الملكة الأردنية ماوية، الملكة التي قادت جيوشها بنفسها

مقدمة

يزخر تاريخ الأردن بنماذج نسائية مشرفة. ولا عجب أن تكون عليا الضمور وبندر ومشخص المجالي وغيرهن من نساء الثورة ضد المحتل العثماني سليلات تاريخ أردني طويل من الكفاح ضد الاحتلال والظلم.

إننا بصدد واحدة من هذه النماذج الفريدة التي تجعلنا ندرك بشكل أعمق كيف أن المرأة الأردنية لم ترض ولا بأي مرحلة تاريخية بغير الاستقلال والحرية. الملكة ماوية ملكة أردنية بدوية حكمت القبائل الأردنية في البادية الأردنية الشرقية. سنستعرض في هذا البحث حياة هذه الملكة المحاربة.

تصوير كنسي للملكة الأردنية المحاربة ماوية

توليها الحكم والمشهد العام

تولت الملكة ماوية الحكم بعد وفاة زوجها عام 375 ميلادي ( والذي تذكر بعض المصادر أنه كان أميرا غسانيا) وشكلت تحالفا قويا كونته من جميع القبائل الأردنية البدوية في البادية الشرقية.  كانت علاقة الإمبراطورية الرومانية مع القبائل الأردنية في البادية الشرقية الأردنية علاقة متوترة دوما. لم يعرف عن الأردنيين يوما أنهم خضعوا لولاية بالقوة، فهم دوما يُجمعون إجماعا على من يرأسهم بالعدل ولهذا لم يرضَوا بالولاية التي كانت تحاول الإمبراطورية الرومانية فرضها.

 زادت حساسية المنطقة التي سكنتها القبائل الأردنية وعقدة الجغرافيا الأردنية من توتر الموقف بينها وبين الرومان. فالبادية الشرقية الأردنية منطقة استراتيجية تمر بها كل القوافل التي تقصد الشرق الأقصى واليمن ومصر. وكانت الإمبراطورية الرومانية متخوفة دوما على تجارتها التي لا بد لها أن تمر من مضارب القبائل الأردنية هناك.

بحسب المصادر اليونانية والسريانية  لم تحكم الملكة ماوية Mavia, Mauia  القبائل البدوية الأردنية في البادية الشرقية فحسب إنّما حكمت ما أطلق عليه اليونان “عرب السارسين” والسارسين كلمة مشتقة من الكلمة اليونانية (ساراكينوس)[1] وهم سكان إقليم البترا وما حوله قاصدين بهذا اللفظ الأردنيين الأنباط الذين كانوا بدوا رحلا لفترة طويلة من الزمن قبل تأسيس المملكة الأردنية النبطية وبعد انهيار النظام الملكي النبطي والعودة للنظام القبلي من جديد. انتقلت التسمية إلى القبائل الأردنية وربما عُممت على جميع السكان لكونهم شهدوا اختلاطا وتجانسا سكانيا كبيرا بعدما ضعفت مكانة البترا كعاصمة تجارية عقب الحصار الاقتصادي الذي فرضه الإمبراطور الروماني تراجان لعقود طويلة.

الحرب من أجل الحرية

قادت الملكة ماوية جيوشها الجبارة في الثورة الأولى عام 378 أي بعد ثلاثة سنوات من توليها الحكم. يقارن التاريخيون هذه الثورة بقوة ثورة الملكة زنوبيا ضد الرومان قبلها بقرن من الزمن.

وقد تقدمت نحو الحاميات الرومانية غرب الأردن وفي فلسطين ولبنان وصولا إلى مصر واستمالت سكان وأهالي تلك المناطق بعدالة قضيتها.

يذكر الباحث جواد علي في كتابه  “المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام” أن الملكة الأردنية ماوية ألحقت دمارا شديدا بالرومان فيقول ”  وقد حاربت الروم مرارا وانتصرت غير مرة، ثم تصالحت معهم. وكان من جملة ما اشترطت عليهم أن يُسقّف على عربها راهب يدعى موسى كان يتعبد في -البادية- وكان معارضا لمذهب أريوس (علي: 2001، ص356)

صورة للقس البرادعي الذي عينته الملكة ماوية وكان مسؤولا عن المذهب المونوفيزي في الشرق

ولأن ثورتها تعد إحدى أهم نقاط التحول في مسيحية المشرق، اهتم مؤرخو الكنيسة بتسجيل تفاصيلها فكتبوا أن ثورة الملكة ماوية كانت كاسحة مدمرة. كتب المؤرخ  الكنسي روفينوس أنها قادت “حربا شعواء أنهكت جيوش الروم في معارك عدة فسحقتهم في العديد منها وهرب منهم ما تبقى“، ويذكر مؤرخ آخر يدعى سوزومين أنها كانت “ملكة خطيرة ” قادت قواتها بنفسها وحاربت بشراسة حتى أن القائد الحربي الروماني تم إنقاذه بصعوبة.

واتفق المؤرخون على حقيقة أن هذه الملكة الأردنية البدوية قد أرضخت الرومان وجعلتهم يوقّعون معها صلحا بشروطها الخاصة في سبيل نضالها وشعبها نحو الاستقلال والحكم الذاتي، حتى أنهم بعثوا لها لاحقا يرجون المساعدة ضد هجمات القوط (قبائل جرمانية) وقبلت مساعدتهم.

يُحسب للملكة ماوية أنها أذلّت الرومان وجعلتهم يبعثون لها بأقوى قائد حربي لديهم. كانت لديها مقدرة رهيبة على التخطيط الحربي كما كانت فَطِنة لجميع حِيَل الرومان العسكرية مما جعل جيشها يتفوق على الجيش الروماني بشكل سريع ومذهل.

تصوير قديم للملكة البدوية ماوية التي قادت جيوشا وأجبرت الرومان على الصلح معها وفقا لشروطها الخاصة

الملكة المحاربة والأردنيون الغساسنة

ترددت أصداء الحروب الشجاعة التي قادتها الملكة الأردنية ماوية في الأردن وأبعد، وكان الأردنيون الغساسنة معجبين بهذه الملكة المخلصة لوطنها وشعبها وعقيدتها. اعتنق الغساسنة ذات المذهب (المونوفيزي- مذهب ديني مسيحي يؤمن بأن للمسيح طبيعة واحدة تشكلت عن اتحاد الطبيعة البشرية والإلهية معا) المذهب الذي كانت لتقضي عليه الإمبراطورية الرومانية لولا شجاعة الملكة ماوية. ظلت الملكة ماوية ملهمة للغسانيات خصوصا الأميرات منهن لا في مجال السلم والحرب فحسب إنما في الاعتقاد الديني كذلك.

 كما بقيت الملكة ماوية  حية في وجدان الأردنيين الغساسنة واعتبروها نموذجا للمرأة المخلصة للدين والشعب والوطن كما ستظل حاضرة في نفوس أبناء وبنات الأردن اليوم.

المراجع:

  • علي. ج. (2001) المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، (ط4)، لبنان: بيروت، دار الساقي
  • E (1996) Bazantinum and Arab in the sixth century, Vol2, Part 2 Dumbarton Oaks, Harvard University.
  • أبحاث إرث الأردن، المرأة الغسانية.
  • أبحاث إرث الأردن، الغساسنة مدخل عام.
  • الملكة ماوية، ويكيبيديا https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D9%83%D8%A9_%D9%85%D8%A7%D9%88%D9%8A%D8%A9

[1] للمزيد انظر : https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B3%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D9%83%D9%8A%D9%86%D9%88%D8%B3

Scroll to top