مقدمة

لعل ما ميّز العلاقة بين الأردنيين الأنباط والاسكندر المقدوني هي تلك البادية النبطية الأردنية التي أعجزت جيوشه و ذاق فيها شتى أنواع القهر والإنكسار، سطر بها الأردنيون الأنباط صنوف الشجاعة و المرونة العسكرية والعمق الدفاعي على مر الجبهة التاريخية التي واجه بها الأردنيون الأنباط المطامع المقدونية، فنرى أن الجنود الأردنيين الأنباط كانوا على مقدرة عالية على المكوث في الصحراء لفترات طويلة معتمدين على الحد الأدنى من المياه الذي شكل العقبة الأولى في وجه المعتدين ، فيقول ديودروس الصقلي مثلاً : ” لهذا لم يتمكن الأشوريون وملوك الفرس و المقدونيون من استعبادهم، وقهرهم مع أنهم سيروا جيوشاً عظيمة ضدهم، فحافظوا على حريتهم للأبد” [1] .

بدء الصراع

كانت نقطة بدء الصراع بين الأردنيين الأنباط و جيوش الاسكندر المقدوني هي حينما قسمت امبراطوريته بعد وفاته بين قادة جيوشه، فقامت الدولة البطلمية في مصر والدولة السلوقية في سوريا و بلاد ما بين النهرين و جزء من بلاد فارس فأصبحت البترا عاصمة الأردنيين الأنباط هي نقطة الصفر بين جبهتي الإنقسام الاسكندري  [2] ، وكان الإشتباك الأول بين الأردنيين الأنباط والدولة السلوقية حينها هي عندما سيّر القائد السلوقي أنتيغونوس الأول (382-301 ق.م ) Antigonous  في سوريا حملتين عسكريتين في عام 312 ق.م تقريباً ، وتتعدد الآراء حول الدافع الذي حملته هذه الحملات فمنهم من يرى بأن السبب يعود لمحالفة الأردنيين الأنباط لبطليموس الأول 322-283 ق.م [3] ورأي اخر يقول بأن الدافع هو لمنع الأردنيين الأنباط من الإنخراط في تحالف مع البطالمة، أما الثالث فيقول بأن السبب يعود إلى أن أنتيغونوس أراد أن يستغل الفرص حتى يتسنى له قتال أعدائه البطالمة على جبهة أعمق و أسهل . [4]

و لعل ما جعل أنتيغونوس يطمع في بلاد الأردنيين الأنباط هو ما ملكه أجدادنا من قوة تجارية واقتصادية حينها جعلت من بلادهم شديدة الثراء، لكونهم وسطاء تجاريين عبر العالم مستغلين لموقعهم الجغرافي وقوة شبكة مواصلاتهم ما جعل من بلادهم  محط الأطماع العسكرية و السياسية حينها . [5]

و كانت الحملة الأولى في عام 312 ق.م بقيادة أثينايوس Athanaeus تجرّ أربعة آلاف من المشاة وستمائة من الفرسان، و كانت لديهم أوامر بسلب ممتلكات الأردنيين الأنباط وغنائمهم ومواشيهم [6] ، مستغلين احتفال الأردنيين الأنباط بعيد لهم في كل عام يقيمون فيه الأسواق بعيداً عن البترا قدر مسيرة يومين، ويُظن أنهم كانوا يعسكرون بالقرب من منطقة أم البيارة في البترا وهي ملجأ قديم لكلا الأردنيين الأنباط والأردنيين الأدوميين .

أم البيارة - البترا
أم البيارة – البترا
سلسلة درجية تؤدي إلى "الصخرة" .
سلسلة درجية تؤدي إلى “الصخرة” .

الأردنيين الأنباط بين الغدر والثأر
و كان الغدر خليل ذاك العيد، حيث غدر أثينايوس وجيشه الذي جرّه ليلاً على مدى ثلاث ليال على أهل البترا [7] من الذين لم يلحقوا بالسوق واستولوا على ما أمكنهم الاستيلاء عليه، فهجم من الجانب الغربي للمدينة واستولى بالشكل الأكبر على كميات كبيرة من البخور واللبان والمر والفضة وخلال ساعات كانوا قد هربوا من المدينة [8]، أما الأردنيين الأنباط فقد لحقوا بالجيش السلوقي على جناح السرعة بعد إدراكهم لأخبار الغدر، ولم يظن اثينايوس ولا جيشه أن الأردنيين الأنباط سيكونوا سريعين بما فيه الكفاية حتى يقتربوا من معسكرهم، وكان اللقاء حين نجا بعض الأسرى الأردنيين من معسكر اثينايوس الذي ارتخى في تعيين الحرس والرقباء، وكان الجيش الأردني النبطي قد حشد ثمانية آلاف رجل وهاجموا المعسكر اليوناني في الفجر ولم يبق منهم إلا خمسين رجلاً معظمهم جرحى فأخذوا الثأر على الصاع الوافي . [9]

