صالح باشا العيد القاقيش

download

ولادته

ولد المرحوم صالح باشا عيد مفرح خلف انصير قاقيش في مدينة السلط في حدود سنة ١٨٥٦، وهو أخ لكل من : خلف ونويصر وعيد وبخيت وخليل، كان والده عيد القاقيش أحد المعتمدين في تقسيم الأراضي على العشائر والعائلات في أواخر عهد الاحتلال التركي.

حادثة طريفة

يروي معالي فؤاد قاقيش – أحد اللذين روا عن سيرته –  أن المرحوم ابراهيم الحنيطي جاءه يشكو عندما كان وزيراً لوزارة البلديات و الشؤون القروية أن احدى العائلات حاولت الاستيلاء على أراضي لهم، و كان عيد مفرح قاقيش – والد صالح باشا – أحد أعضاء اللجنة التي خصصتها مراع للحنيطية عند تقسيم الواجهات العشائرية، وكتبوا صكاً بذلك مؤرخاً بين سنة 1898 بخطه، فأراد معالي فؤاد قاقيش أن يمزح معه قائلاً له : الأرض ليست لكم! فقال له المرحوم الحنيطي : قاقيش خصصها لنا وقاقيش آخر يريد تقشيطها منا !!، وبعدها أرسله إلى مدير عام دائرة الأراضي والمساحة، وثبتها لعشيرة الحنيطية.

 

نشأته و عمله

التحق المرحوم صالح بالكتّاب فتعلم القراءة والكتابة، وثقف الثقافة الاجتماعية حيث كان يجلس في ديوان والده، وبدأ حياته تاجراً وتعاطى تجارة الحبوب بعامة، حتى صار شديد الثراء، وربما تمّول بذلك إبان الحرب العالمية الأولى عندما ارتفعت أسعار المواد التموينية ولا سيما الحبوب.

وتظهر بعض الوثائق سندا يدل على أن أحد وجهاء الشراكسة قد استدان منه ستة آلاف ليرة ذهب، كان أخيه نويصر قاقيش يملك موقع بستان ( أبورصاع )، وعندما تزوج محمد مصطفى قدم له صالح باشا قاقيش نقوطا كان عبارة عن قطعة الأرض التي عرفت ببستان ( أبو رصاع).

تزوج بالسيدة شيخة السالم قاقيش، فأنجبت له : يعقوب وكمال، وتوفيت زوجته في العشرينيات، ولم يتزوج بعدها اخلاصا لها.

 

موقفه من الثورة العربية الكبرى

كان صالح باشا معروفا بمعاداته للاحتلال التركي و دعواته المتكررة للتحشيد ضد القوات التركية المتحصنة بالمدينة، وأخذت تصل القيادة التركية أخباره الداعية إلى تشكيل فرق المتطوعين و الثوار و امدادهم بالسلاح للثورة على القوات التركية و الضباط الألمان المنتشرين في مركز القيادة التركية داخل السلط بدلا من انتظار جيش الثورة حتى يدخل المدينة، فلم تكن تخلو اجتماعاته مع زعماء المدينة و شيوخها و أبناء عشيرته من هذه المواقف، ونشطت دعوة صالح باشا لمقاومة الاحتلال التركي و حلفائه الألمان و النمساويين للأسباب الموجبة التالية :

  1. مصادرة العثمانيين وحلفائهم الألمان والنمساويين المقدر عددهم ب١٤ الف جندي لمحاصيل السلط الزراعية مما أدى لانتشار المجاعة.
  2. نصب المشانق لأبناء السلط و الفحيص لكل من :
  • رفض التجنيد الإجباري
  • رفض دفع الضرائب المفروضة عليه بالقوة و التي تصل قيمتها ل 25% من الناتج .
  • قاوم عمليات سلب و نهب مؤونته ومحصوله من قبل جنود جيش الاحتلال العثماني التركي .
  • كل من كانت تثبت عليه محاولة تحرير المدينة من العثمانيين وحلفائهم عبر عمليات قتالية غير منظمة.
  1. والأهم ان الاحتلال العثماني أحضر أكثر ٥٠٠٠ تركماني ووطنهم بالفحيص وبعض مناطق السلط بعد تهجير اَهلها ضمن سياسة خلق مجتمع موالي له يحارب ضد قوات الحلفاء.

وبعد انتشار مواقفه المؤيدة للثورة العربية الكبرى ودعوته للانتفاض ضد الاحتلال التركي،أصدرت القيادة التركية العليا أمرا باعتقاله، و تم ارساله بالقطار العثماني قبل نهاية الحرب إلى سجون الاحتلال التركي في دمشق حيث ذاق الأمرّين هناك من صنوف التعذيب و بعد دخول قوات الثورة إلى دمشق و رفعها لراية الثورة تم تحرير الكثير من أبناء الأردن من براثن العثمانيين، فعاد إلى السلط بعد ثلاثة شهور، و استقبله أهل عشيرته و شيوخ المدينة بعدما فقدوا الأمل ببقائه على قيد الحياة .

دوره في بناء الدولة

لعب دورا مهما في توضيح وجهة النظر الأردنية والدفاع عن الحقوق العربية ( الإسلامية و المسيحية ) في فلسطين، وكان له دور رئيس في توحيد كلمة رجالات مدينة السلط وذلك في الاجتماع الذي عقد في ديوانه مع هربرت صموئيل المندوب السامي البريطاني إلى فلسطين عندما قام بزيارة السلط

وكان نال الباشوية سنة 1922 هو وسعيد أبو جابر، و تموّل من تجارته كثيراً، وقدم المساعدات المالية للقوات المسلحة الاردنية التي كانت تتأسس في العشرينيات.

انتخب عام 1927 عضوا في اللجان التحضيرية لسنّ قانون الانتخابات للمجلس النيابي، وقد فاز في الانتخابات التشريعية عام 1934 هو وأعضاء حزب الشعب العام، و كان من عادته أن يصحوا مبكرا ليتناول افطاره قبل الساعة السادسة ثم ينزل من بيته في حارة الخضر قرب حي العطيات إلى كراج الحارس حيث يركب الباص ذاهبا الى عمان ويجلس في الكرسي الأمامي وخلال جلوسه في الباص كان يقرأ الجريدة اليومية، وإذا لم يجد الباص  يبدأ المشي على طريق عمان فيتوقف له  له الباص ، وكان طبيعياً أن يقوم له أحد الركاب ليجلس مكانه في الكرسي الأمامي احتراما وتقديرا لمكانته.

وكانت له مضافة يستقبل بها وجهاء البلاد، كما كان يرتاد الدواوين في السلط ويجتمع بالوجهاء، ليتبادل معهم الرأي، وكان له صلة وثيقة باسماعيل السالم العطيات و الحاج فوز النابلسي وسعيد الصليبي وعبد الله الداود ونمر الحمود العربيات ومحمد الحسين وذوقان الحسين العواملة وسعيد أبوجابر وسواهم، كما كانت بيوت القواقشة مفتوحة له دائما، وتستقبله وتستقبل ضيوفه.

ونظرا لمكانته و شهرته زاره الصحفي الشهير نجيب نصار في مضافته ، وأقام فيها بضعة أيام ، وذكره في كتابه ( جولات صحفي عربي ) .

صفاته

وكان له حدس صادق ، فعندما كان يحمل الشمسية فذلك يعني توقع هطول المطر، وكما كان أنيقاً في مظهره، فقد كان أنيقا في مأكله، فكان لا يأكل إلا بالملعقة والشوكة والسكين، وكان يقدم المساعدة لمن يطلبها طالما إليه، ويدعو إلى جمع الكلمة، والمؤاخاة الدائمة بين المسلمين والمسيحيين، وقد وصف بأنه كان رجلاً مستقيما، قوي الارادة لا يعرف الاعوجاج، صريح المواقف صادقاً .

وفاته

توفي في بيت أخيه عيد مساء يوم 12 / 3 / 1970، حيث كان يشاهد التلفزيون وعندما قام للنوم، شعر بالاعياء والألم ولم يتمكن ذووه من إحضار الطبيب، فأدركه الموت قبل منتصف تلك الليلة، وكانت جنازته حافلة.

، ودفن بمقبرة صبيح بالسلط، بعد أن شيع جثمانه من منزله إلى كنيسة الروم الأرثوذكس ومنها إلى مثواه الأخير.

المراجع :

  • أحسن الربط في تراجم رجالات من السلط، د.هاني صبحي العمد، ص240 –243، 2007، مطبعة السفير.
  • عامان في عمان، خير الدين الزركلي، ص63.
  • قاقيش “عشيرة أردنية من أعمدة السلط “، هاني سالم سويلم قاقيش، ص79-81.

صالح باشا العيد قاقيش

الفارس الشيخ  حمد بن عرار بن جازي الحويطات

7mdshe5

مقدمة

في موقعة غدير الحاج أثناء تحرير الأردن من الاحتلال التركي وتحديدا في وادي العكيكة طوقت سرية خيالة تركية قوات الثورة العربية الكبرى المتواجدة في المنطقة، فقطعت قوات الثورة العربية الكبرى الأمل من الخلاص، يروي الزعيم محمد عارف أحد المحاصرين في الموقع حينها:

“لقد أيقنا في ذلك الحين أن الأتراك سيمثّلون بأجسامنا حرقا وتقطيعا قبل ذبحنا”

هكذا أجرم المحتل التركي مع كل من وقع في يديه على مرِّ تاريخ طغيانه، وعلى ذلك قرر جميع الضباط المحاصرين من جيش الثورة العربية الانتحار بدلا من السقوط في براثن المحتل التركي، وفي هذه اللحظة الحرجة ظهر فارس أردني ليغير مسار اللحظة، و يحول الحصار إلى انتصار  فكان البطل هو الشيخ الأردني حمد بن جازي وطوابير خيالته وفرسان عشيرته من الحويطات يسابقون الموت فجاسوا خلال قطعان الاحتلال التركي وبذلك أنقذوا الضباط المحاصرين.

أصيب الراحل العظيم حمد بن جازي بجرح بليغ في هذا الهجوم وقدر له الحياة ليكمل رسم درب الاستقلال الأردني.

نشأته

كانت هذه البطولة مجرد سطر في تاريخ البطولة للفارس الأردني النبيل الراحل حمد بن عرار بن نصار الجازي الذي ولد عام (1886) في بيت امارة فوالده الراحل عرار (أبو ذوقان) حمل لقب ” شيخ مشايخ قبيلة الحويطات ” في بادية الأنباط الأردنية، هناك حيث أضاف الأجداد الأنباط الأردنيين للتاريخ لونه الوردي في البتراء، قبل أن يدخل الاحتلال التركي العثماني ويفصل الأردن عن تاريخه وحضارته لمدة اربع قرون من الاضطهاد والانتقام والسرقة والعبث باسم الدين.

5tmshe5
ختم الشيخ حمد بن جازي

فتحول الأردنيون الى التكيف والتحول الى البداوة فأنشأوا نظاما بدويا متكاملا يمكنهم من مواجهة صراع البقاء الذي فرض عليهم من قبل أكبر آلة عسكرية في ذلك الوقت فمزجوا الزمن والمكان في معادلة الارتحال بالصيف والشتاء وطوعوا الشعر والصوف في دينميكية الترحال بعد أن باتت بيوتهم المستقرة على مدى آلاف السنين هدفا سهلا لقطعان الاحتلال التركي بين الدك والهدم الممنهج أو الابتزاز عبر ضريبة متصاعدة تبدأ بخمسة وعشرين بالمئة وتتزايد بمزاجية الجابي التركي المحتل و أعوانه.

على خطى الأجداد

أعلن الاردنيون سلسلة من الثورات الصغرى في حرب الكر والفر مع المحتل التركي منذ العام الأول للاحتلال التركي، ولم يكن الراحل الفارس حمد بن جازي بعيدا عن ذلك وهو الأردني العتيق حيث تمثلت الروح الوطنية الأردنية مبكراً في مواقفه عندما عاضد وانتصر للحركات الوطنية الأردنية ضد المحتل التركي وأهمها ثورة الشوبك 1905، وثورة الكرك 1910، جاء في جريدة المقتبس العدد 651 الصادرة في 15 نيسان 1911 “إن عشائر الحويطات والرولة وبقية العشائر البدوية التي وقفت الى جانب العشائر الكركية، تعرضت للتنكيل من قبل السلطات العثمانية، وعاقبت الدولة مائة من البدو وشنقت منهم ستة اشخاص” وبذلك الوعي الفطري الأردني رسم ( أخو صيتة ) وفرسان العشائر الأردنية درب الاستقلال الأردني.

أدرك الاحتلال التركي أهمية الراحل حمد بن جازي في المعادلة الأردنية فسارعوا لطلب ودّه وعقدوا اتفاقية معه تمنحه الحكم الذاتي ولقب الباشوية مقابل حصول المحتل التركي على هدنة من طرفه، وكانت هذه الاتفاقية سببا في تأخر انضمام الشيخ حمد بن جازي الى صفوف الثورة العربية الكبرى والسبب ببساطة لأن الراحل منح كلمة شرف للأتراك تضمن حياده وبروح الفارس الأردني لزم عهده حتى باق وغدر المحتل التركي بالاتفاق كعادتهم في معركة اوهيدة يوم 17 تموز 1917 فأعلن أنّه في حلٍّ من عهده مع المحتل التركي على الفور، وبشهامته المعهودة ترك كل مكتسباته ليوظّفها في سبيل تحرير الأردن في مسيرة الثورة العربية الكبرى والتي تَوجت رحلة الأردنيين البطولية نحو الاستقلال.

mthgal+7md
من اليمين : الشيخ مثقال الفايز و الشيخ حمد الجازي

يقول فايز الغصين أحد قادة الثورة العربية الكبرى في مذكراته في وصف لحظة انضمام ( أبو نايل ) – الشيخ حمد بن جازي – للثورة وأثناء نقاش في مجلس الأمير فيصل حول أهمية الشيخ حمد بن جازي في ترجيح كفة النصر، أشار الأمير أن الرّهان كان على مواقفه الأردنية الرجولية حيث ختم الحديث بالقول: “إن الذي انتصر وناصر ثورة الشوبك وثورة الكرك لن يكون الا مع ثورة الشريف الحسين بن علي ،وستنجلي الحقيقة بعد أيام” وبالفعل هذا ما كان.

المحتل يحفر قبره

وفي تفصيل فتنة معركة اوهيدة فقد قام الألمان والأتراك بنشر دعاية اعلامية شيطانية بين عشائر الكرك والصخور والحمايدة والجازي تقوم على لعبة التجارة بالدين التي يتقنها الأتراك منذ قرون وتنص الدعاية على أن الفرنسيين والانجليز يتقدّمون في جنوب الاردن فحشدت العشائر في الكرك ومعهم الصخور وبني حميدة وآزرهم الشيخ حمد بن جازي ومن معه من الحويطات بعد ان التقاهم في طريقهم لصد هذا الزحف المزعوم وفي اوهيدة تجمعوا تحت تأثير الخدعة التركية الألمانية الشيطانية وتوجهوا الى ( الغريغرة ) حيث يجتمع أبناء العشائر الاردنية ممن انضموا للثورة دون علم الطرف المغرر به بالخدعة التي روجها الاحتلال التركي وهناك شن الكركية والحمايدة والصخور والجازي هجوم على العدو الانجليزي الفرنسي المفترض وما أن انبلجج الغبار حتى اكتشف الأردنيون انهم يقاتلون بعضهم تحت عباءة أقذر خدعة مارسها الاتراك على مدى قرون وهي التجارة بالدين، فضرب شيوخ العشائر كفا بكف من هول الصدمة وصاحوا بفرسان العشائر الأردنية أن أوقفوا القتال فقبيلنا هو أهلنا ودمنا.

كانت فتنة اوهيدة التي أرادها الاتراك والألمان مجزرة لأبناء الأردن؛ ذات أثر عكسي بعد أن حولها فرسان العشائر الاردنية وعلى رأسهم (أخو صيتة) الراحل حمد بن جازي الى مسمار جديد في نعش الاحتلال التركي وحلفاءه الألمان والنمساويين، وفي الغريغرة تحول موقع الفتنة بين العشائر الأردنية الى موقع البيعة لراية الثورة.

سجل الشرف

ما أن انتهت فتنة اوهيدة حتى توجه الشيخ حمد بن جازي الى العقبة حيث مقر الأمير فيصل ليعلن بيعته للثورة ليكمل ترصيع سجل الشرف والفروسية بسلسلة معارك نجملها بالتسلسل:

  • الغريغرة
  • الحسا
  • عنيزة
  • جرف الدراويش
  • الطفيلة
  • معان

وفي معركة الطفيلة الثانية حشد الأتراك والألمان والنمساويين قوة كبيرة مدعومة بالطائرات بقصد استعادة ما خسروه على يد فرسان العشائر الأردنية وزحفت القوة الاحتلالية المشتركة من ألمان وأتراك ونمساويين في رتلين ليقينهم أن استمرار سيطرة الثورة على الطفيلة يعني انتهاء الاحتلال التركي ومن حالفه، كانت القيادة في هذه المعركة لقوات الاحتلال التركي والألماني والنمساوي تحت امرة المارشال الألماني فون فالنكنهاين وسمى قطعانه من أتراك وألمان ونمساويين بقوة (التأديب) وأوكلت مهمة قيادتها للضابط الألماني ( نيونيدر ماير)، وتتشكل من ثلاثة ألوية مشاة، وسرية خيالة، وثمانية مدافع صحراء ومدافع جبلية، وسرية رشاشات، ومفارز ألمانية ونمساوية جاءت بعضها من نابلس للانتقام من فرسان العشائر الأردنية. استبسل فرسان العشائر لتسعة أيام تحت القصف المدفعي والجوي وبرز دور الراحل حمد بن جازي حيث يصفه القائد صبحي العمري في مذكراته بهذه المعركة نصَّاًّ : ” لقد بدأ الصدام من مفرزة خيالة الاستطلاع الألمانية في غرب محطة الحسا، وقد انسحب الألمان بعد أن قتل منهم نحو (25) جندياً وغنم فرسان الحويطات الكثير من خيلهم وأسلحتهم وبدأت فرسان العشائر الأردنية تتلاحق من كل جانب، وحضر في مقدمتهم الشيخ (حمد بن جازي) مع خيالته”، وبعد عشرة أيام من الكر والفر انهار القائد الألماني تحت ضرب نار العشائر الأردنية وفي يوم 18 آذار 1918 بعد معارك استبسل فيها فرسان العشائر الأردنية انسحب الاحتلال التركي وحلفائه الألمان والنمساويين وهم يحملون قتلاهم وجرحاهم فارين من ويل ما أصابهم ، فيما استشهد في هذه المعركة 25 بطل أردني وجرح 40 فارسا، ومن بين الشهداء الشهيد أحمد محمود العوران، والشهيد عبدالعزيز الجرابعة، والشهيد جلال ابو جفين، والشهيد جلال أبو هويمل.

ولم يكتفي الشيخ حمد بن جازي أخو صيتة بتحرير أرضه الأردنية بل أكمل وشارك بتحرير أرض جيرانه المحتلين وشارك بمعركة دمشق وتحريرها وشهد رفع علم الثورة العربية الكبرى وانزال علم الاحتلال التركي من على مباني دمشق.

