائب والشدائد ومن جلده وقوة احتماله، ومن اصراره على أن لا يعكر صفو ضيوفه.

كان الراحل البطل عبدالله العكشة ومن هول ما مرّت عليه في حياته من ملمات جلدا صبورًا لا يبكي ميتا، مع أنه في ذات الوقت كان رقيق العاطفة سريعا إلى النجدة، والسبب في أنه لا يقبل أن يحد على ميت، اعتقاده أن ذلك نوع من الاحتجاج على الباري. وأنه من المظاهر الكاذبة، التي لا ترد فائتا!

وفي عام 1922 وبينما كان أهل بيته يعدون العدة لزواجه جائه خبر مقتل ابنه البكر – وكان يبلغ الثامنة عشر من عمره –  في الحقل قبل عيد الفصح بأيام، ولكنه لم يقم بالحداد، فقام بتقديم الحلوى للمعايدين والمعزين حيث بعث له الشاعر سالم القنصل قصيدة يقول بها :

يا صاحبي بَلواكْ ما تِقبلَ الطبّ،            أما انت رجَّالا ترى الصبر بالله!

اللي جرى هذا سماحا ً امن الرب،           يا ربْ صبر أيوب عَ مِثلِ بَلواه،

حزنك شريك اللي تِضَحَّى عن الحبّ،      الخلّ والممزوجّ مَنْ هُوْ تِسقَّاه؟

يا ليت إنْ وَاكِدْ خبركم إمكَذِّبْ،              يا ربعي ، يا بلواي من عظم بَلواه!

إبراي اني دفنتِ اغلام يلقع على القلب،    من عظم حزن اصويحبي كِنْ عزيناه!

يَدوم راسك والقرايب والاصحاب،          عَسَى الفقيد الجنَّة الخلِدْ ماواه!

فرد العكشة على صديقه القنصل قائلا  :

الموت حق فرض واجب علينا ،            من خِلقت الدنيا على الكل محتومْ!

الحمدالله على متا دز لينا،                    امْرُهْ امْطَاعْ اوْ نِشِكَر هَدايمَ الدومْ!

اغفر لنا يارب عَمَّا جنينا                      وِالطُف لنا يا راحما ً كل مَظلومْ

وصمَتَ القلم 

بقي الشاعر عبدالله العكشة يزاول  مهنة المحاماة الى أن تقاعد سنة 1952، وبعدها بقي يمارس الزراعة ومطالعة الكتب وكتابة الشعر، إلى أن توفاه الله بتاريخ 7 شباط 1956.

عاش الشاعر والمحامي مكافحاً بحبه لوطنه والنضال لاستقلاله ومدافعا عنه ضد كل ما يمسه . وسيبقى هذا الشاعر البطل علماً من أعلام هذا الوطن ولتكن قصائده ديوانا في قصص البطولة والفداء في وجه المحتلين وراياتهم.

المراجع :

  • المرحوم الشاعر عبدالله العكشة ، معلمة للتراث الاردني، روكس بن زائد العزيزي، مطبعة السفير، 2012.
  • عرس البويضا، فريد العكشة، وزارة الثقافة،2011.
  • ألفاظ وأشعار كركية، فرّاس دميثان المجالي، مطبعة السفير، 2009.
  • الشاعر الشعبي عبدالله العكشة ( عرار الجنوب ) ، الغد، 2006.

شاعر الهيّة – عبدالله العكشة

مناسبة القصيدة

لم يكتف الشاعر عبدالله العكشة بقصيدة واحدة وهو في منفاه اذ كان سلاحه الوحيد في وجه المحتل العثماني شعره النبطي الأردني فقام بكتابة قصيدة أخرى وهو في منفاه القسري في قوزان يتشوق الى جبال الكرك وأهلها، متأملاً العودة الى أرض الوطن، راثيا فيها رفيقه الشيخ البطل قدر المجالي بعد وصول نبأ اغتياله من العثمانيين إليه .

عبد الله العكشه

َقال الاعكيش إوْ في بلاياهْ غَلبانْ                              صَبراًعلى حكم العَلي في براياه(1)

طَلَّيما  مِن روسَ المشاريفْ شفَقــــــتان                 رُوسَ النِّوابـــــــــــي لِلامْشقَّاهْ ، مِقواه(2)

شِفتَ الاِقلاعِ اللِّي على رَاسْ قَوزَانْ                                     مِن عَهدِ جدَّ الاوَّليَّنْ مبناه(3)

شِفتَ الاجيال اللِّى بَهَا الهيــــــــــــــش كثبانْ                           غابتْ مِربي لَلضوارِي اوْ مِخباه(4)

شِفْتَ الاِحقولْ امْرُوجْ سَهْلهِ سِمَهْـــدانْ                                 إتْروُحْ فيها الفِدِن تيجي امتالاه(5)

شِفْت الاِكروم وَالبسَاتين وِاجنان                                      إثْمارْها وِاشجارها ، واحلالاهْ(6)

كِلَّه مناظِر لَلِنّواظرْ وَالاعيانْ                                          زَيناتْ إوْ لهيلَ الاِ بلادْ تِسلاه(7)

إبْلاذْ  لو هِي جَنِّةً عِفْتَها اذْلانْ                                      أبغى مَقَرَّ الجدّ يا احليـــل سكناه(8)

لو هي صِفَا اوْ صَعْنُونْ ما بِيه عِمَــــــرانْ                    إو لَو هِي خَراب امن المزابل حَلاَياه(9)

وَيْنَ ( الكرك ) وِاجْبَالْها، وين (شِيْحَانْ)؟                         وين الاِقْنان اللِّي بها الميْس مغواه (10)

   وَيْنْ ( القَصِر ) يا عَين و ( اتْلاعْ و سلمان )                             ( الرَّبَّة ) الله عَزَّها نايف الجاه(11)

وَينَ الاِقـــــــرومَ اللِّي على الخيل فرسان؟                      صُورَ ( الكرك ) لَن شَرَّفوا ما تغشَّاه(12)

إخـــــوات ( خضْرا ) مِرويناً شِفا الزان                            اليا صار باِطرافَ الدِّبايلِ امنَا خَاه(13)

حِنَّا لِكُم عِزّاً ، وانتم لنا شَانْ                                         واجْدُودكُم لاجْدودنا صُورْ مِرجَاه(14)

حِنَّا وايَّاكم ابْنعِمْةً  قبل ذِلْوانْ                                              إنتم فزعتنا ، إوْ حنا لكم جاه.(15)

صِبْيَان حِلَّسْ بالمجالس لَهَم شَانْ                                وابْجَالَ البِداوي ارْجال ، صَلْفيين وِامضَاه(16)

حتى العمـــــاوى قال من ذْلِوانْ                                    جَمْعَ النّصارى بَيرقَ الحـــــربِ تَلقَاه(17)

 وَجْدِي على ( قـــــــــــدر ) الكرك يَومَ الاِمحان                       قَلعَةْ حَصينه او نَايِفه ابْراسْ مِعصَاه(19)

يبكي عليه امْنَ الدِّواوير سِلْفَانْ                                               هَدَّت صَهَاوِيْها عَلى شَانِ فِرقاه(20)

  تبكي عَليه البيِض ، بادموع غِدران                                         عَولاْتْ كْن سُوَّنْ على البيتْ مِنْعَاهْ(21)

 مسكين يا اللي باجالنا صار بَجْخان                                        بَالبدودِقَة  يصِفُّوا الذهب من دناياه(22)

إصبر  وَالين الصَّبرْ فَراجَ الاحزانْ                                      كم شِدّة ياتي فرجها امْنَ الله(23)

لا بِدَّ ما انْعُودَ الكرك وَايَّ الاوطانْ                                 وِاحاسبْ هَيلَ الدَّين إو نعطيهم اياه(24)

شرح الأبيات

(1). قال الاعكيش ( عبداالله العكشة ) وهو حائر في مصائبه ، اصبر على حكم الله في خلائفه .

      غلبان والجمع غلبانين ، وغلابى : حائر لا يدري ما يصنع ، وتطلق على الفقير المعدم .

(2). أشرفت من رؤوس الجبال . مشفقا ً : شديد الشوق ، لأن رؤوس المرتفعات تقوي عزائم الأشقياء

طليت : أشرفت ، وهي بدلا ً من أطلَّ،  شفقان : مشفق متلهف،  النوابي : جمع نباة وهي المرتفع .

(3). رأيت القلاع التي على جبال القفقاس التي بنيت في عهد أجدادهم الأولين.

(4). رأيت الجبال التي تكسوها الغابات كأنها الكثبان . وفي هذه الغابات تعيش الضواري وهي مخابئ لها، الهيش أو الهيشة : يعنون بها الغابة الكثيفة .

(5). شاهدت الحقول مروجا ً سهلة تحرثها الأبقار جيئة وذهابا ً متتالية .

سمهدان : لا أثر فيها لارتفاع أو انخفاض أو حجر تعثر به القدم . تروح أزواج البقر للحراثة وتجيء متتالية .

(6). شاهدت الكروم والبساتين والجنائن وما أحلى أثمارها وأشجارها .

(7). كلها مناظر تسحر الأنظار جميلة وهي سلوى لأهل البلاد .

(8). لو كانت هذه البلاد جنة عافتها نفسي لأنس الآن أريد مقر أجدادي ، يا ما أحلى سكناها!

 إذلان : أصلها هذا الأوان / يا احليل : ما أحلى.

(9). لو كانت بلادي صفاة صلدة لا تعرف الابتسام ، ليس فيها أثر للعمران ، لو أنها خراب  .

 صعْنُون : لا تنبت شيئا ً ، والأصل فيها الوجه الذي لا يعرف الإشراقة والثغر الذي لا يعرف الابتسامة/المزابل حلاياه : ايجملها إلا المزابل ! إن كان في المزابل ما يجمّل .

(10). أين الكرك وجبالها أين جبل (شيحان) أين المرتفعات التي من أشجارها الميس الذي يقتات بثمرها الجائع!

(11). أين القصر وتلاع سلمان والربة التي كرمها الله .

(12). أين الأبطال فرسان الخيل حماة الكرك الذين إذا حضروا كانوا بمنزلة سور لها لا يجرؤ أحد أن يغشاها.

 الاقروم : جمع قوم وهو السيد العظيم ، وقد وردت في اللغة بهذا المعنى .

(13). المجالية الذين يروون الرماح من دماء الأعداء إذا صار الغزاة يستنهض بعضهم همة بعض بقوله : (فعلك يا أخو فلانة!) – أي أرني شجاعتك – في مؤخرة قطعان الإبل والخيل المحاربة ، إخوات خضرا : نخوة المجالي وبها تُستثار حميتهم، الدبايل : الخيل الكثيرة وفي المعركة .

(14). نحن عِز لكم وأنتم مجد لنا وأجدادكم لأجدادنا حماية ومرتجى .

(15). نحن وأنتم بنعمة قبل هذا الزمان أنتم تدافعون عنا ونحن مجد لكم .

       فزعتنا : الذين يساعدوننا في الملمات . وفزع له : انتصر له – وهو فزعته : هو نصيره . وفي اللغة فلان فزعة للناس : نصير لهم .

(16). صبيان حِلّس : كناية عن عشائر الكرك الأردنية المسيحية، لأن هذه هي نخوتهم ، لهم قيمة عظيمة في المجالس المهمة  .

صلفين وامضاه : أشداء شجعان .

(17) حتى شاعر الكرك الكبير (العماوي) قال عليهم قبل هذا الزمن : (محاربو وفرسان عشائر الكرك المسيحية تجدهم لواءً مظفرا ً في الحرب ) . يبرق الحرب : أشهر المحاربين .

والعماوي : شاعر مشهور في الكرك وفي كل الديار الأردنية ، له في مدح العشائر المسيحية الأردنية قصائد عامرة .

( 18 ) . بيت محذوف .

(19). حزني الشديد على (قدر) قدر الكرك عند الاختبار والمحن قلعة حصينة في مرتقى عالٍ مقام للعصيان.

       (قَدِر) هو (قدر المجالي) زعيم الكرك وقائد ثورة الهية سنة 1910 ، اغتاله والي دمشق العثماني بالسم عقابا له على مواجهته للعثمانيين ومنعا له من الانضمام للثورة العربية الكبرى . وقد كانوا يسمونه (علي) اسما ً حركيا ً ليردوا عنه العين الشريرة الحاسدة وليخفونه عن أعين جواسيس القادة الأتراك.

(20). تبكي لفقده سلفان لا تحصى ، هدمت بيوتها حزنا ً لفراقه .

(21). تبكي على (قدر) النساء ، ويكنون عنهم بـ(البيض) الواحدة بيضا ، قالوا :

      “أَلنِّسوان ما حَبَّين بَيْضا ً غَريرة       والرجال ما ايحِبُّون رَجَّالْ شِجيْعْ” .

