مقدّمة

برع الأردنيون الأنباط في إنشاء وتطوير المنشآت المائية التي كان وما زال بعضها محط لغز لدى العديد من دارسي هذه الحضارة الأردنية العظيمة، ومن المعروف أن الأردنيين الأنباط انتشروا بنفوذهم في الأراضي الجنوبية من الاردن بداية تأسيسهم للمملكة الأردنية النبطية والتي كانت عُرفت بشُح المياه وتذبذب المواسم المطرية، فضلا عن  توسع رقعة المملكة ما بين القرنين الأول والثاني الميلادي، والزيادات السكانية الحاصلة فإنه كان من الضروري المحافظة على المصادر المائية وإدارة كل نقطة ماء، وكان من المهم تكريس جهودهم لتأمين احتياجاتهم وابتكار عدة وسائل لحصاد المياه وإدارة توزيعها، وبالتالي أسس الأنباط أنظمة عديدة لحفظ المياه ما هي الآن إلا بقايا لشبكة متطورة مواكبة للشبكات المائية الحالية وتفوق بعضها تطورا وعبقرية.

وقد اختار الأردنيون الأنباط البترا كعاصمة لمملكتهم، حيث تقع البتراء جنوب البحر الميت وشمال خليج العقبة في منطقة جبلية ذات تعاريج وعلى حافة حفرة الانهدام، وعند إلقاء النظر على البترا من الأعلى نرى مجموعات من الكتل الصخرية على ارتفاعات مختلفة تتراوح بين 900 إلى 1200 متر فوق سطح البحر، أما الحالة المناخية للبترا فوقوعها عند ملتقى المنطقتين المتوسطية والصحراوية يفسر التباين المناخي حيث تنتمي البترا للمناطق متوسطة الهطول بمعدلات هطول تتراوح بين 200 إلى 300 ملمتر سنوياً، أما المناطق االشمالية من المملكة الأردنية النبطية كالذريح والسلع التي تعتبر من مناطق الجبال إذ تتخللها أهم الوديان كوادي الموجب ووادي الحسا، وتتراوح نسبة الهطول فيهما بين 300 و600 ملمتر سنوياً، وفي المناطق الأخرى كمنطقة وادي عربة فبالكاد أن تصل نسبة الأمطار إلى 100 ملمتر سنوياً بل تصل في فينان إلى 50 ملمتر سنوياً، وتقل نسبة هطول الأمطار قلة ملحوظة في منطقتي وادي رم ورأس النقب بانتمائها للنطاق الصحراوي بمعدلات الهطول التي لا تتجاوز 50 ملمتر سنوياً .

وفقاً لهذه الظروف المناخية فقد كانت أبرز التحديات التي شغلت بال الأردنيين الأنباط كانت تتمثل في قلة نسب الأمطار وتباينها من منطقة إلى أخرى، فوجدوا لها الحلول التي كان لها الدور الكبير في حماية المظاهر العمرانية والحضارية للمملكة الأردنية النبطية، كما كانت الطرق المستخدمة في تخزين المياه تسمح باستثمار الأراضي الزراعية وزيادة انتاجيتها .

الهندسة الأردنية النبطية في تصميم البرك وأحواض السباحة

انتبه الأردنيون الأنباط أثناء عمليات الإعمار والبناء والتخطيط في مملكتهم العظيمة بأنه لا بد من الاستفادة من أماكن التقاء السيول مع المنحدرات الصخرية ، فقاموا بإنشاء البرك وأحواض السباحة وكان هذين النوعان من المنشآت المائية الأكثر انتشاراَ في المملكة الأردنية النبطية .

نُحتت البرك في الصخر الرملي مثلها مثل معظم المعالم الأردنية النبطية، وكان إنشاء هذه البرك يتم ضمن خطوات تدريجية متتالية تتم أولاً بوضع خطة لاختيار الموقع ومن ثم البدء بتقطيع الصخور والاستفادة منها في بناء المداميك، ولم يلتزم الأردنيون الأنباط بقياس أو شكل محدد لإنشاء البرك بحكم طبيعة الطبقات الصخرية، والتي لم تمكنهم من تخزين المياه مباشرة مما استدعاهم إلى إتمام الأجزاء الغير متساوية ببناء طبقة من الحجارة المتماسكة بالمونة الاسمنتية، وبعد الانتهاء من حفر أساسات البرك يتم حفر أساسات الأقواس التي تغطي البرك، حيث يتم تثبيت الحجر الأول للقوس في الواجهة الطولية للبركة ومن ثم تُبنى الحجارة فوقه بانحدار تدريجي وعند اكتمال بناء القوس يتم تغطيته بالجبس، وفي بعض الأحيان كانت هذه البرك تُسقف ببلاطات لتسد الفجوات بينها وبين المونة الاسمنتية مما يستدعي زيادة تماسك السقف وحمايته من التآكل .

وقد تعددت أشكال البرك في المملكة الأردنية النبطية حسب استخداماتها، فأنشؤوا البرك المكشوفة ذات الاستعمال المحدود وقصير الأمد؛ فقد عُثر على ما يٌقارب الخمسين بركة في منطقة الحميمة بالقرب من العاصمة الأردنية النبطية “البترا”، إذ كانت هناك بركتان تشكلان جزءاً لا يُستهان به من نظام الري المتكامل لمنطقة الحميمة، كما عُثر على أحواض عديدة يُرجح استخدامها لسقاية المواشي.

وضمن بعثة أجنبية قادمة من جامعة بنسلفانيا اكتشف الأستاذ آن بيدال المتخصص في علوم الإنسان، وجود بقايا نوافير وبرك مائية وأحواض سباحة هائلة الحجم تبلغ مساحتها 44 متراً مربعاً، كما وجدت مجموعة من الأقنية التي تزودها بالمياه من “عين براك” الواقعة في التلال خارج البترا، ولا تقتصرهذه البرك على توفير المياه اللازمة لتلبية احتياجات الناس اليومية فقط، ولكن كانت أيضا مصدراً أساسياً لتروية زراعة المحاصيل والفواكه وإنتاج النبيذ بالإضافة إلى زيت الزيتون، وظهر بشكل جلي أن العمارة الأثرية لحوض السباحة والروضة الخضراء كانتا رمزين لنجاح الأردنيين الأنباط في توفير المياه لوسط المدينة.

كما كشفت عمليات التنقيب الأثرية الأخيرة عن وجود محور يبدو أنه كان يحمل المياه إلى عمق يزيد عن 10 أمتار، لينقلها من القناة إلى مستوى حوض السباحة، كما حوض السباحة الموجود داخل العاصمة الأردنية النبطية ” البترا ” بجانب المعبد الكبير في الجهة الشرقية للمدينة ويٌرجح تاريخ إنشائه إلى القرن الأول قبل الميلاد، كما عثر علماء الآثار أيضاً على قنوات تحت الأرض ساعدت في التحكم في جريان المياه فوق سطح الأرض خلال موسم الأمطار، مما يفصح لأول مرة عن النظام المعقد الذي اتُّبع لتنفيذ عملية الري .