و كان الأردنيون الأنباط قد أرسلوا إلى أنتيغونوس حاكم الدولة السلوقية حينها في أمر هذا الغدر، برسالة كتبت باللغة الأرامية التي استخدمتها النظم السياسية والاقتصادية النبطية حينها جنباً إلى جنب مع اليونانية و اللاتينية، وكان رد أنتيغونوس على هذه الرسالة بأن أثينايوس قام بهذا الفعل مخالفاً لأوامره و بأنهم كانوا عادلين بثأرهم، عارضاً عليهم تجديد صداقته بهم [10]، إلا أن الأردنيين الأنباط كانوا أكثر يقظة وإدراكا للمطامع السلوقية في الأردن حينها فقاموا ببناء الأسوار على غير عادتهم [11] بالإضافة إلى تعيين الـ (ربايا ) – جمع ربيئة – ؛ وهم الجنود الذين يقومون بعمليات الاستطلاع الدفاعية على الحصون الواقعة على الحدود، فوزعوا الربايا على المرتفعات واستخدموا الإشارات النارية للتنبيه فيما بينهم، فنرى أن الأبراج الأردنية النبطية لم تستخدم فقط في تأمين طرق القوافل التجارية بل واستخدمت عسكرياً أيضاً كتلك التي في منطقة باير وعين الشلالة في وادي رم، وفي منطقة أيل التي وصلت فيها علو الأبراج إلى حد كافٍ يمكنها من مراقبة مدينة معان والصحراء الأردنية الشرقية.

وفعلاً كان أنتيغونوس قد أعد العدة للغدر بالأردنيين الأنباط وجهز جيشاً بقوام أربعة آلاف من المشاة وأربعة أخرين من الفرسان وعيّن ابنه ديمتريوس (336-283 ق.م) الخبير عسكرياً قائداً لهذه القوة، وأمرهم بالتزود بطعام لا يحتاج إلى طهي حتى لا يحتاجوا إلى التعسكر، ظناً منهم أنهم سيتفوقون على المرونة والسرعة العسكرية الأردنية النبطية التي كسرت حملتهم الأولى . [12]

المواجهة

وما أن وصلت أنباء قرب وصول الجيش السلوقي حتى أعدوا الصخرة (أم البيارة) عسكرياً وأخرجوا ممتلكاتهم وقطعان الماشية خلفها نحو البادية النبطية الأردنية، واشتبك الجيشان اشتباكاً عنيفاً خسر فيه السلوقيون الكثير ولم يحققوا في الحملة أي من أهدافهم، وقد أدت هذه الحملة إلى إجبار السلوقيين على قبول معاهدة سلام بين الأردنيين الأنباط وبينهم بعد أن خابت جميع مساعيهم لفرض الهيمنة على المملكة الأردنية النبطية، وقد حاول أن يعلل فيها ديودورس الصقلي الفشل السلوقي بـ ” تميز الأنباط بمقاومتهم الشجاعة وهيمنتهم على الموقف بسهولة لارتفاع الموقع الذي يتحصنون به ” [13] .

ليس من الحكمة في شيء أن يعلن اليونان حرباً على شعب لا يملك ماء أو خمراً أو حباً، نحن لا نعيش كما يعيش أبناء اليونان … نعيش في الصحراء ولن تستطيعوا إجبارنا على العيش بطريقة أخرى[14]

كان هذا جزءًا مما قاله الأردنيين الأنباط في معاهدة السلام التي أبرموها مع السلوقيين بعد أن تحصنوا في الصحراء النبطية في مواجهة جيوش السلوقيين، وتعكس العبارة صفات الكرامة والأنفة والكبرياء والنزعة للحرية التي تحلى بها أجدادنا الأنباط ، رغم قلة الموارد في بداية تأسيس المملكة النبطية الأردنية وصلابة العيش التي عاشوها وأصبحت جزءاً منهم ومن شخصيتهم، بل وميزتهم بأن قهروا بها الجيوش والممالك، تلك الصلابة والسؤدد الذي ورثوه من البادية النبطية الأردنية .

وقد جعلت هذه الحرب أنتيغونوس يوبّخ إبنه ديمتريوس لما فعله، حيث كان جلياً أن الأردنيين الأنباط لم يحوزوا تلك المعاهدة خوفاً من السلوقيين بل بسبب تفوقهم العسكري عليهم وقوتهم وهذا ما لم يرده أنتيغونوس من البداية لاعتباره أن المعاهدة كان فيها الكثير من الإهانة له ولمملكته وشعر من خلالها أن الأردنيين الأنباط قد فرضوا شروطهم على مسار الأحداث في المنطقة، وبالتالي تحوّلت هذه الحرب نقطة مرجعية تأريخية للأردنيين الأنباط (312 ق.م) حتى مجيء بومبي إلى دمشق عام 64/63 ق.م .

من هنا نرى العلاقة الأردنية النبطية مع السلوقيين سادها الحذر والطمع من جهة السلوقيين، إلا أنهم مع كل حملاتهم العسكرية لم يستطيعوا إخضاع الأردنيين بأي شكل من الأشكال وأن الطبيعة الأردنية هي من أنعمت على أبناءها بالنصر والمنعة والحياة الكريمة .

المراجع 

[1] Diodorus , Diodorus Historaie , The library of History, BK, XIX , 94, 3-9, p89. London , 1961.

[2] الفاسي ، هتون ، الحياة الإجتماعية في شمال غرب الجزيرة العربية في الفترة ما بين القرن السادس قبل الميلاد و القرن الثاني الميلادي ، ط1 ، الرياض ، 1993م ، ص88 .

[3] مهران ، محمد بيومي ، تاريخ العرب القديم ، دار المعرفة الجامعية ، الإسكندرية ، 1988م ، ص 503 .

[4] ستاركي ، الحياة النبطية ، ص26.

[5] Negev , A , The early beginnings of Nabatean realm , 1976 , p126 .

[6] Diodorus , Diodorus Historaie , The library of history , p.87.

