الشيخ مثقال الفايز – عقيد الصخور

methgal-1

 

اسمه و نسبه

هو الشيخ مثقال بن سطام بن فندي بن عباس بن سلامة بن ذياب بن عواد بن فايز ادبيس بن فضل بن رحمه بن غبين بن امجيد بن طويق.

ولادته و نشأته

ولد عام 1885، على وجه التقريب، عاش فترة صباه في كنف خاله (هجهوج بن حزام أبو الوكل – شيخ الكواكبة (فخذ من قبيلة الرولة)، حيث تزوج من ( الخنساء بنت مزهي أبو الوكل )، وحين بلغ العمر قرابة الثلاثين سنة عاد الى ديرة أهله (الفايز) من بني صخر ليصبح بعدئذ شيخ مشايخ بني صخر، ونظرا لنشأة الشيخ مثقال الفايز بكنف أخواله من الرولة فقد تعلم من حياة البادية الشيء الكثير الأمر الذي أكسبه صفات عديدة، فبالإضافة إلى بنيته الجسمانية الرشيقة تعلم أيضا فنون الفروسية والعادات البدوية الأصيلة حتى أنه كان يتكلم بلهجة الرولة لفترة طويلة من حياته.

بعد أن عاد مثقال لمضارب أهله، تزوج من أرملة اخيه شبلي السيدة (شاهه البخيت ) والتي ترملت بعد مقتل اخيه شبلي، ثم رزق بابنه (سلطان)، وبحلول 1917، توفي أخوه الشيخ فواز الفايز، وتولى الشيخة ابنه مشهور، لكن الأيام لم تطل لمشهور حيث توفي مبكرا فانتقلت الشيخة إلى مثقال (عواد صياح البخيت و عمر محمد العرموطي: ص 56  – 57).

سماته وصفاته الحميدة

كان مثقال يتمتع بذكاء كبير، و رؤية بارعة صاحب نخوة ومروءة، يدير شؤون العشيرة بحكمة وفطنة، وغض الطرف عن اساءات البعض اذ لا تغضبه صغائر الامور، وكان يملك مساحة كبيرة من الاراضي والتي تزودة بالغلال وهو المصدر الأساسي لمعاش الناس، وقد اعتمد على سياسة توزيع جزء من هذا الناتج على الفقراء والمحتاجين، وكذلك قام بمد شيوخ القبائل الأردنية الأخرى بالمؤن والحبوب عندما يكونون بحاجة لذلك كتعبير عن الشعور الجمعي بالمصير المتبادل و المشترك وخاصة في مواجهة ارتفاع الضرائب العثمانية و استمرار مصادرة محاصيل القبائل و مؤنها و رحيلها هربا من البطش العثماني خارج أراضيها الزراعية، وهذا ما جعل شيوخ العشائر و أهلها تشهد لمثقال بالكرم والطيبة.

7.indd
الشيخ مثقال الفايز متوسطا لضيوفه على مأدبة الطعام

ونظرا لأن العُرف الاجتماعي كان يقضي بأن العزوة الكثيرة والقوية من أهم أساسيّات القوة لأي شيخ عشيرة فقد قام بمصاهرة عدد من عشائر بني صخر والقبائل الأخرى، وكان له ذلك، فقد تزوج من عدد من النساء لتمتين الروابط الاجتماعية مع عدد من شيوخ العشائر الأردنية عبر المصاهرة بالنسب، وأنجب أربعة عشر من الأبناء الذكور وعددا آخر من الاناث، وكان من أبرزهم الشيخ سلطان وهو اكبرهم ، ودولة عاكف الفايز ، و الشيخ سامي الفايز و الشيخ طايل والشيخ طلال .

7.indd
دولة الشيخ عاكف مثقال الفايز

اهتم الشيخ مثقال الفايز بالأرض وارتبط بها ارتباط كبيرا، إذ ورث حبه وتعلقه بالأرض و الزراعة عن والده سطام، حيث ذكر أن سطام هو أول رجل من بني صخر اهتم بالزراعة في القرن التاسع عشر وعُني بها، وقد ترك مثقال عند وفاته عام 1967، ارثا كبيرا من الأراضي والقرى وكان ذلك نتيجة طبيعية لحرصه و اهتمامه بالأرض وعدم التفريط بها أو بيعها، وقد قدرت مساحتها عند وفاته بأكثر من مئة وعشرين الف دونم.

الألقاب و الكُنى التي اشتهر بها

  1. راعي البلها: والبلها هي اسم ناقة
  2. مثقال باشا: لقب بذلك من قبل الحكومة العثمانية، وكذلك نال هذا اللقب من سمو الأمير عبدالله بن الحسين بعد وصولة الى عمان 1921. (خير الدين الزركلي، ص 106).
  3. شيخ المشايخ: كونه قد اعتبر شيخا على مشايخ بني صخر قاطبة، وقد ورد ذكر (شيخ الشيخان )، عن مثقال في كتاب سيبروك (وهو مستشرق امريكي عاصر مثقال).
  4. أبوسلطان: نسبة الى ولدة البكر (سلطان).
  5. أخو ذهيبة: ذُكر أن الشيخ مثقال كانت له اخت اسمها (ذهيبة)، وهذه التسمية يطلقها الفرسان و الشيوخ على انفسهم اعتزازا بأسماء أخواتهم اللواتي ينتخون بهن في كل موقعة أو موقف.
7.indd
الشيخ مثقال الفايز متوسطا ضيوفه في تعليلة مسائية

دوره في الثورة العربية الكبرى

عانى بنو صخر وغيرهم من أهالي شرقي الأردن في العهد العثماني مرارة الحكم التركي وتسلطه وجوره وملاحقته لهم، بسبب رفضهم الذل والاستعباد، وامتناعهم عن دفع الضرائب الباهضة التي كانت مفروضة على أراضيهم ومواشيهم، وكانت بلادهم مقطعة الأوصال مشتتة الأحوال، وكان بنو صخر يومَ شبّت الثورة على مستوى لابأس به من اليقضة والوعي، بفعل احتكاكهم بغيرهم ممن يعيشون في الحواضر القريبة منهم، كما أن ثورة الكرك 1910، زادت من وعي الناس وتصميمهم على الخلاص من الحكم التركي.

وحين وصلت الى الشيخ مثقال الفايز وشيوخ بني صخر دعوات الانضمام للثورة العربية الكبرى هبوا هبّة رجل واحد، فكان شيوخ بني صخر يجمعون الفرسان ويحثونهم على المشاركة في الثورة و يزودوهم بالسلاح و يقودوهم بالعمليات العسكرية خلال الثورة، وقد تمكّن رجال من بني صخر  وبمساعدة قوات الثورة من قطع خط القطار العسكري العثماني الموصل بين عمّان ودرعا ودمشق لقطع الإمداد عن القوات التركية المتحصنة وحلفائها الألمانيين و النمساويين في معان، وكان لبني صخر شرف التصدي للقوات التركية وحلفائها المحتلة المنسحبة من معان في 22 أيلول 1918، كما اشترك عدد من فرسان بني صخر في حملة سيارة بقيادة الأمير فيصل بن الحسين فقامت بتطهير تل عرار من العثمانيين شمال الحدود الأردنية.

9.indd
وثيقة استسلام القوات التركية في منطقة زيزياء موقعة من القائد التركي علي بيك 1918

وانضم فرسان بني صخر إلى قوات الحلفاء المساندة لقوات الثورة التي نظمت لقطع خط رجعة القوة التركية المرابطة في شونة نمرين عام 1918، وعهد إليهم بحراسة طريق شونة نمرين وادي السير ليمنعوا الأتراك من سلوكها. وشاركو بعملية تحرير درعا في أيلول 1918، واستمروا يناصرون قوات الثورة حتى دخلت دمشق كما وقفوا إلى جانب اخوتهم العرب في معركة ميسلون.

مثقال باشا يسجن جنرالا بريطانيا

يورد خير الدين الزركلي في كتابة عامان في عمان قصة حادثة سجن بيك باشا[1]، فقد قال له يوما صديقه المرحوم كامل البديري[2] : ( إن وزارة أم العمد لأقوى والله من هذه الوزارة التي ألفها الفرنسيون في سوريا)، فقال له خير الدين الزركلي : ( وما وزارة ام العمد ؟ ) فقال البديري : ( تلك الوزارة ألفناها في قرية أم العمد من قرى بني صخر، وقد عاشت أيام )، يقصد إبان بدء عهد الانتداب البريطاني للأردن.