أكدت هذه التنقيبات الأثرية جميعها على عظمة وقدرة الأردنيين الأنباط على ترويض الطبيعة والإدارة الحكيمة للموارد المائية المتاحة، وقد تمكنوا من القيام بذلك بفضل النظام الهيدروليكي العبقري الذي اخترعوه والذي لم يقتصر على السماح للسكان بالاحتفاظ بالمياه لحاجاتهم فحسب، بل سمح لهم أيضاً بتطوير بنيتهم الاقتصادية والنهوض بكافة القطاعات التنموية التي لم تتجاهل بالطبع الحاجات الرفاهية للسكان .

المراجع :

المحيسن ، زيدون ، هندسة المياه والري عند العرب الأنباط ، بيت الأنباط ، الطبعة الأولى ، 2002 ، (البتراء – الأردن)

الحموري ، خالد ، مملكة العرب الأنباط : دراسة في الأحوال الاجتماعية و الاقتصادية ،الطبعة الأولى ، البتراء:بيت الأنباط ، 2002 ، (عمان – الأردن)

اكتشاف حدائق البتراء الأثرية بعد 2000 عام ، وكالة روسيا اليوم ، 03/10/2016

حضارة الأنباط ، جبال تعانق السماء ، صحيفة الرأي ، عمان ، الأردن ، 21-9 ، 2004

الهندسة الأردنية النبطية في بناء البرك وأحواض السباحة

مقدّمة

تميزت  الهندسة النبطية بالشمولية وبأنها كانت نظاماً مدروساً صممه عباقرة من المهندسين الأردنيين النبطيين، فلم تقتصر براعتهم على تدبير المياه فقط بل في قدرتهم على قهر الصخر، إذ قام الأردنيون الأنباط بشق الصخور وإعادة تشذيبها ليصمموا هذه القنوات المائية التي كان من شأنها أن تخدم سكانها فضلاً عن التجار والقوافل التجارية المارة، وقد أدرك الأردنيون الأنباط أن الماء باكورة استمرار حضارتهم، فعملوا جاهدين على ايصال المياه عبر الصخور إلى مدينتهم كما أُنشأت المنظومة الخاصة بالري ونُظمت أدوار المعالم التي تحتويها بحيث بلغ تنظيم أدوارها حداً لا يُستهان به من التطور مقارنة بالحقبة التي تواجدوا فيها .

وقد اختار الأردنيون الأنباط البترا كعاصمة لمملكتهم، حيث تقع البتراء جنوب البحر الميت وشمال خليج العقبة في منطقة جبلية ذات تعاريج وعلى حافة حفرة الانهدام، وعند إلقاء النظر على البترا من الأعلى نرى مجموعات من الكتل الصخرية على ارتفاعات مختلفة تتراوح بين 900 إلى 1200 متر فوق سطح البحر، أما الحالة المناخية للبترا فوقوعها عند ملتقى المنطقتين المتوسطية والصحراوية يفسر التباين المناخي حيث تنتمي البترا للمناطق متوسطة الهطول بمعدلات هطول تتراوح بين 200 إلى 300 ملمتر سنوياً، أما المناطق االشمالية من المملكة الأردنية النبطية كالذريح والسلع التي تعتبر من مناطق الجبال إذ تتخللها أهم الوديان كوادي الموجب ووادي الحسا، وتتراوح نسبة الهطول فيهما بين 300 و600 ملمتر سنوياً، وفي المناطق الأخرى كمنطقة وادي عربة فبالكاد أن تصل نسبة الأمطار إلى 100 ملمتر سنوياً بل تصل في فينان إلى 50 ملمتر سنوياً، وتقل نسبة هطول الأمطار قلة ملحوظة في منطقتي وادي رم ورأس النقب بانتمائها للنطاق الصحراوي بمعدلات الهطول التي لا تتجاوز 50 ملمتر سنوياً .

وفقاً لهذه الظروف المناخية فقد كانت أبرز التحديات التي شغلت بال الأردنيين الأنباط كانت تتمثل في قلة نسب الأمطار وتباينها من منطقة إلى أخرى، فوجدوا لها الحلول التي كان لها الدور الكبير في حماية المظاهر العمرانية والحضارية للمملكة الأردنية النبطية، كما كانت الطرق المستخدمة في تخزين المياه تسمح باستثمار الأراضي الزراعية وزيادة انتاجيتها .

قنوات المياه في المملكة الأردنية النبطية 

جاءت فكرة القنوات  للأردنيين الأنباط  من حرصهم الشديد على استغلال كل قطرة ماء عابرة إليهم استغلالاً جيداً ينسجم مع تنوع استخدامها سواء كانت للشرب أو في مجال الري أو المجالات الخدماتية، فنجد في العاصمة الأردنية النبطية البترا مثلا عدداً لا يُحصى من بقايا القنوات التي ما زالت حاضرة إلى يومنا هذا.

أولا ً: المواد المستعملة وطرق إنشاء القنوات 

أُنشأت القنوات في المملكة الأردنية النبطية من عدة مواد تفرعت إلى قنوات منحوتة في الصخر وقنوات صخرية بالإضافة إلى قنوات رصاصية – سنأتي إلى تفصيلها لاحقاً- ، أما بالنسبة لقنوات التصريف وطريقة تصريف مياه القنوات فقد اقتصرت على ثلاث طرق إما عن طريق المجاري أو بواسطة أنابيب من الرصاص أو الفخار ، وبالإضافة إلى هذه الطرق ابتكر الأنباط طريقة رابعة تمثلت في تمديد القنوات في الحواجز الصخرية .

ثانياُ : أشكال القنوات في المملكة الأردنية النبطية

  • القنوات الصخرية

كان هذا النوع من القنوات يخترق الحواجز الصخرية، فنُحتت هذه الحواجز وفق الحاجة إما على شكل مقطع مقعر وقائم الزاوية لكي يتم الحصول على شكل مثلث أو مستطيل حيث كان يبلغ عمق المجرى ما بين 0.30 – 0.40 متراً  ومتوسط عرضه 0.20 متراً، ويكون الجزء العلوي منها عبارة عن قبة طبيعية فوق القناة لتأمين الوقاية لها، إذ كانت هذه القباب تمنع مياه السيول غير المصفّاة من الامتزاج بمياه القناة، وكانت بعض القنوات  تُغطى ببلاطات حجرية ويكون هذا النوع من القنوات واضحاً للعيان في السيق فلا تزال بعضها مغطاة إلى الآن بالبلاطات الحجرية وقصارة يميل لونها إلى الرمادي أو الأبيض وتمت تسوية أجزائها بمزيج من الجير والرمل بالإضافة إلى كِسر الصوان والفخار حيث يُعطي هذا المزيج تماسكاً كبيرا مع الصخر، وتنبع فائدة هذه القصارة ليس في اقتصارها على منع المياه من التسرب من الصخر بل أيضاً لحيلولة المياه عن الحت والتعرية على طول مجرى القناة فضلاً عن ملئه بالترسبات كون هذا النوع من القنوات ذا انحدار قوي نسبياً ،كما كانت تُساعد أيضاً على سد الحفر السطحية في الصخور، ومن الجدير بالذكر أن هذه القنوات كانت تردها المياه من العيون “الينابيع”  .