لقد تحول كل إرث البطولة والفروسية الطويل الذي قدمه الراحل البطل حمد بن جازي مثار شهوة لصوص التاريخ وفي زمن كانت آلة الاعلام الغربية تتفوق وجد  ضابط بريطاني يدعى لورنس الفرصة بتجيير بطولة الراحل وتاريخه في المعارك لينسبها لنفسه- كمعارك الطفيلة مثلا- وهكذا دارت معه كاميرات السينما ولكن شمس الراحل حمد بن جازي لا يمكن حجبها بغربال الفبركة والكذب.

 

الشيخ حمد وبناء الدولة

لم يحز الراحل على لقب ( قاضي القلطة ) من فراغ، أما قاضي القلطة فهو أعلى مرجع قضائي – وله صلاحية تعديل العادات فيعتبر مشرّع ويأخذ القضاة بتشريعه وبهذا يدرك مدى خطورة القرار الذي يصدره. وما يدل على وعيه الذي سبق عصره ما قاله لحظة البدء ببناء الدولة الأردنية بعد طرد المحتل التركي : ” البطولة أن تكون في الدفاع عن الوطن، وليس في محاربة أبناء الوطن القربان منهم والعربان وأبناء العمومة، لقد فرضت علينا المحاربة والفتنة في عهد الاحتلال التركي، والخسارة كانت للجميع، والأردن هو الخاسر الأول، و بإذن الله سنضع نهاية للمحاربة بين كل الأطراف ولا يكون بعد اليوم فرقة واختلافات بين القبائل والعشائر الأردنية “.

1946+shr7 word
اثناء حفل اعلان الاستقلال 1946 ويظهر فيها من اليمين الشيوخ حمد بن جازي، ماجد العدوان ، معارك المجالي ، سالم الهنداوي

لقد أدرك بفطرة القاضي والحكيم كل فتن الأتراك والإنجليز من بعدهم وحسم الطريق الى الاستقلال بردم كل الفتن بوضع المعيار الأعلى لقياس الرجولة والشرف وهو خدمة الأردن. وهكذا كان باشراف الأمير عبدالله وشيوخ الأردن بمبدأ “الحفار والدفان”. لتبدأ رحلة التنمية والنهضة بعد قرون الاحتلال والتجهيل.

نُذْر الشهادة

وعلى هذا العهد نذر الشيخ غرة أبنائه وفلذة كبده (نايل) في الجيش الأردني حيث ميدان الفروسية الحقيقية ولا راية تعلو على علم الأردن، نايل كان على عهد أبيه وعظمة الجيش الذي انتمى له وفي  باب الواد في عام 1948 سد الفارس الأردني نايل بن حمد الجازي الباب بوجه تقدم العدو بصدره واستشهد في القدس بطلاً أردنيا من طراز الأنباط الأشاوس.

sayl7mdloa2
الراحل الحسين بن طلال ، و بجواره الشهيد وصفي التل و اللواء صايل الجازي

كما خدم نجله اللواء صايل حمد الجازي في ميادين الإباء و الشرف، قائدا البادية، ومساعدا لمدير الأمن العام، ومديرا للشرطة في عدة محافظات أردنية.

سأجعلهم عبرة

لقد كان الراحل الكبير حمد بن جازي سمحاً في مجلسه ومعاملته وصلباً في مواقفه يذكر أنه عندما تجمع الفارين من سوريا في عمان ومن بينهم مظهر أرسلان أرسلوا للأمير عبدالله بن الحسين عند وصوله معان رسالة يهددون فيها بمنعه من دخول عمان وكان أرسلان ومن معه يتكؤون على معاونة الإنجليز الذين احتمى بهم مظهر أرسلان وأتباعه وقرأت هذه الرسالة في معان بحضور الأمير عبدالله وبوجود الشيخ حمد بن جازي فرد الراحل حمد بن جازي بكل نخوة قائلاً: ” والله شاهد عليَّ والسامعين…لو ظل هذا الرجل عند عدائه لحركة أبناء الأردن، سأصل عمان لأقطع رأسه ليكون عبرة لكل عملاء الانجليز“.

 لقد كان الأردنيون وعلى رأسهم الراحل حمد بن جازي على دراية من أنهم حققوا الاستقلال الأولي من الأتراك وعملائهم وبات أمامهم مشوار التحرر من عملاء الانجليز وكان على رأسهم الفارين من سوريا ومنهم مظهر أرسلان وفؤاد سليم وآخرون .

أطول تجربة برلمانية

وهكذا وبهذا الوعي الوطني والذكاء في النضال السياسي انخرط البطل في العمل السلمي فكان يُعد صاحب أطول تجربة برلمانية على المستوى الأردني والعالمي حيث كانت تجربته الفريده بتمثيل البادية النبطية الجنوبية عشر دورات برلمانية متتالية بالتزكية – 33 سنة – من عام 1929 حتى وفاته عام 1962.

1958 a3yan+shr7
الشيخ حمد بن جازي (الاول من اليمين – الصف الاول ) في افتتاح مجلس الامة عام 1958م

فارسٌ ترجّل

بتاريخ 8/12/1962 انتقل الشيخ حمد بن جازي للرفيق الأعلى وبذلك فقدت العشائر الأردنية علمًاً من أبرز أعلامها ورمزاً كبيراً من رموزها وذلك لدوره المشهود على الساحة الوطنية الأردنية والعربية حيث أمضى سني عمره ومنذ صباه وحتى وفاته في خدمة وطنه فأبّنه الشعراء وكذلك الصحف وشارك الشيوخ والوجهاء ورجالات الدولة الكبار والجموع الغفيرة من كل قبائل الأردن في تشييع جثمانه الطاهر إلى مثواه الأخير في الرشادية حيث دفن فيها.

7md+king
الملك الراحل الحسين بن طلال مصافحا الشيخ حمد بن جازي

قال عنه الراحل الكبير الملك الحسين بن طلال في خطاب له ألقاه في زيارة له لمضارب قبيلة الحويطات في الحسينية بتاريخ 5 تشرين أول 1989:

“لقد كنت خلال زياراتي وتجوالي بين الأهل والعشيرة أجد الشيخ المناضل حمد بن جازي ومعه الشيخ فيصل وإخوانه على رأس الجميع يتفانون في خدمة كل الناس، وستظل هذه الصورة حيّة في ذاكرتي ما حييت وسأحملها في كل زياراتي ولقاءاتي مع الأهل في هذا الجزء الغالي من وطننا الكبير.

أذكر في السنة الأخيرة وقبل أن يختار الله الشيخ حمد بن جازي إلى جواره عندما غطى الثلج هذا الجزء من وطننا الكبير كان رغم كبر سنه يتفقد أحوال الناس. هذه الصفات لا بد أن نحافظ عليها وهذه العلاقات لابد أن تتواصل بيننا، هذه قيم ورثناها عن آبائنا وأجدادنا وهذه سمات عرفناها، وأنني أتمنى أن تتكرر هذه الصورة داخل الأسرة الواحدة، يد واحدة وقلب واحد في حبهم واحترامهم لبعضهم البعض”.

 

المراجع

  • المجاهد الشيخ حمد بن جازي (1886-1962)،محمود سعد عبيدات،2015.
  •  مذكرات الزعيم طاهر محمد عارف، من قيادات جيش الثورة العربية الكبرى.
  • سليمان الموسى، امارة شرق الأردن.

الفارس النبيل حمد الجازي الحويطات

الفارسان الشيخان ذيـاب و صالح العوران

144
الأمير زيد بن الحسين و عدد من قادة الثورة و ووجهاء و شيوخ و فرسان الطفيلة ملتفين حوله في استعراضهم لغنائمهم من المدافع الألمانية و النمساوية أثناء تطهير الطفيلة من الاحتلال العثماني

مقدّمة

في الــ 25 من كانون الثاني عام 1918  خاض أهالي الطفيلة المعركة الحاسمة المعروفة بحد الدقيق ضد أرتال وطوابير الاحتلال العثماني التركي بعد ان اجتمع أهل الطفيلة على قلب رجل واحد لنصرة الثورة العربية الكبرى والانضمام لقوات الشريف الحسين بن علي بزعامة الشيخ ذياب العوران الذي كان احد الزعماء الكبار في الطفيلة انذاك.

في هذا البحث نستعرض سيرة الشيخ ذياب العوران أحد قادة معارك الطفيلة في الثورة العربية الكبرى و أبطالها العظام ، و سيرة نجله الشيخ صالح العوران ” وريث ارث الثورة و البطولة و الفداء “

الفارس البطل ذياب العوران

نسبه و نشأته

هو الشيخ ذياب عبدالرحمن عبيدالله العوران ، ولد في مدينة الطفيلة عام 1853م، وهو أحد أبناء الشيخ عبدالرحمن الذي أنجب يحيى وخليل وأحمد ومحمود وجعفر وعبدربه ، وساهم في تأسيس القواعد العشائرية، وتقلد زمام الزعامة في جنوب الاردن أيام الحكم العثماني.

موقفه من الثورة العربية الكبرى

كان الشيخ ذياب العوران أحد زعامات مدينة الطفيلة المشهود له بالكرم و الفروسية و الزعامة المتوارثة و الرأي السديد، وكان صاحب اجماع و مكانة بين عشائر الطفيلة و شيوخها، وتولى لمرات عديدة مهمات الدفاع عن أبناء المدينة، وجلب حقوقهم، ومحاولة الحفاظ على أعلى حالات ديمومة الأمن و الاستقرار للمدينة ابناء السيطرة العثمانية عليها حتى اندلاع الحرب العالمية الأولى.

و بسبب الاحتلال العثماني والاضطهاد الذي كان يتعرض له أبناء الطفيلة اجتمعوا بقيادة شيخ المنطقة ذياب العوران واتفقوا على رأي واحد وهو الانضمام لقوات الشريف حسين، فوصلت مواقفهم للأمير فيصل الذي كان متواجدا في معسكر القويرة، حيث سارع الشيخ ذياب العوران بإرسال ابنه عبدالسلام – تبعا لإجماع أهل المدينة-  إلى الأمير فيصل القائد العام لجيوش الثورة العربية الكبرى في الأردن وذلك بشكل سري نظرا لكثرة العيون و الجواسيس المنتدبين من قبل القيادة التركية المحتّلة لمراقبة خطوط تواصل شيوخ العشائر الأردنية مع قادة الثورة و معسكراتها، ووصل عبد السلام ذياب العوران حاملا رسالة أهل الطفيلة و شيوخها من أجل إبلاغ الأمير فيصل للتقدم بقوات الثورة اتجاه الطفيلة و للتوجه نحو الحامية التركية المكونة من أكثر من 200 جندي والتي كان قائدها العربي ( زكي الحلبي ) والاخير هو ايضا كان على اتصال سري مع الامير فيصل .

هذه الاتصالات السرية والتي كانت قناتها الأبرز الشيخ ذياب العوران ساهمت بشكل مهم في دخول قوات الثورة الى الطفيلة واستسلام الحامية التركية فيها ورضوخها، حيث جرت الاتصالات لاحقا بين الامير زيد بن الحسين وبين الشيخ ذياب العوران شيخ مشايخ الطفيلة وذلك لمساندة الثورة ورجالها ضد الاتراك، وقد استعد الشيخ ذياب العوران للوقوف الى جانب الثورة، فوصل الشريف ناصر بن علي ومن معه من رجاله الى منطقة الطفيلة ، وأقامت لهم عشائر الطفيلة معسكرا في وادي الفرس ، حيث حضر الشيخ ذياب العوران ليرحب بالشريف ناصر ومن معه، وهناك وقفت عشائر الطفيلة تستقبل قوات الشريف ناصر بن علي القادمة من الشرق بالأهازيج المعروفة لديها،  و عرف عن الشيخ ذياب العوران بأنه كانت تربطه صداقة مع كل من الشيخ عودة أبوتايه ومحمد بن جازي شيوخ الحويطات وقد ساهم هذا الأمر في التفافهم جميعا حول راية الثورة و دعمهم لها،  ومن وادي الفرس توجه الشريف ناصر يرافقه الشيخ ذياب العوران الى الحامية التركية شرقي الطفيلة وجرت مفاوضات بين الطرفين كان من نتيجتها ان استسلمت القوة التركية في 15 كانون الثاني عام 1918م. وفي نفس اليوم وصل الى الطفيلة الشريف مستور وقواته القادمة من الغرب ومعه شيخ الحويطات حمد بن جازي والملازم محمد علي العجلوني وبالنهاية تم رفع راية الثورة على قلعة الطفيلة في تاريخ 15/كانون الثاني / 1918

وفي الأيام التالية وصل الأمير زيد بن الحسين وجعفر العسكري ومعهما قوة نظامية صغيرة وأقاموا معسكرهم في جنوب الطفيلة بجوار مزار جابر الانصاري.

و عند وصول الخبر الى الاحتلال العثماني عن استسلام  الحامية التركية على يد قوات الثورة  وبجهود عشائر الطفيلة وعلى رأسهم الشيخ ذياب العوران  زاد هذا الأمر من اضطراب الاحتلال التركي و زاد من خوف الأتراك من تحرير المناطق الأخرى من قبل قوات الثورة، وبدأت على عجل بإرسال رسائلها المتكررة للشيخ ذياب العوران و أهالي الطفيلة تدعوهم لمساندتها في وجه جيش الثورة العربية الكبرى و قادتها مقدما الاغراءات و الوعود بكافة أصنافها ، لكن الرفض كان قاطعا و أعلنت الطفيلة أنها لن تميل أو تتزحزح عن موقفها الداعي لتحرير الطفيلة من الاحتلال العثماني لها، فمزقت رسائل الأتراك و شدّت على أيدي زعاماتها بأنها لن تتنازل أو تتراجع عن محاربة الجيش التركي في حال قرر إعادة احتلال المدينة، وحينها وبعد أن علمت القيادة التركية بالموقف القاطع لعشائر الطفيلة و شيوخها قررت اعادة احتلال الطفيلة و البطش بعشائرها و اذاقتهم صنوف الاجرام و العذاب عبر تصريح الجنرال التركي حامد فخري قبيل وصوله للطفيلة بأنه سيضع سيفه في رقاب أهل الطفيلة جميعا، و كان واضحا اصرار القوات التركية و حلفائها الألمان و النمساويين على استعادة الطفيلة لأهميتها الاستراتيجية السياسية والاجتماعية والعسكرية والتي توفر حماية طبيعية جغرافية .

دوره في معركة حد الدقيق

وفي معركة حد الدقيق، و ما أن وصل حامد فخري مشارف وادي الحسا حتى بدأ بممارسة تهديده وبواسطة مدافع (القدرتلي) التي اصابت ثلاثة مواقع في الطفيلة.

وكأن ما حدث هو ايذان بإعلان معركة، وبقي اهل الطفيلة في البلدة ولم يغادروها انما استعدوا للمواجهة بأسلحتهم فتشاور كبارهم وعلى رأسهم الشيخ ذياب العوران لمقابلة الامير زيد في خاصرة الطفيلة الجنوبية ليمدوا له يد العون. وكانت قذائف مدافع الاتراك تلك انطلقت مساء 24 كانون الثاني من وادي الحسا – شمال الطفيلة ثم ارتاحت القوات التركية تلك الليلة في بطن الوادي فرجالها من مجموعات المشاة جاءوا راجلين.

وعند وصول خبر زحف الاحتلال التركي تجاه الطفيلة الى الأمير زيد ،بادر بإرسال رسائله الى الامير فيصل لينبئه بالزحف العثماني الى الطفيلة وطالبا منه العمل على امداده.

 فكان رأي الامير فيصل ان يستعين الامير زيد فورا بالشيخ ذياب العوران لحشد المقاتلين من فرسان الطفيلة و شبابها، وايضا من اجل الإغارة على السكة التي هي شريان المواصلات الرئيسي للأتراك وعبره يتم نقل المؤن و الأسلحة و الأسرى. ويوضح المؤرخ سليمان القوابعة؛ لم تكن تلك القوة التابعة للأمير زيد في الطفيلة كافية بحيث تستطيع ان تواجه قوة الترك مباشرة في الميدان، فالنظاميون كلهم لا يزيد عددهم على ستين وهم جنود الرشاشات الأربع يقودهم الملازم صبحي العمري، وجنود المدفعين الجبليين (اللذين) لم يكن مع كل منهما سوى ثماني طلقات واثني عشر خيالا وعدد من المتطوعين المحليين يقدر عددهم بخمسين رجلا ويقودهم الرئيس اسماعيل نامق بالإضافة الى عدد من الحجازيين يشكلون خاصة الامير زيد و حاشيته.

بعد ان تواردت انباء الحملة التركية من وادي الحسا اجتمع شيوخ الطفيلة ومعهم  الشيخ ذياب العوران وعقدوا أمرهم على نصرة الثورة فتوجهوا الى مخيم الامير زيد واحتشدوا ظهر يوم 25 كانون الثاني بعدد يزيد على الثلاثين من كبار اهل البلدة وهم خيالة وتبعهم راجلون وطلبوا من الأمير ان يتجه معهم بقواته لمرتفع الطفيلة في العيص لمواجهة الترك فاعتذر بداية اذ لا يستطيع ان يغامر بالمدافع، كما اضاف ان ذخيرة مدافعه ضئيلة جدا غير ان الرجال ألحوا عليه فتريث قليلا.

وفي نهاية معركة حد الدقيق و بعد تحقيق الانتصار وصل المقاتلون ومعهم الاسرى الاتراك ليلا الى داخل  البلدة حيث حيث كان الامير زيد وجعفر العسكري وعبدالله الدليمي وراسم سردست وصبحي العمري يقيمون في منزل الشيخ ذياب العوران.

وهكذا كان للشيخ ذياب العوران الدور الكبير في تثبيت دعائم انتصار ثورة الأردنيين و أهل الطفيلة على الاحتلال التركي.

توفي الشيخ ذياب العوران في عام 1938م، بعد حياة حافلة بالعطاء و التضحية و الانتماء الوطني .

  

الشيخ صالح باشا ذياب العوران

200199290116470

**مقدمة :

كانت حياة صالح العوران والظروف التي نشأ فيها بيئة ملائمة لبروز شخصيته ومقدرته على الاضطلاع بجهود ومهام صعبة ، بين فترات حرجة من عمر الدولة الأردنية ، كما عايش الإرهاصات التي سبقت مرحلة التأسيس ، فكان بذلك رجل مرحلتين مهمتين كان لهما دورهما الكبير في ما آلت إليه الحال في المنطقة برمتها ، وفي مختلف الميادين السياسية والعسكرية والاقتصادية.

**نشأته :

ولد الشيخ صالح باشا العوران في الطفيلة سنة 1888 م ، وينتسب الشيخ صالح ذياب الى عشيرة العوران الواقعة بجذروها في الطفيلة بالجنوب الاردني ، ويعد ذياب العوران من اشهر الزعامات العشائرية  الاردنية وكان من الزعماء المهابين من قبل رجال الاحتلال العثماني انذاك..

**موقفه من الثورة العربية الكبرى:

حظي الشيخ صالح ذياب العوران بتربية قوية وشجاعة وذات خبرة بسبب مرافقته لوالده ذياب العوران ، في بداية طفولته تعلم تعليماً اولياً من خلال الكُتاب ولكنه لم يكمل مراحله الثانوية ، ثم توجه الى الحياة العملية و كسب الخبرات المتراكمة وان يساهم بشكل مبكر مع اخاه عبد السلام الاكبر منه سناً في مساعدة والدهما ، وكان له الدور بالمساهمة في معارك الطفيلة وفي جيش الثورة العربية الكبرى. كانت الثورة العربية الكبرى حالة ذات ابعاد عميقة في وجدان الشيخ الباشا صالح العوران التي حمل رسالتها طوال سنوات عمره ، ولم يتباطئ عن دوره في بناء مؤسسات الدولة الاردنية منذ تأسيسها عام 1921.

