سفيان جاسر (عازف سمسمية)

مقدّمة

يمتاز النشاط الموسيقي الأردني تاريخيًا بانفتاحه على التجارب الأخرى وتفاعله معها إيجابيًا بسلاسة وأصالة، فمنذ عهد الأردنيين الأنباط  كان اقتباس النماذج الموسيقية من الحضارات المجاورة سمةً واضحة في الثقافة الأردنية، بفضل اتساع الممالك الأردنية القديمة يطرتها على الخطوط التجارية العالمية وعلاقتها الجيدة وتماسها المباشر مع العواصم الحضارية العالمية، ومن هذا المنطلق كانت آلة السمسمية بصفتها الآلة الموسيقية الأكثر شهرةً على سواحل البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسّط، واحدةً من الآلات التي انضمت إلى عائلة الآلات الشعبيّة الأردنية وتوشّحت أوتارها بالأزياء الصوتيّة الأردنية الطالعة من الإرث الشعبي الأردني.

رغم الاعتقاد بتواجد آلة السمسمية على سواحل مدينة العقبة منذ فترات تاريخية قديمة، إلا أن الاهتمام الأكبر بها كان في مرحلة ما بعد التحرر من الاحتلال العثماني، وخلال النهضة التي شهدها الأردن عمومًا والعقبة بنوع خاص، أخذت السمسمية بالانتشار كآلة شعبيّة أردنيّة، واحترفها عازفون متخصصون من مختلف الأجيال في القرن العشرين وصنعوها بإيديهم، وظل الاهتمام بها متزايدًا وصولاً إلى مرحلة تطويرها من شكلها التقليدي إلى نسخة امتازت باتساع قدراتها التقنية والصوتية.

أجزاء آلة السمسمية 

  1. الصندوق الصوتي : وظيفته تكثيف صوت الأوتار عند النقر عليها، وهو الكتلة الأساسية في هيكل الآلة، غالبًا ما يكون دائريّ الشّكل ومغلق من الجهتين باستثناء الجهة الأمامية والتي تُدعى “شمسية السمسمية”، تكون فيها بعض الفتحات الزخرفية التي تسمح بدخول الصوت إلى الصندوق لكي يتضاعف رنين الأصوات الصادرة عن اهتزاز الأوتار.
  2. الأوتار : وظيفتها إصدار الصوت الأساسي للسمسمية من خلال النقر عليها بواسطة ريشة العازف، وهي أوتار معدنية فولاذية رقيقة شبيهة لأوتار آلة المندولين.
  3. نقطة تجمّع الأوتار : يتم ربط الأوتار من جهة الصندوق الصوتي بواسطة حلقة معدنية تنطلق منها جميع الأوتار لتمر فوق الصندوق ثم إلى عامود السمسمية.
  4. الغزالة : ولها تسميات أخرى مثل “اللقمة، الدعمة، الرّكاب، الحصان”، وهي عبارة عن قطعة خشبية يتم تثبيتها على الصندوق الصوتي لتمرّ فوقها الأوتار وتمنع ملامسة الوتر لشمسية السمسمية أو الوجه الأمامي الصندوق، وبالتالي تسمح للوتر أن يكون حُرًّا عند النقر عليه لإصدار الصوت.
  5. المفاتيح : أو العصافير أو المرابط، وهي شبيهة بتلك المستخدمة في آلة العود والكمنجة، وتُستخدم لتثبيت الأوتار على عامود السمسمية ووظيفتها التحكّم في دوزان الأوتار عبر فتل المفاتيح للوصول إلى نغمة الوتر المُطلق.
  6. المسند والممسك : وهما ضلعان خشبيّان يتفرّعان من الصندوق الصوتي، أحدهما يُدعى الممسك بصفته الضلع الذي تُحمل منه السمسمية عند نقلها من مكان إلى آخر، والآخر يُدعى المسند باعتباره الضلع الذي يُثبّته العازف على فخذه في وضعية العزف.
  7. عامود السمسمية : وهو العامود المقابل للصندوق الخشبي، وفيه يتم تثبيت المفاتيح وربط الأوتار بها، ومن خلالها تتم عملية دوزان الأوتار.
شرح توضيحي لأجزاء آلة السمسمية

 تقنية العزف على آلة السمسمية 

تتكوّن السمسمية التقليدية من ست أوتار فقط، ولا يمكن لأي وتر أن يتم العفق (الضغط بالأصبع) عليه لإصدار أكثر من صوت، فكل وتر يمكنه أن يعزف نغمة واحدة فقط، بعكس آلات وترية أخرى مثل العود الذي يمكن إصدار أكثر من نغمة من الوتر الواحد بواسطة العفق على الوتر لتغيير مدى اهتزازه، وعليه فإن آلة السمسمية بشكلها التقليدي تُصدِر ست نغمات تشكّل سُلّمًا موسيقيًا ناقصًا، علمًا أن السلّم الموسيقي الكامل يتكوّن من سبع نغمات بالإضافة إلى تكرار النغمة الأولى، أي ثمانية.

