النائب الشيخ توفيق المجالي

الشيخ البطل توفيق المجالي

 

مقدمة

رائد وعميد البرلمانيين الاردنيين في مجلس المبعوثان العثماني، كان من رواد الممثلين لبلاده وهو من منارات الأردن الذين شاركوا بهمة واقتدار في المشروع النهضوي والتحرري من الاحتلال العثماني .

 بقيت شخصية الشيخ توفيق المجالي محفورة في الذاكرة الوطنية لأنه صاحب موقف مفصلي و تجربة عميقة بحيث لا يمكن تناولها إلاّ في سياقها الثقافي والاجتماعي والسياسي.

نشأته

هو توفيق بن عيسى بن يونس المجالي ولد عام 1880م ، كان معروفا بحنكته بكافة المقاييس، فقد ولد في بيت كركي يمتاز بالشجاعة والفروسية وتعلم القراءة والكتابة صغيرا قبل أن يكمل مشاوره التعليمي في مدرسة الكرك التي بنيت على نفقات عشائر المنطقة.

ثم انتقل الى مدرسة عنبر في دمشق وأكمل تعليمه مع المثقفين والسياسيين والمفكرين فكان قلم الحرية في الكتابة بالكلمة والموقف عن النهضة والكفاح ضد أفعال الاحتلال العثماني.

عاش الشيخ توفيق المجالي في منزل والده الشيخ عيسى المجالي وتعلم مبادئ الشجاعة والفروسية بالسيف والبندقية والكرم الذي أكسبه معرفة واسعة في شؤون حياة بيئته العشائرية وغيرها من الأمور في وقت مبكر من عمره .

يعتبر الشيخ توفيق أول عضو من منطقة الكرك في مجلس المبعوثان، حيث قدم حياته في سبيل وطنه من أجل النهضة والتحرر من الاستعمار العثماني، وكانت فطنته واحتكاكه بالمراكز السياسية والثقافية مؤهلا لأن يجعله في بؤرة الأحداث الاقليمية والعالمية في عاصمة الدولة العثمانية، استطاع الشيخ توفيق المجالي أن يخوض الأحداث الصعبة والحاسمة بذكائه العميق ووعيه النادر.

قلعة الكرك مطلع القرن العشرين

توفيق والبرلمان العثماني

مثل توفيق المجالي لواء الكرك في مجلس المبعوثان العثماني لدورتين، حيث فاز في انتخابات العام 1908، والعام 1914 حيث ضم اللواء كل من : السلط، ومعان، والطفيلة والكرك.

في 20 أيلول سنة 1908م أُعيد نشر قانون الانتخابات، وهو قانون الانتخابات الثاني الذي صدر أصلا في شهر حزيران 1877م، وأجريت بموجبه الانتخابات لسنة 1908م على اعتبار أن كل لواء يمثل دائرة انتخابية، على أن يكون نائب واحد لكل خمسين ألفاً من الذكور، وإذا كان عدد الذكور في اللواء أقل من العدد المذكور وأكثر من خمسة وعشرين ألفاً يكون لهم نائب واحد، ويكون نائبان لكل لواء يفوق عدد الذكور فيه خمسة وسبعين ألفاً، وثلاثة نواب إذا فاق العدد مئة وخمسة وعشرين ألفاً. وتجري الانتخابات علـى درجتين ينتخب في الأولى الذكور الذين أتموا الخامسـة والعشريـن من العمـر، والمنتخبين الثانويين الذين ينتخبون بدورهم نواب اللواء.

كانت تركيبة النواب من الطبقة المقتدرة، فقانون الترشيح اشترط مؤهلات مالية للمرشح، جعلت من يخوضون الانتخابات من علية القوم، كانت طريقة الترشيح تتم بواحدة من ثلاث طرق: أن يتقدم المرشح بطلب مباشر من الوالي، أو أن يرشحه 300 من الأهالي على الأقل، أو أن يقوم حزبه بترشيحه.

لم يتم ترشيح الشيخ توفيق المجالي الى مجلس المبعوثان عن طريق الانتخابات لأن من فاز بالانتخابات فعليا هو الشيخ قدر المجالي وذلك عندما اعلنت الانتخابات في الكرك عمن يمثل الاردن لدى مجلس المبعوثان العثماني بأكثر الاصوات، ولكن الشيخ قدر المجالي تنازل بها إلى توفيق المجالي باعتباره صاحب علم و ثقافة وخبرة سياسية ولأن الشيخ قدر أراد أولاً أن يتفرغ لشأن عشائر الكرك و ثانيا وقوف عشائر الكرك في وجه الشيخ قدر ومنعه من الذهاب الى تركيا خوفا من غدر السلطات العثمانية به نظير مواقفه الصلبة في وجه المحتل العثماني .

الشيخ الفارس قدر المجالي يتوسط فرسان و أبناء عشيرته ابان ثورة الهية-1910

وكان الاتفاق بين أهالي الكرك والشيخ قدر أن يمثل صوت أهالي الكرك بينما يقوم توفيق المجالي صوت الأردنيين الحر في معركتهم السياسية مع الاحتلال التركي، وأصبح الشيخ توفيق بك المجالي ممثل ولاية الكرك في مجلس المبعوثان العثماني، وكان الشيخ توفيق المجالي عند حسن ظن وثقة الأردنيين، فبنى علاقات متينة مع نواب الدول العربية الاخرى كأولى الخطوات التكتيكية لبناء حلف سياسي يضم نواب المنطقة تجاه منظومة السياسة التركية العثمانية.