 

  • القنوات الصخرية الجامعة للمياه

تشبه هذا النوع من القنوات من حيث مواد الإنشاء القنوات الصخرية الواردة من العيون لكن مع وجود اختلافات تراعي بالأساس فترة استخدامها التي تقتصر على فصل الشتاء والذي بدوره يؤدي إلى اهتمام أقل بعملية التصميم، فقد كان هذا النوع يُقطع وفق مقطع مستطيل أو مُقعر الذي يسمح لمياه السيول بالتسرب مباشرة إلى مجرى القناة، ولم يكن هذا النوع من القنوات يُغطى بطبقة القصارة بسبب سرعة المياه الجارية فيه والذي بدوره يترك المجال للمياه بأن  تنخر الصخر ما إذا غُطيت القناة بطبقة علوية لذلك بقيت هذه القنوات دون غطاء وحماية معينة .

  • القنوات المبنية 

في هذا النوع كانت القنوات تُمد فوق دكه أو جدار من الحجارة يلعب دور القنطرة وأحياناً يتم اتخاذه كسدٍّ، وبذلك كان المجرى يُصمم داخل كتل حجرية تغطيها بلاطات حيث يتم استعمال بعض من المقاطع الصغيرة التي لا تتعدى أمتار قليلة، وهذه التقنية كانت تستخدم أساساً لعبور الأودية والمناطق الرملية بالإضافة إلى القطاعات التي تعرضت صخورها إلى تعرية وحت شديدين مما يجعلها غير مفيدة في استغلالها، ولضمان تأمين استمرارية جريان المياه في القناة كانت تُلصق بالصخر بلاطات أو كتل حجرية.

  •    القنوات الفخارية 

تكمن أهمية الأنابيب الفخارية في سهولة إصلاحها عند وجود عُطل ما كما أن المياه الجارية فيها تُعتبر أطيب مشرباً من المياه الجارية في الأنابيب الرصاصية، ولكن الأردنيين الأنباط كانوا قد فضَلوا القنوات الصخرية على القنوات الفخارية لسهولة بناءها في البترا، ولكنهم بنوا القنوات الفخارية كالقناة المتواجدة في السيق، فقد تشكلت هذه القناة من وحدات عُشّقت داخل الصخر المنحوت بمقطع دائري، والذي كان يُؤمن دعامة كبيرة للقناة مع جعلها غير مرئية إذ كان الجانب الخارجي يُغلق بعد اتمام القناة، وكان طول القناة 0.45 متر بينما يتراوح قطرها بين 0.15 متر و 0.16 متر، وكان يُكشف عن أحد أطرافه عن طريق وصلة مطلية بالقصارة تقوم بتأمين مقاومة جيدة للرشح والسيلان، وكان هذا النوع من الأنابيب قد صُنع وفق الإطار الأوغسطي حيث يتم ربط الأطراف بينها باستخدام الجير المذوب بالزيت وفي نهاية القناة ينخفض قطر القناة إلى 0.28 متر .

أما بالنسبة إلى الأنابيب المتصلة بقناة براق فتعتبر ذات مقاييس أقل بشكل واضح فقد كانت تُشكل جُزءاَ من الفروع الثانوية، حيث يبلغ طول هذه الأنابيب 0.25 متراً بقطر يصل إلى ما يُقارب 0.10 متر .

أما بالنسبة إلى قناة دبدبة فقد أقيمت بعناية كبيرة وفائقة حيث تم حفر الصخر ومن ثُم تغطيته بطبقة من الملاط، ما يعني أن الأنبوب قد عُشق بالداخل مع استخدام كِسر صغيرة من الحجارة كما غُطي بقصارة مركبة من الجير والرماد والكسر الصوانية والفخارية، وكان يبلغ طول كل أنبوب في القناة 0.42 متر بقطر لا يتعدى 0.10 متر وذلك لضعف تدفق المياه في القناة كما هو الحال في قناة براق ، وتجدر الإشارة هنا إلى أن قناة براق ودبدبة تردان من مياه العيون محتوية على معادن فكانتا تمتلئان بالرواسب المُسماة بملح الطرطير والذي كان بدوره يُقلص من قُطر القناة إلى النصف مما يؤدي إلى انخفاض مستوى التدفق.

كما  وُجد اثني عشر أنبوباً إلى الغرب من خزان قصر القبر بمنطقة معروفة باسم “أم صنيديقة” حيث يبلغ طول هذه الأنابيب 0.43 متر وبقطر 0.12 ، متر بينما يتراوح سمكها بين 0.15 متر إلى 0.18 متر ووُصلت ببعضها عن طريق وصلات يبلغ طولها 0.04 متر .

وبجانب هذه الأنابيب عُثر على أنابيب في مسرح البترا تعمل على تصريف المياه الجارية من أعلى المسرح نحو الوادي بالأسفل ويصل طول هذه الأنابيب إلى 0.18 متر كما يبلغ قُطرها 0.41 متر .

  •  القنوات الرصاصية 

يُعد هذا النوع من القنوات نادر الوجود والاستخدام في البترا حيث لم يُحَث على استخدامها، بسبب أنها تقوم على خلط بين الرصاص وكربونات الرصاص السامة أثناء جريان المياه بداخلها، ولكن وُجدت كِسر قليلة تمثل هذا االنوع من القنوات تنتمي تحديداً لمعبد قصر البنت، وقد كانت عبارة عن مزاريب تستخدم لتصريف الأمطار لتجاوز إلحاق الضرر بالجدران وزخارفها .

ثالثاً : طرق تصريف واستخدام القنوات

يتم استنباط التقنيات المستخدمة في عمليات التصريف من الغرض التي أُنشِأت من أجله هذه القنوات فتختلف القنوات التي ترد من مياه العيون عن القنوات الجامعة للمياه والتي كان دورها تغذية الخزانات بالمياه .

  • القنوات الواردة من العيون 

احتاج هذا النوع إلى بذل جهود كبيرة بسبب بُعد المسطحات المائية كالينابيع عن التجمعات السكنية فضلاً عن وعورة التضاريس التي تمر بها مما تطلب دراسة هندسية دقيقة لتخطي الحواجز والأودية ومن المُرجح أنهم استعملوا الحجارة الكلسية المنحوتة بشكل هندسي لضمان عدم تسرب المياه .

كانت عملية استجلاب المياه إلى البترا سهلة بفضل الفارق الكبير بين ارتفاع العيون وارتفاع حوض البترا، حيث تتدفق عين موسى وعين براق على ارتفاع 1350 متر عن سطح البحر، بينما تتدفق المياه إلى عين دبدبة على ارتفاع أكبر بقليل بقدر 1400 متر عن سطح البحر والذي كان يؤمن للعيون درجة كبيرة من الصحة والاستمرارية  ، أما حوض البترا فكان يقع على ارتفاع 900 متر عن سطح البحر ولم تبعُد عنه العيون سوى بضعة كيلومترات قليلة، ومن المتوقع أن يصل متوسط انحدار القنوات التي تقع في البترا إلى 500 متر لكل مسافة تتراوح طولاً بين خمسة إلى ستة كيلومترات، وبناء على ذلك تم تقدير نسبة انحدار القنوات  بـ 10% مستبعدين القنوات الصخرية عن هذه النسبة لأن إنشائها يتوقف على طبوغرافية الأرض المرسومة بانحدارات شديدة وبالتالي يزداد ميلان القنوات، حيث أقيمت الأحواض لغرض تنظيم تدفق المياه، كما بُنيت الدكات التي كانت تساعد القنوات على عبور الأودية والتغلب على وعورة التضاريس والمساعدة في جعل انحدار القناة متناسباً مع المقطع الذي حدده المهندسون الأردنيون الأنباط.