العفق على أوتار السمسمية

جرت العادة أن تعزف السمسمية جنس(1) الراست من درجة دو Do، وذلك  لطبيعة الأغاني الشعبية التي تعزفها السمسمية، إلا أنه يمكن للسمسمية التقليدية أن تعزف أجناس موسيقية مختلفة مثل : (بياتي، كُرد، حجاز، نهوند، عجم، صبا)، أو (عقد( 2) نوا أثر، عقد الأثر كُرد)، أو نسبة (3) سيكاه.

التقنية التقليدية للعزف على السمسمية هي عبر نقر أوتارها بالريشة الموجودة في اليد اليمنى للعازف، وتكون أصابع اليد اليسرى مُثبّتة على الأوتار، لكل أصبع وتر، وبعكس الآلات الوترية الأخرى، فإن الصوت يصدر من الوتر بواسطة رفع الأصبع عنه وليس بوضع الأصبع عليه، وهذا ما يعطي للسمسمية القدرة على أن تُصدِر صوتين : الأول نغمي من خلال الوتر المُطلق، والثاني صوت إيقاعي يصدر عن الأوتار المكتومة بالأصابع.

أما التقنية الأخرى للعزف على السمسمية فلا تُستخدم فيها اليد اليسرى لكتم صوت الأوتار، بل يتم تحرير جميع الأوتار والنقر مباشرة عليها، مما يجعل أداءها في هذه الحالة قريبًا من آلة القانون.

 تطوير آلة السمسمية في الأردن

كغيرهم من أجيال الأردنيين الذين انفتحوا على الحضارات الأخرى وأخذوا عنها وأعطوها وساهموا بتطوير الآلات الموسيقية أو واكبوا تطويرها، كان الفضل للجيل المعاصر من عازفي وصانعي السمسمية الأردنيين في مواكبة وتطوير وتحديث هذه الآلة والإضافة عليها في مطلع القرن الواحد والعشرين.

كان الدافع هو الانطلاق نحو آفاق صوتية وتقنية جديدة من آلة السمسمية، وتوسيع مداها الصوتي عبر زيادة أوتارها حتى وصلت إلى نحو عشرين وتر بشكلها الحديث، وعبر إضافة أوتار الجيتار والعود التي تختلف في غلظها وطابعها الصوتي عن أوتار المندولين، حصلت السمسمية على طابع صوتيّ أكثر لمعانًا وتنوّعًا، واستطاعات إذن أن تكون آلة رئيسية في أي فرقة موسيقية، وبعد أن كانت محصورة بست نغمات تشكّل سلّمًا موسيقيًا ناقصًا؛ أصبح بالمقدور أن يُعزف على السمسمية أي سلّم أو مقام موسيقي(4)، حيث وصل مداها إلى أوكتافين ونصف الأوكتاف، ما يعني أيضًا إمكانية أداء مقامين مختلفين من درجات مختلفة في نفس الوقت!.

لم يكن تطوير آلة السمسمية مقتصرًا على الناحية البنيوية وحسب، بل أيضًا تم ابتكار آليّة تقنية يتمكّن من خلالها العازف أثناء عزفه من تغيير وضعية شد الوتر بالرفع (الشد) أو الخفض (الرخي) بواسطة التحكم بإسفين المفتاح الخاص بالوتر، مما يُفسح المجال أمام العلامات العارضة Accidental notes 5 التي بدورها تعطي العازف خيارات نغمية أكبر تمكّنه من تغيير الجنس أو المقام دون الحاجة إلى إعادة دوزان الوتر.

 رفيقة الصيّاد العقباوي

كانت وما تزال السمسمية في العقبة رفيقة الصيّاد في مهنة الصيد التي تتمحور حولها العديد من المفردات والمفاهيم الفنية في الثقافة الجمالية العقباوية الأردنية، فحضور السمسمية مع الآلات الإيقاعيّة والصوت الغنائي البشري المنفرد أو الجماعي، في الطقوس الحرفية وبخاصة رحلة الصيد التي تُسمّى “السَّرْحَة”، تجعل من مراكب الصيّادين وتجمّعاتهم أشبه بالمسارح المتنقّلة على أمواج البحر الأحمر، تؤدى فيها الأغاني الشعبية التي تتجلى فيها معانٍ سامية فيها الكثير من الاحتفاء بالقيم الإنسانية كالصداقة والجيرة ومحبّة الآخرين مثل :

عقباوي يا خال بَحري وصيّاد بَحِبّ الصّحبة وبحب الناس

وأصون العشرة بكل وداد وأراعي الود بكل إحساس

أو الأغاني المستوحاة من طقوس الصيد وفيها مشاعر الحماسة والحث على العمل الجاد في الصيد مثل :

احْنا الشّباب الصيّادينْ                  والبحر الأحمَر بَحرنا

بِنَسْعى فيهْ شِمال ويَمينْ               نِصطادْ سَمَكْ، ميْن زَيّنا؟

بلاميْطة بلاميْطة(6).. يا صيّادين

شباب العقبة .. الصيّادين

وفي العقبة أجيال متعاقبة كان فيها عازفي سمسميّة محترفين وروّاد ساهموا في الحفاظ على هذا الإرث ونقله من جيلٍ إلى جيلٍ بأمانة وإخلاص، ومن هؤلاء الروّاد : طُلُب عبّاس، جمعة شحاتة، عبدالحميد أبو الدوح، حسن الشرقاوي، عبّاس الفاخري. وعلى يدهم تتلمذ العديد من الشباب مثل : حمدي ماضي وعبدالله أبو عوض، الذين هم اليوم يحترفون العزف على آلة السمسمية ومنهم مَن قام بتطويرها مثل سفيان جاسر، الذي كان له دورٌ ريادي في نشر هذه الآلة والمساعدة في إجراء الأبحاث والدراسات الأكاديمية حولها، وتعليمها إلى الطلاب الذين يرغبون باحترافها.