دوره المحوري في حركة التحرر في المنطقة

يعتبر الشيخ توفيق المجالي من الشخصيات الاردنية التي اعتمدت على ذكائها الفطري وشخصيتها الوطنية الفذّة، حيث انتخب كنائب عن الأردن لدورتين الأولى في عام 1908م والثانية كما تؤكد بعض الوثائق عام 1914، فكان على عاتقه مسؤولية كبيرة ومرهقة لأنه النائب الوحيد عن الأردن في مجلس النواب العثماني التركي، استوعب الشيخ توفيق المجالي أن هنالك لعبة سياسية قذرة تقوم بها حكومة الاحتلال العثماني التي على اثرها بدأ التفكير بفكرة اللامركزية فقام بتوطيد علاقاته مع نواب الدول العربية الاخرى، ومن النواب الذين بنى معهم الشيخ توفيق المجالي علاقات سياسية وعلاقات جيدة مع سعد الدين (نائب حوران) و خالد البرازي(نائب حماه) و رضا الصلح (نائب بيروت) و شكري العسلي (نائب دمشق) .

كان الشيخ توفيق المجالي يتقن فنون الدهاء السياسي، وصاحب رؤى استراتيجية سياسية في مجلس النواب التركي اذ قام بنقل أفكار ومعاناة النواب العرب بطرق اتصالية تحفظ لهم حقوقهم وكرامتهم فكان البرلماني الناجح موضع الإعجاب والتقدير من قبل النواب العرب.

كما ساهم النائب الفذ توفيق بك المجالي بنقل التوجهات والأفكار السياسية الخبيثة للحكومة العثمانية إلى النواب العرب وإلى أبناء وطنه والتي تمثلت في :

  1. سياسة التتريك
  2. ابعاد العرب عن وزارتي الخارجية والداخلية
  3. إبعاد الضباط الأردنيين و العرب من مواقع خدمتهم العسكرية الإجبارية الداخلية وإرسالهم إلى مواقع البؤر المتوترة في البلقان واليمن ونجد وغيرها.
  4. التجارة بالدين كغلاف لجرائمها.
  5. تدمير المسيرة الحضارية للأردن وأهلها عبر سياسات التجهيل و القمع .
  6. الإهمال المقصود والممنهج المفضي لتدمير المجتمعات وسرقة اموال الناس باسم الضرائب .

مثل هذه التوجهات وغيرها من الأفكار و الحقائق التي ساهم الشيخ توفيق المجالي في ايصالها إلى النواب العرب وأبناء وطنه والتوعية بخطورتها والتهديد الذي تشكله على وجودهم ومسيرتهم الانسانية، جعلت دوره التنويري يعاد صياغته من قبل ابناء الأردن في معركتهم ضد الاحتلال العثماني من أمثال الشيخ قدر المجالي وعودة القسوس في الكرك ويوسف السكر الدبابنة في السلط وعبد المهدي من الطفيلة وخليل التلهوني من معان، فقد تأثر الشيوخ بالمفاهيم السياسية التي كان ينقلها لهم الشيخ توفيق المجالي عن الأحوال والظروف و السياسات التركية وما يخططون له من أعمال خطيرة.

وفي تاريخ 20/آذار/1911م  قدمت المرافعات من قبل النواب العرب في مجلس المبعوثان العثماني ومن بينهم توفيق المجالي على ما يحدث في الكرك من تدمير وتشريد وقتل لأهالي المنطقة على إثر ثورة الكرك التي شملت كل مناطق الأردن، وكان الشيخ توفيق الأكثر حماسا وانفعالاً في المرافعة التي قدمها في مجلس المبعوثان.

كما قدّم نائب بيروت رضا الصلح بيانا بيّن فيه أن فساد الإدارة العثمانية في الكرك هي سبب ما يحصل بها وأن ما يقومون به بالكرك من تجنيد اجباري وإحصاء للأنفس ما هي إلا اجراءات ظالمة وما يشملها من فرض ضريبة العشر والغرامات على أهل الكرك بحيث أصبحت وكأنها تفرض الغرامة على المقتول من قبل القاتل.

 وقدم نائب دمشق شكري العسلي مرافقعة طالب فيها الدولة العثمانية بوقف حمام الدماء ضد الأردنيين والتوقف عن ملاحقة شيوخ العشائر، ووضّح أن السبب الرئيسي فيما يحدث في الكرك هو غياب الحكمة والضمير من أصحاب القرارات والقيادة في السلطة العثمانية.

وهاجم نائب حماه خالد البرازي كلا من الوالي اسماعيل فاضل وسامي الفاروقي واتهمهم بأنهم رجال انتهازيون ولا يهمهم سوى المال ولا يحترمون موقعهم، وقال أن الجرائم التي يقوم بها جنود الدولة العثمانية في الأردن ستبقى وصمة عار في تاريخ الدولة العثمانية، كما أن أهل  الكرك لن ينسوا قذف شيوخهم من أعلى قمم القلعة الى الوادي وتحطم جماجمهم، ونوّه أن الهجوم على مدينة الكرك التي كانت دوما عاصمة حضارية في المنطقة هي جريمة بحق الحضارة و الانسانية.
وعلى هامش هذه الجلسة النيابية عقد النواب العرب جلسة خاصة مع وزير الداخلية ( جلال بك) وذكرت جريدة (المقتبس) في عددها الصادر رقم 694 تاريخ 22/آذار/1911م، أن وفد النواب العرب تشكل من : شكري العسلي، وشفيق مؤيد العظم، و توفيق المجالي، وطالبوا وزير الداخلية بتعيين حاكم إداري جديد في الكرك واستبدال الوالي بآخر يعرف العربية وبسحب القوات العسكرية من الأحياء السكنية في الكرك وبقية المدن في اللواء.
لم يستجب وزير الداخلية لمطالب النواب العرب، بل تأثر كثيراً بالمقالات الصحفية التي تناولت شخصية توفيق المجالي، وبخاصة جريدة (اقدام) التي طالبت بإلغاء الحصانة النيابية عنه ومحاكمته عرفياً.