**الشيخ صالح باشا العوران والجو الاجتماعي:

عاش الشيخ صالح العوران في جو اجتماعي عشائري فيه طابع الرجولة والعشائرية والنشاط وفي نفس الوقت فيه الكثير من الإنسانية والتعاون مع المجتمع كله، دخل السياسية بطريقة غير مباشرة ، ففي تلك الفترة لم تكن الأمور واضحة بل متغيرة، فقد عاشوا في فترة صعبة جدا على المستوى المحلي الأردني في عهد الاحتلال العثماني.

أما عن مشاركته السياسية فقد كان الشيخ صالح العوران عضوا في أول مجلس تشريعي وكان ذلك عام 1929 و واستمر لفترة لا بأس بها فأول خمس مجالس تشريعية كان عضوا فيها ، إلى أن جاء مجلس النواب ، فقد  قام بواجب وطني تجاه القيادة الهاشمية و تجاه الطفيلة و تجاه الأردن لأنه جزء من مؤسسة كبيرة جدا.

وكان يؤدي دوره هناك كواجب وطني  أردني مقدس  ومن هذا المنطلق فقط بدأ بالمجلس التشريعي واستمر فيه ثم جاء إلى مجلس النواب في نهاية الاربعينات ، فعندما تأسس المؤتمر كان عدد اعضائه 20 شخص وكان منهم صالح العوران وهذا يعني أن صالح العوران هو واحد من الأشخاص العشرين الذين صاغوا دستور هذا الوطن و مما يعتز به أبناء الطفيلة أن صالح العوران كان في المؤتمر التأسيسي الأول وكان صاحب دور فاعل.

**  الشيخ صالح باشا العوران و الملك المؤسس عبدالله الاول بن الحسين :

Mouran
معالي محمد صالح العوران

 تحدث معالي محمد صالح العوران عن والده  في لقاء له مع جريدة الدستور قائلاً :

أما عن علاقة الشيخ صالح العوران بالملك المؤسس فقد كانت العلاقة مميزة بين المرحوم الملك المؤسس وبين والدي بالإضافة إلى الزيارات التي كان يقوم بها الملك عبد الله إلى جميع محافظات المملكة وسمعت كثيرا أنه كان يأتي إلينا في المنزل ويبقى أياما ليلتقي بكل زعماء المنطقة ، كما يضيف أنه في عام 1950 قبل وفاة الملك المؤسس بسنة واحدة كان هو في الصف الرابع فكلفه والده أن يلقي بعض أبيات من الشعر أمام جلالة الملك عبد الله في زيارته للطفيلة وكان استاذه  الكبير زيد الكيلاني هو الذي كتب له الأبيات فقال:

 يا مرحباً بجلالة الملك الأبيّ           يا مرحبا بالهاشمي اليعرب

شرفت ديرتنا فباركتها الحياة          وسرت في أرضنا روح النبي

**الجانب الاجتماعي العشائري لصالح باشا العوران :

صالح باشا العوران هو ابن ذياب باشا العوران كما اسلفنا تربى في بيت مشيخة بمعناها القيمي والأخلاقي و كان قاضيا عشائرياً ، يمثل قمة معنى العطاء والإنسانية وإصلاح ذات البين،  يوجه الناس لخيرهم، معطاءاً كريماً وبالتالي كانت سرايا ذياب العوران ومن بعده صالح العوران ملجًأ للمعوزين و المحتاجين و أبناء السبيل و الضيوف، يذهبون هناك ليجدوا الرفادة والسياقة وكرم ضيافة الطفيلي و نخوته .

ساهم الشيخ صالح العوران في حل القضايا الاجتماعية والعشائرية، وعمل على تلبية طلب كل صاحب حاجة، فساعد الفقير، وأغاث الملهوف، وكثيراً ما لجأ إليه رجال الحكم المحلي في الطفيلة ومدن الجنوب، ليساعد في حل كثير من القضايا الصعبة، خاصة القضايا والمشاكل ذات البعد العشائري، نظراً لمعرفته الكبيرة بالعادات والتقاليد العشائرية، وضلوعه بالقضاء العشائري، الذي يعد قضاءً مسانداً بفعالية كبيرة للقضاء المدني، لذا تمتع بتقدير خاص بين الناس، وباحترام وتقدير كبيرين لدى كبار مسؤولي الدولة، وقد واصل العمل المتميز والمخلص حتى وفاته عام 1955، ودفن في مدينة الطفيلة مسقط رأسه والمكان الأحب إلى نفسه.

المصادر و المراجع :

  • الثورة العربية الكبرى ( معارك الطفيلة – صور من البطولة ) ، سليمان حمّاد القوابعة ، أزمنة للنشر و التوزيع ، الطبعة الأولى،2008
  • التاريخ العسكري للثورة العربية الكبرى فوق الأرض الأردنية / بكر خازر المجالي، قاسم محمد الدروع 1995 .
  • الثورة العربية الكبرى : الحرب في الأردن 1917-1918 : مذكرات الأمير زيد بن الحسين / سليمان الموسى، دائرة الثقافة والفنون.
  • كتاب الطفيلة مملكة الادوميين وارض الكروم ، سلطان الحطاب
  • جريدة الدستور لقاء مع معالي الدكتور محمد صالح العوران بتاريخ 8 /تشرين الثاني/ 2007
  • لقاء مع الدكتورة سوسن العوران – حفيدة الشيخ صالح العوران- من قبل فريق إرث الاردن في مكتبها بالجامعة الاردنية
  • لقاء مع معالي الدكتور محمد العوان من قبل فريق إرث الاردن بتاريخ19/اذار/2016
  • موقع خبرني، مقال للاستاذ بسام العوران في تاريخ : 29/10/2015
  • وكالة انباء سرايا الاخبارية، مقال للاستاذ بسام العوران في تاريخ 07-04-2010

شيخ و فارس و ثورة ( ذياب و صالح العوران )

الفارس الشيخ محمد باشا الحسين العواملة

mohammadalhusein

نشأته

ولد الفارس الشيخ محمد باشا حسين يوسف الأحمد الحمدان العواملة بمدينة السلط في حدود عام 1880،كان والده زعيماً في عصر الاحتلال التركي لعشيرة العواملة التي كانت تضم (14) أربع عشرة عائلة حينها.

salt1
صورة لمدينة السلط و بيوتها ومبانيها عام 1880، حيث ولد محمد باشا الحسين

نشأ محمد الحسين وقد تعلم الفروسية من خلال الصيد و ركوب الخيل، والتحق بالكتاتيب، فأصبح يحسن القراءة والكتابة، ويقال أنه كان ينظم الشعر، وتزوج بأربع زوجات، ورزق من ثلاث منهن بأربعة أولاد وهم :  أحمد وبشير ومصطفى وياسين.

دوره في الثورة العربية الكبرى

كان محمد الحسين من الجيل الذي تفتح وعيه على المظالم التي كان قومه و أبناء شعبه  يتجرَّعونها من جيوش الاحتلال العثماني وولاتهم و حكّامهم في المنطقة الذيين كانوا ينفذون سياسات حكومة الدولة العثمانية، في تبني القومية التركية الطورانية، ولم يكتفوا بما كانوا يوقعونه بالمدن و الأهالي من ظلم و قهر وتجهيل بل عمدوا إلى إجبارهم قسرا على محاولة الإنسلاخ من هويتهم  لحساب الهوية القومية التركية الطورانية عبر ما سمي بسياسة التتريك، وكأترابه من أبناء جيله نشط محمد الحسين العواملة في الجناح الشبابي للحركة الوطنية الأردنية للتصدِّي لمظالم حكومة الاحتلال العثماني، وكان الشيخ واحدا من المئات من رجالات وشباب الأردن الذين حكم عليهم جمال باشا السفاح بالإعدام، وذلك كونه كان من أوائل الزعماء الأردنيين الذين أعلنوا الثورة على الاحتلال التركي العثماني، وحشّد فرسان عشيرته و مدينة السلط على قتال الحاميات التركية في السلط و عمان، وساند بتوفير السلاح و الذخيرة للثوار من جيبه الخاص، بل و اشترى الخيل للفرسان ووضع منزله و أراضيه تحت تصرف الثوار لتكون ملجأً وحصنا أمينا لهم من تقصي الجيش التركي و عيونه المنتشرة في المنطقة وهجماته الانتقامية، وحال عدم القدرة على السيطرة على تحركات الشيخ محمد الحسين أصدرت الإدارة التركية العليا حكم الإعدام عليه وعلى عدد كبير من ثوّار السلط فاختفى من المدينة للاحتماء من الملاحقة التركية وانتقل فورا إلى مدينة القدس – التي دخلتها قوات الحلفاء – مع بعض عائلات العواملة، وكان ذلك في سنة الفلّة، وبقي في القدس مدة ستة شهور.

saltfalleh
جموع من أهالي مدينة السلط يخرجون من المدينة عام 1918 بعيدا عن بطش الاحتلال التركي أثناء مواجهات الحرب العالمية الأولى بين قوات التحالف و الجيش التركي و حلفائه الجيشين الألماني و النمساوي

 

 

و تكريما له و تقديرا لجهده في الوقوف بوجه الاحتلال العثماني حصل على قلادة الحسين بن علي التي أنعمها عليه الشريف الحسين عندما زار السلط بعد عودته من منفاه في قبرص ، وكان الملك عبدالله الأول يقدر عاليا الفارس محمد الحسين لمواقفه الصادقة فمنحه لقب باشا.

مسيرته الوطنية

انتخب الفارس الشيخ محمد باشا الحسين عضواً في المجلس البلدي في أثناء رئاسة  الشيخ نمر الحمود والحاج عبد الله الداود خلال الفترة من 1923-1933،  وكان مثالاً أصيلا للعمل في سبيل نهضة المدينة وتطورها، و بالإضافة الى مواقفه الوطنية الشجاعة سجّل الباشا محمد الحسين مواقف عربية جليلة وصادقة بينها استضافته للمناضل السوري سلطان باشا الأطرش ورجاله الدروز في بيته في السلط لمدة ستة شهور وبعد عودتهم الى بلادهم بعثوا بتاريخ 6 أيار 1937 م رسالة شكر أعربوا فيها عن خالص تقديرهم الى محمد الحسين لما لقوا في بيته وبين أهله وعشيرته وأبناء السلط على العموم من حفاوة وتكريم.

وكان مجلسه عامراً بحضور شخصيات مدينتي السلط وعمّان، والمعلمين الذين كانوا يعملون في مدرسة السلط الثانوية، أمثال : علي روحي ، حسن روحي ، سعيد البحرة ، محمد علي الحوماني ، محمد اديب العامري ، حسن برقاوي ، وغيرهم.  وكان من المؤيدين لتثبيت ركائز السلطة التشريعية، ويعد من المعارضين الوطنيين الحقيقيين في أثناء فترة حكم الأمير عبدالله، وكان دائم النقد لأعمال الحكومة حينما كان يرى بأنها لا تراعي مصالح الشعب، وله مع بعض رؤساء الحكومات مواقف متشددة، وكان من نتائجها نفيه إلى مادبا.

وبهذه المناسبة قال الشاعر طراف حيمور :

بالعون هَلَ السّلط رجالا متينين …. انحصرت بولد حسين كل المثاني

على مادبا أبعدوه لنفسه تلين ….    النفس عزيزة ما تعطي الليـــــــــان

ووصف بأنه وطني نقي، كان محمد الحسين شديد العداوة مع المستعمرين الانجليز رافضا كل الاغراءات والمزايا والهدايا والأراضي التي عرضتها عليه بريطانيا لاسترضائه، إذ كان يدعو دائما إلى إخراج الانجليز من الأردن وفلسطين في السر والعلن واعلان الاستقلال عن الانتداب البريطاني، ومقاومته بكل الوسائل .

صفاته :

كان الباشا خيالا صيادا ويحسن العزف على الربابة، وصفه من عرفه عن قرب بأنه كان واسع الصدر، كريم النفس، شديد الغضب إذا أغضب، شديد الاعتزاز بنفسه، ذا شخصية قيادية قوية لا تلين، ولا تعرف الضعف أو الخوف، وكان واسمع العينين، ذا شاربين كثيفين، يميل إلى السمنة قليلاً.

 ومن الروايات الطريفة التي تبين مدى حظوته و شعور الناس بزعامته أن قيظاً قد داهم الناس أول شهر رمضان في ذات سنة، وقد وفد عليه بعض أفراد عشيرته يطلبون منه تأخير شهر رمضان إلى حين انتهاء الحر الشديد.

مفاصل عامة من حياته السياسية  :

  • وبعد نجاح المحتلين الفرنسيين بتواطؤ مع حلفائهم الإنجليز في إسقاط الحكومة العربية الفيصلية في دمشق التي كانت مناطق شرقي الأردن تابعة لها حاول المحتلون الإنجليز فرض سيطرتهم إداريا على الأراضي الأردنية فتصدَّت العشائر الأردنية للخديعة الإنجليزية وشكـَّـلت عدة حكومات محلية كان من بينها حكومة السلط المحلية لتتولى رعاية شؤون منطقة السلط التي كانت تضم إدارياً السلط وعمان ومادبا، ، وكان الشيخ محمد باشا الحسين اليوسف الأحمد الحمدان العواملة أحد ممثلي السلط في مجلس الشورى الذي انتخبه الأهالي لتسيير أمور الحكومة المحلية ، وانتخب أيضا في ذلك المجلس رجالات السلط ( مرتبين هجائيا ) : الخوري أيوب ، اسماعيل السالم أيوب فاخوري ،  بخيت الإبراهيم ، سعيد الصليبي ، نمر الحمود.
  • بعد تأسيس الإمارة الأردنية بزعامة الأمير المؤسِّـس عبد الله الأول بن الحسين إختار الأمير المؤسِّـس الشيخ محمد الحسين العواملة عضوا في اللجنة الأهلية لوضع قانون للمجلس النيابي التي شكلها في عام 1923.
  • شارك في تأسيس حزب الشعب الأردني الذي تأسَّـس بزعامة الشيخ عبد المهدي الشمايلة في عام 1927، وكانأحد اعضاءه 1928 ، و عضوا في الحزب الحر المعتدل عام 1930 .
  • عضو مجلس بلدية السلط أثناء رئاسة الحاج عبد الله الداوود في الفترات : ( 1923- 1925)، (1927 – 1932).
  • كان محمد الحسين العواملة من أبرز قادة المظاهرات الصاخبة ضد الاحتلال الفرنسي والبريطاني و التي شهدتها السلط ومختلف المدن الأردنية في 8 / 3 / 1928 م بمناسبة ذكرى تأسيس الحكومة العربية بزعامة الملك فيصل بن الحسين في دمشق التي أجهضها الاستعمار الفرنسي .
  • وكان محمد الحسين العواملة من بين أعضاء وفد عشائر السلط الذي قابل الأمير المؤسِّـس عبد الله بن الحسين بعد ان أضربت المدينة ثلاثة ايام متواصلة وضمَّ الوفد أكثر من «30» زعيما سلطيا كان منهم محمد الحسين العواملة وسعيد الصليبي الفاعوري وسرور الحاج القطيشات وفوزي النابلسي ونمر الحمود العربيات وطاهر أبوالسمن الحياصات وعبد الله الداود الجزازي وفلاح الحمد الخريسات، وتحدث الشيخ محمد الحسين العواملة نيابة عن الوفد مخاطبا سمو الأمير عبدالله: ( يا صاحب السمو فوجئنا بالمعاهدة – الأردنية البريطانية – ونحن أهالي البلاد الذين يحق لهم وحدهم تقرير مصيرهم وبما أن المعاهدة تقضي بأن تكون بلادنا مستعبدة لإنكلترا وهي بمثابة أعنة وضعت في رقابنا يقتادنا بها الإنكليز إلى حيث يشاؤون فإننا نرفضها جميعا ).
  • شارك محمد الحسين العواملة مع وفد من شيوخ السلط ورجالاتها في المؤتمر الوطني الأول الذي شارك فيه شيوخ ورجالات الأردن من مختلف المناطق في 25/7/1928 م في مقهى حمدان الشهير في عاصمة الإمارة الأردنية عمان، وصاغوا فيه ميثاقاً وطنيا ً التقت عليه كل أطياف المجتمع الأردني في تلك الحقبة، ويعكس ما كان يتمتع به أجدادنا وآباؤنا الأفذاذ من رجالات الرعيل الأول من وعي سياسي وقانوني وإداري واقتصادي، إلى جانب ما كانوا يتمتعون به من روح وطنية عالية.

وفاته

وتوفي رحمه الله في 29 شباط عام 1941 إثر نوبة قلبية.

فقال الشاعر زيدان الصويص في رثاء محمد باشا لحسين بتاريخ 1/1/1941 :

 ذوقان عزّينا عن الغبن والياس                  بفقد منهو للمشايخ دليله

 حيثه علينا عز زوداً عن الناس             مرحوم يا راعي المزايا الجليله

 العلم عم وصار بالناس وسواس            طب الرعب بَاقلوبنا من رحيله

 وين الذي ضوّه على السلط نبراس         صيته شهر بيكل حي وقبيله

 عساه بالجنة إلُه مركزٍ خاص               يرتاح باحضان الاله وخليله

 الحكم حكم الله على الخلق لا باس         نسترحم المولى وصبره وجميله

 فكرت انا بالشيخ ما شفتله قياس           كود انت ياللي باللوازم نجيله

 واحمد حقوقي ابطلعته نرفع الراس      بسعد الباري اشفات الغليله

 انتم هل الكبره من اول على ساس      ما هي اطياحه يا حماة الدخيله

 لوجيت ابرهن وصفكم فوق قرطاس    تعجز يميني والقلم والمخيله

 يا ما لفاكو الحمد من كل الجناس          تستاهلوا يا كاسبين النفيله

ورثاه الشاعر حسني زيد الكيلاني، في قصيدة له نشرت في جريدة الجزيرة نذكر منها :

ليس الجديد ُ على الثرى بجديـــد ِ       كل ٌ يسيـــــرُ لغايـــــــــة ٍ وحـدود ِ

إن الرجالَ إذا قَضَوْا ومضــــتْ بهمْ    أعمالُهم للمجد والتخــــليــــــــــد ِ

ومشى يقصُّ الدهرُ من أخبارهمْ        ما تغرسُ الآباءُ في المولـــــــــود ِ

واستشهد الآتي بمجد ٍ زاهـــــر ٍ        من كلِّ قَرْم ٍ فارس ٍ صنديـــــــــد ِ

فهناك نعرفُ للزعيم مَضـــــــــــاءَهُ    في كلِّ حقل ٍ مثمــــر ٍ مـــــــورود ِ

ونرى بعين الحق ما لا يجتـــــلي       بيراعة ٍ من كاتــب ٍ رعديـــــــــد ِ

أمُحمــد ٌ لاقيــــــــتَ ربَّــكَ بالذي     أعددتَـهُ من طارف ٍ وتليــــــــــــد ِ

فابشر ْ بعفو ِ اللهِ لا تجـــــــزعْ ولا    تحزنْ و لا تحفلْ بكــــلِّ جديـــــــد ِ

 

ورثاه الشاعر صبحي القطب بقصيدة له يقول فيها :

أيُّ نجم ٍ زاهـــــــــي السَّنـــا نَــوّار ِ   فَجَـــعَ الأرضَ نَعْــيُــــهُ والــــــدَّراري

فتهاوتْ مُدَمِّعــــــــاتُ المآقـــــــــي    مُرسلات ٍ أنفاسَهــــــــا من جِـــمار ِ

قد هوى الكوكبُ المُضيءُ وأمسى     لَيْلُهــــتا موحِشـًـا بغيــــــــر ِ مَنـــار ِ

أصحيح ٌ يُنْعـــــــــــــــى إلينا عظيم ٌ   ملأ الدهــــــــــرَ عُرْفُــــهُ المُـــتَواري

وزعيم ٌ قدْ كَســا الزَّعامــــةَ ثوبًــــا    نَسْجُــهُ كان مِـــنْ نَــدًى وفَخــــار ِ

أيُّها الرِّمسُ هَــلْ حَلُمْــتَ زمانًـــــا    أيُّ شخص ٍ تَضُمُّــــــــهُ وتُــــــواري

 

المراجع :

  • أحسن الربط في تراجم رجالات من السلط، د.هاني صبحي العمد، ص461 –463، مطبعة السفير، 2007.
  • السلط ، ملامح من الحياة اليومية والمدنية من خلال سجل البلدية لسنة 1927، دراسة وتحقيق د. هاني العمد، عمان ، 2000 ، ص 3.
  • أسماء في الذاكرة : محمد الحسين العواملة، من أنشط معارضي الإحتلال البريطاني لشرقي الأردن ، صحيفة الدستور ، 11-6-2011.