  تعجب خير الدين الزركلي من قصة الوزارة فاسترسل كامل البديري يحدثه عنها فقال: ( نشأ خلاف بين إحدى العشائر المجاورة و مثقال الفايز على أرض ادعت الأولى أن الثاني اغتصبها ورفعت العشيرة أمرها الى حكومة (الصلت)، فطلبت محكمتها مثقال للمحاكمة، فامتنع فرأى وكيل المعتمد البريطاني ومفتش درك شرق الأردن بيك باشا أن الفرصة سانحة لإذلال بني صخر في شخص شيخهم فألح بوجوب جلبه للمحاكمة، ثم زحف بيك بقوة إلى اليادودة القريبة من أم العمد ، ورأى ضعفا فيمن معه فاضطر أن يعدل عن فكرة الضرب بالقوة، وذهب منفردا إلى أم العمد ليعتقل الشيخ مثقال، فحجزه مثقال في مخزن التبن و لم يسئ معاملته ، وأعلنّا في أم العمد استقلالنا عن الانتداب البريطاني، وقد توسط الشريف علي بن الحسين الحارثي في الصُلح أثناء وجوده بالسلط قبل إعلان إمارة شرق الأردن، فأطلقه الشيخ مثقال إكراما للشريف (خير الدين الزركلي: ص 40). (منيب الماضي و سليمان الموسى، ص 140).

المسيرة الوطنية للشيخ مثقال الفايز

لمّا احس الأردنيون بالفراغ السياسي بعد هزيمة المحتل التركي و رحيله عن البلاد بعد أربع قرون من السلطة الهمجية الموغلة بالقمع و الحقد، سارع شيوخ مناطق السلط وعمان والكرك إلى عقد اجتماع في منتصف كانون اول 1919، لجمع التبرعات وإعداد المتطوعين للدفاع عن البلاد، وشكلت لجنة أطلق عليها اسم لجنة الدفاع الوطني وانتخب مثقال رئيسا لها. (مفلح الفايز : ص 122).

انخرط الشيخ مثقال الفايز بكل قوة في هموم أمته ولفحته حرارة الأحداث التي تجري في المنطقة في ذلك الزمن، لقد احس بعظم المسؤولية وخطورة الوضع الذي بدأ يتشكل على الأرض، سارع مثقال الفايز ومعه نفر من وجاء و شيوخ العشائر و المدن الأردنية إلى استقبال الأمير عبدالله وسافر إلى معان لاستقبال الأمير ووضع يده بيده وعاهده على الإخلاص والولاء للعرش الهاشمي.

و كبطل أردني شارك في معارك الثورة للوصول إلى حلم الحرية و الاستقلال من الصلف و الطغيان العثماني من أجل العرب جميعا، فقد كان الدفاع عن الأرض الأردنية و العربية أيضا ومد يد المساعدة للأشقاء العرب في فلسطين وسوريا حجر الأساس في سعيه ودعواه، فقد استقبل الشيخ مثقال الفايز وشيوخ بني صخر الشريف علي بن الحسين الحارثي بعد انتهاء عمليات الثورة لاستكمال المشروع النهضوي التحرري و بمعيتهم نحو ألف فارس وبعدها استقبل الأمير عبدالله المؤسس في عمان بعد قدومه اليها من معان عام 1921 لبناء الدولة الأردنية الحديثة. (عواد صياح البخيت و عمر محمد العرموطي: ص 168، 173، 175).

وعندما ابتدأ تشكيل الامارة وبدأت تسير في خطواتها الأولى نراه وقد انتخب عضوا في المجلس التشريعي الأول 1929 – 1931، (ساكب ابوكوش: ص85)،

3.indd
الأمير عبدالله بن الحسين و الشيخ مثقال الفايز يشاهدون مسيرة عرس الأمير طلال مع عدد من الوجهاء أمام قصر رغدان العامر 1935

 وقد عمل مدافعا عن حقوق المواطن وتنبيه الحكومة عن أوجه التقصير، كما انتخب نائبا عن بدو الشمال في المجلس التشريعي الثالث (1934 – 1937)، (ساكب ابوكوش: ص 150).

فروسيته في مواجهة الوهابيين

تعتبر غزوات الخوين سلسلة من الغزوات التي شنتها القوات الوهابية من نجد هدف بها الوهابيون لتوسيع امتدادهم الجغرافي وسيطرتهم على المنطقة عبر احتلال عمان عاصمة الإمارة الجديدة، ومن ثم تحطيم أية قوة تقاوم هذا اتجاههم هذا.

وشملت غزوات الإخوين غزوتين رئيسيتين الأولى عام 1922، والثانية عام 1924، واللتان جاءتا متتابعتين ومتزامنتين من حيث التوقيت، لم تكونا بالطبع بلا أهداف سياسية محددة، ولم يأت توقيت القيام بهما جزافا وليد الصدفة، وهذا يدل على أن وراءهما تخطيطا محكما ودقة متناهية في بلوغ اهدافها (التي فشلت)، بسبب صمود رجالات الأردن الابطال وفي مقدمتهم فرسان قبيلة بني صخر.

يروي خير الدين الزركلي انه في 15 آب عام 1922، نهض الناس على دوي الطبل الشديد، فتسابقوا اليه يسألون عما حدث، ولم يلبثوا أن سمعوا النذير يصيح بأن الوهابيين أغاروا على قرى بني صخر على حدود عمّان وأن القتال لا يزال ناشبا بينهم وبين بني صخر.

وما انتصف النهار حتى كانت الحكومة قد سيرت ما عندها من القوة العسكرية ومن انتخى من العشائر الأردنية القريبة، نجدة لبني صخر، ودام القتال من فجر الثلاثاء الى ضحى الاربعاء وقد تغلبت العشائر الأردنية على المغيرين من الوهابيين، وقد أبلى رجال بني صخر في تلك الواقعة بلاءاً عجيبا ولا سيما الشيخ مثقال باشا، وكان إلى جانبه الشيخ حديثة الخريشا وعدد كبير من شيوخ و فرسان بني صخر و عقداء الخيل فيها، وكان لبني صخر الدور الأكبر في صد العدوان الوهابي، وقد بلغت خسائر القوات الوهابية حوالي (300) قتيل وأسر منهم حوالي (30) مقاتلا، معظمهم من الجرحى.

وحينها أرسل الشاعر عبد المحسن الكاظمي منها قصيدة للأمير ( آنذاك عبد الله بن الحسين ) يمدح بها بني صخر والشيخ مثقال ومنها:
وليحيا أقوام مثقال فقد وزنوا    من الرجال بمثقال قناطيرا

فيما بدأت الغزوة الثانية صباح الخميس 14 آب 1924، و التي لم يشارك بها الشيخ حيث ذكر المؤرخ مفلح الفايز أنه في اليوم الثاني من المعركة كان سمو الأمير عبدالله ومثقال باشا الفايز قد وصلا الى البلاد بعد عودتهما من أداء فريضة الحج. (عواد صياح البخيت و عمر محمد العرموطي: ص 151 – 153). و (مفلح عطالله الفايز، ص 129 – 145).

رفضه للمعاهدة البريطانية الأردنية عام 1928.

رفض الأردنيون المعاهدة البريطانية الأردنية عام 1928، وطالبوا بإلغائها وجرت مظاهرات حاشدة للمطالبة بذلك، وفي عام 1931 طالب مثقال الفايز بإلغاء المعاهدة ودعم الثورة السورية عند لقائه شيخ عربان مصر حمد باشا الباسل، كما عقد الأردنيون المؤتمر الوطني الاردني الأول 1928، إذ لم تكتف العشائر الأردنية بالاحتجاجات بل تحرك زعماء وشيوخ ومفكرو الأردن بشكل منظم وذلك بعقد مؤتمرهم في مقهى حمدان بعمان بتاريخ 25 تموز 1928، وكان هذا أول مؤتمر وطني في تاريخ الاردن الحديث، تحت عنوان (المؤتمر الوطني الأول للشعب الاردني)، وحضر المؤتمر (150) مائه وخمسون مندوبا من الزعماء والشيوخ والمفكرين والأدباء الذين يمثلون مختلف العشائر و المناطق الاردنية. وقد أعلن المؤتمر رفضه للمعاهدة سنة 1928، وتم اصدار أول وثيقة وطنية أردنية باسم (الميثاق الوطني)، الذي عمل على انتخاب لجنة تنفيذية كان الشيخ مثقال من بين أعضائها إلى جانب عدد من أعيان الاردن وزعمائه لمتابعة قراراته. (ساكب ابوكوش: ص51).

كما كان له دورٌ كبير في انعقاد مؤتمر أم العمد (مؤتمر الشيوخ) في حزيران عام 1937، فقد عقد في قرية أم العمد مؤتمرا لشيوخ الأردن وزعمائها، وقدمت اللجنة التنفيذية لذلك المؤتمر مذكرة لوزارة الخارجية البريطانية ومذكرة أخرى لسمو الأمير، وفي هاتين المذكرتين ندد المؤتمرون بوسائل العنف التي تلجأ اليها حكومة الانتداب وبسياساتها الخاطئة، ووقع المذكرة عدد من الشيوخ منهم: حمد بن جازي، مثقال الفايز، كليب الشريدة، رفيفان المجالي، صالح العوران، حامد الشراري. (منيب الماضي و سليمان الموسى: ص 455).