وكان الشيخ توفيق المجالي  مبعوث الكرك في مجلس النواب العثماني كما ذكرت جريدة المقتبس بتاريخ 3/12/1912 قد قدّم وصفا لبشاعة الجريمة في مداخلته في مجلس المبعوثان جاء فيها بأنها كانت الأكثر عنفا حيث اتهم الحكومة التركية بالكفر والزندقة، وبأنها تسعى إلى قتل العرب و الأردنيين و أهالي منطقته وطمس هويتهم إنسجاما مع عقيدتهم الملوّثة بالدم، وقال الشيخ توفيق المجالي في مُداخلته : ( إن الأساليب التصفوية بحق أهلي وعشيرتي وبلدتي جريمة خطط لها كهنة لا يعرفون الله، صدورهم مليئة بأحقاد جنكيز خان وهولاكو لأنهم بطبعهم لا يعيشون إلا بالفتن والنعرات وتصفية الآخر) ، وبعد تلك الجلسة شدَّدت الحكومة التركية من اجراءاتها في مضايقة النوَّاب العرب وأصدر الديوان العرفي أمرا بإلقاء القبض على الشيخ توفيق المجالي وإرساله بحرا إلى بيروت لينقل منها إلى دمشق لمحاكمته بالإعدام.

ضابط من الجيش العثماني متسلحا أمام أحد بيوت الكرك في أعمال مراقبتها لأسر الفرسان حال عودتهم لمنازلهم إبان أحداث قمع الثورة

وكان الشاعر سالم أبو الكباير قد كتب قصيدة داعمة لموقف توفيق المجالي عضو مجلس
المبعوثان عندما حكم عليه بالإعدام سنة 1911 م، تاليا نصها :

أبدى بذكر الله على كل معبود          الواحد الموجود ماله شريكين
يشفق لقلباً من غثا البال ملهود          جوده ولطفه واكرم دوم راجين
سبحان من شرف حبيبه شرف زود    نورا ظهر به النبي واظهر الدين
سبحان من خلق نصارى ويهود        حبوسا يبلمها ابلام الفراعين
سبحان من حط بالناس حاسود          يكتب خطايا و لاكسب نية الزين
سبحان من عطا سليمان داود            واحد يسد بيدل عشره وثلاثين
سبحان من فرح الملك بوجود             الحمد لله شفتنا البيك بالعين
توفيق كما سيفاً مصقول بالزود         ابواب خشبها ما يخشاه رديين
حطوه بالمركب على الشام مردود     تسليم يد اللي على القطع ناوين
جلس مجالس شيبت كل مولود        بيهن ترى صلف الرجاجيل مسكين
حرا شهر للبيض ما ايداني السود      صفق بيده وارتفع للقوانين
شهر من بيروت لمصر معمود          رجع على اسطنبول قابل سلاطين
خش الابواب العالية بطرز وبنود      محل تكميل الشرف حافظ الدين
روح كما حصان البحر سنسل الجود    متساميا لون القمر والميازين
اظن قمرنا عقب الياس وجحود          الحمد لله بمجازي الملاعين

ملاحقة العثمانيين لتوفيق المجالي.

وبسبب السياسة التركية التي تميزت بالقمع والسرقة والقتل والمؤامرة لاحقَ الاحتلال العثماني الشيخ توفيق المجالي لتقديمه إلى المحاكمة، وخلال ذهابه الى بيروت عن طريق البحر ونفيه لإعدامه في دمشق، تمكن الشيخ توفيق المجالي من اللجوء إلى إحدى السفن الانجليزية التي ذهب من خلالها الى مصر – الاسكندرية وأعتبر أول لاجئ سياسي أردني في القاهرة حتى صدور العفو عام 1912.
يقول الشيخ توفيق عن رحلة اعتقاله هذه :

 ( فحاولوا أن يقفوا في طريق انتخابي، واتحد الاتحاديون في مطامعهم لإصدار الأمر من الديوان العرفي بالقبض علي وإرسالي تحت الحفظ إلى دمشق وعلى ذلك أرسلت مخفورا إلى بيروت، إن من الأمور الطبيعية والمعقولة أنني لا أسلم حياتي لمخالب المتظاهرين بحب الانتقام مني، وبالرغم من براءتي مما نسب الي اضطررت للذهاب إلى مصر صيانة لشرفي وكرامتي ليس إلا ) .

وقام الشيخ توفيق في القاهرة بالمناداة بالاحزاب العربية وإقامة حزب عربي ضد السياسات التركية وجرائمهم ضد البشرية .