ولعل فرقة العقبة البحرية للفنون الشعبية هي المنصّة الحاضنة لكل هذه الطاقات منذ وقت طويل، وهي التي حملت النغم العقباوي الأصيل على آلة السمسمية إلى كل أصقاع الدنيا في مشاركات فنيّة حازت فيها الفرقة على العديد من الجوائز والدروع التكريمية.

التجارب الحديثة

لم يقتصر دور السمسمية في الأردن على الأداء التقليدي الشعبي، فلقد اهتم بها العديد من الملحنين ومؤلفي الموسيقى، كان من أبرزهم الموسيقار الأردني طارق الناصر الذي كان من السبّاقين إلى الاهتمام بالتراث الموسيقي الأردني وإعادة انتاجه وتسويقه بأنماطٍ حديثةٍ ومعاصرةٍ. وكان للسمسمية حضورها اللافت في أغاني من التراث البحري الأردني هي : “والله الزّمان”، “يا بنت يا ام الدبل”، و”الخيزرانة”، التي تم اطلاقها في أسطوانة “يابو رديّن – مختارات من التراث الأردني”.

تعريف مفردات البحث:

  1. جنس : جزء من المقام الموسيقي الشرقي، ويتكوّن من أربع نغمات موسيقية يُحصَر بينها ما مجموعه عشرة أرباع من الدرجات.
  2. عقد : جزء من المقام الموسيقي الشرقي، ويتكوّن من أربع نغمات موسيقيّة يُحصَر بينها ما مجموعه إثنا عشر ربعًا من الدرجات.
  3. نسبة : جزء من المقام الموسيقي الشرقي، ويتكوّن من ثلاث نغمات موسيقية يُحصَر بينها ما مجموعه سبعة أرباع من الدرجات.
  4. مقام موسيقي : المقام هو اسم السلّم الموسيقي الشرقي، يتكوّن من ثماني نغمات متسلسلة تشكّل في مجموعها 52 كوما تبدأ بالنغمة الأولى “القرار Tonic” وتنتهي بالنغمة الثامنة “الجواب Octave”، ويتكوّن المقام من تركيب جنسين أساسيين، أو عقد وجنس، أو نسبة وجنسين، وغيرها من التراكيب التي تشكّل المقامات الموسيقية الشرقية المتنوّعة.
  5. العلامات العارضة Accidental Notes : هي علامات الخفض والرفع (Sharps & Flats) غير الظاهرة في دليل المفتاح Key Signature  المُثَبَّت في بداية السطر الموسيقي، والتي تظهر بحسب السياق اللحني أو النسيج الهوموفوني وتؤدي إلى تغيير طابع اللحن.
  6. بلاميطة : نوع سمك في خليج العقبة.

المراجع :

عبيدة ماضي، مبادئ نظريات الموسيقى الشرق-عربية، الجامعة الأردنية، 2011.

مقابلة لفريق عمل إرث الأردن مع الباحث في التراث الشعبي البحري الأردني عبدالواحد أبو عبدالله، العقبة، 2015.

مقابلة لفريق عمل إرث الأردن مع مصنّع ومطوّر وعازف آلة السمسمية سفيان جاسر، العقبة، 2018.

السمسمية : قيثارة الساحل الأردني

14715638_1832465236986906_2781893143201255429_o

مقدمة تاريخية

الربابة ؛ آلة الشّعر والسّهر في بيوت الشّعر، آلة موسيقيّة أردنيّة أصيلة ضاربة جذورها في القدم، وهي آلة وترية – قوسيّة، نشأت وتطوّرت في الشرق الأوسط منذ أزمان بعيدة، وهي الآلة الأصل التي تطوّرت عنها نماذج شبيهة أدّت في القرن الخامس عشر وما بعده إلى ظهور آلة الكمان Violin الذي منه تكوّنت عائلة الآلات الوترية في الأوركسترا السّيمفوني. وعلى الرغم من تعدد الروايات حول نشأة الربابة، إلا أن الربابة الأردنية تمثّل النموذج الأصيل الذي تطوّرت منه نماذج أخرى زاد فيها عدد الأوتار عن الوتر الواحد، وما تزال الربابة الأردنية ذات الوتر الواحد موجودة في البادية الأردنية وعلى امتداد مساحاتها، ولا زال الأردنيّون يصنعونها من المواد التي أخذوها من بيئتهم وطوّعوها لتعبّر عن موسيقاهم وهُويتهم الخاصّة.

