الفارس الشيخ محمد بن دحيلان

d7elanphoto 

محمد بن دحيلان أبو تايه الحويطات، ولد عام 1880 في جنوب الأردن لعشيرتين كريمتين، فوالده من عشائر أبو تايه ووالدته من عشائر المراعية من قبيلة الحويطات المنتشرة عشائرها على امتداد بادية الأنباط الأردنية التاريخية .

نشأ ابن دحيلان وسط رجالات هذه القبيلة المعروفين لدى القبائل الأخرى بالكرم والجود، والذين يعتبرون من الفرسان الأردنيين الذين يتمتعون بشجاعتهم المعهودة ، فتميزوا بقدرتهم على فرض ندية أردنية مقابل صلف جبروت الاحتلال التركي الذي حوّل نمط الحياة الحضرية التاريخية في الأردن الى البداوة بعد انتهاجه لسلسلة جرائم حرب تجاه المجتمع الأردني، حيث شملت العمليات التخريبية للاحتلال التركي كل مناحي الحياة عبر شنّه حرب اقتصادية وعسكرية على فرسان العشائر الأردنية دفعت الأردنيين أمام هذا الصلف الممنهج لتغيير نمط حياتهم الممتد حضاريا منذ أقدم العصور الى نمط التنقل وعدم الثبات في سياسة ذكية انتهجها أجدادنا للقدرة على مواجهة أخطر أربع قرون من الاحتلال المغلف بستار الدين.

شيخ الدولة

ولما كان الشيخ محمد بن دحيلان أبو تايه يتمتع بصفات الزعامة والقيادة التفّ حوله كثيرٌ من عشائر أبو تايه والفريجات عامة مما دفع الدولة العثمانية للسعي لاستمالته وتنصيبه الممثل لعشائر الحويطات لديها.

 ومن هنا جاءت تسميته بشيخ الدولة، وقاموا بمنحه العديد من الأوسمة والامتيازات إلا أن حسّه الوطني وروحه الأردنية الضاربة بعمق غلب تلك الإغراءات والإمتيازات.

وكان له دور مبكر في مقاومة الاحتلال التركي أثناء ثورة الكرك في عام 1910 حيث تشير الوثيقة العثمانية ملف رقم DH-SYS (5-2) 61 وثيقة رقم 7(99،409/2)   على دور عشائر الحويطات وتذكر اسم الراحل البطل محمد بن دحيلان وابناء عمومته بالاسم حيث تنص الوثيقة :  “كانت مشاركة عشائر الحويطات فيها بقيادة عقداء الخيل الفارس محمد بن دحيلان أبو تايه والفارس زعل بن مطلق والفارس عودة بن زعل  والفارس حمد بن عرار الجازي”، وكانت هذه المشاركة اضاءة على عمق الوعي التحرري من الاحتلال التركي لدى أبناء المجتمع الأردني وفرسان عشائره.

دوره في الثورة العربية الكبرى

وفي أول فرصة سانحة قام الراحل الشيخ محمد بن دحيلان بزيارة الشريف الحسين بن علي طيّب الله ثراه في مكة المكرمة، وكان ذلك في أواخر عام 1915 مبدياً استعداده ورجال قبيلته للإنضمام للثورة العربية فور إعلانها، وقد نفِّذت هذه الوعود جميعها، حيث كان على رأس مستقبلي الأمير فيصل بن الحسين في الوجه عند إندلاع الثورة.

كان ابن دحيلان العقل المدبر للعشيرة، وصاحب رؤية مستقبلية ثاقبة وذكاء منقطع النظير، وإذا تكلم أقنع من حوله ومن هنا جاءت تسميته بأبو البلاغة.

337
الشيخ محمد بن دحيلان ( يسار الصورة ) بجانبه الشيخ ناصر بن مسلم ( متكئا ) في خيمة بن دحيلان أثناء التحضير للعمليات العسكرية للثورة العربية الكبرى في الأردن

ما ذكر من صفاته 

ومما جاء عنه في كتاب أعمدة الحكمة السبعة لكاتبه توماس ادوارد لورنس الذي وصفه بما يلي:

( كان ثرياً وكريماً، كان يعرف ويعالج مسائل رجال العشائر بحنكة، وكانوا يحترمونه حيث أنه كان نزيهاً ومتواضعاً وحكيماً ).

14459883_10211184589750975_1632744596_n
الشيخ الفارس محمد بن دحيلان ممتطيا ذلوله في مضاربه في الطبيق عام 1914

ويسترسل كتاب اعمدة الحكمة السبعة بالوصف الشخصي والذهني للفارس الشيخ حيث يشير بأن  محمد بن دحيلان كان رفيقاً أنيساً حلو المعشر قوياً مفكراً لديه الكثير من روح الدعابة، قوي البنية، طويل القامة بوضوح، عمره آنذاك كان 38 سنة (عام 1917)، له أتباع موالون إليه أكثر من غيره، ولديه بيت في معان فيه قطيع من النعام، وآخر فيه قطيع من الغزلان بالقرب من الطفيلة، ومنزل آخر في ضور في منطقة الشراه، ومنزل في الجفر ، وكان عقلا مدبرا للمجالس العشائرية وموجها لسياستها، حيث أن الخطط العسكرية بحاجة لتأييده قبل تنفيذها.

14459128_10211184589830977_988926092_n-1
في هذا التصريح يكشف لورانس بنفسه حجم التناقض و الكذب في رواياته السابقة التي كان يدعي بها قيادته و تخطيطه لعدد من معارك الثورة ، إذ أنه يصرح بشكل جازم أنه ما كان بالإمكان التخطيط أو التنفيذ للمعارك دون مشورة الشيخ بن دحيلان و موافقته

ردّ الغدر التركي بنعله

ويصف أحد مواقف غدر الاحتلال التركي مدى فطنة أبو البلاغة الشيخ محمد بن دحيلان حيث كان فرسان العشائر الأردنية متحلقين حول النار في المساء أثناء السمر، في حين كان صانع القهوة يقوم بغليها وقبل أن يصبها للشرب، جاءت نحوهم صليه من الرصاص من صوب الكثبان الرملية الواقعة في الشرق، فانبطح أحد الرجال وزحف للأمام وهو يصرخ مذعوراً، فيما كان الوحيد الذي تحرك بفطنة هو الشيخ محمد بن دحيلان حيث دفع موجة كبيرة من التراب بقدمه فوق النار التي سرعان ما انطفأت بسرعة وأصبح الجميع في ظلام دامس بعد أن أطفأ النار فوراً حتى لا يكونوا هدفاً واضحاً لنيران العدو ، وبذات هذا الموقف  بعد أن بات الظلام ساتراً بين فرسان العشائر الأردنية وقوات الاحتلال التركي كانت الفرصة لتغيير الموقع باتجاه الكثبان والسواتر المحيطة وامتلك فرسان الثورة العربية الفرصة للوصول إلى البنادق، وتوقف العدو التركي المحتل وحلفائه الألمان والنمساويين عن الرماية تدريجياً، وفي صباح اليوم الثاني سار الفارس محمد بن دحيلان وفرسان العشائر الأردنية في معركة تحرير الأردن  تحت أشعة الشمس المشرقة بموازاة خط سكة القطار العسكري.

14445756_10211150706983927_1422589499_n

وكما ورد في نفس المصدر فإن محمد بن دحيلان أبو تايه ورجاله قاموا منفردين بتعطيل سكة الحديد الممتدة 80 ميلاً و محطاتها السبعة جنوب الأردن، والاستيلاء على الخط الممتد بين معان و المدورة و الذي كان بيد الجيش التركي وتحت سيطرة حامياته، و بذلك أنهى محمد بن دحيلان الخط الدفاعي التركي النشط و الموصل إلى المدينة المنورة .

ومما جاء عن محمد بن دحيلان في كتاب تاريخ الأردن في القرن العشرين للمؤرخين منيب الماضي و سليمان موسى :

( وقد فوجئ الأتراك بهذه الهجمة الصادقة فارتبكوا وحاولوا الفرار، ولكن الحلقة التي ضربها العرب حولهم لم تمكنهم من ذلك، وسرعان ما انتهت المعركة بمقتل ثلاثمائة وأسر مائة وستين من الأتراك. ولم يتمكن من النجاة إلا عدد قليل من الجنود فرّوا على ظهور البغال أو الخيول، ولاحق محمد بن دحيلان الفارين على رأس فصيله من جماعته وتبعهم حتى المريغة، ولم يخسر العرب في هذه المعركة سوى شهيدين أحدهما رويلي – من قبيلة الرولة – والآخر شراري- من قبيلة الشرارات -).

14470676_10211184589430967_375495712_n
قادة قوات الثورة في القويرة يتأملان رايتهما الجديدة ( راية الثورة ) سمو الأمير فيصل بن الحسين ( يسار حامل الراية ) والشيخ الفارس محمد بن دحيلان ( يمين حامل الراية ) رافعا بندقيته

أما الرّحالة جيرترود بيل 1914م فقد وصفت الفارس الشيخ محمد بن دحيلان في  (يوميات الجزيرة العربية – مغامرة خارجة عن القانون ) بقولها :

( محمد بن دحيلان أبو تايه شخص يتسم بضخامة جسمه الصلب كالحجارة، وأوضح ما فيه عيناه الثاقبتان يتحلى بالأدب الجم وبعد تقديمه واج الضيافة لنا، واهدائي بعض الهدايا وكانت إحدى الظباء الصغيرة الجميلة التي يحتفظ بعدد منها في خيمته الضخمة، تلك المخلوقات الصغيرة والجميلة والفاتنة، وجلد نعامة جميل ملون بالأبيض والأسود، تحول فجأة لاستجوابي فيما إذا قد حصلت على إذن من الحكومة للقيام برحلتي هذه أم لا، وما إذا كان البدو يحبون رؤية الأجانب في ديرتهم وكان محمد يمثل قبيلته لدى الحكومة العثمانية وعلى صلة وثيقة بقائم مقام معان، وكان هذا الشيخ يتحلى بدبلوماسية راقية ).

gift
صورة الظبي التي أهداها الشيخ محمد بن دحيلان للرّحالة جيرترود بيل 1914م

ونقتبس هنا بعضاً مما جاء في كتاب المؤلف براك داغش ( نسب وتاريخ الحويطات بالجزيرة العربية) فقد جاء فيه  :

( إن الشيخ محمد بن دحيلان أبو تايه هو نظير عوده أبو تايه بالنسبة لرئاسة عشائر الفريجات وما يتبعها من عشائر الحويطات بالأردن، وبالنسبة للشيخ محمد بن دحيلان أبو تايه هو الذي يقوم في مصالح عشائر الحويطات لدى الحكومة التركية وهذا لا ينكره التاريخ ولا الحويطات عامة على أن محمد بن دحيلان أبو تايه هو الشيخ تجاه الحكومة آنذاك، وهو أول رجل من البدو الرّحل عامة يقتني السيارة حيث يوجد حطامها الآن في وادي أبو طريفيات، ويقع هذا الوادي شرقاً من مركز باير والذي يبعد أربعين كيلومتراً. وعند قدوم الأشراف في وقت الثورة الأولى والتي فجرها الحسين بن علي طيب الله ثراه كان من أول مستقبلي الأشراف) .

بن دحيلان يمنع القصف الانجليزي لمعان

و في سرد شهامته و غيرته على أهله ووطنه لا يمكن غض الطرف عن موقف الراحل الصلب في وجه قوات الحلفاء بمنع  خطة الانجليز الرامية لقصف قطاعات الأتراك المتمركزة في مدينة معان بالطائرات حيث كان الأتراك يستخدمون المدنيين كدروع بشرية  و قام بإيقاف هذه العملية و هكذا تركت هذه المدينة الأردنية وأهلها آمنين .

329jpg
الشريف ناصر بن علي يتوسط أبناء العمومة الشيخ محمد بن دحيلان و الفارس عودة أبو تايه أثناء التخطيط لعمليات الثورة في الوجه شمال الحجاز

محبٌّ للعلم و التعليم

ومما روي عن محمد ابن دحيلان أبو تايه ممن عاصروا حقبة من حياته الشيخ علوش داغش أبو تايه وكريم حرب أبو تايه والشيخ ابراهيم الرواد (أول رئيس لبلدية لمعان) والشيخ محمد حسين الشراري والشيخ قاسم محمود كريشان والشيخ ساري محمد أبو تايه ( أنه كان يحبُّ العلم والتعليم مما دفعه إلى تعيين معلم خاص لأنجاله يسير معهم في حلّهم وترحالهم مقابل راتب شهري وقد اقتبس هذه الفكرة من قبل الجيش الأردني آنذاك ) وتم تعميمها فيما بعد على نطاق أوسع. ومن الجدير بالذكر أن إحدى كريمات الشيخ ابن دحيلان «المربية الفاضلة السيدة شاز» كانت من أوئل من حصل على شهادة جامعية من نشميات  الأردن وآخر منصب لها قبل التقاعد كان مديرة كلية المغفور لها الملكة زين الشرف.

1914-r7ala-gertrod-bil
الشيخ الفارس محمد بن دحيلان في خيمته بالطبيق مع احد رجالة عشيرته أثناء لقائه بالرحالة جيرترود بيل – 1914

دوره في المسيرة الوطنية للأردن الحديث

بعد نكوص الحلفاء المنتصرين و نقض عهودهم لجلالة ملك العرب الشريف الحسين بن علي طيب الله ثراه وقادة الثورة و احتلال فرنسا لسوريا، عمّت الفوضى و الإحباط المنطقة، و عليه فقد كان الشيخ محمد بن دحيلان أبو تايه من الزعماء الذين خاطبوا الشريف الحسين بن علي يلتمسون ايفاد أحد انجاله ليقود الحركة الوطنية الأردنية .

14429327_10211150710424013_1804552937_n
صك رسالة الشي محمد بن دحيلان و شيوخ معان للشريف الحسين بن علي للمطالبة بايفاد أحد انجاله ليقود الحركة الوطنية الأردنية 1339 – 1920

و بتاريخ 21 تشرين الثاني 1920 كان سرور الشيخ عظيماً عند استقباله سمو الأمير عبد الله بن الحسين ( جلالة الملك عبد الله الأول بن الحسين فيما بعد ) حال وصوله الى معان موفداً من جلالة والده تلبية لرغبة الأردنيين.

و في هذا السياق فقد أجمع كل من عرف محمد بن دحيلان أبو تايه و عمل معه على أن حسّه الوطني غلب كل شيء في حياته، و قد بادر فور وصول سمو الأمير الى معان بوضع نفسه مادياً و معنوياً تحت تصرف سموه داعماً بذلك بناء الأردن الحديث وعودة الأردن إلى مساره التاريخي الطبيعي بعد انقطاعه عن حركته الحضارية لأربعة قرون من الاحتلال في عصور من الظلام المغلف بتجارة الدين، وفي وقت عصيب متقلب دعم الراحل محمد بن دحيلان تلك الحركة التنظيمية التحريرية و بكل ما يملك من ثروة مادية و تأثير عشائري كبير .

و قد حظي الشيخ محمد بن دحيلان أبو تايه باستقبال جلالة الشريف الحسين بن علي طيب الله ثراه عند قدومه الى العقبة من ميناء جدة في زيارة للأردن بتاريخ 9 كانون الثاني عام 1924 و قد كان في ركب جلالته حتى مدينة معان .

ريف اليتامى 

أحب الصحراء وعشقها وأحب مدينة معان، فبالرغم من داراته المنتشرة في مناطق جنوب الأردن إلا أنه كان يمضي وقتاً أطول في مدينة معان، وإضافة لما كان يرعاه من أيتام وأرامل في البادية فقد خصّص جزءاً من منزله الواسع في معان كمسكن دائم لبعض الأرامل والأيتام وأبناء السبيل المقطوعين ومن عادات الشيخ الشهم محمد ابن دحيلان المستحبة الأخرى رحمه الله أنه كان يقدم كل يوم خميس حاضراً كان أم غائباً ولائم الطعام في ساحة منزله في معان للفقراء والأيتام ولمن انقطعت بهم السبل هناك، وقد سار على نهجه في هذا المجال وأبقى الأمر على ما هو عليه نجله المرحوم ” مضحي ” الذي استقر وتوفي ودفن في مدينة معان.

وقد كان أهل البادية يعتبرون هذا المنزل بيت ضيافة مفتوح لهم باستمرار وفي الواقع ظل كذلك إلى أن جاء فيضان معان المؤلم في أوائل الستينات حيث دمر هذا المنزل كما دمر الكثير من بيوت مدينة معان.

قيل في محمد بن دحيلان

و مما قاله بعض شعراء البادية في وصف الشيخ محمد دحيلان ابو تايه ، نقتطف قصيدة للشاعر السيد عدوان أبو تايه قال فيها  :

يا جاهل التاريخ نعطيك عنوان

نبذ عن اللي ماضيـــات أفعاله

الشيـــخ أخو طرفة[1] ابن دحيلان

ريف الضعافا في سنين المحاله[2]

محــمد اللي كامــل كل الأوزان

يشهد له التاريـــخ في كل حاله

بليهان شيــال المثاقـــل بليهــان[3]

لو زاد وزن الحِمـــل عليه شاله

يا ما تلونه [4]فوق طلقات الإيمـــان

عقيــــد هجنن باتـــلات[5] بحـــاله

يشهد له التاريخ من ماضي الازمان

يـــوم الفعـــايل بالمهند مجـــاله

حــر و عقـــب من مجانيــــه [6]شبعان

بالفـــعل و النومــاس مثله عياله

حــــرار من حـــــرار من قبل الان

عز الضعيف اللي تروت[7] أحواله

و صلاة ربـــــي عد هتــاف الأمزان[8]

و عــــداد ما هلـــّت حقوق خياله

على الشفيـــع الهاشمي نســـل عدنان

شفيع الامــة يوم ســـاعة الهواله

فرسان كرام من نسل فارس

رزق الفارس الشيخ محمد بن دحيلان من الأبناء الذكور ستة وهم سويلم وهو الابن الأكبر ومما جاء عن دوره وفروسيته في عدم الاكتفاء بتحرير وطنه الأردن الذي يعشق بل ساهم في معارك فلسطين (1948) و حسب ما ورد في كتاب تاريخ الأردن في القرن العشرين، ومجلة الأقصى العدد رقم 963 إن سويلم بن دحيلان كان على رأس إحدى فصائل أبناء العشائر (الفصيل من 30 – 50 مناضل) التي شاركت في النضال في حروب عام 1948 في فلسطين وبلغ عدد فرسان العشائر الأردنيين الذين أمكن حصرهم   1200 فارس معظمهم من عشيرتي الحويطات وبني صخر، ومن أبنائه أيضاً سالم، الهزيل ، و ملاّح الذي كان أحد أبطال وشهداء الجيش العربي في معركة القدس الشهيرة عام 1967.