[7] Hammond , Ph , Petra , 1960 , p.29 .

[8] Diodorus , Diodorus Historaie , The library of history , p.93 .

[9] نفس المرجع السابق ، ص.93

[10] نفس المرجع السابق ، ص.96 .

[11] هاردنج ، لانكستر ، اثار الاردن ، ترجمة : سليمان الموسى ، عمان ، 1965 م ، ص.151 .

[12] Diodorus , Diodorus Historaie , The library of history , p.95

[13] نفس المرجع السابق ، p.97

[14] نفس المرجع السابق . p.99

العلاقات بين الأردنيين الأنباط و السلوقيين

أم الرصاص/ كاسترون ميفعة

الأقواس في أم الرصاص- موقع اليونيسكو

كانت أم الرصاص مأهولة بالسكان منذ القرن الثالث وحتى القرن السابع. لقد استوعبت المنطقة العديد من الحضارات التي وضعت بصمتها في موقع أم الرصاص التاريخي. ولقد لعبت المسيحية دورا مهما في تطور أم الرصاص خصوصا في المرحلة التي زامنت وجود (سرجيس/ سركيس) قس أسقفية مادبا. وتقترح الأدلة أن المسيحية استمرت في الانتشار حتى أثناء الحكم الأموي والعباسي. وبما أن المسيحية كانت تزدهر في ذلك الوقت فإن أم الرصاص كذلك كانت على نماء معماري وفني؛ فالفسيفساء الخلابة والمجمعات الكنسية والزخارف الهندسية وكل الطرز والأساليب الأخرى كانت عوامل مهمة لإثراء الموقع.

انضم موقع أم الرصاص إلى لائحة المواقع الأردنية المدرجة في قائمة الإرث لدى منظمة اليونيسكو عام 2006. وعلى الرغم من ذلك، لم يقم علماء الآثار بإكمال جميع عمليات التنقيب في الموقع بعد، وحالما تنتهي هذه العمليات ستزيد حتما من أهمية هذا الموقع وقيمته.

فسيفساء في مادبا باللغة اليونانية القديمة- موقع اليونسكو

تشمل هذه المدينة على 16 كنيسة يحوي بعضها على أكثر قطع الفسيفساء أهمية وأكثرها سلامة وحفظا حتى الآن. لقد ساعدت الفسيفساء علماء الآثار على فهم جغرافية وطبوغرافية وتاريخ تلك الحقبة من الزمن. فمثلا تزودنا فسيفساء كنيسة القديس ستيفان (أو اسطفان)  بعدد من خرائط المدن وكل مدينة مع اسمها الجغرافي باللغة اليونانية. تتضمن هذه الخرائط سبعة مدن أردنية هي: كاسترون ميفعة (أم الرصاص) فيلادلفيا (عمان) مادبا، حسبونتا (حسبان) وبيلوماونتا (ماسين) أريوبوليس (الربة) وشراخموبا (الكرك) إضافة للدير الواقع على جبل نيبو.

وقد وجدت فسيفساء أخرى مهمة في  صحن كنيسة القديس سيرجس. وتشكل الكنيستان ستيفان وسيرجس المواقع الأكثر أهمية بسبب الفسيفساء فيهما إضافة إلى الزخارف الهندسية وتحتفي إلى الآن بثيمة (الزهور والحيوانات) التي كانت شائعة في تلك الفترة.

البرج في أم الرصاص- موقع اليونسكو

وبعيدا عن الفسيفساء معقدة التفاصيل، تحوي أم الرصاص على البرجين العموديين المتبقيين في المنطقة. ويعود تاريخ هذه الأبراج إلى تقليد قديم لاعتزال المتعبدين في الأبراج طلبا للعزلة. خلال الامبراطورية البيزنطية، شاعت طريقة في العبادة تتطلب انعزالا كاملا وانقطاعا عن الملهيات الدنيوية ليركز المتعبد على صلاته وإيمانه. بدأ هذا الطقس مع القديس سيرجيس، الذي اعتزل الناس في برج حتى توفي بعد 37 سنة من الخلوة. إن الأبراج العمودية في أم الرصاص هي الوحيدة المتبقية من نوعها والتي صمدت عبر التاريخ. وعلى الرغم من أن أم الرصاص كانت قد عانت من عدة زلازل ولكن البرج ظل صامدا بطول 14 مترا. لا يملك البرجان أية أدراج داخلية وله أربع نوافذ تواجه الكل اتجاه من الاتجاهات الأربعة.  وهذا يلمح إلى فكرة ما إن يقرر المتعبد صعود البرج للعبادة فإنه لن ينوي النزول مرة أخرى. وتحت البرج بنيت كنيسة دون الكثير من العناية، ويوجد صهاريج للماء وبناء من ثلاثة طوابق يعتقد بأنه نزل للحجاج. ويتموضع البرج والنزل والكنيسة على طرف المدينة القديمة مما يعزز أهمية الانعزال لممارسة هذا الطقس.

