مقدمة

تعتبرُ الجوفية من الألوان الغنائية التي لاقت انتشارًا في مختلف مناطق الأردن، من شماله لجنوبه، وهي من الألحان النشطة وذات الطابع الذكوريّ، ويرافقُ أداءها رقصة خاصّة تُعرَفُ بنفس الاسم دون مرافقة الآلات الموسيقيّة الشعبيّة، وبالرغم من الإشارة إلى الجوفيّة أحيانًا على أنّها من ألوان الغناء البدويّ، إلا أن واقع انتشارها يؤكد انتشارها أيضا في مجتمعات ريفيّة ومدنيّة.

التسمية

تشير المراجع والأبحاث إلى أن تسمية الجوفيّة ترتبط بمنطقة الجوف الواقعة الى الجنوب من الأردن، وهي من المناطق التي كانت تعتبر سكنًا شتويًا – أراضي التشريق – للكثير من القبائل الأردنيّة لفترات طويلة، ومن الجوف إلى كافة مناطق الأردن مرورًا بالأقاليم الوسطى وصولاً للمناطق الشماليّة، انتشرت الجوفيّة لاسيّما في القرن العشرين حيث ساهمت قوات الثورة العربية الكبرى والتي كانت خطوط سيرها تنطلق من الجنوب نحو الشمال، بنقل الكثير من الجوفيّات ونشرها بين الناس، خصوصًا وأن الجوفيّة من الألوان الغنائية الاكثر حماسيّة والأقرب لأجواء الحروب والمعارك.

الرقصة

تؤدّى الجوفيّة مع رقصتها الخاصة والتي صفتها أن تتقابل مجموعتان من الرجال تفصل بينهما مسافة معقولة تسمح لكل مجموعة أن يخرج منها رجلٌ حاملٌ للسيف أو العصا يمارسان الاستعراض الحربيّ في التقاء وانفصال متكرر بين الراقصين، وتبدأ المجموعتان بالغناء وترديد أبيات الشعر الغنائيّة الخاصة بالجوفيّة والسير بخطىً متزنة ضمن حلقة دائريّة يستمر فيها الدوران حتى نهاية الأغنية. وتتميّز رقصة الجوفية بالحركات الأدائية التي إذا ما أمعنّا في تحليلها نجدها تجمع بين الرقص الريفي “الدبكات” والرقص البدوي “السحجة” في آنٍ معًا وتشكّل مزيجًا بينهما بصورة لا تدع مجال للشك أن ذلك ساهم أكثر بانتشارها في مختلف المجتمعات.

ويجدر التسؤل هنا؛ أيهما نشأ قبل الآخر؟ الغناء أم الرقص؟ وهو ما يقود المتأمّل بتسمية هذا الفن إلى استنتاج ضمنيّ مفاده أن الرقصة هي التي نشأت في الأساس وأعطيت اسم “الجوفيّة”، والتصق بأدائها مجموعة من الألحان التي تناسبت مع إيقاع الرقصة، ولو كان الاسم مرتبط بالغناء أكثر من الرقصة لكان اسمه “جوفيّ”، كالهجيني والشروقي.

السمات الفنية والأدائيّة

لحنيًا : تتنوّع وتتعدّد ألحان الجوفيّات المنتشرة في الأردن والجوار، ولكنها جميعًا تتميّز بالقوّة والسياقات اللحنيّة التي تعبّر عن حالةٍ احتفاليّة طاغية، وهذا ما يجعلها في وقتنا الحاضر الرقصة الأكثر شهرةً بين طلبة الجامعات الأردنيّة في حالات الاحتفال التي تعقب التخرّج والفوز في الانتخابات الطلابية. وتؤدّى الألحان بالتكرار والترديد ما يجعلها أقرب إلى الهتاف الملحّن.