14459707_10211183750209987_1983060368_n
الشهيد البطل ملّاح بن محمد بن دحيلان – أحد أبطال الجيش الأردني في معارك البطولة على بوابات القدس 1967

 وأما مضحي فقد ورد ذكره في سياق البحث أعلاه، أما أصغر أبنائه فهو نايف الذي كان من أوائل ضباط الجيش العربي وقد تلقى تدريبه العسكري في كل من بريطانيا و الباكستان و أمضى معظم خدمته العسكرية في فلسطين، وقد سار جميع أنجاله على دربه فقد كانوا كما تصفهم العشائر الأردنية (طعّامين زاد فكَاكين نشب)

وفاته

توفي محمد بن دحيلان رحمه الله عام 1939 في معان المدينة التي أحبها ودفن في مقبرتها الشرقية.

وقد ذكر الشاعر البدوي بعض هذه صفاته في رثائع بقوله :

محمد أخو طرفة بيِن بذكـــره

لكن ظلام الليــــل يتقى نهـــاره

يشهد له التاريخ في كل حالة

ريف الضعافا لا غليت اسعاره

المصادر والمراجع:

  • أعمدة الحكمة السبعة – توماس إدوارد لورنس .
  • يوميات الجزيرة العربية مغامرة خارجة عن القانون – جيرترود بيل
  • نسب وتاريخ الحويطات بالجزيرة العربية – براك داغش
  • تاريخ الأردن في القرن العشرين- منيب الماضي وسليمان الموسى
  • الحويطات من كبرى قبائل العرب – عدنان عطاري
  • مجلة الأقصى العسكرية العدد 963
  • مذكرات جيرترود بيل – مكتبة جامعة نيوكاسل.
  • الأرشيف العثماني .
  • مجموعة ممن عاصروا حقبة من حياة الشيخ محمد بن دحيلان .
  • ثورة الكرك 1910 “الهيَّة”/ إرث الأردن

معاني مفردات القصيدة

[1]  أخو طرفة هي نخوة محمد بن دحيلان

 [2] المحالة : القحط

[3] بليهان : جمل المحامل

[4] تلونه : تبعه

[5] باتلات : مصممات

[6] من مجانيه : من رافقه

[7] تروت : ضعفت

[8]  هتاف الأمزان : حبات المطر

الفارس الشيخ محمد بن دحيلان أبوتايه

دور النشميات الأردنيات في الثورة

 نشميات الطفيلة

لم تغب شمس النشمية الأردنية عن تاريخ البطولة وكانت دوما المرأة الأردنية ركناً لا هامش في تاريخ التضحيات في سبيل استقلال الأردن وأساساً في التنمية في وقت الرخاء ومنذ القدم  نرى صورتها جنباً الى جنب مع شريكها الأردني كما بعملة الملك الحارث الرابع وزوجته شقيلات.

وفي العصر الحديث ضربت جداتنا أروع صور البطولة في مواجهة أربع مائة عام من الاحتلال التركي والتجهيل والفقر والسرقة تحت ستار الخلافة والتجارة بالدين  وسارت النشميات جنباً الى جنب مع فرسان العشائر الأردنية  حتى تحقق الحلم الأردني بالاستقلال وعودة الأردن الى مساره الطبيعي في  الاسهام والتفاعل الحضاري.

ونحاول في هذا البحث المقتضب سرد المواقف التاريخية البطولية لنشميات الطفيلة في رحلة تحرير الأردن من الاحتلال التركي العثماني:

تعتبر معارك الطفيلة أثناء تحريرها من الاحتلال التركي العثماني وحلفائه الألمان والنمساويين مفصلاً مهما في استقلال الأردن أثناء الثورة العربية الكبرى، وكان دور المرأة الأردنية في معارك الطفيلة التي عرفت بحد الدقيق أسطورياً فلم يكتفين بتقديم العون المعنوي والتعبئة النفسية بل تعدين ذلك الى تقديم كوكبة من الجريحات والشهيدات على درب الاستقلال الأردني من أعتى سنين الظلام والجهل والتهميش في حقبة الاحتلال باسم الدين. فكان طرد قطعان الأتراك والنمساويين والألمان المتحالفين في حينها لن يتم بلا الدماء الطاهرة والزكية التي بذلتها حرائر الطفيلة.

للاطلاع على البحث الكامل لمعارك الطفيلة اضغط هنا 

يقول الضابط صبحي العمري في أوراقه عن المعركة : “ودب الصوت بين أهل البلدة، و ( دب الصوت ) يعني أنهم صرخوا بأعلى أصواتهم يحثون الرجال للذهاب للقتال، ويكرره كل من يسمعه من رجال ونساء، وينتقل من جماعة لأخرى، ويسيرون نحو المكان المقصود جماعة، بل كل واحد ممن يسمع الصوت يتناول سلاحه، و يأخذ أولا شيئا مما تعطيه له أمه أو زوجته من الزاد ويتوجه فورا،  واذا كان المكان غير بعيد فإن النساء يتعقبن الرجال بالماء“.

وتتطرق مذكرات قادة وأبطال معارك الطفيلة لفعل النساء أيضاً في المعركة: “وكنا نشاهد امرأة هنا تعبر الطريق ذاهبة وأخرى قادمة في مهمة، وكل واحدة تشد مدرقتها بحزام، تعين جريحا أو تنقل جثّة قريب لها، إن دور النساء أملته الضرورة والأهمية لوجودهن، فكل رجال البلد في حومة الحدث، وكل من رأيت يشدّ وسطه وصدره بالرصاص”.

قوات الثورة العربية الكبرى على إحدى مرتفعات الطفيلة أثناء عمليات تطهيرها من الاحتلال التركي و تظهر الدخان المتصاعد من البيوت جراء قصف المدفعية الألماني و النمساوي
قوات الثورة العربية الكبرى على إحدى مرتفعات الطفيلة أثناء عمليات تطهيرها من الاحتلال التركي و تظهر الدخان المتصاعد من البيوت جراء قصف المدفعية الألماني و النمساوي

ويشير البطل صبحي العمري لمثل ذلك في أوراقه وهو مع الأمير زيد بن الحسين وجعفر العسكري ومن معهم، وهم يتوجهون للوصول إلى الإقامة في مخيمهم في خربة نوخه  ” وأثناء الطريق مرت بنا امرأة تسوق حمارا يحمل جثتين ملفوفتين بعباءتين، تسوق الحمار وهي تئن بصوت مختنق، ولما سألت النساء الأخريات قلن : – إنهما جثتا زوجها وأخيها قتلتهما قنبلة مدفع تركي “. وإذا استشهد مقاتلون في المعركة أو جرحوا فإن النساء المتواجدات في المعارك قد أصابهن ذلك أيضا كما سننوه له في قوائم الشهداء والجرحى.
وكما فعلت النشميات الكركيات في ثورة الكرك ( الهية ) كانت النشميات الطفيليات أثناء عمليات القتال توجهن الفرسان لميادين الالتحام في حدّ الدقيق ويقدِمن على وضع رماد النار في علائق خيول فرسان الطفيلة بدلاً من مادة الشعير لإشعال صدور الخيول بالحرارة والهيجان.

و يمكن تلخيص دور نشميات الطفيلة في معارك تحرير الطفيلة كما باقي نشميات الثورة بمجموعة هامة من الأدوار الرئيسية في الثورة نذكر منها :

  1. تزويد المقاتلين بالمال و الصيغ و الحلي لشراء السلاح  قبل بدء المعارك التحرير
  2. تزويد المقاتلين بالمؤن  في معارك التحرير.
  3. رفع الروح المعنوية لفرسان الثورة من عشائر الطفيلة و دفعهم للقتال .
  4. المشاركة الفعلية في العمليات العسكرية في ميدان معركة حد الدقيق .
  5. القيام بعمليات الاسعاف و الطبابة للجرحى من المقاتلين.
  6. ارسال الرسائل بين فرسان الثورة و شيوخ عشائر الطفيلة و القيام بعمليات التمويه.
140
قطعان الأسرى الاتراك يقودها ضباط جيش الثورة و فرسان العشائر الأردنية بعد معركة حد الدقيق و تطهير الطفيلة من الاحتلال التركي

ونورد فيما يلي أسماء الجريحات من جداتنا في الطفيلة واللاتي ارتقى منهن شهيدات متأثرات بجراحهن :

أسماء الجريحات ومن ارتقى منهن فيما بعد شهيدات متأثرات بجراحهن في معركة حد الدقيق لاستقلال الأردن
1.     ثريا خميس الدلابيح
2.     حسنة عبدالغني الشباطات
3.     شيخة القليلات الزيدانيين
4.     صبحية الحجاج البحرات
5.     صبحية العمايرة
6.     فاطمة ضيف الله العمايرة
7.     فضية عبدالرحمن الجرابعة

وتزدان ساحة دوار العيص بقرب البوابة الرئيسية لجامعة الطفيلة التقنية بنصب تذكاري نقش عليه اسماء الشهيدات من جداتنا من حرائر الطفيلة اللاتي دفعن مهر حريتنا من دمائهن.

%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%8a%d8%b5-%d9%85%d9%8a%d8%af%d8%a7%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%ab%d9%88%d8%b1%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%83%d8%a8%d8%b1%d9%89-4

%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%8a%d8%b5-%d8%b5%d8%b1%d8%ad-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d9%87%d8%af%d8%a7%d8%a1-3

المراجع :

  1. الثورة العربية الكبرة ( معارك الطفيلة – صور من البطولة ) ، سليمان حمّاد القوابعة ، أزمنة للنشر و التوزيع ، الطبعة الأولى، 2008 .
  2. الثورة العربية الكبرى : الحرب في الأردن 1917-1918 : مذكرات الأمير زيد بن الحسين / سليمان الموسى، دائرة الثقافة والفنون.
  3. المعارك الأولى : الطريق إلى دمشق، صبحي العمري، أوراق الثورة العربية؛ رياض الريس للكتب والنشر، لندن، بريطانيا ؛ ليماسول، قبرص ، 1991، ط. 1.
  4. الثورة العربية الكبرى : الموسوعة التاريخية المصورة ، البحث التاريخي والإشراف الدكتور بكر خازر المجالي ؛ فريق العمل خولة ياسين الزغلوان ، و فريق الفرس الشقراء ، مركز أرض الأردن للدراسات والنشر،2011.
  5. ذكرياتي عن الثورة العربية الكبرى، محمد علي العجلوني، مكتبة الحرية ،عمّان ، 1956 .

نساء الثورة – نشميات الطفيلة

دور النشميات الأردنيات في الثورة

 مشخص وبندر و شفق المجالي

 

14329265_968038110007984_605238304_o

 

لم تغب شمس النشمية الأردنية عن تاريخ البطولة وكانت دوما المرأة الأردنية ركناً لا هامش في تاريخ التضحيات في سبيل استقلال الأردن وأساساً في التنمية في وقت الرخاء ومنذ القدم  نرى صورتها جنباً الى جنب مع شريكها الأردني كما بعملة الملك الحارث الرابع وزوجته شقيلات.

وفي العصر الحديث ضربت جداتنا أروع صور البطولة في مواجهة أربع مائة عام من الاحتلال التركي والتجهيل والفقر والسرقة تحت ستار الخلافة والتجارة بالدين  وسارت النشميات جنباً الى جنب مع فرسان العشائر الأردنية  حتى تحقق الحلم الأردني بالاستقلال وعودة الأردن الى مساره الطبيعي في  الاسهام والتفاعل الحضاري.

ونحاول في هذا البحث المقتضب سرد المواقف التاريخية البطولية لنشميات الكرك في رحلة تحرير الأردن من الاحتلال التركي العثماني:

عندما قاد سامي الفاروقي طوابير عسكره المحتلين إلى الكرك، من أجل إخماد الثورة الوطنية الأردنية ضد الاحتلال التركي العثماني، استخدم كل ما توفر من قمع وقوة السلاح المعززة بالمدافع، ولاحق الرجال والنساء والأطفال، وقد أدرك الدور المؤثر الذي اضطلعت به المرأة الأردنية بتوفير الإسناد والدعم ورفع الروح المعنوية وتقديم الاسناد فمنهن من بعن ذهبهن لتمويل الثورة ضد الاحتلال التركي فكنّ هدفا للمحتل التركي لذا عمل على ملاحقتهن خلال إخماد الثورة فبدأ فرسان الهية إخلاء النساء والأطفال من المدينة والمناطق التي يصل إليها جيش الاحتلال التركي العثماني الذين ارتكبوا فظائع كثيرة سجلها التاريخ الرسمي والذي ورد بتفاصيله في أبحاث ثورة الكرك.

قلعة الكرك إبان انطلاق ثورة الكرك مطلع القرن العشرين
قلعة الكرك إبان انطلاق ثورة الكرك مطلع القرن العشرين

للاطلاع على البحث الخاص بثورة الكرك اضغط هنا 

 خرجت مشخص وبندر المجالي مع بعض النساء هاربات إلى الجنوب بحماية بعض الرجال، من أشهرهم الفارس البطل صخر المجالي الذي استشهد وهو يُشاغل عسكر الاحتلال التركي العثماني حتى ابتعدت النساء عن متناول يد جنود الاحتلال.

النشمية الشيخة بندر بنت فارس باشا المجالي

وقد خلدن نساء الكرك الشهيد صخر في أهازيج الأعراس لفروسيته وتضحيته بغنائهن:

 صخر يا صخر يا كاسر الطوابير.

فيما يقول المؤرخ السوري منير الريس في تأريخه لحادثة استشهاد صخر: ( لقد عادت مخيلتي في تلك الليلة إلى الكرك وظلت في مخيلتي صورة المآتم في الكرك. والنسوة في حلقات مشعثات الشعور، ملطخات الوجوه، مشققات الجيوب، يبكين وينشدن: (صخر! يا صخر ! يا كاسر الطوابير).

قُبض حينها على النشميات بندر ومشخص المجالي في الشوبك التي ثارت مسبقا على الاحتلال التركي وأُرسلن إلى سجن معان سيء الذكر المعروف لدى العثمانيين بكمّ المجازر التي ارتكبوها ضد الأردنيين فيه. وكان الهدف من وراء سجن بندر ومشخص يتلخص بقطع عملية جمع الصيغة من نشميات الكرك واستخدامه في تسليح الثوار الساعين للاستقلال خاصة وأن ثورة 1910 التي بدأت في الكرك قد امتدت من العقبة الى البلقاء وكانت في طريقها لتوحيد باقي الأردنيين لذا فقد أصبح قطع الامداد التمويلي التي أدارته الشيخات مشخص وبندر مسألة وجودية لجيش الاحتلال. أما الهدف الآخر فكان باعتقاد العثمانيين أن سجنهم للنساء سيكسر عزة وكرامة الأردنيين فأتاهم الرد بعد ست سنوات بالثورة العربية الكبرى.

كانت الراحلة النشمية بندر المجالي حاملاً بحابس ابن الشيخ رفيفان المجالي (رئيس هيئة الأركان في الجيش العربي الأردني  وبطل معارك باب الواد واللطرون في القدس وقاد الجيش الأردني فيما بعد في أدق الظروف السياسية التي أحاطت بالأردن) وولدته في السجن وأسمته لهذا السبب حابس كناية عن الولادة بالحبس.

718a6725-338x400
الزعيم البطل ارفيفان المجالي

 

 

14657713_10211330088908363_1777864017_n
الشيخة بندر المجالي و حولها نساء بني عطية و الحويطات أثناء ولادتها للبطل حابس المجالي – صورة للفنانة التشكيلية هند الجرمي

 

 

 

th_787167873_habismajali_jormulti-blogspot-com_-mohammadandirshaidjaraidaalmashagba43_122_30lo
البطل المشير حابش باشا المجالي

لم يسجل التاريخ الرسمي ولم نجد في المرويّات الشعبية للتاريخ شيئاً عن سجن المرأة في ذلك الزمن وأغلب الروايات التي وصلت إلينا تتحدث عن ايداع المرأة المذنبة لدى شيخ الحارة أو المختار أو شيخ القبيلة ولكن المحتل العثماني اعتاد على أدنى درجات الخسة والوضاعة في أسلوب استخدام الرهائن الذي امتهنه لكسر إرادة الأردنيين.

وقد خلدت الأشعار الشعبيّة الأردنية النشميات وجعلت من مشخص المجالي شخصيّة بارزة في الثورة مما جعلها هدفاً للسلطة العثمانية لتقوم بسجنها مع بندر، تنفيذاً لعقوبة على جريمة سياسيّة،  كما أن مشخص أخذت موقفاً من حالة مجتمعها في ذلك الزمن بتحريضها لزوجها الشيخ قدر المجالي على الثورة.

وكان هنالك شقيقة لمشخص ذات دور بطولي لم يأخذ حقه بالتوثيق والتأريخ  وهي شفق المجالي والتي قامت عندما أخذها الأتراك بالتظاهر أمامهم بالجنون وبدأت تقوم بــ نثر التراب على رأسها من أجل أن يطلقوا سراحها وبالفعل قام الأتراك باطلاق سراحها وكانت غاية شفق المجالي أن تقوم بتبليغ فرسان العشائر الأردنية عن موقع مشخص وبندر وفداحة وخسة ما حصل من أسرهما وباقي النساء وذلك من أجل المسارعة في تحريرهم من أيدي الاحتلال العثماني.

وكما أيضاً من بطولات المرأة في ذلك الوقت حيث يقدِمن على وضع رماد النار في علائق خيول الفرسان بدلاً من مادة الشعير لإشعال صدور الخيول بالحرارة والهيجان.

وكما أسلفنا لم تسجل المروّيات الشعبيَة ولا التاريخ المدوّن أية إشارة عن السجينة السياسيّة في منطقة الشرق الأوسط قاطبة حتى عام 1910 (أحداث ثورة الكرك) بذكرها لأولئك الأردنيات الخالدات.