الفارس الشيخ محمد باشا الحسين العواملة

الفارس البطل عبد الحميد النعيمي

13084313_1015136351898448_1131621108_n

مقدّمة

يشدنا الشوق الى تلك الجباه السمر والى أولئك الرجال الاشاوس من جند الثورة العربية الكبرى، الذين وقفوا وقفه الايمان والرجوله عندما تصدوا لكل مؤامرات الغدر والخديعة حين كافحوا بعزيمة ثابتة وهمة عالية متحدين الاقدار، سلاحهم بنادق استطاعوا تجميعها بكد وجهد وعرق يعلم الله مداها … فكانوا أهلا لكل تحد ، أمة العرب كلها كانت أنوار الثورة و وقودها هؤلاء الرجال ما اجتمعوا إلاّ لنصرة الحق ومواكبة ركب تحرير الامة العربية ، رغم ما يدعي اعداء الأمة بأنهم ثاروا على دولة الخلافة… وأيّة خلافة هذه التي علقت المشانق لأحرار العرب ولكل من طالب بأبسط حقوقه ؟!

يعد المناضل عبد الحميد النعيمي، واحداً من أولئك الفرسان الكبار، الذين صدقوا عهدهم وما بدلوا ولائهم، حتى عد مثالاً فريداً للفداء والتضحية من أجل الوطن، وهب للدفاع عن بلداته ومدنه، بغض النظر عن المخاطر المحدقة، وبعد المسافة عن مسكنه، فقد كان يرى أنه لا يمكن حماية البيت دون حماية الوطن الكبير. ، في الزمن الحرج، حيث تستعد المنطقة لأحداث جسام غيرت شكلها حتى اليوم، وكانت عشيرته من العشائر البدوية المشهود لها بالفروسية والكرم، والحراك في المنطقة المحيطة، وقد تربى عبد الحميد على الفروسية والشجاعة، وحمل السلاح من سيف وبندقية منذ نعومة أظفاره، وقد تلقى تعليماً أولياً من خلال الكتّاب، حيث تميز بالذكاء والفطنة، والسرعة في التعلم واكتساب المعارف، وقد أتيحت له الفرصة فيما بعد ليلتحق بمدرسة التجهيز في دمشق.

نشأته و ولادته

الشيخ عبد الحميد حميدي دخيل بني نمير النعيمي، ولد عام 1894، والده شيخ عشيرة بني نمير من اكبر عشائر بني نعيم في شمال الأردن و جنوب سوريا، تلقى التعليم في مدرسة التجهيز بدمشق وهي من أشهر المدارس آنذاك، التحق بالكلية الحربية من عام (1916 – 1918)، وله صلات بزعماء المنطقة ومنهم الأمير محمود الفاعور والسيد احمد مريود وعلي باشا خلقي الشرايري .
كان عبد الحميد النعيمي من بين الطلبة الملفتين للانتباه، فقد وقع عليه الاختيار، مع عدد من الطلبة العرب من قبل الحكومة التركية، ليدخل الكلية الحربية في اسطنبول، فسافر بناءً على ذلك إلى عاصمة الإمبراطورية العثمانية، ودخل الكلية الحربية عام 1916، وتلقى علومه العسكرية فيها، وخدم في الجيش العثماني خلال الحرب العالمية الأولى، مع عدد من الضباط العرب، منهم محمود الفاعور وأحمد مرويد وعلى خلقي الشرايري، و عاد بعدها مع زملائه إلى دمشق وانضم للجيش العربي الشمالي، تحت قيادة الملك فيصل بن الحسين، ، وكانت عشيرة النعيمي ، قد عملت على تسليح جيش الثورة العربية، من خلال جمع التبرعات، وبيع حلي النساء، بالإضافة لتطوع عدد من فرسانهم للقتال مع جيش الثورة العربية الكبرى.

وكان البطل عبدالحميد النعيمي واحدا من أبطال الثورة العربية الكبرى ومن مؤسسي الجيش العربي.

دوره في الثورة العربية الكبرى

عندما ثار الشريف الحسين بن علي طيب الله ثراه على ظلم واستبداد طغاة الاحتلال العثماني تنادت له رجالات وقادات العرب وكان المجاهد «عبد الحميد النعيمي» من أوائل الملبين  للنداء ونظراً لقلة العدة والعتاد والأسلحة المتوفرة لدى قوات الثورة فقد جمع البطل الكبير ذهب ومصاغ نساء عشيرته وقام ببيعه واشترى بثمنه سلاح ومدفع لمقاتلة الطغاة. وظل ذالك المدفع الذي يذكر إلى الآن فخرا والذي اشتراه النعيمي من ذهب وحلي بنات النعيم موجودا على باب قصر رغدان العامر حتى يومنا هذا لكي يبقي شاهد على عظمة فعل ذلك الشيخ وتضحيته وفي تلبية تلك النشميات البدويات من بنات النعيم وبذلهن حليهن وذهبهن رخيصاً في سبيل رفعة وطنهن وعزة قومهن .

13081625_1015125495232867_318578152_n
صورة عن مادة صحفية منشورة عن مدفع البطل عبد الحميد النعيمي أمام قصر رغدان

كان الشيخ البطل عبد الحميد يفخر أن المدفع الموجود أمام قصر رغدان العامر اشتراه من مصاغ نساء عشيرته لذلك قال الملك المؤسس عبدالله ” هذا المدفع يا عبد الحميد يساوي عندي ذهب الدنيا ونساء عشيرتك سيفخر التاريخ بهن، لقد خسرن مصاغهن وربحن الذكرى الطيبة”.

 

التحق بالجيش العربي الفيصلي في مطلع عام 1918 وكانت مهمته الأولى في هذا الجيش، أن اختاره اللواء علي خلقي الشرايري لمرافقته الى الهند حيث يوجد مئات الجنود والضباط العرب في معسكرات الاعتقال البريطاني بعد أسرهم في معركة (كوت العمارة ) ضد العثمانيين في العراق عام 1915، وذلك من أجل الإفراج عنهم ونقلهم إلى القاهرة لتدريبهم على السلاح ، ثم نقلهم الى العقبة وتنسيبهم للجيش العربي الفيصلي برتبهم العسكرية، يقول على خلقي في مذكراته ” وبعد إنهاء تدريب أول كتيبة عربية سافرنا بالباخرة الى مصر ومن الاسكندرية الى العقبة والتحقنا بالأمير فيصل الذي كان باستقبالنا وكان النعيمي في ذلك الوقت يحمل رتبة ملازم في الجيش الفيصلي والذي كان يعرف ( بالجيش الشمالي للثورة العربية الكبرى ) .

في العهد الفيصلي خدم النعيمي مع جعفر العسكري الذي عين قائدا عاما للقوات العسكرية التي تمتد من البلقاء شمالا الى تبوك جنوبا وشغل النعيمي وظيفة ( أركان حرب الفرقة الثانية ) التي كانت بقيادة القائد رشيد المدفعي ومركزها عمان .

مقاومته للاستعمار الفرنسي

و بعد سقوط الحكومة الفيصلية بسبب الاحتلال الفرنسي لسوريا بموجب صك الانتداب، استغل الفارس عبدالحميد النعيمي التأييد الشعبي الأردني للمقاومة العربية، فشكل عدة مجموعات مشتركة من الأردنيين والسوريين قاموا بمهاجمة الفرنسيين في منطقة الزوية وهي تحت الاحتلال الصهيوني حاليا وتم الاستيلاء عليها وقتل حاكمها الإداري المعين من قبل الفرنسيون ( عبدو القدوس ) بعد أن انضم إليه العديد من المواطنين في بلدة حرثا / اربد، وشارك في هذه العملية عشرات من الأردنيين بقيادة البطل محمد قسيم الزعبي من قرية ( خرجا ) لواء بني كنانة، وبعدها قام البطل النعيمي بإبلاغ المرحوم اللواء على خلقي باشا الشرايري والذي كان يشغل وظيفة ضابط في مدينة اربد بانتصارهم، والذي بدوره طلب من المجاهدين الانسحاب بعد أن واجههم الفرنسيون بقوتين تساندهم المدفعية والطائرات وتم الانسحاب لعدم وجود القوة الكافية التي تواجه هذا الحشد المذكور .

بعد معركة ميسلون ودخول الجيش الفرنسي المحتل مدينة دمشق، توجه النعيمي الى الأردن مع المجاهدين احمد مريود والأمير محمود الفاعور فاختار احمد مريود بلدة كفر سوم ومعه ( 318 ) مجاهدا واختار الأمير محمود الفاعور منطقة (عين راجوب ) وعسكر هناك مع قوة من المجاهدين واختار النعيمي بلدة (حرثا ) مع 200 من فرسان عشيرته، وعندما شكل علي خلقي حكومة اربد المحلية كان النعيمي من كبار ضباط وأحد وزراء حكومته وشارك في المباحثات التي اجراها علي خلقي والزعامات الوطنية في الشمال الأردني مع الميجر البريطاني ( سمرست) نائب المندوب السامي في فلسطين وجرت المباحثات بين الطرفين في بلدة أم قيس .

مسيرته الوطنية الأردنية

13084091_1015136341898449_103508025_n

شارك في مؤتمر أم قيس الذي عقده الأردنيون عام 1919، وكان من بين مستقبلي الأمير عبد الله بن الحسين في مدينة معان بتاريخ 12 تشرين الثاني 1920، ومن ضمن الزعامات الوطنية السياسية والعسكرية التي اجتمع معها الأمير عبد الله ومنهم : ( الأمير محمود الفاعور، احمد مريود ، عبد الحميد النعيمي، عبد الله الطحان النعيمي، نبيه العظمة، خير الدين الزركلي، نور الدين البزرنجي، أسد الأطرش، خلف مقبل المحاميد، مصطفى الخليلي، سالم عكاش السلامات )، من بين 31 شخصية قال لهم الأمير عبد الله : ( كل عربي يعلم أنكم ستستنصرون وتستثيرون حميته ليأتيكم مسرعا ملبيا فها أنا ذا قد آتيت مع أول من لباكم لنشارككم في شرف دفاعكم لطرد المعتدين عن أوطانكم بقلوب ذات حمية ) ، وتحدث في هذا اللقاء الشيخ البطل عبد الحميد النعيمي واحمد مريود ونبيه العظمة حيث اجمعوا على مقاتلة الجيوش المحتلة حتى تحقيق الاستقلال .

وبعد عودته وزملائه إلى عمان كان ممن باشروا بتأسيس الجيش العربي الذي اعد نواه من اجل تحرير الأرض العربية، وعين في الجيش العربي برتبة ملازم أول ومن ثم رفع إلى رتبة رئيس / نقيب في الجيش العربي الأردني، وقضى أربع سنوات كان خلالها الفرنسيون بالتعاون مع الإنجليز يلاحقون كل الأحرار الذين تصدوا للجيش الفرنسي عند احتلاله لسوريا، ومن ثم طلب الجنرال الفرنسي اوغاند من المندوب السامي البريطاني في فلسطين هربرت صموئيل تسليمه إليهم مهددا باتخاذ الإجراءات الشديدة إذا لم ينفذ طلبه، وبالفعل قام الإنجليز بتسليمه إلى السلطات الفرنسية بمدينة درعا حيث كان قد حكم علية بالإعدام غيابيا وبعد ذلك أعيدت محاكمته ثانيا و بعد حوالي أربع سنوات وهو مسجون في سجن القلعة بدمشق، لحين صدور العفو العام عن السجناء السياسيين، وخرج من السجن و وضعوه تحت الإقامة الجبرية.

كان النعيمي أحد ضباط الدرك الإحتياطي التي تم تشكيلها بقيادة القائد عبد الرحمن سليم وعددها المقرر 400 فارس، ولكن العدد الحقيقي لم يتجاوز 150 فارس لأنها حلت قبل اتمام التجنيد وعدل عنها الى تأليف القوة السيارة، وقد ضمت السرية التي شكلها الكابتن ( برانتون ) ومن ضباطها  : عمر لطفي، صبحي العمري، عبد القادر الجندي، سعيد عمون، محمود الهندي، محمد توفيق النجداوي، حسين المدفعي، شكري العموري، منيب الطرابلسي، محمد جانبك، سعيد اسحاقات، عبد الكريم الخص، عبد الحميد النعيمي، احمد التل.

وفي عام 1924 كان برتبة ( نقيب ) واشرف على تدريب القوات الملتحقة بالجيش الاردني وشارك في صد هجمات الغزو التي تعرض لها الأردن كضابط في الجيش العربي من قبل الإخوان الوهابيين التي عرفت بالغزو الوهابي، حيث وفي عام 1922هجمت جماعة من الوهابيين فجأة على العشائر الأردنية الآمنة، فهجموا على أُم العمد وجوارها، فقتلوا ونهبوا، وما لبثوا أن ارتدّوا مدحورين مأسورين، وانجلت المعركة عن قتل ثلاثمائة من الوهابيين .

 الابناء الأربعة و أسوار القدس

 بعد أن خرج الاحتلال الفرنسي والبريطاني من المنطقة، دفع عبد الحميد بأبنائه الأربعة للإنضمام إلى الجيش الأردني  بعد أن ألحقهم بمعقل الأبطال في الأردن وقدمهم واحد تلو الأخر لخدمة الجيش الأردني العربي سليل جيش الثورة العربية الكبرى، و منذ نعومة أظافرهم حالهم كحال كافة أبناء عشيرته حيث كانوا ما بين جندي وضابط و ضابط صف استشهد من استشهد دفاعا عن كرامة وطنهم ومنعته . فعلى أسوار القدس قدم المجاهد عبد الحميد ابنه موسى عبدالحميد النعيمي شهيدا خلال معارك الجيش في حرب حزيران عام 1967، وكان البطل جهاد عبد الحميد النعيمي احد أبنائه وأحد أبرز شيوخ عشائر بدو الشمال الذي تقلد خلال خدمته التي استمرت حوالي 30 سنة في القوات المسلحة الأردنية مواقع قيادية عسكرية .

وصايا الفارس

و تبقى كلمات البطل عبدالحميد النعيمي تتردد في أسماعنا ، وهو مرتاح الضمير بعد خدمته الوطنية المشرفة اذ يقول في مقابلته مع الرئيس كايد حجازي  لمجلة الأقصى  :

” الحمد لله لقد أديت الأمانة وها انت يا بنى ترى أبنائى يحملون رتباً مختلفة في القوات المسلحة الأردنية وعددهم اربعة ضباط، ولا تنس يا اخي الشهيد النائب موسى عيد الحميد فهو ابنى، لقد استشهد على ارض القدس فى معركة حزيران عام ١٩٦٧، انا يا بنُي عندما اورد لك هذه الذكريات اقولها والفخر يملأ قلبي لانني والحمد لله أديت الامانة وها هم ابناني يحملونها من بعدي، أن نؤمن ايماناً عميقاً بهذا البلد ، إنه جيشنا وانتم يا شباب عزوته ورجاله أملنا الوحيد في الدفاع عن ارضنا واسترداد حقنا مع اخوانكم في السلاح في جيوش الدول العربية الشقيقة” .

ويكمل : ” لقد جابهنا الغاضب يا ولدي ببندقية وفرس ولم نكن لنسأل عن الموت لأننا كنا نطمح في حياة ابدية هانئة، كان الفخر ان نستشهد في سبيل الله وكانت ارادة الله أن أحيا لأروي لك ولإخوانك حكاية الفداء، إنني الآن ابلغ من العمر خمسة وثمانين عاماً، شريط من الذكريات لآبائك واجدادك ، ويجب أن يفخر كل انسان بهؤلاء الاجداد، فلم يكن بينا طامع ولا جبان ”  .

” كنا نحيا التضحية والإيثار، وما أنتم إلا صورة والحمد لله من أجدادكم المخلصين، ولي نصيحة أخيرة أوجهها لكل أجيالنا القادمة؛ جنوداً ومواطنين عمالاً وموظفين، أن يتحلوا بفضيلة الصدق التي تبقى هامات أصحابها مرفوعة، وأن تخلصوا العمل لله والأوطان مزودين بسلاح العقيدة الصلبة وان يتحملوا واجباتهم بتجرد واخلاص ليستعيدوا الحقوق المسلوبة وليعيدوا لأمتهم سالف عزتها ومجدها، ويرفعوا من جديد آيات النصر والتحرير خفاقة عالية… والله أسأل ان يوفقكم يا جنود العرب لرفع راية النصر والتحرير بعون الله ” .

قيل في البطل عبدالحميد النعيمي

للكاتب والمؤرخ محمود سعد عبيدات مقال في جريدة شيحان الاسبوعية في العدد (1025) بتاريخ (5/6/2004)، بعنوان مشاهير في التاريخ الاردني ” يستطيع كل شخص الوصول الى مرتبة القيادة ولكن من الصعوبة بمكان أن يصل الى مرتبة القائد الناجح، وكذلك كل رجل يوضع في مواقع القتال يحارب ولكن ليس كل محارب يرقى إلى مرتبة الشجاعة، وكل إنسان يكلف بمهمة يعمل جاهدا على تنفيذها ولكن من ينفذها بجرأة مطلقة يكون استثناءًا من قاعدة الفشل المحتمل، والبطولة هي الأساس وأم الشجاعة والجرأة والإقدام والتضحية بكل أشكالها وأنواعها وألوانها أيضا، والشجاعة لايقتصر فعلها في حالات الحرب فقط إنما هي مطلوبة في كل زمان ومكان والشجاعة مثل القيادة أحيانا فهي موهبة تنبت في الإنسان وتزرع في جغرافيا جسده وروحه وإدراكه، والمرحوم المجاهد عبد الحميد النعيمي كان الإستثناء من قواعد الإنكسار مناضلا في شبابه ضد الإرهاب التركي الطوراني، ومجاهدا في جيش الثورة العربية الكبرى وقائدا في الجيش العربي الفيصلي وثائرًا في صفوف ثورة الجولان الأولى ضد الاحتلال الفرنسي، وقائدا عسكريا وسياسيا في حكومة اربد المحلية (1920) ومؤسسا للجيش العربي الاردني”.