إيقاعيًا : بالرغم من عدم استخدام أي آلات موسيقية أثناء أدائها، إلا أن الجوفيات تعتبرُ من الأغاني الموزونة إيقاعيًا بعكس بعض ألحان الهجيني وجرّات الربابة التي تكون غير موزونة وأقرب إلى الموّال، ويكون الإيقاع الذي يرافقها صادر عن ضربات أقدام الراقصين، وهذا مثال واضح على الممارسات الإيقاعيّة التي سبق وأن قدمناها في بحثٍ سابق – بحث الممارسات الإيقاعيّة في الأردن – ، والتي تُستخدمُ فيها أساليب غير موسيقيّة لإصدار أصوات إيقاعيّة توضّح الوزن الموسيقي للغناء وتضبطه.

شعريًا : ككل الألوان الغنائيّة الأردنيّة، تتنوّع المواضيع والأشعار والأوزان الشعريّة تبعًا للمناسبة، وقد أبدى الإنسان الأردني عبر التاريخ سلوكًا فطريًا قلّ نظيره؛ وهو تطويع الأوزان الشعريّة والألحان بحسب المناسبة والوقت المعاصر، وهذا ما انعكس على الجوفيات تنوّعًا في المواضيع التي تتناولها أشعارها الغنائيّة. ومن خلال تحليل نماذج مختلفة من الجوفيات الشهيرة نجد في مفرداتها تنوّعاً يعكس انتشارها في مختلف المجتمعات البدوية والريفية والمدنية في الأردن، مع الأخذ بعين الاعتبار التداخل الكبير بين الأنماط الاجتماعيّة الثلاثة في الأردن. فتارة نجد تشبيهات مأخوذة من بساتين الرمّان والمشمش والتفّاح، وتارة نجد مفردات غزليّة تُبرز جماليّات اللباس البدوي.

نماذج

من الجوفيات الغزليّة التي انتشرت واشتهرت في الأردن، جاءت على شكل حوارٍ بين عاشقين، فتقول الفتاة :

يا نجم يلي بالسما واسمك سهيل .. بالله وان شفت الولف دلّه عليّا

قلّه المفتاح بطاقة البيت .. وان ما لقى المفتاح ينده عليّا

فيجيب الشاب :

ظلّيت أنادي وأطرق الباب بالسيف .. عيّوا يا باب هلك لا يفتحولي

وتسألني من هو اللي بالباب قلت ضيف .. ضيف يريد القرب لو تسمحولي

فتجيبه الفتاة :

يا من يقول لهلي عندنا ضيف .. ضيف يدوّر كحيلات العين

والله لافتح للواقف ورا الباب .. والله ولافتحو لو هلي قطّعوني

وبعد هذا الحوار يقوم الشاب بوصفها لصديقه قائلاً المقاطع الغنائية التالية الشهيرة :

وعيونها يا خوي وتقول تفّاح .. تفاحة على أمها مستوية

وعيونها يا خوي وتقول فنجان .. فنجان من القهاوي ممتليّة

ونهودها يا خوي وتقول رمّان .. رمّانة على أمها مستويّة

وقرونها يا خوي وتقول حنشان .. بأرض الفلا كن هاشن عليّا

كحل الغوا يا طير مسحون بالهاون .. مازون بالميزان ربع الوقيّة

ومن الجوفيات ذات الطابع الحواري ما جاء فيها نصيحة المجتمع للفتاة العزباء :

يا طايحة تغسّلي في اقصيبة الغليون .. لا تأمنّي للعزب ترى العزب مجنون

يا طايحة تغسّلي في اقصيبة المشمش .. لا تأمّني للعزب ترى العزب يكمش

فيعاتب الشاب الفتاة قبل أن تلقي بالها للنصيحة قائلاً :

والله لعاتبك ما انا عليك جاحد .. قلبي وقلبك سوا مفتاحهن واحد

يامن لقى محرمة بالسوق مرمية .. شريتها بأربعة وبرطيلها ميّة

فتصرفه الفتاة قائلة :

يا قويعدٍ ع الرّجم هيلك ينادونك .. قلبي يحبّك واهلي ما يريدونك

وش جيّب العبد يرقد بمنام سيده .. يستاهل الذبح وفوق الذبح قطع ايده

يا قويعدٍ ع الرجم تحتك نهر يجري .. انت سبب علّتي والناس ما تدري

ومن الجوفيات الغزلية ما جاء على لسان العسكريّ الأردني مخاطبًا صديقه ويبث له شكواه من الحب :