لقد أصبحت بندر ومشخص المجالي رمزاً وطنياً متفرداً، يكشف ما تمتعت به المرأة الأردنية منذ فترة مبكرة من مكانة، مكنتها من إدراك دورها وأداء واجبها بمبادرة فطرية، مستعدة بذلك لتحمل الثمن الباهظ، حتى وإن خسرت زوجها أو شقيقها، أو حتى حياتها، لأن الأوطان لا تبنى ولا تصان إلا ببذل الغالي والنفيس، وحمل الأحرار لأرواحهم على أكفهم إذا ما ادلهمت المخاطر وعصفت الأحداث بالأرض والإنسان، فتحية للأردنيات المنافحات عن الكرامة والمبادئ السامية، والسجل الوطني حافل بالنساء الكثيرات اللواتي قدمن للوطن ما لم يقل عن ما قدمه الرجال في أي مرحلة تاريخية مضت.

وما زال الأردنيون يرددون في أهازيجهم في ذكرى الثورة على  المحتل العثماني وعسكره  في الهية و تقديراً لدور مشخص وبندر والمرأة الأردنية عموما  بقولهم:

يا سامي باشا ما نطيع … ولا نعد ارجالنا

لعيون مشخص والبنات …ذبح العساكر كارنا

ارفيفان معهم باول الخيل القدام…..لعيون مشخص يطرد الترك بشمام

المراجع

  1. د.سعد ابو دية ،ثورة الكرك 1910 “الهية”
  2. نوفان رجا السوارية و محمد سالم الطراونة ، اضاءات جديدة على ثورة الكرك (1328هـ/1910م)، ط1 ،(الأردن، الكرك،دار رند للنشر والتوزيع، 2000) ، ص36-37
  3. الريس،منير ،الكتاب الذهبي للثورات الوطنية في المشرق العربي،ط1 1969،ص32
  4. محمود الزيودي ،كركيات”1″،صحيفة الدستور الأردنية 28 ايار 2009، العدد رقم 17494 السنة 50
  5. مقابلة من قريق ارث الأردن مع عاطف عطوي المجالي ومقابلة مع رايق عياد المجالي في تاريخ 4/6/2016،الكرك-الربة
  6. منتديات أبناء الأردن،محمود سعد عبيدات، تاريخ 2008
  7. هزاع البراري،بندر ومشخص،رائدات العمل النضالي

نساء الثورة – مشخص و بندر المجالي

13717932_924639297681199_1419888429_o
بحث في سيرة الصحفي و الأديب الأردني محمد بطّاح المحيسن 

العظماء لاينال منهم الموت انما يخفي أجسادهم الفانية أما أرواحهم الطاهرة فتبقى خالدة نابضة بحبّ أرض الوطن والانسان – ومحمد بطّاح المحيسن واحد من هؤلاء الرواد الأوائل في العطاء والتضحية قضى حياته تشرداً وسجناً ونفياً وسفراً خارج الأوطان لم يهادن أو يساوم ولم يتنازل عن حق من حقوق شعبه في الحرية والاستقلال والعدالة الاجتماعية،  محمد بطّاح بقي اسمه خالدا و تتداول سيرته العطرة جيلاً بعد جيلْ مفاخر عز وكبرياء .

ولادته ونشأته :

13815211_1713093458942590_1450642040_n (1)
الأديب الأردني محمد بطّاح المحيسن

ولد الكاتب محمد بطّاح المحيسن في محافظة الطفيلة جنوب الأردن عام 1880م.وبدأ الدراسة في المدرسة الرشدية حيث ظهرت عليه معالم الذكاء فكان تلميذا بارزا بين طلابها، ثم أُوفد محمد المحيسن الى دمشق للالتحاق بمدرسة عنبر بسبب تفوقه وكانت المدرسة الوحيدة التي تقوم بتدريس الثانوية توجد في دمشق بينما غابت المدارس الثانوية عن اهتمام السلطات العثمانية في الأردن تماما كما غاب الاهتمام عن القطاعات التنموية الأخرى، وعندما انتهى من الصف الحادي عشر انتقل سراً الى بيروت وكان السبب في ذلك أنه قام باعتصام طلابي كبير وقاد حركة احتجاجية مع زملائه بالمدرسة، كان هذا الحادث بداية مصادمة مع السلطات التركية الحاكمة و أجبرته على التخفي و الهجرة.

7.indd
صورة لمدينة الطفيلة في الفترة إبان نشأة محمد بطاح المحيسن و ترعرعه فيها

وهنا يحق لنا أن نفخر بخريجي مدرسة عنبر من الأردنيين الذين رغم العوز و الحاجة و الظروف الصعبة التي فرضها العثمانيون على المنطقة إلا أنهم قطعوا المسافات للوصول اليها و التفوق فيها، إذ خرّجت مجموعة من صفوة الرجال المتعلّمين في الأردن و منهم مصطفى وهبي التل و سعيد المفتي و عبد الله كليب الشريدة و غيرهم كثيرون من أبناء العشائر الأردنية. و يكاد يكون محمد بطّاح المحيسن أوّل طفيلي يتخرج من جامعة عنبر إذ كان ذلك في عام 1908.

انتقل الكاتب محمد المحيسن الى فرنسا ومن ثم الى امريكا الشمالية التي كانت تستقطب العرب من كل مكان و تحديدا أولئك الهاربين من البطش التركي آنذاك وإدارته القاسية الموغلة بالظلم، حيث استقر في مدينة ديترويت ولاية ميتشغان، وأكمل تعليمه الجامعي هناك وكان أول أردني يتخرج من جامعة أمريكية .

أعماله :

وصل محمد الى الولايات المتحدة الامريكية وقرر أن يصنع خطا صحفيا يؤسس لفكر صحفي تحرّري، اذ قام بتأسيس صحيفة ورقية سمّاها جريدة (الدّبور)، وبعد ذلك اشترى مطبعة وقام بتأسيس جريدة (الصّراط) و الصادرة باللغة العربية في أمريكا ، ولكن الصحيفة لم تستمر لفترة طويلة اذ توقفت عن الصدور بعد سنة واحدة من تأسيسها.

m.battah

ولم يكتفِ كاتبنا الأردني الكبير بذلك ولم يتوقف نضاله الصحفي هنا، حيث قام في عام 1921 بتأسيس صحيفة الدفاع العربي  في ولاية ديترويت وكان معه صديقه محمد حسن خروب.

mohammad battah

و التزم في كل صحفه التي أسسها بالفكر التحرري الداعي للتخلص من أشكال الهيمنة و الاحتلال و الاستعمار لوطنه .

و كان من المعروف أن من يذهب للولايات المتحدة في ذلك الوقت لا يعود و لكن محمد المحيسن أصرّ على كسر القاعدة حيث عاد الى أرض الوطن بعد عامين من تأسيس إمارة شرق الاردن في عام 1923 بعد غياب 15 سنة وفرار من السلطات العثمانية التي لاحقت المتنورين الأردنيين و المثقفين و الثوّار و الأحرار حتى نفسها الأخير، ولم يلبث  الى أن التقى من جديد برفاقه القدماء في “مكتب عنبر” مصطفى وهبي التل “عرار” والدكتور محمد صبحي أبوغنيمة والضابطين جلال القطب وأحمد التل”أبوصعب”.

 

سيرته العملية و انجازاته في الأردن :

عمل مفتشا للمعارف – وزارة التربية و التعليم حاليا –  فحرص على إنشاء عدد من المدارس في القرى الاردنية كما عمل مديرا لمدرسة إربد، ثم نـُـقل حاكما إداريا في وزارة الداخلية و حاكما إداريا في مدن عجلون و مادبا و العقبة، ثم متصرفا في لواء معان.

ajlun 1920
صور لأماكن خدمة محمد بطاح المحيسن- مدينة عجلون في فترة عمله فيها
irbed 1930
صور لأماكن خدمة محمد بطاح المحيسن- مدينة اربد في فترة عمله فيها
madaba 2
صور لأماكن خدمة محمد بطاح المحيسن- مدينة مادبا في فترة عمله فيها

 ثمَّ اختاره الأمير المؤسِّـس عبد الله الأول بن الحسين رئيسا للديوان الأميري وكان يتقن اللغات الانجليزية والتركية والفرنسية، ويُسجَّـل للمحيسن أن إنشغاله بالعمل الرسمي – الذي كان يخضع للانتداب البريطاني – وأدائه له على أكمل وجه لم يغيِّـر من قناعاته الوطنية فبقي يطالب بالغاء المعاهدة البريطانية وطرد الأجانب من الوظائف الحساسة وإجراء انتخابات تشريعية، وكان طبيعيا أن تـُغضب مواقفه الوطنية السلطات الإنجليزية فلما قرَّر مع عدد من رجالات الحركة الوطنية خوض انتخابات المجلس التشريعي الثالث التي أجرتها حكومة إبراهيم هاشم في 16/ 10/ 1934 م، مارس الإنجليز ضغوطهم المختلفة لإفشال المحيسن ورفاقه، وكانت المفارقة أن عدد الأصوات التي حصل عليها المحيسن في مسقط رأسه الطفيلة 45 صوتا فقط ما أدى إلى توتر شديد، حيث قام أكثر من 300 ناخب بالتوجه إلى مقر الحاكم الإداري وأقسموا بصوت واحد أنهم إنتخبوا محمد بطـَّاح المحيسن، وسألوا الحاكم الإداري أين ذهبت أصواتهم اذن؟، وثبت لديهم أن الإنجليز كانوا وراء تزوير انتخابات المجلس التشريعي الثالث لضمان إبعاد مناوئي الحكومة البريطانية من الوصول إليه، ولم تتوقف مضايقات الإنجليز للمحيسن حتى هذا الحد فصدر الأمر بفصله من عمله ونـُفي إلى مسقط رأسه الطفيلة.

 

كاتب مسرحيٌّ قدير :

ومن الصفحات المطوية في سيرة الأديب و الصحفي محمد بطـَّاح المحيسن ريادته في كتابة الرواية المسرحية، حيث يذكر الأستاذ الشاعر حيدر محمود وزير الثقافة الأسبق في مقالة نشرتها صحيفة “الدستور” في 27- 2ـ 1983 أن الأستاذ المحيسن بعد عودته من مهجره القسري إلى أمريكا “1908 ـ 1923″م وعمله في دائرة المعارف مفتشا عاما كان يشجع الطلاب على تمثيل رواية مسرحية وطنية كان قد كتبها أثناء وجوده في مهجره القسري في أمريكا وقدمت على مسارح عدة في مدن أمريكية أطلق عليها إسم(الأسير) ، وكان الأستاذ محمد بطـَّـاح المحيسن قد كتب في أواخر سنين هجرته القسرية إلى أمريكا”1908 ـ 1923 م”رواية مسرحية أخرى بعنوان(الذئب الأغبر) ، وللأستاذ محمد بطـَّـاح المحيسن رواية مسرحية أخرى بعنوان(الفريسة)

عن ماذا كانت تتحدث هذه الروايات؟؟

رواية الأسير كانت تروي ملحمة جهاد الثوار المغاربة بقيادة الأمير عبد الكريم الخطابي ضد الإحتلال الفرنسي، وكان المحيسن يُشجع طلاب المدارس في شرقي الأردن على تمثيلها لغرس الروح الوطنية التحررية فيهم، ويذكر الأستاذ الشاعر حيدر محمود وزير الثقافة الأسبق في مقالة نشرتها صحيفة “الدستور”في 27 ـ 2 ـ 1983 أن الأستاذ المحيسن بعد عودته من مهجره القسري في أمريكا “1908 ـ 1923م” وعمله في دائرة المعارف مفتشاً عاما كان يشجع الطلاب على تمثيل رواية مسرحية وطنية كان قد كتبها أثناء وجوده في مهجره في أمريكا وقدمت على مسارح عدة في مدن أمريكية، ووصف الأديب حيدر محمود المسرحية بأنها كانت عملا ً فنيا ً من طراز رفيع وتنمُّ عن تمكـُّن كاتبها من معرفة لغة المسرح وتقنيته حتى في أدق التفاصيل.

ومن أعماله الروائية والمسرحية الأخرى:

  1. رواية الكلاب السود يتحدث فيها عن النضال العربي ضد التتريك
  2. رواية الذئب الأغبر تحدَّث فيها عن حركة مصطفى كمال أتاتورك
  3. رواية الفريسة و تحدّث فيها عن المجتمع العربي في أواخر فترة الاحتلال العثماني وعن نشاطات بعض رجالات الحركة الوطنية التي كانت تتصدى لمحاولات الاحتلال العثماني لطمس الهوية الوطنية قسرا.

ومن الكتب التي ألفت عنه و تؤرخ لسيرته؛ كتاب  محمد بطاح محيسن: حياته، وآثاره، من تأليف الكاتب فوزي الخطبا و نُشر في عمان عام 1989.

وفاته:

يقول الأديب و الصحفي هزاع البراري : توفي المحيسن وهو في ذروة عطائه فلم تمهله الحياة كثيراً فقد اشتد عليه المرض ووهن جسده حتى فارق الحياة في الخامس عشر من شهر آذار سنة 1942 وكانت لحظة وداعه إلى مثواه الاخير مهيبة ومؤلمة، فلقد رحل بصمت عميق كما عاش دائما بعمق وعمل دائم لكن الذاكرة الوطنية الحية ستبقى تذكره كأحد رجالات الوطن الرواد الأفذاذ، فالأمم تحيا ليس بحاضرها فقط بل بهذا الإرث الكبير والباقي الى الأبد، و لقد عاش محمد بطاح المحيسن مكافحا عن مبادىء الحرية والاستقلال ومات وهو يردد (أن من يستورد المرتزقة لبناء مستوطنة لايخرج إلا بالدم)، دافع المحيسن عن وطنه بالكلمة الجريئة وآمن بضرورة استقلاله – صحيح انه ورفاقه بنوا أحلاما ولم يحققوا ما كانوا يصبون إليه ولكن من المؤكد أنهم لم يلقوا السلاح والكلمة حتى وافاهم الأجل فأصبحت أرواحهم من بعدهم قناديل هدى ومنارات عز تشع بالخير والبشرى لوطن ينعم أهله بالأمن والسلام و يدافعون للحظة الأخيرة عن هويتهم الوطنية .

المصادر:

  1. تاريخ الصحافة العربية :نشأتها،وتطورها، وكيف تصبح صحفياً، محمد صالحة، دار الكاتب العربي،2006
  2. الدكتور سعد ابو دية، ورقة بحثية منشورة على موقع academia.edu
  3. موقع صحفي ، أسماء في الذاكرة : محمد بطـَّاح المحيسن أول أردني تخرَّج من جامعة أمريكية،تاريخ النشر 22-10-2011
  4. الموسوعة الحرة ويكبيديا، محمد بطاح المحيسن .
  5. سبعون عاما على وفاة السياسي المناضل محمد بطاح المحيسن 1888 – 1942 ، د. زيد احمد المحيسن، صحيفةالدستور، 20 آذار 2012.
  6. تاريخ الصحافة العربية، طرازي، المطبعة الاردنية، 1913 .
  7. تاريخ الصحافة اللبنانية، يوسف أسعد داغر، 1978 .

أديب الاستقلال محمد بطّاح المحيسن

الشيخ سعيد فرحان ابو جابر

saeedabujaber

مقدمة

عندما يذكر التاريخ الأردني الرعيل الأول الذي شارك في نهضة الوعي الوطني ، يكون الشيخ سعيد باشا أبو جابر من الأسماء المتصدرة في الصفحة الأولى من هذا التاريخ ، بخاصة في مجال نهضة الوعي بالاقتصاد الوطني، وإصلاح الأراضي، وتنشيط المسألة الزراعية، منذ كان صبياً يعمل في معية والده الشيخ فرحان أبوجابر.

كان سعيد باشا من الرعيل الأردني الأول الذي له الفضل في صيانة مجموعة القيم الأردنية كرماً ومشورة، وحكمة، ورجاحة في العقل ورياحة الضمير، والصدق في المواقف، والتوازن بين الشخصية والرجولة، فالتاريخ يصنعه الرجال، ممن كانوا سلفا صالحا، كرماء بأرواحهم من أجل الأمة والوطن، وعظماء بمستويات نكران الذات والأنانية.

وأعظم ما يميزهم أنهم أهل ذمة، وشرف وكبرياء، ولم تكن مفردات الفساد والإفساد والرشوة في قاموسهم السياسي والاجتماعي والعشائري والخلقي، لأنهم ورثوا عن آبائهم وأجدادهم شرف الانتماء للأرض، وضمائرهم غير قابلة للبيع وللشراء.

ومن وحي هذه السلوكيات كان الوجيه الوطني سعيد باشا أبو جابر، شريفاً نزيهاً، يعطي ولا يأخذ، وتشهد على ذلك حواري السلط و قرى البلقاء، ووثائق الثورة الحورانية  الأردنية والجولانية السورية، وجبل العرب، ورسائل قادة الثورة السورية من أمثال : سلطان باشا الأطرش، والأمير عادل أرسلان، والأمير شكيب أرسلان، والمجاهد عقلة القطامي.

كان صوته يمثل صرخة في وجه الاحتلال و الظلم والقهر وغضب الذاكرة، وكانت معاناته لإنهاء معاناة المنكل بهم من العثمانيين وكل الجائعين والمحرومين والفقراء، وكانت سعادته في رؤية الابتسامة في وجوه الاطفال، ولم ينسى أبداً أنه الابن البكر لصاحب الكف العرقان ” الشيخ فرحان أبو جابر “، لذلك كان مثل أبيه السيف القاطع للبؤس، وماسح دموع الأرامل.

نشأته وشبابه

ولد الشيخ سعيد بن فرحان بن صالح أبو جابر عام 1885 في مدينة السلط، وعلى الرغم من نكبة السلط وأهاليها جراء تدميرها من قبل المدافع التركية لإجهاض ثورة البلقاء بقيادة الشيخ قبلان العدوان سنة 1882، إلا أن ولادة سعيد كانت البلسم الشافي للأسرة بشكل عام والجدّ صالح بشكل خاص، كون الوليد الجديد هو أول حفدته من الذكور، وتعبيراً عن هذا الفرح أقدم الشيخ صالح على منح أحد رجاله الذي نقل إليه خبر مقدِم سعيد للحياة البارودة التي كان يحملها وليرة من الذهب ” حلوان البشارة على عادة أهل ذلك الزمان، إذ كان التقليد أن تقدم هدية محرزة لمن يجلب أخبارًا سارة “.