كان عند توفيق المجالي استراتيجة بتجنب النزاع العسكري المسلح كما حصل في ثورة الكرك (الهيّة) ضد أرتال الاحتلال العثماني عبر التدرج بنزع سلطة الاحتلال، فكانت رؤيته  السياسية تقضي  بالانتقال إلى الاستقلالية عبر اللامركزية والتي تعني نقل السلطة من مركزها في دولة الاستعمار بالعاصمة الأستانة ( استنبول ) الى الدول الواقعة تحت الحكم العثماني في ذلك الوقت و تعتبر هذه الرؤية تدرج في رؤية سياسية ذكية في إضعاف قبضة الاحتلال على الدول.

وفي جريدة المقتبس الدمشقية في ايلول 1911 كتب توفيق بك المجالي مقالاً يتطرق فيه لما تعرضت له مدينة الكرك من تدمير وتخريب من قبل قوات الاحتلال العثماني بعد ثورة الكرك بعنوان (اصلاح الكرك) حيث تمثلت مطالب الشيح توفيق في المقال بــ ـ:

  1. افتتاح المدارس في كل من الطفيلة ومعان والكرك والسلط
  2. انشاء طرق بين الكرك – القطرانة والكرك – البحر الميت ، والطفيلة – جرف الدراويش و طريق السلط – الاغوار.
  3. إعادة اعمار البيوت التي هدمها الاستعمار في الكرك
  4. ايصال المياه من عين سارة الى قصبة الكرك
  5. استكمال بناء الجامع العمري في المدينة

كان الشيخ توفيق يرغب بتحويل بلاده و مدينته الكرك إلى جنّة تحفظ كرامة أهلها كما تم وعده من قبل السلطة العثمانية، لكن الواقع أن سمة الخبث بالاحتلال العثماني حولت هذه الجنة الى جحيم.

توفيق المَجالي يفتح النّار

وحيث كان النائب توفيق المجالي لاجئاً في القاهرة، رافضا تنفيذ أوامر توقيفه من الديوان العرفي في دمشق، الذي طلبه قبل أيام، بعد اسقاط حصانته النيابية، للتحقيق معه في التهم الموجهة له، فقد نشرت الصحف العربية في دمشق، نقلاً عن صحيفة (المؤيّد) المصرية، بتاريخ 13/ 3/ 1912، خِطابُ النائب البطل (توفيق المَجالي) إلى الصدر العثماني الأعظم سابقاً (حسين حلمي باشا) عشيّة آخر انتخابات عثمانيّة عام 1912 ، هذا الخطاب بالغ الأهمية، لما فيه من معلومات أولاً، ولشرحه بعض الملابسات الخاصة بثورة الأردنيين الوسطى  في الكرك على السلطات العثمانية، ومن وجهة نظر أحد أبنائها، ونائبها في مجلس المبعوثان.

ومما جاء في هذا الخطاب الناري المفتوح :

  • ( ….فالتهب الحريق في أطراف البلاد، وتهدّمت أركانها، وأهرقت دماء كثيرين.. (ما) جعلنا ندعو بالرحمة للفراعنة ونيرون والحجّاج وجنكيز وهولاكو)
  • (… وعدم اكتفائهم بقتل وتعذيب الذين وقعوا في أيديهم، فقاموا يذبحون الذين يسلّمون أنفسهم بأمان الله )
  • (  اذهبوا إلى الكرك المسكينة وانظروا حولها وما حولها.. هي مقبرة.. الكرك اليوم .. خرابة يأوي إليها الغراب والوحش.. تلك حالة نبكيها بالدماء )

العفو السلطاني العثماني

وبسبب خوف الدولة العثمانية جاء العفو السلطاني عام 1912 بمناسبة إعلان إيطاليا الحرب على (ليبيا) واحتلالها ومهاجمة ولاية طرابلس، فاضطرت الحكومة العثمانية لإصلاح الأوضاع الداخلية وبخاصة في مناطق البؤر المتوترة، والعمل على تهدئة الخواطر.

وقد شمل العفو السلطاني السجناء من أهل الكرك وحوران وجبل الدروز، ولكنه لم يشمل الشيخ توفيق المجالي وأبناء عشيرته ، حيث شمله العفو الثاني وكانت تهمته من قبل حكومة الاحتلال أنه يقوم بدعم ثورة الكرك من خلال تحريض النواب العرب واتهامه للجنرال سامي الفاروقي وبقية جنرالات الجيش العثماني بالقتل العشوائي.

وفاته

 بعد عودة  الشيخ توفيق المجالي إلى الكرك وقعت الحرب العالمية الاولى وتسلم رئاسة بلدية الكرك لثلاثة اعوام، وفي عهد الحكومة العربية الفيصلية عمل معاونا لمتصرف الكرك إلى أن توفي وقد أعقب ابنة واحدة ، ودفن في مقبرة النبي نوح وما يزال قبره موجودا حيث نقش عليه بيت من الشعر يقول :

 بكت عين المكارم والمعالي  على المفضال توفيق المجالي

المصادر:

  1. جريدة الدستور، ثقافة وفنون، منتدون: توفيق المجالي منارة كركية بارزة،  2012-09-29
  2. ثورة الكرك 1910 في سياقاتها العربية، د.بسام البطوش، زاد الاردن الاخباري.
  3. الشيخ هايل عزام المجالي، ص 17 من أوراقه الخاصة .
  4. دلال سلامة ، السجل، العدد 72، 2009
  5. منتديات أبناء الاردن، محمود سعد عبيدات، 12-03-2008
  6. موقع قبيلة المجالي، توفيق بك المجالي
  7. موقع وزارة الثقافة ، منتدون: توفيق المجالي منارة نضالية بارزة، نسرين الضمور .
  8. ثورة الكرك 1910 “الهيَّة” ، إرث الأردن
  9. أثر وإنسان، محمد رفيع ، صحيفة الرأي، 13- 10- 2017.