راكبٍ اللي كنّها رف القطاة .. شالت العدّات والعدّة قويّة

يابو فلان يا زبون الملزماة .. من يقولن للخوي خلّي خويّه؟

قاعدن بالدار لشوف البنات .. ما ركبت مدرّعة بأول سريّة

وان كان خِلّي صدّني يا كثر البنات .. مير عذر القلب والعلّة خفيّة

ومن الجوفيات التي يُعتقد انها قيلت في أواسط القرن الماضي، يتغزّل بها الشاعر في محبوبته التي من مدينة الفدين (المفرق لاحقًا) :

عيني ظبية ربّعت بأرض الفدين .. قادت الغزلان والرّيم تلتها

لي عشير ساكنٍ بأرض الفدين .. يا هنوه من هو ع الخيل طلبها

لي وصفة بعشيري شامتين .. ترفع العصبة والقذلة طرّفتها

ومن الجوفيات ما هو في مدح نسب وأصل الفتاة :

والشق اللي انبنى رنّت فناجيلو .. شيخٍ بلا عزوته قلّت مراجيلو

يا بنت شيخ العرب يا ام العبا الزرقا .. وأبوكِ شيخ العرب حاكم على البلقا

يا بنت شيخ العرب يا واردة الميّة .. وأبوكِ شيخ العرب حاكم على ميّة

ومن الجوفيات الحديثة التي يُلاحظ في مفرداتها تغيّر الوزن الشعري ودخول مفردات وتسميات لأزياء حديثة مثل “المكسي”، وفيها ما هو من الطرافة والفكاهة المعهودة عندما تتحدث الزوجة عن حماتها :

بالمكسي البنّي خشّي حارتنا بالمكسي البنّي

رايحة تجنّني أمك يا محمد رايحة تجنّني

بالمكسي الزيتي خشّي حارتنا بالمكسي الزيتي

خرّبتلي بيتي أمك يا محمد خرّبتلي بيتي

وهذا الوزن الشعري هو امتداد لجوفيّة قديمة تقول كلماتها :

ع الحجر برّا هيه يلّي قاعد ع الحجر برّا

والعيشة مرّة من بعد فراقك والعيشة مرّة

مشبوك بدبّوس طيرٍ بالسّما مشبوك بدبّوس

مبروك العروس يا بيّي “فلان” مبروك العروس

المراجع :

  • حجاب، نمر حسن، الأغنية الشعبيّة في عمّان، 2003، موسوعة عمّان التراثيّة (5)، منشورات أمانة عمّان الكبرى، عمّان، الأردن.
  • الزّعبي، أحمد شريف، الأغاني الشعبيّة الأردنيّة، 2015، وزارة الثقافة، عمّان، الأردن.

الجوفيّة

مقدمة

تعتبر الجفرا من الألوان الغنائية المنتشرة في الأردن وتحديدًا في شماله، ضمن انتشارها في المناطق المجاورة بصفة عامّة، وكغيرها من الأنماط الغنائية الشعبيّة فإن الأمثلة عليها كثيرة ومتنوّعة بما يعكس اختلاف وكثرة المواضيع والمناسبات والمزاجات الإنسانيّة التي يخضع لها الشعر الغنائي الشعبيّ.

التسمية

لتفسير اسم جفرا روايات متعددة تختلف من منطقة لأخرى، ولكن المصادر البحثيّة تشير إلى أن الجفرا هي الشاه الصغيرة “السْخَلَة،الصْخَلَة”، التي تمتاز بقامتها المشدودة وحركتها الرشيقة وسلوكها الوادع والودود، وتبدأ أغلب الجفراويات بالحديث عن الجفرا “السْخَلَة” كنوعٍ من تشبيه الحبيبة بصفاتها، وعليه؛ فإن مبدأ الجفرا من حيث الأساس هو الغزل والحب، وإن تنوّعت موضوعاتها لاحقًا أسوةً ببقيّة أنماط الغناء الشعبيّ.