صناعة الربابة 

تُصنع الربابة في البادية الأردنية بشكلٍ فرديٍّ، فأي شخصٍ يرغب أن يقتني ربابةً يباشر بصناعتها بنفسه معتمدًا على المعايير المشتركة والبسيطة في شكل الآلة وحجمها. وتتمثّل صناعة الربابة بشد قطعتين من جلد الضأن المنزوع الصوف أو الشعر على جهتي صندوقٍ خشبيٍّ مستطيلِ الشكل، فيتكوّن الصندوق المصوّت Music box الذي يؤدي اهتزاز الوتر الممدود فوقه إلى إصدار صوت الربابة ذي النكهة السمعية الخاصة. ويساهم استخدام شعر الخيول في صناعة الوتر والقوس في نوعية الصوت الصادر عن الربابة، بخلاف الآلات التي تُصنَع أوتارها من المواد المعدنية أو البلاستيكية أو أحشاء الحيوانات.

تتكون آلة الربابة من مجموعة من الأجزاء المترابطة معاً بطريقة صناعية بسيطة تأتي على النحو التالي :

أ.الصندوق المصوت : وهـو عبـارة عن إطار خشبي مستطيل الشكل، عرضه الأعلى أقصر من عرضه الأسفل، أما ضلعاه الطويلان فمقوسان إلى الداخل، ويغطى وجه وظهر الصندوق بالجلد ويفضل العازفون جلد الغزال، والسبب في ذلك هو نعومة جلد الغزال، ورقته، والذي يساعد على إخراج أصوات أفضل. وغالباً ما توجد ثقوب على زوايا وجه الصندوق تترواح بين واحد إلى ثلاثة تساعد على تضخيم الصوت.

ب.الرقبة (الساعد): وهـي عمـود خشبـي يتصـل بالضلـع الأعلـى للصـندوق المصوت خرطت مقدمته على شكل مئذنة، ويعادل طوله الصندوق المصوت.

ج.الوتر (السبيب): وهـو مـن شعـر ذيـل الحصـان، يتـم تصفيف وترتيـب الشعيرات باستخدام ما يعرف بحصى اللبان حيث يثبت الوتر بأعلى الرقبة بواسطة مفتاح لتسهيل عملية شد أو ارخاء الوتر، أما من الجهة الثانية فيربط الوتر بحلقه مثبتة على طرف القضيب الحديدي الذي يخرج من أسفل الصندوق.

د.الحزام (الربطة): وهو حزام من خيط متين يُلف على محيط الرقبة ماراً من فوق الوتر من الجهة العلوية، وظيفته الأساسية هي تحديد بداية مطلق الوتر من الأعلى، ويستطيع العازف ضبط الوتر بتحريك هذا الحزام إلى أعلى فيغلظ صوت الوتر أو تحريكه إلى أسفل فيحتد صوت الوتر.

هـ.المفتاح (العصفور أو المفراك): وهـو عبـارة عـن قطعـة خشبيـة مثبتـة بأعلـى الرقبـة ووظيفتـه تسهيـل عمليـة شـد وارخـاء الوتـر.

و.عمود الارتكاز: وهـو عبــارة عـن قضيـب حديـدي صغــير ووظيفتـه ارتكاز الآلة عليه.

ز. الغزال (الفرس) : هـو عبـارة عن قطعة خشبية صغيرة تثبت على الربع الأسفل من الصندوق بين الوتر والغطاء الجلدي، وذلك لرفع الوتر عن الآلة.

ح.القوس : غالبا ما يكـون قـوس الربابة عبـارة عن عود من الخيزران اللين، يربط رأساه من الطرفين بوتر من شعر ذيل الخيل، ويشد لكي يأخذ شكلاً مقوساً، بحيث يكون طول الشعر المربوط على القوس يساوي نصف طول القوس في اطلاقه والغاية من هذا التقوس هو أن يكون الوتر مشدوداً إلى أقصى مدى، وذلك لكي يحدث الذبذبة المطلوبة لاصدار الصوت عند جرّه على وتر الربابة.

أجزاء الربابة

تقنية العزف 

تكون الربابة في وضعية العزف بهيئة مماثلة لوضعية عزف آلة التشيلّو، بحيث تقف على العامود المعدني الذي في أسفلها، ويضعها العازف الجالس بين قدميه، ويُمسك عنقها بيده اليسرى، والقوس باليد اليُمنى. يصدر الصوت من آلة الربابة عبر تمرير القوس على الوتر، وهذا ما يُسمّيه الأردنيون بـ “الجَر”، وتُدعى الألحان التي تُعزَف على الربابة بالـ “جرّات”. يتكوّن المدى الصوتي للربابة من خمس نغمات في الغالب، تكون النغمة الأساسيّة Tonic note في حالة الوتر المُطلق Open String، أما النغمات الأخرى فيُصدرها العازف من الربابة عبر العفق “الدوس” على الوتر بأصابع يده اليسرى المُثبّتة على الوتر في وضعية ثابتة لا تتغيّر طيلة العزف.

أبو النادي قصيدة غزلية.MOV.00_29_26_02.Still001
أبو النادي، شاعر ربابة في البادية الشمالية، 2018

الربابة أردنيّة الشّكل والمضمون 

يمكن القول أن آلة الربابة هي أيقونة أردنيّة خالصة، تعكس بشكلها وصوتها ومكانتها مكنوناتٍ جمالية في المجتمع الأردني المتّصل والمتفاعل مع بيئته بكل سلاسة وفهم عميق لطبيعة ونوعيّة وجوده وحدوده. فالربابة من أكثر الآلات الأردنية أصالةً وارتباطًا بتاريخ الأردنيين وتعبيرًا عن مظهر وجوهر التكوين الاجتماعي في الأردن، وهي آلة حاضرة في ريف وبادية الأردنيين على حدٍّ سواء، صنعها وطوّرها وهذّبها الأردنيون منذ القِدَم لتعكس أيضًا التنوّع البيئي الأردني.