عاش سعيد طفولة مدللة من قبل الجد والوالدين، حيث كانت الأسرة كما ذكرنا ميسورة الحال، اقتصادياً ومالياً، وجاهاً اجتماعياً، وعند بلوغه سن الطفولة المؤهلة للدراسة، درس في مدارس السلط الأهلية العائدة للطوائف المسيحية، نظرًا للإفتقار إلى المدارس الحكومية آنذاك في ظل عدم اهتمام الاحتلال العثماني بشؤون التعليم و الصحة لإنشغاله بالجباية و التجنيد الاجباري.

4.indd
صورة لمدينة السلط و بقايا قلعتها في الفترة التي ولد فيها سعيد باشا أو جابر

 

صفاته

تحمل الطفل سعيد مسؤولية العمل الزراعي في سن مبكرة من عمره، حيث لم يتجاوز العاشرة من عمره، عندما بدأ العمل بمساعدة والده وعمه في إدارة الأعمال الزراعية في مزارع اليادودة، والذي ساعده على تحمل هذه الصعاب جسمه القوي، وبنيته الجسمية التي لم تدل على عمره، وقيل : كان وسيماً طويل القامة، عريض المنكبين، ويوحي منظره بسن أكبر من عمره الحقيقي .

بعض العوامل التي أثرت على بناء شخصيته
كثيرة هي الأحداث التي صقلت شخصية الفتى سعيد، ونمت رجولته قبل أوانها، وشاهد بأم عينيه القتل والاقتتال وهو في العاشرة من عمره، وتعرض لمحاولة القتل من قبل مجموعة من البدو وهو في هذا العمر المبكر، والحكاية كما يرويها الدكتور رؤوف أبو جابر تعود بجذورها إلى سنة 1880، عندما أقدم عمه سليم على قتل أحد الأشقياء من البدو، وظّل سليم منذ ذلك التاريخ مطلوباً للثأر من قبل عشيرة القتيل، وظلت الطلابة قائمة حتى سنة 1895 عندما تصدى أفراد هذه القبيلة لقافلة من قوافل صالح أبو جابر الذاهبة إلى الكرك، وكان مع رجال القافلة الطفل سعيد بن فرحان أبو جابر الذي كان يبلغ العاشرة من العمر، وهدد المسلحون بقتله على سبيل الثأر من مقتل ابن القبيلة “.

زواجه

في عام 1908 أصبح سعيد في الثالثة والعشرين من عمره، وهذا السن يؤهله للزواج، وقد عرض عليه الزواج قبل ذلك إلا أنه رفض بسبب انشغاله بالزراعة وبإصلاح الأراضي البور حيث كان والده قد عينه في الإشراف على الأعمال الزراعية كافة، ولكن الأسرة و بخاصة جدته لأبيه كانت مستعجلة على زواجه، فالفرحة بالحفيد لا تقل سعادة عن الفرحة بالولد، بخاصة أن سعيد الحفيد الأول الذي ستفرح به الأسرة.

أصرت السيدة الفاضلة على زواجه، وأقنعت الوالد والوالدة بذلك فرحلت إلى الناصرة وطبريا لزيارة أقاربها، وكان الهدف اختيار عروس للشاب سعيد، ولما كانت السيدة صاحبة قرار ومشورة في الأسرة، وتملك قدرة على تحكيم العقل بعيدا عن العاطفة، بالإضافة إلى تجربتها ومعايشتها للأسر الكركية، قالت كلمتها المشهورة ” ما زولها قعوار بقعوار لا بد قعوار السلط أحسن إلنا “.

ورجعت إلى السلط، ولم تخطب الفتاة التي رشحت لها ولكن يبدو أن نيتها كانت ضمن فتيات آل قعوار، حيث الأسرة الكريمة المشهورة بين الناصرة والسلط بالسمعة الطيبة والنسب المحترم، فوقع اختيارها على الآنسة مريم بنت حنا قعوار من السلط، فتم الزواج في عام 1908 نفسه، وتم الزواج بمشاركة أهل السلط والأسرة والأسر الأخرى المقيمة في الناصرة و طبريا، ويشهد أهل السلط أن عرس سعيد كان مميزاً حيث تجلى كرم الجوابرة، واستمرت الأفراح عشرة أيام.

وقبل أن يكمل سعيد سن الثلاثين أصبح رب أسرة مؤلفة من : وداد التي ولدت عام 1910، ولولو التي ولدت عام 1912 وفهد الذي ولد عام 1914 ونازلي التي ولدت عام 1916، استمرت حياة الشاب سعيد بين الإقامة في السلط ” حيث كان من وجهائها المعروفين وصاحب المضافة المفتوحة ” وبين مزارع اليادودة حيث أقام والده وعمه حتى وفاتهما سنة 1917.

بعد وفاة والده أصبح سعيد شيخ عشيرة الجوابرة، حيث بدأت المهمات الصعبة والتصدي لعسكر جيش الاحتلال التركي الذين استغلوا دخول تركيا في أتون الحرب العالمية الأولى 1914 إلى جانب ألمانيا ضد الحلفاء، فأخذوا يفرضون المشاركة بالمجهود الحربي بإفراغ مخازن الحبوب من مستودعاتها.

في مجلس قضاء السلط

شغل سعيد أبو جابر مدة عشر سنوات عضواً في مجلس قضاء السلط، وهذه السنوات العشر من تاريخ الأردن تعتبر بحكم الزمن من التاريخ العثماني، ولكنها من حيث التاريخ والواقع هي السنوات العشر الأخيرة من الحكم العثماني الذي دام أربعمئة سنة، وهي بدقة أكثر تاريخ العشر السنوات الأخيرة، لاحتلال تركي قومي للأردن والبلاد العربية.

ويعد سعيد أصغر أعضاء مجلس قضاء السلط، وربما أصغر عضو في مجالس الأردن، حيث كان عمره لا يتجاوز 25 عاماً، ولكن – كما ذكرنا – لياقته البدنية كانت تعطيه عمراً أكثر من عمره الحقيقي، وقد لاقى دعماً من والده الذي عزز شخصيته ومكانته حتى أصبح وجيها وزعيما وطنيا، وصاحب مشورة في البلقاء وعاصمتها السلط.

ففي عام 1908 مثل أهالي السلط في انتخابات ممثلي الكرك والأردن لمجلس النواب العثماني، والذي يعرف بـ مجلس المبعوثان، وتجدد انتخابه عام 1912 ايضاً، هو و النائب توفيق المجالي، كما عين سعد عضوا في انتخاب أعضاء المجلس العمومي لولاية دمشق، ولفترتين متاليتين وكان سعيد خلال تلك الفترات 1908 – 1912 عضوا في مجلس قضاء السلط، وهذا المنصب يقربه من الحاكم الإداري، والقاضي الشرعي، ومدير التحريرات ومن كافة الشخصيات الإدارية والعسكرية في سراي السلط، وكان دائماً من الشخصيات المدعوة لحضور المناسبات الرسمية وكان يستغل بناء العلاقات الجيدة مع الجهات الرسمية، من أجل حل القضايا لأهالي منطقته، وبخاصة أن الشخصيات التي ذكرناها هي ممثلة أيضاً في مجلس القضاء، وهذا الموقع – شبه الرسمي – له أهمية كبيرة لجلب المنافع ودرء المفاسد عن الناس، وذلك ببنائه علاقات جيدة من الصداقة والمعرفة مع المسؤولين والمتصرفين، وبالتالى تجنب أذاهم وظلمهم ما أمكن.

وكان جميع الحكام، ورؤساء الدوائر الرسمية، يعرفون حق المعرفة أن زعامة الجوابرة في المنطقة قوية ولها تاريخ في كثير من المناصب للدولة العثمانية، فقد كان صالح الناصر أبو جابر عضواً في مجلس الدعاوي عام 1868 وكان ابراهيم الناصر عضواً في محكمة بداية السلط عام 1881، لذلك نرى أن هؤلاء الحكام كانوا يحاولون أن يسترضوا زعامة الجوابرة ما أمكن ويصعب تجاوز زعماء هذه العائلة من حقهم في تمثيل البلقاء بعامة.

الحرب العالمية الأولى وتأثيراتها في السلط والجوابرة :

عاشت البلاد حالة شبيهة بحالة الحرب قبل أن تدخل الدولة العثمانية هذه الحرب في 5 تشرين الثاني 1914، وغدت مسرحا للتحركات العسكرية القادمة من تركيا والقادمة من شمال العراق وأخذت تظهر بينها وبين القوات والمعدات الألمانية، وكانت الغاية من تجميع هذه الاعداد الكبيرة من الجيش، مهاجمة قناة السويس، واحتلال مصر وتخليصها من القوات الإنجليزية، وكان الحلفاء على علم بتلك الغاية، فأرسل من السفير البريطانى من استانبول إلى الصدر الأعظم مذكرة يحذره فيها من الخطر الذي تقوم به تركيا باستعدادها لشن حملة على قناة السويس، ويؤكد له أن وضع مصر سيبقى كما هو إذا بقيت الدولة العثمانية على الحياد.

9.indd
اليادودة 1914

تجّار الدين

ورافق وصول هذه القوات حملات دعائية متواصلة وقوية لصالح الألمان بين السكان، تقوم على أساس ثناء الإمبراطور الألماني على الدين الإسلامي، وأن الألمان يحاربون من أجل الإسلام ضد روسيا والحلفاء، وانتشرت هذه الدعاية بين المسلمين حتى أن الإنجليز والفرنسيين أخذوا يفتشون عن دفاترهم القديمة، وأصدقائهم التاريخيين أو التقليديين في المنطقة كي لا يقعوا فريسة للدعاية الألمانية، واستطاعت الدعاية الألمانية أن تستقطب حولها مجموعات كبيرة من الناس لأن هذه الدعاية كانت مرافقة للنشاط الكبير لشخصيات من أنصار الحكومة العثمانية، كعبد الرحمن اليوسف وشكيب أرسلان وأسعد الشقيري في سوريا و لبنان.

4.indd
جيش الاحتلال التركي و كبار الضباط الألمان وسط بساتين السلط 1914، و قد نكّل الألمان تحديدا بأهالي مدينة السلط فأعدموا و نهبوا و عذبوا أبناء المدينة أثناء خضوعها للحكم العثماني المحتل

الاحتلال العثماني يفرض ضريبة الحرب و يفشي التقسيم الديني

 وقد أصدرت الدولة العثمانية بعد النفير العام للحرب قراراً في 14 آب 1914، بفرض ضريبة الحرب وقدرها 3٪ على موظفي الدولة، كما أصدرت قراراً ينص على وجوب ذكر دين الشخص في هويته، وبدأت المراقبة على الرسائل، وأخذ رجال المخابرات والتحري يقومون بدور واسع، حتى قضى ذلك على الثقة بين الناس، وبين الأهل والأصدقاء.

جمع زكي باشا قائد الجيش الرابع في سورية، ولاة سورية وبيروت وحلب ومتصرفي القدس والكرك، وأعلمهم بالموقف ووجوب اتخاذ الإجراءات لحفظ الأمن، وكان هذا القائد يساوره الشك والقلق، من أن المسيحيين قد يقومون بثورة ضد الدولة، تنفيذاً لرغبة الحلفاء، ولهذا كان يرى أن يجمع السلاح منهم، وكلم بذلك شكيب أرسلان بعد وصوله من استانبول ولكن الأمير شكيب أقنعه بعدم لزوم ذلك، لما يثيره من قلق واضطراب، حيث يتيقن المسيحيون من أن سحب سلاحهم يعني فقط محاولة قتلهم من دون أن يتمكنوا من الدفاع عن أنفسهم.

في 5 كانون الأول 1914، وصل جمال باشا مدينة دمشق حيث عين حاكماً للمنطقة، بالإضافة إلى منصبه الوزاري كوزير للبحرية، وقد حكم البلاد حكماً مطلقاً لمدة ثلاث سنوات، ومع بداية حكمه بدأ الإرهاب وبدأت المصادرات، ومن أساليبه الشديدة التي اتبعها لإرهاب الناس، هو طلبه من البطريرك إلياس الحويك ليأتي ويزوره في دمشق، وكانت غايته إذلال أكبر رجل دين مسيحيي في سورية، كي يدرك الآخرون حقيقة ما يريد جمال باشا.

وفي هذا المجال وضع جمال باشا يده على المدارس والمستشفيات الأجنبية، وحولها إلى معاهد تركية، كما حوّل بعض الأديرة إلى ثكنات عسكرية، وفي سنة 1917، أغلقت بعض الكنائس عن الصلاة، وفتحت للعسكر، وصار المسيحيون يقيمون شعائرهم الدينية في البيوت، وأخذ جمال ينقل الرهبان من أديرتهم المطلة على البحر إلى الداخل، حتى لا يتصلوا بالسفن الفرنسية والزوارق التي كانت تقترب من الساحل ليلاً، وكل هذه الإجراءات ضد الطوائف العربية المسيحية، لأنهم كانوا طليعة الوعي بالقضايا القومية.

حكومة النهب و الجباية

أخذت الحكومة تصادر المواد على إختلاف أنواعها، ففرضت عند إعلان الحرب على التجار باسم التكاليف الحربية، أن يقدموا ما عندهم من بضاعة إلى الحكومة عن طريق لجنة المبايعة، وكانت هذه اللجنة تقدر ثمن البضاعة وتعطي صاحبها وصلاً بالقيمة لوقت غير معلوم وصدر أمر بعدم بيع التجار – بخاصة تجار الحبوب – بضائعهم إلا بعد حصولهم على إذن خاص من الحكومة.

وصادرت الدولة كل المواد الغذائية باسم إعانة الجيش، كما فرضت التكاليف الحربية وجبت الضرائب بالقوة والإهانة وسمتها الدعم الحربي، حيث زادت نسبتها ٥٪ على الأملاك و ٢٥٪ على الأراضي، وفرضت على كل شخص إعطاء ربع ما عنده من غنم وحبوب وبقر وجمال وجبن وسمنة من الأهلين، أمام هذه الإجراءات كيف يمكن أن تكون حالة الجوابرة، وكانت عائلة سعيد أبو جابر وأخوه، وكل أفراد أسرته من أكثر الناس تضرراً من إجراءات الحكومة ، يقول الدكتور رؤوف أبو جابر، فقال : ” الحرب العظمى الأولى، التي كانت تعرف بالسفربرلك، كانت بالنسبة إلى أسرة الجوابرة فترة صعوبات لا تنتهي، فعلاوة على كون اليادودة المزرعة الأولى في الأردن لإنتاج الحبوب، كانت هناك الحاجة الماسة من قبل السلطات العسكرية بقيادة قائد الجيش الرابع، إلى الحبوب للتموين، فأصبح ذلك يتم عن طريق المصادرة أو الاستلام القسري مقابل إيصالات ورقية لا تنفع أحداً، كما كان هناك سبب آخر للنزاع ألا وهو علاقات الجوابرة في أثناء الحرب بالإنجليز الذين كانوا في السلط لخدمة المدرسة والمستشفى، خاصة أن عددا كبيراً منهم درس في المدرسة البروتستنتية، ثم أكمل بعضهم مثل سعد وصالح وإبراهيم وحنا وخليل وفهد دراساتهم في مدرسة الـ سان جورج المطران بالقدس، ولذلك كان يقع على عاتق سعيد عبء ثقيل جداً، هدفه المحافظة على جزء من الغلة في اليادودة ولو عن طريق إخفائه وخزنه في آبار عميقة، ثم تغطية فوهتها بالتبن والتراب، وربط الدواب فوقها لإضاعة معالمها وحمايتها من سرقة العثمانيين و نهبهم غير المشروع، وفي الوقت نفسه المحافظة على سمعة الأسرة على أنها مثال الكرم والطيب، وإبقاء المضافة مفتوحة للضيوف في سنين ارتفعت فيها الأسعار وعزّ فيها توفر الطعام.

العمل بالسخرى

وبإسم التكاليف الحربية كانت الدولة تسخر نساء القرى حتى يقمن بتصويل و تنظيف الحبوب، وكانت تسخر ما بقي من الرجال بين الأعمال الأخرى، كقطع الأشجار، وكانت الحكومة تصادر المركبات والعجلات وبقر الزرع والبغال والجمال لجر المدافع، حتى إن المصادرات شملت مواد لا يستعملها الجيش أو لا يحتاج إليها، ودخلت المصادرات إلى البيوت لتأخذ من كل بيت ما يمكن أن يستفيد منه الجيش، مثل الصفائح الفارغة، لوزن السمن الذي سيرسل إلى الجيش كما تحول قسم كبير من المساجد والكنائس إلى ثكنات للجيش.

وكان الشيخ سعيد أبو جابر يقبل أشكال التنازلات المادية المختلفة لكنها كان يقاوم بشدة أي أفعال تنم عن الاساءة لكرامة أهلي مدينته و قريته أو اكراههم و إجبارهم على قبول أشكالا الإجبار و القسر و الإهانة و يدفع الأموال مقابل اخلاء سبيل أبناء المدينة ممن يقاومون و يرفضون أوامر الحاكم العثماني .

المجاعة والوباء والقحط

من مصائب هذه الحرب المجنونة انتشار وباء التيفوس والكوليرا في مختلف أقطار المنطقة، والأردن منها بخاصة مدينة السلط واليادودة أيضا، وقد قال أحد الضباط الألمان أن الكوليرا تقاتل ثلاث جيوش، بسبب انتشارها الواسع، ولقد استحضر الألمان ثلاثمئة ألف إبره وأجري اختبارها في المخابر الجرثومية وأخذ الألمان يغلون الماء أما الأتراك فلم ينشروا الوعي و التحذير للسكان بضرورة ذلك لأن المبالاة كانت ديدنهم، فلم يغل السكان الماء و ازداد الوباء سوءا.

وفي هذا الجو البائس، أخذت جموع المهاجرين الأرمن من الأناضول تصل إلى المنطقة، إثر المجازر الدامية التي جرت بهم من الأتراك، وقد وصلوا بحالة بائسة إلى حلب ودير الزور وبيروت وبعض المدن الفلسطينية والقليل إلى الأردن، وقد انتشر بينهم مرض التيفوس، ويبدو أنه عن طريقهم وعن طريق الذين جاؤوا من القدس انتشر هذا المرض في اليادودة في ربيع سنة 1917 وأواسطها، الذي أدى إلى وفاة الكثيرين، وكان من بينهم فريح أبو جابر ثم بعده بأربعة اشهر توفي الشيخ فرحان بهذا المرض.