السمات الأدائية

تؤدى الجفراويات، ككثيرٍ من أنماط الغناء الشعبيّ على رأسها الدلعونا، كأغانٍ مرافقة للرقصات، ويُعتبر إيقاع وروح الجفرا أقرب إلى الدبكات من الرقصات الأخرى، وعلى تنوّع ألحانها تتنوّع أنماط الدبكات التي ترافقها الجفرا بالغناء والعزف على إحدى الآلات النفخية المتوفّرة، كاليرغول أو المجوز.

تشترك معظم أبيات الجفرا في الوزن الموسيقي مع لحن “ع اليادي اليادي”، وهو ما يفسّر الكثير من تشابه الأبيات رغم اختلاف الألحان بين النمطين الغنائيين. ويتكون البناء الشعري للجفرا من بيتين رئيسيين، في كل بيت شطرتان – الصدر والعجز -، تنتهي الشطرات الثلاث الأولى بنفس القافية، فيما تختلف الأخيرة عن سابقاتها الثلاث، وهو ما يشبه إلى حدٍّ بعيدٍ الدلعونا والعتابا، ولتوضيح ذلك نورد المثال التالي :

جفرا وهيه يا الربع  وطلعت ع السطوحي .. والشعر على الكتف من الهوا يلوحي

أنا حلّفتك بالله وبسرّي لا تبوحي .. احنا اللي ربينا سوا بالحارة الغربيّة

وتشتهر الجفراويات بافتتاحيات معيّنة منها :

جفرا وهيه يا الربع :

جفرا وهيه يا الربع وتصيح دِلّوني .. غشيمة بنوم الحظن يا ناس دِلّوني

وان كان عليّي ذنب بالبير دَلّوني .. واقطعوا بيّا الحبل ما هو جزا ليّا

يا ريمتن :

يا ريمتن تحدرت من فوق الجبالِ .. والعين سودا كحلة من جرّ الميالي

ما اريد منه شغل بس يقعد قبالي .. بايدي لاجيبله الخبز واجيبله الميّة

يما مويل الهوا :

يُما مويل الهوا يُما مواليّي .. جسر الحديد انقطع من دوس رجليّي

مشوار مشيتو الصبح ومشيتو عصرية .. يا حباب لا ترحلوا ظلّوا حواليّي

فيما من الممكن أن تبدأ جفراويات أخرى بمطالع غير محددة، مثل :

من يوم غاب الولف تبدّلت أحوالي .. صار الربيع خريف يا طويل الليالي

تهيألي الشتا بالصيف مدري شو جرالي .. حتى طيور الفلا تترحّم عليّا

https://www.youtube.com/watch?v=4QH7ynTzo1Q

الجفرا في الأغاني الأردنية المعاصرة

اشتهرت في القرن العشرين حركة استعادة الألحان الشعبيّة وإعادة تقديمها في قوالب وموضوعات مختلفة، ضمن توازيع موسيقيّة حديثة بوجود الآلات الموسيقيّة والإشراف التقني من المختصين، وقاد هذه الحركة نخبة من رجالات الوطن على رأسهم الشهيد وصفي التل والمشير حابس المجالي، ومعهم لفيف من الشعراء والملحنين والمغنيين الروّاد الأوائل الذين التقت تطلعاتهم بالإرادة السياسيّة ووجهة نظر الدولة العميقة للفنون ودورها في شحذ الهمم وتكوين الهوية الوطنية الجامعة، فأبدعوا في انتاج العديد من الأعمال الإذاعية والتلفزيونية التي سافرت من استديوهات عمّان إلى أصقاع الدنيا على أنها التعريف الجمالي لكل ما هو أردني في القرن العشرين.

ومن الجيل الثاني الذين عاصروا هذه التجربة، الشاعر حبيب الزيودي، الذي وعندما أراد استذكار الشهيد وصفي التل في مطلع القرن الواحد والعشرين، كتب قصيدته الشهيرة التي جاءت على نمط الجفرا ولحنها المعروف، وهي :

رفّن رفوف الحجل رفٍّ ورا رفي .. خيلٍ أصايل لفن صفٍّ ورا صفّي

وأقول يا صويحبي يكفي عتب يكفي .. يا مهدّبات الهدب غنّن على وصفي

المراجع

  • الزعبي، احمد شريف، الأغاني الشعبيّة الأردنيّة، 2015، منشورات وزارة الثقافة، عمّان، الأردن.
  • حجاب، نمر حسن، الأغنية الشعبيّة في عمّان، 2003، موسوعة عمّان التراثية (5)، منشورات أمانة عمّان الكبرى، عمّان، الأردن.