أما بالنسبة للقنوات الفخارية فكانت الوسيلة الأقل تكلفة من حيث التصميم، فكانت تستوجب منشآت أقل خصوصاً فيما يتعلق بمرور القنوات عبرالأودية فكان خط الانسياب في هذه القنوات يساعدها على اتباع المنحدارات والمرتفعات، كما عُشّقت هذه الأنابيب في الصخر أو الحاجز الصخري في منطقة السيق، والغرض من إقامة الأنابيب بشكل متدفق كان لضمان تصريف المياه جيداً كما تم بناء جدران صغيرة لدعم الأنابيب، كما كان يتم اخفاء أنابيب القنوات بشكل جانبي في الحاجز الصخري الأيمن للسيق، وهذا أحد أدلة استيعاب الصخر لهذه الأنابيب والذي بدورها كانت مُدعمة بطبقة من القصارة مشابه لنفس لون الصخر وبذلك لم يظهر لأنابيب القناة أي أثر، وقد تم تمديد هذه القناة بمحاذاة المدافن التذكارية حيث كانت تمر فوق الكورنيشات التي حُفر فيها مجرى خصيصاً لهذه القناة، وبهذه النتيجة كانت مجرى القناة غير شاهِدٍ للعيان .

وعندما كانت القنوات الصخرية تمر عند مستوى ذا ارتفاع ملحوظ عن سطح الأرض فقد كان يُحفر عدة درجات في الصخر ، كان الغرض من هذه الدرجات الوصول إلى الأماكن العُليا من القنوات عند دواعي حدوث عُطل يُستلزم اصلاحه، أو لتنظيف الأحواض الصغيرة التي كانت تشغل وظيفة المصافي “الفلاتر” لتصفية المياه الجارية من الشوائب .

كما استخدمت هذه القنوات لغرض الشرب إذ وجدت المشارب على طول مسار الأقنية، كما كانت هذه القنوات مُغطاة بالحجارة المنبسطة والجص .

كما وُجد في خربة الذريح ثلاثة عيون “عين اللعبان وعين الذريح وعين الفضيح” التي كانت تُغذي القنوات والتي بدورها كانت تنقل هذه المياه إلى المناطق السكنية والمعابد وبعض الأراضي الزراعية .

  • القنوات الجامعة للمياه 

 كانت عملية إنشاء هذه القنوات سهلة مقارنة مع باقي القنوات النبطية، ويرجعُ سبب ذلك إلى قُصر مجراها حيث كان لا يتجاوز الأربعين متراً، ويختلف عرضها باختلاف كمية المياه الجارية فيها، كما كان يُقدر عمق هذه القنوات بـ 1.50 متر حيث ينطبق هذا الرقم تحديداً على القنوات التي تجلب المياه من الأودية، وكانت تتزود هذه القنوات إما عن طريق المياه الجارية من الأودية أو عن طريق الأمطار التي تسيل على المرتفعات أوالسيول التي تجري على امتداد الأسطح الصخرية الشاسعة، بينما تم تنفيذ انحدار هذه القنوات على مراحل ليتخذ شكلاً تقريبياً للمسار المستقيم، أو ليأتي موائماً لميلان الصخر الذي بُني عليها، كما نجد القناتان المختلفتان اللتان كانتا تمدان خزان وادي فرسا الشرقي عند المدخل، حيث كانت الأولى تأتي من القمة المشرفة على خزان وادي فرسا الشرقي، وكان يتم تفادي فيضان المياه بإقامة حوض صغير بالقرب من فتحة الخزان والذي بدوره يُنظم عملية جريان المياه والتزويد، ومن الجدير بالذكر أن هذا النوع من القنوات كانت تُزود عدداً من الخزانات كالتي تقع في الدير والمعيصرة الغربية والشرقية .

طرق عبور القنوات للأودية 

حاول الأردنيون الأنباط الاستفادة من الصخر قدر ما أمكن، بسبب المُعطيات الطبوغرافية التي فُرضت عليهم في البترا، فيما يتعلق بأمور البناء وتمديد الأقنية، وعند عصيان الصخر عليهم كانوا يقومون ببناء جدران صغيرة على امتداد مسافة القناة، حيث وُجدت بعض المقاطع المبنية لقناتي السيق وبراق حيث استخدمت هذه الطريقة على وجه الخصوص في البترا لبناء قناة عين دبدبة التي استُجلبت مياهها بفضل الجدران الصغيرة التي بُنيت، أما فيما يخص قناة خزان فينان فقد كانت تمُر فوق جدار استنادي مبني بالأصل .

أما فيما يخص عملية عبور القنوات للمنخفضات الصغيرة فكانت تكتفي بجدار واحد صغير مبني، وكان يُمدد فوق القناة قنطرة عند مصادفة أراض ذات عمق متباين حيث يظهر هذا النوع على مجرى شعب قيس وقناة براق، كما وُجدت قنطرة ذات مقاييس أصغر في قطاع السيق داخل المدفن والتي كانت تُساعد في استجلاب المياه للقناة .

 وفي بعض الأحيان نجد أن الجدران الاستنادية والدعائم تتكون من سلسلة من القناطر التي كانت تُساعد القنوات على العبور لمسافات طويلة كتلك الموجودة في فينان حيث نجد أن القناة محمولة على سلسلة من العقود “القناطر” على مسافة 150 متر .

كما توجد طريقة أخرى لتمديد هذه القنوات كان قد تميز بها الأردنيون الأنباط كالمنشآت الصغيرة التي صُممت لعبور المسافات الصغيرة مثل التي تتواجد في السيق التي تمر بأعلى المدفنين  فوق العديد من الكتل الحجرية المجمعة .

المراجع :

  1. المحيسن ، زيدون ، هندسة المياه والري عند الأنباط العرب ، الطبعة الأولى ، 2002 ، بيت الأنباط ، (البتراء – الأردن )
  2. الحموري ، خالد ، مملكة الأنباط : دراسة في الأحوال الإجتماعية والإقتصادية ، الطبعة الأولى ، 2002 ، بيت الأنباط ، (البتراء – الأردن)

الهندسة الأردنية النبطية في تصميم القنوات

مقدّمة

تقع البترا عاصمة المملكة الأردنية النبطية جنوب البحر الميت وعلى بُعد 100 كيلومتر تقريباً إلى شمال العقبة في منطقة انهدامات جبلية ذات تعاريج ، وعبر نظرة من الأعلى تظهر لنا البترا كمجموعة من الكتل الصخرية، حيث تُشرف هذه المرتفعات التي تعلو بمقدار 1200 متر على الحوض الداخلي الذي ينخفض بمقدار 900 متر، بينما تم اغلاق الوديان الواقعة في المملكة الأردنية النبطية بجدران وسدود لحماية مركز المدينة من خطر الفيضانات .