وفاته

توفي الشيخ مثقال الفايز 1967، عن عمر يناهز الثانية والثمانين عاما، بعد حياة حافلة بجليل الأعمال، شكلت وفاته خسارة كبيرة للأردنيين، نظراً للدور الكبير الذي اضطلع به، وللمكانة التي حققها طوال سني عمره، وقد دفن في بلدة أم العمد، المكان الذي أحبه، وأمضى فيه معظم حياته، وبالرغم من مرور عقود على رحيله فما زال ذكره بين الناس حياً، وستبقى ذكراه ما بقي الخير بين الناس عامراً، فالرموز الوطنية كالأشجار تثبت واقفة ما دامت أرض الوطن تحتضن أجسادهم الطيبة.

 

المراجع

  1. عواد صياح البخيت و عمر محمد العرموطي، سيرة حياة الشيخ مثقال سطام الفايز (شيخ مشايخ بني صخر)، (عمان، المؤلفين، 2009).
  2. مفلح عطالله الفايز، عشاءر بني صخر – تاريخ ومواقف حتى سنة 1950، ط1، (عمان، المؤلف، 1995).
  3. خير الدين الزركلي، عامان في عمان – مذكرات عامين في عاصمة شرق الاردن 1921 – 1923، ط1، تحقيق ومراجعة عيسى الحسن، (عمان، الاهلية للنشر والتوزيع، 2009).
  4. منيب الماضي وسليمان الموسى، تاريخ الاردن في القرن العشرين 1900 – 1959، ط2، (عمان، مكتبة المحتسب، 1988).
  5. حازم مبيضين ، ( راعي البلها عقيد الصخور مثقال الفايز ) ، وكالة عمون الاخبارية ، 26-10-2009.

[1] بيك باشا: ضابط بريطاني يمثل الانتداب البريطاني على شرق الاردن (كقائد عسكري)، والذي بدأ بعد انسحاب الاتراك ، وقاموا بتنفيذ خطة لتطويع العشائر والقبائل البدوية، ومن ضمنها قبيلة بني صخر، وكان هذا القائد الانجليزي يعتقد بأنه صاحب الامر والنهي، ويستطيع ان يفعل مايشاء، وهو مدعوم بالقوة العسكرية فاعتقد بأنه يستطيع احضار هذا الزعيم الوطني بمجرد ان يبلغ الشيخ مثقال بهذه الاوامر من قائد انجليزي لايرد له طلب (كما يعتقد).

[2] شاب متعلم من أعيان القدس أصدر جريدة الصباح

الشيخ مثقال الفايز – عقيد الصخور

النائب الشيخ توفيق المجالي

الشيخ البطل توفيق المجالي

 

مقدمة

رائد وعميد البرلمانيين الاردنيين في مجلس المبعوثان العثماني، كان من رواد الممثلين لبلاده وهو من منارات الأردن الذين شاركوا بهمة واقتدار في المشروع النهضوي والتحرري من الاحتلال العثماني .

 بقيت شخصية الشيخ توفيق المجالي محفورة في الذاكرة الوطنية لأنه صاحب موقف مفصلي و تجربة عميقة بحيث لا يمكن تناولها إلاّ في سياقها الثقافي والاجتماعي والسياسي.

نشأته

هو توفيق بن عيسى بن يونس المجالي ولد عام 1880م ، كان معروفا بحنكته بكافة المقاييس، فقد ولد في بيت كركي يمتاز بالشجاعة والفروسية وتعلم القراءة والكتابة صغيرا قبل أن يكمل مشاوره التعليمي في مدرسة الكرك التي بنيت على نفقات عشائر المنطقة.

ثم انتقل الى مدرسة عنبر في دمشق وأكمل تعليمه مع المثقفين والسياسيين والمفكرين فكان قلم الحرية في الكتابة بالكلمة والموقف عن النهضة والكفاح ضد أفعال الاحتلال العثماني.

عاش الشيخ توفيق المجالي في منزل والده الشيخ عيسى المجالي وتعلم مبادئ الشجاعة والفروسية بالسيف والبندقية والكرم الذي أكسبه معرفة واسعة في شؤون حياة بيئته العشائرية وغيرها من الأمور في وقت مبكر من عمره .

يعتبر الشيخ توفيق أول عضو من منطقة الكرك في مجلس المبعوثان، حيث قدم حياته في سبيل وطنه من أجل النهضة والتحرر من الاستعمار العثماني، وكانت فطنته واحتكاكه بالمراكز السياسية والثقافية مؤهلا لأن يجعله في بؤرة الأحداث الاقليمية والعالمية في عاصمة الدولة العثمانية، استطاع الشيخ توفيق المجالي أن يخوض الأحداث الصعبة والحاسمة بذكائه العميق ووعيه النادر.

قلعة الكرك مطلع القرن العشرين

توفيق والبرلمان العثماني

مثل توفيق المجالي لواء الكرك في مجلس المبعوثان العثماني لدورتين، حيث فاز في انتخابات العام 1908، والعام 1914 حيث ضم اللواء كل من : السلط، ومعان، والطفيلة والكرك.

في 20 أيلول سنة 1908م أُعيد نشر قانون الانتخابات، وهو قانون الانتخابات الثاني الذي صدر أصلا في شهر حزيران 1877م، وأجريت بموجبه الانتخابات لسنة 1908م على اعتبار أن كل لواء يمثل دائرة انتخابية، على أن يكون نائب واحد لكل خمسين ألفاً من الذكور، وإذا كان عدد الذكور في اللواء أقل من العدد المذكور وأكثر من خمسة وعشرين ألفاً يكون لهم نائب واحد، ويكون نائبان لكل لواء يفوق عدد الذكور فيه خمسة وسبعين ألفاً، وثلاثة نواب إذا فاق العدد مئة وخمسة وعشرين ألفاً. وتجري الانتخابات علـى درجتين ينتخب في الأولى الذكور الذين أتموا الخامسـة والعشريـن من العمـر، والمنتخبين الثانويين الذين ينتخبون بدورهم نواب اللواء.

كانت تركيبة النواب من الطبقة المقتدرة، فقانون الترشيح اشترط مؤهلات مالية للمرشح، جعلت من يخوضون الانتخابات من علية القوم، كانت طريقة الترشيح تتم بواحدة من ثلاث طرق: أن يتقدم المرشح بطلب مباشر من الوالي، أو أن يرشحه 300 من الأهالي على الأقل، أو أن يقوم حزبه بترشيحه.

لم يتم ترشيح الشيخ توفيق المجالي الى مجلس المبعوثان عن طريق الانتخابات لأن من فاز بالانتخابات فعليا هو الشيخ قدر المجالي وذلك عندما اعلنت الانتخابات في الكرك عمن يمثل الاردن لدى مجلس المبعوثان العثماني بأكثر الاصوات، ولكن الشيخ قدر المجالي تنازل بها إلى توفيق المجالي باعتباره صاحب علم و ثقافة وخبرة سياسية ولأن الشيخ قدر أراد أولاً أن يتفرغ لشأن عشائر الكرك و ثانيا وقوف عشائر الكرك في وجه الشيخ قدر ومنعه من الذهاب الى تركيا خوفا من غدر السلطات العثمانية به نظير مواقفه الصلبة في وجه المحتل العثماني .

الشيخ الفارس قدر المجالي يتوسط فرسان و أبناء عشيرته ابان ثورة الهية-1910

وكان الاتفاق بين أهالي الكرك والشيخ قدر أن يمثل صوت أهالي الكرك بينما يقوم توفيق المجالي صوت الأردنيين الحر في معركتهم السياسية مع الاحتلال التركي، وأصبح الشيخ توفيق بك المجالي ممثل ولاية الكرك في مجلس المبعوثان العثماني، وكان الشيخ توفيق المجالي عند حسن ظن وثقة الأردنيين، فبنى علاقات متينة مع نواب الدول العربية الاخرى كأولى الخطوات التكتيكية لبناء حلف سياسي يضم نواب المنطقة تجاه منظومة السياسة التركية العثمانية.

دوره المحوري في حركة التحرر في المنطقة

يعتبر الشيخ توفيق المجالي من الشخصيات الاردنية التي اعتمدت على ذكائها الفطري وشخصيتها الوطنية الفذّة، حيث انتخب كنائب عن الأردن لدورتين الأولى في عام 1908م والثانية كما تؤكد بعض الوثائق عام 1914، فكان على عاتقه مسؤولية كبيرة ومرهقة لأنه النائب الوحيد عن الأردن في مجلس النواب العثماني التركي، استوعب الشيخ توفيق المجالي أن هنالك لعبة سياسية قذرة تقوم بها حكومة الاحتلال العثماني التي على اثرها بدأ التفكير بفكرة اللامركزية فقام بتوطيد علاقاته مع نواب الدول العربية الاخرى، ومن النواب الذين بنى معهم الشيخ توفيق المجالي علاقات سياسية وعلاقات جيدة مع سعد الدين (نائب حوران) و خالد البرازي(نائب حماه) و رضا الصلح (نائب بيروت) و شكري العسلي (نائب دمشق) .