نجد في مكوّنات الربابة، حضورًا للريف الأردني حيث تقف أشجار البطم والسنديان التي تم تطويع أخشابها والاستفادة منها، وهي من الأخشاب الخفيفة التي جرت العادة على صناعة الربابة منها للحصول على خفّة في الوزن يتناسب مع ظروف عدم الاستقرار المكاني داخل حدود الجغرافيا الأردنية بسبب الاستهداف العدواني المتكرر من الخارج وآخره في زمن الاحتلال العثماني.

تُشَد على الأخشاب الجلود الحيوانية المتوفّرة وهي غالبًا من جلود الماعز، وفي بعض الأحيان النادرة جلد الذئب. أما الوتر والقوس المصنوعان من شعر الخيل ففيهما تعبير مشترك بين البادية والريف. وبعد أن تُصبِح الربابة جاهزة للاستخدام تصدح بالجرّات في الدواوين والمجالس البدوية والريفيّة بصوتٍ يحاكي حنيّة الإبل على صغيرها، ويرافقها الصوت البشريّ المتأثّر ببيئته والمتحد مع صوت آلته ذات الوتر الواحد التي تمثّل ذروة الأناقة الحضارية في التعبير عن الهُوية بأدوات المكان وروحه وتفوّق الإنسان وبَوحِهِ.

على الرغم من وجود آلة الربابة في بلدان أخرى قريبة وبعيدة عن الأردن، إلا أن الربابة الأردنية منتشرة في الأردن من أقصاه إلى أقصاه وليس في منطقة دون الأخرى، وتتميّز؛ رغم أنها ذات وتر واحد، عن غيرها من نماذج الربابة في البلدان والثقافات الأخرى، بأنها الأكثر تهذيبًا في الصوت، ورزانة في الأداء والأسلوب، وهي في الأردن ليست آلة مُرافِقة أو مُرافَقة بآلات أخرى، ولكنها منفردة في الأداء والحضور، لا يرافقها سوى الصوت البشري الذي تنساب منه أبيات القصيد المغنّاة، وهذا هو شكل الأمسيات الشعرية المعتمد عند الأردنيين، وهي الفرصة النادرة التي يبوح بها الأردني عن سجل وأرشيف مشاعره الوجدانيّة التي غالبًا ما يكون قد انفرد في مواجهتها وحيدًا مع ذاته.

يُسمّى عازف الربابة عند الأردنيين “شاعر الربابة” أو “لعّاب الربابة”، ويعزفها الأردنيون على اختلاف مستوياتهم الاجتماعية، بمن فيهم الشيوخ، في التعاليل والسهرات، ويتداورون العزف عليها في طقسٍ يُعرَف بالـ “مداورة”، ولا يكاد يخلو بيت أردني من ربابة معلّقة على الواسط أو في زاوية بين الجدران، ولها اسم آخر يعرفه الأردنيون هو “الفاطر”، والفاطر في الأصل هو إسمٌ من أسماء الناقة التي يُشَد بها الرحال، ولهذا الاسم الذي يُطلَق على الربابة أحيانًا دلالةٌ في الرؤية الفلسفية الأردنية لآلة الربابة التي تعتبرُ الجَر عليها سفرًا بالحاضرين ورحلةً يقودها الشاعر أو لعّاب الربابة إلى داخل نفسه وإلى المضمون الشعري الذي يغنّيه.

تجارب حديثة 

يُعتبَرُ الفنان الأردني عبده موسى، أردنيًا وعربيًا، نجم الربابة في القرن العشرين بلا منازع، إذ استطاع أن يقفز بهذه الآلة ذات الوتر الواحد بإسلوبه الخاص في أدائها إلى مرحلةٍ مكّنتها من الاشتراك في كافة الفرق الموسيقية وعزف معظم الأغاني على اتساع وتنوّع مقاماتها الموسيقيّة، لتصبح ربابة عبده موسى نموذجًا أردنيًا يُضاف إلى نماذج موسيقيّة أخرى طوّرها الأردنيون، خطف أنظار الجمهور وساهم بنشر الموسيقى الأردنيّة الأصيلة وتصديرها إلى الدول المجاورة والبعيدة في زياراتٍ وحفلاتٍ تاريخية أقامها عبده موسى على أهم شاشات التلفزة في المنطقة وقاعات الحفلات العالميّة.

ولم تنقطع الأبحاث الأكاديمية التي اهتمّت بهذه الآلة ودراستها تاريخيًا وتقنيًا، بل ولم تنقطع التجارب الأردنية التي أُجريت على أيدي مؤلفين موسيقيين وعازفين أردنيين اهتموا بالربابة وأدخلوها في مؤلّفاتهم، كأغنية “هبّت هبوب الشمال” التي أعاد توزيعها الموسيقار الأردني هيثم سكّرية واستخدم في مقدّمتها تقاسيم على وتر الربابة.