أما مناخياً فتقع العاصمة الأردنية النبطية “البترا” عند مُلتقى المنطقتين المتوسطية  والصحراوية  مما يفسر التباين المناخي بين الجهة والأخرى، فتترواح متوسط درجات الحرارة في الصيف ما بين 25 إلى 40 درجة مئوية، أما بالنسبة لمستويات الهطول في الشتاء فتتأرجح بين 200 إلى 300 مليمتر،  وقد تكون معدلات الهطول متفاوتة بين سنة وأخرى، وبالنسبة للمنطقة الشمالية من الدولة الأردنية النبطية كخربة الذريح والسلع فتتزايد فيها نسبة الأمطار حيث يتراوح معظمها بين 200 إلى 600 مليمتر سنوياً .

تقع العاصمة الأردنية النبطية البترا ضمن كتل صخرية يتخللها العديد من الأودية والتعرجات، وقد كانت مياه الأمطار والسيول المنجرفة من أعلى هذه الكُتل الصخرية تُشكل خطراً واضحاً على المدينة الواقعة بالأسفل لذلك وجد الأردنيون الأنباط أنفسهم مضطرين لإغلاق الجزء الأكبر من هذه الوديان بإنشاء السدود التي كانت تلعب دور جدار لحصد المياه أثناء فصل الشتاء، وخلف هذا الجدار تُجمع مياه السيول لتبدأ عملية تزويد المدينة بالمياه، ومن المرجح أن تكون هذه السدود كبيرة في الأصل لكن تعرض أغلبها إلى الإنهيار في الوقت الراهن، كما لم يتبق من بعضها الآخر سوى كومة حجارة .

المواد الإنشائية المستخدمة في بناء السدود 

بُنيت هذه السدود من كتل حجرية كبيرة الحجم غُطيت في بعض الحالات بطبقة من القصارة، وجُمعت بواسطة خليط من الملاط ، وفي بعض الأحيان كانت تُستخدم الحجارة الصغير لتثبيت الأكوام الحجرية، وقد أوليت مهمة بناء السدود في المملكة الأردنية النبطية عناية كبيرة في عملية التنفيذ ، كاستخدام الكتل الحجرية ذات الحواف البارزة وبالأخص في الأماكن التي يقل ارتيادها فنجدها محافظة على الصلابة والمقاومة ، حيث نُلاحظ أن السدود المُقامة عند تجويف الوادي تتوائم في تصميمها مع هذا التجويف حيث أنها صُممت في الأغلب على هيئة زاوية حادة وقاعدة تتكون من كتلة حجرية أو عدة كتل حجرية، حيث شُكلت هذه المنشآت من عدد من الحجارة التي كانت تُجمع ليصل سُمكها إلى متر واحد، ومن ثم يتم تشذيب الصخر من كلتا الجهتين على نحو يزيد من صلابة السد، ومن الأمثلة المثيرة للاهتمام على كيفية إقامة السد؛ ذلك السد الذي يقع إلى اليمين من الخزنة والذي يُشرف على الوادي، حيث نُفذ هذا السد بعناية وكانت مهمته تقع على حماية منطقة ضريح الجرّة أو المحكمة مساهماً في الوقت نفسه في تزويدها بالمياه من خلال فتحة مستطيلة متواجدة في المستوى السفلي لجدار هذا السد يبلغ عُمقها 50  سم، بالإضافة إلى فوهة دائرية كان الغرض منها تصريف المياه الفائضة.

إضافة إلى فئة السدود الجدران التي كانت تخترق أودية واسعة، والتي لم تكن وظيفتها فقط استبقاء المياه والاحتفاظ بها، بل خلق أسطح ومدرجات حقيقية لأغراض البستنة  والزراعة.

السدود في المملكة الأردنية النبطية

  • سد السيق

يُعد سد السيق أحد أهم السدود وأكبرها حيث كان يقع عند مدخل السيق لحمايته من السيول القادمة من وادي موسى، كما عمِل أيضاً على تسهيل وصول المياه إلى وسط المدينة ، سامحاً بالوقت نفسه لمياه السيول بالوصول إلى نفق بُني على بُعد 15 متراً إلى الشمال . لكن ومع الأسف تعرض إلى الإنهيار بعد هِجران المدينة، مما سمح لسيول وادي موسى باختراق السيق وحوض البترا والذي بدوره سبب الكثير من الأضرار الجسيمة.

  • سد بعجه 

يقع سيق بعجه على بُعد 6 كيلومترات إلى الشمال من ضاحية البترا الشمالية، حيث تُعد هذه المنطقة من المناطق المحرومة من كافة الموارد المائية لذلك كان ذلك من دوافع بناء هذا السد في نهاية سيق بعجة لجمع مياه الأمطار التي يحتاجون إليها، وعلى ارتفاع 4 أمتار من هذا السد صممت قناتين كما تم نحت الأخاديد على يمين ويسار مدخل سيق بعجة بشكل عامودي، ومن المُرجح أنهما كانتا تحتويان بداخلهما  قديماً على مزلقة للمساعدة في التخفيف من حدة المجرى ورفع مستوى الماء إلى مستوى الأقنية المتواجدة على ارتفاع عالي نسبياً .

يبقى السد المُقام في سيق بعجه مثالاً استثنائياً ، يُظهر مهارة الأردنيين الأنباط في الاستفادة من الشروط الطبوغرافية، بحيث خزنوا مياه الأمطار خلف هذا السد في الوادي وتحكموا في توزيع مياهه عن طريق القنوات، إلى المناطق الزراعية التي تقع في المناطق المنخفضة عن السد .

  • سد الخروبة 

يتضمن مرتفع الخروبة منشآت هيدروليجية هامة، وقد نُفذت في الهضبة التي تُهيمن عل قمة هذا المرتفع العديد من المجاري التي كان يتم عبرها تصريف مياه الأمطار حتى تصل إلى الجزء الشرقي من السد الذي بناه الأردنيون الأنباط، وبلغت سماكة الجدران متراً واحداً في الجهة الجنوبية ومترين في الجهة الشمالية، ويرجع هذا التباين في سماكة الجدران لأسباب تقنية أهمها أنه كان لزاماً على الزاوية الشمالية أن تتحمل وتستوعب إلى حد كبير فيض المياه .

وفي المستوى السفلي من الجدار وُجدت فتحة بلغ طول ضلعها 50 سم كان قد وُجد بداخلها فوهة دائرية امتدت إلى عمق 20 متر إلى الأسفل، وأغلقت الجهة الشمالية للجدار بسد طوله ثمانية أمتار وعرضه متر ونصف ووصل ارتفاعه إلى متر ونصف من الجهة الخارجية، في حين الجهة الداخلية للسد بلغ ارتفاعها أربعة أمتار ومن الجدير بالذكر وجود تجاويف على الجهة الغربية من السد لتثبيت الكتل الحجرية للمداميك العلوية التي تعرضت للإندثار، كما يوجد درجات تتممان منحدراً طبيعياً متعامداً مع السد، وعلى بُعد ثمانية أمتار نصادف سداً آخر أصغر حجماً حيث يبلغ ارتفاعه أربعة أمتار وعرضه متراً واحداً وكانت مهمته تقتصر على تخزين المياه وإغلاق قاع المضيق “السيق” .