7.indd
قرية اليادودة و تظهر في أعلى التلة مضافة الجوابرة و منزل الشيخ سعيد أبو جابر

أما الكارثة الأخرى التي تحملها سعيد وأسرته، فهي أن الحكومة أخذت أبناء العشائر و شبابها للسفربرلك بالإجبار و الإكراه و الأسر و صادرت معظم الحيوانات و البذار منذ بدء الحرب، فقلت اليد العاملة ونقصت مساحة الأرض المزروعة، وبذلك كان النقص في الإنتاج الزراعي قد تجاوز أكثر من 25٪، وتطغى على كل المصائب التى ذكرنا أن هذه المصائب جميعاً حدثت في قلب المجاعة، فكانت أسوأ جو تسود فيه الحرب في كل المنطقة بشكل لم تعهده من قبل.

ولقد لعبت الجمعيات الخيرية المسيحية والإسلامية، دورا رائدا في تخفيف الأزمة عن المواطنين في كل المنطقة، وفتح الجوابرة مستودعات حبوبهم، وأخذوا يوزعون الحبوب والحنطة على الأهالي، هذا بالإضافة إلى إطعام أكثر من خمسمئة مهاجر جاؤوا من فلسطين إلى اليادودة، وتحملت أسرة الجوابرة معيشتهم عام 1917، واستطاعوا أن يخففوا كثيرًا من شدة الكارثة.

 السلط ما بين المطرقة و السندان  ( الاستعمار الإنجليزي والإرهاب والتدمير التركي)

في شهر تشرين الأول 1917، استطاع الجنرال اللنبي اكتساح مواقع الأتراك في غزة وبئر السبع بقوات فيلق الصحراء الراكب، ثم قام بمطاردة الأتراك بهذا الفيلق باتجاه مدينة القدس ماراً بمدينة الخليل وبيت لحم، وتمركزت القوات التركية بعد انسحابها من القدس في خط دفاعي مواز للقوات البريطانية، يمتد من أغوار الأردن إلى ساحل البحر المتوسط وقد تمكنت القوات البريطانية من تدمير الجيشين السابع والثامن التركيين، وبقي الجيش الرابع التركي حول مدينة عمان مدة ثلاثة أيام دون أن يعلم بمبلغ الدمار الذي حل بالجيشين السابع والثامن، وفي 25 آذار استولى الجيش البريطاني على السلط، ولكنه ما لبث أن أرغم على الإنسحاب منها، ثم استولى عليها ثانية في 30 نيسان وبلغ ضواحي عمان، ولكنه أيضا اضطر للإنسحاب يوم  3 أيارتحت ضغط هجمات الأتراك المعاكسة، وفي يوم 19 أيلول بدأ اللنبي هجومه الكبير وأخذ الجيش التركي الرابع يتراجع من السلط وعمان، ولم يستفد من خط السكة فاضطر رجاله إلى أن يسيروا على أقدامهم ويتركوا أسلحتهم ومعداتهم باتجاه الشمال إلى حوران عن طريق المزيريب – طفس.

في ظل حرب الكّر والفّر بين الإنجليز والأتراك، عاشت السلط أشد أيام الحقد، فدمرت المدفعية التركية معظم مبانيها، وهجر أهلها بيوتهم خوفا من بطش الأتراك، وهنا يقول الدكتور رؤوف أبو جابر، نقلاً عن عمه سعيد و والده سعد، وكبار السن في السلط ما يأتي  :

” هذه الحياة الصعبة استمرت طيلة الحرب، ولذا امتدت المعاناة تحت الحكم العثماني القاسي أكثر من ثلاث سنوات ونصف، وفي هذه الفترة كان على الجوابرة أن يوازنوا بين وجودهم في اليادودة وضرورة وجودهم فيِ السلط، وفي أواخر نيسان 1918، أصبحت القدس وأجزاء كبيرة من فلسطين بين قبضة الإنجليز بقيادة الجنرال اللنبي.

Salt City poster edited
مدينة السلط في تلك الفترة مع آثار القصف العنيف الألماني – التركي ، و قوات الحلفاء لمباني المدينة و بيوتها و يظهر في منتصف الصورة مبنى بيت أبو جابر المعروف بطرازه المعماري المميز

كان سعيد أبو جابر يدير الأمور في اليادودة بينما كان أخوه سعد الشاب وابن عمه صالح يشرفان على شؤون الأسرة في السلط و بمتابعة منه، دخلت القوات البريطانية والحليفة لها مدينة السلط، واعتبر أهلها أن القوات التركية خرجت من البلاد بلا عودة  وقد هلل الناس وفرحوا عندما دخلت طلائع قوات الحلفاء المكونة من الكتائب وسرايا الفرسان الأسترالية مدينة السلط يوم 30 نيسان 1918 .

إلا أن هذه الفرحة لم تدم أكثر من ثلاثة أيام، إذ إن هذه القوات تلقت الأوامر يوم 3 أيار 1918، بالانسحاب فانسحبت دون إعطاء وقت كاف للأهالي الذين كانوا قد ساعدوا الحلفاء وهاجم بعضهم مؤخرة القوات التركية في أثناء انسحابها إلى عمان، فلما لاحظ الأهالي تأزم الوضع وانسحاب القوات البريطانية باشروا هم أنفسهم في النزوح عن البلدة.

5.indd
مخيمات قوات الحلفاء البريطانية و الاسترالية و النيوزلندية بمنطقة وادي شعيب قبيل الهجوم على القوات التركية المحتلة وحلفائها الألمان و النمساويين المتمركزة في مدينة السلط
5.indd
عربة عسكرية تركية مدمرة و بجانبها جندي عثماني لقي حتفه بنيران قوات الحلفاء أثناء دخولها مدينة السلط 1918
5.indd
فرقة الخيالة الأنزاك الاستراليين وسط ساحة مدينة السلط ” ساحة العين ” يتزودون من عيون الماء قرب مبنى السرايا العثماني بعد تطهيره

دخلت القوات التركية مدينة السلط بعد انسحاب قوات الحلفاء، ودمرت المدينة وفي هذا السياق يقول الأستاذ  المرحوم حسني فريز في دراسة عن مأساة السلط، نشرت جريدة الدستور الأردنية، بتاريخ 29 آب 1987 ان القوات البريطانية هى المتهمة بتدمير المدينة، أما الأتراك فكانت مهمتهم نهب بيوت السلطية، يقول حسني فريز في شهادته : ” وقد تنفس الناس الصعداء بخروج العثمانيين، وعلى كل حال فإن احتلال الإنجليز لم يدم طويلا بل أياما وانسحبوا، وهربوا من حيث جاؤوا”.

 

سنة  الفلة 

وكان بعض فرسان السلط قد هاجموا الجند العثمانيين حيث خرجوا من السلط، ولعل الإنجليز رأوا ما فعله الناس بالعثمانيين، فزعموا أنهم لغموا البلدة مخافة أن يحل بهم ما حل بالآخرين، ولكن كانت الكذبة كافية ليرحل السلطية الى القدس وليعيشوا لاجئين، وهنا دخل الجند العثمانيون و معهم الجند الألمانيون والمرتزقة، فنهبوا بيوت السلطية المهاجرين.

كانت ظروف النزوح قاسية جداً، فأهل السلط الذين كانوا دائمًا أصحاب نخوة لإخوانهم و جيرانهم هم اليوم في حاجة إلى نخوة إخوتهم، فأهل القدس لم يكونوا أحسن حالأ من أحوالهم، ولكنهم كانوا عند مستوى النخوة ورد الجميل، بخاصة إلى الجوابرة الذين استقبلوا عام 1917 مئات النازحين منهم.

5.indd
أهالي السلط أثناء مغادرتهم لمدينة السلط باتجاه القدس أثناء المواجهات العسكرية بين قوات الحلفاء و القوات التركية المحتلة 1918

ومن بين الأسر السلطية النازحة الى القدس أسرتا الجوابرة والبشارات، وتحمّل سعد وصالح مسؤوليات الإشراف على أفراد الأسرتين، يقول الدكتور رؤوف أبو جابر : ” وكان كل من سعد وصالح يشرفان على شؤون الأسرة، هم وكبار أسرة البشارات، حيث أن اللاجئين من أفراد الأسرتين زادوا على الخمسين شخصاً “.

5.indd
أهالي السلط أثناء مغادرتهم لمدينة السلط و عبورهم لنهر الأردن في سنة الفلة أثناء المواجهات العسكرية بين قوات الحلفاء و القوات التركية المحتلة 1918

رفض الشاب سعد كل المساعدات التي حاول الإنجليز تقديمها للنازحين، كما رفض أيضًا المساعدات التي حاول تقديمها له الشيخ رشيد عريقات، واكتفى بأخذ ما يلزم الأسرة من فراش للنوم، وأدوات للمطبخ، لأن سعد كان يحمل معه عند النزوح كمية كافية من النقود، هذا بالإضافة إلى أسعار الجمال والبغال التي باعها في سوق الرملة الأسبوعي، وكانت هذه المبالغ شبه كافية لتغطية نفقات الإقامة المؤقتة.

و كان الشيخ سعيد يعايش أحوال أهله و أبناء مدينته و يتابعها فيرسل المعونات و المؤن من اليادودة للسلط، و يرسل الرسائل و الأموال للنازحين من أهالي السلط إلى القدس ، و يسأل عن أحوالهم و يتابع شؤونهم في المدينة طيلة فترة نزوحهم و يخفف العبء عمن لم يستطيعوا النزوح .

دخلت القوات التركية المحتلة ثانية إلى السلط، وقتلوا عددا من أبناء المدينة و شبابها و فرسانها ممن لم يتمكنوا من النزوح، وقبضوا على عدد من المسلحين وقتلوا بعضهم، وأعدموا السيد أحمد الكايد العواملة، ومصلح الفاضل الربيع القطيشات شنقا بتهمة معاونة الإنجليز، كما أعدموا شخصا آخر من عرب التعامرة، وكانوا قد نفوا مجموعة من وجهاء من السلط، نذكر منهم : صالح الخليفة ، مطلق المفلح ، خليفة عبد الهادي ، يعقوب السكر، صالح البخيت، مفضي النجداوي، وبعض الوجهاء من سحاب.

5.indd
صورة لشهداء السلط الذين أعدمتهم القوات التركية و الألمانية أثناء الهجوم المعاكس على مدينة السلط بعد انسحاب قوات الحلفاء منها 1918

وبين كر وفر، واحتلال ثم انسحاب، كانت قوات الحلفاء تستعد ثانية لدخول السلط فصدرت الأوامر بالزحف شرقا، فتم تطهير السلط في مساء 23 أيلول، واستمر زحف قوات الحلفاء في اليوم الآتي بطريق وادي السير وطريق السلط – عمان، تم تحرير عمان يوم ٢٥ أيلول بعد معركة حامية الوطيس، واستولى الإنجليز على السكة الحديدية إلى مسافة بضعة أميال من شمالي المحطة، وأسروا 600 جندي تركي.

0.indd
مقاتلو العشائر الأردنية و فرسان الثورة مع عدد من ضباط قوات التحالف و الخيالة الاسترالية يدخلون مدينة عمان لرفع علم الثورة العربية الكبرى بعد تطهيرها من القوات التركية و حلفائها باستقبال شعبي حاشد 1918

تحرك الجيش الرابع شمالاً ، وابتعد عن متناول القوات الاستطلاعية التي كانت تنتظر قدوم الفيلق الثاني من الجنوب، وفي ٢٨ أيلول قدم هذا الفيلق بعدّته التي كانت في جهات معان، ونزلوا جميعا في قرية زيزياء.

بعد هذا الانتصار لم يبق للأتراك أي قوة يستندون إليها، وأصبحت البلاد كلها بأيدي قوات الثورة و فرسان العشائر الأردنية الذين بدؤوا بتهدئتها وتنظيمها، مع سيطرة محدودة لقوات الحلفاء الذين بعثوا بسرية من الفرسان الأستراليين إلى عمان، وأخرى إلى صويلح، وثالثة الى السلط، وابقوا في المنطقة أيضا كوكبة من الجند الإيرلندي، وسحبوا بقية الجيش إلى الجبهات الأخرى.

الاحتلال التركي يعتقل الشيخ سعيد لدوره في الثورة العربية الكبرى

يقول الدكتور رؤف أبو جابر أن جمال باشا (الصغير) كان قد اعتقل عمه سعيد، بتهمة تقديمه الخدمات لرجال الثورة العربية الكبرى من مقاتلة العشائر الأردنية و شيوخها و فرسانها، و ارساله المؤن و الأموال للقوات وتعاونه معهم، فأمر باعتقاله وإرساله مخفورا إلى مدينة الكرك لمحاكمته وإعدامه، فلما سمع الشيخ مشهور بن فايز أحد أشهر مشايخ بني صخر، حاصر محطة القطار في (زيزياء)، التي كان قد أعتُقل فيها سعيد، تمهيداً لإرساله مخفوراً بالقطار إلى محطة القطرانة، ومن ثم على ظهور الخيل إلى الكرك.

 شعرة من سعيد ستشعل حربا 

وكان قد تجمع عدد كبير من فرسان بني صخر في المحطة، وكانوا يستطيعون إطلاق سراحه وأخذه معهم، ولكن الشيخ سعيد وجد أن الحكمة تقتضي أن لا يسبب صراعاً سافراً ومباشراً غير مضمون النتائج بين الشيخ مشهور الفايز وجمال باشا، ذلك أنه خشي على قرى جيرانه من بني صخر من تنكيل العثمانيين و الألمان، عندئذ أقنع الشيخ مشهور بأخذ وعد بالتلغراف من جمال باشا بإعادة الشيخ سعيد إلى أهله من القطرانة بحجة التفافية للتخلص من جبروت الأتراك و غدرهم وهي أن مساعدته للثوار جاءت من خلال واجبات الضيافة العربية التى عُرف بها (الجوابرة)، وبالفعل تمت إعادته إلى السلط بعد غياب ثلاثة أيام سالماً معافى، ويعود الفضل في ذلك للشيخ مشهور الفايز الذي انتخى لحمايته، وقال لقائد الحامية التركية في  زيزياء : ( اكتب لجمال باشا أن شعرة واحدة إن سقطت من رأس سعيد فسأشعلها ناراً من باب المدائن (مدائن صالح) لباب الشام ) .

 

دوره في بناء الدولة الأردنية

وكان لسعيد أبو جابر مواقف مشهودة دوَّت في الآفاق، ويذكر الدكتور محمد خريسات في كتابه ( الأردنيون والقضايا الوطنية والقومية : دراسة في الموقف الشعبي الأردني ) بعض المواقف الوطنية و القومية التي عرفت عن سعيد أبوجابر، فعندما كان الأمير فيصل بن الحسين يدعو إلى الاستقلال التام للأمة، وتطبيق قواعد الحكم الديمقراطي، آزرته الأمة العربية، ولما تشكل المؤتمر السوري الأول وافتتح أعماله بدمشق عام 1919، سارع أبناء الأردن إلى حضور أعمال المؤتمر، ومن الذين مثلوا السلط : سعيد الصليبي وسعيد أبوجابر.

وبعد وصول الأمير عبدالله بن الحسين إلى شرقي الأردن في 2 آذار 1921 دعاه سعيد أبو جابر إلى منزله في ساحة العين وسط مدينة السلط حيث أقام فيه سموه قرابة الستة أشهر، وكان سعيد أبو جابر من الذين وقعوا على البيان السياسي الذي يطالب بإفشال المؤامرة التي تمت بين لويد جورج وجورج كليمانصو القاضية بتجزئة البلاد العربية والتعرض لاستقلالها، وطالب البيان برفض الهجرة الصهيونية.

5.indd
بيت أبو جابر و يظهر أسفله جسر ساحة العين وسط مدينة السلط

وفي المجال الوطني المحلي حضر الشيخ  سعيد أبو جابر افتتاح المؤتمر الذي دعا إليه حزب اللجنة التنفيذية، الذى ظل عاملاً حتى عام 1939، والذي تم افتتاحه في 25 / 7 / 1928 في مقهى (حمدان) بعمان، كما كان أحد أعضاء حزب التضامن الأردني، الذي كان من مبادئه الإخلاص لسمو الأمير عبد الله، و التفاهم والتعاون مع السلطات البريطانية، وحصر الوظائف بالأشخاص الذين ولدوا في شرقي الأردن قبل عام 1922، وكان في الوقت نفسه من الأشخاص الذين استنكروا أفعال أعضاء الحزب الوطني الذين كانوا يشجعون النعرات الأقليمية.

كما يحسب له إستنكاره قيام الحكومة التابعة للاستعمار البريطاني بمحاولة (بيع أوتأجير) غور كبد، وتأجير بعض  أراضي الغور بالشونة لبعض العملاء، وكذلك توقيعه على البرقية المرفوعة إلى الأمير عبدالله والمندوب السامي البريطاني، التي تظهر حالة البلاد الإقتصادية و تدهورها، وفيها احتجاجات الأهالي على كثرة الضرائب وبيع العقارات من قبل المصرف الزراعي، إلى غير ذلك من المواقف الوطنية والقومية.

كما انتخب للمجلس التشريعي الثاني بتاريخ 10 / 6 / 1931 عن لواء البلقاء، واستمر هذا المجلس حتى المدة الدستورية في 10 / 6 / 1934، كما عُين في مجلس الأعيان الرابع، وذلك في 19 / 12 / 1954 خلفاً لنقولا غنما، واستمر حتى 31 / 10 / 1955.

وفاته

كانت قد صدرت الإرادة الأميرية بتوجيه لقب باشا إليه في 11 / 6 / 1923، وكان من أوائل الذين منحهم الأمير عبد الله لقب الباشوية، وكان له ديوان عامر يؤمه كل ذي حاجة في السلط واليادودة، وكان محل احترام الصغير والكبير، وكان الأكابر يزورونه في ديوانه ويعظّمونه، وهو لم يزل في علو درجته ومنزلته، حتى وافته المنية في ممر قاعة مجلس الأمة، قبل افتتاح الدورة بربع ساعة، بينما كان يتجه للمجلس على أحد المقاعد في القاعة، وكان ذلك في يوم الخميس الموافق 28 / 10 / 1965 .

 

 

 

 

المراجع :

  • أحسن الربط في تراجم رجالات من السلط، د.هاني صبحي العمد، ص185 – 189، مطبعة السفير.
  • مشاهير في التاريخ الأردني آل ابو جابر، محمود عبيدات، ص81-176، دار ورد الأردنية للنشر و التوزيع، الطبعة الأولى 2014.