المراجع

  1. Art-and-archaeology.com. (2017). Stylite Tower. [online] Available at: http://www.art-and-archaeology.com/jordan/rasas/ra06.
  2. Centre, U. (2017). Um er-Rasas (Kastrom Mefa’a). [online] Whc.unesco.org. Available at: http://whc.unesco.org/en/list/1093 [Accessed 29 Nov. 2017].
  3. Encyclopedia Britannica. (2017). Saint Simeon Stylites | Christian monk. [online] Available at: https://www.britannica.com/biography/Saint-Simeon-Stylites
  4. رندة فؤاد (2007). “عمارة الكنائس وملحقاتها لـ رنده قاقيش، عمان: دار ورد الأردنية للنشر والتوزيع
  5. Photograph F1online digitale Bildagentur GmbH, A. (2017). Um er Rasas. [online] Nationalgeographic.com. Available at: https://www.nationalgeographic.com/travel/world-heritage/um-er-rasas-jordan/

سلسلة كنائس الأردن القديمة: كنائس أم الرصاص

آلة الربابة

الشروقي قالب غنائي بدوي أردني، يُبنى على القصيدة الطويلة متعددة الأبيات، والتي تُغنّى بالجَر على آلة الربابة، وتتميّز قصيدة الشّروقي بتطابق القافية في الأشطار الأولى جميعها، كما في الأشطار الثانية جميعها، كما أن غناء الشّروقي بالجَر على آلة الربابة يتميّز أيضًا بالمد الصوتي الطويل الذي غالبًا ما تنتهي به حروف القوافي .

يتسم طابع الغناء الشروقي غالبًا بالموضوع الحزين، الرثاء أو التوجّد، كما يمكن أن يسرد مواضيع الفخر والغزل والنضال والوصف. والمعنى القاموسي لكلمة شروقي هو صاحب العين الدامعة، ويُعتقد أيضًا أن أصل التسمية جاء نسبةً إلى المناطق الشرقيّة من الأردن، وتورد الرواية الشعبية أن الشروقي ارتبط أيضًا برحلة التشريق التي كانت تسلكها العشائر الأردنية في انتقالها شتاءً إلى المناطق الشرقية وجنوبًا إلى الصحراء النبطية الأردنية والجوف لتجنّب البرد.

وتُعتَبَر قصيدة “الثأر” التي غنّاها الفنان عبده موسى من أشهر مواويل الشروقي في الأردن، والتي كتبها الشاعر الكبير رشيد زيد الكيلاني واقتبس في مطلعها ما تغنّى به العراقيّون في بغداد لحظة وصول كتيبة الجيش الأردني التي شاركت بإحباط الانقلاب على النظام الملكي في العراق في الأربعينات :

يا مرحبا يا هلا منين الرّكب من وين .. أقبل علينا الضحى يا زينة إقباله

حيهم نشامى الوطن حيهم جنود حسين .. ربع الكفافي الحُمُر والعُقُل ميّالة

الفنان الأردني عبده موسى

مراجع :

حجاب، نمر حسن، الأغنية الشّعبية في عمّان (موسوعة عمّان التراثية 5)، 2003، منشورات أمانة عمّان الكبرى.

الشروقي

سحم آخر قرية على الحدود الشمالية للمملكة الأردنية الهاشمية، وقد اكتسبت اسمها نسبة إلى سواد أحجارها الصوانية؛ فمعنى كلمة “سحم” بالآرامية هو “الأسود”. منذ العصر البرونزي وصولا إلى العصر الحديث كانت سحم منطقة معمورة. وفي القرية الكثير من الآثار الرومانية والبيزنطية والآثار الإسلامية التي تشهد بتوالي حضور القرية في المشهد العام لتلك الحضارات.

يعتبر مسجد سحم بإطلالته الخلابة على الوادي وعلى القلعة القديمة من أقدم مساجد الأردن حيث يعود تاريخ بنائه إلى الفترة الإسلامية المبكرة التي حصلت فيها معركة اليرموك بين جيوش المسلمين والأردنيين الجذاميين والجيش البيزنطي.

(مسجد سحم من الخارج ويلاحظ وجود النافذة البارزة والتي كانت قد أغلقت. حقوق الصورة محفوظة للباحث نادر عطية)

 أما صحن المسجد فقد شكل مركزا لاجتماع الأهالي ومكانا خلابا يتمتع فيه المرء برؤية وادي اليرموك وسهول الجولان وجبل الشيخ. ويشبه معمار المسجد المعمار الأموي المبكر فالأرضية كانت قد رصفت بالبلاط وللمسجد بيت صلاة مستطيل الشكل ومحراب يتوسط جدار القبلة الذي لا يحوي إلا نافذة كانت قد أغلقت.

(مسجد سحم من الداخل، ويلاحظ الإهمال اللاحق بالمسجد. حقوق الصورة محفوظة للباحث نادر عطية)

إن المميز في معمار هذا المسجد هو التناغم الحاصل بين المعمار الأموي والمعمار البيزنطي؛ فصحن المسجد كان مزدانا بفسيفساء ملونة تشابه تلك الموجودة في آثار أم قيس البيزنطية.

المراجع:

  • الدرادكة، فتحي (1998) القصور والمساجد الأموية في الأردن، دراسة منشورة.
  • غوانمة، يوسف (1986) المساجد الإسلامية القديمة في منطقة عجلون. منشورات مركز الدراسات الأردنية: جامعة اليرموك.
  • سحم، ثغر منيع من ثغور الدولة الإسلامية يستعصي على التغريب، صحيفة الراي:2004

المساجد الأردنية القديمة: مسجد سحم

مقدمة

تُعتَبَرُ التراويد من قوالب الغناء الشعبي الأردني التي تختزلُ جانبًا من جماليات الإرث الموسيقيّ الأردنيّ الغني بالقصائد والألحان الموروثة عبر أجيال الأردنيين خلال العصور المختلفة. يغنّي كُل مِن الرجال والنساء التراويد على حدٍّ سواء، مع اختلاف في المضمون بين الجنسين، وتعلو التراويد مع الزغاريد ومشاعر البهجة والفرح والنشوة الجماعية في الأفراح التي اعتاد الأردنيون على اقامتها في بيوتهم الرحبة وساحاتهم الوسيعة، فيجعلون من “السطوح” و “العلالي” و “حيشان الدُّوْر” مسرحًا عفويًا للغناء والرقص لإعلان الفرح واستقبال الضيوف المشاركين بالتهنئة والمباركة.