كان الشيخ توفيق المجالي يتقن فنون الدهاء السياسي، وصاحب رؤى استراتيجية سياسية في مجلس النواب التركي اذ قام بنقل أفكار ومعاناة النواب العرب بطرق اتصالية تحفظ لهم حقوقهم وكرامتهم فكان البرلماني الناجح موضع الإعجاب والتقدير من قبل النواب العرب.

كما ساهم النائب الفذ توفيق بك المجالي بنقل التوجهات والأفكار السياسية الخبيثة للحكومة العثمانية إلى النواب العرب وإلى أبناء وطنه والتي تمثلت في :

  1. سياسة التتريك
  2. ابعاد العرب عن وزارتي الخارجية والداخلية
  3. إبعاد الضباط الأردنيين و العرب من مواقع خدمتهم العسكرية الإجبارية الداخلية وإرسالهم إلى مواقع البؤر المتوترة في البلقان واليمن ونجد وغيرها.
  4. التجارة بالدين كغلاف لجرائمها.
  5. تدمير المسيرة الحضارية للأردن وأهلها عبر سياسات التجهيل و القمع .
  6. الإهمال المقصود والممنهج المفضي لتدمير المجتمعات وسرقة اموال الناس باسم الضرائب .

مثل هذه التوجهات وغيرها من الأفكار و الحقائق التي ساهم الشيخ توفيق المجالي في ايصالها إلى النواب العرب وأبناء وطنه والتوعية بخطورتها والتهديد الذي تشكله على وجودهم ومسيرتهم الانسانية، جعلت دوره التنويري يعاد صياغته من قبل ابناء الأردن في معركتهم ضد الاحتلال العثماني من أمثال الشيخ قدر المجالي وعودة القسوس في الكرك ويوسف السكر الدبابنة في السلط وعبد المهدي من الطفيلة وخليل التلهوني من معان، فقد تأثر الشيوخ بالمفاهيم السياسية التي كان ينقلها لهم الشيخ توفيق المجالي عن الأحوال والظروف و السياسات التركية وما يخططون له من أعمال خطيرة.

وفي تاريخ 20/آذار/1911م  قدمت المرافعات من قبل النواب العرب في مجلس المبعوثان العثماني ومن بينهم توفيق المجالي على ما يحدث في الكرك من تدمير وتشريد وقتل لأهالي المنطقة على إثر ثورة الكرك التي شملت كل مناطق الأردن، وكان الشيخ توفيق الأكثر حماسا وانفعالاً في المرافعة التي قدمها في مجلس المبعوثان.

كما قدّم نائب بيروت رضا الصلح بيانا بيّن فيه أن فساد الإدارة العثمانية في الكرك هي سبب ما يحصل بها وأن ما يقومون به بالكرك من تجنيد اجباري وإحصاء للأنفس ما هي إلا اجراءات ظالمة وما يشملها من فرض ضريبة العشر والغرامات على أهل الكرك بحيث أصبحت وكأنها تفرض الغرامة على المقتول من قبل القاتل.

 وقدم نائب دمشق شكري العسلي مرافقعة طالب فيها الدولة العثمانية بوقف حمام الدماء ضد الأردنيين والتوقف عن ملاحقة شيوخ العشائر، ووضّح أن السبب الرئيسي فيما يحدث في الكرك هو غياب الحكمة والضمير من أصحاب القرارات والقيادة في السلطة العثمانية.

وهاجم نائب حماه خالد البرازي كلا من الوالي اسماعيل فاضل وسامي الفاروقي واتهمهم بأنهم رجال انتهازيون ولا يهمهم سوى المال ولا يحترمون موقعهم، وقال أن الجرائم التي يقوم بها جنود الدولة العثمانية في الأردن ستبقى وصمة عار في تاريخ الدولة العثمانية، كما أن أهل  الكرك لن ينسوا قذف شيوخهم من أعلى قمم القلعة الى الوادي وتحطم جماجمهم، ونوّه أن الهجوم على مدينة الكرك التي كانت دوما عاصمة حضارية في المنطقة هي جريمة بحق الحضارة و الانسانية.
وعلى هامش هذه الجلسة النيابية عقد النواب العرب جلسة خاصة مع وزير الداخلية ( جلال بك) وذكرت جريدة (المقتبس) في عددها الصادر رقم 694 تاريخ 22/آذار/1911م، أن وفد النواب العرب تشكل من : شكري العسلي، وشفيق مؤيد العظم، و توفيق المجالي، وطالبوا وزير الداخلية بتعيين حاكم إداري جديد في الكرك واستبدال الوالي بآخر يعرف العربية وبسحب القوات العسكرية من الأحياء السكنية في الكرك وبقية المدن في اللواء.
لم يستجب وزير الداخلية لمطالب النواب العرب، بل تأثر كثيراً بالمقالات الصحفية التي تناولت شخصية توفيق المجالي، وبخاصة جريدة (اقدام) التي طالبت بإلغاء الحصانة النيابية عنه ومحاكمته عرفياً.

وكان الشيخ توفيق المجالي  مبعوث الكرك في مجلس النواب العثماني كما ذكرت جريدة المقتبس بتاريخ 3/12/1912 قد قدّم وصفا لبشاعة الجريمة في مداخلته في مجلس المبعوثان جاء فيها بأنها كانت الأكثر عنفا حيث اتهم الحكومة التركية بالكفر والزندقة، وبأنها تسعى إلى قتل العرب و الأردنيين و أهالي منطقته وطمس هويتهم إنسجاما مع عقيدتهم الملوّثة بالدم، وقال الشيخ توفيق المجالي في مُداخلته : ( إن الأساليب التصفوية بحق أهلي وعشيرتي وبلدتي جريمة خطط لها كهنة لا يعرفون الله، صدورهم مليئة بأحقاد جنكيز خان وهولاكو لأنهم بطبعهم لا يعيشون إلا بالفتن والنعرات وتصفية الآخر) ، وبعد تلك الجلسة شدَّدت الحكومة التركية من اجراءاتها في مضايقة النوَّاب العرب وأصدر الديوان العرفي أمرا بإلقاء القبض على الشيخ توفيق المجالي وإرساله بحرا إلى بيروت لينقل منها إلى دمشق لمحاكمته بالإعدام.

ضابط من الجيش العثماني متسلحا أمام أحد بيوت الكرك في أعمال مراقبتها لأسر الفرسان حال عودتهم لمنازلهم إبان أحداث قمع الثورة

وكان الشاعر سالم أبو الكباير قد كتب قصيدة داعمة لموقف توفيق المجالي عضو مجلس
المبعوثان عندما حكم عليه بالإعدام سنة 1911 م، تاليا نصها :

أبدى بذكر الله على كل معبود          الواحد الموجود ماله شريكين
يشفق لقلباً من غثا البال ملهود          جوده ولطفه واكرم دوم راجين
سبحان من شرف حبيبه شرف زود    نورا ظهر به النبي واظهر الدين
سبحان من خلق نصارى ويهود        حبوسا يبلمها ابلام الفراعين
سبحان من حط بالناس حاسود          يكتب خطايا و لاكسب نية الزين
سبحان من عطا سليمان داود            واحد يسد بيدل عشره وثلاثين
سبحان من فرح الملك بوجود             الحمد لله شفتنا البيك بالعين
توفيق كما سيفاً مصقول بالزود         ابواب خشبها ما يخشاه رديين
حطوه بالمركب على الشام مردود     تسليم يد اللي على القطع ناوين
جلس مجالس شيبت كل مولود        بيهن ترى صلف الرجاجيل مسكين
حرا شهر للبيض ما ايداني السود      صفق بيده وارتفع للقوانين
شهر من بيروت لمصر معمود          رجع على اسطنبول قابل سلاطين
خش الابواب العالية بطرز وبنود      محل تكميل الشرف حافظ الدين
روح كما حصان البحر سنسل الجود    متساميا لون القمر والميازين
اظن قمرنا عقب الياس وجحود          الحمد لله بمجازي الملاعين

ملاحقة العثمانيين لتوفيق المجالي.

وبسبب السياسة التركية التي تميزت بالقمع والسرقة والقتل والمؤامرة لاحقَ الاحتلال العثماني الشيخ توفيق المجالي لتقديمه إلى المحاكمة، وخلال ذهابه الى بيروت عن طريق البحر ونفيه لإعدامه في دمشق، تمكن الشيخ توفيق المجالي من اللجوء إلى إحدى السفن الانجليزية التي ذهب من خلالها الى مصر – الاسكندرية وأعتبر أول لاجئ سياسي أردني في القاهرة حتى صدور العفو عام 1912.
يقول الشيخ توفيق عن رحلة اعتقاله هذه :

 ( فحاولوا أن يقفوا في طريق انتخابي، واتحد الاتحاديون في مطامعهم لإصدار الأمر من الديوان العرفي بالقبض علي وإرسالي تحت الحفظ إلى دمشق وعلى ذلك أرسلت مخفورا إلى بيروت، إن من الأمور الطبيعية والمعقولة أنني لا أسلم حياتي لمخالب المتظاهرين بحب الانتقام مني، وبالرغم من براءتي مما نسب الي اضطررت للذهاب إلى مصر صيانة لشرفي وكرامتي ليس إلا ) .