  • سد وادي الطنوب الشرقي

كانت الطنوب في عهد المملكة الأردنية النبطية مزرعة أو ضيعة، حيث وُجدت العديد من الكسر الفخارية التي دلت على ذلك، وفي قُعر الوادي على الجهة الشرقية بالتحديد وُجد سد لإغلاق المضيق حيث كان بشكل مشابه لشبه المنحرف، والذي كانت تقوم أساساته على الصخر نفسه حيث بلغ طوله سبعة أمتار مع الصخر وأربعة أمتار من دون الصخر، وبلغت سماكة جُدرانه متراً واحداً وقد نُفذت فتحة دائرية صغيرة بلغ قُطرها 0.10 متر لأغراض التزود بالمياه.

  • سد وادي عاقلات

يقع هذا الوادي على بُعد مئتي متر خلف قعر السيق البارد ويتضمن العديد من الأسطح والمدرجات التي شهدت على أهميته الزراعية، حيث يقع سد وادي عاقلات على الجانب الشرقي للوادي، في المجرى السفلي له سد آخر كان يُغلق تفرعاً صغيراً يبلغ طوله خمسة عشرة متراً وعرضه يتراوح بين مترين وخمسة أمتار في حين بلغ سمكه متراً واحداً، كما كان هناك درج صخري مكوَن من ست وعشرين درجة لتسهيل عملية الوصول لأعلى السد .

  • سد كلخة

يقع في الجنوب الغربي من منطقة الحميمة، حيث استعمل في عملية بناء هذا الصرح البارز أكوام الحجارة الرملية الكبيرة التي تلاصقت ببعضها بفعل مادة الجبس، والتي بدورها زادت من متانة وصلابة السد، الذي كان على شكل مداميك ضخمة تمنع تسرب المياه فضلاً عن وجود الحجارة الصغيرة التي كانت تُستعمل لسد الفجوات، وقد بلغ ارتفاع جدار السد 9.40 متر وعرضه 4.36 متر، مشكلاً بذلك طريقة معمارية منتظمة، وتم تسهيل نظام الصعود لأعلى السد، من خلال وجود درجات صخرية في الواجهة الأمامية الواقعة في الجهة الجنوبية من السد، وتكرر وجود الدرج للصعود إلى الحفرة الكبيرة التي نُحتت في الصخر خلف هذا السد وكان الغرض منها استيعاب المياه الساقطة من الأعلى ، وقد استُغلت المساحة الواقعة في مقدمة السد ببناء حوض كبير لغرض سقاية الجمال إذ بلغ طول هذا الحوض مترين وعرض يتراوح بين المتر الواحد والمترين وبعمق يبلغ نصف متر .

  • سد أم درج

اختار الأردنيون الأنباط موقع أسفل جبل أبو خشيبة  الذي يبعُد 12 كم جنوب وادي رم، بسبب وجود شِعاب صغيرة أعلى الجبل فكان ذلك الموقع مناسباً لبناء سد أم درج ليكون بحد ذاته معلماً يُبرز اللمسة الأردنية النبطية من خلال وجود درج منحوت في الصخر على الجهة الشمالية من السد، وكغيره من السدود الأردنية النبطية بُني هذا السد من الحجارة إلا أن أهم ما امتاز به هذا السد قناته الخارجية التي يبلغ طولها 25 متر والتي كانت تصب بداخل حوض مياه، بالإضافة إلى احتفاظ السد بالغرض الذي بُني من أجله وهو سقاية الحيوانات والمواشي .

لقد أدرك الأردنيون الأنباط أهمية المياه لاستمرارية دولتهم ونهضتها فقاموا بنشر السدود على أوسع الحدود ما عكس بالطبع عبقرية الهندسة الأردنية النبطية في الحصاد المائي عموما .

المراجع :

  1. المحيسن ، زيدون ، هندسة المياه والري عند الأنباط العرب ، الطبعة الأولى ، 2002 ، بيت الأنباط ، (البتراء – الأردن )
  2. الحموري ، خالد ، مملكة الأنباط : دراسة في الأحوال الإجتماعية والإقتصادية ، الطبعة الأولى ، 2002 ، بيت الأنباط ، (البتراء – الأردن)

الهندسة الأردنية النبطية في بناء السدود

مقدّمة

كان للتجارة الأثر الكبير على الاقتصاد الأردني النبطي؛ إذ برع الأردنيون الأنباط في استغلال الموقع الجغرافي لحضارتهم بالإضافة إلى جودة ما قدموه من خدمات للقوافل التجارية ، فكانت تنقل البضائع على مراحل كما أنشؤوا الاستراحات و حفروا الآبار و أمّنوا الطرق بالحراسات الأمنية .

كان لذلك الأثر في رفاه الأردنيين الأنباط ومتاجرتهم بجميع سلع العالم القديم تقريباً إذ تاجر الأردنيون الأنباط بـ 18 سلعة رئيسية على الأقل فأحضروا البخور والمر والكافور والعطور والعاج والحرير واللؤلؤ من جنوب الحجاز والصين والهند وأفريقيا وشمال غربي الأبيض المتوسط واستخرجوا القار والنحاس وصنعوا الفخار والحُليّ  وكان لبضائعهم الجودة التجارية التي نافست الرومان والفرس وباقي الحضارات .

فكان للأردنيين الأنباط باعٌ طويل في صناعة واستيراد وتصدير البضائع والمنتجات التجارية التالية :

  1. القار

و هي أهم ما استخرجه وتاجر به الأردنيون الأنباط، وهو نفسه القطران أو الاسفلت، وهي مادة لزجة لونها اسود، تحتوي على الكبريت والنحاس ومعادن أخرى، وكان يستخرج من البحر الميت بمعدل 10-30 ألف قدم مكعب سنوياً. [1]
استخدمت لتدعيم القوارب والسفن لعدم تسريب الماء وفي الغراء والطلاء وفي تعبيد الطرق وعزل الأسقف والسطوح، كما كانت لها استخدامات دينية في تحنيط الموتى واستخدمها المصريون الفراعنة بكثرة وضعها مع الميت لطرد العدو من القبر حسب اعتقاداتهم . [2]

القار
  1. الفخار النبطي

كان الفخار النبطي أعجوبة صناعية قام بإبداعها الأردنيون الأنباط إذ زاحم بجودته ومميزاته ما انتجه العالم القديم من فخار، فكانت رقته ونعومته ودقة صنعه مبهرة للشعوب، فصنعوا الكؤوس والأطباق والزبادي والجرار والأسرجة وأدوات الطبخ .

