أمير اللواء علي خلقي الشرايري

علي خلقي الشرايري

alikholqi

هو زعيم أردني من حوران الأردنية، و صاحب بصمة واضحة في تاريخ الأردن و المنطقة ، كان قائداً عسكرياً في الجيش التركي ووصل لرتبة قائم مقام عسكري، ثم اميرالو (أمير لواء). كما تقلد منصب حاكم عسكري في مكة قبل الثورة العربية. وشارك في معارك بأماكن مختلفة في العالم مع الجيش التركي مثل القوقاز وتركستان ضد الجيش الروسي، وفي ليبيا ضد الجيش الايطالي. وفي الثورة العربية انحاز مع شعبه و بلده و نضالهم ضد الاحتلال العثماني بعدما انكشفت له خديعة العثمانيين وتقلد منصب وزير في عهد الهاشميين.

نشأته و حياته

ولد علي خلقي الشرايري سنة 1878  في مدينة إربد بمغارة تعود ملكيتها إلى جده علي بن سليم، وسمي علي تيمنا بجده، لم يعش الطفل علي طفولة رغيدة كالتي يعيشها أطفال المدن، بل عاش طفولة اتسمت بشقاء الفلاحين في تلك الفترة. حيث شارك والده بالأعمال الزراعية وفلاحة الارض، يقول اللواء علي خلقي في مذكراته : “وعند بلوغي سن السابعة من عمري شاركت والدي بالأعمال الزراعية إلى أن سئمت هذه الحياة”.  إذ كان يرغب علي بالتوجه إلى التعليم فأصر منذ الصغر على والده بأن يدخله المدرسة،  وأتم تعليمه الابتدائي بامتياز،  وهو الوحيد الذي اتم تعليمه بهذه الرتبة من بين أقرأنه . مما دفعه إلى طلب المزيد لكن والده رفض . فحاول مرارا ، ولكنه لم يفلح بإقناع والده ، لكن رغبته العارمة بالتعلم كانت أقوى من هذا الرفض فما كان منه إلا أن أخذ بغلة والده التي تسمى “زرزورية ” وذهب بها إلى درعا وباعها ب 50 مجيدي وأكمل إلى دمشق والتحق بالمدرسة الرشيدية وتخرج منها سنة 1892 .

مثلما كان في المدرسة بإربد صلب العزيمة و قوي الشخصية  فقد عزز عصاميته بالنجاح والتفوق بدمشق، حيث فرض احترامه على معلميه وزملاءه. ليعود إلى إربد  شاباً ذو شخصية قوية وعلمية وصاحب عزيمة وإرادة ولديه طموح في الحياة ويحمل شهادة بمرتبة الشرف .

بعد فترة قصيرة عَرَضَ على والده فكرة السفر إلى استانبول لكي يلتحق بالمدارس العسكرية ، فلم يعارض والده بل بارك تلك الخطوة بعدما حمله ابنه بأكاليل الفخر بنجاحه، فسافر إليها عام 1895. وصار له ما أراد حيث قُبِلَ بكلية الأستانة الحربية بدون صعوبات أو عوائق، فالشهادة التي يحملها كانت بتقدير امتياز ، كما أن مواصفات شخصيته وبنيته الجسدية أهلته لذلك.

حياته العسكرية

تخرج علي خلقي الشرايري برتبة ملازم ثاني سنة 1902، ثم التحق بكلية المدفعية وتخرج منها برتبة ملازم أول عام 1904، وبعدها التحق بكلية القانون وتخرج منها برتبة رئيس عام 1905، وقد برز كضابط ملتزم بالأخلاق العسكرية إلى درجة التقيد الصارم بالتعليمات، واعتُبِرَ خيرَ من يُطبق عملية الضبط والربط بمستواها العسكري الكامل، حتى ذاع صيته وسمعته وتفوقه بعمله و وصل مسامع قائد الجيش التركي الفريق شكري باشا ، الذي رغب بالتعرف عليه شخصياً، وأُعجب به بعد أول لقاء، فعزز علاقته به، حتى أنه زوجه ابنته حورية، وأنجب منها اربعه ابناء.