توفيق المجالي – نائبٌ في وجه احتلال

الفارس الشيخ محمد بن دحيلان

d7elanphoto 

محمد بن دحيلان أبو تايه الحويطات، ولد عام 1880 في جنوب الأردن لعشيرتين كريمتين، فوالده من عشائر أبو تايه ووالدته من عشائر المراعية من قبيلة الحويطات المنتشرة عشائرها على امتداد بادية الأنباط الأردنية التاريخية .

نشأ ابن دحيلان وسط رجالات هذه القبيلة المعروفين لدى القبائل الأخرى بالكرم والجود، والذين يعتبرون من الفرسان الأردنيين الذين يتمتعون بشجاعتهم المعهودة ، فتميزوا بقدرتهم على فرض ندية أردنية مقابل صلف جبروت الاحتلال التركي الذي حوّل نمط الحياة الحضرية التاريخية في الأردن الى البداوة بعد انتهاجه لسلسلة جرائم حرب تجاه المجتمع الأردني، حيث شملت العمليات التخريبية للاحتلال التركي كل مناحي الحياة عبر شنّه حرب اقتصادية وعسكرية على فرسان العشائر الأردنية دفعت الأردنيين أمام هذا الصلف الممنهج لتغيير نمط حياتهم الممتد حضاريا منذ أقدم العصور الى نمط التنقل وعدم الثبات في سياسة ذكية انتهجها أجدادنا للقدرة على مواجهة أخطر أربع قرون من الاحتلال المغلف بستار الدين.

شيخ الدولة

ولما كان الشيخ محمد بن دحيلان أبو تايه يتمتع بصفات الزعامة والقيادة التفّ حوله كثيرٌ من عشائر أبو تايه والفريجات عامة مما دفع الدولة العثمانية للسعي لاستمالته وتنصيبه الممثل لعشائر الحويطات لديها.

 ومن هنا جاءت تسميته بشيخ الدولة، وقاموا بمنحه العديد من الأوسمة والامتيازات إلا أن حسّه الوطني وروحه الأردنية الضاربة بعمق غلب تلك الإغراءات والإمتيازات.

وكان له دور مبكر في مقاومة الاحتلال التركي أثناء ثورة الكرك في عام 1910 حيث تشير الوثيقة العثمانية ملف رقم DH-SYS (5-2) 61 وثيقة رقم 7(99،409/2)   على دور عشائر الحويطات وتذكر اسم الراحل البطل محمد بن دحيلان وابناء عمومته بالاسم حيث تنص الوثيقة :  “كانت مشاركة عشائر الحويطات فيها بقيادة عقداء الخيل الفارس محمد بن دحيلان أبو تايه والفارس زعل بن مطلق والفارس عودة بن زعل  والفارس حمد بن عرار الجازي”، وكانت هذه المشاركة اضاءة على عمق الوعي التحرري من الاحتلال التركي لدى أبناء المجتمع الأردني وفرسان عشائره.

دوره في الثورة العربية الكبرى

وفي أول فرصة سانحة قام الراحل الشيخ محمد بن دحيلان بزيارة الشريف الحسين بن علي طيّب الله ثراه في مكة المكرمة، وكان ذلك في أواخر عام 1915 مبدياً استعداده ورجال قبيلته للإنضمام للثورة العربية فور إعلانها، وقد نفِّذت هذه الوعود جميعها، حيث كان على رأس مستقبلي الأمير فيصل بن الحسين في الوجه عند إندلاع الثورة.

كان ابن دحيلان العقل المدبر للعشيرة، وصاحب رؤية مستقبلية ثاقبة وذكاء منقطع النظير، وإذا تكلم أقنع من حوله ومن هنا جاءت تسميته بأبو البلاغة.

337
الشيخ محمد بن دحيلان ( يسار الصورة ) بجانبه الشيخ ناصر بن مسلم ( متكئا ) في خيمة بن دحيلان أثناء التحضير للعمليات العسكرية للثورة العربية الكبرى في الأردن

ما ذكر من صفاته 

ومما جاء عنه في كتاب أعمدة الحكمة السبعة لكاتبه توماس ادوارد لورنس الذي وصفه بما يلي:

( كان ثرياً وكريماً، كان يعرف ويعالج مسائل رجال العشائر بحنكة، وكانوا يحترمونه حيث أنه كان نزيهاً ومتواضعاً وحكيماً ).

14459883_10211184589750975_1632744596_n
الشيخ الفارس محمد بن دحيلان ممتطيا ذلوله في مضاربه في الطبيق عام 1914

ويسترسل كتاب اعمدة الحكمة السبعة بالوصف الشخصي والذهني للفارس الشيخ حيث يشير بأن  محمد بن دحيلان كان رفيقاً أنيساً حلو المعشر قوياً مفكراً لديه الكثير من روح الدعابة، قوي البنية، طويل القامة بوضوح، عمره آنذاك كان 38 سنة (عام 1917)، له أتباع موالون إليه أكثر من غيره، ولديه بيت في معان فيه قطيع من النعام، وآخر فيه قطيع من الغزلان بالقرب من الطفيلة، ومنزل آخر في ضور في منطقة الشراه، ومنزل في الجفر ، وكان عقلا مدبرا للمجالس العشائرية وموجها لسياستها، حيث أن الخطط العسكرية بحاجة لتأييده قبل تنفيذها.