مراجع 

  • حمام، عبدالحميد، الآلات الموسيقية التقليدية في الأردن، بحث، 2002، ص6.
  • غوانمة، محمد، الربابة العربيّة، بحث، 2003
  • مقابلة لفريق عمل إرث الأردن مع الباحث في التراث الشعبي عاقل خوالدة، بلعما، 2018.
  • مقابلة لفريق عمل إرث الأردن مع عازف الربابة تركي العون، صبحا، 2018.
  • مقابلة لفريق عمل إرث الأردن مع عازف الربابة أبو النّادي، المكيفتة، 2018.

الرّبابة

عبده-موسى
طابع بريدي تذكاري تكريمًا للفنان عبده موسى

النشأة

وُلد الفنان الأردني الراحل عبده موسى في إربد عام 1927 يتيمًا، ونشأ فيها في جوٍّ مفعمٍ بمحبة الناس والألفة فيما بينهم، وظهرت فيه موهبة العزف على آلة الربابة منذ صغره، حيث كان يجلس إلى جانب عازف الربابة في مناسبات مختلفة ليراقبه أثناء عزفه عليها ويحاول أن يلتقط تقنية الأداء على هذه الآلة ذات الوتر الواحد، وعندما يترك العازف ربابته كان يمسك بها عبده موسى ويحاول تطبيق ما لاحظه بالنظر، ومرة تلو الأخرى استطاع أن يجيد العزف عليها وهو في العاشرة من عمره، وبذلك بدأ عبده موسى يلفت أنظار مَن حوله إلى موهبته التي نمّاها بنفسه، فبدأ مشواره مع ربابته التي اختارته ليشكّلا معًا ثنائيًا تاريخيًا قفز بالموسيقى الأردنية إلى مراحل متقدمة من الاحترافية والحداثة بمضمون أردنيٍّ أصيل. وظل حضور عبده موسى يأخذ بالتزايد وخصوصًا في السهرات التي كانت تقام في الصيف على البيادر في مواسم الحصيدة، والتي كان يحضرها شاعر الأردن الكبير عرار ورئيس المخيم العسكري آنذاك زاهي مشربش.

كانت انطلاقة الحياة الفنية لعبده موسى عام 1958 في أولى الحفلات التي أحياها في عمّان، وكان من بين الحضور فيها شخصيات مرموقة من رجالات الأردن الذين كان لبعضهم الفضل المباشر في دعم الموسيقى الأردنية ومنهم : دولة الشهيد هزاع المجالي، المشير البطل حابس المجالي، الشريف عبدالحميد شرف، عاكف الفايز، خليف التل، نعيم التل، والشيخ لورنس الشعلان وغيرهم. ولشدة إعجاب دولة الشهيد هزاع المجالي بموهبة عبده موسى اصطحبه في اليوم التالي إلى دار الإذاعة الأردنية، وأوصى بتعيينه، وقد أُعجِب كل مَن كانوا في الإذاعة بموهبة عبده موسى وقدراته في غناء الألوان البدوية والريفية باحتراف ودقّة.  بعد استدامة عمله في الإذاعة الأردنية رحل عبده موسى واستقرّ في العاصمة عمان بالقرب من عمله. ونظرا لأن الراحل عبده موسى لم يكن يجيد القراءة والكتابة فقد كانت الإذاعة الأردنية تكلّف أحد الأشخاص كي يهمس في أذنه بعبارات الأغنية التي يغنيها، وعرف دولة الشهيد هزاع المجالي بالأمر فوجه دولة الشهيد وصفي التل الذي استلم إدارة الإذاعة الأردنية بضرورة اتخاذ الإجراء اللازم، فأمر الشهيد التل بتكليف مُدرِّسٍ خاص لتعليم عبده موسى القراءة والكتابة ودفع أتعابه من ميزانيّة الإذاعة، وذلك إيمانًا من الشهيدين العِظام بأهميّة أن ينمّي الفنان مهاراته المعرفية والعلمية بصفته رمزًا للثقافة والتنوير، واهتمامًا منهما بالفنان عبده موسى وإعجابهما به. ولعلّ أولى التجارب المميزة التي كانت ثمرة وجود الراحل عبده موسى في الإذاعة هي إدخال آلة الربابة كآلة صولو رئيسية في التوزيع الموسيقي لأغنية “دخلك يا زيزفونة” للفنان الأردني توفيق النمري، وفيها يتحاور وتر الربابة مع آلة الناي بكل احترافية وأناقة وجمال.

الفنان عبده موسى عازفا على ربابته

المرحل الفنية 

يمكن توزيع مسيرة الفنان عبده موسى الفنية على ثلاث فترات أساسية امتازت كل واحدة بتجارب من نوع مختلف نتج عنها مجموعة الأعمال الفنية الخالدة التي أبدع فيها عبده موسى في التعبير عن الهُوية الغنائية الأردنية وجاعلاً من الربابة الأردنية محط أنظار الجميع وإعجابهم.