وفي تشرين الثاني سنه 1905 نقل من استانبول إلى الفرقة 51 المتواجدة في قلاع الدردنيل والقوقاز والتي كانت تحارب الجيش الروسي، وعين قائد للسرية السابعة المدفعية. وأثبت علي خلقي مقدرة فائقة في فنون الحرب والقتال، وكان لها الدور الكبير في تحقيق انتصارات على الجيش الروسي، ونتيجة لذلك منحته قيادة الأركان التركية وسام الشجاعة من المرتبة الأولى، ورفعته إلى رتبة رئيس أول،
وفي عام 1906 نقل من السرية السابعة إلى قيادة المدفعية في الفرقة 51 ومن ثم نقل إلى قيادة الفرقة 14 المتمركزة في لبنان وسورية . وحاله حال الكثير من الضباط الأردنيين و العرب العاملين بالجيش التركي وما نالهم من أوامر السفربرلك في جبهات الاحتلال العثماني دون إرادة منهم صدرت الأوامر بنقله إلى اليمن لإخماد الثورة التي أعلنها الإمام يحيى ضد السلطات العثمانية، والتي استنزفت قوة الجيش التركي بحيث ظهرت عدم قدرة الجيش التركي على إخماد الثورة، وفي أول فرصة للقائد علي خلقي توصل إلى اتفاق مع الإمام يحيى منحه بموجبها سلطات جوهرية أقرب إلى اللامركزية .

ومن اليمن انتقل إلى ليبيا في بداية 1911 للمشاركة بالحرب الدائرة هنالك ضد الجيوش الإيطالية، وكان برفقته صديقه القائد عزيز علي المصري والقائد نجيب سعد البطاينة الذي استشهد في ليبيا عام 1912،
كل ذلك وهو يترافق في ذهن القائد علي خلقي الشرايري أحوال البلاد العربية من سوء معاملة واضطهاد عثماني، إلّا أنه القائد الذي كان ملتزمًا بشرف العسكرية والمطبق لها، وكانت أفكاره تتصارع في دواخله فمن جهة سياسات الباب العالي ومن جهة أخرى الأطماع الأوروبية الإنجليزية والفرنسية في البلاد العربية.
بعدها نُقِلَ إلى الفرقة 17 التي كانت تضم في معظمها من الضباط العرب والعسكر وهي سياسة اتبعتها السلطات العثمانية في محاوله لها لإبعاد هؤلاء الضباط الذين لديهم حس عالي وثقافة متنورة واهتمام صادق بالمشاعر العربية نتيجة سياسات التتريك والاضطهاد و الرغبة بالتحرر من براثن الأتراك .

فتم نقلهم جميعا إلى الحرب في قناة السويس مع الإنجليز عام 1914 وإنتهت الحملة بالهزيمة وفرار الضباط الأتراك من المعركة وبقاء الضباط العرب في المواجهة مع القوات الإنجليزية، واستطاع القائد علي خلقي الشرايري من سحب قوات الفرقة 17 مع باقي ضباطه بطريقة استراتيجية لتخفيف الخسائر وحماية أرواح الضباط العرب .

عاد علي خلقي إلى استانبول لقضاء فترة إجازة، وفي تلك السنة التقى مع الأمير فيصل وتباحثا معاً في احوال الولايات العربية في ظل بدايات الحرب العالمية الأولى وما ساءها من أحوال، وقد تكاشف علي خلقي والأمير فيصل في شؤون وأسرار الجمعيات العربية العاملة وحينها ارتاح الأمير بعد أن علم أن علي خلقي الشرايري عضو في جمعية العهد والتي معظم افرادها من الضباط و الثوار العرب .