أصل التسمية

التراويد (ومفردها ترويدة، ويُقال لمَن يغنّيها أو تغنّيها : الروّاد/الروّادة)، والتي أصلها في اللغةِ النّحوية من (روَّد/يروِّد)، جاءت تسميتها من فعل “الإرادة” المُستخدم في اللغة/اللهجة الأردنية بمعنى : الحب، فكلمة “أريدك” بالأردنية تعني : أحبّك، ومن الشواهد على ذلك الأغنية الشهيرة : ريدها ريدها .. كيف ما أريدها؟

وعليه؛ فإن تسمية التراويد اشتُقَّت من الكلمة التي يعبّر بها الأردنيون عن الحُب والعشق، وفي ذلك سمة جمالية تعطي لهذا الغناء ملمحًا خاصًّا يعبّر عن الإغراق المتّزن في التعبير عن المشاعر لدى الأردنيين، ليس فقط عن طريق القصائد والألحان، وإنما أيضًا باشتقاق أسماء القوالب والألوان الغنائية من تسميات تتعلق بنشاطات أو انفعالات أو مشاعر، كالهجيني والسّامر والدلعونا، والترويدة.

يمكن تصنيف أغاني التراويد في الأردن إلى ثلاثة تصنيفات :

تراويد العروس : وهي الأغاني التي تغنيها الفتيات للعروس في “ليلة الحِنّة”، ويكون شكل الغناء في الغالب تبادليّ بين مجموعتين من الروّادات، وتتضمن هذه التراويد أبيات شعر على شكل قوالب مُكرّرة يتم فيها التغنّي بجمال العروس وأصلها وعائلتها وعشيرتها. ومن وظيفة هذه الأغاني أيضًا الإعلان عن وداع العروس لبيت أهلها، فيغلب على بعضها طابع من الحزن المتواري خلف نغمات الفرح وأضوائه، والذي يتصاعد تدريجيًا ليصل إلى درجة الانتحاب، وخصوصًا إذا كانت العروس بالتعبير الأردني “غريبة” : أي تزوّجت شابًا من غير بلدتها وستنتقل للعيش معه بعيدًا عن أهلها، ومن التراويد التي تُقال للغريبة :

كَنّك غريبة وهِلّي من الدّمع جرّة              يا أهل الغريبة يمرّوا بالسّنة مرّة

كَنّك غريبة وهِلّي من الدّمع طاسة            يا أهل الغريبة يدوسوا بالسّنة فراشي

ومن التراويد التي تُقال في الغريبة أيضًا ما فيه من العتب على الأهل الذين لم يسعوا لتزويج ابنتهم من أحد أقاربها :

يا الاهل يا الاهل لا يبري ليكو ذمّة           وشّو عماكو عن ابن العمّ والعمّة

يا الاهل يا الاهل لا يبري ليكو بال           وشّو عماكو عن ابن العمّ والخال

وفي ترويدة أخرى تناشد الفتيات العروس بعدم البكاء :

خيّة يا (فلانة) لا تبكي ولا دمعة             خيِّك حنيِّن يزورك ليلة الجمعة

خيّة يا (فلانة) لا دمعة ولا ثنتين             خيِّك حنيِّن يزورك ليلة الاثنين

ومن أهم مراحل الفرح عندما تقوم أم العروس بتمشيط شعر ابنتها يوم الزفاف، وهي التي تقوم بتزيين الفرس التي ستُزَف عليها ابنتها، فيُغنِّن الروّادات على لسان العروس الترويدة الشهيرة :

لُمّي يا لُمّي وهيّي لي قراميلي         طلعت من البيت وما ودّعت أنا جيلي

لُمّي يا لُمّي وشدّيلي على الفاطِر              الليلة عندِك وبكرا من الصّبح خاطِر

تراويد العريس : وهي الأغاني التي يغنّيها الشباب لصديقهم العريس بمناسبة زواجه وتحديدًا خلال تخضيب يديه بالحنّة، ولكن تختلف تراويد الرجال عن تراويد النساء بالأداء القوي الذي يعبّر عن سمات الشخصيّة الذكورية. وتؤدّي التراويد مجموعتان من الرجال اللتان تتبادلان الغناء دون مرافقة أيٍّ من الآلات الموسيقيّة، ومن الأمثلة عليها :

رحت أحوّش القطن صادفني غزال          يا غزال الهولِ مِلا هو غزال

قلت يا (فلان) ومنين لك هالغزال            قال حُشتُه البارحة حين المنام

تراويد الطهور : وهي الأغاني التي تغنيها النساء (والرجال أحياناً) بمناسبة طهور (ختان) الأطفال الذكور، وهي أغانٍ تخاطبُ كلماتها المُطهِّر، وتحذره ضمنيًا من أن يؤذي الطفل المُطهَّر خلال التطهير، وذلك من خلال حوار غنائي بين الروّادين والروّادات. ومن الدوافع النفسية للغناء بهذه المناسبة هي طمأنة الطفل وأهله والابتهاج بطقوس هذه المناسبة، وعند مقارنة استخدامات التراويد في الأعراس والطهور معًا، نجد أن الأردنيين اعتبروا، ضمنيًا، الطّفل المُطهّر عريسًا لأهله. ومن تراويد الطهور :

بالله عليك      يا مطهِّر الصبيان     بالله عليك

ندعي عليك    إن وجّعت (فلان)     ندعي عليك

يُذكر أن طقوس وألحان التراويد الأردنية لمناسبة الطهور قد انتشرت في عددٍ من البلدان المجاورة، وأبرزها في مصر بحسب بعض الباحثين الذين أشاروا لاستخدام ذات الألحان الأردنية في مناسبة الطهور.