أما الشاعر تيسير الحويطات فقد أهدى لجريدة البلاد  في عددها رقم (565) قصيدة خاصة تخليدا وتقديرا للمجاهد النعيمي، قال فيها:
للشموخ شيوخ وجب إلها القيام     جاوزوا بأمجادهم حد الغمام
منهم عبد الحميد ابن النعيم         حر لا منه انتهض عالي المقام
ما يذوق النوم والغادر بدارة         لين عادت ديرته ذاق المنام
حارب الأتراك في أول شبابه       لأجل يرجع حقه المسلوب قام
اسألوا الجولان ولا ميسلون         واسألوا التاريخ عام بأثر عام
يعطي التفصيل عن عبدالحميد     الكريم للي مشي درب الكرام
بأرض مرجعيون هو حارب فرنسا   يا هلا بالنور من بعد الظلام
اشترك بالجيش ثم درب جنوده       ما توانى ولا يحسب الملام
جيش للأردن وقف يحمي حدوده     عينهم لأجل الوطن لاما تنام
مات يوصي بالوطن وأبناء هاشم     مالنا غير الهواشم من إمام
هم حماة ديارنا وارض العروبة     هم شريفين النسب خير الأنام
الوطن ثم الوطن حيوا ترابه         من يبيع بلاده يهون ويضام

وكتب الشاعر سالم زعل رشيد النعيمي قصيدة خاصة يستذكر بها أمجاد قبيلة( النعيم) الماضية والحاضرة في الوطن العربي، مادحا شيوخها وأعلامها ورجالاتها المشهورين ــ وخص بهذه الأبيات الشيخ البطل عبدالحميد النعيمي :
وامدح لك عبد الحميد    مقدام إنمير المجيد
به العوارف تشيــــد     من يمين ومن يسر
ذاك القرم أبو مشهور    شيخ ٍ فعله إمخبور
فعل ٍبالكتب منشور       له ابن خلقي حرر

نص قصيدة الشاعر سالم النعيمي بالبطل عبدالحميد النعيمي كما نشرت في صحيفة الدستور

وقال الكاتب الأردني الدكتور (ياسر الخزاعلة) يصف الشيخ عبدالحميد النعيمي في قصيدة بعنوان “الشيخ والثورة” :

نص مقالة الدكتور ياسر الخزاعلة بالبطل عبدالحميد النعيمي

الثورة أعاصير قوية تفرز الثوار وحقولاً خضراء
وجباه بدوية لا بداية لها ولا إنتهاء
وشيخ وبندقية وأبل ورصاص ورداء
وورود جورية لفارس من نعيم وكبرياء
يداعب فرسه الأصلية العربية ويطلق الرصاص على الأعداء
عبدالحميد يا ذا الهمة القوية يداعب الموت والفناء
وفي يديه وردة أردنية وبين عينيه صلاة ودعاء.
وأحلام قومية وكفاح ووفاء وسنابل وحرية
من أجلك يا وطني ذهب الآباء وفي سبيلك خطوا سبل الحرية

13081634_1015125101899573_545735049_n
قرار تسمية شارع باسم البطل عبد الحميد النعيمي

وأشاد معالي الأستاذ ضيف الله الحمود بالمجاهد النعيمي بمقالة كتبها بمناسبة مرور 75 عاما على قيام الكيان الأردني – جريدة الصحفي في العدد رقم 636 بتاريخ 17/2/1996، حيث قال في جزء من مقالته : ” كان عبد الحميد النعيمي من الوزراء البارزين في حكومة اربد المحلية وتخليدا لذكرى هذا المجاهد قامت امانة عمان الكبرى في 23 شباط 1996 بتسمية احد شوارع العاصمة عمان باسمه تكريما وتقديرا لتضحياته في سبيل الوطن الغالي “.

 

وفاته

توفي البطل النعيمي يوم الجمعة ثاني أيام عيد الأضحى المبارك الموافق 1974/1/4 عن عمر ناهز الثمانين، بعد مسيرة حافلة بالجهاد والعطاء وعناء شديد، مر به من مقارعة المستعمرين والأتراك ثم أنعكف على خدمة الوطن والأمة وبناء وتعمير الوطن .

لقد تميز فارسنا الكبير بخلقه وفطنته ما أهله ليكون طالبا عسكريا في الكلية الحربية بتركيا، ومن ثم احد القيادات العسكرية الميدانية البارزة في مواجهة الاستعمار الفرنسي، وجيش الثورة العربية الكبرى الذي ضرب اعظم مثال للتضحية والفداء والإخلاص فسطر بذلك عنوانا للبطولة الراسخة وحفر اسمه في ذاكرة التاريخ ليظل شاهدا على عظم التاريخ وسمو مجده فرحم الله البطل الكبير الشيخ عبد الحميد النعيمي وتغمده الله بواسع رحمته وادخله فسيح جنانه .

 

المراجع :

  • نص مقابلة البطل عبدالحميد النعيمي مع مجلة الأقصى العسكرية بتاريخ 15/ ايلول /1971، أجراها معه الرئيس كايد حجازي، من كتاب التاريخ العسكري للثورة العربية الكبرى فوق الأرض الأردنية، بكر خازر المجالي، قاسم محمد الدروع،ص398-402، مطابع القوات المسلحة الأردنية 1995.
  • صحيفة الدستور، الشيخ المجاهد عبد الحميد النعيمي اسم في ذاكرة التاريخ، محمد الفاعوري،بتاريخ 22-12-2015.
  • صحيفة الرأي ، ملحق أبواب ، عبد الحميد النعيمي: مناضل من زمن الثورة والبناء، هزاع البراري .
  • وكالة عمون الأخبارية، المجاهد الشيخ عبد الحميد النعيمي من مؤسسي الجيش العربي الأردني، د.محمد المناصير،بتاريخ 15-4-2014.
  • وكالة جراسا الأخبارية، ذكرى الـ (38) لوفاة المجاهد الشيخ عبدالحميد النعيمي، بتاريخ 4-1-2012.

الفارس البطل عبد الحميد النعيمي

فواز-الزعبي
الشيخ فواز البركات الزعبي

لقد قاتل ابائكم واجدادكم وجاهدوا مابوسعهم للقتال وضحوا تضحيات حقيقية في سبيل بلادهم  
وعليكم ياشباب وفرسان حوران ان تواصلوا القتال , فنحن لا ننشد إلا الحرية … وطريقنا طريق الحرية والثوار

الشيخ البطل فواز البركات الزعبي

نشأته

ولد الشيخ فواز في مدينة الرمثا منتصف القرن التاسع عشر الميلادي وهو ابن بركات بن موسى بن مصطفى بن الشريدة بن ابراهيم بن مصطفى عماد الدين علي الزعبي. وتعد الزعبية من أكثر العشائر الممتدة في سهول حوارن مرورا بالسلط وقراها والى أم القصر في مادبا .
يعد والده الشيخ بركات من أصحاب المكانة المرموقة على الصعيد الرسمي إبان الاحتلال التركي وعلى الصعيد الشعبي مما أهل ابنه فواز على اكتساب سلوك المشايخ والتعلم من والده في حل المنازعات العشائرية والقضاء العشائري .
تعلم القراءة والكتابة ومبادئ الحساب في الكتاتيب في بلدته الرمثا حيث كانت تمول هذه الكتاتيب من الأهالي في ظل غياب المنظومة التعليمية كاملة، وقد كان تلميذاً مجتهداً ومحبوباً وذا شخصية قيادية من نعومة أظفاره وامتازت شخصيته أيضا بالثقة بالنفس والعصامية والشجاعة والجرأة والحكمة وقال عنه الزعيم أحمد مريود ” كان فواز البركات
مصدر خير ونبع مودة وموئل رجولة، وعنوان وفاء، كتوما .. صادقا و سيد الحكمة والرأي الحسن ..”

Rumtha1900
صورة لمدينة الرمثا في عام 1900 و تظهر بيوت المدينة حيث ولد الشيخ فوازالزعبي

 وبرزت شخصيته وتوليه المسؤولية بعد وفاة والده وبروز شخصيته كقائد عشائري ذو مكانة اجتماعية وشعبية وزعيم وطني يهتم للصالح العام ومنتمي لمجتمعه وأرضه وكان يجسد ذلك بأعماله وسلوكه باهتمامه بفض المنازعات العشائرية وتنظيم أمور بلدته وعشيرته اثر المعاناة من الاحتلال العثماني والتي أهملت الشؤون الإدارية والتنظيمية في منطقة اربد والرمثا و في الأردن عموماً.
كان من الشخصيات التي تم الاهتمام بها على صعيد مرحلة الاستقطاب والبحث عن رجالات وطنية ومخلصة لفكرة القومية العربية، الذي تمت تسميته للإنضمام للجمعيات العربية السرية ليكون إحدى القيادات الوطنية لدعم الثوره العربية الكبرى بقيادة الشريف الحسين بن علي .

 بروز شخصية فواز البركات على الصعيد الوطني وخارجه

قام الشيخ فواز بزيارة على رأس وفد إلى الشريف حسين بن علي والتباحث معه في القضايا وهموم الأردنيين في منطقته وحوران عموما في ظل ازدياد ضغوط الاحتلال العثماني على أهل المنطقة. وهو أول من بشّر في حوران بالثورة العربيه الكبرى، فقد رفضوا التعسف التركي العثماني من جباية ضرائب كانت تبتدأ ب25% كضريبة دخل بلا أي مردود، وفرض اللغة التركية كبديل للغة العربية من خلال سياسات التتريك التي انتهجتها الدولة العثمانية ضد العرب والأردنيين، وعدم الاهتمام بالأرض الأردنية الا اذا ما كانت هنالك خدمة لمصالحهم الخاصة .

العمل السياسي

برز الوعي السياسي عند الشيخ فواز البركات لما تحمله من مسؤولية مبكرا ولصفاته المميزة لديه ودرجة ثقافته المغايرة لما هو مهندس له من تجهيل ممنهج للأردنيين،  والوعي السياسي واتصالاته مع المفكرين العرب والقيادات السياسية العربية. واكتملت ارادته التحررية عند مشاركته في لقاء والي دمشق محمود شوكت آنذاك ومناقشة الأوضاع في المناطق العربية وسوء السياسات العثمانية التي حلت الأحزاب العربية، وتهديدها الدائم بتعليق المشانق، فخرج بنتيجة مع الزعماء الوطنيين بأن العمل السّري هو الحل، ايذانا بضرورة إنهاء مرحلة صراع طويلة  مع الحكم العثماني .
وقد شارك الشيخ فواز باجتماعات عدة مع  الأمير فيصل وأقطاب الحركة الوطنية قبل إعلان الثورة العربية الكبرى الذي كان من أبرز قادتها المحليين والداعمين لها من سلاح وإدارة وتحشيد للفرسان وتخطيط للمعارك .

موقفه من التجنيد الاجباري 

ساءت الاحوال إلى حد لا يطاق في جميع المناطق العربية من فرض ضرائب وجباية وسوء معاملة تجاه العنصر العربي واتباع سياسه ابعاد الشباب العربي والأردني تحديدا في حروب السفربرلك  وتجنيدهم وارسالهم الى الحروب العثمانية واخماد الثورات في مناطق سيطرتها وإرسال الضباط العرب الى حرب الدردنيل .
وقف الشيخ فواز البركات في وجه الاحتلال العثماني ووضع خطة استطاع فيها تجنيب الشباب الحوراني والرماثنة وأهالي نواحي اربد من التطوع في صفوف العثمانيين وحلفائهم الألمان والنمساويين عن طريق رسله الذين كان يبعث بهم الى القرى للرحيل الى منطقة اللجاة المعروفة بقوتها التمويهية ووعورة سبلها الصخرية وباعلانه للعصيان المسلح عند الحاجة. وقد تعاون الشيخ فواز مع زعماء الجبل من أمثال ذوقان الأطرش ويحيى الأطرش لتنظيم وتأمين الحماية للشبان العرب وهنا يشير البطل محمد قسيم الزعبي من بلدة خرجا حول تعاون الشيخ فواز ورجالات الأردن عند اكتشاف نوايا العثماني بعد حملة سامي باشا الفاروقي على جبل الدروز والكرك سنه 1910 بمسألة سميت  ” بتحرير النفوس “، حيث كان الهدف منها إرسال الحوارنة الى الموت أو عدم العودة إلى قراهم، وكان الشيخ فواز البركات أول مشايخ الأردن ادراكا لهذه المسالة وإدراكا للخطر القادم الى شمال الأردن وشبابها فقد وزعهم على الأراضي للعمل فيها ومن ثم تهريبهم الى منطقه الأزرق التي كانت معسكرا للفرسان الذين بنتظرون وصول الأمير فيصل و قوات العشائر الأردنية وكانوا قوة فاعلة في معارك تحرير الشمال الاردني من الاحتلال العثماني .
ولم يكتف بذلك اذ شكّل وفدا من وجهاء حوران لمقابلة الشريف الحسين بن علي لشرح الأوضاع التي آلت اليها الامور، وعن المظالم التي وقعت على أهالي البلاد واستبداد الاحتلال العثماني وبشاعته بجمع المحاصيل وخاصة بعد هجوم الجراد على سهول حوران عام 1914، وتم مناقشه الخطط الأولية للقضاء على العثمانيين  وطردهم من البلاد.

الشيخ فواز ودوره في الثورة العربية الكبرى ومعاركها

شارك الشيخ فواز في معظم الاجتماعات واللقاءات السرية التي عقدها الأمير فيصل في دمشق وجوبر مع زعماء الحركة الوطنية وقيادات الجمعيات العربية، وكان الشيخ فواز يمثل مناطق سهل حوران الأردني في تلك الاجتماعات وكانت مهمته أيضا في استقطاب العشائر الأردنية الحورانية ووعشائر جبل العرب لصفوف الثورة .اذ كان دوره فعالا لكونه يحمل مكانة مرموقة وكلمة مسموعة في حوران والجبل والتقى مع زعماء الجبل ومنهم أسد الأطرش وزعيم جبل العرب  سلطان الأطرش  إضافة إلى علاقاته الوثيقة مع الزعامات الاردنية مثل البطل كايد المفلح العبيدات والشيخ عودة ابوتايه واحمد مريود ووجهاء قرى حوران .
ويذكر أن الشيخ فواز عمل على حل النزاعات والخلافات بين الدروز والبدو والتي كان يزرعها العثماني بينهم فيتم تحشيد قواهم ضد المحتل التركي والتنسيق لوصول الأمير فيصل على أسرع وجه فقام مع نسيب البكري وفايز الغصين وعقلة القطامي زعيم الطوائف المسيحية في مناطق حوران بالتنسيق للاجتماع بهم كنواة أولى للتعبئة وعن طريق الزعماء والوجهاء يتم تنسيب المتطوعين اذ شكلوا نواة جيش الثورة في المناطق الشمالية بتعداد 1500 فارس من العشائر الأردنية الذين شاركوا في معارك تحرير الشمال الاردني ومن ثم الجنوب السوري التي انطلقت من الأزرق .
ونتيجة لهذه الاجتماعات والتحضيرات في قريه المسيفرة  سمعت القوات العثمانية المحتلة الخبر عن الاجتماعات من خلال جواسيها فقامت على جناح السرعة بإرسال سامي باشا على رأس قوة عسكرية لمحاولة القبض على الشيخ فواز وقيادات حوران الأردنية ولكن لم تفلح بذلك  فقام بالتنكيل بأهل القرية بطرق بشعة لا تختلف عن أي نظام احتلال وربما تزيد عنه، فكانت هذه هي الشرارة الأولى للأهالي  للإسراع بالتجهيز والحشد الى مخيم الازرق في انتظار الأمير فيصل الذي وصل إليها في أوائل شهر أيلول 1918، وتعهد زعماء الشمال بالتحرير قبل دخول الجيش النظامي الشمالي الذي كان بقيادة جميل المدفعي وعلي جودت ونوري السعيد .

بدء عمليات التحرير في الشمال

اقترح الامير فيصل أن يكون الشيخ عودة ابوتايه قائداً عاما للثورة في مناطق الشمال إلا أنه اعتذر وقال : نحن كلنا جنود للثورة وسأكون الى جانب الشيخ فواز أعمل مع مشايخها وقادتها فهم أدرى وأعلم مني بما يناسبها .
في صباح يوم 14ايلول زحفت الحملة من الازرق  المكونة من فرسان العشائر الأردنية وبدأت عملياتها ضد الجيش العثماني وحلفائه الألمان والنمساويين ومراكزهم في درعا. وجرت إغارات على الحاميات العثمانية وقيادتها من الضباط الألمان. وبعد التنسيق مع أقاربهم الأردنيين في السلط وعمان تم نسف الجسور وتدمير سكة حديد القطار العسكري بالمنطقة الرابطة بين درعا وعمان مما ساعد على إعاقة الجيش التركي الرابع والتخفيف من حدة المعارك على السلط وعمان التين كانتا تعيشان أسوء أنواع الارهاب الجماعي عبر قصف جوي عشوائي ألماني وانجليزي ولأشهر بعد سنوات من مصادرة كافة المحاصيل الزراعية واستباحة البيوت ودور العبادة لتخزينها بهندسة عمليات وقيادة ألمانية ونمساوية.
ويذكر أن الجنرال اللنبي أرسل رسالة إلى الأمير فيصل يطلب فيها عدم توسيع عمليات فرسان العشائر الأردنية والجيش الشمالي من التقدم ولكن قيادات الجيش وحوران الأردنية رفضوا طلب الجنرال اللنبي واعتبروه تدخلا في شؤون عمليات التحرير لأرضهم وهم الأخبر بها وأن تحالفهم الآني مع الانجليز ليس بأي موقع يعطيهم الحق باعطاء الأوامر، فارتؤا عمل العكس تماماً بتوسيع العمليات وزيادة نشاطها والتعمق للوصول الى درعا ومحاولة الوصول الى دمشق وتحريرها قبل وصول القوات  البريطانية اليها . وقد تحقق ذلك في تشرين الأول 1918 وتحاول الآلة الاعلامية والأكاديمية المتفوقة الى الآن نسب تحرير دمشق لقوات الحلفاء عكس حقيقة تحريرها من قبل قوات الثورة العربية الكبرى بعمادها الأكبر من فرسان العشائر الأردنية.