وقام الشيخ توفيق في القاهرة بالمناداة بالاحزاب العربية وإقامة حزب عربي ضد السياسات التركية وجرائمهم ضد البشرية .

كان عند توفيق المجالي استراتيجة بتجنب النزاع العسكري المسلح كما حصل في ثورة الكرك (الهيّة) ضد أرتال الاحتلال العثماني عبر التدرج بنزع سلطة الاحتلال، فكانت رؤيته  السياسية تقضي  بالانتقال إلى الاستقلالية عبر اللامركزية والتي تعني نقل السلطة من مركزها في دولة الاستعمار بالعاصمة الأستانة ( استنبول ) الى الدول الواقعة تحت الحكم العثماني في ذلك الوقت و تعتبر هذه الرؤية تدرج في رؤية سياسية ذكية في إضعاف قبضة الاحتلال على الدول.

وفي جريدة المقتبس الدمشقية في ايلول 1911 كتب توفيق بك المجالي مقالاً يتطرق فيه لما تعرضت له مدينة الكرك من تدمير وتخريب من قبل قوات الاحتلال العثماني بعد ثورة الكرك بعنوان (اصلاح الكرك) حيث تمثلت مطالب الشيح توفيق في المقال بــ ـ:

  1. افتتاح المدارس في كل من الطفيلة ومعان والكرك والسلط
  2. انشاء طرق بين الكرك – القطرانة والكرك – البحر الميت ، والطفيلة – جرف الدراويش و طريق السلط – الاغوار.
  3. إعادة اعمار البيوت التي هدمها الاستعمار في الكرك
  4. ايصال المياه من عين سارة الى قصبة الكرك
  5. استكمال بناء الجامع العمري في المدينة

كان الشيخ توفيق يرغب بتحويل بلاده و مدينته الكرك إلى جنّة تحفظ كرامة أهلها كما تم وعده من قبل السلطة العثمانية، لكن الواقع أن سمة الخبث بالاحتلال العثماني حولت هذه الجنة الى جحيم.

توفيق المَجالي يفتح النّار

وحيث كان النائب توفيق المجالي لاجئاً في القاهرة، رافضا تنفيذ أوامر توقيفه من الديوان العرفي في دمشق، الذي طلبه قبل أيام، بعد اسقاط حصانته النيابية، للتحقيق معه في التهم الموجهة له، فقد نشرت الصحف العربية في دمشق، نقلاً عن صحيفة (المؤيّد) المصرية، بتاريخ 13/ 3/ 1912، خِطابُ النائب البطل (توفيق المَجالي) إلى الصدر العثماني الأعظم سابقاً (حسين حلمي باشا) عشيّة آخر انتخابات عثمانيّة عام 1912 ، هذا الخطاب بالغ الأهمية، لما فيه من معلومات أولاً، ولشرحه بعض الملابسات الخاصة بثورة الأردنيين الوسطى  في الكرك على السلطات العثمانية، ومن وجهة نظر أحد أبنائها، ونائبها في مجلس المبعوثان.

ومما جاء في هذا الخطاب الناري المفتوح :

  • ( ….فالتهب الحريق في أطراف البلاد، وتهدّمت أركانها، وأهرقت دماء كثيرين.. (ما) جعلنا ندعو بالرحمة للفراعنة ونيرون والحجّاج وجنكيز وهولاكو)
  • (… وعدم اكتفائهم بقتل وتعذيب الذين وقعوا في أيديهم، فقاموا يذبحون الذين يسلّمون أنفسهم بأمان الله )
  • (  اذهبوا إلى الكرك المسكينة وانظروا حولها وما حولها.. هي مقبرة.. الكرك اليوم .. خرابة يأوي إليها الغراب والوحش.. تلك حالة نبكيها بالدماء )

العفو السلطاني العثماني

وبسبب خوف الدولة العثمانية جاء العفو السلطاني عام 1912 بمناسبة إعلان إيطاليا الحرب على (ليبيا) واحتلالها ومهاجمة ولاية طرابلس، فاضطرت الحكومة العثمانية لإصلاح الأوضاع الداخلية وبخاصة في مناطق البؤر المتوترة، والعمل على تهدئة الخواطر.

وقد شمل العفو السلطاني السجناء من أهل الكرك وحوران وجبل الدروز، ولكنه لم يشمل الشيخ توفيق المجالي وأبناء عشيرته ، حيث شمله العفو الثاني وكانت تهمته من قبل حكومة الاحتلال أنه يقوم بدعم ثورة الكرك من خلال تحريض النواب العرب واتهامه للجنرال سامي الفاروقي وبقية جنرالات الجيش العثماني بالقتل العشوائي.

وفاته

 بعد عودة  الشيخ توفيق المجالي إلى الكرك وقعت الحرب العالمية الاولى وتسلم رئاسة بلدية الكرك لثلاثة اعوام، وفي عهد الحكومة العربية الفيصلية عمل معاونا لمتصرف الكرك إلى أن توفي وقد أعقب ابنة واحدة ، ودفن في مقبرة النبي نوح وما يزال قبره موجودا حيث نقش عليه بيت من الشعر يقول :

 بكت عين المكارم والمعالي  على المفضال توفيق المجالي

المصادر:

  1. جريدة الدستور، ثقافة وفنون، منتدون: توفيق المجالي منارة كركية بارزة،  2012-09-29
  2. ثورة الكرك 1910 في سياقاتها العربية، د.بسام البطوش، زاد الاردن الاخباري.
  3. الشيخ هايل عزام المجالي، ص 17 من أوراقه الخاصة .
  4. دلال سلامة ، السجل، العدد 72، 2009
  5. منتديات أبناء الاردن، محمود سعد عبيدات، 12-03-2008
  6. موقع قبيلة المجالي، توفيق بك المجالي
  7. موقع وزارة الثقافة ، منتدون: توفيق المجالي منارة نضالية بارزة، نسرين الضمور .
  8. ثورة الكرك 1910 “الهيَّة” ، إرث الأردن
  9. أثر وإنسان، محمد رفيع ، صحيفة الرأي، 13- 10- 2017.

توفيق المجالي – نائبٌ في وجه احتلال

الفارس الشيخ محمد بن دحيلان

d7elanphoto 

محمد بن دحيلان أبو تايه الحويطات، ولد عام 1880 في جنوب الأردن لعشيرتين كريمتين، فوالده من عشائر أبو تايه ووالدته من عشائر المراعية من قبيلة الحويطات المنتشرة عشائرها على امتداد بادية الأنباط الأردنية التاريخية .

نشأ ابن دحيلان وسط رجالات هذه القبيلة المعروفين لدى القبائل الأخرى بالكرم والجود، والذين يعتبرون من الفرسان الأردنيين الذين يتمتعون بشجاعتهم المعهودة ، فتميزوا بقدرتهم على فرض ندية أردنية مقابل صلف جبروت الاحتلال التركي الذي حوّل نمط الحياة الحضرية التاريخية في الأردن الى البداوة بعد انتهاجه لسلسلة جرائم حرب تجاه المجتمع الأردني، حيث شملت العمليات التخريبية للاحتلال التركي كل مناحي الحياة عبر شنّه حرب اقتصادية وعسكرية على فرسان العشائر الأردنية دفعت الأردنيين أمام هذا الصلف الممنهج لتغيير نمط حياتهم الممتد حضاريا منذ أقدم العصور الى نمط التنقل وعدم الثبات في سياسة ذكية انتهجها أجدادنا للقدرة على مواجهة أخطر أربع قرون من الاحتلال المغلف بستار الدين.

شيخ الدولة

ولما كان الشيخ محمد بن دحيلان أبو تايه يتمتع بصفات الزعامة والقيادة التفّ حوله كثيرٌ من عشائر أبو تايه والفريجات عامة مما دفع الدولة العثمانية للسعي لاستمالته وتنصيبه الممثل لعشائر الحويطات لديها.

 ومن هنا جاءت تسميته بشيخ الدولة، وقاموا بمنحه العديد من الأوسمة والامتيازات إلا أن حسّه الوطني وروحه الأردنية الضاربة بعمق غلب تلك الإغراءات والإمتيازات.

وكان له دور مبكر في مقاومة الاحتلال التركي أثناء ثورة الكرك في عام 1910 حيث تشير الوثيقة العثمانية ملف رقم DH-SYS (5-2) 61 وثيقة رقم 7(99،409/2)   على دور عشائر الحويطات وتذكر اسم الراحل البطل محمد بن دحيلان وابناء عمومته بالاسم حيث تنص الوثيقة :  “كانت مشاركة عشائر الحويطات فيها بقيادة عقداء الخيل الفارس محمد بن دحيلان أبو تايه والفارس زعل بن مطلق والفارس عودة بن زعل  والفارس حمد بن عرار الجازي”، وكانت هذه المشاركة اضاءة على عمق الوعي التحرري من الاحتلال التركي لدى أبناء المجتمع الأردني وفرسان عشائره.