الشيخ الشّهم سعيد باشا أبو جابر


العسكري الفذ خلف التل

13566088_914981635313632_292537656_n
صورة للبطل خلف محمد التل

مقدّمة

هو زعيم أردني من حوران الأردنية، و صاحب بصمة واضحة في تاريخ الأردن، كان قائدا عسكريا في الجيش التركي، حيث قاد معارك ضارية مع الجيش التركي ضد الإنجليز في قناة السويس تميز فيها بذكائه وحنكته الحربية وعندما عاد بكتيبته إلى السلط انصَدَمَ بقصف الجيش التركي لأهله في مدينة السلط فانضم إلى الثوّار الأردنيين في جنوب الأردن. وهو مقاتل وثائر ضد الظلم و الاستعمار أينما وجد، فلقد شارك بالثورات ضد الفرنسيين في سوريا حيث نظّم الهجمات مع فرسان العشائر الأردنية، وكان من أوائل المنَظّمين للثورات العراقية ضد البريطانيين.  وهو شخصية سياسية لها تأثيرها في بناء الأردن الحديث، اذ كان المنسق العام لمؤتمر أم قيس، وقائد منطقة الكرك في العشرينات الذي التفت حوله العشائر وحل النزاعات بحنكته وصد هجوم الوهابيين على الأرض الأردنية، وشهدت له مدن الأردن، عجلون و البلقاء و الكرك ومعان بالإدارة الحكيمة والفذة.

 

كان خلف التل وطنيا أصيلا تجاهل المناصب و اغراءات الاستعمار التي انهمرت عليه و هو صلب لا يتزحزح عن مبادئه وإنصاع لقلبه و لضميره الوطني عندما هرّبَ القيادات و الزعامات الأردنية من سجن معان إبان الانتداب البريطاني، وعندما كان وزيراً للداخلية في حكومة أبو الهدى عام 1938 اتهمته حكومة الإنتداب بمساعدة الثوار ضد البريطانيين فنفته للطفيلة، شهد له الأشقاء العراقيون بدبلوماسيته الناجحة، حيث وافته المنية وهو قنصل في بغداد عام 1943.

عائلته ونسبه

ولد خلف التل في مدينة إربد سنه 1890 وتعلم فيها وتخرج من المدرسة الابتدائية سنة 1896، ويذكر أنها المدرسة الوحيدة التي كانت موجودة في مدينة إربد وقد أسسها الشيخ مصطفى صالح التل عام 1879 على نفقته الخاصة، في الوقت الذي أهملت فيه الدولة العثمانية التعليم وأبسط أنواع الخدمات. حصل على منحة من مكتب ” عنبر ” عام 1900، وأكمل تعليمه الإعدادي وتميز بتفوقه الأكاديمي، بعدها التحق بالكلية الحربية عام 1915 وتخرج منها يرتبه ملازم واستحقاقه وسام التفوق، خاصة اثر استقطاب الاحتلال العثماني للمتفوقين العرب و اغرائهم بالوظيفة العسكرية في ظل ضعف الوظائف التي توفرها الدولة بل انعدامها ومنعا لهم من الالتحاق بركب المتنورين و الثوار العرب، بعدها أرسِلَ إلى بعلبك وكانت تسمى الخدمة المقصورة حيث كان يُرسل جميع الخريجين من الطلاب العرب لتدريبهم ثم إلحاقِهم بالقوات المقاتلة إبان الحرب العالمية الأولى، وخلال تدريبه هناك شاهد العشرات من المواقف الاستفزازية من قبل الضباط الأتراك الذين يكيلون اللعنات والسباب والشتائم بحق العرب، في الوقت الذي علقت فيه المشانق لزعماء القوى الوطنية من الجمعية العربية الفتاة في ساحات بعلبك،  وتركت اثراً عميقاً في نفسه كما سنرى لاحقاً.

6.indd
صورة لمدينة اربد عام 1900 حيث ولد و ترعرع البطل خلف التل

نقطه التحول في حياته

عُينَ القائد خلف التل قائد للسرية 80 التابعة للفرقة 17 من الجيش التركي استعداداً لنقله مع عدة سرايا جميعها من الجنود والضباط الأردنيين و العرب من أمثال علي خلقي الشرايري وصبحي العمري ومحمد مريود وناصر فواز الزعبي لإبعادهم عن المناطق العربية خصوصاً بعد سياسات التعسف والتتريك التي انتهجتها الدولة العثمانية، إذ كانت تُضَحي بالضباط والجنود العرب وتضعهم على فوهة النار للتخلص منهم، فقد ارسلوا إلى منطقه السويس بالإكراه لمواجهة القوات الإنجليزية بدعوة أنها حرب مقدسة وأنها ضد العرب و المسلمين رغم أن القوات الألمانية و النمساوية كانت تحارب جنبا إلى جنب مع القوات التركية المحتلة و هي التي كانت تروّج بالأساس لخدعة الحرب المقدسة .

أظهر القائد خلف التل شجاعة وتفان كبير في قيادته للمعارك وقدم نموذجاً في القتال والفدائية في معارك غير متوازنة من حيث العدد والعتاد، إذ يذكر القائد علي خلقي الشرايري في مذكراته أن قوات جمال باشا التركية أخذت بالانسحاب والتقهقر أمام القوات الإنجليزية وتشتت في سيناء إثر فشلها الذريع، وعندها أظهر جمال باشا حقده على الضباط العرب وكتائبه فترك المعركة وهرب وأبقى على الكتيبة العربية – معظم قادتها من الضباط الأردنيين- تناوش القوات البريطانية،  بقي القائد خلف التل يناور ويراوغ حتى سحب قواته من السويس وفلسطين بطريقه استراتيجية ذكية حفاظا على أرواح الضباط و العسكر الأردنيين و العرب ووصل بها إلى مدينه السلط، وهنالك تشكلت نقطه التحول لديه عندما رأى الجرائم التي ارتكبها الجيش التركي مع حلفاءه الألمان والنمساويين في قصف مدينه السلط وتهجير أهلها وإلقاء القبض على زعمائها ونفيهم من أمثال صالح خليفة ومطلق المفلح وخليفة عبد الهادي وصالح البخيت ومفضي النجداوي. وتأثره بإعدام الشهيدين أحمد الكايد العواملة ومصلح الفاضل الربيع القطيشات، وعند سماعه بقيام ثورة عربية يقودها ثوار عرب من رفاقه جنوب الأردن تحيّن الفرصة والتحق بجيش الثورة العربية واستقبله الجنرال جميل المدفعي،  وبعد دخوله مع قوات التحرير العربية لدمشق عُينَ في درك حوران من عام 1918 إلى 1919 .

من ثورة إلى ثورة

شارك القائد خلف التل كغيره من الأردنيين في الثورة السورية والدفاع عن أراضي اشقائهم العرب و أرواحهم ضد الجنرال غورو وشارك في تنظيم فرسان العشائر الأردنية والتخطيط وتنظيم الهجمات على القوات الفرنسية، ومن ثم ذهب سرا إلى العراق للتخطيط والمساعدة في الثورة العراقية على الإنجليز وبدأ التحضير لأول معركه مع الثوار العراقيين ضد الاستعمار البريطاني وهي معركه تلعفر 1920 .

1281_318918
البطل خلف محمد التل مرتديا زيه العسكري

دوره في حكومة إربد ومؤتمر أم قيس

بعد هزيمة الجيش الفيصلي في معركة ميسلون وفرض الانتداب البريطاني على مناطق الأردن، واتباع الإنجليز سياسة التفرقة والنعرات بين المناطق الجغرافية الأردنية وسياسات الفتنة بين العشائر الأردنية، وتنفيذا لاتفاقاتها مع الدولة الفرنسية على تقسيم مناطق نفوذهما في كل من سوريا والعراق وفلسطين وفرض سيطرتها عليها، برزت الساحة الأردنية برجوع أبناءها من الفرسان والقيادات من ضباط الثورة العربية إلى مناطقهم، واستأذن علي خلقي الشرايري من الملك فيصل العودة إلى إربد لتشكيل حكومة وطنية للاحتفاظ بطابع الأردن الوطني وليكون بعيدا عن المطامع الاستعمارية بشكل مباشر ومخاطر الوكالة الصهيونية وبيع الأراضي لها ريثما ينتهي الملك فيصل من مفاوضاته مع البريطانيين، وهنا ظهرت شخصية  البطل خلف التل سياسياً كمنسق عام لمؤتمر أم قيس بعد تكليفه من قبل علي خلقي الشرايري بدعوة وجهاء العشائر والقيادات الأردنية للاجتماع مع المندوب البريطاني ” سمرست ” لإطلاع الحكومة البريطانية على الرغبات الشعبية المطالبة بتأسيس حكومة وطنية بزعامة أمير عربي وتشكيل مجلس عام بسن القوانين والإدارة وأن تكون حكومة منفصلة عن حكومة فلسطين لمنع الهجرة اليهودية إلى الأراضي الأردنية، وبعد ذلك عمل الفارس خلف التل مع البطل علي خلقي الشرايري بهدف توحيد الجهود والمناطق الأردنية في حكومة واحدة والتجهيز لقدوم الأمير عبد الله بن الحسين  بإرسال كتب و رسائل إلى الحكومات المحلية ووجهاء العشائر الأردنيين وكان القائد خلف التل في مقدمة من استقبلوا الأمير عبد الله في معان في سنة 1921 .

حياته العسكرية في الجيش الأردني

 بدأ إنشاء نواة الجيش العربي الأردني مع انتهاء عمليات التحرير في الثورة العربية على الأرض الأردنية  و أصبح رسميا مع قدوم الأمير عبدالله فباشر خلف التل ومن معه من الضباط الأردنيين بمهمة التدريب ومن ثم نقل إلى عمان لاستكمال مهماته التدريبية، وبعدها عُيّن الرئيس خلف التل قائدا لمنطقة الكرك لأنه يمثل نخبة الضباط الأردنيين ولحنكته العسكرية ومعرفته الاستراتيجية بالأمور الإدارية والتشكيلات العسكرية، تمكن خلف التل من تحقيق مهماته في الكرك وخاصة في تهدئة نشر الأمن والاستقرار في المنطقة والحد من تحركات العشائر الأردنية في الجنوب و ضمان استقرارهم بدلا من كثرة الترحال التي كان الاحتلال التركي أبرز المسببين لها وبخاصة في مواسم الحصاد والمساعدة في تحصيل الضرائب والتجنيد العسكري لحماية ثغور الوطن، ويُشَار له بالتعامل بطريقة حكيمة في حل المنازعات العشائرية اذ كان يتعامل معها بدون قوة عسكرية وبعقلية مدنية لتهدئة الأوضاع بعقد اجتماع لوجوه العشائر لحسم الخلاف وتحديد الخسائر وتحييد من يحاول استغلال الحوادث لتعكير الأجواء الأمنية والإشراف على الحل والصلح .

دوره في صدّ الغزو الوهابي

وفي أول تجربة على التحام القوى الشعبية مع مؤسسات الدولة ومنها الجيش للتصدي لقوى خارجية في وقوفهم معاً في الغزو الوهابي الأول. وتبدأ قصة الغزو الوهابي على الأردن مع الكرم الأردني – وهو جزء مقتضب من أسباب الغزو ، للذكر لا للحصر- كما روى قائم مقام الجيزة السيد نجيب الشريدة الذي قال: ” أن شخصا يدعى غنام العواجي أقام في الطنيب دخيلاً على جراد أبوجنيب الفايز أحد شيوخ بني صخر، ثم عاد إلى الجوف وشجع الوهابيين على القيام بغزوتهم، هذا بعد أن حدثهم عن كثرة خيرات الأردن. وهكذا يصدق المثل القائل : “اتق شر من أحسنت إليه”،  وبالرغم من حجم الهجوم والعدد الكبير للغزاة الذي بلغ 1500 رجل، إلاّ أن القوات الأردنية المشتركة من فرسان العشائر الأردنية من قبيلة بني صخر وشقيقاتها من العشائر الأردنية والقوات المسلحة الأردنية تمكنت من دحر الغزو وتمكن البطل خلف التل الذي كان رجل المهمات الصعبة بشهادة الشيخ حديثة الخريشة من ملاحقة الغزاة حتى الحدود الأردنية السعودية وقتل وأسر العشرات منهم وكما اشاد بفروسية التل وفروسية الشيخ مثقال الفايز والفارس الشيخ منور الحديد، وبلغت خسائر الغزاة ما يقارب نصف المهاجمين، وتكررت البطولة والالتحام بين الجيش والعشائر الأردنية مرة اخرى في سنة 1924 في الغزو الوهابي الثاني ودحر العدوان عن الأراضي الأردنية وألحق بهم أيضًا خسائر جمة.

 

خدمته لوطنه

بعد تولي فردريك بيك القيادة المباشرة للجيش عمل على تخفيض عدد القوات، وبالذات عمل على طرد عدد كبير من الضباط الأردنيين وتخفيض عددهم لأنه كان يخشى من الروح الوطنية بين الضباط والنزعة التمردية للتحرر ولِما رآه من قدرة الضباط على التعامل مع أسوأ الظروف والمصاعب وقدرتهم على إدارة الأمور وتسييرها مع القوى الشعبية . نتيجة لذلك تم نقل القائد خلف التل إلى السلك الحكومي المدني كغيره من الضباط الأردنيين، فنقل عام 1926 من الجيش وعين قائم مقام لواء عجلون، فعرف عنه حسن إدارته للأمور وتعامله مع الأهالي وعلاقاته الجيدة معهم وقدرته على حل الإشكالات بين الأهالي والحكومة .

و في عام 1928 نقل من عجلون إلى الكرك وعين متصرفا للواء الكرك، وفي هذا العام شهدت الساحة الأردنية تحركا شعبيا قويا مناهضا للمعاهدة البريطانية الأردنية، وكان القائد خلف التل من المؤيدين لهذه التحركات للنهوض الوطني ضد الانتداب البريطاني.
ومن ثم نقل إلى البلقاء وعين فيها متصرفا عام 1929،  وبعدها في عام 1931 عين في لجنة ترسيم الحدود في عهد حكومة السيد ابراهيم هاشم ، عين السيد خلف التل متصرفا للواء معان عام 1937 ، وأول مهمة قام بها في معان هي الإشراف على الانتخابات للمجلس التشريعي الرابع، وتشير التقارير الرسمية في منطقة معان في حينها إلى تطور ملحوظ في تحقيق الأمن وزيادة المشاركة السياسة وتحسن الزراعة نتيجة لحسن ادارة خلف التل .

13595719_914981531980309_77804707_n
خلف محمد التل أثناء عمله متصرفا للواء معان عام 1937
8.indd
إطلالة على مدينة معان أثناء إدارة خلف التل لمتصرفيتها

محرّر الشيوخ

ليس من السهل الموازنة بين العمل الرسمي في وظيفة حكومية والعمل الوطني في مقاومة الانتداب البريطاني، فنرى حنكة ودبلوماسية خلف التل في الجمع بين صعاب الأمور في تسهيل ومساعدة الشخصيات الوطنية وخاصة عند سجن رفاقه ممن كانوا معه في الثورة العربية الكبرى من قِبل قوات الاستعمار البريطاني، فعندما تم سجن  سليمان السودي وأحمد الروسان وراشد الخزاعي وتركي كايد العبيدات وسالم الهنداوي ومحمود الغرايبة في سجن معان سيء الذكر، مرَرَ لهم سراً مصروفَا شهريًا من راتبه، ومن ثم قام بتهريبهم من السجن، ولا زالت طريقة التهريب مجهولة، مخاطرًا بوظيفته وغير مبالي لشهوات المناصب وبريقها.

خلف التل الوزير المنفي

 لم يكن خلف التل من المنتسبين للمعارضة الوطنية، ولم تكن الحكومة تحسبه من المعارضين لذلك تم تسميته في حكومة توفيق ابوالهدى مفتشا للإدارة ( وزير الداخلية ) عام 1938. وفي تلك السنة زادت الحركة الوطنية الأردنية من هجماتها ضد الإنتداب البريطاني، من هجوم على مخافر للإنجليز ومحاولات اختطاف واغتيالات لضباط وشخصيات بريطانية وبخاصة محاولة اختطاف المعتمد البريطاني  ومحاولات تخريب خط أنابيب البترول، وحينها بدأت أصابع الاتهام تتوجه إلى خلف التل من قبل المعتمد البريطاني ومن عملاء الإنجليز،  فأخذ خلف التل ينتهج طريقه جديدة في اسلوب تعامله وتعاونه مع الأحرار الأردنيين في سعيهم إلى التحرر والخلاص من المستعمر، بإبلاغهم بأمر اعتقالهم، فلقد روى معالي المرحوم سليم البخيت ( وزير الأشغال الاسبق ) بأن خلف التل أرسل زوجته خديجة صالح التل -وهي شقيقة شاعر الأردن مصطفى وهبي التل (عرار)- إلى بيته وأبلغته بقرار الاعتقال بحقه، وبعد حادثة تفجير خط أنابيب النفط قرب قرية الحصن زادت شكوك المعتمد البريطاني بالقائد خلف التل اذ لم يلقِ القبض على أحد، فاستغل ذلك وعمد إلى إبعاده عن الوزارة في حكومة توفيق أبو الهدى الثانية،  فعين مديرا للمطبوعات والنشر، وبعدها تم توجيه التهم له بمساعدة الوطنيين الأردنيين في تلك الحادثة وتم نفيه إلى الطفيلة عام 1941 إلى أن صدر الامر بالعفو عنه من قبل الأمير عبدالله لعدم قدرة الانتداب البريطاني على اثبات التهم الموجهة إليه. وعيّن بعدها قنصل ثاني في بغداد، فعرف بدبلوماسيته الناجحة وقدرته على بناء علاقات جيدة تخدم المصلحة الوطنية، وبقي على رأس عمله إلى أن وافته المنية عام 1943 .

 

شهادة في سيرة خلف التل

قال عنه القائد جميل المدفعي رئيس الوزراء العراقي : “عرفته عسكريًا شجاعًا في نضال العرب واستقلالهم، وعرفته قائدًا باسلًا مدة رفقتنا في الأردن أيام الثورة، وعرفته إداريًا ناجحًا وسياسيًا محنكًا محبوبًا في بغداد،  وعرفته اخًا حميمًا وصديقًا وفيًا فقد كان جذاب الحديث، عذب البيان، قوي العزم والعزيمة وقد ملك محبة من عرفوه”.