فترة الحكم الفيصلي وحكومة الرمثا المحلية

fawwaz
كانت هذه الفترة من أصعب الفترات في عمر الشيخ فواز الذي وضع أمام خيارات صعبة لا يحتملها إلا الرجال أمثاله، فمن جهة كانت حالة الغليان الشعبي في شمال الأردن جراء الاتفاقات البريطانية والفرنسية السرية المتآمرة على الدول العربية والثورة من جهة ومن جهة أخرى موجه للأحداث التي رافقت ذلك في مناطق حوران ومحاولته وضع حل لها، حتى لا تغرق البلاد بحالة الفوضى وعدم الاستقرار.
وبعد انقلاب الفرنسيين على حكومة الملك فيصل واشتعال الثورة في جبل الدروز ومهاجمه قوات الجنرال غورو لمناطق حوارن بعد معركة ميسلون كانت الرمثا في حاله فراغ سياسي وإداري فأعلن الشيخ فواز عن استقلالها الذاتي جتى إنجلاء الأمور ولإبعاد الرمثا عن الاستعمار الفرنسي. وفي هذه الفترة استمر الشيخ فواز بدعمه للثورة السورية وتقديم السلاح والمال والرجال لدعم الثورة السورية وهذا ما توارثه الأردنيون أباً عن جد مع كافة جيرانهم.
واستمرت حكومة الرمثا حتى مجيء الأمير عبدالله سنة 1921 وإعلان امارة شرق الاردن حيث كان الراحل البطل الزعبي أول الداعين للوحدة مع باقي المناطق الأردنية رغم ضياع جزء من أراضيهم التاريخية التي نوه لها في مؤتمر أم قيس.

حياته السياسية وعمله الحزبي

كانت مواقف الشيخ فواز البطولية والقيادية على مدى حياته زاخرة ومليئة بالعمل الوطني والسياسي لما تشهده مواقفه وتصرفاته من الثورات الصغرى وأبرزها في منطقته ثورة حوران عام 1908 إلى الثورة العربية الكبرى وزعامته النضالية ومسيرته في العمل الوطني ورؤيته الوطنية لما فيها من بعد نظر وحنكة وقدرته على ادارة الامور فكان لاعبا أساسيا في تهدئة النزاع الذي حدث في ثورة كليب الشريدة على حكومة علي الركابي نظرا لسوء معاملته وادارته .
وكان الشيخ فواز عضوا في قياده حزب أنصار الحق الذي تأسس في 18 نيسان 1928 وكان نائب الهيئة التنفيذية ومن أبرز الشخصيات في الحزب الذي ضم أيضا كل من علي خلقي الشرايري وعبدالرحيم الخطيب وراشد الخزاعي وصالح بسيسو وشكري شعشاعة وعبدالله الحمود عربيات، طاهر الجقة، محمد الحمود الخصاونة وعادل العظمة وسليمان السودي الروسان وحسين الطراونة وغيرهم من الشخصيات الأردنية الوطنية. والذي كان لهم دور بارز في المؤتمر الوطني الاول وصياغة مقرراته في 25 تموز 1928 .

بقي الشيخ فواز مخلصا ومتفانيا في خدمة قضايا الوطن مناضلاً وسياسياً ورجلاً قادراً على مواجهة كل الأزمات على مر حياته وبحنكته وشجاعته وثقته المستمدة من المنظومة القيمية العشائرية ومسؤوليته والتزامه وممثلاً ومترجما لرؤى الشعب الأردني وهويته حتى وفاته سنة 1931 .

المصادر والمراجع

  1. صور مشرقة من نضال حوران ، أحمد محمد عطالله الزعبي، دمشق دار الشادي 1993.
  2. سلسلة مشاهير في التاريخ الاردني 13 – المجاهد فواز البركات الزعبي، محمود عبيدات ،مطبعة الرفيدي، 2012 .

الشيخ البطل فواز باشا البركات الزعبي

الشريف ناصر على راحلته أثناء قدومه لوادي السرحان مع الشيخ عودة أبو تايه حسب التخطيط العسكري لتطهير الأردن من الاحتلال العثماني
الشريف ناصر على راحلته أثناء قدومه لوادي السرحان مع الشيخ عودة أبو تايه حسب التخطيط العسكري لتطهير الأردن من الاحتلال العثماني

الشريف ناصر بن علي

دانت قوات الثورة والعشائر الأردنية للواء الهاشميين منذ أن انطلقت الثورة العربية الكبرى، فقد تولى الشريف حسين القيادة العليا وأقام دار الحكم يدير الحركات العسكرية وتتساقط القنابل حواليه في مكتبه وهو صامد لا يبالى، وعـين الشريف أبناءه الأربعة لقيادة قوات الثورة الرئيسية في الميـدان، يتحملون المسؤوليات الخطيرة بكاملها أمامه. ولما كانت الثورة قد قامت في البيت الهاشمي بعد وفود العشائر الأردنية التي قدمت إلى الشريف الحسين بن علي تستنجده وتدعم اطلاق رصاصة الثورة الأولى فقد انتدب الشريف حسين كثيرين من الأشراف لمعاونة أنجاله في قيادة السرايا والبعوث والتعاون مع العشائر في العمليات العسكرية، للأسباب التالية :
1. لأن الراية الهاشمية كانت ولا زالت الأقدر على توحيد الصفوف و شحذ الهمم في مواجهة الظلم و الاستبداد.
2. قدرة الأشراف على تنفيذ الخطط العسكرية وايصال الرسائل لقادة الثورة بأعلى درجات السرية والكتمان وبأفضل درجات التنفيذ .
3. اصرار الشريف الحسين بن علي على أن يكون أبناؤه والأشراف في مقدمة السرايا ليكونوا أنموذجا للتضحية والاخلاص .

وهكذا كان مع كل قبيلة وفي كل موقع حربي عدد من الأشراف، وفي طليعة كل هجوم عدد من الاشراف، وكانوا بمثابة رأس الرمح في جميع معارك الثورة وإندفاعاتها من الجنوب إلى الشمال، و من الأشراف الذين برزوا في جيش الأمير فيصل وقاموا بالعبء الأكبر الى جانبه كانوا ثلاثة: شرف بن راجح، ناصر بن علي، علي بن الحسين الحارثي.

نشأته و ولادته

أطلق رجال الثورة على الشريف ناصر بن علي آل راضي لقب “المحظوظ “، فقد كان موفقاً فى الحملات التي يتولى قيادتها، ولا يمكن أن تجد باحثا أو مؤرخاً يتناول عمليات الثورة العربية الكبرى دون أن يعرض الدور الذى لعبه الشريف ناصر في تقدم هــذا الجيش من الجيش في الجنوب حتى محطة المسلمية في الشمال .

ولد الشريف ناصر بن علي بن حسين بن فهد بن راضي في المدينة المنورة عام 1890 ونشأ فيها وتلقى علومه في مدارسها، وهو شقيق الشريف شحاد بن علي الذي عينه الشريف حسين أمير للمدينة المنورة عندما تولى  إمارة الحجاز عام 1908، وتنحدر هذه العائلة من الأشراف الحسينيين الذين يطلق عليهم لقب (السادة).

 يوم أعلنت الثورة، كان في السابعة والعشرين من عمره،  وقد بدأ اتصاله بالفكرة الداعية لإنهاء الاحتلال التركي العثماني عندما زار دمشق في أوائل سنة 1916 مع الأمير فيصل بن الحسين،  وهناك اتصل الأمير فيصل بأعضاء جمعية (العربية الفتاة) السرية وأشرك ناصر معه في اتصالاته بسبب الصداقة الحميمة التي كانت تربط بينهما، ومنذ ذلك الحين أصبح ناصر من المتحمسين لفكرة الثورة، وكان ملازماً للأمير فيصل خلال الأشهر العصيبة التي سبقت إعلان الثورة، ويوم قرر الأمير فيصل أن يبدأ بالعمليات العسكرية، كان الشريف ناصر بن علي في طليعه أعوانه.

 كان الشريف ناصر قد غادر أهله ومنزله تلبية لنداء الشرف والبطولة واشترك في جميع الحركات الحربية، وكان العضد القوي للأمير فيصل بسبب الصلات الوطيدة التي كانت تجمعه مع زعماء القبائل الأردنية، وقد انتقم فخري باشا والي المدينة التركي من الشريف ناصر وأخيه شحاد ( الذي انضم للثورة أيضاً وظل طول قيامها مع  الأمير علي) فأمر بقطع أشجار النخيل التي يملكانها في مـوقع ” سواله ” و أحرق البيت الذي يملكانه.

  

الشريف ناصر و الشيخ عودة أبو تايه في مضارب الحويطات أثناء التخطيط لعمليات الثورة و حشد العشائر الاردنية
الشريف ناصر و الشيخ عودة أبو تايه في مضارب الحويطات أثناء التخطيط لعمليات الثورة و حشد العشائر الاردنية

تحرير العقبة

كانت خطة الأمير فيصل أن يهاجم محطات سكة حديد القطار العسكري ويعمل على نزع قضبان خطه، على أمل أن يقطع المواصلات بين الجيش التركي الذي احتشد في المدينة المنورة وبين مركز الامدادات التركي وقادتهم الألمان في معان ودمشق، ولتحقيق هذا الهدف تولى الشريف ناصر أمر الهجوم في قطاع قلعة المعظم، كما تولى عدد من القادة الآخرين أمر مناجزة جيش الاحتلال التركي في قطاعات أخرى.

 ولم يطل الأمر على ذلك المنوال، إذ أن فيصل أخذ منذ وصوله الى الوجه يرسل الرسائل الى القبائل الأردنية يدعو شيوخها للإنضمام إلى معسكره للتشاور وتحضير الخطط الخاصة بتحرير الأردن من الاحتلال التركي العثماني، و كان الشيخ عودة أبو تايه أحـد أولئك الشيوخ الذين وصلهم رسل الشريف فيصل وأول من لبى النداء. فبادر يغذ المسير من مضاربه في البادية النبطية ومعه عدد من زعماء عشيرته حتى بلغ الوجه في أوائل شهر نيسان، وعرض عودة على الأمير فيصل أن يمتد نشاط الثورة إلى كافة المنطقة الجنوبية للأردن دفعة واحدة ودون تأخير وبإسناد كامل من العشائر الأردنية وعلى رأسها قبيلة الحويطات، حينها وافق ذلك خطط الأمير فيصل الذى كان يتطلع لتطهير العقبة أولا، ولم يكن معقـــولا أن يزحف الأمير فيصل بجيشه كله لأن المصاعب المادية كانت تجعل أمراً كذلك في حكم المستحيل لذا فان تحرير ميناء العقبة لنقل الجيوش بحراً سيوفر الوقت والجهد ويكون أبرز عوامل النجاح الاستراتيجي للحرب.

 وقع اختيار الأمير فيصل على الشريف ناصر بن علي آل راضي ليقوم بالمهمة الجـــديدة بالتعاون والاسناد مع الشيخ عودة أبو تايه: المهمة الخطيرة والشاقة التي يحتاج أداؤها الى رجولة وزعامة وشجاعة وإقدام والتي  كانت تتجسد في الشريف ناصر. كانت الثورة بهذه الخطوة تمد جناحها خارج الحدود الممكنة ماديا و لوجستيا وتبحث عن آفاق جديدة.

أما الشريف ناصر بن علي فقد كان تواقاً للعمل الكبير والمهام الخطيرة، لم يكن قد هجر منزله وأهله وحدائق المدينة الخضيرة وحياة الدعة، للقيام بأعباء عادية. كان حقا رجل الملمات، وبدأ الاستعداد للرحيل على قدم وساق، وتوسل لورنس ضابط الارتباط السياسي الأمير فيصل بأن يسمح له بمرافقة حملة الشريف ناصر كخبير في زرع المتفجرات وكهاوي طائش للمغامرات حتى قبل له الأمير فيصل مرافقة الكبار.

أتم الشريف ناصر استعداداته، وتزود بعشرين ألف ليرة ذهبية كي ينفق على العمليات المقبلة من علف للخيل ومدافع وبنادق وذخيرة..الخ.، كما أخذ معه عدداً من البنادق، وكمية من العتاد والمؤن وأصابع الديناميت. وفي صبيحة يوم ٩ أيارغادر الوجه ومعه الشيخ عودة أبو تايه عودة ومحمد بن دحيلان أبو تايه و ٣٥ متطوعاً من العقيلات بقيادة ناصر بن دغيثر. وانطلقت الحملة باتجاه الشرق الشمالي وعبرت الحملة خط سكة الحديد العسكري وهناك فجّر رجالها عددا من قضبان سكة الحديد وقطعوا أسلاك الهاتف الخاصة بمراكز قيادة قوات الاحتلال التركي لقطع اتصالهم مع قيادتهم الألمانية بمعان. ومضى الجيش في سيرهم فعبروا سهل الحول ووادي فجر وسهل البسيطة، وأخيراً بلغوا عرفجه على رأس وادي السرحان، ومنها انتقلوا الى العيساوية فحلو ضيوفاً على الشيخ علي أبو افتنة أحد شيوخ الحويطات. إستغرقت الرحلة ثمانية عشر يوماً في صحراء موحشة قاحلة لا ماء فيها ولا أثر للحياة. أما الشريف ناصر ورفاقه فقد ارتحلوا في اليوم الأخير من أيار الى موقع عقلية قـرب النبك ( قريات الملح ) حيث كانت مضارب الحويطات من أنصار الشيخ عودة أبو تايه، وقد قر الرأي على إتخاذها مركزاً للاستعدادات.

أقام الشريف ناصر في عقلية والنبك أكثر من أسبوعين يحشد المتطوعين من أبناء العشائر الأردنية، وقد كان لعودة أبو تايه فضل كبير في كل ذلك بسبب زعامته وشهرته كقائد ناجح للغزوات على مراكز العسكر العثماني في حرب الاستنزاف الذي أعلنها عقب محاولة غدره الى سجن معان سيئ الذكر. وفي يوم 19 حزيران زحف الشريف ناصر ومن اجتمع معه من فرسان العشائر الأردنية، وقد زاد عددهم على الخمسمائة، ( لمزيد من التفاصيل يرجى مراجعة المسار الأول لمعارك التحرير ) فبلغ القوم آبار باير وهناك اكتشفوا أن الأتراك وبهندسة ألمانية نمساوية عمـــلوا على ردم فوهات الآبار لتعطيشهم لكن الأردني وبخبرته بأرضه كان له موهبة فطرية بمعالجة الآبار من عبث الألمان وهندستهم لكن اعادة استصلاح الآبار أخر الجيش أسبوعاً حتى تمكن إزاله الردم والاستقاء من الماء.

وخلال ذلك الاسبوع اتصل الشريف ناصر بالعشائر المجاورة، وجاء للقائه بعض شيوخ بني صخر، واستيقن أن طريقه مأمونة من عيون جيش الاحتلال نظراً لأن أبناء العشائر الأردنية سيقدمون العون والمعاضدة و مسح الطريق من العيون والجواسيس. ورحلت الحملة من باير يوم ٢٨ حزيران وكان الشريف ناصر يسير في الطليعة على ظهر ناقته (غزاله) وإلى جانبه الشيخ عودة أبو تايه وبقية شيوخ العشائر الأردنية، يرتفع أمامهم جميعاً علم الثورة إيذانا بإنبثاق فجر جديد للأردنيين.

كانت أنباء هذه التحركات الغريبة قد بلغت قيادة جيش الاحتلال التركي  وقيادته الألمانية والنمساوية بالقرب من سجن معان سيء الذكر، فغادرتها كتيبة بقيادة أمير الالاي التركي نيازي بك، وعسكرت مساء ذلك اليوم عند ماء أبو اللسن، وعلم قادة جيوش الثورة بالأمر فهبوا يغدون السير طوال الليل حتى بلغوا التلال المحيطة بالموقع، وانضمت إليهم  مجموعات جديدة من عشائر الحويطات فأحاطوا بالمعسكر التركي من جميع الجهات، ومع الفجر بدأوا يطلقون النار على المعسكر بعد أن قطعوا خطوط الهاتف مع قادة الاحتلال الألمانية بمعان. وظل القتال ناشباً بين الطرفين حتى المساء عندما شن الشيخ عودة أبو تايه و فرسان الحويطات بالتخطيط مع الشريف ناصر قائد جيش الثورة هجوماً مباشراً أدى الى انهزام جيش الاحتلال العثماني ووقوع أكثرهم بين قتيل وأسير.

وقد تبّدت إنسانية الشريف ناصر في هذه المعركة إذ بادر لإنقاذ  القائد التركي الجريح من يد الفارس محمد بن دحيلان أبو تايه، ثم أخــذ يجمع الأغطية في الليل لتدفئة الجرحى الذين لم تكن هناك وسائل طبية لإسعافهم. وخلال الأيام الثلاثة التالية حرر الأردنيون مراكز الاحتلال العثماني في القويرة وكثارة وخضرا والتي كانت تفصلهم عـن الساحل. وفي صبيحة يوم 6 تموز بلغوا العقبة وحطوا رحالهم فيها، وكانت حصيلة المعارك التي خاضوها حوالي 700 أسير وأكثر من ستمئة قتيل من جيش الاحتلال العثماني من أتراك وألمان ونمساويين، أما خسائر العرب فلم تزد عن شهيدين من فرسان العشائر الأردنية.

كذبة لورنس وسرقته لمجهود الشريف ناصر والشيخ عودة أبو تايه

لقد كان تحرير العقبة حدثا مهما من أحداث الثورة في الأردن، وقد فتحت هذه الخطوة عيون القادة البريطانيين على ما يمكن أن تنجزه جيوش الثورة مـن انتصارات، فأخذوا يراقبون المشهد بحذر شديد، وانتقل جيش الشريف فيصل الى العقبة وأخذ يباشر العمليات العسكرية في قلب الجبهة الأردنية ولكن الأمر الذي يهمنا تسجيله هنا هو أن لورنس أوهم القادة البريطانيين بأن العقبة سقطت بأيدي قوات الثورة نتيجة لتوجيهاته وإدارته وقيادته ومنذ ذلك الحين أخذت شهرة لورنس تنتشر وتذيع حتى ان المرء لا يجد كتابا غربيا يعالج موضوع الثورة إلا وينسب الفضل في فتح العقبة وفي انتصارات قوات الثورة الأخرى الى لورنس. والواقع الذي لا يأتيه الباطل أن العقبة تحررت بيد العشائر الأردنية نتيجة لعملية عسكرية قاموا هم بها، ولم يكن دور لورنس في الحملة أكثر من دور المرافق المرهق. أما القيادة في شن الهجمات فقد كانت بيد عودة أبو تايه، بينما كانت قيادة جيوش الثورة عامة بيد الشريف ناصر بن علي الذي كان يمثل زعيم الثورة الملك حسين ويمثل قائد جيش الثورة الشمالي الأمير فيصل، واننا نرى في في كتابات لورنس نفسه ما يحمل الدليل القاطع على أن الشريف  ناصر كان هـو القائد المسؤول، ففي التقرير السري الذي قدمه للجنرال كلايتون قال أن الشريف ناصر كان قائد الحملة، وفي ذلك التقرير قال ” طلب الشريف ناصر مني أن أبحث احتياجاته مع الحلفاء من قادة الجيش البريطاني و إمكانات التعاون بينه و بين البريطانيين ضد قوات الاحتلال التركي والألماني و النمساوي “, وفي أعمدة الحكمه السبعة قال لورنس ” كان الشريف ناصر يقودنا، وقد جعلته سجاياه الحميدة القائد الوحيد من أجـل تحقيق المطامح العسيرة” و في تقرير لورنس السّري قال أيضا “لقد برهن الشريف ناصر على كفاءة فائقة وعلى أنه جاد ومستقيم اثناء الحملة، وأعتقد انه، بعد فيصل وشاكر، من أفضل الاشراف الذين اتيح لي العمل معهم”. لكن ذلك كله ذهب بعد بروز جاذبية كاميرات الصحافة والمخرجين الهولوديين الذين وجدوا قصة رجل أبيض في الصحارى النبطية أمراً يمكن تسويقه لمحبي المغامرة من المراهقين في دور السينما الأمريكية.