     ويبكين بدموع غزرة تشبه الغدران ، معولات : الاعوال هو المدعو (المَعَيِدْ) ، وهو تعداد حسنات الميت تردده النساء واقفات ، ولا يجوز أن يقام المعيد إلا على زعيم أو من هو في منزلة الزعيم ، وقد حولن البيت إلى منعاة أي مأتما ً .

(22). مسكين أيها الشامت بنا – بَجْخَان : معناها في الأصل مفتخر متكبّر ، لكنها هنا تعني الشامت . لقد فقد عزا ً له بالبوطق – التي يدعونها – وهما ً – البودقة ! …

(23). يخاطب نفسه في حيرة ، قائلا ً : اصبر لأن الصبر هو الذي يفرج الاحزان ، وكم غمة جاء فرجها من الله مع الصبر .

(24). لا بد من أن نعود إلى الكرك ، ونحل في أوطاننا ونحاسب كل من أساءوا إلينا بالذي أساءوا به ونرد لكل مسيء ديونه كما يستحق !

المصادر:

  • المرحوم الشاعر عبدالله العكشة ، معلمة للتراث الاردني، روكس بن زائد العزيزي، مطبعة السفير، 2012.
  • عرس البويضا، فريد العكشة، وزارة الثقافة،2011.

قصيدة عبدالله العكشة الثانية من منفاه

الكورة خلال الحقبة الاسلامية المتأخرة

بعد هزيمة المماليك أمام العثمانيين في معركة مرج دابق 1516 واجتياحهم للمنطقة توجهت قواتهم الغازية بقيادة سليم الأول لمصر التي أحكموا سيطرتهم عليها بعد معارك دامية  عام 1517 واصبحت كامل المنطقة تحت سيطرة الاحتلال العثماني لمّدة اربعة قرون ، بما في ذلك الأراضي الأردنية التابعة للواء عجلون المكون من عّدة مقاطعات (نواحي) تضم الكورة من الشمال، وعجلون جنوباً، وبنو علوان (المعراض) شرقاً، ويضاف اليها ثلاث مقاطعات شمالية وهي بنو الأعسر، وبنو جهمة، وبنو كنانة المحاذية لنهر اليرموك ، والتي ألحقها العثمانيون بولاية دمشق، في محاولة منهم لإضعاف السكان وفصلهم عن عمقهم التاريخي الأردني ، حيث تشكل منطقة عجلون وما حولها جزءاً من أراضي جلعاد القديمة، التي كانت تضم عددا من مدن الديكابوليس في الحقبة الرومانية، وتعتبر عجلون منطقة جبلية حرجية، تنتج الحبوب وتصلح لزراعة شجر الزيتون حيث اشتهرت بزيتها، وعرفت على الدوام كموطن للجوء واستقرار السكان الحضريين. أطلق عليها أحياناً اسم جبل جرش أو جبل عوف، نسبة للقبيلة الثائرة التي سكنتها في عهد الفاطميين (القرن العاشر الميلادي)، ومن ثمّ عمّ السلام في المنطقة في عهد الأيوبيين (أواخر القرن الثاني عشر الميلادي – بداية القرن الثالث عشر الميلادي)، وبنيت فيها قلعة تدعى اليوم بقلعة عجلون أو قلعة الربض في موقع يُقال بأنه كان ديراً سابقاً، ولعبت عجلون دوراً هاماً في زمن الحرب ضد الصليبيين، وتعرضت للتدمير الجزئي على يد المغول، حتى أعيد بناؤها في عهد المماليك (نهاية القرن الثاني عشر إلى القرن الخامس عشر الميلادي).

التقسيمات الإدارية العثمانية للواء عجلون عام 1596 (عدنان البخيت)
(التقسيمات الإدارية العثمانية للواء عجلون عام 1596 (عدنان البخيت

لمحة تاريخية عن الكورة :

الكورة: تعني الصقع والبقع التي يجتمع فيها القرى والمحال وجمعها كور، كانت قصبة الكورة في العهد الروماني هي قرية عفر  (مرحبا) وفي عهد البيزنطيين مدينة فحل (بيلا)  وفي عهد المماليك ( كفر الماء ). أما في العهد العثماني فقد كان مركز الناحية تبنه، أما في العهد الهاشمي فأصبحت مدينة دير أبي سعيد مركزا للواء الكورة.

إن الباحث عن الكورة يظهر له جلياً الكثير من  المناطق التي تحمل ذات الاسم ( الكورة ) في المصادر. وقد أشار ابن خردذابة (ت 300هـ/ 912م)  في بداية القرن الرابع الهجري إلى كورة الجبال ومركزها غرندل، وكورة مآب ( مؤاب ) ومركزها مآب وكورة الغور ومركزها أريحا وكورة الظاهر ومركزها عمان وكورة فحل ومركزها فحل والأخيرة هي مقصدنا، وقد أشار الباحث متمن  (Mittmann)  الألماني إلى سكنى دير أبي سعيد في العصر البرونزي، وهناك الكثير من المواقع الأثرية التي ترجع إلى العصر الحديدي مثل تل دير أبي سعيد، وتل الفخار، وتل المقلوب، وأبو الخس. أما في العصر الكلاسيكي، فقد دخلت المنطقة تحت النفوذ اليوناني، ولعبت فحل دوراً اقتصاديا وسياسيا، ثم دخلت المنطقة تحت حكم الرومان، ثم العصر البيزنطي حيث انتشرت فيها الكنائس والمدرجات والطرق المبلطة وبقايا حمام بيزنطي، لا زالت آثاره ماثلة للعيان حتى كتابة هذا البحث. ثم دخلت دير أبي سعيد وجوارها بعد معركة فحل سنه  14هـ/ 635م تحت السيادة الإسلامية فظهرت مخلفات معمارية تعود للعصور الأموية والعباسية والأيوبية والمملوكية انتشرت في مختلف أنحاء دير أبي سعيد وجوارها مثل خربة صير- قرب بلديه بيت أيدس ومسجد خان زينة (الأشرفية حالياً)  (الأشرفية حاليا) ، وخربة  دير العسل غرب كفر راكب (4).

حدود الكورة:

حددها الرحالة السويسري بيركهارت (J.L.Burkhardt) عام 1812م بقولة: “دير أبي سعيد والكورة يفصلها عن عجلون الجانب الغربي الجنوبي وادي اليابس الذي يصب في نهر الأردن والكورة تجاور الوسطية في الغرب والغرب الشمالي وبلاد بني عبيد في الشرق وقراها الرئيسية، وتبنه حيث يقيم الشيخ الذي يمارس نفوذه على عنبه، دير أبي سعيد، ازمال،  كفرأبيل، كفرعوان، بيت ايدس، خان زينة (الأشرفية)، كفرراكب، كفر الماء”.

وأما الرحالة  البريطاني ج.س بكنجهام (Bekngham.S. J. ) فقد زار الكورة عام 1821م، ولم يذكر دير أبي سعيد واكتفى بالقول “وممرنا بعد ذلك بقرية سموع ” (16) . وبعده مر بها الرحالة روبنسون (Robinson) وسميث   (Smeeth) وكتب في تقريره الصادر عام 1838م عن القرى التابعة لناحية الكورة وهي: تبنه، وعنبه، وزمال، وسموع، وجنين، ودير أبي سعيد، وكفرالماء، وخان زينة (الأشرفية حالياً)، وكفر راكب، وبيت ايدس، وكفر عوان، وكفرابيل، وجديتا، وزوبيا، ودير يوسف، وبيت يافا، والنقيع، وكفركيفيا، الرخيم، الأربعين”.

أما الرحالة سيلاه ميرل  (Selah Merrill) فقد مر بالمنطقة عام 1876م وزار تبنه ووادي اليابس، ولم يشر إلى  دير أبي سعيد، إلا أنه تناول جوارها بقوله ” شجرة القينوسي شجرة مقدسة عند أهل المنطقة”. وأشار إلى وادي حمام ووادي زقلاب وتبنه وعين سيرين وعين الجرن، وجنين، وازمال، وأبو شوشه، وشجرات بنات اليسر، وشجرة المستريحي، وسموع التي قال عنها أنها تعاني من جشع المرابين الدمشقيين.

المنطقة في سجلات الضرائب العثمانية

ويبين سجل الضرائب (الدفتر المفصّل) في نهاية القرن السادس عشر، عدد الرجال الذين يدفعون الضرائب للاحتلال العثماني والنشاطات الاقتصادية للواء عجلون ويوضح السجل أن منطقة جبل عجلون وما حولها كانت أكبر المناطق الأردنية المأهولة بالسكان تليها السلط وجوارها، كما تضّمن السجل أيضاً جرداً لجميع القرى، بما فيها عدد الوحدات الضريبية (خانة = أسرة) والضرائب المفروضة على المنتجات الزراعية والحرفية. حيث بلغ عدد القرى في منطقة الأردن 400 قرية بتعداد سكاني يصل إلى 35،000 نسمة تقريباً في القرن السادس عشر في نفس الحين كانت دمشق تضم 50،000 نسمة تقريباً، مع الإشارة إلى عدم احتساب القبائل والعشائر الأردنية التي كانت ترفض التعداد وتتنقل وتتحول من حياة الاستقرار لحياة الترحل هرباً من دفع الضريبة التي كانت بطريقة الجباية وبدون توفير أدنى حدود الخدمات والحقوق بالمقابل، وخوفاً من بطش السلطة العثمانية.

المنطقة

إجمالي عدد البيوت
عجلون 1801
السلط 881
علّان 284
الكرك 1203
الغور 18
الشوبك 361
وادي موسى 136
جبل بني حميدة 342
قبائل بدوية مسجّلة 1690
الإجمالي المسجّل 6716
إجمالي غير المسجل غير معروف

كانت قرى لواء عجلون في القرن التاسع عشر تنتج الحبوب والقمح والشعير وكذلك الخضار المخصصة للإستهلاك المحلي. واختلفت المحاصيل المخصصة للتجارة من منطقة إلى أخرى، حيث كانت تزرع الهضاب بالقمح وتنتشر فيها زراعة العدس. أما في القرى الجبلية كقرية تبنة، فقد زرعت فيها بشكل أساسي أشجار الزيتون (زيت الزيتون) والكروم التي تنتج العنب المجفف (الزبيب). وفي القطاع الواقع على الحدود الشمالية المحاذية لليرموك، في منطقة الكفارات، بدأ من التجّار أيضاً بإنشاء مساحات كبيرة لزراعة الزيتون التي بدأت من أواخر القرن التاسع عشر الميلادي. كما وجدت في أنحاء المنطقة مراعي للماعز وخلايا للنحل، وتشكل مصدراً معيشياً إضافياً للقرويين. أمّا الحيوانات فقد كانت تعيش في الخارج طليقًة، وفي بعض الأحيان كان يتّم تجميعها في المغارات أو داخل البيوت نظرا لحالة انعدام الأمن في ظل غياب الدولة التي كانت تحكم بالوكالة إبان فترة الاحتلال العثماني. وتعتبر قرية تبنة من أهم القرى في منطقة جبل عجلون، وتضم 280 أسرة، وهي من المناطق ذات الأراضي الواسعة الإنتشار. حيث يوجد في الأراضي الواقعة في الشرق حوالي 10000 شجرة زيتون، تتبع لقانون الملكية الخاصة على الرغم من وجودها في اراض للمشاع وبنيت المنازل فيها من الحجارة والمواد المحلية، وبشكل عام كانت تحتوي المنازل على غرفة واحدة واسعة ذات سقف مستند على أقواس كبيرة، وتجري النشاطات العائلية في اغلب الأوقات على مصطبة كبيرة بنيت فوق حظيرة الحيوانات للإستفادة في الشتاء من الحرارة الناجمة عن وجود الحيوانات في الطابق السفلي.

تغيرات كثافة السكان بين 1596 و 1880:

وبمقارنة الوضع الديموغرافي بين القرنين السادس عشر والتاسع عشر، فإننا نجد تبايناً كبيراً: حيث انخفضت الكثافة السكانية بشدة، وتراجعت حدود المساحة المزروعة باتجاه الغرب أمام تقّدم القبائل الرحل، كما قّل عدد سّكان القرى في اغلب المناطق، بينما ازداد عدد الّرحل فيها. ويعود أسباب هذا التراجع إلى: التدهور التدريجي للنظام الإداري والضريبي للدولة العثمانية ابتداءً من نهاية القرن السادس عشر، وإدخال نظام جديد لجباية الضرئب (التزام) الذي أدّى إلى آثار سلبية على الريف الأردني، بالإضافة إلى انخفاض قيمة العملة في نهاية القرن السادس عشر، وما تبع ذلك من تدنّي دخل الأفراد الذين كانت تُدفع رواتبهم نقداً. اختلفت نسبة هجرة الريف تبعاً للمناطق، ففي حين تشهد الهضاب وجبال عجلون ظروفاً مستقرة نسبياً تقل نسبة الهجرة فيها عن 20%، نرى المناطق القريبة من حدود الرحل كمنطقة منحدر وادي الأردن وقطاعات صغيرة جنوب عجلون تعاني هجراً كلياً بنسبة 50%، بينما تظهر المنطقة الجنوبية القليلة السكان أقل تأثراً بهذه الظاهرة. وفي الربع الأخير من القرن التاسع عشر تبدأ العودة الديموغرافية مع استعادة الأراضي المهجورة في القرون السابقة.