14459128_10211184589830977_988926092_n-1
في هذا التصريح يكشف لورانس بنفسه حجم التناقض و الكذب في رواياته السابقة التي كان يدعي بها قيادته و تخطيطه لعدد من معارك الثورة ، إذ أنه يصرح بشكل جازم أنه ما كان بالإمكان التخطيط أو التنفيذ للمعارك دون مشورة الشيخ بن دحيلان و موافقته

ردّ الغدر التركي بنعله

ويصف أحد مواقف غدر الاحتلال التركي مدى فطنة أبو البلاغة الشيخ محمد بن دحيلان حيث كان فرسان العشائر الأردنية متحلقين حول النار في المساء أثناء السمر، في حين كان صانع القهوة يقوم بغليها وقبل أن يصبها للشرب، جاءت نحوهم صليه من الرصاص من صوب الكثبان الرملية الواقعة في الشرق، فانبطح أحد الرجال وزحف للأمام وهو يصرخ مذعوراً، فيما كان الوحيد الذي تحرك بفطنة هو الشيخ محمد بن دحيلان حيث دفع موجة كبيرة من التراب بقدمه فوق النار التي سرعان ما انطفأت بسرعة وأصبح الجميع في ظلام دامس بعد أن أطفأ النار فوراً حتى لا يكونوا هدفاً واضحاً لنيران العدو ، وبذات هذا الموقف  بعد أن بات الظلام ساتراً بين فرسان العشائر الأردنية وقوات الاحتلال التركي كانت الفرصة لتغيير الموقع باتجاه الكثبان والسواتر المحيطة وامتلك فرسان الثورة العربية الفرصة للوصول إلى البنادق، وتوقف العدو التركي المحتل وحلفائه الألمان والنمساويين عن الرماية تدريجياً، وفي صباح اليوم الثاني سار الفارس محمد بن دحيلان وفرسان العشائر الأردنية في معركة تحرير الأردن  تحت أشعة الشمس المشرقة بموازاة خط سكة القطار العسكري.

14445756_10211150706983927_1422589499_n

وكما ورد في نفس المصدر فإن محمد بن دحيلان أبو تايه ورجاله قاموا منفردين بتعطيل سكة الحديد الممتدة 80 ميلاً و محطاتها السبعة جنوب الأردن، والاستيلاء على الخط الممتد بين معان و المدورة و الذي كان بيد الجيش التركي وتحت سيطرة حامياته، و بذلك أنهى محمد بن دحيلان الخط الدفاعي التركي النشط و الموصل إلى المدينة المنورة .

ومما جاء عن محمد بن دحيلان في كتاب تاريخ الأردن في القرن العشرين للمؤرخين منيب الماضي و سليمان موسى :

( وقد فوجئ الأتراك بهذه الهجمة الصادقة فارتبكوا وحاولوا الفرار، ولكن الحلقة التي ضربها العرب حولهم لم تمكنهم من ذلك، وسرعان ما انتهت المعركة بمقتل ثلاثمائة وأسر مائة وستين من الأتراك. ولم يتمكن من النجاة إلا عدد قليل من الجنود فرّوا على ظهور البغال أو الخيول، ولاحق محمد بن دحيلان الفارين على رأس فصيله من جماعته وتبعهم حتى المريغة، ولم يخسر العرب في هذه المعركة سوى شهيدين أحدهما رويلي – من قبيلة الرولة – والآخر شراري- من قبيلة الشرارات -).

14470676_10211184589430967_375495712_n
قادة قوات الثورة في القويرة يتأملان رايتهما الجديدة ( راية الثورة ) سمو الأمير فيصل بن الحسين ( يسار حامل الراية ) والشيخ الفارس محمد بن دحيلان ( يمين حامل الراية ) رافعا بندقيته

أما الرّحالة جيرترود بيل 1914م فقد وصفت الفارس الشيخ محمد بن دحيلان في  (يوميات الجزيرة العربية – مغامرة خارجة عن القانون ) بقولها :

( محمد بن دحيلان أبو تايه شخص يتسم بضخامة جسمه الصلب كالحجارة، وأوضح ما فيه عيناه الثاقبتان يتحلى بالأدب الجم وبعد تقديمه واج الضيافة لنا، واهدائي بعض الهدايا وكانت إحدى الظباء الصغيرة الجميلة التي يحتفظ بعدد منها في خيمته الضخمة، تلك المخلوقات الصغيرة والجميلة والفاتنة، وجلد نعامة جميل ملون بالأبيض والأسود، تحول فجأة لاستجوابي فيما إذا قد حصلت على إذن من الحكومة للقيام برحلتي هذه أم لا، وما إذا كان البدو يحبون رؤية الأجانب في ديرتهم وكان محمد يمثل قبيلته لدى الحكومة العثمانية وعلى صلة وثيقة بقائم مقام معان، وكان هذا الشيخ يتحلى بدبلوماسية راقية ).

gift
صورة الظبي التي أهداها الشيخ محمد بن دحيلان للرّحالة جيرترود بيل 1914م

ونقتبس هنا بعضاً مما جاء في كتاب المؤلف براك داغش ( نسب وتاريخ الحويطات بالجزيرة العربية) فقد جاء فيه  :

( إن الشيخ محمد بن دحيلان أبو تايه هو نظير عوده أبو تايه بالنسبة لرئاسة عشائر الفريجات وما يتبعها من عشائر الحويطات بالأردن، وبالنسبة للشيخ محمد بن دحيلان أبو تايه هو الذي يقوم في مصالح عشائر الحويطات لدى الحكومة التركية وهذا لا ينكره التاريخ ولا الحويطات عامة على أن محمد بن دحيلان أبو تايه هو الشيخ تجاه الحكومة آنذاك، وهو أول رجل من البدو الرّحل عامة يقتني السيارة حيث يوجد حطامها الآن في وادي أبو طريفيات، ويقع هذا الوادي شرقاً من مركز باير والذي يبعد أربعين كيلومتراً. وعند قدوم الأشراف في وقت الثورة الأولى والتي فجرها الحسين بن علي طيب الله ثراه كان من أول مستقبلي الأشراف) .