الشريف ناصر مع مجموعة من رجاله في إحدى معسكرات الثورة
الشريف ناصر مع مجموعة من رجاله في إحدى معسكرات الثورة

  تحرير الطفيلة

نرى الشريف ناصر في المرحلة التالية يقود الحملة التي طهرت الطفيلة، ففي أواخر شهر كانون الاول زحفت ثلاث جيوش من وهيدة : الأولى بقيادة الشريف مستور ومعه الشيخ حمد بن جازي والثانية بقيادة الشريف ناصر ومعه نوري السعيد والشيخ عودة أبو تايه والثالثة بقيادة الشريف عبد المعين.

 وقد تقدم الشريف ناصر الى الجفر مع المفرزة النظامية ومن هناك اتجها غرباً لمهاجمة محطة جرف الدراويش وهـي محطة من محطات القطار العسكري ذات تحصينات قوية وخنادق، وكان الأتراك قــد نصبوا مدفعاً ورشاشيين على ظهـر تلة وراء المحطة يحيط بها خندق، وكانت هناك رابية وراء التلة تطل عليها. و أقبل العرب وكانت قوتهم تتألف من كتيبة مشاة قوامها 300 جندي ومدفعين جبليين وثماني رشاشات وفرسان الحويطات وبني صخر يقدر عددهم بــ 1500 رجل. ظل الشريف ناصر ينتظر بقوته ليلتين في العراء، وقبيل الفجر من اليوم الثالث باغت المحطة بالهجوم فحرر الرابية أولاً، ثم بادر إلى قطع خط السكة على جانبي المحطة. وعند طلوع ضوء الصباح جاء نوري السعيد بمدفع جبلي ونصبه على الرابية وأطلق قذيفتين منه على المدفع التركي فوق التلة، أما الطلقة الثالثة فقد أخرست ذلك المدفع فظنوا أنه أعطب، وعندئذ أغـار فرسان العشائر الأردنية وعلى رأسهم الشيخ عودة أبو تايه في هجمة مفاجئة فأركن الاتراك إلى اخلاء التلة وانهزموا للاحتماء بأبنية المحطة.

 ومضى نورى السعيد الى التلة فوجد المدفع التركي صالحاً للعمل وأن العثمانيين الأتراك قد فلوا خوفاً لا من جراء نفاذ الوسائل للقتال، فما كان من السعيد إلا أن أدار فوهته نحو المحطة وأطلق منه قذيفة أصابت محطة القطار العسكري إصابـــة مباشرة. وعندئذ هجم فرسان بني صخرعلى المحطة فرفعت قطعان العثمانيين شارة الإستسلام دون أن يقاوموا، فأخذهم فرسان بني صخر أسرى وكانوا حوالى مائتين بينهم سبعة ضباط عثمانيين أتراك ( بالإضافة الى ٨٠ قتيل عثماني تركي) ولم تخسر قوات الثورة سوى شهيدين. وعمد فرسان العشائر الأردنية الى تدمير المحطة ودمروا جسراً كبيراً عندها وحرروا حمولة قطارين من المؤن للجيش العثماني كانا يقفان فيها وبهم بعض المؤن من حليفهم الألماني. لقد أدار الشريف ناصر هذه المعركة بمهارة وروية كعادته، وكان الهدف اجراء أكبر تدمير ممكن في الخط ومهاجمة محطات  أخرى لشّل المواصلات التركية عن قياداتهم الألمانية.

جعفر باشا " العسكري" و الشريف ناصر في منطقة الشوبك
جعفر باشا ” العسكري” و الشريف ناصر في منطقة الشوبك

وادي الحسا

في نيسان 1918 قام الجيش العربي بأكبر عملية عسكرية في تاريخ الثورة، ألا وهي الهجوم على تحصينات مدينة معان في محاولة لتحريرها، وقد اشتركت في تلك العملية جميع الوحدات النظامية وحققت انتصارات موضعية مهمة، ولكن معان المدينة نفسها لم يتم تحريرها بيد قوات الثورة وذلك بسبب أخذ قيادة العثمانيين الألمانية المواطنين من أهل معان كدروع بشرية عالمين أن الهاشميين وشيوخ العشائر الأردنية لن يقدموا على قصف أقاربهم بالمدينة، بالاضافة لوجود بعض المغرر بهم المخدوعين بالبروبوجاندا العثمانية التي هندسها المستشارين والقادة الألمان لخداع بعض أهل المدينة باستخدام الغلاف الديني.

وكان من نتائج العملية تدمير جزء واسع من خط سكة حديد القطار العسكري الى الجنوب من مدينة معان كان من المتعذر على جيش الاحتلال التركي إعادة تعميره، مما أدى الى عزل المدينة وسجنها سيئ الذكر وحاميتها العثمانية عزلاً نهائياً. استقر الرأي على تدمير ثمانين ميلاً من الخط الى الشمال من مدينة معان نظير الأميال الثمانين التى دمرت الى الجنوب، كي يتحقق عزل مدينة معان نفسها عن عمان و درعا. و لهذه الغاية تولى الأمير زيد قيادة القوات النظامية وفرسان العشائر الأردنية في هذا القطاع وأخذ يشن الهجمات على معاقل العثمانيين الأتراك وقياداتهم الألمانية والنمساوية، وكان أشدها الهجمات المتكررة على محطة الجردونة، أما قيادة المتطوعين فقـد أسندت بصورة رئيسية للشريف ناصر بن علي.

 وقد قام الشريف ناصر يوم 8 أيار بالهجوم على على محطة القطرانة فأسر عدداً من جنود حاميتها، ثم أعاد الكرة عليها في اليوم التالي، وفي 12 أيار شّن هجوماً ثالثاً ولكنه لم يتمكن من تحريرها فعمد الى تدمير مسافات مــن خط سكة حديد القطار العسكري، و في 18 أيار قام الشريف ناصر بالتحرك الى قاعدة الفجيج، بعد أن انضمت إليه مفرزة نظاميية و مفرزة الهجانه وخبير بريطاني في زرع المقفجرات.

 وقامت هذه القوة المختلطة، فجر يوم 23 أيار بهجوم مباغت على محطة الحسا، فاستسلمت حاميتها بعد مقاومة خفيفة وأخذ فرسان العشائر الأردنية فيها 60 أسيرا وحرروا رشاشيين، واستغلوا هذا الانتصار فعمدوا إلى تدمير منشآت المحطة، كما أخذوا ينسفون قضبان سكة حديد القطار العسكري الى الشمال والجنوب من المحطة، وفي اليوم التالي هاجم الشريف ناصر محطة فريفرة  فحررها وأخذ فيها 60 أسيرا ثم عمد الى تدمير منشآتها وعربات السكة الموجودة فيها.

قائد العثمانيين الألماني أوتو ليمان فون ساندرز (Otto Liman von Sanders)
قائد العثمانيين الألماني أوتو ليمان فون ساندرز (Otto Liman von Sanders)

ثم أغار على محطتي السلطاني وجرف الدراويش وكذلك على محطة القطرانة في الشمال حتى بلغت المسافة التي شملها التطهير 14ميلاً، ويذكر أحد القادة العثمانيين  الجنرال الألماني ليمان فون ساندرس[1] أن قوات العشائر الأردنية قد دمرت 25 جسرا عثمانياً خلال أسبوعين وهو ما خربط كل مخططاتهم التي لم تظن أن فرسان العشائر الأردنية تمتلك الانضباط فوق المسببات للقيام بكل هذا.

كان الشريف ناصر يرتد إلى وادي الحسا بين كل هجوم وآخر ليحتمي في جوانبه الوعرة ويتفادى قنابل الطائرات الألمانية المساندة للاحتلال التركي، وقد اشترك الشيخ عودة أبو تايه في بعض هذه الهجمات وكذلك فرسان بني صخر، ولكن الطائرات الألمانية شددت غاراتها على مواقع قوات الثورة والحقت بهم خسائر لا يستهان بها، كما جلب الأتراك ثلاثة آلاف جندي من الترك والألمان والنمساويين من مسرح فلسطين لتعزيز حاميات المحطات بعدما عاثوا فيها بطشاً ورعباً. فاضطر الشريف ناصر بن علي التراجع المؤقت، ومما يجدر ذكره أن قوة الشريف ناصر في هذه المعارك كانت تقارب 600 مقاتل أكثرهم من مقاتلي العشائر الأردنية، وقد كانت هذه الهجمات مفيدة جداً لأنها حالت بين جيش الاحتلال العثماني وبين القيام بهجوم معاكس على مواقع قوات الثورة في تلول السمنات و وهيدة. وعندما زحف جيش الاحتلال العثماني لإعادة احتلال الطفيلة، اعترض الشريف ناصر بن علي طريق زحفهم وقـاومهم بشدة، ولكن الطائرات الألمانية ظلت توالي الغارات عليه حتى أجبرته على الانسحاب.

 وتذكر ( النشرة العربية ) أن كتيبتين عثمانيتين تدعمهما مدفعية ميدان وسريتا رشاش – شّنتا هجوماً يوم ٢٢ حزيران على قوات الشريف ناصر بن علي  في وادي الحسا، وأن الفريقين اشتبكا في معركة عنيفة ارتد الجيش العثماني على أثرها بعد أن فقدوا عشرين قتيلا وخمسة عشر أسيراً. وفي 4 تموز تصدت قوة الشريف ناصر بن علي لمفرزة استطلاع عثمانية وردتها على أعقابها بعد أن قتلت ستة من أفرادها واصابة قائد نمساوي.

أثنى لورنس كثيرا في كتابه ( أعمدة الحكمة السبعة ) على الشريف ناصر ووصفه بقوله “كان فاتح الطرق، والطليعة السابقة في تحركات فيصل، هو الرجل الذي أطلق الرصاصـة الأولى في المدينة المنورة والذي أطلق الرصاصة الأخيرة في المسلمية وراء حلب في نفس اليوم الذي طلب فيه جيش الاحتلال العثماني الهدنة. ومن البداية حتى النهاية كان كل ما يمكن أن يقال عنه جميل وطيبا”.

 ووصفه في موضع آخر بقوله ” كان لناصر، وهو أمير كبير في موطنه، خيمة كبيرة يستقبل فيها الزائرين، لقد هجر الراحة والدعة والزعامة الطبيعية في مدينته وبين أهله، والقصور ذات الحدائق الغنا التي نشأ وعاش فيها، وها هـو يقضي الأعوام في البراري مقاتلا، دائما في الطليعة، ينتدب لكل مهمه عسيرة شاقة، والرائد في كل زحف. بينما يقيم الأتراك في منزله يقطعون أشجار النخيل، ويقطفون ثمار الحدائق” وقال عنه أيضا أنه كان “رأس الرمح للجيش العربي منذ أيام القتال الاولى” ووصفه بانه شاب جسور ذو جبهة عريضة واطئة و له عينان حادتا النظر.

أما خيرالدين الزركلي فيقول عن الشريف ناصر في كتاب (الأعلام) “قامت الثورة فكان أول من نادى بها، ثم لحق بفيصل وخاض المعرك الدامية،  ثم طارد  جيوش الاحتلال العثماني حتى حلب، فكان يقال له (فاتح حلب)، ثم بقي في دمشق إلى أن احتلها الفرنسيون فتوجه الى مكة، ثم قصد بغداد وبقي فيها إلى وفاته. كان هادىء الطبع، رضي الخلق، عرفته بدمشق ولقيته بها وبمكة مرات”.

الشريف البطل ناصر بن علي
الشريف البطل ناصر بن علي

توفي رحمه الله في بغداد في شهر تموز 1934 بالسكتة القلبية، منحته الحكومة الفيصلية في سوريا رتبة (أمير لواء)، وكان دائماً الى جانب الأمير فيصل وأخيه زيد، وقد أبَنته جريدة ( فتى العرب) الدمشقية لصاحبها معروف الأرناؤط تحت عنوان ( فاتح دمشق وبطل حريتها – رجل مات والرجال قليل(.

المراجع :

  1. صور من البطولة ، سليمان الموسى ، المطبعة الهاشمية ، عمّان ، 1968 ، ص 9-34.
  2. الثورة العربية الكبرى : الحرب في الأردن 1917-1918 : مذكرات الأمير زيد / سليمان موسى، دائرة الثقافة والفنون.
  3. التاريخ العسكري للثورة العربية الكبرى فوق الأرض الأردنية / بكر خازر المجالي، قاسم محمد الدروع 1995 .
  4. المراسلات التاريخية 1914-1918 : الثورة العربية الكبرى. المجلد الأول / أعدها وحققها وكتب حواشيها وترجم بعضها سليمان الموسى، 1973.
  5. جيل الفداء : قصة الثورة الكبرى و نهضة العرب/ قدري قلعجي.

[1] أوتو ليمان فون ساندرز : Otto Liman von Sanders كان جنرالًا ألمانيًّا، خدم كمستشار وقائد عسكري للدولة العثمانية، كان من المقربين وصانعي السياسة العسكرية بدولة الاحتلال العثماني. كان مطلوباً لعدة جرائم حرب بدول البلقان واليونان وأرمينيا وفلسطين وغيرها. ولد 17 فبراير 1855 في مملكة بروسيا و توفي في 22 أغسطس 1929

تارك الرغد في سبيل البطولة: الشريف ناصر بن علي

أهم معارك الحرب العالمية الأولى
أهم معارك الحرب العالمية الأولى

شكل العالم تغير للأبد بعد الحرب العالمية الأولى، الثورة العربية الكبرى احدى النقاط المحورية بمسار الحرب العالمية الأولى، عودة أبو تايه أحد أهم النقاط المحورية بمسار الثورة العربية الكبرى. نعم هو شيخ العشيرة الأردني الذي فرض بطولته على مسار العالم الحديث كما فعل جده الحارث الرابع من قبله.

 موقعك الطبيعي أن تكون في صف الثورة لانها ثورة كل الشرفاء العرب وأنت أول القادمين الى الوجه وسيكون وجه الثوار أبيض بعون الله. وأول الغيث قطرة

بهذه الكلمات صدح فايز الغصين القائد العسكري في منطقة الوجه حيث معسكر قوات الثورة العربية الكبرى بقيادة الأمير فيصل بن الحسين لحظة وصول الرمز الراحل عودة أبو تايه وأبناء عمومته ليعلنوا انضوائهم تحت لواء النهضة للتخلص من قرون الظلام التي سادت تحت حكم الاحتلال التركي العثماني. فعند قدومه إلى معسكر الأمير فيصل في منطقة الوجه، وعند تقديم الطعام قام بتكسير طقم أسنانه الذي صنعه الأتراك أمام دهشة الحضور قائلاً: لن آكل طعام الأمير قائد جيش الثورة بأسنان تركية، وهو طقم اسنان أمر بصنعه له جمال باشا السفاح طلباً لود الشيخ عودة وعشيرته الأردنية،  فكان الراحل أول الغيث الأردني في وابل مطر فرسان العشائر الاردنية الذين انهمروا أرتالا ليختموا فصلا طويلا من الثورات الصغرى ضد المحتل التركي بدُرة تاج التحرير الوطني “الثورة العربية الكبرى”، وهذا ما كان للأردنيين تحت الراية الهاشمية ونتيجة لفزعة العشائر الأردنية وأولهم الشيخ عودة أبو تايه.

أقدم صورة لحملة الراية الهاشمية بالأردن يحملها فرسان قبيلة الحويطات
أقدم صورة لحملة الراية الهاشمية بالأردن يحملها فرسان قبيلة الحويطات

“أبو عناد” كان أول رسائل الاردنيين للانجليز قبل الأتراك بأن العشائر الأردنية تعلم جيدا ما تبغيه من حلفها المؤقت معهم  ضد الاحتلال العثماني وحلفائه الألمان والنمساويين بعد وضعه وتطبيقه لاستراتيجية تحرير العقبة التي دقت أول مسامير نعش الاحتلال العثماني في الأردن وكانت موضوع مراسلات كافة السفارات الأجنبية المذهولة بالمنطقة. حيث أدرك على اثرها الانجليز أنهم أمام ذكاء المقاتل الأردني الفطري وأن بقائهم لن يطول بعد انجاز الأردنيين حاجتهم من الحلف.

 سجل أخو عليا أول حروف البيعة الأردنية للراية الهاشمية الحاملة لمشروع النهضة الأردنية لتعود منارة مشعة عالمياً، كما كانت بعهد الأجداد المؤابيين والأنباط والغساسنة، والتي أتم كتابتها طوابير فرسان العشائر الاردنية ليمهروا بدمائهم الزكية العقد الوجداني مع الهاشميين بوحدة الهدف والمصير والمنظومة القيمية الوطنية العليا.

سياق الطموح وحتمية الموقف

هو الشيخ عودة بن حرب بن صباح بن فرج بن محمد بن فرج ويعد الجد الأخير محمد أبو تايه بن فرج المؤسس لعشيرة التوايهة (أبو تايه) من قبيلة الحويطات الأردنية العريقة حيث مضاربها في جنوب الأردن، وبين جبال الشراه الشامخة بتاريخها المحوري عالمياً ولد الراحل العظيم في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر وفي أقرب تقدير عام 1870.

13072022_873890642756065_61028850_o

الحويطات أسوة بغيرها من القبائل والعشائر الأردنية تكيفت مع حالة الاحتلال التركي الذي استمر لأربع قرون من الاضطهاد والقمع والتجهيل عبر التحول من حالة الحضر والاستقرار الى البداوة والترحال لسببين، الأول، كنتيجة حتمية لمقاومة دفع الضرائب الجائرة بلا أي مقابل أو تمثيل ناجع والتي كانت تبدأ ب25% على الدخل وتصعد بحسب أهواء السمؤول المحتل. هنا وعلى سبيل المثال تجد تراجع لعدد المنازل الدافعة للضرائب الجائرة بالسلط من 519 منزل ل105 منازل خلال 70 عام كما تلخيص بحث سابق بالصورة المجاوزة. أما السبب الثاني فهو نتيجة لانعدام امكانية الاستقرار لتكرار عمليات الهدم الممنهج والتدمير المبرمج الذي انتهجته سلطة الاحتلال التركي ضد أي ثورة صغرى أو حركة احتجاجية وبشكل جماعي لكل بناء حضري على أرض الأردن كما حصل بالكرك عندما هدم ما يزيد عن 500 منزل دكت بالمدافع بثورة عام 1910 وخلال موسم الثلوج. فكما سلف، أصبحت العشائر دائمة الحركة في المنطقة، من خلال بيوت الشعر، التي تنصب في منأى عن يد قوات الاحتلال التركي وحيث الكلأ والماء، فبلور الأردنيون ضمن ذلك أسلوب حياة بدوي متكامل مع منظومة ثقافية عشائرية جمعية بقوانينها المحكمة وباعتماد على الترحال الموسمي ككتلة جمعية بمصير مشترك وذلك قبل مجيئ جباة الضرائب وقطعان الحراسة المصاحبة لهم وبحسب تعاقب الصيف والشتاء. لذا وتكيفاً مع حالة الاحتلال الطويلة منح الأردنيون أنفسهم بعودتهم للبداوة القدرة على المناورة في صراع البقاء والمقاومة للاحتلال بعد ان لمسوا أن تاريخهم الطويل يتم ابتلاعه وهدمه بصورة ممنهجة تفصلهم عن حضارتهم العميقة بالتاريخ ليسهل السيطرة عليهم تحت ستار التجارة بالدين التي حملها الأتراك على مدى اربع قرون والتي لم تقدم للأردن وأهله سوى الفقر والتدمير والتخريب وسرقة حضارتهم، فتراكمت الثورات الصغرى التي خاضوها توقا للانعتاق حتى توجوها بخوض ثورة العربية الكبرى تحت راية الهاشميين الذين وحدوا الأردنيين وقادوهم للنصر ولتحقيق المشروع النهضوي العظيم.