أُرسلَ علي خلقي مرغما إلى العراق مع الجيش التركي لمحاربة الإنجليز، في معركة كوت العمارة فاستبسل في معاركها وأظهر شجاعته المتفانية إلى أن أُسِرَ من قبل الإنجليز وأرسِلَ إلى المعتقل في الهند، وعندما علم الإنجليز بهويته الحورانية الأردنية ولِمَا يتمتع به من رتبة عسكرية عالية حاولوا أن يستميلوه إلى جانبهم، وعرضوا عليه رتبة أعلى، فخدعهم وأظهر قبوله، ومن ثم هرب منهم والتحق بالجيش التركي مرة اخرى ذلك أنه كان يرفض اشكال الاستعمار و أوجهها و كانت مبادؤه لا ترضى له التفلت من الالتزام و الانضباط العسكري، فكسب عداوة الإنجليز، مما أثر على علاقاته مع الشريف حسين بسبب وشايتهم عليه واتهام الانجليز له بأنه معاد للثورة فيما بعد عندما نُقِلَ إلى مكة المكرمة عام 1916 حاكما عسكري قبل إعلان الثورة .


علي خلقي والثورة العربية

كان تنفيذ حكم الإعدام بحق الأحرار العرب في دمشق الحافز للشريف حسين بن علي لبدء العمل بالاستعجال لاستكمال استعداداته لإعلان الثورة، وبخاصة عندما علم أن هنالك قوات عثمانية على وشك الزحف إلى الحجاز مع بعثة ألمانية بقيادة البارون  ” اوثمار فون ستوتزجن “،  وكانت هذه المعلومات قد قدمها له القائد علي خلقي الشرايري الذي كان حاكما عسكريا في مكة حينها، بعد أن توطدت العلاقات بينه وبين الشريف حسين خاصة بعد ما سمعه عن القائد علي خلقي من ابنه الأمير فيصل من انتسابه المبكر لجمعية العهد والمنتسب إليها أيضاً الأمير فيصل، فطلب منه الشريف حسين بعد إعلان الثورة أن يذهب إلى الهند ويجند الضباط العرب المأسورين عند الإنجليز، حيث أن القائد كان له صيته على مستوى الضباط العرب. واستطاع القائد علي خلقي أن يجند الضباط وأن يجمعهم على كلمة واحد وهي الاستقلال من الحكم العثماني وأن يلتفوا خلف الشريف حسين بن علي، فعاد بهم من الهند ودربهم على الأسلحة البريطانية، والتحقوا بالأمير فيصل في أوائل تشرين الثاني سنة 1918 في العقبة ليقودهم علي خلقي و ينفذ عددا من العمليات العسكرية ضد الاحتلال العثماني على الأرض الأردنية الي أحبها و أخلص لها.

يروي علي خلقي في مذكراته” وفي تشرين الاول عام 1918 ذهبت الى الهند وعملت دعاية حسنة للثورة العربية الكبرى وجمعت عددا كبيرا من الضباط والجنود من المعسكرات منهم الرئيس نوري السعيد والرئيس بهاء الدين نوري من العراق والملازم أول شكري القوتلي والملازم ثاني احمد مريود والملازم أول الامير محمود الفاعور من سوريا ومن فلسطين الرئيس صبحي الخضراء والرئيس عارف العارف وملازم ثاني امين الحسيني ومن الاردن الملازم ثاني أحمد صدقي الجندي والملازم اول طارق الجندي والملازم ثاني عبدالرحمن الجمل والملازم أول محمد علي العجلوني والملازم ناصر الفواز والملازم ثاني احمد التل”ابو مصعب” وغيرهم، ووصل العدد الى 800 ضابط وجندي وقمت بتدريبهم على الأسلحة البريطانية وبعد انتهاء التدريب لأول كتيبة عربية سافرنا بالباخرة إلى مصر ثم إلى العقبة والتحقنا بالأمير فيصل الذي كان في استقبالنا في أوائل تشرين الثاني”.