 

 

المراجع :

  1. المجاهد خلف محمد التل ، محمود محمد عبيدات ، اربد ، 2003 .
  2. مواقف لا تنسى : الوزير خلف التل رفض الاستقالة تحت ضغط الإنجليز فعزله أبوالهدى ونفاه إلى الطفيلة ، صحيفة الدستور ، 16 /4/ 2011.
  3. مواقف لا تنسى : وزير الداخلية خلف التل يُنبـًّه الوطنيين، صحيفة الدستور ، 3 /9/ 2009.
  4. أسماء في الذاكرة: خلف محمد التل.. الوزير الذي أغضبت نشاطاته الوطنية الإنجليز فأوعزوا بعزله ونفيه، صحيفة الدستور ، 25 /6/ 2011.

العسكريُّ الفَذْ خلف التل

 الفارس عبدالله الخطيب – محّرر الأبطال

13555669_912444185567377_1416648539_o
الفارس عبدالله محمد الخطيب بالزي الأردني أقصى يمين الصورة بجانب عدد من أشقائه – الصورة مهداة لإرث الأردن من مجموعة حفيده يزيد مازن عبدالكريم الخطيب

 

ولادته

ولد الفارس البطل عبدالله محمد محمود الخطيب  بمدينة السلط في سنة 1886 ونشأ وترعرع في بيت علم ، حيث كان والده المرحوم الشيخ محمد خريج جامعة الأزهر، وعمل على تعليم ابنائه ( أشقاء البطل عبدالله الخطيب ): فأنجب الشعراء و القضاة و المدراء و الفرسان.

13535821_1705050696413533_1670705510_n
منظر عام لمدينة السلط من الجهة الجنوبية إبان الفترة التي ولد بها الفارس عبدالله الخطيب

 

اشقاء الفارس

 كان للبطل عبدالله الخطيب عدة اشقاء هم : سليم الذي كان خطيباً وشاعراً ، وسليمان الذي كان رئيساً لمحكمة بداية اربد، وتوفي على عتبات المحكمة، حين كان في استقبال الأمير عبد الله في عام 1931، وكان شقيقه جمال مرافقا عسكريا للملك الراحل الحسين بن طلال، وشقيقه عبدالرحيم كان يشغل منصب أول رئيس للمراقبة المالية (ديوان المحاسبة حالياً) وتوفي عام 1954 عندما كان متصرفا لمدينة معان، وسعيد الذي كان يعمل في ادارة الجمارك على الجسور بين الأردن وفلسطين، ثم أصبح مديراً للدائرة المالية في القيادة العامة للقوات المسلحة الاردنية حتى عام 1960.

نشأته

لم يذهب عبدالله الخطيب إلى الكُتّاب فضلاً عن المدرسة بخلاف اخوانه، و افتتح متجرًا، وتقرب إلى أبناء جيله ممن كانوا يختلفون إلى المدرسة، من مثل : عبدالرحيم الواكد وموسى الساكت وصالح بسيسو وعلي مسمار وغيرهم، وكان يطلب منهم أن يقرأوا على مسامعه بعض كتب القانون، ومنها ( المجلة )، والمطبوعات الأخرى التي كان يحضرها معه من دمشق، ثم يطلب منهم أن يمتحنوه فيما بالحفظ.

13493487_1705050699746866_106975780_o
اطلالة على مدينة السلط في السنوات التي نشأ فيها البطل عبدالله الخطيب

 

مسيرته و دخوله سلك المحاماة

من هنا دخل باب المحاماة، حصل على إجازة بمزاولة المهنة، ولم يلبث أن ذاع صيته وقد شهد له القضاة والمحامون بأنه كان عارفًا بالقانون أثناء مرافعاته، قادرا على الربط  بين المواد القانونية المتقاربة أو المختلفة، بل واستطاع أن يتفوق على كثيرين من حملة شهادة المحاماة واستطاع من خلال مرافعاته كسب كثير من القضايا المصيرية من ذلك : تبرئته لأمين الحسيني وعارف العارف اللذين كانا محكومين بالإعدام من طرف القوات البريطانية، جرّاء التهمتين اللتين ألصقت بهما، وكانا قد التجأ إلى السلط، ودخلا في حماية عشائر السلط.

تزوج ورزق من الأبناء : يوسف وعبدالمجيد وعبد الكريم وحاكم ومحمد، وابنتين، وكان ضمن الذين بايعوا الأمير عبدالله أميراً للبلاد ، وقد وصفه من عرفوه لديهم أنه كان رجلا فاتكا لا يهاب المواقف الصعبة أبدا، وطنيا حرا كارها للاستعمار، ومناضلا للتخلص منه.

 

تحرير البطل عودة أبو تايه

خرجت في الأردن مظاهرات في آب 1921 قادها الراحل عودة أبو تايه وسعيد خير وعدد من شيوخ الأردن، أمر فيها مظهر أرسلان المفروض من الانجليز على الحكم الناشئ اطلاق الرصاص على المتظاهرين، مما أدى الى دفاع شيوخ العشائر عن أنفسهم وابعاد نيرانهم عن الأردنيين واستهداف رأس المخطط قائد القوات الانجليزية فريدريك بيك شخصياً والذي تصاوب ونجى بأعجوبة بمعاونة فؤاد سليم السابق الذكر. فشنت حملة اعتقالات واسعة من قبل الانجليز اعتقل فيها علي خلقي الشرايري وصالح النجداوي وتوفيق النجداوي وهم ضباط أردنيون كانوا يعون مخطط الانجليز ورجلهم المفروض على الحكم الناشئ، وعاد عودة الى مضاربه عند جبال الشراة.

13555831_1705051816413421_1208710102_o
السلط في فترة الأحداث عام 1921

في ظل خيار النضال السلمي الاستراتيجي باتباع الدبلوماسية لتحقيق الغاية الأهم وهي الاستقلال النهائي ازداد تعقيد المعادلة. وفي تشرين أول غادر الأمير عبدالله في رحلة دبلوماسية لتمهيد سعي الأردنيين نحو استقلال معترف به دولياً. فاستغل مظهر أرسلان وزير الداخلية في حينها غياب الأمير عبدالله وبعث بدعوة عاجلة الى الراحل عودة أبو تايه باسم الحكومة للحضور الى عمان فلبىّ الشيخ عودة الدعوة بحسن نية.

ولحظة وصول الشيخ عودة بكل حسن نية لطيْ صفحة المظاهرة، غدره مظهر أرسلان وسلمه للانجليز الذين نقلوه على عجل الى سجن السلط ظناً منهم أنهم بذلك يعزلون الشيخ عودة في مكان قصِي عن أهله. وفي السلط تجسدت الروح الأردنية وكان الفارس الشيخ عبدالله الخطيب قد أقسم أن لا بييت الشيخ عودة بين السلطية أسيرا، فاستبق الأحداث ووضع خطة لإخراج الشيخ عودة فقام وبمعاونة فرسان السلط بخلع قضبان السجن وكانوا قد جهزوا (الكحيلة) وهي فرس عربية أصلية تسابق الريح أهداها شيخ من النهار المناصير من بني عباد وصفت ب “الهبوب” لسرعتها، و قدموا له بندقية كناية على أن فرسانهم سيبقوا سلاحا في يمينه في مواجهة أشكال الاستعمار.

وأوصوه أن يبتعد عن طريق السيارات، و بعد مغادرته للسلط استُقبل الشيخ عودة أحشم استقبال في مضارب بني صخر حيث تجسدت الروح الوطنية وتم تأمين طريقه للعراق حيث طلبه الأمير فيصل بن الحسين واقتطع له من الأرض ما يليق به يسكنها حتى عودة الأمير عبدالله من جولته العالمية واكتشافه لمؤامرة الانجليز وأزلامهم وذلك لتعذر الاتصالات السريعة بوقتها. وعندما علم الشريف حسين بن علي بخبر القبض على الشيخ عودة غضب وطلب لقاءه وكان عودة يقيم في ضيافة الأمير فيصل بن الحسين في العراق فعاد الشيخ عودة مكرماً الى وطنه الذي أفنى عمره في الكفاح لاستقلاله من حرب الاستنزاف الذي أعلنها هو على العثمانيين وصولاً للثورة العربية الكبرى الذي أعلنها الشريف حسين من مكة. 

336
الشيخ عودة أبو تايه مع أحد رجاله و أحد اطفال الحويطات

ولا شك أن الموقف البطولي الذي أداه الفارس البطل عبدالله الخطيب  بقي محفورا في الذاكرة ، فحفظه الشيخ عودة أبو تايه له و لفرسان السلط وشبابها، وبقيت حادثة فكّ الشيخ عودة أبو تايه من الأسر الانجليزي محطًّا للفخر و الاعتزاز بين السلطية و الحويطات، يذكورنه في جاهات النسب و الصلح و الودّ بينهم حتى هذا الحين، لأن الأردنيين لا يرمون شمائل الأبطال و فروسيتهم في غياهب النسيان بل يحفظونها كرديف للدم في عروقهم.

وفاته

توفي ودفن بمقبرة العيزرية بالسلط عام 1928 بعد 7 سنوات من حادثة تحرير البطل عودة أبو تايه ولم يتجاوز الثانية والأربعين من عمره، وقد وصف بأنه كان عصامياً، جريئا، متوقد الذهن حاضر البديهة، محمود السيرة قادراً على الاستيعاب والحفظ، فارسا شهما لا تهزه الصعاب ولا يرفُّ له جفن في مواجهتها.

المراجع :

  • أحسن الربط في تراجم رجالات من السلط، د.هاني صبحي العمد، ص277– 278، مطبعة السفير.
  • وكالة الدستور الأخبارية، رجال من السلط”3 – 6″، محمد الزيودي، الأحد، 26 فبراير/شباط، 2012.
  • محطات سلطية : عبدالله محمد الخطيب كان من أشهر المحامين ولم يدخل مدرسة ً قط، الدستور، 13 أيار، 2012 .
  • صور من البطولة ، سليمان الموسى ، المطبعة الهاشمية ، عمّان ، 1968 ، ص 37 -58

الفارس عبدالله الخطيب – محرّر الأبطال

علي خلقي الشرايري

alikholqi

هو زعيم أردني من حوران الأردنية، و صاحب بصمة واضحة في تاريخ الأردن و المنطقة ، كان قائداً عسكرياً في الجيش التركي ووصل لرتبة قائم مقام عسكري، ثم اميرالو (أمير لواء). كما تقلد منصب حاكم عسكري في مكة قبل الثورة العربية. وشارك في معارك بأماكن مختلفة في العالم مع الجيش التركي مثل القوقاز وتركستان ضد الجيش الروسي، وفي ليبيا ضد الجيش الايطالي. وفي الثورة العربية انحاز مع شعبه و بلده و نضالهم ضد الاحتلال العثماني بعدما انكشفت له خديعة العثمانيين وتقلد منصب وزير في عهد الهاشميين.

نشأته و حياته

ولد علي خلقي الشرايري سنة 1878  في مدينة إربد بمغارة تعود ملكيتها إلى جده علي بن سليم، وسمي علي تيمنا بجده، لم يعش الطفل علي طفولة رغيدة كالتي يعيشها أطفال المدن، بل عاش طفولة اتسمت بشقاء الفلاحين في تلك الفترة. حيث شارك والده بالأعمال الزراعية وفلاحة الارض، يقول اللواء علي خلقي في مذكراته : “وعند بلوغي سن السابعة من عمري شاركت والدي بالأعمال الزراعية إلى أن سئمت هذه الحياة”.  إذ كان يرغب علي بالتوجه إلى التعليم فأصر منذ الصغر على والده بأن يدخله المدرسة،  وأتم تعليمه الابتدائي بامتياز،  وهو الوحيد الذي اتم تعليمه بهذه الرتبة من بين أقرأنه . مما دفعه إلى طلب المزيد لكن والده رفض . فحاول مرارا ، ولكنه لم يفلح بإقناع والده ، لكن رغبته العارمة بالتعلم كانت أقوى من هذا الرفض فما كان منه إلا أن أخذ بغلة والده التي تسمى “زرزورية ” وذهب بها إلى درعا وباعها ب 50 مجيدي وأكمل إلى دمشق والتحق بالمدرسة الرشيدية وتخرج منها سنة 1892 .

مثلما كان في المدرسة بإربد صلب العزيمة و قوي الشخصية  فقد عزز عصاميته بالنجاح والتفوق بدمشق، حيث فرض احترامه على معلميه وزملاءه. ليعود إلى إربد  شاباً ذو شخصية قوية وعلمية وصاحب عزيمة وإرادة ولديه طموح في الحياة ويحمل شهادة بمرتبة الشرف .

بعد فترة قصيرة عَرَضَ على والده فكرة السفر إلى استانبول لكي يلتحق بالمدارس العسكرية ، فلم يعارض والده بل بارك تلك الخطوة بعدما حمله ابنه بأكاليل الفخر بنجاحه، فسافر إليها عام 1895. وصار له ما أراد حيث قُبِلَ بكلية الأستانة الحربية بدون صعوبات أو عوائق، فالشهادة التي يحملها كانت بتقدير امتياز ، كما أن مواصفات شخصيته وبنيته الجسدية أهلته لذلك.

حياته العسكرية

تخرج علي خلقي الشرايري برتبة ملازم ثاني سنة 1902، ثم التحق بكلية المدفعية وتخرج منها برتبة ملازم أول عام 1904، وبعدها التحق بكلية القانون وتخرج منها برتبة رئيس عام 1905، وقد برز كضابط ملتزم بالأخلاق العسكرية إلى درجة التقيد الصارم بالتعليمات، واعتُبِرَ خيرَ من يُطبق عملية الضبط والربط بمستواها العسكري الكامل، حتى ذاع صيته وسمعته وتفوقه بعمله و وصل مسامع قائد الجيش التركي الفريق شكري باشا ، الذي رغب بالتعرف عليه شخصياً، وأُعجب به بعد أول لقاء، فعزز علاقته به، حتى أنه زوجه ابنته حورية، وأنجب منها اربعه ابناء.

وفي تشرين الثاني سنه 1905 نقل من استانبول إلى الفرقة 51 المتواجدة في قلاع الدردنيل والقوقاز والتي كانت تحارب الجيش الروسي، وعين قائد للسرية السابعة المدفعية. وأثبت علي خلقي مقدرة فائقة في فنون الحرب والقتال، وكان لها الدور الكبير في تحقيق انتصارات على الجيش الروسي، ونتيجة لذلك منحته قيادة الأركان التركية وسام الشجاعة من المرتبة الأولى، ورفعته إلى رتبة رئيس أول،
وفي عام 1906 نقل من السرية السابعة إلى قيادة المدفعية في الفرقة 51 ومن ثم نقل إلى قيادة الفرقة 14 المتمركزة في لبنان وسورية . وحاله حال الكثير من الضباط الأردنيين و العرب العاملين بالجيش التركي وما نالهم من أوامر السفربرلك في جبهات الاحتلال العثماني دون إرادة منهم صدرت الأوامر بنقله إلى اليمن لإخماد الثورة التي أعلنها الإمام يحيى ضد السلطات العثمانية، والتي استنزفت قوة الجيش التركي بحيث ظهرت عدم قدرة الجيش التركي على إخماد الثورة، وفي أول فرصة للقائد علي خلقي توصل إلى اتفاق مع الإمام يحيى منحه بموجبها سلطات جوهرية أقرب إلى اللامركزية .

ومن اليمن انتقل إلى ليبيا في بداية 1911 للمشاركة بالحرب الدائرة هنالك ضد الجيوش الإيطالية، وكان برفقته صديقه القائد عزيز علي المصري والقائد نجيب سعد البطاينة الذي استشهد في ليبيا عام 1912،
كل ذلك وهو يترافق في ذهن القائد علي خلقي الشرايري أحوال البلاد العربية من سوء معاملة واضطهاد عثماني، إلّا أنه القائد الذي كان ملتزمًا بشرف العسكرية والمطبق لها، وكانت أفكاره تتصارع في دواخله فمن جهة سياسات الباب العالي ومن جهة أخرى الأطماع الأوروبية الإنجليزية والفرنسية في البلاد العربية.
بعدها نُقِلَ إلى الفرقة 17 التي كانت تضم في معظمها من الضباط العرب والعسكر وهي سياسة اتبعتها السلطات العثمانية في محاوله لها لإبعاد هؤلاء الضباط الذين لديهم حس عالي وثقافة متنورة واهتمام صادق بالمشاعر العربية نتيجة سياسات التتريك والاضطهاد و الرغبة بالتحرر من براثن الأتراك .

فتم نقلهم جميعا إلى الحرب في قناة السويس مع الإنجليز عام 1914 وإنتهت الحملة بالهزيمة وفرار الضباط الأتراك من المعركة وبقاء الضباط العرب في المواجهة مع القوات الإنجليزية، واستطاع القائد علي خلقي الشرايري من سحب قوات الفرقة 17 مع باقي ضباطه بطريقة استراتيجية لتخفيف الخسائر وحماية أرواح الضباط العرب .

عاد علي خلقي إلى استانبول لقضاء فترة إجازة، وفي تلك السنة التقى مع الأمير فيصل وتباحثا معاً في احوال الولايات العربية في ظل بدايات الحرب العالمية الأولى وما ساءها من أحوال، وقد تكاشف علي خلقي والأمير فيصل في شؤون وأسرار الجمعيات العربية العاملة وحينها ارتاح الأمير بعد أن علم أن علي خلقي الشرايري عضو في جمعية العهد والتي معظم افرادها من الضباط و الثوار العرب .

أُرسلَ علي خلقي مرغما إلى العراق مع الجيش التركي لمحاربة الإنجليز، في معركة كوت العمارة فاستبسل في معاركها وأظهر شجاعته المتفانية إلى أن أُسِرَ من قبل الإنجليز وأرسِلَ إلى المعتقل في الهند، وعندما علم الإنجليز بهويته الحورانية الأردنية ولِمَا يتمتع به من رتبة عسكرية عالية حاولوا أن يستميلوه إلى جانبهم، وعرضوا عليه رتبة أعلى، فخدعهم وأظهر قبوله، ومن ثم هرب منهم والتحق بالجيش التركي مرة اخرى ذلك أنه كان يرفض اشكال الاستعمار و أوجهها و كانت مبادؤه لا ترضى له التفلت من الالتزام و الانضباط العسكري، فكسب عداوة الإنجليز، مما أثر على علاقاته مع الشريف حسين بسبب وشايتهم عليه واتهام الانجليز له بأنه معاد للثورة فيما بعد عندما نُقِلَ إلى مكة المكرمة عام 1916 حاكما عسكري قبل إعلان الثورة .