ويوضح الشكل المرفق تراجع عدد السكان خلال الفترة من 1516- 1880 لأسباب استعرضناها مسبقاً وتتعلق بالضرائب العثمانية :

تغير كثافة السكان خلال الفترة 1516 -1880
تغير كثافة السكان خلال الفترة 1516 -1880

 

تأثير الضرائب العثمانية على خفض الوجود السكاني في الأردن
تأثير الضرائب العثمانية على خفض الوجود السكاني في الأردن

 

أسباب الأطماع العثمانية في الكورة وجبل عجلون:

اعتبر العثمانيون ، جبل عجلون والكورة من المناطق الحيوية المهمة بالنسبة لهم ولمصالحهم ، للحصول على غاياتهم الأساسية وهي الضرائب والجنود ، من ناحية الكثافة السكانية في المنطقة ، إضافة للأهمية الاقتصادية لغابات عجلون والكورة وخصوصا مناطق برقش التي تعتبر أكبر محمية طبيعية بيئية في الشرق الأوسط ، كانت تشكل مصدر طاقة ودفء لهم شتاءّ ، واستخدمت أخشاب هذه الغابات وقوداً لتسيير الفراقين (ويرجح ان يكون معناها مقطورات القطار العسكري / البابور، حيث يذكرها شاعر الاردن البطل عبد الله العكشه في إحدى قصائده في ذات السياق) التي كانت تستعمل آنذاك ـ أضف لذلك الحمامات المعدنية في الجزء الشمالي الغربي من جبل عجلون والتي كانت من وسائل العلاج الناجح لسكان المنطقة ومن خارجها ، وظل الوضع قائماً على ما هو عليه، ولم يتحسن الوضع الاجتماعي للفلاحين الأردنيين بمرور الزمن في المنطقة ، بل على العكس ظل الفلاحون الأردنيون بلا حيلة عرضة للنهب والضربِ .

غابات برقش ، من أكبر المحميات الطبيعية والغابات المتوسطية في المنطقة
غابات برقش ، من أكبر المحميات الطبيعية والغابات المتوسطية في المنطقة

الكورة خلال حكم محمد علي باشا:

 بعد انقلاب الوالي العثماني محمد علي الكبير على العثمانيين في اسطنبول، حدث أن سيطر على الحجاز بعد انتصاره على الوهابيين في نجد وبيّت النية لاحتلال سوريا وانتزاعها من سلطة السلطان العثماني، فقام في 2/11/1831 بإصدار الأوامر للتحرك في حملتين إحداهما برية والأخرى بحرية وكانت سوريا والأردن ولبنان وفلسطين هدفا لهما. رحلت أربعة آليات من المشاة ومثلها من الفرسان برا من الصالحية شمال القاهرة إلى يافا عن طريق العريش وكان القائد العام لهذا الآليات من المشاة إبراهيم باشا ويكون ابن أخت محمد علي الكبير، أما القائد العام لآليات الفرسان فكان عباس باشا حفيد محمد علي الكبير، أما إبراهيم باشا بن محمد علي الكبير فكان على رأس أسطول رهيب يتكون من ستة عشر سفينة قتال، وسبعة عشر ناقلة تحمل على متنها هيئة ضباطه بالإضافة الى أربعين مدفعا صغيرا وعدد من مدافع الحصار وهكذا وصل عدد القوات البرية والبحرية الى ثلاثين ألف رجل.

استقبل الأهالي في المنطقة هذه الجيوش بترحاب وتهليل ظناً منهم أن الجيوش قد قدمت عونا ومساعدة لهم ولتخليصهم من ظلم الدولة العثمانية التي دعمتها الدول الأوروبية ( بريطانيا – فرنسا – روسيا )  في ذلك الوقت  خوفاً من تمرد محمد علي باشا، ولذلك نرى أن هذه الجيوش لم تلق مقاومة تذكر في البداية وسارت من نصر إلى نصر بسرعة فائقة حتى أنها وصلت الى كوتاهيه في الأناضول عام 1833 م – 1249 هـ ، وهناك تم عقد صلح بينهما وبين الدولة العثمانية في 8/ابريل 1833 م. بعد تهديد القوى الغربية بقصف قوات محمد علي باشا الذي اكتفى واقتنع بإعطاءه وبسط نفوذه على ما سيطرت أساطيله عليه وصولاً لشمال سوريا مقابل التوقف عن زحفه باتجاه عاصمة العثمانيين الذي كان منهم وانقلب عليهم كعادة الولاة والحكام العثمانيين المليئ سجلهم بالخيانات في ذلك الزمان. وكانت الاتفاقية التي ابرمت تنص على أن الدولة العثمانية توافق على تثبيت حكم محمد علي باشا على مصر وكريت (جزيرة يونانية في البحر المتوسط) والحجاز وراثيا على أن يجلو جيشه عن باقي بلاد الاناضول، وأن تبقى المناطق التي دخلتها الجيوش في الأردن وسوريا ولبنان وفلسطين تحت حكم إبراهيم باشا لمدة أربعة سنوات شريطة بقاء محمد علي تابعا للسلطان.

والواقع أن سكان المنطقة ما لبثوا أن اكتشفوا أن ما حدث لهم كان كمن يستجير من الرمضاء بالنار، أو كما يقول المثل الشعبي “خرج من تحت الدلف لتحت المزراب” واكتشفوا أن لا عثماني أفضل من آخر مهما تبدلت الاسماء والرايات ، فكانت الأوضاع من سيء إلى أسوأ وسرعان ما تدهورت الأمور وازدادت الأحوال صعوبة وعسراً ، فالضرائب ارتفعت ، وتجاوزات عسكر محمد علي باشا وقادته كانت تستفز مشاعر الأردنيين في الكورة الذين رفضوا كغيرهم من أبناء الأردن في المناطق الأخرى تاريخياً كل محاولات الحكم الخارجي لهم وكانت نتيجة هذا الرفض مجموعة من الثورات الصغرى ، وما لبثت الثورات أن انفجرت في المنطقة في وجه القادم الجديد لتعم الأردن (سواء عجلون والكورة أو في البلقاء والكرك) و في دمشق  ولبنان وفي اللجاه وجبل الدروز و فلسطين، واستنزفت هذه الثورات الكثير من الجهد والمال والأنفس البشرية مما أثر سلباً على إبراهيم باشا وجيوشه.

533px-Sultan_mohemmed_ali
محمد علي باشا الكبير

 

ثورة الكورة عام 1834 :

كانت ثورة محلية بقيادة رباع الثاني بن شريدة بن رباع، الذي أصبح زعيما وشيخا للكورة بعد أن أعدم العثمانيون والده شريده بن رباع في المزيريب، وكان شريدة هذا قد أعدم لأنه قتل أكثر من والي وحاكم من أتباع العثمانيين وانتصر على جيش أحمد باشا الجزار بقيادة الونّي (أحد قادة احمد باشا الجزار ، ورد اسمه في عدة مراجع منها د. أحمد عويدي العبادي ولكن لا معلومات واضحة عن اسمه الأول) في معركة وادي الغفر التي انتصرت فيها العشائر الأردنية على القوات العثمانية في ذلك الوقت، وتفيد بعض الروايات الشعبية أنه قتل بعد المعركة بسنوات انتقاماً وغدراً وظلماً كما جرت العادة من قبل العثمانيين في المزيريب وكان هذا عام 1831 م. وقد استلم رباع الثاني الزعامة والشيخة وقام بثورته سنه 1834 بمساعدة بعض وجوه لواء الطيبة الشمالية فقاموا بالهجوم على معسكرات ابراهيم باشا في اربد واستولوا على كثير من المؤن والعتاد والخيول، وقفلوا راجعين مرشدين. ونرى هنا أن هذه الثورة حصلت وكان ابراهيم باشا لا يزال بعز قوته وعنفوانه.

ففي عام 1834 هاجم ابراهيم باشا الشيخ رباع الثاني في تبنة ونزل فيها ولكن لم يستطع أن يحقق شيئا يذكر، وذلك لطبيعة تبنة الوعرة ومسالكها الصعبة باعتراف قادته، وبعد أن يأس ابراهيم باشا من أن يصل إلى رباع لجأ للحيلة والمكر، واستطاع بهذا الاسلوب أن يعتقل رباع الثاني وأخذه معه إلى سوف حيث كان يعسكر هناك جيشه بقيادة أحد قادته ويدعى خفتان أو قفطان وأعدمه في سوف عام 1834 م.

ومع ذلك لم تهدأ الكورة ولا جبل عجلون فقاموا بثورة ثانية عام 1839م ، ساهمت في إنهاء سيطرة قوات محمد علي باشا على المنطقة ، سنستعرضها في بحث مخصص لها لاحقاً.

المراجع :

  • أطلس الأردن ، الفصل 4 – العصران الإسلامي والعثماني (629 ق.م. – 1918) ، المعهد الفرنسي لدراسات الشرق الأدنى عدنان البخيت ، جان-بول باسكوال
  • فريدريك بك، تاريخ شرق الأردن وقبائلها، تعريب بهاء الدين طوقان ، الدار الأهلية .
  • دراسات وثائقية لجبل عجلون والكوره من خلال المحفوظات الملكية المصرية 1255هـ 1839 هـ / أيمن الشريدة
  • قول اللزوم في تصويب بعض ما جاء في دراسة بني مخزوم ، عبد العزيز كليب الشريدة ، دائرة المكتبة الوطنية 2008
  • سليمان الموسى، رحلات في الأردن وفلسطين، المجموعة الثانية ط1، منشورات دائرة الثقافة والفنون، عمان 1987 م
  • بيركهارت، رحلة بيركهارت في جنوب سوريا، ترجمة انور عرفات، المطبعة الأردنية، 1969
  • كتاب أرابيلا مدينة الثقافة عبر العصور ، د.عاطف محمد سعيد الشيـَّـاب (بحث هند ابو الشعر قصبة اربد في العهد العثماني ص48-ص67)
  • هند أبو الشعر: تاريخ شرق الأردن في العهد العثماني.
  • مخطوط ثريات الذهب وبعض الذي جادت به قرائح العرب (مذكرات صالح مصطفى التل) ، عبد العزيز الشريدة
  • مقابلة مع عبد الله كليب شريدة ، أحمد الدباس – الدستور 6 ايار 1987
  • مقابلة مع عبد الله كليب شريدة ، محمد الخشمان – الرأي 6 نيسان 1980
  • لواء الكورة الأرض والإنسان والتاريخ ، عارف أبو كركي ، ومحمد بني يونس 1991 ، منشورات وزارة الثقافة الأردنية
  • كتاب دراسات وثائقية لثورة جبل عجلون والكورة ، للباحث أيمن الشريدة المنشور في العام 1995 الجامعة الأردنية
  • مقالة في جريدة الدستور الاردنية بتاريخ 19أيار 2011 بعنوان ، ( محطـَّـات .. إربداوية : قبل 172 عاما.. أهالي إربد يثورون ضدَّ حاكم مصر محمد علي الكبير)
  • كتاب خالد بن الوليد ، عبد العزيز الشريدة .
  • كتاب كليب الشريدة احد رجالات الشمال ، عبد العزيز الشريدة ، منشورات وزارة الثقافة الأردنية، 2000 .
  • بحث قصة دير أبي سعيد ، الباحثان عمر صالح العمري* محمد أحمد بني يونس ، مجلة المنارة العلمية آل البيت 2013

ثورة الكورة الأولى 1834م

الولادة والنشأة

الشيخ راشد الخزاعي الفريحات

ولد الشيخ الأمير راشد بن درغام بن فياض بن مصطفى بن سليم الخزاعي الفريحات عام 1850م في منطقة جبل عجلون شمال الأردن وهي مدينة أردنية ذات تاريخ حافل ، حيث يمتد نسب عائلته لقبيلة قضاعة الأردنية التي يعود استمرار تواجدها التاريخي على الأرض الأردنية لما قبل الميلاد؛ حكمت قبيلة قضاعة منطقة شمال الأردن قبل الغساسنة وكانت جرش عاصمة مملكتهم الأردنية في ذلك الوقت، ومنها أيضاً بني عوف أمراء منطقة جبل عجلون التي تمتاز بوجود العديد من العائلات الأردنية التاريخية المسيحية والمسلمة الذين يجمعهم التاريخ الناصع المشرّف والمشترك وتضحياتهم المبذولة في سبيل الوطن الذي استطاعوا الحفاظ عليه عبر صونهم للحقوق والحريات وإعلائهم لقيم المواطنة على الاعتقاد، فتجدهم استقبلوا القائد الكردي صلاح الدين الأيوبي وساعدوه في حربه وحربهم ضد الفرنجة، وهي المعارك التي شارك فيها الأردنيون جميعاً للدفاع عن وطنهم لما استشعروا خطر الغزو الخارجي المتستر بالدين واقترابه من حدودهم، ففتحوا لصلاح الدين أبواب قلعتهم التاريخية “قلعة الربض” في أعلى جبل عجلون لتكون حصناً ومقراً لقيادة المعارك في ذلك الوقت، ومن هنا جاء راشد ليكون وريثاً شرعياً وعن استحقاق لجينات الزعامة الوطنية إلى جانب الوعي بهذه المفاهيم والقيم الأصيلة الداعية لحرية الاعتقاد والتعايش والانسجام، مما جعل منه أيقونة للدفاع عن الحريات الدينية والوئام ليس في الأردن فقط ، بل امتد وعيه ودفاعه هذا ليغطي الدول المجاورة.