إن الشعور الذي لازم علي خلقي ومن معه من الضباط والجنود لا يمكن وصفه كما عبر عنه في مذكراته لأنها المرة الأولى التي يحاربون بها ضد الجيوش التركية ويعملون بإمرة شريف العرب لا بإمرة القادة الاتراك وأنهم من تلك اللحظة جنود الثورة العربية ونواة جيشها النظامي المدرب. وانضموا الى جيش الثورة واستقبلهم الأمير فيصل شخصيا وعانق علي خلقي ورفاقه الضباط بحرارة القائد ورحب بهم وألقى كلمة حماسية عبر فيها عن اعتزازه بالفرسان العرب الجدد الذين سيرفدون الثورة بقوة جاءت في وقتها.

علي خلقي في العهد الفيصلي

رافق اللواء علي خلقي الأمير فيصل بعد إعلان الاستقلال والبدء بحكومة عربية إلى مؤتمر باريس،  إذ كان المرافق الشخصي له، ومعاونا له بشؤون المفاوضات. وبعدها عند عودتهم إلى سوريا عين حاكما عسكرياً في الكرك، ثم نقل إلى منطقه القنيطرة حاكما عليها، لاحقا بعد أن أنزل الفرنسيين جيوشهم على الساحل السوري، وانسحاب القوات البريطانية من سوريا، واعتقال ياسين الهاشمي الذي عجل بإعلان الثورة من القنيطرة بقيادة علي خلقي الشرايري، فأخذ يوزع الجنود إلى مجموعات ويعين الضباط لمواجهة الفرنسيين وقد التحق به القائد محمد علي العجلوني ومحمود أبو راس وأحمد التل ومعهم 30 فارسا من ناحيه إربد وبني عبيد،  ومن الكورة 35 فارساً ومن الوسطية ايضا 30 فارساً، ومن ناحية السرو والكفارات 40 فارساً، و120 فارساً من عشائر العدوان والصخور. وقد قام الشيخ فواز البركات بجمع الأموال وتحشيد الإمكانيات لهذه الثورة، إلا أنه لم يكتب النجاح لها بسبب عدم مؤازرة المناطق السورية لها، وقله العدة والعدد، فأصدر الأمر باعتقال علي خلقي من قبل الفرنسيين. وبعد وصول التوتر إلى ذروته بين الملك فيصل والفرنسيين، وأصبح واضحاً أن الأمور تسير في اتجاه الحرب، وقعت معركة ميسلون، فخرج على أثرها الملك فيصل من دمشق ومعه علي خلقي الذي أوصله إلى ميناء حيفاء ، واستأذن منه العودة إلى إربد مسقط رأسه.

 

علي خلقي و الحكومات المحلية

قام علي منذ وصوله إلى إربد بجمع زعمائها و وجهاء العشائر، من أجل تشكيل حكومة وطنية للاحتفاظ بطابع الأردن الوطني، وخطب فيهم بأنه لا يسعى إلى جاه أو ثروة،  ولا انتماء إلى طبقة تؤهله للزعامة، فوضعهم في صورة الاحداث في المنطقة وما آلت اليه الأمور، وبين لهم معنى الانتداب الفرنسي والبريطاني. فعين رئيسا لحكومة إربد، ومن ثم قرأ عليهم رسالة المندوب السامي البريطاني المتضمنة دعوة زعماء شمال الأردن لحضور لقاء السلط ومناقشتها وتحديد ما إذا أرادوا المشاركة فيه أم لا، فأجمع الحضور على أن لا يشاركوا وأنهم يريدون أن يكون المؤتمر في قرية ام قيس كونها تقع في منتصف الطريق ولأن لواء الشمال يضم حوران ولواء القنيطرة وعدد سكانه كبير ويحتاج مؤتمرا خاصا .