بوصلة تشير لدرب الشرف الوطني

برز “صقر الصحراء” كما وصفته العديد من الجرائد العربية والأجنبية كرقم أردني صعب في معادلة الحرب العالمية الأولى كاملةً فلولاه لضعفت الثورة وتأخرت بأقل تقدير ولولا الثورة العربية الكبرى لتغيرت كل مجريات الحرب العالمية الأولى ولهذا تجده بالاسم بالعديد من مراسلات السفارات العالمية بالمنطقة وموضع نقاش قادة أقطاب القوة العالمية بوقتها.

الشيخ عودة أبو تايه متوسطاً أقاربه
الشيخ عودة أبو تايه متوسطاً أقاربه

تميز بحكمته وحنكته، التي ارتوى بها بشكل طبيعي كسيد عشيرته، كما اشتهربكرمه الذي كان على حساب حاجته حتى وصف أن كرمه أورثه فقر المال ولكن عطاؤه أعطاه غنى النفس وثراء السيرة التي يتداولها الأردنيون الى اليوم فارتقى من شيخ العشيرة الكريمة الى مرتبة الرمز الأردني الوطني حيث بوصلة الأردن هي الأولوية وتتساقط أمامها المصالح الشخصية لتحقيق المصلحة الوطنية العليا المخططة من القيادة الهاشمية الأمينة.

نشرت جريدة (القبلة) في عددها 130 نقلا عن جريدة (المقطم) المصرية أن جمال باشا السفاح أرسل رسالة الى الشيخ عودة يطلب منه أن يظهر طاعته للأتراك مع الوعد بأن يجعله (ممتازا بين مشايخ العرب والعشائر اذا ألقى عودة ابو تايه القبض على الشريف ناصر) فأجابه أخو عليا (ان قتال الاتراك أصبح واجباً وطنياً وان عليكم أيها الأتراك أن تجلوا عن أرض الأردن وكافة بلاد العرب).

قائد العثمانيين الألماني أوتو ليمان فون ساندرز (Otto Liman von Sanders)
قائد العثمانيين الألماني أوتو ليمان فون ساندرز (Otto Liman von Sanders)

  وحاول الاحتلال التركي استدراجه الى سجن معان سيء الذكر لسلب عودة ابو تايه ماله تحت ذريعة الضرائب التي اعتاشوا عليها وأمضو يصرفونها ببذخ على الحرملك والجواري باستنبول بينما يترك الأردنيين للجوع والظيم والقهر بعد أن يدفعوا ربع ما يملكونه كحد أدنى من ضريبة الدخل. فكان أن حاول عدد من جنود الاحتلال سوق الشيخ عودة ابو تايه الى معان حيث حاميتهم التي يدرعون بها وسجنهم مقر جرائمهم هناك ليجبروا الراحل على دفع الضريبة وسلبه فلما أدرك الحيلة أبى عودة الامتثال للترك فصوب الجنديان الأتراك عليه فأخطاءاه لسرعة حركته الفطرية، وبسرعة الفرسان رد عليهما بغيهم وغدرهم له فأرداهما قتيلين وفر الباقون.

منذ ذلك الحين لم يدخل الراحل معان حيث حامية الاحتلال تتكتل وتتربص به وبالأردنيين الأحرار الذين حسموا أمرهم مع المحتل المتاجر بالدين. تحولت حادثة الغدر

ومحاولة جلب الراحل عودة الى سجن معان الى وبال على المحتل التركي فتحول كل جندي تركي محتل الى هدف لنيران فرسان العشائر وباتت حرب استنزاف مشابهة للنموذج الايرلندي أذيق فيها المحتل التركي الأمرين لدرجة أن مراسلات الألمان والنمساويين من سجن معان كانت دائم تدل على خوفهم الخروج منه الا بحراسة مشددة.

وصف المطران بولص سلمان الراحل عودة ابو تايه في كتابه (خمسة اعوام في شرق الأردن ) قائلاً: “انه من أقوى الزعماء في الحويطات وأغناهم وأوسعهم ملكاً وله مواش وخيول وبيوت، رجاله سبعة آلاف والمسلحون عددهم اربعة آلاف ولهم سطوة ودولة ويسكن في قرية تدعى (الجرباء).

أبوتايه والتاريخ العالمي

 وعندما ظهرت الفرصة التاريخية بتكليل ثورات الأردنيين عبر القرون والوصول لانعتاق الأردنين من نير الاحتلال التركي، طوع عودة ابو تايه كل امكاناته في هذا السبيل وهو ما انسحب على باقي شيوخ العشائر الأردنية وفرسانها بعد ان أعلنها الشريف الحسين بن علي مدوية (طاب الموت) فطاب موت الأردنيين في سبيل استقلالهم وحريتهم وفي سبيل ردم فجوة التاريخ التي امتدت لأربع قرون وفصلت بين كل حضاراتهم ومستقبلهم ونهضتهم ليعيدوا عربة النمو الوطني الى مسارها الصحيح .

الشريف ناصر و الشيخ عودة أبو تايه في مضارب الحويطات أثناء التخطيط لعمليات الثورة و حشد العشائر الاردنية
الشريف ناصر و الشيخ عودة أبو تايه في مضارب الحويطات أثناء التخطيط لعمليات الثورة و حشد العشائر الاردنية

فبعد لقائه للأمير فيصل بدأ العمل على الفور بالتهيئة والاستعداد والتعبئة للمعارك الفاصلة في تاريخ الأردن الحديث وفي اليوم التاسع من أيار 1917 غادرت الحملة سالفة الذكر عن (الوجه) باتجاه الشمال الشرقي للأردن وعبرت خط سكة حديد القطار العسكري ثم عبرت سهل (الحول) ووادي (فجر) ومنه اتجهت الى (عرفجة) في وادي السرحان عبر سهل (البسيطة) الواسع ومنه اتجهت الى سهل العيساوية ومن العيساوية انقسمت الحملة الى فريقين:

-الفريق الأول بقيادة الشيخ عودة

-الفريق الثاني بقيادة الشريف ناصر

 وكانت الخطة تقضي بتوجه الشيخ عودة الى مضارب الشيخ نوري الشعلان وولده الشيخ نواف كما نشرنا سابقاً.

بعد أيام قليلة تم جمع الشمل من جديد في وادي السرحان وتحركت الحملة من جديد من (عقيلة) الى جراجر – باير – الجفر – الغويلة – غدير الحاج – أبو اللسن – مريغة – وهيدة – نقب اشتر – القويرة – وادي اليتم – بير الخضراء – العقبة .

لقد حققت الحملة نجاحاً باهراً واستقطبت المئات من فرسان العشائر الأردنية وهيأت بذلك الظروف الملائمة لاجتياح المناطق المذكورة عسكريا، وتفوق نداء الواجب للتطوع للثورة العربية الكبرى بكل بساطة انتقاله بين مضافات شيوخ الأردنيين وفشلت الدعاية العثمانية ومهندسينها من ألمان ونمساويين والتي كانت تزعم أن ألمانيا والنمسا جاءت لنصرة الإسلام وحماية الخلافة الاسلامية من أهل الكفر، وهي التجارة بالدين التي مارسها المحتل التركي على مدى قرون دون جدوى.

شارك الرمز الوطني في تحرير العقبة والطفيلة ومعان وتطهيرها من صلف الاحتلال وكانت الضربة الخاطفة والحازمة التي قدمها في استراتيجية تحرير العقبة الأردنية احدى أهم نقاط التحول بتاريخ الثورة العربية الكبرى فدارت دائرة المعارك لصالح الفرسان ارتكازا على مخطط الزمن الذي أدركه الشيخ عودة وكانت النتيجة جلية بسوق المئات من قطعان الأسرى من قوات الاحتلال العثماني ومن والاهم من ألمان ونمساويين أمام طوابير الأحرار من فرسان العشائر الأردنية وقوات الثورة العربية الكبرى. وتعد معركة العقبة والاستراتيجية المتبعة خلالها احدى أولى المؤشرات التي تلقاها الانجليز قبل الاتراك بأن فرسان العشائرالأردنية يعلمون جيداً ما يبغونه من الحلف الآني مع الانجليز في الحرب العالمية الأولى ضد الأتراك والنمساويين والألمان  وبأنهم أمام حليف يجدر الحذر منه.

12792139_1718532285059217_8454549711409586541_o
تكريم الشريف الحسين بن علي للفارس البطل عودة أبو تايه لقاء بطولته في معارك تحرير العقبة

لم يتوقف دور الاردنيين على تحرير مدنهم وتطهيرها من قطعان الاحتلال التركي والألماني والنمساوي بل امتدت اياديهم الخيرة لتحرير دمشق وحلب وكان لفرسان العشائر الاردنية الفضل بتحرير سوريا وكان الشيخ  الراحل عودة ابو تايه على رأس قائمة الأبطال الأردنيين الذين دفعوا وبذلوا في تحرير سوريا من الاحتلال وزرع راية الثورة في قلبها لينبض بحرية بعد الاحتلال العثماني لها وبعد 70 عام من مذبحة دمشق التي أراقت بها قطعان القوات العثمانية دماء عشرات الآلاف من أبناء دمشق الجارة.

سجل الشرف

ويمكن سرد أهم المعارك التي شارك بها الراحل في رحلة التحرير والثورة العربية الكبرى بما يلي حسب التراتب الزمني:

  • في 9 ايار1917 توجهت حملة بقيادة عوده ابوتايه من الوجه، وعند عبور الحملة لخط سكة حديد القطار العسكري قامت بنسفها وابطال فعالية الاتصال الهاتفية بين القيادات الألمانية وباقي قوات الاحتلال العثماني.
  • تحرير ابو اللسن، وهيده، المريغه، القويره، كثيره، والخضره في طريقهم إلى العقبه.
  • تحرير ثغر العقبه يوم 6 تموز 1917
  • تحرير محطة جرف الدراويش.
  • تحرير الطفيله بقيادة الأمير زيد بن الحسين يوم 25 كانون الثاني 1918
  • تطهير 80 ميلا من خط سكة حديد القطار العسكري إلى الجنوب من معان في شهر نيسان 1918
  • تطهير خط السكك حديد القطار العسكري بين درعا ودمشق يوم 17 أيلول 1918
  • تحرير محطة الغزاله
  • تحرير محطة درعا
  • تحرير مدينة دمشق يوم 1 تشرين الأول 1918
  • تحرير حلب يوم 22 تشرين الأول 1918

بكل هذا الإرث البطولي بات تاريخ عودة ابو تايه مطمعاً للتزوير والنهب فحاول لورنس أحد ضباط الأنجليز مدعماً بآلة اعلامية متقدمة تطويب تاريخ عودة لمصلحته  فأخذ يذيع في اوروبا بعد انتهاء الحرب انه اي لورنس قد وضع الخطط لفتح العقبة وقام بتنفيذها وقام بترويج ذلك بشكل هوليودي انطلى على الأجيال التي لم تعاصر بطولة أجدادهم ولم يعوا قرابين الشهداء التي بذلت على درب الاستقلال الأردني.

النضال السلمي

بعد مشاركة الراحل عودة ابو تايه وفرسان العشائر الأردنية في تحرير حلب بعد دمشق أعلن الأتراك استسلامهم وخضوعهم النهائي وأيقن الأردنيون أن الاستقلال الأولي من المحتل التركي قد بدأ، وباتت المعركة مع الانجليز على الأبواب لتحصيل الاستقلال النهائي والتام.

موسيقات قوات الثورة العربية تستعرض بعد تحريرها دمشق
موسيقات قوات الثورة العربية تستعرض بعد تحريرها دمشق

اختار الأردنيون  لهذه المرحلة عنوان الكفاح السياسي السلمي ضمن رؤية استراتيجية عميقة ترمي الى الحفاظ على ما تحقق وتمتينه كي لا تذهب التضحيات العظيمة التي بذلها الشهداء الأردنيون من فرسان العشائر وامهروها بدمائهم مع الريح، خاصة وأن أهل الأردن قد عانوا الأمرين خلال الأربعة أعوام من الحرب العالمية الأولى وما جرى خلالها من مصادرة محاصيلهم على يد العثمانيين وما نتج عن القصف الجوي الألماني والانجليزي لمدنهم.

وهكذا كان ونجح الأردنيون بتجاوز اختبار الحكومات المحلية والتفوا تحت الراية الهاشمية في الوقت الذي بدأت الاضطرابات تعود مع الاصطدامات في الدول المحيطة للأردن وبدأ النزوح الى الأردن من دول الجوار فوصل للأردن الفارين من سوريا ومنهم: رشيد طليع، عادل أرسلان ابن عم مظهر أرسلان، وكامل القصاب، وحسن الحكيم، وخير الدين الزركلي، ورشدي الصفدي، ونبيه العظمة، وعادل العظمة، وسامي السراج، وفؤاد سليم، وبذات التوقيت فر أحمد مريود ومجموعة ترافقه ولجأ الى قرية كفرسوم الأردنية واحتمى بعشيرة العبيدات الأردنية.

خرجت في الأردن مظاهرات في آب 1921 قادها الراحل عودة أبو تايه وسعيد خير وعدد من شيوخ الأردن، أمر فيها مظهر أرسلان المفروض من الانجليز على الحكم الناشئ اطلاق الرصاص على المتظاهرين، مما أدى الى دفاع شيوخ العشائر عن أنفسهم وابعاد نيرانهم عن الأردنيين واستهداف رأس المخطط قائد القوات الانجليزية فريدريك بيك شخصياً والذي تصاوب ونجى بأعجوبة بمعاونة فؤاد سليم السابق الذكر. فشنت حملة اعتقالات واسعة من قبل الانجليز اعتقل فيها علي خلقي الشرايري وصالح النجداوي وتوفيق النجداوي وهم ضباط أردنيون كانوا يعون مخطط الانجليز ورجلهم المفروض على الحكم الناشئ، وعاد عودة الى مضاربه عند جبال الشراة.

في ظل خيار النضال السلمي الاستراتيجي باتباع الدبلوماسية لتحقيق الغاية الأهم وهي الاستقلال النهائي ازداد تعقيد المعادلة. وفي تشرين أول غادر الأمير عبدالله في رحلة دبلوماسية لتمهيد سعي الأردنيين نحو استقلال معترف به دولياً. فاستغل مظهر أرسلان وزير الداخلية في حينها غياب الأمير عبدالله وبعث بدعوة عاجلة الى الراحل عودة أبو تايه باسم الحكومة للحضور الى عمان فلبى الشيخ عودة الدعوة بحسن نية.

ولحظة وصول الشيخ عودة بكل حسن نية لطي صفحة المظاهرة، غدره مظهر أرسلان وسلمه للانجليز الذين نقلوه على عجل الى سجن السلط ظناً منهم أنهم بذلك يعزلون الشيخ عودة في مكان قصي عن أهله. وفي السلط تجسدت الروح الأردنية وكان الفارس الشيخ عبدالله الخطيب قد استبق الأحداث ووضع خطة لإخراج الشيخ عودة فقام وبمعاونة فرسان السلط بخلع قضبان السجن وكانوا قد جهزوا (الكحيلة) وهي فرس عربية أصلية تسابق الريح أهداها شيخ من النهار المناصير من بني عباد .

واكتملت الروح الأردنية عندما لحقت قوة عسكرية قوامها 150 جندي بقيادة اللواء الراحل محمد علي العجلوني، وهو الفارس النبيل وأحد أهم رجال الثورة والوطنيين  الأردنيين الذين قادوها، حيث أقنع العجلوني أرسلان والانجليز من خلفه أن أبو تايه وفرسان السلط ممن رافقوه لن يذهبوا جنوباً مروراً بمضارب بني صخر وذلك لوجود فتنة سابقة أحدثها العثمانيين بينهم وأنهم سيسلكون الطريق الشرقي باتجاه مضارب بني حسن حيث (الشيخ ابن قلاب فزعة السلطية ) حيث تحالف السلطية التقليدي ضد فتن العثمانيين سابقاً، وذلك بالتنسيق مع شيوخ بني صخر وعلى رأسهم الشيخ مثقال الفايز والشيخ عضوب الزبن. وعلى ذلك راوغ العجلوني في مهمته ووجه القوة باتجاه مغاير ولم يحاول اللحاق بعودة ليسقط مؤامرة مظهر أرسلان الذي كان يرى بالوطنيين الأردنيين خطراً على شرعية وجوده.

استقبل الشيخ عودة أحشم استقبال في مضارب بني صخر حيث تجسدت الروح الوطنية وتم تأمين طريقه للعراق حيث طلبه الأمير فيصل بن الحسين واقتطع له من الأرض ما يليق به يسكنها حتى عودة الأمير عبدالله من جولته العالمية واكتشافه لمؤامرة الانجليز وأزلامهم وذلك لتعذر الاتصالات السريعة بوقتها. وعندما علم الشريف حسين بن علي بخبر القبض على الشيخ عودة غضب وطلب لقاءه وكان عودة يقيم في ضيافة الأمير فيصل بن الحسين في العراق فعاد الشيخ عودة مكرماً الى وطنه الذي أفنى عمره في الكفاح لاستقلاله من حرب الاستنزاف الذي أعلنها هو على العثمانيين وصولاً للثورة العربية الكبرى الذي أعلنها الشريف حسين من مكة. 

خلود الروح وذهاب الجسد

أبو عناد ابن الصحراء النبطية وصقرها
أبو عناد ابن الصحراء النبطية وصقرها

وفي عام 1924 اشتدت وطأة المرض على الراحل عودة ابو تايه إذ كان يشكو من ورم خبيث وقرحة في المعدة، فسافر للعلاج إلى مصر، ثم عاد إلى القدس فأجريت له عمليه جراحية. وتوفي في عمان ليلة الثلاثاء في 22 تموز 1924 ودفن فيها بتشييع رسمي كبير وحداد شعبي شمل جميع المناطق، ونعته الصحف العربية في الشام والعراق والاردن والحجاز ومصر .

كتب محمد الشريقي في جريدة الشرق العربي وهي الجريدة الرسمية للحكومة الأردنية في حينها مودعا الراحل الكبير الشيخ الفارس عودة ابو تايه قائلاً:

“كان شجاعاً في القول والعمل، ذكي الفؤاد، كان نموذجأً للبطولة الفطرية …إن عودة لا يُسْتَذَل”


المراجع:

  1. صور من البطولة ، سليمان الموسى ، المطبعة الهاشمية ، عمّان ، 1968 ، ص 37 -58
  2. التاريخ العسكري للثورة العربية الكبرى فوق الأرض الأردنية / بكر خازر المجالي، قاسم محمد الدروع 1995 .
  3. الثورة العربية الكبرى : الحرب في الأردن 1917-1918 : مذكرات الأمير زيد / سليمان موسى، دائرة الثقافة والفنون.
  4. احسن الربط في تراجم رجالات من السلط ،د.هاني العمد،2007

البطل العالمي الشيخ عودة أبو تايه

Scroll to top