قالب الجفرا الغنائي

مقدمة

اهتم الأردنيّون منذ فجر تاريخهم بالزراعة وطقوسها، فعلى أرضهم ظهر أول منجلٍ في التاريخ قبل عشرة آلاف سنة قبل الميلاد، وهو رمز الحصاد ومحاصيل الخير التي تجود بها الأرض، وفي البادية الشماليّة الشرقيّة عثر الباحثون على بقايا خبز قمح تعود لأربعة عشر ألف عام قبل الميلاد. وظلت التقاليد الزراعيّة وطقوسها تنتقل من جيل إلى جيل عبر أجيالٍ من الأردنيين الذين حافظوا على هذه التقاليد واهتمّوا بها اهتمامًا جعل لها حيّزًا في المرويات والأمثال والقصص الشعبيّة، بالإضافة إلى حيّزٍ فنيٍّ وجماليٍّ في إرثهم الموسيقي.

طقوس استجلاب المطر (الغيث)

تبدأ السنة الزراعيّة بانتظار موسم المطر، الذي يحيّي الأرض ويوفّر أهم العناصر للشروع بكامل مراحل الزراعة، وعليه؛ فإن طقس “أم الغيث” هو من أبرز الطقوس الإيمانيّة التي استنّها الأردنيّون لاستجلاب المطر والخير من السماء، و”أم الغيث” هي شخصية معنوية يؤمن الأردنيون بأنها ترمز للمطر والغيث، لذا فهم يغنّون لها طلبًا للمطر. وتختلف طقوس الغيث من منطقة لأخرى اختلافاتٍ طفيفةٍ، إلا أنها عامل مشترك بين جميع الأردنيين تاريخيًا. ويُقال لمن يغنّين لأم الغيث أو يقمن بطقوسها “الغيّاثات”، ومن جملة الأغاني التي تُقال لها :