الخصائص الفنّية

عند النظر في أركان الترويدة، نجد أن الكلمة تمتاز في الغالب بالبساطة والمرونة والقدرة على التعبير الرمزي الخاطف عن الصور والأفكار والمضمون الموضوعي للمناسبة، بأسلوب ذي مدلولات اجتماعية ترتبط بالواقع الاجتماعي الذي يعيشه الناس، مما يعطي للأغاني بُعدًا وظيفيًا هامًّا. كما تمتاز ألحان التراويد بجُمل لحنية قصيرة وجذابة ورشيقة الطابع، قلّما تتباعد درجاتها النغمية عن بعضها البعض، مما منحها سهولة الانسياب على الألسن ليشارك الجميع في أدائها، حالها كحال أغلب القوالب الغنائية الشعبيّة، وهو ما سهَّل أيضًا انتشارها أفقيًا بين الناس وعاموديًا عبر الأجيال. كما أن هذه الألحان ارتبطت بإيقاعات بسيطة ومتكررة تتماشى وتعكس بساطة النص الشّعري وسلاسة التركيب النغمي، وهي ايقاعات مستوحاة من الأوزان الشعرية للتراويد ومنتشرة في أغلب مناطق الأردن ومرتبطة بالعديد من الرقصات والدبكات الرّيفية.

ومن الأغاني الشهيرة التي جاءت على لحن التراويد وفي كلماتها، أغنية “لا تطلعي ع الدّرج” التي غنّتها الرائدة سلوى العاص بمصاحبة الفرقة الموسيقية للإذاعة الأردنية في القرن الماضي، وكان قد صاغ كلماتها من الإرث الأردني الشاعر الكبير رشيد زيد كيلاني وقام بإعداد لحنها وتوزيعها الموسيقار جميل العاص.

المراجع :

  • العبّادي، أحمد عويدي، المناسبات البدوية (سلسلة من هُم البدو 3)، 1979 الطبعة الأولى، دائرة المطبوعات والنشر في وزارة الإعلام الأردنية.
  • غوانمة، محمّد، أغاني التراويد، 2006، مجلّة دراسات، العلوم الإنسانية والاجتماعيّة، مجلّد 33، العدد 3، عمادة البحث العلمي/الجامعة الأردنية، عمّان، الأردن.
  • غوانمة، محمّد، أغاني النساء في الأردن، 2009، المجلّة الأردنيّة للفنون، مجلّد 2، عدد 1، عمّان، الأردن.

التراويد

مقدمة

تُعتَبر الدلعونا من أكثر القوالب الغنائية الشعبية شهرةً في الأردن والمناطق المجاورة، وهي ترتبط حصرًا بالمناطق ذات الطابع الريفي، وقد أغرق الأردنيون من سكّان الريف بخلق أنماطٍ متنوّعةٍ من الدلاعين حتى ذاع صيتها على امتداد الجغرافيا الأردنية وأصبحت الدلعونا، بألحانها ومفرداتها وأسلوبها الخاص، معروفةً لكافة أطياف المجتمع الأردني باختلاف مكوّناته، وذلك يقودنا إلى أن اختلاف الأنماط الموسيقيّة في الأردن رافقه تفاعل وتبادل وانفتاح سهَّل من انتشار تلك الأنماط وقبولها واستيعابها حتى وإن لم تكن مُستخدمة في منطقة دون الأخرى.

حَمَّل الأردنيون الدلعونا كثيرًا من فِكرهم الخاص، فبات هذا الفن يؤرّخ لعاداتهم وتقاليدهم وقيمهم وفلسفتهم الخاصة في الحياة والحب والواقع الاجتماعي الذي عاشوه. وعليه فقد تنوّعت الدلعونا في أغراضها، من الغزل وشكوى الحب وشيطنات الشباب وحتى الدلاعين التي قيلت في الأولياء والجنّة، مما انعكس على أنماطها الشّعرية واللحنية.

أصل التسمية

يشير اسم قالب الدلعونا بشكل واضح إلى أنه مُشتقٌ من مفهوم “الدّلع”، والدّلع هو التأبّي والصدود عن “الوليف” واخفاء رغبة الوصل رغم وجودها، وهو شكلٌ من أشكال المشاكسة العفوية بين الأحبّة.

الانتشار

ارتبطت أغاني الدلعونا بالدبكات بشكلٍ مباشر وحصريّ، واستُخدِمَت معها الطبلة والشبّابة والمجوز، وهي من الآلات الموسيقية المنتشرة في وسط وشمال الأردن وارتبطت بالفنون الريفية. وكان البناء الشعريّ للدلعونا من مؤشرات ارتباطها بالدبكات، فهي تُبنى على شكل أربعة أشطر شعريّة، تنتهي جميعها بقافية معيّنة باستثناء الشطر الأخير الذي يجب أن ينتهي بقافية “و،ن،ا”، مع إطلاق حرف الألف الأخير، فتكون هذه الألف إشارة لقائد الدبكة “اللوّاح” ليقوم بسحب الراقصين إلى القفز السريع.