كما دخل في تزيينها الاشكال الطبيعية من النباتات كأشجار النخيل والرمان والعنب والتوت بالإضافة إلى الأشكال الهندسية البسيطة و المعقدة . [3]

الفخار النبطي
  1. النبيذ

صنع الأردنيون الأنباط النبيذ في معاصر مخصصة من العنب و الرمان في خربة الذريح في الطفيلة [4] بالإضافة الى قرية البيضا بالقرب من العاصمة الأردنية النبطية البترا حيث كان يوزع الشراب من الملك في الاحتفالات الدينية والأفراح و كان يُصدّر إلى روما حيث كان الرومان هم الزبون الأول للنبيذ الأردني النبطي . [5]

  1. اللبان

و هي مادة تستخرج من شجر الكندر أو اللبان ، يستخدم كبخور وله رائحة زكية وفي الوصفات الشعبية أيضاً ، تحتاج الشجرة للإثمار إلى نمو يتراوح ما بين ثمان إلى عشر سنوات وهي من فصيلة البخوريات كثيرة الأغصان أوراقها خضراء داكنة، ويتراوح ارتفاعها ما بين ثلاثة إلى خمسة أمتار وهي ذات جذع واحد أو متفرع عند القاعدة و يجمع نتاجها من مرتين إلى ثلاث مرات في السنة .

كان أطباء الفراعنة يستخدمونه في علاج المس وطرد الأرواح الشريرة، كما أن له فوائد طبية؛ في علاج السعال وأوجاع الصدر وضيق التنفس وعلاج القروح والنسيان والضعف العام بالإضافة الى البرد والحكة وجروح العين والعديد من الاستخدامات الطبية إضافةً إلى ما كان يستخدم به من طقوس دينية، وكان الأردنيون الأنباط يجلبوه من عُمان واليمن و يبحروا به إلى أوروبا حيث كان يستخدم أيضاً في الطقوس الدينية المسيحية . [6]

اللبان
  1. البخور

البخور و هو المصدر العطري الأول قديماً وهو خليط من العطور المستخرج من عدة مصادر نباتية، وكان يقصد به بالأغلب بخور العود .

جلب الأردنيون الأنباط البخور من الهند وجنوب شرق اسيا وجنوب الحجاز عن طريق “طريق البخور” ، وامتد هذا الطريق من سواحل اليمن ومر بالحجاز إلى حدود المملكة الأردنية النبطية ومن ثم تاجر به الأردنيون الأنباط إلى شمال الأبيض المتوسط وإلى مصر . [7]

إذ استخدم البخور الهندي في صناعة الأدوية أما بخور الظفار العُماني فاستخدم في المعابد والطقوس الدينية واستخدم الفراعنة البخور في تحنيط الموتى ، و كانت له استخدامات عطرية أيضاً .

البخور
  1. العطور

و كان يسمّى بالطيب، له عدة أنواع منها الصندل وعرق الزعفران و العنبر و المسك، وعرق الحنة والياسمين وزهر الليمون والورد والنعناع والغرنوق والخزامى، ومن جذور معينة مثل الزنجبيل والسوسن.
كان يُجلب من الحجاز ويُرسل إلى العراق ومصر ودمشق، وبعض الأنواع جلبها الأردنيون الأنباط من افريقيا والهند.

ولم تُستخدم العطور في التعطير الشخصي فقط بل استخدمت في الطقوس الجنائزية والمعابد فكان يوضع في جرار وتوقد نار هادئة تحته واستخدمه العرب في التطبب أيضاً .

الخزامى
  1. المُرّ 

و هي مادة صمغية تنبت في اليمن وشمال اليمن وعُمان و الصومال و وشمال إفريقيا .

كان له استخدامات طبية في أوجاع الكلى والمثانة والمغص والمفاصل، وعلاج السموم والأورام وكان يستخرج من شجرة عن طريق جمع ما يخرج منها بعد جرح جذعها، وقد استوردها الأردنيون الأنباط من مناطق انتشارها وقاموا بتصديرها عبر قوافلهم التجارية.

المر
  1. الكافور

شجرة الكافور تنمو في الصين و اليابان وهو شجر سريع النمو فقد يصل طوله إلى 50 متراً وجذعه قد يصل عرضها إلى متر .

 و استورده الأردنيون الأنباط من الصين للتطيب به ولاستخدامه في صناعة الصابون وطقوس الدفن ولفوائده الطبية وللاتجار به فقد استخدمت أوراق شجر الكافور في الربو والكحة والصداع و الرعاف والاحتقان الرئوي وكمنفث للبلغم ومضاد للجراثيم وزيته يفيد في تطهير الشعب الهوائية ومجري التنفس وعدوى الجلد . [8]

شجرة الكافور
  1. اللؤلؤ

و قد جلبه الأردنيون الأنباط عبر مينائهم في الجرها (الخليج العربي حالياً) واستخدموه في زينتهم وتاجروا به [9]

لؤلؤ الخليج
  1. القرفة

جلب الأردنيون الأنباط القرفة بشكل كبير من الهند، كما أنهم جلبوه أيضاً من الصين وكان يعد من المنتجات الثمينة في الحضارات القديمة .

شجرة القرفة الهندية
  1. الملح

ظل البحر الميت مورداً ثميناً للأردنيين عبر العصور وما زال ، فقد أرّخ المؤرخ جوزيف فلافيوس استخراج الاردنيين الأنباط للملح من البحر الميت، وقد استغلوا الجزء الجنوبي منه لاستخراجه وتصديره للعالم عبر موانئهم على البحر الأبيض المتوسط  . [10]

ملح البحر الميت
  1. المعادن

وُجِدت خامات النحاس والحديد بكثافة في جنوب الأردن وقد استخرجها الأردنيون الأنباط وصنّعوها واستخدموها في منتوجاتهم وتاجروا بالفائض منها. [11]

صور لخامات النحاس في جنوبي الأردن – Najjar, M. Levy, T. (2011) Condemned Copper production, Biblical Archeology
  1. زيت الزيتون و زيت السمسم

كان لإنتاج الأردنيين الأنباط لزيت الزيتون وطرقهم الابداعية حينها في معاصرهم السبب في جعلهم يحققون الاكتفاء الذاتي منها [12] و يتاجروا بفائض ليس باليسير من الكميات التجارية التي انتجوها، فلم يكتف الأردنيون الأنباط بما وجد من أشجار وغطاء نباتي يغطي شمال الاردن ووسطه بل وزرعوا أشجار السمسم والزيتون والنخل و العديد من الأنواع بأرجاء البلاد عبر استخدامهم لأنظمة الحصاد المائي بذكاء وبراعة .[13]

زيت السمسم
  1. البلسم

هذه النبتة التي انتشرت بالقرب من البحر الميت واستعملت أوراقها للتطبب والعقاقير، لم تكن مجرد انتاج نبطي وصل إلى أرجاء العالم بل كَمِنت أهميته في أن الرومان أعجبوا به فنقله الامبراطور جستينيان الأول في القرن السادس إلى روما بعد غزوه للمنطقة .[14]

البلسم

كما تاجر الأردنيون الأنباط بالتوابل والجواهر والحناء من الهند والحرير من الصين وأرسلوا اليهم ما كانوا يحضروه من خزف يوناني وايطالي بالإضافة إلى ما انتجه الأردنيون الأنباط أنفسهم.