دوره في الثورة العربية الكبرى

وفي أول فرصة سانحة قام الراحل الشيخ محمد بن دحيلان بزيارة الشريف الحسين بن علي طيّب الله ثراه في مكة المكرمة، وكان ذلك في أواخر عام 1915 مبدياً استعداده ورجال قبيلته للإنضمام للثورة العربية فور إعلانها، وقد نفِّذت هذه الوعود جميعها، حيث كان على رأس مستقبلي الأمير فيصل بن الحسين في الوجه عند إندلاع الثورة.

كان ابن دحيلان العقل المدبر للعشيرة، وصاحب رؤية مستقبلية ثاقبة وذكاء منقطع النظير، وإذا تكلم أقنع من حوله ومن هنا جاءت تسميته بأبو البلاغة.

337
الشيخ محمد بن دحيلان ( يسار الصورة ) بجانبه الشيخ ناصر بن مسلم ( متكئا ) في خيمة بن دحيلان أثناء التحضير للعمليات العسكرية للثورة العربية الكبرى في الأردن

ما ذكر من صفاته 

ومما جاء عنه في كتاب أعمدة الحكمة السبعة لكاتبه توماس ادوارد لورنس الذي وصفه بما يلي:

( كان ثرياً وكريماً، كان يعرف ويعالج مسائل رجال العشائر بحنكة، وكانوا يحترمونه حيث أنه كان نزيهاً ومتواضعاً وحكيماً ).

14459883_10211184589750975_1632744596_n
الشيخ الفارس محمد بن دحيلان ممتطيا ذلوله في مضاربه في الطبيق عام 1914

ويسترسل كتاب اعمدة الحكمة السبعة بالوصف الشخصي والذهني للفارس الشيخ حيث يشير بأن  محمد بن دحيلان كان رفيقاً أنيساً حلو المعشر قوياً مفكراً لديه الكثير من روح الدعابة، قوي البنية، طويل القامة بوضوح، عمره آنذاك كان 38 سنة (عام 1917)، له أتباع موالون إليه أكثر من غيره، ولديه بيت في معان فيه قطيع من النعام، وآخر فيه قطيع من الغزلان بالقرب من الطفيلة، ومنزل آخر في ضور في منطقة الشراه، ومنزل في الجفر ، وكان عقلا مدبرا للمجالس العشائرية وموجها لسياستها، حيث أن الخطط العسكرية بحاجة لتأييده قبل تنفيذها.

14459128_10211184589830977_988926092_n-1
في هذا التصريح يكشف لورانس بنفسه حجم التناقض و الكذب في رواياته السابقة التي كان يدعي بها قيادته و تخطيطه لعدد من معارك الثورة ، إذ أنه يصرح بشكل جازم أنه ما كان بالإمكان التخطيط أو التنفيذ للمعارك دون مشورة الشيخ بن دحيلان و موافقته

ردّ الغدر التركي بنعله

ويصف أحد مواقف غدر الاحتلال التركي مدى فطنة أبو البلاغة الشيخ محمد بن دحيلان حيث كان فرسان العشائر الأردنية متحلقين حول النار في المساء أثناء السمر، في حين كان صانع القهوة يقوم بغليها وقبل أن يصبها للشرب، جاءت نحوهم صليه من الرصاص من صوب الكثبان الرملية الواقعة في الشرق، فانبطح أحد الرجال وزحف للأمام وهو يصرخ مذعوراً، فيما كان الوحيد الذي تحرك بفطنة هو الشيخ محمد بن دحيلان حيث دفع موجة كبيرة من التراب بقدمه فوق النار التي سرعان ما انطفأت بسرعة وأصبح الجميع في ظلام دامس بعد أن أطفأ النار فوراً حتى لا يكونوا هدفاً واضحاً لنيران العدو ، وبذات هذا الموقف  بعد أن بات الظلام ساتراً بين فرسان العشائر الأردنية وقوات الاحتلال التركي كانت الفرصة لتغيير الموقع باتجاه الكثبان والسواتر المحيطة وامتلك فرسان الثورة العربية الفرصة للوصول إلى البنادق، وتوقف العدو التركي المحتل وحلفائه الألمان والنمساويين عن الرماية تدريجياً، وفي صباح اليوم الثاني سار الفارس محمد بن دحيلان وفرسان العشائر الأردنية في معركة تحرير الأردن  تحت أشعة الشمس المشرقة بموازاة خط سكة القطار العسكري.

14445756_10211150706983927_1422589499_n

وكما ورد في نفس المصدر فإن محمد بن دحيلان أبو تايه ورجاله قاموا منفردين بتعطيل سكة الحديد الممتدة 80 ميلاً و محطاتها السبعة جنوب الأردن، والاستيلاء على الخط الممتد بين معان و المدورة و الذي كان بيد الجيش التركي وتحت سيطرة حامياته، و بذلك أنهى محمد بن دحيلان الخط الدفاعي التركي النشط و الموصل إلى المدينة المنورة .

ومما جاء عن محمد بن دحيلان في كتاب تاريخ الأردن في القرن العشرين للمؤرخين منيب الماضي و سليمان موسى :

( وقد فوجئ الأتراك بهذه الهجمة الصادقة فارتبكوا وحاولوا الفرار، ولكن الحلقة التي ضربها العرب حولهم لم تمكنهم من ذلك، وسرعان ما انتهت المعركة بمقتل ثلاثمائة وأسر مائة وستين من الأتراك. ولم يتمكن من النجاة إلا عدد قليل من الجنود فرّوا على ظهور البغال أو الخيول، ولاحق محمد بن دحيلان الفارين على رأس فصيله من جماعته وتبعهم حتى المريغة، ولم يخسر العرب في هذه المعركة سوى شهيدين أحدهما رويلي – من قبيلة الرولة – والآخر شراري- من قبيلة الشرارات -).

14470676_10211184589430967_375495712_n
قادة قوات الثورة في القويرة يتأملان رايتهما الجديدة ( راية الثورة ) سمو الأمير فيصل بن الحسين ( يسار حامل الراية ) والشيخ الفارس محمد بن دحيلان ( يمين حامل الراية ) رافعا بندقيته

أما الرّحالة جيرترود بيل 1914م فقد وصفت الفارس الشيخ محمد بن دحيلان في  (يوميات الجزيرة العربية – مغامرة خارجة عن القانون ) بقولها :

( محمد بن دحيلان أبو تايه شخص يتسم بضخامة جسمه الصلب كالحجارة، وأوضح ما فيه عيناه الثاقبتان يتحلى بالأدب الجم وبعد تقديمه واج الضيافة لنا، واهدائي بعض الهدايا وكانت إحدى الظباء الصغيرة الجميلة التي يحتفظ بعدد منها في خيمته الضخمة، تلك المخلوقات الصغيرة والجميلة والفاتنة، وجلد نعامة جميل ملون بالأبيض والأسود، تحول فجأة لاستجوابي فيما إذا قد حصلت على إذن من الحكومة للقيام برحلتي هذه أم لا، وما إذا كان البدو يحبون رؤية الأجانب في ديرتهم وكان محمد يمثل قبيلته لدى الحكومة العثمانية وعلى صلة وثيقة بقائم مقام معان، وكان هذا الشيخ يتحلى بدبلوماسية راقية ).

gift
صورة الظبي التي أهداها الشيخ محمد بن دحيلان للرّحالة جيرترود بيل 1914م

ونقتبس هنا بعضاً مما جاء في كتاب المؤلف براك داغش ( نسب وتاريخ الحويطات بالجزيرة العربية) فقد جاء فيه  :

( إن الشيخ محمد بن دحيلان أبو تايه هو نظير عوده أبو تايه بالنسبة لرئاسة عشائر الفريجات وما يتبعها من عشائر الحويطات بالأردن، وبالنسبة للشيخ محمد بن دحيلان أبو تايه هو الذي يقوم في مصالح عشائر الحويطات لدى الحكومة التركية وهذا لا ينكره التاريخ ولا الحويطات عامة على أن محمد بن دحيلان أبو تايه هو الشيخ تجاه الحكومة آنذاك، وهو أول رجل من البدو الرّحل عامة يقتني السيارة حيث يوجد حطامها الآن في وادي أبو طريفيات، ويقع هذا الوادي شرقاً من مركز باير والذي يبعد أربعين كيلومتراً. وعند قدوم الأشراف في وقت الثورة الأولى والتي فجرها الحسين بن علي طيب الله ثراه كان من أول مستقبلي الأشراف) .

بن دحيلان يمنع القصف الانجليزي لمعان

و في سرد شهامته و غيرته على أهله ووطنه لا يمكن غض الطرف عن موقف الراحل الصلب في وجه قوات الحلفاء بمنع  خطة الانجليز الرامية لقصف قطاعات الأتراك المتمركزة في مدينة معان بالطائرات حيث كان الأتراك يستخدمون المدنيين كدروع بشرية  و قام بإيقاف هذه العملية و هكذا تركت هذه المدينة الأردنية وأهلها آمنين .