وعليه؛ فإن الدبكة التي سمحت الطبيعة المكانيّة ذات السهل المنبسط في المكان الريفي لانتشارها بشكلها السريع والرشيق، في حين لم تسمح الطبيعة المكانيّة في مناطق أخرى ذات الحنايا الجبلية بانتشار الدبكات لصالح ظهور الصحجة ذات الحركات الثقيلة، أدّى ذلك إلى انتشار الدلعونا بمناطق دون الأخرى، في حين ارتبطت الصحجة (وهي الرقصة النظيرة للدبكة) بقوالب غنائية أخرى مثل السامر والهجيني.

الخصائص الفنيّة

الشّعر : يتكوّن نص قالب الدلعونا من أربعة أشطر تكوِّن بيتي من الشّعر الشعبي، تنتهي الأشطر الثلاث الأولى بقافية واحدة معيّنة، في حين ينتهي الشطر الأخير، دائمًا ولِزامًا، بالقفلة الدلعونية الشهيرة المأخوذة من اسم الدلعونا، وهي الواو والنون والألف المطلقة، كما في المثال التالي :

ثلاث غزلان من الشَّرِق طَلَّنْ                     مَدَّن العِبِي وراحَن يصَلَّنْ

سِمعَن المِجْوِزْ صارَن يغنَّنْ                      غيَّرَن اللحن على دلعونا

وقد تتبدّل القافية الدلعونية من (ونا) إلى (وما) في بعض أبيات الدلعونا :

على دلعونا ليش دلَّعتيني                             عرفتيني مجوَّز ليش أخذتيني

لاكتُب طلاقِك ع ورقتينِي                           واجعل طلاقِك في هذا اليوما

في بعض الأحيان يتغيَّر بناء القوافي الشعريّة في أشطر الدلعونا إلى أسلوبٍ مختلف، الغرض منه تنويع الصوت الشعريّ وكسر الرتابة الإيقاعية في الكلمات، بحيث تكون الأشطر (الأول والثاني والرابع) منتهية بالقافية الدلعونية، وتصبح القافية المختلفة في نهاية الشطر الثالث، كما في المثال :

على دلعونا على دلعونا                     الهوا الشّمالي غيَّر اللونا

الهوا الشّمالي غيّرلي حالي                 حبَّت بدالي بنت الملعونا

اللحن : يتألف لحن الدلعونا من جملتين موسيقيتين متكررتين، وغالبًا ما تكون على مقام البياتي، ويلازمه إيقاع الملفوف الثنائي. ولكن بالرغم من ذلك، إلا أن ألحان الدلعونا تنوّعت حتى وصلت إلى أكثر من سبع ألحان معروفة ومشهورة، تشترك جميعها بنفس الأسلوب اللحني والإيقاع، مع اختلاف في المسافات بين النغمات أحيانًا أو درجة الركوز أو الحليات اللحنية.

الأداء : بعكس بعض القوالب الغنائية الأخرى التي يكون فيها الغناء حكرًا على أحد الجنسين، يشترك الرجال والنساء في غناء الدلعونا على حدٍّ سواء، ولا يكون الاختلاف بين النمط الذكوري والانثوي سوى في المضمون الشِّعري وأسلوب الغناء الذي يأخذ منحىً أكثر صلابةً وحيويةً للتعبير عن الشخصيّة الذكورية.

المراجع :

  • العمد، هاني صبحي، أغانينا الشعبيّة في الضفّة الشرقيّة من الأردن، 1969 الطبعة الأولى، منشورات دائرة الثقافة والفنون وزارة الثقافة والإعلام، عمّان، الأردن.
  • غوانمة، محمد، الغناء الرّيفي في الأردن 2009، قسم الموسيقى، جامعة اليرموك، إربد، الأردن.

الدلعونا

البرانثوريوم من الجنوب

تعتبر أم الجمال إحدى النفائس الأثرية التي تغني ثقافة وتاريخ بلدنا الأردن. وهذا لأن أم الجمال تحمل بصمة عدة حضارات جعلت الأردن وطنها عبر التاريخ. فقد سكنها الأردنيون الأنباط والرومان والبيزنطيون وصولا إلى الدولة الأموية المبكرة.

الصخور القوية التي استخدمت في بناء الكنائس

لقد بقيت أغلب الآثار سليمة ويعود السبب لقوة أحجار البازلت العظيمة التي استخدمت لتقوية البناء.  لقد ظلت مباني أم الجمال الضخمة صامدة. إن مباني أم الجمال عبارة عن مجموعات كنسية إضافة لمبان أخرى مدنية كالمنازل والمحال وغيرها. شهدت أم الجمال بناء 15 كنيسة تختلف في الشكل والتصميم والوظيفة وكان ذلك في الفترة التي تمتد بين الحكم الغساني – الروماني والبيزنطي.

وتأتي الكنائس في أم الجمال على شكلين: رواقات كنسية وباسيلقا (كنائس مستطيلة) أما القاعات الكنسية فهي طويلة وضيقة وتحتوي على أقواس ودعامات خشبية تحمل الأسقف المسطحة للمبنى.  وتختلف الباسيلقا عن الرواقات الكنسية بكونها ذات شكل مستطيل وصحن للكنيسة وممشى. وتشترك كنائس أم الجمال بكونها جميعا متصلة بمبان أخرى يعتقد بأنها أديرة للرهبان.