 

راشد الخزاعي في مواجهة العثمانيين

كان راشد الخزاعي الفريحات زعيماً وقائداً وطنياً لمنطقة جبل عجلون، ومن الطبيعي جداً أن ينحاز القائد الحقيقي لشعبه ووطنه ويستشعر الظلم الواقع عليهم عندما يرى أهله يعانون من الاضطهاد، ورغم محاولة العثمانيين السيطرة على فطرة الأردنيين نحو الحرية ورفض الحكم الخارجي، واستماتتهم في محاولة استرضاء وكسب ود الزعماء والمشايخ في فترة الاحتلال العثماني والحكم بالوكالة، وهو ذاته ما فعلوه مع راشد باشا الذي كان ممثلا كسنجق دائم وأميراً لحاكمية جبل عجلون، حيث عمد الاحتلال العثماني إلى تأسيس سنجقية عجلون في سنة 1517 بعد تقسيم العثمانيين للمنطقة لولايات وسناجق لتسهيل السيطرة عليها والحد من الثورات الأردنية الصغرى التي انطلقت منذ بداية العهد العثماني، فما كان من راشد باشا وهو الوطني الحر إلا أن يدافع عن أبناء شعبه بكل الطرق الدبلوماسية في بادئ الأمر ويقف في وجه الضرائب العثمانية الجائرة والمرتفعة جداً بعد أن تعمدوا بسياستهم إفقار وإذلال الأردنيين وتجفيف مصادر دخلهم لقتل أي أمل للتحرر وما زال أهل عجلون يذكرون ما تناقلوه عن أجدادهم في وصف تلك الأيام قائلين: “كنا نطحن البلوط ونخبز الشعير” ، بعد أن كانت عجلون مزدهرة في العهد المملوكي وما سبقه من الفترات التاريخية، حين كانت قلعتها صرحاً علمياً عالمياً يخرج الأطباء والجراحين .

انتزع راشد الخزاعي زعامة جبل عجلون بشكل فعلي عن جدارة واستحقاق وباعتراف رسمي من الدولة العثمانية في بداية القرن العشرين، خصوصاً بعد وفاة الشيخ حسين البركات ، وتعزز دوره بعد زواجه من ابنة الرجل القوي والشيخ الأسبق حسن البركات الفريحات ، الذي توفي عام 1881م والذي وصفة الرحالة (اوليفانت)(4) سنة 1879م بأنه يستطيع أن يجند 1400 فارس ، في الوقت الذي لا يمكن لغيره تجنيد عشرة فرسان ، وبذلك جمع ثقة فرعي الزعامة في العشيرة وعجلون عموماً، الأمر الذي دفع براشد أن يكون خصماً ونداً للعثمانيين لا معيناً لهم ضد أبناء شعبه، فكان الولاة العثمانيون يخشونه ويتحاشون الاصطدام به لنفوذه في منطقة عجلون وما حولها، وحدث أن تأخر راشد الخزاعي عن حضور إحدى الاجتماعات لحكام المناطق الواقعة تحت سيطرة الاحتلال العثماني، فلم يسمح الوالي العثماني ببدء الاجتماع قبل وصول راشد ، وعند وصوله أجلسه بجانبه محاولاً كسب وده، إلا أن حيلة الاسترضاء هذه سرعان ما أثبتت فشلها مع أول جولة من النقاشات، حين سأل الوالي العثماني  الحضور عن ما جمعوه من ضرائب وعن عدد الأنفس والمواشي في مناطقهم، الأمر الذي استفز راشد الخزاعي فأخذوا يجيبونه ويقدمون ما جمعوه ويقول كل منهم عندي كذا وكذا، وحين وصل الدور لراشد باشا كان رده : ( أنا عندي أربع آلاف بواردي (رجل مسلّح) ومش المهم قديش عنا أراضي وقديش النا وقديش الك، المهم عندي إنه بلادنا ما فيها صحة والأمراض سارية ومنتشرة، تعليم ما في ومحاولاتكم في التتريك مستمرة، والضرائب بدون مقابل أرهقت الشعب، كل فترة ضريبة جديدة، والأشجار تم تقطيعها، ولو أردتم إدراك الأمور فيجب عليكم إصلاح هذا الحال)، وحاول العثمانيون تهدئته ووعدوه بتحسين الأمور، لكن لم يحدث أي تغيير على الوضع القائم منذ احتلالهم للمنطقة، مما دفعه للتوقف عن جمع الضرائب لصالحهم وتأسيس حكم محلي ذاتي في منطقة جبل عجلون لإدارة شؤونها وتسيير أعمالها أسوة بالتجارب المماثلة الناجحة في عدد من المناطق الأردنية المجاورة ومنها الكورة بزعامة كليب الشريدة، حيث سخّر الأردنيون العوامل الجغرافية لتوحيد الإنسان مع الأرض في رفض الاستعمار والحكم الخارجي.

حياة راشد الخزاعي الأسرية

وفقا لحفيده الأستاذ المحامي معن الخزاعي : تزوج الخزاعي أربعة نساء الزوجة الأولى خزنه المومني ، توفيت ولم تنجب أبناء ، أما الثانية : يقال لها بنت طراد من بلدة عرجان ، أنجبت ولدين هما :محمد وفهد ، ولأنه كان محبا للأبناء والعزوة ، تزوج من رفقه الحسن ، وهي بنت الشيخ حسن البركات (شيخ عشيرة الفريحات وشيخ جبل عجلون لمدة تزيد عن 15 عاما خلال الاحتلال العثماني ) ، ورفقه الحسن كانت أشهر زوجات الشيخ راشد، اذ كانت متعلمة تتقن القراءة والكتابة وتنظم الشعر وكانت عوناً له في ادارة الشؤون المحلية وهنا يبرز الدور التاريخي للمرأة الأردنية والمشاركة السياسية والمدنية لها في المجتمع ، وقد أنجبت ستة أبناء هم : (فوزي ، لطفي ، شفيق ، محمود ، فواز ، فايز ) وتوفيت رفقة الحسن عام 1928م ، فتزوج بعدها الشيخ راشد الزوجة الرابعة (2) وهي آخر زوجاته ، واسمها بهيره بنت محمد صالح الصمادي،
وقد أنجبت السيدة بهيره الصمادي للشيخ راشد خمسة أبناء هم ( رفيق ، وفيق ، فائق ، حسان ، إحسان ).

حماية مسيحيي المشرق

ولم يكن الحكم المحلي الذي قام الشيخ راشد الخزاعي الفريحات بتأسيسه في جبل عجلون كوسيلة لتخليص أبناء المنطقة من شرور الاحتلال العثماني وتسلطه بمنأى عن الأحداث الإقليمية، بل استطاع الشيخ راشد الخزاعي أن يكون لاعباً أساسياً في الأحداث الخارجية التي شهدتها المنطقة، ونتيجة لأحداث الفتنة الطائفية بين الدروز والموارنة في لبنان في نهاية الاحتلال العثماني والتي كان للعثمانيين الدور الأبرز في تأجيجها من خلال تعزيز النظام الاقطاعي وتعمد استفزاز المسيحيين والتجييش ضدهم، تعاون الأمير راشد الخزاعي مع الأمير عبد القادر الجزائري الذي قام الاحتلال الفرنسي بنفيه من الجزائر لسوريا، وتدخل الأميران عبر قيامهما بجهود جبارة لحماية المسيحيين من الفتنة التي اجتاحت سوريا ولبنان، كما نجح الشيخ راشد بحكمته بحماية الأردنيين وإبقائهم بمعزل بعيداً عن نيران هذه الفتن الطائفية، مستنداً للقيم الأصيلة من المحبة والتآخي والوئام بين مكونات المجتمع الأردني تاريخياً، وهو الدور الذي يحافظ على هذه القيم والمثل قائمة حتى يومنا هذا في الأردن في ظل ما تشهده المنطقة من سباق نحو القاع في هذا الصدد، فقد أخمد الأميران نار الفتنة وسعيا لتطويقها، وأعلن الشيخ راشد الخزاعي أن أي اعتداء على أي مسيحي سيعتبر اعتداءً على شخصه، وعلى عشيرته وكل العشائر الأردنية عامة وعشائر عجلون خاصة، متوعداً بأنه سيوقع العقوبة بالمثل على أي شخص تسول له نفسه الاعتداء على أي مسيحي في المنطقة، الأمر الذي أدى لرحيل العديد من العائلات المسيحية السورية واللبنانية ولجوئها لعجلون إلى جانب العائلات الأردنية المسيحية والمسلمة ذات الوجود التاريخي المسجل في المنطقة والذي يعود لما قبل ميلاد السيد المسيح عليه السلام، وتكريما له على جهوده حصل الشيخ راشد الخزاعي على وشاح القبر المقدس من بابا الفاتيكان عام 1887 ليكون أول أردني مسلم وأول عربي يحصل على هذا الوسام الذي يعتبر من أعلى الاوسمة في الفاتيكان ويعطى للمطارنة والكاردينالات، وذلك لدور الشيخ راشد الخزاعي في حماية حرية الأديان وترسيخ مبادىء المحبة والسلام والوئام، ولجهوده ونضاله في حماية مسيحيي المشرق والدفاع عنهم وايوائهم .

حكومة جبل عجلون في العهد الفيصلي

استمر الحال في منطقة جبل عجلون على ما هو عليه من حكم محلي حتى انطلقت بعد ذلك بفترة أحداث الثورة العربية الكبرى التي كان الشيخ راشد أحد مناصريها، والتي جعلت منطقة الأردن خالية من الوجود العثماني في عام 1918، وانطلق بعدها الثوار الأردنيون لمساعدة الأشقاء في سوريا ، حيث وصلت قوات الثورة العربية الكبرى لدمشق وتم تأسيس المملكة الفيصلية في المناطق المحررة بقيادة الملك فيصل بن الحسين وتشكلت في الأردن ما بعد الثورة العربية الكبرى وقبل وصول الملك عبد الله الأول لتأسيس إمارة شرق الأردن عدد كبير من الحكومات المحلية إثر سقوط المملكة الفيصلية على يد الاحتلال الفرنسي، وفي البداية تشكلت حكومة إربد في شمال الأردن برئاسة علي خلقي الشرايري بتاريخ 5/9/1920 وكان راشد باشا الخزاعي من أبرز أعضائها ثم انفصل راشد باشا عن هذه الحكومة وقام بتشكيل حكومة أخرى برئاسته بتاريخ 13/9/1920 وسميت حكومة عجلون وكان انفصاله ومبادرته بتشكيل حكومة منفصلة كتلك الموجودة في الكورة برئاسة كليب الشريدة ، احتجاجاً من الزعامات الوطنية لمناطق شمال الأردن على التدخل البريطاني السافر والمباشر في عمل هذه الحكومات واستئثار الاستقلاليين السوريين اللاجئين للأردن هروبا من الاحتلال الفرنسي بمعظم مفاصل الدولة وموقفهم سيئ الذكر من الحركة الوطنية الأردنية، سيما مع انكشاف المخططات الهادفة لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين وإخضاع الدول المحررة من الاحتلال العثماني للاحتلال البريطاني والفرنسي ، الأمر الذي جعل من السياسيين والزعامات الوطنية يتحركون على مختلف الصعد السياسية والدبلوماسية والعسكرية لرفض هذه المخططات كل حسب طريقته ، وضمّت حكومة عجلون عدداً من الشخصيات الوطنية ، من خارج جبل عجلون حتى أن الشيخ الخزاعي في ذلك الوقت كان قد عيّن السيد علي نيازي التل كقائم مقام لتلك الحكومة أي (حكومة عجلون)، مما يدل على أنها كانت وغيرها حكومات ذات أهداف وأجندة سياسية وطنية جامعة وعمل وطني منظّم وليس مجرد تقسيمات عشوائية قائمة على أسس جهوية أو مناطقية، مما يفند أن يكون مؤسسو هذه الحكومات قد قاموا بتأسيسها بحثا عن جاه أو منصب، سيما وأن هذا الجاه متأصل في كل منهم فهم زعماء اختارهم الشعب عن محبته وثقته ولما رآه فيهم من قدرة على إدارة الدفة وقيادة المنطقة في تلك الفترة التي شهدت أحداثاً صعبة، فلعبت الحكومات المحلية في تلك الفترة دورا في حفظ النظام، وإدارة شؤون الناس وأحوالهم

المشاركين في المؤتمر الوطني عام 1928 ، الصف الأول من اليمين : الأستاذ علي خلقي الشرايري، الأستاذ عبدالمهدي الشمايلة، الأستاذ عيسى المدانات، الشيخ زعل المجالي، الشيخ عطالله الطراونة. الصف الثاني من اليمين: الأستاذ ناجي أبونوار، حسين باشا الطراونة، الشيخ عضوب الزبن، الشيخ راشد الخزاعي، الشيخ سليمان السودي، الشيخ حديثة الخريشة، سالم باشا الهنداوي،الأستاذ شمس الدين سامي.