و على ذلك، كان لتجارة الأردنيين الأنباط وإبداعهم الزراعي والصناعي السبب في رفاه واكتفاء الشعب الأردني النبطي والحصول على منتجات العالم القديم مما كان سبباً في النمو الحضاري الأردني النبطي، فلم تحمل القوافل الكثيفة كالجيوش من ميناء القرية البيضاء لوكي كامي البضائع فقط، بل حملت رفاهً و غِنى وتقدم الحضارة الأردنية النبطية وتطورها.

المراجع

[1] diodorus siculus , The library of History , p.95

[2] عباس ، احسان ، تاريخ دولة الانباط ، ص 110

[3] Amr, khairieh, the pottery from Petra: A Neutron actiriation analysis study, Oxford, BAR in ternational series, 324, 1987.

[4]  الحسيني، خربة الذريح موقع نبطي ، ص7

[5] البيضا : كنز أثري يحكي قصة شعب عظيم ، جريدة الدستور ، 28 / 4/ 2006

[6] فيليب حتي ، تاريخ سوريا ، ص 300

[7] موقع الحكواتي ، طريق البخور

[8] الحسيني ، مرتضى ، تاج العروس في جواهر القاموس ، ج3، ص527

[9] فيليب حتي ، تاريخ سوريا ، ص425

[10] joesphus , Jlaviuus , Wars of the jews ,pp.21,48

[11] Rostovzeff , Caravan cities , p.28

[12] خربة الذريح موقع نبطي ، ص7

[13] Kammerer, A. , Petra et la nabatene , p.370

[14] عباس ، احسان ، تاريخ دولة الانباط ، ص111

البضائع التجارية الأردنية النبطية

كلمات الأغنية

موال : لوما عيونك .. لوما عيونك

ما اطلع واشوف الناس

بس لا يخلفونك … حكّاية الوجهين

بيت الشعر يل دوني .. بيت الشعر يل دوني

ع ولدكو دلّوني .. بالليل يا عيني بالليل

لا باكل ولا بشرب.. لا باكل ولا بشرب

بس بتطلّع بعيوني .. بالليل يا عيني بالليل

شوقي يابو الردنية .. شوقي يابو الردنية

وعود النخل متدلّي .. بالليل يا عيني بالليل

يومن تشوفك عيني .. يومن تشوفك عيني

كل الهموم تولّي .. بالليل يا عيني بالليل

والله لاركب دهيمة .. والله لاركب دهيمة

وبخاطرك يا ميمة .. بالليل يا عيني بالليل

وأقصد ديرة محبوبي .. وأقصد ديرة محبوب

وبطيّاتك يا غيمة .. بالليل يا عيني بالليل

بيت الشعر يل مبني .. بيت الشعر يل مبني

وتحتك عشيري نايم .. بالليل  يا عيني بالليل

وخدّو يا قريص الجبنة .. وخدّو يا قريص الجبنة

ويفطر عليه الصايم .. بالليل يا عيني بالليل

أغنية بيت الشَّعر

f75aaf326ef1ceca2bf9a0d4285c61ec

تعتبر دائرة المطبوعات والنشر التي تأسست بتاريخ 12/3/1927  أول المؤسسات الإعلامية الرسمية في الأردن، كما تعد واحدة من أعرق مؤسسات الإعلام الأردني، وكان لها عبر مسيرتها الممتدة منذ عام (1927) حتى 2014 حضور مميز في مجال النشر الإعلامي والوثائقي تمثل في عدد كبير من الكتب التي صدرت عن الدائرة إضافة إلى الدراسات والتقارير الصحفية التي غطت معظم مجالات النهضة السياسية والاقتصادية في الأردن، إضافة إلى دورها البارز في مجال تنظيم عمل المؤسسات ” الإعلامية ” التابعة للقطاع الخاص من صحف ودور نشر وتوزيع ومطابع وغير ذلك مما يتعلق بالصحافة والنشر بشكل عام.

وقد حققت خلال هذه الفترة الطويلة إنجازات واسعة على صعيد ترجمة أهداف الإعلام الأردني وخاصة في جانبه المطبوع، واستمرت دائرة المطبوعات والنشر بمسيرتها الوطنية البارزة حتى تم ضم أعمالها لهيئة الإعلام عام 2014.

المراجع

محمد ربيع الخزاعلة ، الأوائل في تاريخ الأردن الحديث ، ص 120 ، 2003.

 

أول مؤسسة إعلامية أردنية

file_2df19f6f46_ccccccccccccccccccccccccccccc
الراحل السيد فهد يوسف سلامة قاقيش

أول رئيس لقسم الكشافة والمرشدات بوزارة التربية والتعليم :

      أول رئيس لقسم الكشافة والمرشدات في وزارة التربية والتعليم ، هو الراحل السيد فهد يوسف سلامة قاقيش، وهو من مواليد عجلون عام 1936م ، عمل مدرسا ً للتربية الرياضية في مدارس محافظة اربد من عام 1954م لغاية 1963م ، ثم مفتش ومشرف تربوي للتربية الرياضية والكشفية من 1963م ولغاية 1975م ، كما عمل رئيسا ً لقسم الأنشطة المدرسية من عام 1969م ولغاية 1973م .

     وقد كان السيد فهد قاقيش أول رئيس لقسم الكشافة والمرشدات بوزارة التربية والتعليم من عام 1975-1977م ، ثم مشرف تربوي من عام 1977-1982م في محافظة اربد، ورئيسا ً لقسم الأنشطة المدرسية والتربية الرياضية في اربد والمفرق من عام 1982-1984م ، ومنذ عام 1984م عمل مديرا ً لدائرة النشاط الرياضي في جامعة اليرموك .

المراجع :

محمد ربيع الخزاعلة ، الأوائل في تاريخ الأردن الحديث ، ص 78 ، 2003

الرواد : الرياضة والشباب في الأردن ، سمير جنكات – لطف الله سعد الدويري ، عمان 1999م .

أول رئيس لقسم الكشافة الأردني

  تعتبر الأكاديمية الأردنية للموسيقى والتي تأسست عام 1989، أول جامعة أهلية متخصصة في تدريس الموسيقى، وذلك بمبادرة من مجموعة من الأردنيين ذوي الأهداف الثقافية والفنية .logo

وتفتحت براعمها على أيدي الأستاذ المؤلف يوسف خاشو والمهندس نبيل النبر، ومن ثم احتضنتها البطريركية اللاتينية، وقد خرجت العديد من الأفواج من حملة البكالوريوس في العلوم الموسيقية، منهم اليوم أساتذة التنشئة الموسيقية في مدارس المملكة، حيث تمنح الأكاديمية خريجيها درجة البكالوريوس في العلوم الموسيقية ، بعد أن ينهي الطالب بنجاح ما مجموعه (128) ساعة معتمدة .

IMG_9367

المراجع

محمد ربيع الخزاعلة ، الأائل في تاريخ الأردن الحديث ، ص 132-133 ، 2003

 

أول جامعة أهلية أردنية متخصصة في تدريس الموسيقى

Scroll to top