يمّ الغيث غيثينا .. ملّي الجرة واسقينا

يمّ الغيث غيثينا .. خبز وزيت طعمينا

راعينا حسن الاقرع .. طول الليل وهو يزرع

يزرع قمحنا القصري .. تـ نملّي خوابينا

يمّ الغيث غيثينا .. بلّي شويشة راعينا

راعينا شرد عنّا .. وبدّو جدايل حنّا

يمّ الغيث يا حدرج .. تخلّي سيلها يدرج

يمّ الغيث غيثينا .. ومن ميّاتك اسقينا

يمّ الغيث غيثينا .. واسقي حلال راعينا

يمّ الغيث غيثينا .. بلّي زريع راعينا

راعينا أكل الجلّة .. وحسبها خبز ملّة

يمّ الغيث يا دايم .. بلّي زريعنا النايم

 بلّي زريع أبو جابر .. هاللّي ع الكرم دايم

يمّ الغيث غيثينا .. بلّي زريع راعينا

راعينا حسن الأقرع .. ما يشبع ولا يقنع

يا الله الغيث يا الله الغيث .. واحرقتنا شمس الصيف

يا الله الغيث يا ربّي .. تسقي زريعنا الغربي

يا الله مطر يا الله رشاش .. يا الله عرايس ببلاش

يا الله الغيث يا رحمن .. تسقي زريعنا العطشان

يا الله الغيث يا ربي .. خبز يقرقد في عبّي

شتّي وزيدي بيتنا حديدي .. عمنا عطالله ورزقنا على الله

أما طقوس أم الغيث، فهي أن تقوم نساء القرية بحمل عصاة عليها ثوب إمرأة، ويرفعونها ويطوفون فيها داخل الأزقة والأحياء، ويغنّون أغاني أم الغيث، وتكون صفة الطواف أن يبدأ موكب أم الغيث من الشرق إلى الغرب، ثم إلى الشمال، ثم إلى الجنوب، على أن ينتهي الطواف عند بيت رجلٍ كريمٍ أو “صاحب بخت”، استبشارًا بحظّه بأن يُستجاب لطلبهم، فيستقبلهن صاحب البيت بإطلاق البارود ترحيبًا بأم الغيث، ثم يذبح ذبيحة لها، وتقول المرويات الشفهية أنه ساعة “ما يفجّ الدم” من الذبيحة، تكون ساعة مباركة وفي أغلب الأحيان يهطل الشتاء ولفترات طويلة. وفي بعض الأحيان يقوم بطقوس أم الغيث مجموعة من الأطفال، يجمعون من كل البيوت مواد غذائيّة ويعطونها لصاحب البيت الذي تقع عنده أم الغيث بعد رميها عشوائيًا، فيقوم بعمل وليمة جماعية لكل الأهالي في بيته. وخلال جمع المواد الغذائية للوليمة يغني الأطفال لسيدات البيوت :

أم “فلان” يا أميرة .. يا لابسة التقصيرة

بحياة عيسى وموسى .. لا تبخلي علينا

كانت هذه الطقوس تقام في معظم البوادي والقرى والمدن الأردنية، وفي بعضها يُطاف بأم الغيث حتى تصل إلى مقام مبارك، كمقام الخضر في السلط أو ماحص أو الكرك (شفيع البوادي الأردنيّة) أو مقام أبي الدرداء في قرية سوم/إربد، فعلى سبيل المثال كانت النساء السلطيات يغنين :

يا الخظر جيتك زايرة .. وأنا بأموري حايرة

كل القرايا فلّحت .. وقريتنا ظلّت بايرة

مجموعة من نساء قرية السماكيّة في الكرك يقمن طقوس استسقاء شبيهة بطقوس أم الغيث عام 2014، المصدر : موقع أبونا

وفي بعض المناطق الشمالية كانت النساء تضع قطعة قماش على عود قصب، ويُسمّى “الشرشوح”، وتحمله إحداهن وتسير في مقدمة مجموعتين تقومان بترديد المغايثة على شكل حوار :

ياربنا يا ربنا واحنا صغار شو ذنبنا

طلبنا خبز من امنا ضربتنا على يدنا

ياربي تبل الشرشوح واحنا تحتك وين نروح؟

ويستمر الموكب بمسيره، وعند مروره بكل بيت فعلى أصحابه أن يرشوا على الشرشوح قليلاً من الماء، وينتهي الموكب في ساحة المسجد الذي يكون ممتلئًا بالعجائز اللاتي يطحنّ الرحى طحنًا وهميًا دون حبوب، ويستقبلن الموكب بالغناء لأم الغيث :

راحت أم الغيث تجيب رعود .. ما اجت وان الزرع طول القاعود

راحت أم الغيث تجيب امطار .. ما اجت وان الزرع طول الاشجار

وعندما تمطر يغنّي الأردنيون عمومًا :

نقّطت نقّطت .. عين الراعي دوّدت

والرّاعي بده عشب .. قاعد صافن ع الدرب

التنبؤات الجوية

طوّر الأردنيون عبر تاريخهم الحضاري الطويل والمتسلسل غير المنقطع، تجربتهم في معرفة أحوال الطقس والمناخ، والتنبؤ بالأوضاع الجوية وانعكاسها على الزراعة، من خلال عدة مؤشرات انتبهوا لها وحفظوها وراقبوها وتأكدوا من دقّتها، ولتسهيل نقل هذه المعارف الطبيعية والخبرات التي حصدها الانسان الاردني نتيجة احتكاكه وتفاعله مع الطبيعة على مدى آلاف السنوات بشكل مباشر، فقد حوّلها إلى أمثال وأغانٍ سهلة الحفظ والترديد.