وكانت مطالب المجتمعين في مؤتمر أم قيس كالتالي :

نقبل أن تُشَكّل الآن حكومة وطنية مستقلة مركبة من لوائي الكرك والسلط وقضائي عجلون وجرش ، ونطالب الحكومة البريطانية بضم لواء حوران وقضاء القنيطرة إلى هذه الحكومة كونها أراض أردنية باعتبارهم و عشائرها واحدة تحت الشروط الآتية :

  • أن يكون لهذه الحكومة أمير عربي .
  • أن يكون لهذه الحكومة مجلس عام لوحدة البلاد، وسن القوانين، وإدارة الشؤون الداخلية وتنظيم الميزانية.
  • أن تمنع الهجرة الصهيونية بتاتاً إلى داخل هذه الحكومة .
  • أن تمنع بيع الأراضي لليهود .
  • أن يكون لهذه الحكومة جيش وطني لأجل حفظ النظام وتقرير الأمن .
  • حرية التجارة بين هذه الحكومة وما جاورتها من حكومات واعطاؤها حقوق وإرادات الجمارك .
OMQAIS
صورة لوثيقة مؤتمر أم قيس

وبعد هذا المؤتمر باشرت حكومة إربد العمل بجد وإخلاص، وبدأت بتشكيل نواة لجيش وطني، وقوات أمن وتنظيم شؤون الإدارة وفق أحدث الأساليب والطرق الديموقراطية وهي من خلال الانتخاب، وجرت الانتخابات لأول مرة بانتخاب مجلس تشريعي وبالاقتراع السري وفاز ناجي العزام وحسن عبدالوالي عن ناحية الوسطية، وسعد العلي وقاسم غرايبة ونجيب فركوح عن ناحية بني جهمة، وتركي كايد العبيدات وحسن علي طوالبة عن ناحية الكفارات،  وسليمان السودي وفالح السمرين عن ناحية السرو، ومحمود الفنيش النصيرات وسالم الهنداوي وايوب ابراهيم عن ناحية بني عبيد، وبسبب الانشقاق الذي اشعله الانتداب البريطاني في الكورة لم تجر فيها انتخابات ولم يحضر عنها مندوب على أمل أن يتواصل علي خلقي مع كليب الشريدة . فكانت هذه حجة للإنجليز بعدم تنفيذ مطالب المؤتمر، لأنهم بالأصل أرادوا الفراغ الإداري والسياسي وعملوا على بث التفرقة المناطقية والجهوية.

كان علي خلقي يسعى لإيجاد رابطة وطنية تشمل كل الأراضي الأردنية فأخذ على عاتقه أن يرسل إلى كل من الحكومات المحلية في السلط والكرك رسالة قال فيها : “أوافي حضرتكم طي كتابي هذا بصورة عن المعاهدات التي جرت بين أهالي قضاء عجلون والمعتمد البريطاني سمرست في شأن حكومة شرقي الأردن، فأرجوكم تبليغها لأهالي الكرك والتفضل بإعلامي  بآراء الشعب هنالك كي نكون على بصيرة ونسعى لإيجاد رابطة مدنية لذلك العش الصغير “.  وكذلك أرسل إلى السلط وجرش وباقي المناطق الأردنية، إلّا أنه لم يتم الاستجابة بسبب التدخلات البريطانية المتكررة و الرافضة لتوحيد الحكومات الأردنية في حكومة واحدة. خاصة أن ذلك لا يصب في مصلحتها . ومع اشتداد ثورة حوران التي كانت حكومة إربد والرمثا من أبرز الداعمين لها في مقاومتها ضد الفرنسيين، واستنجاد الأهالي بالشريف الحسين بن علي، اختار ابنه الأمير عبدالله ليقوم بنجدة الأهالي ومقاتلة الفرنسيين، لأن البلاد كانت في حالة هياج وعصيان، فخشي الفرنسيون لمعرفتهم بنوايا الشريف الحسين، فقاموا بالاستعجال لإخماد ثورة حوران. وعملوا مع حلفائهم الإنجليز في محاولة إعاقة تقدم الأمير عبدالله إلى سوريا . وعند وصول الأمير عبدالله إلى الأردن، ونجاحه في استقطاب الزعامات الأردنية، أرسل الأمير عبدالله إلى علي خلقي الشرايري  للتجهيز لقتال الفرنسين ، فأبلغه بأنه قادر على تجهيز ثلاثة آلاف جندي نظامي إذا توفر المال والسلاح . ولصعوبة ذلك وضغط الإنجليز على الأمير عبدالله بعدم قدرته على محاربة الفرنسيين و عدم السماح له بالوصول الى سوريا. ولظهور الحاجة إلى توحيد الحكومات المحلية في حكومة مركزية واحدة مع مبايعة العشائر الأردنية للأمير عبدالله أميرا على البلاد بدأت أول مشاركة وزارية لعلي خلقي الشرايري في عهد الأمير عبدالله في عام 1921 .