تأسيس إمارة شرق الأردن ومقاومة الخزاعي للانجليز والفرنسيين والايطاليين

ومع وصول الأمير عبد الله بن الحسين للأردن عام 1921م وقيامه بتأسيس الإمارة والدولة الحديثة بمساندة العشائر الأردنية ومبايعتها له ايمانا بشرعية الإنجاز، شارك الشيخ راشد الخزاعي الفريحات ووفد مكون من 30 شخصاً من وجهاء عجلون جموع الأردنيين في استقباله، وانضوت الحكومات المحلية بما فيها حكومة عجلون تحت الحكومة المركزية ومقرّها عمان، واستمر الشيخ  راشد الخزاعي شأنه شأن بقية الزعماء الأردنيين بمقاومة أوجه الاحتلال مهما تعددت أعلامه وتسمياته وطريقته وحجم تدخله، فاستمر في رفضه للانجليز وللتعاون معهم، كما ساهم في دعم الثوار السوريين والأردنيين ضد الاحتلال الفرنسي لسوريا، واستضاف في بلدة كفرنجة عدداً من قيادات الثورة السورية ومن جملتهم سلطان باشا الأطرش الذي كانت تربطه علاقة وثيقة بالشيخ راشد الخزاعي، وشارك الخزاعي في دعم الثورات الفلسطينية ضد الانجليز، وتزويدها بالمال والسلاح، وتعدى دعم راشد حدود الدول المجاورة وتجاوز ذلك ليصل لما هو أبعد من فلسطين وسوريا، فكان له الدور في دعم الثوار الليبيين بزعامة عمر المختار ضد الاستعمار الايطالي، وفي نفس الوقت واصل العمل السياسي إلى جانب بقية الزعماء الأردنيين؛ الذين ما انفكوا يعقدون الاجتماعات والمؤتمرات التي كان  يتمخض عنها قرارات وخطوات عملية في ذاك الوقت ، حيث كان للشيخ راشد باشا الخزاعي دور بارز في العديد من المواقف الهامة في الحياة السياسية في فترة تأسيس إمارة شرق الأردن حيث شارك في جميع المؤتمرات الوطنية التي عقدت في عهد الإمارة بدءاً من أول مؤتمر والذي عقد بتاريخ 25/7/1928 في عمان إلى آخر مؤتمر والذي عقد بتاريخ 6/6/1933 بعمان إلى جانب عضويته ومساهمته في تأسيس العديد من الأحزاب الوطنية الأردنية في ذلك الوقت وهي كما يلي :

.1 حزب أنصار الحق سنة 1928

.2 حزب اللجنة التنفيذية 10/4/1929

.3 حزب التضامن 24/3/1933

.4 حزب مؤتمر الشعب الأردني في شهر آب 1933

.5 الحزب الوطني الأردني في نهاية عام 1936

لم يكن الشيخ الخزاعي شيخ عشيرة أو زعيما بالمعنى العادي للكلمة ، بل كان شخصية وطنية سياسية ذات ثقل في مجال العمل الوطني بشكل أزعج أدوات الانتداب البريطاني في ذاك الوقت، مما دفعهم للسعي للتخلص منه بشتى الطرق ، وكانت محاولات الاغتيال أحد هذه الطرق، وعلى إثر تزعمه لحزب اللجنة التنفيذية وترأسه المؤتمر الوطني الأردني للحركة الوطنية الأردنية الذي انعقد بتاريخ 6 آب عام 1933، تعرض الشيخ راشد الخزاعي لمحاولة اغتيال عقب انتهاء أعمال المؤتمر، لكنه نجا من تلك المحاولة ،  واستمرت محاولات التخلص منه والتجييش ضده وضد بقية الزعامات الوطنية من قبل الانتداب البريطاني وأعوانه، حتى تم إبعاده للعقبة عام 1937 بأوامر مباشرة من الإدارة البريطانية إلى جانب عدد من الزعامات الوطنية كان من جملتهم  سليمان باشا السودي وسالم باشا الهنداوي ، ومن هناك لجأ إلى الديار الحجازية، ومنها إلى سوريا ولبنان، الأمر الذي أثار غضب الأردنيين والزعامات الوطنية، وانطلاق موجة احتجاجات واسعة ضد الانجليز، إلى جانب استخدام أسلوب ( حرب العصابات Guerrilla warfare ) ضد الانتداب البريطاني من خلال عمليات تفجير خط البترول، كوسيلة للضغط على الانتداب البريطاني وأدواته للقبول بعودة الشيخ راشد الخزاعي الفريحات ورفاقه وهو الأمر الذي تكلل بالنجاح حيث عاد الشيخ راشد في عام 1939 ورفاقه وتم استقبالهم استقبالاً وطنياً واسعاً ، وهذا الأمر ما كان ليتحقق لولا تكاتف الزعامات الوطنية الأردنية التي كانت تجمعها علاقات وثيقة مع الشيخ راشد، من أمثال الشيخ مثقال الفايز والشيخ حديثة الخريشا ، وكانت تلك الأحداث مجتمعة نقاط تحوّل هامة في طريق حصول الأردنيين على استقلالهم التام عام 1946.

 شاعر الأردن مصطفى وهبي صالح التل (الملقب ب عرار) يلقي كلمة وقصيدة بحضرة الأمير راشد الخزاعي رحمه الله بمناسبة المؤتمر الوطني و يظهر بالصورة أمامه الشيخ علي نيازي التل الذي كان قائم مقام في حكومة عجلون التي أسسها الأمير المناضل راشد الخزاعي
شاعر الأردن مصطفى وهبي صالح التل (الملقب بـ عرار) يلقي كلمة وقصيدة بحضرة الشيخ راشد الخزاعي رحمه الله بمناسبة المؤتمر الوطني و يظهر بالصورة أمامه الشيخ علي نيازي التل الذي كان قائم مقام في حكومة عجلون التي أسسها الشيخ البطل راشد الخزاعي

زيارة الأمير عبد الله المؤسس لراشد الخزاعي في بلدة كفرنجة :

على اثر عقد المؤتمر الوطني الثالث رفض بعض المؤتمرين (عبدالله الشريدة – محمود الفنيش) التوقيع على مقررات المؤتمر وحصل انقسام بين أعضاء حزب اللجنة التنفيذية وقام الشيخ رفيفان المجالي بتاريخ (20/7/1930م) بالتقدم بطلب إلى الحكومة بالموافقة على تشكيل الحزب الحر المعتدل، وهو حزب منافس لحزب اللجنة التنفيذية وما أن سمع الأمير عبدالله بهذه الانقسامات حتى قام بدور الإصلاح وقام بزيارة الشيخ راشد باشا الخزاعي في كفرنجة وفي طريقه عرج على قرية سوف وزار علي الكايد و زار أيضا كل من حسين الطراونة، و شلاش المجالي، و زعل المجالي، وسلامة المعايطة، ونايف المجالي في الكرك، خلال هذه الزيارات حاول الأمير عبدالله بإجراء الصلح بين أعضاء حزب اللجنة التنفيذية المعارض و الحزب الحر المعتدل  الموالي للحكومة حفاظا على وحدة الحركة الوطنية الأردنية ومساعيها، و قد تكللت مساعي الأمير عبدالله بالنجاح حيث قام حسين الطراونة في تشرين ثاني 1930م  بتوجيه الدعوة للاجتماع في منزل الشيخ مثقال الفايز لتقريب وجهات النظر بين الطرفين و قد حضر هذا الاجتماع حوالي مئة شخصية أردنية ومنهم راشد باشا الخزاعي وفعلا تم الإصلاح وفي نهاية هذا الاجتماع اقسم الحضور يمين الإخلاص للبلاد .

الدور الإجتماعي

 كان راشد الخزاعي وطوال فترة حياته  بحكم زعامته التاريخية في جبل عجلون يعتبر مرجعا في حل القضايا والمخاصمات التي تحدث بين الناس ويكون حكمة نافذا ولا تعقيب عليه ويقبل برضى الطرفين ، ويروي الحاج محمد مصطفى الفطيمات من بلدة الوهادنه نقلا عن والده أنه : في بداية القرن العشرين اعتدى أحد المتنفذين في خربة الوهادنه على أرض لوالد الراوي وأقاربه، وأراد المتنفذ الاستيلاء عليها بالقوة ، متسلحا بقوة مكانته وسلطته الاجتماعية ، فما كان من والد الراوي الى أن اتجه صوب بلدة كفرنجة وقدم شكوى إلى راشد باشا الخزاعي ، وبعد عدة أيام حضر الباشا ومعه أحد الجنود المكلفين بمساعدته لتنفيذ أوامره، وبعدما وقف على القضية واستدعى بعض الشهود وعند سماعه لهم ، أعاد الأرض لصاحبها وأمر المعتدي بالاعتذار من صاحب الأرض ، ولم يتعرض له بعدها .

كما يروي الحاج المرحوم مصطفى الخليل بني عطا مواليد عام 1910م أنه خلال الحرب العالمية الأولى وعندما كان يدرس في الكتاب في قرية فارة آنذاك ، زارهم الشيخ راشد الخزاعي زعيم جبل عجلون في المدرسة وفي وقت الطابور الصباحي، وقد أنشد التلاميذ أمامه نشيدا وطنيا ، وكان مؤثرًا لدرجة أن راشد باشا سالت دموعه وأخذ يمسحها بطرف منديله، وهذا دلالة على حجم الدور القيادي الحقيقي والمباشر الذي كان يمارسه في جبل عجلون إبان العهد العثماني.

وفاته

عاصر الشيخ راشد الخزاعي العديد من المحطات السياسية المهمة في تاريخ الأردن الحديث منذ تأسيس الإمارة على يد الملك عبدالله الأول والحصول على الاستقلال التام عام 1946، كما شهد الشيخ الخزاعي أيضاً أحداث انتقال العرش إلى الملك طلال عام 1951 عقب اغتيال الملك المؤسس مع ما صاحب تلك الحقبة من تداعيات محلية وإقليمية، وحتى السنوات الأولى من انتقال الراية إلى الملك الحسين بن طلال، وعندما كبر براشد باشا السن وقارب على المئة عام اعتزل العمل السياسي واكتفى بالدور الإجتماعي من خلال إصلاح ذات البين والقضاء العشائري وبقي كذلك إلى أن توفي بتاريخ 30/11/1958 عن عمر يناهز المئة وثمانية سنين، ليختتم فصلاً من حكاية الأردنيين ونزعتهم التاريخية نحو التحرر ورفض الانحناء للظلم، ولتستمر الحكاية، حكاية الأردن العظيم.

المراجع:

  • بحث بعنوان “عشيرة الفريحات، نسبُها، ودورها الاجتماعي والتاريخي” ، من إعداد خالد زكي ظاهر فريحات ، أ. سامر عبدالرزاق فريحات
    عضو اتحاد المؤرخين في تراث القبائل وأنسابها ، باحث في الموسوعة العجلونيّة ، منشور على موقع وزارة الثقافة الأردنية.
  • مخطوط تحت النشر للمؤرخ خالد زكي فريحات 2016
  • مقابلة شفوية مصوّرة مع المؤرخ خالد زكي فريحات 2016
  • مقابلة شفوية مصوّرة مع حفيد الشيخ راشد الخزاعي ، الأستاذ المحامي معن الخزاعي الفريحات 2016
  • مقالة للمؤرخ الأردني الدكتور أحمد عويدي العبادي بعنوان الأمير الشيخ راشد الخزاعي الفريحات، (1850 – 1957) نشرت بتاريخ 16/07/2015
  • مقال للكاتب الأردني ابراهيم غرايبة بعنوان ” احرقوا البيادر وانهزموا!” ، نشر في صحيفة الغد بتاريخ 3 نيسان / أبريل 2015
  • مقال للمحلل السياسي الدكتور عامر السبايلة بعنوان ” الامن القومي.. امتحان جدي في مواجهة “إدارة الدولة” نشر في صحيفة العرب اليون بتاريخ 05/5/2014
  • مقال بحثي للباحث محمود حسين الشريدة بعنوان “من التاريخ المنسي / 7 الشيخ راشد باشا الخزاعي” نشر في وكالة عجلون الاخبارية بتاريخ 1 أيار 2017

الشيخ راشد الخزاعي – أيقونة الوئام

 

أطلق الأردنيون على سلالات الخيل مصطلحات متراتبة ومتنوعة وهي : بيوت الخيل ، أرسان الخيل ، سلايل الخيل، أصول الخيل ، ويشير هذا التنوع بالمفردات إلى عمق وعراقة التاريخ للأردنيين مع الخيل.