كان الأردنيون يعرفون مسبقًا طبيعة الموسم المطري من مراقبة سلوك الطيور، ومن أقوالهم التي تلخّص حالات مختلفة :

  • بسنة الشنّير احفر البير : أي في السنة التي يظهر فيها طائر الشنّير، يمكن للشخص أن يحفر بيره استعدادًا لاستقبال موسمٍ مطريٍّ مبشّر.
  • بسنة الزرزور احرث البور : أي في السنة التي يظهر فيها طائر الزرزور، فإن الأرض البور يمكن حراثتها والاستفادة منها.
  • بسنة الحمام تغطّى ونام : أي في السنة التي يظهر فيها الحمام بكثرة، فإن المقولة الشعبية تنصح المزراع بأن لا يفارق فراشه، لأنه لا فائدة من الموسم.
  • بسنة القطا بيع الوطا : أي في السنة التي يظهر فيها طير القطا، يُنصح ببيع “الوطاة” أي الأرض، لعدم جدوى الزراعة فيها.

أغاني الحراثة

تعتبر الحراثة من المهن الشاقة، وهي تتم من خلال الاستعانة بالحيوانات، كثورين أو حمارين أو بغلٍ. ومن أغاني الحراثة ما يغنيه الحرّاث على بغله داعيًا إياه للحذر في الحراثة من الدخول في أراضي الجيران، من باب الأمانة، مع بعض الغزل الذي يحتل مساحته في غناء الأردنيين الشعبيّ، بصفة شبه دائمة، وهي من قالب الدلعونا :

أقطع بالحدّ وأقطع بالحدّي .. خطبت الحلوة وما حدا قدّي

بالله يا بنيّة تيجي لعندي .. سلطة بندورة وملح الليمونا

ومن أغاني الحراثين أيضًا :

كل الحراثين حلّت .. عيني على فدّانه

يا سكته من فضّة .. غزلان بثيران

**

قوّمني من سروة ليل .. من الصبح مع نجم سهيل

ويلي من الصقعة يا ويل .. يا ويلي من الحورة

مرّة أعبي ومرة أبذر .. وأبذر ورا البقرة

أغاني الحصاد

تعتبر الحصيدة ذروة النشاط الزراعي اجتماعيًا في الأردن، فهي اللحظة التي ينتظرها الناس منذ الشتاء، ويشارك فيها كل شخص مقتدر، وهي مرحلة شديدة القسوة، إذ تكون خلال فترات الحر، لذا فإن السلوك الإنساني في استخدام الأغاني للتخفيف من وطأة العمل، نجده في فترات الحصيدة في أوجه. ومن أغاني الحصادين الشهيرة ما قيل في المنجل، أداة الحصاد ورفيقه :

منجلي يا من جلاه .. رايح للصايغ جلاه

ما جلاه إلا بعلبة .. ريت هالعلبة عزاه

منجلي يابو الخراخش .. منجلي بالزرع طافش

أحصد وألوّي عليه .. وانده الجمّال ليه

منجلي بولاد رن .. ما بقي لك غير سن

من بعد الأربع سنون .. ما بقي لك غير سن

ومن أغاني الحصادين أيضًا :

زرع شيخة وما عليه .. وادمجه وألوي عليه

زرع شيخة ما يبات .. يا ولاد النايمات

يوم اسمعت الزغاريت .. كنت عيان وبريت

يا بنية يلي بالبيت .. شوفيني كنّي ذليت

جابوها واجت تنجرّ .. جابوها بشوب وحرّ

زرعنا للحلوة شكارة .. والرقم ثلاث صاعات

راح الطلال يطل .. لاقاهن قذل بنات

حصدناهن وغمرناهن .. سوّن ثلاث تلّات

درسناهن وذرّيناهن .. وعبّيناهن بشوالات

جبنا جمال الحوارنة .. مع جمال الحويطات

أولهن خش المدينة .. وتاليهن ع البيدر بات

**

تلولح بالمنجل ودوّر .. وارمي للزينات غمور

هات مروّة هات مروّة .. والعزيمة بدها قوّة

بدها ساعد بدها قوّة .. سبعك يل ما بيك مروّة

ومن الأغاني التي يغنيها الحصادون لمعاودة شحذ الهمم وتجديد النشاط بعد الدخول في حالة التعب والكسل :

لاحصد في أيديّ الثنتين .. من خوف الغلا والدّين

لاحصد في أيديّ العشرة .. من خوف أبيع البقرة

حنتوري يم الدربين .. يا خي خذلي مكاتيبي

وسلم سلم ع الغالي .. مع جيرة الجنايبي

يا شباب ارموا المطوح .. العنب والتين روّح

والشباب اللي تراهم .. وافتح القادم وراهم

ومن الحوارات الغنائية الجميلة والظريفة بين الحصادين وكبيرهم “المعلّم” :