علي خلقي وزيراً

عين اللواء علي خلقي مشاور الأمن والانضباط وعضو في مجلس المشاورين، فعقد عزمه على تعضيد الجيش الأردني، وتقويته وتنميته وتزويده بالأسلحة، وأصبح  منذ 11  نيسان 1921 مرجع قوى الأمن الأربع: قوة الدرك الثابتة ، وكتيبة الدرك الاحتياطي ، والكتيبة النظامية ، وقوة الهجانة.
وكانت عنده رغبة قوية في إخراج القوة العسكرية البريطانية، ومن هنا كان دائم التصادم مع الجنرال البريطاني فريدرك بيك كونه كان يتمتع بلقب مفتش الدرك العام. ولكن بسبب الظروف الاقتصادية في بداية عهد الامارة لم يستطع ذلك ، بل زادت سيطرة البريطانيين وأصبحوا أكثر سيطرة على نواحي الأمن والأمور العسكرية، إضافة إلى رغبة الإنجليز في استبعاد علي خلقي لتسهل لهم إدارة الشؤون العسكرية في البلاد . وبقي في منصبه هذا حتى 23 حزيران 1921 مع استقالة الحكومة على إثر احداث الكورة .

من الحياة العسكرية إلى المدنية

كانت نقله نوعية للوزير الجديد علي خلقي الشرايري الذي تولى وزارة المعارف في حكومة حسن ابو الهدى، اذ من قائد عسكري قاتل على اكثر من جبهة وشارك في معارك كثيرة في مواجهة اشكال الاحتلال و الاستعمار، إلّا أنه اثبت أنه رجل قادر على أن يتولى كل المناصب، وحقق إنجازات كثيرة وكبيرة ووضع حجر الأساس للمدن السلطانية  في السلط، وأسس أول مجمع علمي في الأردن برئاسة سعيد الكرمي . وكانت له فكرة إنشاء جامعة منذ بدايات تأسيس حكومة إربد.  الا أن ضعف تلك الحكومة من الناحية المادية وتشرذمها من الناحية الإدارية لم يمكنه من انجاز ما أراد، الا أنه استملك أرضاً في حوض الحميرة حسب ما أورد مقال محمود ابو غنيمة في مجلة العروبة عام 1958، وما أن وصلت الفكرة إلى جلالة الملك حسين حتى امر بإنشاء أول جامعة اردنية .  وأنتدب علي خلقي ليمثل إمارة شرق الأردن في مؤتمر الكويت لحل الخلافات في فترة الغزو الوهابي على الأردن عام 1924.