وللأسف، فقد تم تأريخ كنيستين فقط من أصل خمسة عشر كنيسة في أم الجمال. تتبع كنيسة جوليانوس نمط الرواقات الكنسية باتخاذها تسعة أقواس مقنطرة وهيكل نصف دائري بارز ومزخرف. وعلى الجهة الشمالية من الكنيسة توجد غرف بثلاثة أبواب تفضي إلى الكنيسة من الداخل.  أما على الجهة الجنوبية، فهنالك باحة ورواق على طول الكنيسة. ليس للكنيسة مدخل مباشر، فالمداخل المتاحة هي فقط تلك التي من المباني المرفقة إلى الكنيسة.  أرخت  كنيسة جوليانوس إلى 345 ميلادي. وتتميز الكنيسة بأنها أقدم الكنائس التي تحمل نقشا مؤرخا من بين كل كنائس العالم. فقد وجد علماء الآثار خلال عمليات التنقيب عام 1993 عدة نقوش باللغة الأردنية النبطية والإغريقية على واجهات المقابر. إضافة إلى ذلك فقد وجد العلماء مبخرة (ثوميستيريون) والتي عادة ما تكون في المعابد الوثنية. إن هذا الخليط من الطقوس الوثنية والمسيحية يثير الاهتمام للغاية.

جزء من الكنيسة في أم الجمال

أما الكنيسة الثانية في أم الجمال فهي “الكاتدرائية” تتبع الكنيسة طراز الباسيلقا من هيكل شبه دائري مزخرف أمام  جنبي الممشى الضيقين. تعد “الكاتدرائية” واحدة من أكبر الكنائس وتقع في الجزء الجنوبي- الغربي من موقع أم الجمال وهي بعيدة عن كل المباني الأخرى.  ويمكن لانعزالها وحجمها أن يدلل على أن لها أهمية خاصة.  بنيت الكنيسة عام 557 ميلادي في أقصى اتساع للديانة المسيحية. وهذا ما يؤكد على أهميتها.

الصليب المسيحي على الكنيسة

الكنيسة المهمة الأخرى هي “كنيسة الشرق” وهي  إحدى أكبر الكنائس في أم الجمال وأكثر سلامة حتى الآن. للكنيسة جدارها الخاص المضموم إلى جدار المدينة. وتتبع الكنيسة الطراز الباسليقي (الطولي) كما هو الحال في الكاتدرائية. وما يميز هذه الكنيسة هو الأرضية الفسيفسائية والتي رغم بساطة تصميمها إلا أنها زينت الأرضية بأربعة ألوان مختلفة. يختلف تصميم هذه الكنيسة عن باقي كنائس أم الجمال فهو يحاكي تصاميم الكنائس في شمال المشرق في الفترة الممتدة بين القرنين الخامس والسادس ميلادي.

تساعدنا كنائس أم الجمال على تحديد هوية أولئك الذين عاشوا في المنطقة. فهنالك الكنيسة المزدوجة التي تقع شمالي شرق البلدة والتي أرفق لها أربع وحدات سكنية. للكنيسة تصميم بسيط ولكنها تحوي نقوشا على إحدى قناطرها وتعود للفترة ما قبل الإسلام.  ويعتقد أن أم الجمال شهدت المرحلة المبكرة من تطور الكتابة العربية كما تبين لنا نقوش الكنيسة. إضافة لنقش الكنيسة فقد اكتشف نقش أموي على عمود بارتيوريوم في “دار الولاية” أي بيت الأمير والذي يقع غرب البلدة ويقول النقش” بسم الله الرحمن الرحيم”  ومن خلال آثار الموقع وتلك النقوش يمكننا تتبع تطور اللغة العربية في الأردن.

وعلى الرغم من أن أم الجمال كانت قد شهدت العديد من الحضارات والعادات والطرز المعمارية إلا أنها هجرت منذ أواخر القرن السابع وأوائل القرن الثامن ميلاي. ويرجح أن السبب في ذلك هو الزلزال الذي حدث في 747 ميلادي والذي دمر المدينة. وبغض النظر عن تلك الكارثة الطبيعية فإننا قد حظينا بفرصة رؤية هذه المجموعة الخلابة من الكنائس التي تعود ل1500 سنة مضت.

المراجع والمصادر

Atlastours.net. (2017). Umm el-Jimal, Jordan. [online] Available at: https://atlastours.net/jordan/umm-el-jimal/ [Accessed 29 Nov. 2017].

Mattingly, G. and de Vries, B. (2004). Umm el-Jimal: A Frontier Town and Its Landscape in Northern Jordan, Volume 1: Fieldwork 1972-1981. Bulletin of the American Schools of Oriental Research, (333), p.91.

رندة فؤاد (2007). “عمارة الكنائس وملحقاتها لـ رنده قاقيش ن عمان: دار ورد الأردنية للنشر والتوزيع.

Ummeljimal.org. (2017). The Umm el-Jimal Project: Archaeological Research, Cultural Heritage Preservation, and Community Development in Jordan. [online] Available at: http://www.ummeljimal.org

Vries, B. (1979). Research at Umm El-Jimal, Jordan, 1972-1977. The Biblical Archaeologist, 42(1), p.49.

سلسلة كنائس الأردن القديمة: كنائس أم الجمال

Scroll to top