وبذات سياق المصطلحات؛ إذا قال الأردنيون (فرس) قصدوا بذلك الأنثى من الخيل، وإذا قالوا (احصان) عنوا بذلك الذكر من الخيل ولا يجمعون لفظ الفرس على أفراس بل يقولون (خيل) ويجمعون الحصان على (حِصِن) ولا يقولون (أحصنة)، وأطلق أجدادنا على سباق الخيل وميدانه كلمة (الصابية).

ويوثق الراحل روكس بن زائد العزيزي لبيوت الخيل الأردنية في فصل (الأرادنة والخيل) مقسماً إياها إلى ثمانية عشر رسن ضمن ما جمع وأمكن حصره من الإرث الأردني الضارب الجذور في هذا السياق، نسوق هذه الأرسان – بتصرف – كما أوردها المؤرخ والأديب الأردني الكبير :

  • أم اجنيب ، والجمع أمهات اجنيب ، ولا يقولون أمات اجنيب كما هو معروف لغويًا؛ إذ تجمع كلمة أم للبشر على أمهات، وللحيوان على أمات، لكن الأردنيين لشدة إكرامهم للخيل لا يفرقون بين الخيل، وبين بني الإنسان .

      وأصل تسمية هذه السلالة من الخيل بهذا الاسم، أنّ جدة هذه الفصيلة من الخيل أصيبت في أحد جنبيها بطعنة رمح، وأصيب فارسها بطعنة، فمال فارسها إلى جنبها المطعون، وظلّ متعلقا بها، وهي تعدو به، إلى أن نجت به من عدوه الذي كان يتابعه، قاصدا الإجهاز عليه.

  • أم عرقوب – والجمع أُمهَّات عرقوب، ونلاحظ أنهم يلفظون أُمَ بالضم  – على كل نفور الأردنيين من حركة الضم – إشارة إلى أن الخيل معتنى بها . وتلفظ عرقوب بالفتح باللهجة الأردنية وبالضم بالفصحى.
Haifa Strain Umm Argub
هيفا – رسن أم عرقوب

وأصل تسمية هذه السلالة باسمها هذا، أن جدة هذه السلالة، أصيبت في إحدى المعارك بطعنة في عُرقوبها (والعرقوب بالفرس هو عصب في رجلها عند الركبة)، ولم تقعدها الإصابة البليغة بل تجاهلت الفرس جرحها وأوصلت فارسها الأردني إلى منجاته، وضرب بها المثل فقالوا : (اهواة أم عرقوب) .

Al-Hamaama2008-Head
الحمامة – رسن كحيلة أم عرقوب
  • حَمْدانية الجمع حَمْدانيات،  والحمدانيات من الخيل منسوبة إلى سلالة طيبة من الخيل، كانت مقيمة من زمن بعيد عند زعيم يقال له (حمدان الفهد) والحمدانيات صنفان : 1. حمدانية فقط  2. حمدانية الفهد .
الحمدانية 2
الحمدانية

 

الحمدانية
الحمدانية
  • اشويمة – والجمع شويمات، وقد سميت هذ السلالة باسمها هذا، لأن صاحبها شام بها، والأردنيون يقولون : ( شام افلان بالشي، يشوم به شيمة) أي أعطاه من غير مقابل، ويقول أجدادنا : ( افلان أبو الشومات ، بعيد الشوفات!)، أي أنه كثير الهبات مترفع عن الدنايا وضده قريب الشوفات، ويقول الأردنيون : ( شيمة إذا أرادوا الخلق الطيب، والطبيعة الفاضلة )، ويجمعونها على شيمات . والشويمة تصغير تعظيم وتحبُّب، وللتصغير في اللغة هذه المعنى ، أما الحصان فيقال له شويمان .
16558947_1797062047212397_178051883_n
اشويمة
  • مِخلديَّة – الجمع مِخلديات، بتضخيم اللام شيئا من التضخيم ويقصدون بذلك التعظيم، وقد جيء بواحدة من هذه السلالة إلى (مادبا) سنة 1914 وكانوا يتعجبون بسرعتها، وطباعها، فقد كان صاحبها يضرب بيده على إحدى ركبتيها فتتطامن إلى حد يكاد يقرب بطنها من الأرض، لكي يمتطيها فارسها وكانوا يسمونها النوَّاخة أي التي تنوخ كالناقة .
  • مِعْنقِيّة – الجمع معنقيات والحصان معنقي .

      سميت سلالتها بهذا الإسم لطول عنقها، ورشاقة في جسمها ، وإذا أراد الأردنيون في وقت الفروسية أن يصفوا أنثى بالجمال التام، قالوا : “والله افلانة        زينة و امزيونة وامعنقة” أي إنها تامة الخلق طويلة العنق ، بشكل يتناسب مع قوامها !.. ومن هنا جاءت تسمية هذه السلايل من الخيل بالمعنقيات!

16559383_1797056377212964_1639209680_n
مِعْنقِيّة
  • الشنَين- والجمع الشنينات، وأصل هذه التسمية أن جدة هذه الفصيلة من الخيل، كانت ضامرة هزيلة، والكلمة لها رديف في الفصحى ، يقال إسْتشنّ الرجل إذا هزل . وكان هذا البيت من الخيل ينظر إليه باحتقار، حتى استشيرت وجربت في ميدان السباق الذي يسمونه (الصّابية) – الحلبة – سبقت كل الخيل التي أجريت معها ، فصار الحاضرون يقولون : (شفتوا فعل هالشنين؟) أي أرأيتم ما صنعت هذه المهزولة ؟ فدعيت من ذلك اليوم هي وسلالتها الشنين، لا فرق بين الذكر والأنثى، والجمع الشنينات.
  • الطويسة – ويصغر الأردنيين الأشياء في كثير من سياقات لهجتهم تحبباَ ويروي أجدادنا الأردنيين أن هذه الفرس نفرتها أمها، وكان صاحبها يسقيها لبن النوق، بطاسة صغيرة من النحاس، وقيل كذلك : إنها عندما سلمت لصاحبها وهي مهرة صغيرة أراد صاحبها أن يدللها؛ فكان يسقيها لبن النوق بتلك الطويسة النحاس، وبهذا سميت تلك السلالة (طويسات) الواحدة طويسة .
الطويسة
الطويسة
الطويسة 2
الطويسة
  • إعْبِيَّة – الجمع إعبيَّات بتضخيم الباء، سميت بذلك لأن صاحبها وهو يشورها قبل شرائها سقطت عباءته، وداستها الفرس فخرقتها، فسميت (إعبيَّة) ومن العبيات صنف يسمون خيله اعبيات شَرَّاكيات ، الواحدة إعبية شرَّاكية، والحصان إعْبيان، أما لقب الشراكية فجاء من أنه كان فيها ثلاثة شركاء ، وقيل : ( لأنها أكلت خبز الشراك المعد لقرى الضيوف).
العبية
العبية
عبيان
عبيان
  • إعشيرة – سميت بذلك، لأن بائعها لم يرض بالثمن الذي فرض له، إلى أن أرضي بعشرة (فِصْلاَن) من الإبل؛ والفصيل هو ابن الناقة اذا انفصل عن أمه ويدل ذلك على تكريم الأردنيين للخيل وتفضيلها على الإبل وتصغير العشيرة هنا الغرض منه الاستهزاء، لأن العادة المتعارف عليها عند البدو، أنه لا يجوز الرجوع عن البيع إلا إذا اعترض عليه الكبير، الذي يسمون اعتراضه أَلفوال، أما البائع نفسه، فمن العار أن يحاول إلغاء البيع، فهم يقولون : ( البيع بالانطاق) أي أن البيع يتم بنطق البائع بكلمة (بعت).
  • الاقريحا – الجمع الاقريحات، ولا فرق بين المذكر والمؤنث، سميت بذلك لأن الغرة لهذه السلالة، كان يخالط بياضها شيء من الشعرات الحمر، وهذا يسمونه القراح ،والاقريحا تصغير القرحاء، وكان القوم يتشاءمون بمثل هذه الشّية في الفرس، إلى أن اشترى أحد الزعماء الاقريحا على عيبها، وغزا عليها، فغنم غنائم كثيرة، فأصبحت غرتها تلك مما يتفاءل به.
  • إكْبيشة – والجمع إكبيشات – وقد سميت هذه السلالة باسمها هذا لضآلة جسمها، والكبشة والكمشة في اللهجة الأردنية هي شيء قليل تأخذه بين الأصابع، أو باليد الواحدة، فيقولون : ( كمْشِة حَبّ ، أو كمشة طحين ).
jordan2007Sulayman
سليمان – نسل كبيشان
  • اصويتيّه – ويقصد بها الأردنيون الفرس الأدنى من غيرها  .
الصويتية
اصويتيّه
  • إكحيلة – الجمع كحيلات ، سميت بذلك لِكَحلٍ في عينيّ جدة هذه السلالة ، ومن الكحيلات صنف يدعى : “اكحيلة عجوز” سميت بذلك لأن عجوزا احتفظت بتلك الفرس المشهورة بالعدو ولم تقبل أن تبيعها لأحد وهي على قيد الحياة ، لأنها كانت تقول إن الاكحيلة اللي ركبها (فارس) – ابنها الذي قتل في إحدى المعارك – لا يجوز أن يركبها أحد. ولم يتصرَفوا بها إلا بعد موت العجوز أم الفارس، وإليها نسبت تلك السلالة . الحصان يدعى كحيلان ، واكحيلان عجوز .
JORDAN 2006 Hlayyil Ramadan 2
هليّل رمضان – رسن كحيلان عجوز
كحيلان
كحيلان

 

كحيلة العجوز
كحيلة العجوز
كحيلة العجوز (2)
كحيلة العجوز
16507436_1797063450545590_818866229_n
كحيلة العاديات
  • إنْجيم الصِبح – والجمع انجيمات والحصان انجيم بلا إضافة إلى الصبح، سميت بذلك لأن جدتها ولدتها عند ظهور نجمة الصبح، ومنهم من قال إنها سميت بذلك لأن غرتها كانت تشبه النجمة.

 

  • الصقلاوية: وسميت كذلك لأن شعرها كان مصقولاً سابلاً ويسمى نسلها صقلاويات، حجمه أصغر من حجم الكحيلان ، ويتميز عنه بجمال رأسه ، وجبهته عريضة ، وجماله اللافت للانظار الذي يؤهله للمهرجانات والإستعراضات.
الصقلاوية
الصقلاوية
  • الدّغيري – وقد سميت هذه السلالة من الخيل باسمها هذا، لأنها اشتهرت بالهجوم بلا تهيب على غمار معارك الأردنيين و ثوراتهم، لا تضطرب من أزيز الرصاص في المعمعة ولا تجفل من الصوت، عندما استعمل البارود سلاحا للحرب لدى الأردنيين .

               ومعنى الّدغيري في الفصحى (الهجوم من غير تثبت) والدغيري في لهجة الأردنيين الهاجم ببسالة بلا تروي أو تردد.

  • الجرْبَا – بلا همز – سلالة من الخيل سميت بهذا الاسم لأنّ جدتها كان جلدها منقطًا بنقاط صغيرة مختلفة، وكانت شديدة السبق، عندما شاروها؛ أي اختبروها في الميدان، والأردنيون خصوا الكلمة باختبار الخيل عند السباق، أو عندما تعرض على الشاري لكي يختبر تفوقها في العدو على الخيل، ونرى هنا مرة أخرى مقدار احترام الأردنيين للخيل، اذ خصوها بكلمة عممتها الفصحى على كل دابة .
  • الجِلفِة – الجمع جِلفات . وقد سميت هذه السلالة بهذا الاسم ، لغلظ في شفتها العليا .

          والكلمة في اللغة تعني القشر، والجالفة تعني تقشَّر الجلد .

المراجع

  • روكس بن زائد العزيزي ، الخيل فـي حياة الأرادنة.
  • الأميرة عالية بنت الحسين وبيتر اوبتون، قصة الخيول الأردنية العربية،المدينة للنشر،2011.
  • الملك عبدالله الأول بن الحسين، جواب السائل عن الخيل الأصائل، وزارة الثقافة، 2011.
  • بحث و تحرير فريق عمل إرث الأردن 2016.

أرسان الخيل الأردنية

معان – الحسا – الفريفرة

 

مقدمة

 الحسا هو الإسم الذي يطلق على منطقة واسعة تمتد من منطقة وادي أبو الكرات شمالا وحتى وادي القلاب جنوبا ومن مناطق وادي الرواق ووادي المتدهنات غربا حتى قصر مشيش ووادي المشيش شرقا.