  • الفترة الأولى : كانت خلال عمله في الإذاعة الأردنية، والتي ظل يعمل فيها حتى وفاته، وأنتج خلال هذه المرحلة العديد من الأعمال التي عكست فهمه العميق للعادات الأردنية بين الريف والبادية، الأمر الذي مكّنه من أداء الألوان الغنائية الأردنية بشكلها الأصيل ودون أي تكلّف أو تصنّع، وبالتالي محبة المستمعين التلقائية له ولصوته ولأدائه القريب من قلب كلّ أردنيّ. بدأت شهرة عبده موسى بالاتساع عبر مشاركته في البرنامج الإذاعي “مضافة أبو محمود”، والذي كان يؤدي في كل حلقةٍ منه أغانٍ تعكس كل واحدة منها لونًا من الألوان الغنائية الأردنية. وبسبب عدم انتشار المحطات التلفزيونية آنذاك، ذاع صيته في الأردن والدول المجاورة بسهولة وصار اسمه معروفًا لدى الجميع في المنطقة.
  • الفترة الثانية : كان عبده موسى فنانًا توّاقًا للتجديد ولاكتشاف مساحاتٍ فنّية مختلفة، لذا اتجه فيما بعد إلى أداء الثنائيات مع آخرين، وبسبب شهرته ونجوميّته، إلى جانب تواضعه ودماثته، كان الفنانون يتزاحمون على أداء الأغاني معه، لمحبتهم له، ولكي يختصروا الكثير من الخطوات اللازمة للوصول إلى الشهرة المطلوبة، فالغناء إلى جانب النجوم في ذلك الوقت كان الطريق الأسهل للشهرة. وبالفعل؛ أدّى عبده موسى مع العديد من الفنانات الأردنيّات والعربيّات مجموعة من الحوارات الغنائيّة والثنائيّات التي ماتزال تتردد ويُعاد تسجيلها وتوزيعها حتى يومنا هذا. ومن تلك الأسماء التي أدت الثنائيات مع عبده موسى : سلوى، هيام يونس، غادة محمود، سهام شمّاس، وسهام الصفدي. ومن الثنائيات التي اشتهرت في ذلك الوقت وحتى يومنا هذا : يا طير يلي طاير، سافر يا حبيبي وارجع، جدّلي يا ام الجدايل، لاطلع ع راس الجبل، ردّي شاليشك.
  • الفترة الثالثة : توّج عبده موسى حياته الفنية بالتحاقه بفرقة الفنون الشعبية الأردنية في العام 1967، وأقام معها العديد من العروض الموسيقية داخل الأردن وخارجه، وكانت أولى حفلاته في العاصمة البريطانيّة لندن على مسرح “ألبرت هول” الشهير، وأصبح عبده موسى أول عازف ربابة يؤدي حفلاً مع الربابة على هذا المسرح، وتزامن حفله هناك مع حفلٍ للفنان المصري عبدالحليم حافظ الذي بادر إلى تقديم عبده موسى للجمهور بعبارات الإعجاب والثناء على موهبته ومكانته وشهرته. وبعد نجاح هذا الحفل التاريخي في لندن انهالت الدعوات من جهات مختلفة لكي يحيي عبده موسى فيها عروضًا موسيقيةً برفقة فرقة الفنون الشعبية الأردنية، فأقامت الفرقة جولات فنية متعددة شملت دولاً كثيرة منها : ألمانيا، رومانيا، تونس، المغرب، عُمان، البحرين، الإمارات، تركيا، العراق، سوريا، ولبنان.
الفنان عبده موسى، برفقة الفرقة الأردنية للفنون الشعبية، التقطت الصورة عام 1971. المصدر : موقع زمانكم

وقد نال الفنان عبده موسى خلال مشاركاته العديد من الجوائز والأوسمة التقديرية اعترافًا بفرادة موهبته وإعجاب الجماهير بهُويته الموسيقية الأردنية ومن هذه التكريمات :

  • جائزة أحسن عازف ومطرب على آلة الربابة / مهرجان المسيسبي في تونس عام 1971.
  • درع رابطة الفنانين الأردنيين عام 1989.
  • ميدالية الدولة التقديرية عام 1996.
  • مجموعة أخرى من الجوائز والشهادات التقديرية في العديد من المهرجانات العربية والدولية.

الملامح الفنية

امتازت أعمال الفنان الأردني عبده موسى بالملامح الفنية الطالعة من صُلب الإرث الموسيقي الأردني، في الألحان والإيقاعات وأسلوب الأداء، إلى جانب التأثير الصوتي لآلة الربابة المفرط في أردنيّته. كل هذه التفاصيل ساهمت بخلق طابع موسيقي خاص امتاز به عبده موسى دونًا عن غيره من المطربين الذين غنّوا أردنيًا. تتميّز معظم أغاني عبده موسى بأنها غير موزونة إيقاعيًا، أي أنها حرّة، وهو الأسلوب الأكثر شيوعًا في الأردن عند العزف على آلة الربابة، إلا أن الأغاني الموزونة والتي استخدم فيها عبده موسى الربابة بمرافقة الآلات الإيقاعيّة والميلوديّة الأخرى كانت ناجحة ومميزة وظهرت فيها الضغوط الإيقاعية المستوحاة من الإرث الموسيقي الأردني. كما أن الجمل اللحنية امتازت بالبساطة والخفّة التي تمكّن المستمعين من سرعة حفظها وإعادة ترديدها باعتبارها ذات نسقٍ شعبيٍّ وأغلبها من الألحان البدوية أو الريفية الأردنية. يُذكر أن الفنان عبده موسى قد قام بتسجيل مقطوعات موسيقيّة على آلة الربابة تفرّد فيها بأداء جملٍ موسيقيّةٍ معقّدة إذا ما قورنت بإمكانيات الربابة ذات الوتر الواحد.