329jpg
الشريف ناصر بن علي يتوسط أبناء العمومة الشيخ محمد بن دحيلان و الفارس عودة أبو تايه أثناء التخطيط لعمليات الثورة في الوجه شمال الحجاز

محبٌّ للعلم و التعليم

ومما روي عن محمد ابن دحيلان أبو تايه ممن عاصروا حقبة من حياته الشيخ علوش داغش أبو تايه وكريم حرب أبو تايه والشيخ ابراهيم الرواد (أول رئيس لبلدية لمعان) والشيخ محمد حسين الشراري والشيخ قاسم محمود كريشان والشيخ ساري محمد أبو تايه ( أنه كان يحبُّ العلم والتعليم مما دفعه إلى تعيين معلم خاص لأنجاله يسير معهم في حلّهم وترحالهم مقابل راتب شهري وقد اقتبس هذه الفكرة من قبل الجيش الأردني آنذاك ) وتم تعميمها فيما بعد على نطاق أوسع. ومن الجدير بالذكر أن إحدى كريمات الشيخ ابن دحيلان «المربية الفاضلة السيدة شاز» كانت من أوئل من حصل على شهادة جامعية من نشميات  الأردن وآخر منصب لها قبل التقاعد كان مديرة كلية المغفور لها الملكة زين الشرف.

1914-r7ala-gertrod-bil
الشيخ الفارس محمد بن دحيلان في خيمته بالطبيق مع احد رجالة عشيرته أثناء لقائه بالرحالة جيرترود بيل – 1914

دوره في المسيرة الوطنية للأردن الحديث

بعد نكوص الحلفاء المنتصرين و نقض عهودهم لجلالة ملك العرب الشريف الحسين بن علي طيب الله ثراه وقادة الثورة و احتلال فرنسا لسوريا، عمّت الفوضى و الإحباط المنطقة، و عليه فقد كان الشيخ محمد بن دحيلان أبو تايه من الزعماء الذين خاطبوا الشريف الحسين بن علي يلتمسون ايفاد أحد انجاله ليقود الحركة الوطنية الأردنية .

14429327_10211150710424013_1804552937_n
صك رسالة الشي محمد بن دحيلان و شيوخ معان للشريف الحسين بن علي للمطالبة بايفاد أحد انجاله ليقود الحركة الوطنية الأردنية 1339 – 1920

و بتاريخ 21 تشرين الثاني 1920 كان سرور الشيخ عظيماً عند استقباله سمو الأمير عبد الله بن الحسين ( جلالة الملك عبد الله الأول بن الحسين فيما بعد ) حال وصوله الى معان موفداً من جلالة والده تلبية لرغبة الأردنيين.

و في هذا السياق فقد أجمع كل من عرف محمد بن دحيلان أبو تايه و عمل معه على أن حسّه الوطني غلب كل شيء في حياته، و قد بادر فور وصول سمو الأمير الى معان بوضع نفسه مادياً و معنوياً تحت تصرف سموه داعماً بذلك بناء الأردن الحديث وعودة الأردن إلى مساره التاريخي الطبيعي بعد انقطاعه عن حركته الحضارية لأربعة قرون من الاحتلال في عصور من الظلام المغلف بتجارة الدين، وفي وقت عصيب متقلب دعم الراحل محمد بن دحيلان تلك الحركة التنظيمية التحريرية و بكل ما يملك من ثروة مادية و تأثير عشائري كبير .

و قد حظي الشيخ محمد بن دحيلان أبو تايه باستقبال جلالة الشريف الحسين بن علي طيب الله ثراه عند قدومه الى العقبة من ميناء جدة في زيارة للأردن بتاريخ 9 كانون الثاني عام 1924 و قد كان في ركب جلالته حتى مدينة معان .

ريف اليتامى 

أحب الصحراء وعشقها وأحب مدينة معان، فبالرغم من داراته المنتشرة في مناطق جنوب الأردن إلا أنه كان يمضي وقتاً أطول في مدينة معان، وإضافة لما كان يرعاه من أيتام وأرامل في البادية فقد خصّص جزءاً من منزله الواسع في معان كمسكن دائم لبعض الأرامل والأيتام وأبناء السبيل المقطوعين ومن عادات الشيخ الشهم محمد ابن دحيلان المستحبة الأخرى رحمه الله أنه كان يقدم كل يوم خميس حاضراً كان أم غائباً ولائم الطعام في ساحة منزله في معان للفقراء والأيتام ولمن انقطعت بهم السبل هناك، وقد سار على نهجه في هذا المجال وأبقى الأمر على ما هو عليه نجله المرحوم ” مضحي ” الذي استقر وتوفي ودفن في مدينة معان.

وقد كان أهل البادية يعتبرون هذا المنزل بيت ضيافة مفتوح لهم باستمرار وفي الواقع ظل كذلك إلى أن جاء فيضان معان المؤلم في أوائل الستينات حيث دمر هذا المنزل كما دمر الكثير من بيوت مدينة معان.

قيل في محمد بن دحيلان

و مما قاله بعض شعراء البادية في وصف الشيخ محمد دحيلان ابو تايه ، نقتطف قصيدة للشاعر السيد عدوان أبو تايه قال فيها  :

يا جاهل التاريخ نعطيك عنوان

نبذ عن اللي ماضيـــات أفعاله

الشيـــخ أخو طرفة[1] ابن دحيلان

ريف الضعافا في سنين المحاله[2]

محــمد اللي كامــل كل الأوزان

يشهد له التاريـــخ في كل حاله

بليهان شيــال المثاقـــل بليهــان[3]

لو زاد وزن الحِمـــل عليه شاله

يا ما تلونه [4]فوق طلقات الإيمـــان

عقيــــد هجنن باتـــلات[5] بحـــاله

يشهد له التاريخ من ماضي الازمان

يـــوم الفعـــايل بالمهند مجـــاله

حــر و عقـــب من مجانيــــه [6]شبعان

بالفـــعل و النومــاس مثله عياله

حــــرار من حـــــرار من قبل الان

عز الضعيف اللي تروت[7] أحواله

و صلاة ربـــــي عد هتــاف الأمزان[8]

و عــــداد ما هلـــّت حقوق خياله

على الشفيـــع الهاشمي نســـل عدنان

شفيع الامــة يوم ســـاعة الهواله

فرسان كرام من نسل فارس

رزق الفارس الشيخ محمد بن دحيلان من الأبناء الذكور ستة وهم سويلم وهو الابن الأكبر ومما جاء عن دوره وفروسيته في عدم الاكتفاء بتحرير وطنه الأردن الذي يعشق بل ساهم في معارك فلسطين (1948) و حسب ما ورد في كتاب تاريخ الأردن في القرن العشرين، ومجلة الأقصى العدد رقم 963 إن سويلم بن دحيلان كان على رأس إحدى فصائل أبناء العشائر (الفصيل من 30 – 50 مناضل) التي شاركت في النضال في حروب عام 1948 في فلسطين وبلغ عدد فرسان العشائر الأردنيين الذين أمكن حصرهم   1200 فارس معظمهم من عشيرتي الحويطات وبني صخر، ومن أبنائه أيضاً سالم، الهزيل ، و ملاّح الذي كان أحد أبطال وشهداء الجيش العربي في معركة القدس الشهيرة عام 1967.

14459707_10211183750209987_1983060368_n
الشهيد البطل ملّاح بن محمد بن دحيلان – أحد أبطال الجيش الأردني في معارك البطولة على بوابات القدس 1967

 وأما مضحي فقد ورد ذكره في سياق البحث أعلاه، أما أصغر أبنائه فهو نايف الذي كان من أوائل ضباط الجيش العربي وقد تلقى تدريبه العسكري في كل من بريطانيا و الباكستان و أمضى معظم خدمته العسكرية في فلسطين، وقد سار جميع أنجاله على دربه فقد كانوا كما تصفهم العشائر الأردنية (طعّامين زاد فكَاكين نشب)

وفاته

توفي محمد بن دحيلان رحمه الله عام 1939 في معان المدينة التي أحبها ودفن في مقبرتها الشرقية.

وقد ذكر الشاعر البدوي بعض هذه صفاته في رثائع بقوله :

محمد أخو طرفة بيِن بذكـــره

لكن ظلام الليــــل يتقى نهـــاره

يشهد له التاريخ في كل حالة

ريف الضعافا لا غليت اسعاره

المصادر والمراجع:

  • أعمدة الحكمة السبعة – توماس إدوارد لورنس .
  • يوميات الجزيرة العربية مغامرة خارجة عن القانون – جيرترود بيل
  • نسب وتاريخ الحويطات بالجزيرة العربية – براك داغش
  • تاريخ الأردن في القرن العشرين- منيب الماضي وسليمان الموسى
  • الحويطات من كبرى قبائل العرب – عدنان عطاري
  • مجلة الأقصى العسكرية العدد 963
  • مذكرات جيرترود بيل – مكتبة جامعة نيوكاسل.
  • الأرشيف العثماني .
  • مجموعة ممن عاصروا حقبة من حياة الشيخ محمد بن دحيلان .
  • ثورة الكرك 1910 “الهيَّة”/ إرث الأردن

معاني مفردات القصيدة

[1]  أخو طرفة هي نخوة محمد بن دحيلان

 [2] المحالة : القحط

[3] بليهان : جمل المحامل

[4] تلونه : تبعه

[5] باتلات : مصممات

[6] من مجانيه : من رافقه

[7] تروت : ضعفت

[8]  هتاف الأمزان : حبات المطر

الفارس الشيخ محمد بن دحيلان أبوتايه

دور النشميات الأردنيات في الثورة

 نشميات الطفيلة

لم تغب شمس النشمية الأردنية عن تاريخ البطولة وكانت دوما المرأة الأردنية ركناً لا هامش في تاريخ التضحيات في سبيل استقلال الأردن وأساساً في التنمية في وقت الرخاء ومنذ القدم  نرى صورتها جنباً الى جنب مع شريكها الأردني كما بعملة الملك الحارث الرابع وزوجته شقيلات.