 وقد بنى العثمانيون في الحسا قلعة عسكرية تركية كبيرة لإحكام السيطرة على المنطقة وتم رصف الطريق المارة بالقرب منها كانت هذه القلاع العسكرية و المخافر هي البنى التحتية الوحيدة التي تركها العثمانيون خلفهم، أما محطة الحسا والقلعة فتقع في بداية وادي الحسا الذي يعتبر مقتربا طبيعيا باتجاه الطفيلة والكرك، وهو كثير التعرج وصعب المسالك تربته ذات طبيعة رملية في بعض المناطق.

  وقد كان الوادي سببا رئيسيا في فشل حملة الجنرال التركي حامد فخري التي انتهت بهزيمة منكرة في حد الدقيق في 25 / 1 / 1918 ، ونفس الوادي ومنطقته كانت سببا في الحيلولة دون تحرير محطة الحسا وقلعتها .

 العمليات العسكرية في الحسا

       اتخذت قوات الثورة من منطقة وادي الحسا في الجزء الغربي بعد القلعة منطقة انطلاق لتنفيذ هجماتها العسكرية على القطرانة والحسا وفريفرة، ويذكر المؤرخ سليمان الموسى في كتابه تاريخ الأردن بين الماضي والحاضر أن مفرزة من قوات الثورة بقيادة الشريف ناصر تمركزت في وادي الحسا ونفذت عملياتها ضد خطوط المواصلات العثمانية، وقامت بهجوم يوم 15 أيار 1918 على محطة الحسا فطهرتها ودمرت جانبا من سكة القطار العسكري، ولكن في 16 أيار 1918 هاجمها العثمانيون مرة أخرى واستعادوها ولم يتوقفوا عند ذلك بل هاجموا قوات الثورة في وادي الحسا واجبروها على تغيير موقعها .

hasa
محطة و قلعة الحسا

 

qalaat-al-hasa
قلعة الحسا

 

وعندما اشتدت العمليات في المنطقة حشد العثمانيون وحلفائهم قوة تزيد على الثلاثة آلاف في محطات القطرانة والحسا وعنيزة وتوّلت هذه القوات المؤلفة من جنود نمساويين وألمان وأتراك إدارة محطات سكة القطار العسكري، وتزودت بمدافع 105 ملم وهي الأكبر عيارا في المنطقة مقارنة مع أسلحة قوات الثورة الخفيفة، وكان الأمير زيد بن الحسين قائدا لمسرح العمليات وقد تولى قيادة القوات التي كان ضمن مسؤولياتها مهاجمة محطات القطرانة والحسا وجرف الدراويش وعنيزة و تطهيرها.

مفرزة سيل الحسا

    بعد معركة أبو الجردان الثالثة (بداية أيار 1918) تقرر تشكيل مفرزة تقوم بالمهمات التالية :

  1. مهاجمة المواقع العسكرية العثمانية في الشمال في الحسا والقطرانة وفريفره.
  2. تدمير قضبان سكة حديد القطار العسكري وتفجير الجسور والعبارات .
  3. منع وصول أية امدادات أو نجدات إلى الجنوب خاصة إلى معان .
  4. يكون مركز هذه المفرزة في سيل الحسا .

عمليات المفارز العسكرية

  • عملية ضد الحامية العثمانية في محطة القطرانة في شهر أيار 1918 وتم أسر عدد من الجنود الأتراك ولكن لم تتمكن المفرزة من الاستيلاء على المحطة لأن الهجوم نفذته قوات غير نظامية لم تمتلك أسلحة مناسبة مثل الرشاشات والمدفعية .
  • تنفيذ هجوم لاحق للهجوم الأول على القطرانة مباشرة في اليوم الثاني لكن دون نتيجة .
  • تنفيذ هجوم ثالث في 12 أيار وكانت النتيجة مماثلة للهجومين السابقين .
محطة القطرانة و آبار تجميع المياه حولها 1918

  لقد كانت الهجمات هذه بمثابة اختبار لقوة المفرزة وقدرتها على تنفيذ الواجبات المطلوبة مما استدعى إعادة تشكيل المفرزة لتخدم المهمة وتحقيق الهدف وأعيد التشكيل كما يلي :

  1. القائد الشريف ناصر بن علي
  2. قائد المفرزة النظامية راسم سردست
  3. سرية المشاة
  4. سرية رشاش لواء الهاشمي بقيادة البطل صبحي العمري.
  5. مدفعان جبليان
  6. مفرزتي تدمير لسكة القطار العسكري
  7. فصيل نقليات
  8. سرية هجانة مؤلفة من 20-25 هجّان .

وتقرر هذا التشكيل في معسكر الفجيج وانطلقت هذه المفرزة لتأخذ موقعها في سهل الحسا في الجزء الشرقي منه بالقرب من القلعة، واخذت تسميتها منه لتصبح مفرزة سيل الحسا .

معركة الحسا

    تحدثنا عن تنظيم قوات الثورة ( مفرزة سيل الحسا ) الذي تقرر في الفجيج، وقد شرعت قوات الثورة بتنفيذ خطتها ضد الحامية العثمانية في الحسا التي شكلت من  سرية مشاة تركية وسرية رشاشات تركية، علما أن المحطة كانت محصّنة تماما من قبلهم ومحاطة بالأسلاك الشائكة وحقول الألغام، وعليه فقد وضعت خطة قوات الثورة كما يلي :

  1. الاستطلاع : وتم التنفيذ يوم 22 أيار 1918 من قبل قائد المفرزة راسم سردست ومعه قادة القطاعات .
  2. الحركة : التنفيذ صباح 23 أيار 1918 حيث حملت القوات المهمات القتالية وتركت المهمات الادارية في المعسكر في سيل الحسا.
  3. التنفيذ :
  • تقوم المفرزة الأولى بتدمير خط القطار العسكري من الجهة الجنوبية.
  • تقوم مفرزة التخريب الثانية بتدمير خط القطار العسكري من الجهة الشمالية.
  • تتقدم سرية رأسا من الغرب لتهاجم المحطة وتستولي عليها مستفيدة من الطيات الارضية والمنحدرات غرب المحطة.
  • توضيع الرشاشات على مسافة 500 متر غرب المحطة بالاستفادة من الساتر والمرتفعات.
  • توضيع المدفعية خلف سرية الرشاش لقصف المحطة

 ولكن يبدو أن التوقيتات وتنسيق الخطة كان ضعيفا فأثناء تقدم السرية باتجاه الهدف والذي كان بطيئا بدأت التفجيرات في الشمال وجنوب المحطة وتجميع جنود القوات غير النظامية حول الرشاشات والمدافع، ورغم كل ذلك فقد سارت الخطة بشكل جيد وما أن وصلت القوات إلى مشارف المحطة حتى خرج الضباط والجنود الأتراك رافعين أيديهم فهاجمتهم القوات غير النظامية وكانت النتائج كما يلي :

  • استسلام 65 جنديا تركيا منهم ثلاثة ضباط.
  • الاستيلاء على رشاش
  • تقدم مفرزتي التخريب وتلغيم منشآت المحطة .

     ويلاحظ هنا على هذا الهجوم أنه كان هجوم إغارة حيث أصبحت العمليات العسكرية تتجه نحو التدمير والاستنزاف ولا تستهدف السيطرة والتثبيت لأن الحاجة كانت ماسة لحركة قوات الثورة الدائمة في كل مكان لضرب العدو العثماني في الأماكن المختلفة خاصة وأن حجم قوات الثورة كان قليل نسبيا قياسا بحجم وعدد القوات والمواقع العثمانية، ومن هنا فإنه لا مجال لتثبيت قوات الثورة في مواقع معينة لأن ذلك يعني حصر القوات وتثبيتها واخراجها من العمل لفترة ما، وهذا ما حصل في جرف الدراويش وفي محطات ومواقع استراتيجية أخرى مختلفة .

العمليات العسكرية لمفرزة سيل الحسا

      حدثت عمليات متفرقة في المنطقة شاركت فيها مفرزة سيل الحسا التي تمركزت في منطقة نبع مياه على طريق الكرك والطفيلة وقد قامت المفرزة بالعمليات التالية :

  • الحركة باتجاه المحطة (محطة الحسا) للهجوم عليها وقبل الخروج من الوادي وفي طرفه الشرقي هاجمتهم عدد من الطائرات الألمانية، وقد سقط عدد من الشهداء والجرحى فانشغلت قوات الثورة بتصليح الأوضاع ودفن الشهداء ومعالجة الجرحى وألغي الهجوم على المحطة
  • وردت معلومات عن قرب وصول قطار تموين وامداد للحامية العثمانية في الحسا، فتمركزت القوات على الهضبات غرب المحطة بانتظار القطار العسكري، ووصل القطار محروسا من قبل فوج مشاة ومدفعين وسرية رشاش ولم تستطع قوات الثورة فعل شيء بمواجهة كثافة قوات الحراسة العثمانية بل تعرضت للنيران التركية وأجابت المدفعية ببضع طلقات ثم توقفت اقتصاديا بالقذائف .
  • في 22 حزيران 1918 وردت معلومات عن تقدم قوة عثمانية باتجاه مفرزة سيل الحسا تشكلت من سرية مشاة وسرية رشاش ومدفعي صحراء ورعيل خيالة، وقد اتخذت قوات الثورة مواقعها الدفاعية وبدأت في المشاغلة من الجهات الثلاث فتراجع العدو وقد خلف (20) قتيلا نصفهم من الخيالة ووقع (15) اسيرا تركيا و ألمانيا بينهم ضابط .

      أما في يوميات الأمير زيد فقد ورد أن قوات الثورة قد دمرت محطتي الحسا وفريفرة في 28 نيسان 1918 وورد أيضا أنه في 25 ايار 1918 استولى الشريف ناصر على محطة الحسا وأسر 60 عسكريا ركيا ورشاش، أما في 6 ايلول 1918 فقد أورد الأمير زيد ما يلي :

” تعرض الأتراك على مفرزة وادي الحسا وموجودها مدفع مصري عدد (3) ورشاش مكسيم عدد (2) و (35) جنديا وقسم من البادية وهي بقيادة محمد بن عريد، وبعد قتال ثلاثة أيام اضطرت المفرزة المذكورة إلى الانسحاب إلى الرشادية ومنها إلى الشوبك بسبب نفاذ الذخيرة…، شهداؤنا (6) من فرسان عشيرتي النعيمات والقضاة والجرحى (10) من فرسان عشيرتي النوايسة والقضاة “.

معركة فريفرة 14 ايار 1918

      تقع محطة الفريفرة 11 كلم شمال محطة الحسا و18 كلم جنوب محطة المنزل، ومنطقتها سهلية واسعة تمتد لجهة الشرق بينما ترتفع قليلا نحو الجنوب وتستمر في الارتفاع غربا ً لتتجاوز 900 متر، والمحطة تقع غربي خط القطار العسكري مباشرة ، والى الشمال منها بحوالي 1,5 كلم بركه ماء .

منطقة فريفرة

      نلاحظ أن المنطقة من المنزل حتى معان توجد فيها محطات متقاربة ، فمحطة المنزل لا تبتعد عن فريفرة اكثر من 14 كلم، وفريفرة لا تبتعد عن الحسا أكثر من 11 كلم، والحسا لا تبعد عن جرف الدراويش أكثر من 20 كلم، فإذا ما اعتبرنا المحطات على أنها مواقع عسكرية ومناطق دفاعية فإن تقارب هذه المحطات يعني الاهتمام بهذه المنطقة يأتي للأسباب التالية :

  1. تقع في هذه المنطقة المداخل الرئيسية والمقتربات المؤدية الى المنطقة الحيوية في الغرب فنلاحظ وجود مقترب جرف الدراويش – الطفيلة، ومقترب وادي الحسا – الطفيلة، ومقترب عنيزة – الشوبك .
  2. تسيطر هذه المنطقة على سلسلة من الطرق الفرعية الصحراوية التي تتجه شرقا وجنوبا خاصة طريق القوافل والتزويد .
  3. تتوفر فيها مصادر مياه جيدة إضافة لوجود محطات تستخدم كمستودع مياه احتياطي مثل محطة الجردون .
  4. تعتبر هذه المحطات خط دفاع أساسي عن الحامية العثمانية في معان وتغلق المنطقة الشمالية والشرقية منها .