بن دحيلان يمنع القصف الانجليزي لمعان

و في سرد شهامته و غيرته على أهله ووطنه لا يمكن غض الطرف عن موقف الراحل الصلب في وجه قوات الحلفاء بمنع  خطة الانجليز الرامية لقصف قطاعات الأتراك المتمركزة في مدينة معان بالطائرات حيث كان الأتراك يستخدمون المدنيين كدروع بشرية  و قام بإيقاف هذه العملية و هكذا تركت هذه المدينة الأردنية وأهلها آمنين .

329jpg
الشريف ناصر بن علي يتوسط أبناء العمومة الشيخ محمد بن دحيلان و الفارس عودة أبو تايه أثناء التخطيط لعمليات الثورة في الوجه شمال الحجاز

محبٌّ للعلم و التعليم

ومما روي عن محمد ابن دحيلان أبو تايه ممن عاصروا حقبة من حياته الشيخ علوش داغش أبو تايه وكريم حرب أبو تايه والشيخ ابراهيم الرواد (أول رئيس لبلدية لمعان) والشيخ محمد حسين الشراري والشيخ قاسم محمود كريشان والشيخ ساري محمد أبو تايه ( أنه كان يحبُّ العلم والتعليم مما دفعه إلى تعيين معلم خاص لأنجاله يسير معهم في حلّهم وترحالهم مقابل راتب شهري وقد اقتبس هذه الفكرة من قبل الجيش الأردني آنذاك ) وتم تعميمها فيما بعد على نطاق أوسع. ومن الجدير بالذكر أن إحدى كريمات الشيخ ابن دحيلان «المربية الفاضلة السيدة شاز» كانت من أوئل من حصل على شهادة جامعية من نشميات  الأردن وآخر منصب لها قبل التقاعد كان مديرة كلية المغفور لها الملكة زين الشرف.

1914-r7ala-gertrod-bil
الشيخ الفارس محمد بن دحيلان في خيمته بالطبيق مع احد رجالة عشيرته أثناء لقائه بالرحالة جيرترود بيل – 1914

دوره في المسيرة الوطنية للأردن الحديث

بعد نكوص الحلفاء المنتصرين و نقض عهودهم لجلالة ملك العرب الشريف الحسين بن علي طيب الله ثراه وقادة الثورة و احتلال فرنسا لسوريا، عمّت الفوضى و الإحباط المنطقة، و عليه فقد كان الشيخ محمد بن دحيلان أبو تايه من الزعماء الذين خاطبوا الشريف الحسين بن علي يلتمسون ايفاد أحد انجاله ليقود الحركة الوطنية الأردنية .

14429327_10211150710424013_1804552937_n
صك رسالة الشي محمد بن دحيلان و شيوخ معان للشريف الحسين بن علي للمطالبة بايفاد أحد انجاله ليقود الحركة الوطنية الأردنية 1339 – 1920

و بتاريخ 21 تشرين الثاني 1920 كان سرور الشيخ عظيماً عند استقباله سمو الأمير عبد الله بن الحسين ( جلالة الملك عبد الله الأول بن الحسين فيما بعد ) حال وصوله الى معان موفداً من جلالة والده تلبية لرغبة الأردنيين.

و في هذا السياق فقد أجمع كل من عرف محمد بن دحيلان أبو تايه و عمل معه على أن حسّه الوطني غلب كل شيء في حياته، و قد بادر فور وصول سمو الأمير الى معان بوضع نفسه مادياً و معنوياً تحت تصرف سموه داعماً بذلك بناء الأردن الحديث وعودة الأردن إلى مساره التاريخي الطبيعي بعد انقطاعه عن حركته الحضارية لأربعة قرون من الاحتلال في عصور من الظلام المغلف بتجارة الدين، وفي وقت عصيب متقلب دعم الراحل محمد بن دحيلان تلك الحركة التنظيمية التحريرية و بكل ما يملك من ثروة مادية و تأثير عشائري كبير .

و قد حظي الشيخ محمد بن دحيلان أبو تايه باستقبال جلالة الشريف الحسين بن علي طيب الله ثراه عند قدومه الى العقبة من ميناء جدة في زيارة للأردن بتاريخ 9 كانون الثاني عام 1924 و قد كان في ركب جلالته حتى مدينة معان .

ريف اليتامى 

أحب الصحراء وعشقها وأحب مدينة معان، فبالرغم من داراته المنتشرة في مناطق جنوب الأردن إلا أنه كان يمضي وقتاً أطول في مدينة معان، وإضافة لما كان يرعاه من أيتام وأرامل في البادية فقد خصّص جزءاً من منزله الواسع في معان كمسكن دائم لبعض الأرامل والأيتام وأبناء السبيل المقطوعين ومن عادات الشيخ الشهم محمد ابن دحيلان المستحبة الأخرى رحمه الله أنه كان يقدم كل يوم خميس حاضراً كان أم غائباً ولائم الطعام في ساحة منزله في معان للفقراء والأيتام ولمن انقطعت بهم السبل هناك، وقد سار على نهجه في هذا المجال وأبقى الأمر على ما هو عليه نجله المرحوم ” مضحي ” الذي استقر وتوفي ودفن في مدينة معان.