علي خلقي والثورة العربية

كان تنفيذ حكم الإعدام بحق الأحرار العرب في دمشق الحافز للشريف حسين بن علي لبدء العمل بالاستعجال لاستكمال استعداداته لإعلان الثورة، وبخاصة عندما علم أن هنالك قوات عثمانية على وشك الزحف إلى الحجاز مع بعثة ألمانية بقيادة البارون  ” اوثمار فون ستوتزجن “،  وكانت هذه المعلومات قد قدمها له القائد علي خلقي الشرايري الذي كان حاكما عسكريا في مكة حينها، بعد أن توطدت العلاقات بينه وبين الشريف حسين خاصة بعد ما سمعه عن القائد علي خلقي من ابنه الأمير فيصل من انتسابه المبكر لجمعية العهد والمنتسب إليها أيضاً الأمير فيصل، فطلب منه الشريف حسين بعد إعلان الثورة أن يذهب إلى الهند ويجند الضباط العرب المأسورين عند الإنجليز، حيث أن القائد كان له صيته على مستوى الضباط العرب. واستطاع القائد علي خلقي أن يجند الضباط وأن يجمعهم على كلمة واحد وهي الاستقلال من الحكم العثماني وأن يلتفوا خلف الشريف حسين بن علي، فعاد بهم من الهند ودربهم على الأسلحة البريطانية، والتحقوا بالأمير فيصل في أوائل تشرين الثاني سنة 1918 في العقبة ليقودهم علي خلقي و ينفذ عددا من العمليات العسكرية ضد الاحتلال العثماني على الأرض الأردنية الي أحبها و أخلص لها.

يروي علي خلقي في مذكراته” وفي تشرين الاول عام 1918 ذهبت الى الهند وعملت دعاية حسنة للثورة العربية الكبرى وجمعت عددا كبيرا من الضباط والجنود من المعسكرات منهم الرئيس نوري السعيد والرئيس بهاء الدين نوري من العراق والملازم أول شكري القوتلي والملازم ثاني احمد مريود والملازم أول الامير محمود الفاعور من سوريا ومن فلسطين الرئيس صبحي الخضراء والرئيس عارف العارف وملازم ثاني امين الحسيني ومن الاردن الملازم ثاني أحمد صدقي الجندي والملازم اول طارق الجندي والملازم ثاني عبدالرحمن الجمل والملازم أول محمد علي العجلوني والملازم ناصر الفواز والملازم ثاني احمد التل”ابو مصعب” وغيرهم، ووصل العدد الى 800 ضابط وجندي وقمت بتدريبهم على الأسلحة البريطانية وبعد انتهاء التدريب لأول كتيبة عربية سافرنا بالباخرة إلى مصر ثم إلى العقبة والتحقنا بالأمير فيصل الذي كان في استقبالنا في أوائل تشرين الثاني”.

إن الشعور الذي لازم علي خلقي ومن معه من الضباط والجنود لا يمكن وصفه كما عبر عنه في مذكراته لأنها المرة الأولى التي يحاربون بها ضد الجيوش التركية ويعملون بإمرة شريف العرب لا بإمرة القادة الاتراك وأنهم من تلك اللحظة جنود الثورة العربية ونواة جيشها النظامي المدرب. وانضموا الى جيش الثورة واستقبلهم الأمير فيصل شخصيا وعانق علي خلقي ورفاقه الضباط بحرارة القائد ورحب بهم وألقى كلمة حماسية عبر فيها عن اعتزازه بالفرسان العرب الجدد الذين سيرفدون الثورة بقوة جاءت في وقتها.

علي خلقي في العهد الفيصلي

رافق اللواء علي خلقي الأمير فيصل بعد إعلان الاستقلال والبدء بحكومة عربية إلى مؤتمر باريس،  إذ كان المرافق الشخصي له، ومعاونا له بشؤون المفاوضات. وبعدها عند عودتهم إلى سوريا عين حاكما عسكرياً في الكرك، ثم نقل إلى منطقه القنيطرة حاكما عليها، لاحقا بعد أن أنزل الفرنسيين جيوشهم على الساحل السوري، وانسحاب القوات البريطانية من سوريا، واعتقال ياسين الهاشمي الذي عجل بإعلان الثورة من القنيطرة بقيادة علي خلقي الشرايري، فأخذ يوزع الجنود إلى مجموعات ويعين الضباط لمواجهة الفرنسيين وقد التحق به القائد محمد علي العجلوني ومحمود أبو راس وأحمد التل ومعهم 30 فارسا من ناحيه إربد وبني عبيد،  ومن الكورة 35 فارساً ومن الوسطية ايضا 30 فارساً، ومن ناحية السرو والكفارات 40 فارساً، و120 فارساً من عشائر العدوان والصخور. وقد قام الشيخ فواز البركات بجمع الأموال وتحشيد الإمكانيات لهذه الثورة، إلا أنه لم يكتب النجاح لها بسبب عدم مؤازرة المناطق السورية لها، وقله العدة والعدد، فأصدر الأمر باعتقال علي خلقي من قبل الفرنسيين. وبعد وصول التوتر إلى ذروته بين الملك فيصل والفرنسيين، وأصبح واضحاً أن الأمور تسير في اتجاه الحرب، وقعت معركة ميسلون، فخرج على أثرها الملك فيصل من دمشق ومعه علي خلقي الذي أوصله إلى ميناء حيفاء ، واستأذن منه العودة إلى إربد مسقط رأسه.

 

علي خلقي و الحكومات المحلية

قام علي منذ وصوله إلى إربد بجمع زعمائها و وجهاء العشائر، من أجل تشكيل حكومة وطنية للاحتفاظ بطابع الأردن الوطني، وخطب فيهم بأنه لا يسعى إلى جاه أو ثروة،  ولا انتماء إلى طبقة تؤهله للزعامة، فوضعهم في صورة الاحداث في المنطقة وما آلت اليه الأمور، وبين لهم معنى الانتداب الفرنسي والبريطاني. فعين رئيسا لحكومة إربد، ومن ثم قرأ عليهم رسالة المندوب السامي البريطاني المتضمنة دعوة زعماء شمال الأردن لحضور لقاء السلط ومناقشتها وتحديد ما إذا أرادوا المشاركة فيه أم لا، فأجمع الحضور على أن لا يشاركوا وأنهم يريدون أن يكون المؤتمر في قرية ام قيس كونها تقع في منتصف الطريق ولأن لواء الشمال يضم حوران ولواء القنيطرة وعدد سكانه كبير ويحتاج مؤتمرا خاصا .

وكانت مطالب المجتمعين في مؤتمر أم قيس كالتالي :

نقبل أن تُشَكّل الآن حكومة وطنية مستقلة مركبة من لوائي الكرك والسلط وقضائي عجلون وجرش ، ونطالب الحكومة البريطانية بضم لواء حوران وقضاء القنيطرة إلى هذه الحكومة كونها أراض أردنية باعتبارهم و عشائرها واحدة تحت الشروط الآتية :

  • أن يكون لهذه الحكومة أمير عربي .
  • أن يكون لهذه الحكومة مجلس عام لوحدة البلاد، وسن القوانين، وإدارة الشؤون الداخلية وتنظيم الميزانية.
  • أن تمنع الهجرة الصهيونية بتاتاً إلى داخل هذه الحكومة .
  • أن تمنع بيع الأراضي لليهود .
  • أن يكون لهذه الحكومة جيش وطني لأجل حفظ النظام وتقرير الأمن .
  • حرية التجارة بين هذه الحكومة وما جاورتها من حكومات واعطاؤها حقوق وإرادات الجمارك .
OMQAIS
صورة لوثيقة مؤتمر أم قيس

وبعد هذا المؤتمر باشرت حكومة إربد العمل بجد وإخلاص، وبدأت بتشكيل نواة لجيش وطني، وقوات أمن وتنظيم شؤون الإدارة وفق أحدث الأساليب والطرق الديموقراطية وهي من خلال الانتخاب، وجرت الانتخابات لأول مرة بانتخاب مجلس تشريعي وبالاقتراع السري وفاز ناجي العزام وحسن عبدالوالي عن ناحية الوسطية، وسعد العلي وقاسم غرايبة ونجيب فركوح عن ناحية بني جهمة، وتركي كايد العبيدات وحسن علي طوالبة عن ناحية الكفارات،  وسليمان السودي وفالح السمرين عن ناحية السرو، ومحمود الفنيش النصيرات وسالم الهنداوي وايوب ابراهيم عن ناحية بني عبيد، وبسبب الانشقاق الذي اشعله الانتداب البريطاني في الكورة لم تجر فيها انتخابات ولم يحضر عنها مندوب على أمل أن يتواصل علي خلقي مع كليب الشريدة . فكانت هذه حجة للإنجليز بعدم تنفيذ مطالب المؤتمر، لأنهم بالأصل أرادوا الفراغ الإداري والسياسي وعملوا على بث التفرقة المناطقية والجهوية.

كان علي خلقي يسعى لإيجاد رابطة وطنية تشمل كل الأراضي الأردنية فأخذ على عاتقه أن يرسل إلى كل من الحكومات المحلية في السلط والكرك رسالة قال فيها : “أوافي حضرتكم طي كتابي هذا بصورة عن المعاهدات التي جرت بين أهالي قضاء عجلون والمعتمد البريطاني سمرست في شأن حكومة شرقي الأردن، فأرجوكم تبليغها لأهالي الكرك والتفضل بإعلامي  بآراء الشعب هنالك كي نكون على بصيرة ونسعى لإيجاد رابطة مدنية لذلك العش الصغير “.  وكذلك أرسل إلى السلط وجرش وباقي المناطق الأردنية، إلّا أنه لم يتم الاستجابة بسبب التدخلات البريطانية المتكررة و الرافضة لتوحيد الحكومات الأردنية في حكومة واحدة. خاصة أن ذلك لا يصب في مصلحتها . ومع اشتداد ثورة حوران التي كانت حكومة إربد والرمثا من أبرز الداعمين لها في مقاومتها ضد الفرنسيين، واستنجاد الأهالي بالشريف الحسين بن علي، اختار ابنه الأمير عبدالله ليقوم بنجدة الأهالي ومقاتلة الفرنسيين، لأن البلاد كانت في حالة هياج وعصيان، فخشي الفرنسيون لمعرفتهم بنوايا الشريف الحسين، فقاموا بالاستعجال لإخماد ثورة حوران. وعملوا مع حلفائهم الإنجليز في محاولة إعاقة تقدم الأمير عبدالله إلى سوريا . وعند وصول الأمير عبدالله إلى الأردن، ونجاحه في استقطاب الزعامات الأردنية، أرسل الأمير عبدالله إلى علي خلقي الشرايري  للتجهيز لقتال الفرنسين ، فأبلغه بأنه قادر على تجهيز ثلاثة آلاف جندي نظامي إذا توفر المال والسلاح . ولصعوبة ذلك وضغط الإنجليز على الأمير عبدالله بعدم قدرته على محاربة الفرنسيين و عدم السماح له بالوصول الى سوريا. ولظهور الحاجة إلى توحيد الحكومات المحلية في حكومة مركزية واحدة مع مبايعة العشائر الأردنية للأمير عبدالله أميرا على البلاد بدأت أول مشاركة وزارية لعلي خلقي الشرايري في عهد الأمير عبدالله في عام 1921 .

علي خلقي وزيراً

عين اللواء علي خلقي مشاور الأمن والانضباط وعضو في مجلس المشاورين، فعقد عزمه على تعضيد الجيش الأردني، وتقويته وتنميته وتزويده بالأسلحة، وأصبح  منذ 11  نيسان 1921 مرجع قوى الأمن الأربع: قوة الدرك الثابتة ، وكتيبة الدرك الاحتياطي ، والكتيبة النظامية ، وقوة الهجانة.
وكانت عنده رغبة قوية في إخراج القوة العسكرية البريطانية، ومن هنا كان دائم التصادم مع الجنرال البريطاني فريدرك بيك كونه كان يتمتع بلقب مفتش الدرك العام. ولكن بسبب الظروف الاقتصادية في بداية عهد الامارة لم يستطع ذلك ، بل زادت سيطرة البريطانيين وأصبحوا أكثر سيطرة على نواحي الأمن والأمور العسكرية، إضافة إلى رغبة الإنجليز في استبعاد علي خلقي لتسهل لهم إدارة الشؤون العسكرية في البلاد . وبقي في منصبه هذا حتى 23 حزيران 1921 مع استقالة الحكومة على إثر احداث الكورة .

من الحياة العسكرية إلى المدنية

كانت نقله نوعية للوزير الجديد علي خلقي الشرايري الذي تولى وزارة المعارف في حكومة حسن ابو الهدى، اذ من قائد عسكري قاتل على اكثر من جبهة وشارك في معارك كثيرة في مواجهة اشكال الاحتلال و الاستعمار، إلّا أنه اثبت أنه رجل قادر على أن يتولى كل المناصب، وحقق إنجازات كثيرة وكبيرة ووضع حجر الأساس للمدن السلطانية  في السلط، وأسس أول مجمع علمي في الأردن برئاسة سعيد الكرمي . وكانت له فكرة إنشاء جامعة منذ بدايات تأسيس حكومة إربد.  الا أن ضعف تلك الحكومة من الناحية المادية وتشرذمها من الناحية الإدارية لم يمكنه من انجاز ما أراد، الا أنه استملك أرضاً في حوض الحميرة حسب ما أورد مقال محمود ابو غنيمة في مجلة العروبة عام 1958، وما أن وصلت الفكرة إلى جلالة الملك حسين حتى امر بإنشاء أول جامعة اردنية .  وأنتدب علي خلقي ليمثل إمارة شرق الأردن في مؤتمر الكويت لحل الخلافات في فترة الغزو الوهابي على الأردن عام 1924.

خطوات نحو الاستقلال النهائي

إن مقولة علي خلقي : ” إن هموم البلاد أكبر بكثير من همومنا الشخصية “ تدل على تفانيه وحرصه على تحقيق الاستقلال من الإنجليز،  إذ بعد أن استبعد من الوزارة، دأب علي خلقي في العمل ضد الإنجليز، فبدأ بعقد الاجتماعات والتحريض ضدهم وخصوصا ضد سيطرة سلطات الانتداب على الحكومات والتحكم في موازنة الدولة، وتخفيض قوة الجيش، و توسيد المناصب الإدارية بالدولة لمنتفين ومستغلين من خارج ابناء الأردن من أؤلئك الهاربين من مواجهة الاحتلال في بلادهم ، وزادت خططه من حدة الاحتجاجات عام 1928 ورفع عريضة إلى عصبة الامم احتجاجاً على ممارسات سلطات الانتداب قال فيها : “ان الغاية من الانتداب هي تعليم الشعوب العاجزة وإرشادها إلى الطريق التي توصل إلى الاستقلال، مع تبادل المنافع بين الطرفين، ولا تحصل هذه الغاية إلّا بعد أن يتولى الشعب إدارة شؤونه مباشرة ويمارسها مستعينا بالدولة المشرفة على أعماله فيصلح ما يقع منه من أخطاء . فلا ثمرة من الإشراف والانتداب اذا سلبت الحكومة المنتدبة إدارة جميع أمور الشعب الضعيف وأخذت تديرها مباشرة”.  وتوج عمله مع الوطنيين الأردنيين بعقد المؤتمر الوطني الأول الذي تمخض عنه بعدها بتأسيس أول مجلس تشريعي في الأردن .

أخذ علي خلقي عهدا على نفسه على ألا يعمل في حكومة الانتداب ، وحاول الأمير عبدالله أكثر من مرة في زياراته إلى القائد علي خلقي استمالته من جديد و بيان أهمية وجوده في مصانع القرار و عن قرب حتى تنجح الرؤية الوطنية في التخلص من الانتداب ، إلى أن وافق أن يكون كبير المرافقين عام 1930 فعمل مع الأمير عدة شهور .

سجن علي خلقي على إثر اتهامه من قبل الإنجليز في تفجير خط أنابيب البترول، ورغم ظهور براءته الا أنه رفض الخروج من السجن وتقديم اعتذار للحكومة البريطانية، وبسبب طول فترة الاعتقال ومحاوله الصاق التهمة به   ارسل الأمير عبدالله له عبدالله كليب الشريدة في محاولة لاقناعه للرجوع عن موقفه إلى أن صدر الأمر بالإفراج عنه بدون أن يقدم اعتذاره  للحكومة البريطانية بعد وساطة الأمير عبدالله . استقر بعد ذلك في مسقط رأسه إربد وقرر اعتزال السياسة  والحرب. وقد حاول الكثيرون من اصدقائه  ثنيه للرجوع عن قراره وذلك بتأسيس حزب سياسي يقوده بنفسه الا أنه رفض، ورفض الاشتراك  في الانتخابات و حتى مع زيارات الأمير عبدالله له في محاوله ارجاعه إلى سلك الدولة مرة أخرى فرفض ايضا. وعرضت عليه وزارة الدفاع بعد ذلك فاعتذر . حتى أنه عرضت عليه استلام رئاسة الحكومة الاتحادية ( الأردنية – العراقية ) فاعتذر ايضا وبقي يراقب الأحداث من بعيد .

” وها أنا أحرث وأدرس الزيتون ، لأكل زيت بلادي ، وإن أفخر وسام تقلدته هو وسام شجرة الزيتون التي زرعتها ” .  كانت هذه الجملة التي كتبها اللواء علي خلقي الشرايري عام 1959 في مذكراته تعبيرا عن موقفه النهائي . توفي بعدها في 25 /6 / 1960 في إربد .

JANAZEH
مجموعة صور من جنازة القائد علي خلقي الشرايري أثناء رفعها على الأكتاف ووضعها على المدفع للسير بها إلى المقبرة – مصدر الصورة : صفحة التاريخ الأردني

المراجع

  1. مشاهير في التاريخ الأردني، سيرة أمير اللواء علي خلقي الشرايري ، محمود عبيدات ،عمان ، 1993.
  2. أوراق منسية ” علي خلقي الشرايري” ، صحيفة الدستور الأردنية، 4 حزيران 2012.

أمير اللواء علي خلقي الشرايري

Scroll to top