العمليات العسكرية في الفريفرة

 محطة وموقع فريفرة كانت هدفا لقوات الثورة حيث أغارت عليها عدة مرات وقد أوضح الأمير زيد في أوراقه العمليات العسكرية ضد الحامية العثمانية في فريفرة، والتي كانت معسكرا لقوات من الفرقة التركية ( 25 ) حيث ضمت حوالي 200 جندي أي ما يعادل كتيبة وكانت العمليات ضدها ما يلي:

  • 1/5/1918 قامت قوات الثورة بتدمير محطة الفريفرة وأسرت 180 جنديا وحصدت 4 رشاشات.
  • 7/5/1918 وصل طراد بن نويران وأخبر عن تخريب سكة القطار العسكري عند الفريفرة.
  • 10/5/1918 وصل خبر من ابن عريد وأخبر عن أخذ ستة أسرى أتراك من الفريفرة
  • 25/5/1918 استولى الشريف ناصر على محطة الفريفرة وأخذ 25 جنديا أسيرا و 7 ضباط أتراك و ألمان ورشاش.
  • 14 حزيران 1918 استقدم العثمانيون قوّة من القطرانة لإصلاح الخط في منطقة فريفرة .
  • 17 حزيران 1918 عزّز العثمانيون محطة فريفرة بمائتي خيال تركي.
  • 21 حزيران 1918 أرسلت تعزيزات من الفريفرة إلى الجردون تألفت من 100 بغل وجمال محملة بالمؤن، وتصدت قوات الثورة لها وقتلت 12 جنديا تركيا.

حـ. 22 حزيران 1918 وقعت معركة في الفريفرة مع العدو العثماني الذي تقدر قواته بطابورين (650) جندي وأربعة مدافع و 18 رشاش إضافة لقرب وصول نجدات من الفرقة ( 25 ) التركية، كانت نتيجة المعركة سقوط 25 جنديا تركيا قتلى وأسر ملازم ثان و 12 جنديًا والاستيلاء على أربعة بغال وحصانين.

سير معركة فريفرة

       أما عن سير معركة فريفرة فقد أورد البطل صبحي العمري في كتابه أوراق الثورة العربية الكبرى أن قوة الهجوم كانت بقيادة الشريف ناصر بن علي ومعه الشيخ البطل عودة أبو تايه وولده محمد وتشكيلة بقيادة راسم سردست، وكما يلي :

  • سرية مشاة
  • مدفعية
  • سرية رشاش بقيادة صبحي العمري.
  • قوات الحويطات بقيادة الشيخ عودة أبو تايه.
  • قوات من عشيرة الحجايا بقيادة الشيخ جلال أبو جفين.

للإطلاع على تضحيات و بطولات نشميات عشائر الحجايا في معارك الحسا انقر هنا 

وقد تحركت هذه القوات من معسكرها في وادي الحسا إلى الجنوب الغربي في 24 أيار 1918 لتقوم بالعملية وفقا للخطة التالية :

  • تتمركز المدفعية غرب المحطة في التلال المرتفعة قليلا لتشاغل بقذائفها قوات المحطة .
  • تتقدم سرية المشاة من الغرب باتجاه المحطة متجاوزة مواقع المدافع التي تسندها ومعهم قوات الحجايا بقيادة الشيخ جلال ابو جفين .
  • تتمركز سرية الرشاش في مرتفع 903 شرق المحطة.
  • يهاجم الشيخ عودة ابو تايه المحطة من جهة الشرق بإسناد نيران سرية الرشاش.

أخذت القوات مواقعها حسب الخطة المرسومة للهجوم على العدو الذي قدرت قواته بسرية هجانة وسرية رشاشات وعدد من التحصينات من الأسلاك الشائكة.

ويذكر صبحي العمري أنه قبل البدء بتنفيذ الخطة شاهد مجموعة من الفرسان حوالي ( 50 فارسا ) من جنوب المحطة يتأهبون للهجوم عليها والمسافة بينهم وبين المحطة مكشوفة وتقدر بثلاثمائة متر، وإن نفذوا الهجوم كانوا سيكونون تحت تأثير نار رشاشات سريته ونار رشاشات العدو فذهب اليهم وكانوا بقيادة الشيخ عودة أبو تايه فقابله وأخبره بخطورة هذا الهجوم على أرواح الفرسان، لكن الشيخ عودة أبو تايه وفرسان عشيرته كانوا متحمسين للهجوم ومصرين عليه، فأخبره صبحي العمري بخطة سريعة و بديلة لتنفيذ رغبته تفاديا للخسائر الجسيمة فقدّم الإسناد الناري لهم وتقدموا حتى أصبحوا على بعد مائة متر تقريبا فشنوا هجومهم ووصلوا إلى الأتراك وهم منبطحين في خنادقهم .

odeh
الفارس البطل عودة أبو تايه

 وواصلت مدفعية قوات الثورة قصفها للمحطة وأوقفته عندما أصبحت قوات الفرسان في داخلها، وتقدمت القوات الراجلة من الجهات الثلاث الشرقية والغربية والجنوبية، واستسلمت حامية المحطة التي وجدت نفسها محاطة من قوات مندفعة مصممة على تحقيق الهدف، وقد كانت الخسائر التركية خمسة ضباط أتراك و ألمان و 125 جنديا أسيرا.

وكانت العمليات العسكرية في فريفرة قد كشفت قدرات قوات الثورة، وتراجع الرهبة من الهجوم على التحصينات والخنادق مثلما ظهر في حماس الفارس البطل عودة أبو تايه للهجوم على تحصينات العدو العثماني .

المراجع :

  1. الثورة العربية الكبرى : الموسوعة التاريخية المصورة ، البحث التاريخي والإشراف الدكتور بكر خازر المجالي ؛ فريق العمل فريق الفرس الشقراء ، مركز أرض الأردن للدراسات والنشر،2011 .
  2. التاريخ العسكري للثورة العربية الكبرى فوق الأرض الأردنية / بكر خازر المجالي، قاسم محمد الدروع 1995 .
  3. الثورة العربية الكبرى : الحرب في الأردن 1917-1918 : مذكرات الأمير زيد / سليمان موسى، دائرة الثقافة والفنون.
  4. المعارك الأولى : الطريق إلى دمشق، صبحي العمري، رياض الريس للكتب والنشر، 1991.
  5. أوراق الثورة العربية، صبحي العمري، رياض الريس للكتب والنشر، 1991.
  6. الثوره العربية الكبرى، مصطفى طلاس، مجلة الفكر العسكري، 1978

 

المسار السابع عشر لمعارك التحرير

معان – وادي موسى

 

مقدمة

 وادي موسى منطقة جبلية الى الغرب من معان بحوالي 43 كلم تقع ضمن سلسلة جبال الشراة وأعلى مرتفعاته 1257م ، وغرب هذه المنطقة جبل النبي هارون الذي يقوم عليه مقام النبي هارون وارتفاعه 1257 م والمنطقة الى الغرب هي صخرية صعبة المسالك تنحدر بالتدريج باتجاه وادي عربة، أما منطقة الوادي الشرقية فهي تنخفض أيضا بالتدريج لتصبح جزءا من السهول الواسعة شمال معان أما في الجنوب والشمال فتشكل امتدادا لسلسلة جبال الشراه ، ووادي موسى هو المدخل الى المنطقة وفي بدايته عين موسى بارتفاع 1443 م .

9.indd
مقام النبي هارون

أهمية المنطقة

      اكتسب منطقة وادي موسى أمية خاصة في أحداث الثورة العربية الكبرى و عملياتها العسكرية على الأرض الأردنية خاصة بسبب موقعها الاستراتيجي، فقد خصص الأمير فيصل بن الحسين القائد العام لجيش الثورة الشمالي حملة عسكرية من قوات الثورة و فرسان العشائر الأردنية بقيادة البطل مولود مخلص لتتعامل مع منطقة وادي موسى وتكمن أبرز أهداف هجوم قوات الثورة على وادي موسى و الرغبة بالسيطرة عليها بالتالي :

  1. احكام الحصار على الحامية العثمانية و الضبّاط الألمان معان من جهة الغرب فهي تبعد 43 كلم تقريبا من الغرب باتجاه الشمال .
  2. حرمان العدو العثماني من مصدر الأخشاب ومصدر الخضروات والفواكه وكذلك المياه التي تشتهر بها المنطقة، فقد عاث العثمانيون تدميرا للثروة الحرجية و المائية لوادي موسى عبر تقطيعهم المكثف للأشجار لاستخدام الأخشاب في بناء سكة القطار العسكري و من ثم تجديده و استغلاله فمه كوقود للقطار ما أكد على ضرورة ايقاف هذا التدمير و الاستغلال العثماني البشع للطبيعة.
  3. السيطرة على المنطقة يسهل العمليات العسكرية المقبلة للانتقال إلى الشوبك التي لا تبعد اكثر من 30 كلم لجهة الشمال وبالتالي حرمان هذه المنطقة من الحماية الخلفية .
  4. تأسيس نقطة اتصال عبر وادي عربه مع قوات الحلفاء التي تتحرك في جهة فلسطين .
  5. الاتصال بمناطق آهلة بالسكان، فقد كان يسكن منطقة وادي موسى والطيبة والراجف عرب اللياثنة من احفاد الأنباط وغيرهم من العشائر الأردنية وقد أسهموا بشكل فاعل في عمليات الثورة العربية الكبرى عبر انضمامهم لأشقائهم من فرسان العشائر الاردنية في الثورة .
4jpg
وادي موسى

الخطة العسكرية للسيطرة على منطقة وادي موسى

      وضعت خطة العمليات العسكرية لحركة جيوش الثورة العربية الكبرى في القويرة واستهدفت الخطة السيطرة وتحرير الأراضي الأردنية انطلاقا من القويرة باتجاه الشوبك ووادي موسى والطفيلة بقيادة الشريف مستور والشريف عبدالمعين ومولود مخلص والشريف ناصر اضافة إلى مجموعة واسعة من شيوخ وفرسان العشائر الأردنية كان منهم الشيخ عودة أبو تايه و الشيخ حمد بن جازي، وقد عُيّن الأمير زيد بن الحسين قائدا لهذه الأرتال كما بيّنا في الأبحاث السابقة من مسارات الثورة، وقاد الأمير زيد ومعه جعفر العسكري قوة عسكرية اتجهت من أبي اللسن باتجاه الطفيلة مرورا بالشوبك ووادي موسى واعتبرت هذه القوة كاحتياط عام للأرتال الثلاثة التي تحركت حينها .

290jpg
رتل من هجانة قوات الثورة بقيادة جعفر باشا يحمل راية الثورة في طريقه لوادي موسى

الرتل الأول : بقيادة الشريف مستور ويعاونه فرسان عشيرة الجازي من الحويطات وهدفه تحرير الطفيلة.

الرتل الثاني : بقيادة الشريف ناصر ومعه نوري السعيد رئيس أركان حرب القوات النظامية بالتعاون مع فرسان عشيرة التوايهة من عشيرة الحويطات وعشائر بني صخر وهدفه تحرير جرف الدراويش .
الرتل الثالث : بقيادة الشريف عبدالمعين وهدفه تحرير الشوبك .

 و كانت وادي موسى في كل أوامر العمليات وبناء الخطط العسكرية في المنطقة على درجة من الأهمية لموقعها وخصبها وكثافة السكان النسبية فيها في تلك الفترة وقد كانت جبهة عمليات الجيش الشمالي للثورة تمتد من العقبة إلى القويرة ثم دلاغة مرورا بمناطق وهيدة وسهل الفقي وصولا إلى وادي موسى وهذا الامتداد يحدد جبهة العمليات من الجهة الغربية .

284jpg
معسكر القائد مولود مخلص في وادي موسى

الحرب في وادي موسى

     شهدت وادي موسى أكثر من عملية عسكرية ولكن هناك عمليتين عسكريتين رئيسيتين، وكانت القوات التى وصلت وادي موسى تتألف من :

300 جندي نظامي بين هجان وبغال و مدفعين جبليين و 4 رشاشات إضافة إلى عدد من فرسان العشائر الأردنية من عشائر اللياثنة الذين ساهموا في أعمال الدوريات والحراسة .

 كان ذلك فى في شهر تشرين أول 1917 وكان البرد قارصا جدا والجنود يحيون حياة بائسة في تلك الظروف القاسية التي لا يملك الجندي منهم سوى بطانية واحدة تحميه من شدة البرد مقابل الرغد و كثافة المؤن التي كان تملكها القوات العثمانية المحتلة .

وكنا قد أوردنا تفاصيل معارك وادي موسى في البحث الخاص بمسار معارك التحرير في  معان.

المراجع :

  1. الثورة العربية الكبرى : الموسوعة التاريخية المصورة ، البحث التاريخي والإشراف الدكتور بكر خازر المجالي ؛ فريق العمل فريق الفرس الشقراء ، مركز أرض الأردن للدراسات والنشر،2011 .
  2. التاريخ العسكري للثورة العربية الكبرى فوق الأرض الأردنية / بكر خازر المجالي، قاسم محمد الدروع 1995 .
  3. الثورة العربية الكبرى : الحرب في الأردن 1917-1918 : مذكرات الأمير زيد / سليمان موسى، دائرة الثقافة والفنون.
  4. المراسلات التاريخية 1914-1918 : الثورة العربية الكبرى. المجلد الأول / أعدها وحققها وكتب حواشيها وترجم بعضها سليمان الموسى ، 1973.
  5. مولود مخلص ( بطل معركة وادي موسى في الثورة العربية الكبرى )، تأليف سليم طه التكريتي، بغداد .

 

المسار السادس عشر لمعارك التحرير

Scroll to top