الحصادين : يا معلّم لا تخاف .. حصيدة ع بو نظاف

المعلم : والنبي صلّوا عليه .. ألف صلى الله عليه

الحصادين : يا معلم حلّنا .. لـ انقيقب كلنا

المعلم : لن قيقبتوا كلكوا .. والعصاة بتلمّكوا

والعصاة عصاة لوز .. كل هواة بتحوز حوز

وفي الحوارية السابقة نجد روح الفكاهة والمزاح بين الحصادين والمسؤول عنهم، ما يشير إلى روح المساواة وإقصاء قيم العبودية والاستغلال، أو الطبقية التي تمنع صغار العمّال أن يمازحوا كبيرهم.

أغاني الرّجاد

تأتي عملية الرّجاد بعد الحصيدة فورًا، ويقوم بها الأطفال أو الشباب الصغار، وتشمل تحميل القش (المحصول) على ظهور الجمال بواسطة الشبكات، أو على ظهور البغال والحمير بواسطة القادم، ولا يقل الشقاء في هذه العملية عن غيرها من عمليات الحصاد والحراث، ومن أغاني الرّجاد :

وانت يا جمّالنا .. يا شيّال حمالنا

وانت يا جمّال وانت .. يلي عينك عين البنت

لا تخلّي غمورنا .. وانقلها لدورنا

وشاركنا بسرورنا .. قوم يا شوق البنات

أغاني الدراس

يقوم بعملية الدراس غالبًا من قام بالرجاد، وتشمل عملية الدراس دق غمور القمح التي تم جمعها وجرزها على شكل ربطات مضغوطة، يتم طحنها بواسطة أداة ثقيلة، حتى يتسنى لحبوب القمح الخروج من السنابل، ومن أغاني الدراسين :

هب الهوا يا ياسين .. يا عذاب الدراسين

يا عذابي انا معهم .. ما للقوم تطالعهم

تطالعهم وتباريهم .. وتشلّع طواقيهم

ويردد الدراسون أثناء عملية الدراس :

لا كاب الدور لموه .. لمه ما هو علي

لمه ع الشواعبية .. والشواعبية ثلاثة

واحد روح على الدار .. تاني قيل بالفية

ثالث قرصته حية .. قرصته حية ومات

وابكن عليه يا بنات .. ابحشوا له وغمقوا له

وبعده عيونه مبحلقات

وعندما يقوم الدراسين بعملية التذرية، وهي أن يقوم الشواعبي (الذي يستخدم الشاعوب)، بتذرية (نثر) الكوم المدروس عاليًا بواسطة الشاعوب، آخذًا بعين الاعتبار اتجاه الهواء، ومع تكرار نثر الكوم في الهواء ينفصل إلى كومين، حيث تترسب حبوب القمح في الأسفل بسبب وزنها الأثقل من وزن القش الفارغ الذي يحمله الهواء ليكوّن كوم آخر يتم استخدامه كتبن، ويقال عند عملية التذرية :

يا مذارية صفوا النية .. الواحد منكو يسوى مية

هب الهوا يا ذاري .. كيلة بلا مصاري

هب الهوا يا ذاري .. يا عذاب المكاري

هب الهوا يا ياسين .. يا عذاب الدرّاسين

المراجع

  • العمد، هاني، أغانينا الشعبيّة في الضفّة الشرقيّة من الأردن، 1968، دائرة الثقافة والفنون، وزارة الثقافة والإعلام، عمّان، الأردن.
  • الزعبي، أحمد شريف، الأغاني الشعبيّة الأردنيّة، 2015، وزارة الثقافة الأردنية، عمّان، الأردن.
  • مقابلات ميدانيّة مع السيّدة آمنة محمد مناور أبو الغنم أجراها فريق عمل إرث الأردن، 2017، عمّان، الأردن.

الطقوس الزراعيّة في الإرث الموسيقي الأردني

Scroll to top