خطوات نحو الاستقلال النهائي

إن مقولة علي خلقي : ” إن هموم البلاد أكبر بكثير من همومنا الشخصية “ تدل على تفانيه وحرصه على تحقيق الاستقلال من الإنجليز،  إذ بعد أن استبعد من الوزارة، دأب علي خلقي في العمل ضد الإنجليز، فبدأ بعقد الاجتماعات والتحريض ضدهم وخصوصا ضد سيطرة سلطات الانتداب على الحكومات والتحكم في موازنة الدولة، وتخفيض قوة الجيش، و توسيد المناصب الإدارية بالدولة لمنتفين ومستغلين من خارج ابناء الأردن من أؤلئك الهاربين من مواجهة الاحتلال في بلادهم ، وزادت خططه من حدة الاحتجاجات عام 1928 ورفع عريضة إلى عصبة الامم احتجاجاً على ممارسات سلطات الانتداب قال فيها : “ان الغاية من الانتداب هي تعليم الشعوب العاجزة وإرشادها إلى الطريق التي توصل إلى الاستقلال، مع تبادل المنافع بين الطرفين، ولا تحصل هذه الغاية إلّا بعد أن يتولى الشعب إدارة شؤونه مباشرة ويمارسها مستعينا بالدولة المشرفة على أعماله فيصلح ما يقع منه من أخطاء . فلا ثمرة من الإشراف والانتداب اذا سلبت الحكومة المنتدبة إدارة جميع أمور الشعب الضعيف وأخذت تديرها مباشرة”.  وتوج عمله مع الوطنيين الأردنيين بعقد المؤتمر الوطني الأول الذي تمخض عنه بعدها بتأسيس أول مجلس تشريعي في الأردن .

أخذ علي خلقي عهدا على نفسه على ألا يعمل في حكومة الانتداب ، وحاول الأمير عبدالله أكثر من مرة في زياراته إلى القائد علي خلقي استمالته من جديد و بيان أهمية وجوده في مصانع القرار و عن قرب حتى تنجح الرؤية الوطنية في التخلص من الانتداب ، إلى أن وافق أن يكون كبير المرافقين عام 1930 فعمل مع الأمير عدة شهور .

سجن علي خلقي على إثر اتهامه من قبل الإنجليز في تفجير خط أنابيب البترول، ورغم ظهور براءته الا أنه رفض الخروج من السجن وتقديم اعتذار للحكومة البريطانية، وبسبب طول فترة الاعتقال ومحاوله الصاق التهمة به   ارسل الأمير عبدالله له عبدالله كليب الشريدة في محاولة لاقناعه للرجوع عن موقفه إلى أن صدر الأمر بالإفراج عنه بدون أن يقدم اعتذاره  للحكومة البريطانية بعد وساطة الأمير عبدالله . استقر بعد ذلك في مسقط رأسه إربد وقرر اعتزال السياسة  والحرب. وقد حاول الكثيرون من اصدقائه  ثنيه للرجوع عن قراره وذلك بتأسيس حزب سياسي يقوده بنفسه الا أنه رفض، ورفض الاشتراك  في الانتخابات و حتى مع زيارات الأمير عبدالله له في محاوله ارجاعه إلى سلك الدولة مرة أخرى فرفض ايضا. وعرضت عليه وزارة الدفاع بعد ذلك فاعتذر . حتى أنه عرضت عليه استلام رئاسة الحكومة الاتحادية ( الأردنية – العراقية ) فاعتذر ايضا وبقي يراقب الأحداث من بعيد .

” وها أنا أحرث وأدرس الزيتون ، لأكل زيت بلادي ، وإن أفخر وسام تقلدته هو وسام شجرة الزيتون التي زرعتها ” .  كانت هذه الجملة التي كتبها اللواء علي خلقي الشرايري عام 1959 في مذكراته تعبيرا عن موقفه النهائي . توفي بعدها في 25 /6 / 1960 في إربد .

JANAZEH
مجموعة صور من جنازة القائد علي خلقي الشرايري أثناء رفعها على الأكتاف ووضعها على المدفع للسير بها إلى المقبرة – مصدر الصورة : صفحة التاريخ الأردني

المراجع

  1. مشاهير في التاريخ الأردني، سيرة أمير اللواء علي خلقي الشرايري ، محمود عبيدات ،عمان ، 1993.
  2. أوراق منسية ” علي خلقي الشرايري” ، صحيفة الدستور الأردنية، 4 حزيران 2012.
Scroll to top