جبل القلعة

مقدمة

من أعلى مشارف عمان، يطل  كتميمة قديمة تحرس الوادي، ذلك الجبل الذي حفظ آثار عصور كثيرة مرت وعهود طويلة من الحضارة، و شهد تحولات كثيرة، واحتضن الرجاءات لآلهة اتخذه مؤمنوها معبداً لهم، فكان جبل القلعة محضناً لآمال الأردنيين الأوائل فمن معبد ملكوم إلى هيكل هرقل، معابد تبنى على بقايا معابد، ومن الكنائس البيزنطية إلى المساجد الأموية، عصور من التاريخ الحافل لم يتوقف دفقها مطلقاً .

معبد هرقل -موقع رحلاتك

الموقع والتضاريس

يطل جبل القلعة، المسمى أيضاً بجبل الطهطور (الرجم)  على منتصف وادي عمان، تحيط به الأودية من جهاته الثلاث ويتصل بالهضبة (جبل الحسين) من الجانب الشمالي ، مما يكسبه حماية طبيعية، تجعل من الوصول إلى قمته أمراً شاقاً، ويحرك موازين القوة لتتركز في يد المقيم في الجبل، لذلك كان محط أنظار كثير من الشعوب والقوى التي حاولت التوسع على مر العصور.

عصور ما قبل التاريخ

شهد جبل القلعة تراكمات آثارية امتدت من عصور ما قبل التاريخ وصولاً إلى يومنا هذا، فقد عثر فيه على كهف عائد إلى العصر البرونزي يعتقد أنه كان يستخدم كمدفن آنذاك، ويحتوي على أكثر من قبر، كما تشير البقايا الأثرية إلى وجود مدينة عامرة في جبل القلعة في العصر الحديدي الأول، ما يزال جزء منها قائماً في الزاوية الشمالية الشرقية .

الأردنيون العمونيون في جبل القلعة

أقام الأردنيون العمونيون في عمان منذ سنة 1200 وحتى 332 ق.م، واتخذوها عاصمة لدولتهم وأطلقوا عليها اسم ربة عمون، التي وصفت في التوراة بأنها المدينة الملكية أي العاصمة، ومدينة المياه، نسبة إلى مياهها المتدفقة من العيون والسيل، وقد كانت المدينة مؤلفة من جزأين : المدينة السفلى وهي القائمة على ضفاف السيل، يمارس الناس فيها الرعي والزراعة والتجارة، والمدينة العليا: وهي القائمة على جبل القلعة، وترتفع نحو 130 متراً عن السيل، وتضم مقر الحاكم والقصور والمعابد ومساكن المواطنين، وقد احتوت على نظام لتخزين الماء في آبار وبرك محفورة في الأرض تصل بينها قنوات مائية تعتمد على مياه المطر وتستخدم احتياطاً في حالات الحصار، وتمكن الأردنيون العمونيون من ربط المدينة العليا بخارجها عن طريق ممرات سرية، ويذكر أن السلوقيين فشلوا في حصارهم لربة عمون حتى توصلوا عن طريق الأسرى إلى معرفة سر السرداب الذي يعتمد عليه أهل القلعة في توفير المياه، وقد كانت المدينة محصنة بأسوار عالية، وأبراج للمراقبة.

وأظهرت التنقيبات والحفريات وجود كثير من الآثار العمونية المهمة في جبل القلعة، ومن أبرزها قبر الملك العموني عمي ناداب، وكتابة تذكر بناء هيكل للإله العموني ملكوم، وعثر أيضاً على أربعة رؤوس حجرية متشابهة في الشكل والحجم يعتقد أنها كانت في أحد المعابد الدينية، وقد تمثل للعمونيين آلهة شبيهة بالآلهة عشتار التي عبدها السوريون القدماء، كآلهة للخصب والأمومة والشرف.

اليونانيون في جبل القلعة 

خضعت عمان للحكم اليوناني طيلة ثلاثة قرون (330-63 ق.م) وأعاد الملك بطليموس الثاني فيلادلفيوس إعادة إعمار ربة عمون وأطلق عليها اسم فيلادلفيا نسبة إليه، وتعني مدينة الحب الأخوي، وكانت إحدى مدن الديكابوليس العشرة التي تمتلك حكمها الذاتي وتسيطر على المناطق المجاورة لها.

وتعود بقايا الأسوار الموجودة حالياً في الشمال الغربي من جبل القلعة إلى العهد اليوناني، وترتفع حوالي 22 مدماكاً أي 22 صفاً أفقياً من الحجارة الكبيرة المستخدمة في البناء، حيث كان السور يمتد شمالاً نحو 50 متراً، وجنوباً نحو 100 متر، وقد أقيمت الأسوار من الناحية المتصلة بالهضبة لتأمين الحماية اللازمة لها .