مواقف وشهادات 

في العام 1973 تم تصوير الجزء الثاني من مسلسل صح النوم الشهير من بطولة الفنان السوري الكبير دريد لحّام، الذي  جاء بدوره إلى مقر الإذاعة الأردنية طالبًا لقاء الفنان عبده موسى، وكان دريد لحّام من المعجبين بعبده موسى وأغانيه، ونظرًا لانتشار أغنية “يا عنيّد يا يابا” في سوريا، والتي كان دريد لحّام يسمعها أينما تواجد في سوريا بحسب قوله، فقد قرر أن يستأذن عبده موسى لأداء هذه الأغنية في الجزء الثاني من المسلسل. ويصف دريد لحام عبده موسى حين التقى به بأنه كان ذا شخصيّة كريمة ومتواضعة ومتعاونة، وسرعان ما وافق على طلب لحّام، الذي بدوره أراد أن يقابل الطْيب بالطيب فدعاه ليكون ضيف شرفٍ على المسلسل الذي تم تصويره في الأردن.

تعرّض الفنان عبده موسى في مطلع السبعينيات لمحاولة اغتيال فاشلة على أيدي العصابات الإرهابية المتسببة في اضطرابات تلك الفترة، وذلك لأدائه الأغنيات الوطنية التي ساهمت في توحيد الشعور الجمعي المعادي للعمل والعناصر الإرهابية، وتأجيج الأحاسيس الوطنية المُحبّة للخير والعطاء والبناء، فلقد كان صوت عبده موسى ناطقًا ثقافيًا باسم الوجدان الشعبي الأردني العام ومرآة للنفس الأردنية التي تبني وتعمِّر وتحمي الوطن من الخراب والدمار.

كان تأثير عبده موسى في نشر الأغنية الأردنية طاغيًا، فقد أُعجِبَ الأخوين رحباني (عاصي ومنصور) بلحن موّال الشروقي الذي أداه عبده موسى والمشهور بمطلعه : يا مرحبا يا هلا منين الركب من وين. وقد أخذا الإذن من مدير الإذاعة آنذاك دولة الشهيد وصفي التل لاستخدام اللحن فأذن لهما، واستخدماه في بداية أغنية “قتّالة عيون الهوى قتّالة”.

يقول الفنان الأردني محمد وهيب أنه وعندما سافر عبده موسى مع فرقة الفنون الشعبية الأردنية إلى رومانيا، ضاقت قاعة المسرح بالتصفيق وهتافات الإعجاب والانبهار من الجمهور الروماني تقديرًا لأداء عبده موسى المميز على الآلة التي سحرت الجمهور هناك بوترها الواحد مع رنين صوت عبده موسى النقي والأنيق.

وفاته 

في العام 1977 كان الأردن يحيي الاحتفالات بمناسبة اليوبيل الفضي لعيد جلوس الملك الراحل الحسين بن طلال طيّب الله ثراه على العرش، ومن ضمن هذه الاحتفالات كان هناك برنامج جولات على كافة المحافظات للفنان عبده موسى يحيي خلاله السهرات الفنية بهذه المناسبة، وأولى هذه السهرات كانت في إربد، حيث نشأ وترعرع وبدأ مشواره الفني، وشاء القدر أن ينتهي مشواره الفني فيها أيضًا، فكانت تلك الحفلة المسائية التي من المفترض أنها أولى الحفلات في ضمن برنامج سيشمل جميع المحافظات، كانت هي الوداعية، في مسقط رأسه، فأحياها وأبدع في أداء الأغنيات التي ظل الجمهور يطالبه بإعادتها وتكرارها حتى ساعات الفجر من تلك الليلة، الأمر الذي تسبب بالإرهاق الشديد مما سهّل من الأعراض المرضية التي ظهرت بعد تلك الحفلة وظلت تتزايد حتى تم إدخاله إلى المستشفى لمعاينته، ليكتشف الأطباء سريعًا أنه يعاني من ذبحة صدرية تهدد حياته. وفارق عبده موسى جمهوره الذي أحبّه وحفظ أغانيه يوم 20 حزيران 1977 عن عمرٍ يناهز النصف قرن، وعشية عيد الموسيقى العالميّ، تاركًا وراءه إرثًا موسيقيًا كُتِبَ له السفر في وجدان الأردنيين جيلاً بعد جيل.

المراجع 

  • غوانمة، محمد، عبده موسى رائدًا ومبدعًا، دار الكندي، 2002.
  • موسى، حسين عبده، عبده موسى سيرة فنّان، وزارة الثقافة الأردنية، 2010.
  • الموسى، سليمان، أعلام من الأردن، المؤسسة الصحفية الاردنية، عمّان، 1993.

عبده موسى – أيقونة الربابة الأردنية

Scroll to top