وقد كان أهل البادية يعتبرون هذا المنزل بيت ضيافة مفتوح لهم باستمرار وفي الواقع ظل كذلك إلى أن جاء فيضان معان المؤلم في أوائل الستينات حيث دمر هذا المنزل كما دمر الكثير من بيوت مدينة معان.

قيل في محمد بن دحيلان

و مما قاله بعض شعراء البادية في وصف الشيخ محمد دحيلان ابو تايه ، نقتطف قصيدة للشاعر السيد عدوان أبو تايه قال فيها  :

يا جاهل التاريخ نعطيك عنوان

نبذ عن اللي ماضيـــات أفعاله

الشيـــخ أخو طرفة[1] ابن دحيلان

ريف الضعافا في سنين المحاله[2]

محــمد اللي كامــل كل الأوزان

يشهد له التاريـــخ في كل حاله

بليهان شيــال المثاقـــل بليهــان[3]

لو زاد وزن الحِمـــل عليه شاله

يا ما تلونه [4]فوق طلقات الإيمـــان

عقيــــد هجنن باتـــلات[5] بحـــاله

يشهد له التاريخ من ماضي الازمان

يـــوم الفعـــايل بالمهند مجـــاله

حــر و عقـــب من مجانيــــه [6]شبعان

بالفـــعل و النومــاس مثله عياله

حــــرار من حـــــرار من قبل الان

عز الضعيف اللي تروت[7] أحواله

و صلاة ربـــــي عد هتــاف الأمزان[8]

و عــــداد ما هلـــّت حقوق خياله

على الشفيـــع الهاشمي نســـل عدنان

شفيع الامــة يوم ســـاعة الهواله

فرسان كرام من نسل فارس

رزق الفارس الشيخ محمد بن دحيلان من الأبناء الذكور ستة وهم سويلم وهو الابن الأكبر ومما جاء عن دوره وفروسيته في عدم الاكتفاء بتحرير وطنه الأردن الذي يعشق بل ساهم في معارك فلسطين (1948) و حسب ما ورد في كتاب تاريخ الأردن في القرن العشرين، ومجلة الأقصى العدد رقم 963 إن سويلم بن دحيلان كان على رأس إحدى فصائل أبناء العشائر (الفصيل من 30 – 50 مناضل) التي شاركت في النضال في حروب عام 1948 في فلسطين وبلغ عدد فرسان العشائر الأردنيين الذين أمكن حصرهم   1200 فارس معظمهم من عشيرتي الحويطات وبني صخر، ومن أبنائه أيضاً سالم، الهزيل ، و ملاّح الذي كان أحد أبطال وشهداء الجيش العربي في معركة القدس الشهيرة عام 1967.

14459707_10211183750209987_1983060368_n
الشهيد البطل ملّاح بن محمد بن دحيلان – أحد أبطال الجيش الأردني في معارك البطولة على بوابات القدس 1967

 وأما مضحي فقد ورد ذكره في سياق البحث أعلاه، أما أصغر أبنائه فهو نايف الذي كان من أوائل ضباط الجيش العربي وقد تلقى تدريبه العسكري في كل من بريطانيا و الباكستان و أمضى معظم خدمته العسكرية في فلسطين، وقد سار جميع أنجاله على دربه فقد كانوا كما تصفهم العشائر الأردنية (طعّامين زاد فكَاكين نشب)

وفاته

توفي محمد بن دحيلان رحمه الله عام 1939 في معان المدينة التي أحبها ودفن في مقبرتها الشرقية.

وقد ذكر الشاعر البدوي بعض هذه صفاته في رثائع بقوله :

محمد أخو طرفة بيِن بذكـــره

لكن ظلام الليــــل يتقى نهـــاره

يشهد له التاريخ في كل حالة

ريف الضعافا لا غليت اسعاره

المصادر والمراجع:

  • أعمدة الحكمة السبعة – توماس إدوارد لورنس .
  • يوميات الجزيرة العربية مغامرة خارجة عن القانون – جيرترود بيل
  • نسب وتاريخ الحويطات بالجزيرة العربية – براك داغش
  • تاريخ الأردن في القرن العشرين- منيب الماضي وسليمان الموسى
  • الحويطات من كبرى قبائل العرب – عدنان عطاري
  • مجلة الأقصى العسكرية العدد 963
  • مذكرات جيرترود بيل – مكتبة جامعة نيوكاسل.
  • الأرشيف العثماني .
  • مجموعة ممن عاصروا حقبة من حياة الشيخ محمد بن دحيلان .
  • ثورة الكرك 1910 “الهيَّة”/ إرث الأردن

معاني مفردات القصيدة

[1]  أخو طرفة هي نخوة محمد بن دحيلان

 [2] المحالة : القحط

[3] بليهان : جمل المحامل

[4] تلونه : تبعه

[5] باتلات : مصممات

[6] من مجانيه : من رافقه

[7] تروت : ضعفت

[8]  هتاف الأمزان : حبات المطر

الفارس الشيخ محمد بن دحيلان أبوتايه

Scroll to top