الرومان في جبل القلعة 

شجع الرومان بناء وتعمير المدن التي اختصها اليونانيون باهتمامهم ومنها عمان، فبنوا فيها كثيراً من مرافقهم وتركوا كثيراً من الآثار في جبل القلعة، ومن أبرز هذه الآثار هيكل هرقل الذي صمم بطريقة مماثلة لطراز الهياكل الأخرى، التي تتميز بفخامة بنائها وعلوها الشاهق إذ كان الهيكل يمتد 22 متراً من الشرق إلى الغرب و52 متراً من الشمال إلى الجنوب  وكانت أروقته الخارجية تنتصب على صفين من الأعمدة طول كل عمود منها تسعة أمتار وقطره متر ونصف، وفوق هذه الأعمدة تيجان من الطراز الكورنثي، ينتصب إلى جانب الهيكل تمثال لهرقل وقد كلل رأسه بالغار ولفّ على عنقه جلد أسد ليظهر جبروته، ولا يقل طول هذا التمثال عن 30 قدماً، ففي الحفريات عثر على قطعتين من المرمر وفخذ إنسان ضخم يعتقد أنها تعود للتمثال، ويرى بعض الباحثين أن هذا الهيكل قائم على أنقاض هيكل أنشأه الأردنيون العمونيون لإلههم ملكوم .

ومن أهم الآثار التي عثر عليها في بعض التنقيبات  تمثال للآلهة تايكي حارسة عمان وحاميتها تحمل على رأسها مجسماً للقلعة، وتايكي هي آلهة الحظ السعيد والنجاح والازدهار عند الرومان  .

وعندما أصبحت الديانة المسيحية هي الرسمية للدولة الرومانية تحولت المعابد الوثنية إلى كنائس وإبراشيات ، وذلك ما حصل للمعبد الذي أنشئ في العصر الروماني للآلهة فينوس (الزهرة) وتحول فيما بعد إلى كنيسة العذراء ، وقد هدمته الزلازل عام 747 م .

الأمويون في جبل القلعة

  بعد قرون طويلة من تغيير اسمها استعادت عمان اسمها الأصيل الذي لم يغب عن قلوب الأردنيين الأوائل من سكانها .

وقد شهدت عمان ازدهاراً كبيراً في العصر الأموي ، إذ كان يؤمها كثير من الخلفاء، كما وجدت بيوت أموية كثيرة  في جبل القلعة شيدت من الطين والحجارة تحتوي على أدوات عديدة كالمباخر والقدور والقوارير والأباريق، وبعض النقود النحاسية .

ومن أبرز الآثار الأموية في جبل القلعة القصر الذي يحتوي ثلاث مناطق رئيسية، الأولى وهي المسماة  بالديوان العام، وهي فضاء واسع فيه حوض ماء كبير يؤدي إلى صالة استقبال أخذت حجارتها من مبانٍ رومانية قديمة، وزينت جدران الصالة الداخلية بزخارف ورسومات طغى عليها الطابع الإسلامي، تتوسطها قبة خشبية أو حجرية هدمت بفعل الزلازل، وجرى ترميمها حديثاً .

وفي المنطقة الأولى كان الوالي يستقبل ضيوفه المهمين وكبار الوزراء، أما المنطقتان الثانية والثالثة فتتوزع فيهما مبانٍ مختلفة لبيوت وقصور كان الوالي يقيم فيها مع عائلته، ويتصل بالقصر الأميري صالة العرش التي لا يدخلها سوى حاشية الوالي، وهناك حجرة أخرى بجوارها تتصل بباب صالة الاستقبال .

القصر الأموي في جبل القلعة – ويكيميديا

الأيوبيون في جبل القلعة

كانت عمان تحتل مكانة مهمة لدى الأيوبيين وكانت موطناً لتجمع الجيوش الأيوبية في معركة حطين خاصة، ومن آثارهم في جبل القلعة البرج الجنوبي وهو البرج الوحيد المتبقي من سور القلعة، وقد أعيد بناؤه في العصور من حجارة مختلفة النحت والشكل والوضع، ويبدو من هذا البرج مشهد المدينة السفلى، وخصوصاً المدرج الروماني .

حاضر جبل القلعة

ما تزال مكانة جبل القلعة حاضرة في وجدان الأردنيين، إذ إنهم لا يزالون يتطلعون إليه بوصفه قطعة عظيمة من تاريخهم، تحظى بأهمية خاصة، فنرى الروائي زياد قاسم يكتب رواية ” أبناء القلعة ” التي يظهر فيها تفاصيل حياة أهل الجبل مضفياً عليها نوعاً من الارتباط العميق بالمكان، كما نرى أن مدفع الإفطار الرمضاني ما يزال يطلق من أعلى قمة في جبل القلعة ، ليعيد مع صداه حكاية سلسلة من التتابع الحضاري العظيم .

المصادر والمراجع

الصفدي ، علي (2006) ، درج فرعون الشاهد التاريخي سيرة عمان في الخمسينيات ، مطابع الدستور

العابدي ،محمود (2002) ، عمان ماضيها وحاضرها ، منشورات أمانة عمان

أبو عريضة، محمد (2013) ، أسرار عمان تحقيقات في ذاكرة المدينة ، فضاءات للنشر

غوانمة ، يوسف (2002) ، عمان عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية ، دار الفكر

الكردي ، محمد (1999) ، عمان تاريخ حضارة وآثار المدينة والمحافظة ، دار عمار للنشر

الموسى ، سليمان (2010 ) ، عمان عاصمة الأردن ، منشورات أمانة عمان

Scroll to top