وفي العصر الحديث ضربت جداتنا أروع صور البطولة في مواجهة أربع مائة عام من الاحتلال التركي والتجهيل والفقر والسرقة تحت ستار الخلافة والتجارة بالدين  وسارت النشميات جنباً الى جنب مع فرسان العشائر الأردنية  حتى تحقق الحلم الأردني بالاستقلال وعودة الأردن الى مساره الطبيعي في  الاسهام والتفاعل الحضاري.

ونحاول في هذا البحث المقتضب سرد المواقف التاريخية البطولية لنشميات الطفيلة في رحلة تحرير الأردن من الاحتلال التركي العثماني:

تعتبر معارك الطفيلة أثناء تحريرها من الاحتلال التركي العثماني وحلفائه الألمان والنمساويين مفصلاً مهما في استقلال الأردن أثناء الثورة العربية الكبرى، وكان دور المرأة الأردنية في معارك الطفيلة التي عرفت بحد الدقيق أسطورياً فلم يكتفين بتقديم العون المعنوي والتعبئة النفسية بل تعدين ذلك الى تقديم كوكبة من الجريحات والشهيدات على درب الاستقلال الأردني من أعتى سنين الظلام والجهل والتهميش في حقبة الاحتلال باسم الدين. فكان طرد قطعان الأتراك والنمساويين والألمان المتحالفين في حينها لن يتم بلا الدماء الطاهرة والزكية التي بذلتها حرائر الطفيلة.

للاطلاع على البحث الكامل لمعارك الطفيلة اضغط هنا 

يقول الضابط صبحي العمري في أوراقه عن المعركة : “ودب الصوت بين أهل البلدة، و ( دب الصوت ) يعني أنهم صرخوا بأعلى أصواتهم يحثون الرجال للذهاب للقتال، ويكرره كل من يسمعه من رجال ونساء، وينتقل من جماعة لأخرى، ويسيرون نحو المكان المقصود جماعة، بل كل واحد ممن يسمع الصوت يتناول سلاحه، و يأخذ أولا شيئا مما تعطيه له أمه أو زوجته من الزاد ويتوجه فورا،  واذا كان المكان غير بعيد فإن النساء يتعقبن الرجال بالماء“.

وتتطرق مذكرات قادة وأبطال معارك الطفيلة لفعل النساء أيضاً في المعركة: “وكنا نشاهد امرأة هنا تعبر الطريق ذاهبة وأخرى قادمة في مهمة، وكل واحدة تشد مدرقتها بحزام، تعين جريحا أو تنقل جثّة قريب لها، إن دور النساء أملته الضرورة والأهمية لوجودهن، فكل رجال البلد في حومة الحدث، وكل من رأيت يشدّ وسطه وصدره بالرصاص”.

قوات الثورة العربية الكبرى على إحدى مرتفعات الطفيلة أثناء عمليات تطهيرها من الاحتلال التركي و تظهر الدخان المتصاعد من البيوت جراء قصف المدفعية الألماني و النمساوي
قوات الثورة العربية الكبرى على إحدى مرتفعات الطفيلة أثناء عمليات تطهيرها من الاحتلال التركي و تظهر الدخان المتصاعد من البيوت جراء قصف المدفعية الألماني و النمساوي

ويشير البطل صبحي العمري لمثل ذلك في أوراقه وهو مع الأمير زيد بن الحسين وجعفر العسكري ومن معهم، وهم يتوجهون للوصول إلى الإقامة في مخيمهم في خربة نوخه  ” وأثناء الطريق مرت بنا امرأة تسوق حمارا يحمل جثتين ملفوفتين بعباءتين، تسوق الحمار وهي تئن بصوت مختنق، ولما سألت النساء الأخريات قلن : – إنهما جثتا زوجها وأخيها قتلتهما قنبلة مدفع تركي “. وإذا استشهد مقاتلون في المعركة أو جرحوا فإن النساء المتواجدات في المعارك قد أصابهن ذلك أيضا كما سننوه له في قوائم الشهداء والجرحى.
وكما فعلت النشميات الكركيات في ثورة الكرك ( الهية ) كانت النشميات الطفيليات أثناء عمليات القتال توجهن الفرسان لميادين الالتحام في حدّ الدقيق ويقدِمن على وضع رماد النار في علائق خيول فرسان الطفيلة بدلاً من مادة الشعير لإشعال صدور الخيول بالحرارة والهيجان.

و يمكن تلخيص دور نشميات الطفيلة في معارك تحرير الطفيلة كما باقي نشميات الثورة بمجموعة هامة من الأدوار الرئيسية في الثورة نذكر منها :

  1. تزويد المقاتلين بالمال و الصيغ و الحلي لشراء السلاح  قبل بدء المعارك التحرير
  2. تزويد المقاتلين بالمؤن  في معارك التحرير.
  3. رفع الروح المعنوية لفرسان الثورة من عشائر الطفيلة و دفعهم للقتال .
  4. المشاركة الفعلية في العمليات العسكرية في ميدان معركة حد الدقيق .
  5. القيام بعمليات الاسعاف و الطبابة للجرحى من المقاتلين.
  6. ارسال الرسائل بين فرسان الثورة و شيوخ عشائر الطفيلة و القيام بعمليات التمويه.
140
قطعان الأسرى الاتراك يقودها ضباط جيش الثورة و فرسان العشائر الأردنية بعد معركة حد الدقيق و تطهير الطفيلة من الاحتلال التركي

ونورد فيما يلي أسماء الجريحات من جداتنا في الطفيلة واللاتي ارتقى منهن شهيدات متأثرات بجراحهن :

أسماء الجريحات ومن ارتقى منهن فيما بعد شهيدات متأثرات بجراحهن في معركة حد الدقيق لاستقلال الأردن
1.     ثريا خميس الدلابيح
2.     حسنة عبدالغني الشباطات
3.     شيخة القليلات الزيدانيين
4.     صبحية الحجاج البحرات
5.     صبحية العمايرة
6.     فاطمة ضيف الله العمايرة
7.     فضية عبدالرحمن الجرابعة

وتزدان ساحة دوار العيص بقرب البوابة الرئيسية لجامعة الطفيلة التقنية بنصب تذكاري نقش عليه اسماء الشهيدات من جداتنا من حرائر الطفيلة اللاتي دفعن مهر حريتنا من دمائهن.

%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%8a%d8%b5-%d9%85%d9%8a%d8%af%d8%a7%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%ab%d9%88%d8%b1%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%83%d8%a8%d8%b1%d9%89-4

%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%8a%d8%b5-%d8%b5%d8%b1%d8%ad-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d9%87%d8%af%d8%a7%d8%a1-3

المراجع :

  1. الثورة العربية الكبرة ( معارك الطفيلة – صور من البطولة ) ، سليمان حمّاد القوابعة ، أزمنة للنشر و التوزيع ، الطبعة الأولى، 2008 .
  2. الثورة العربية الكبرى : الحرب في الأردن 1917-1918 : مذكرات الأمير زيد بن الحسين / سليمان الموسى، دائرة الثقافة والفنون.
  3. المعارك الأولى : الطريق إلى دمشق، صبحي العمري، أوراق الثورة العربية؛ رياض الريس للكتب والنشر، لندن، بريطانيا ؛ ليماسول، قبرص ، 1991، ط. 1.
  4. الثورة العربية الكبرى : الموسوعة التاريخية المصورة ، البحث التاريخي والإشراف الدكتور بكر خازر المجالي ؛ فريق العمل خولة ياسين الزغلوان ، و فريق الفرس الشقراء ، مركز أرض الأردن للدراسات والنشر،2011.
  5. ذكرياتي عن الثورة العربية الكبرى، محمد علي العجلوني، مكتبة الحرية ،عمّان ، 1956 .

نساء الثورة – نشميات الطفيلة

دور النشميات الأردنيات في الثورة

 مشخص وبندر و شفق المجالي

 

14329265_968038110007984_605238304_o

 

لم تغب شمس النشمية الأردنية عن تاريخ البطولة وكانت دوما المرأة الأردنية ركناً لا هامش في تاريخ التضحيات في سبيل استقلال الأردن وأساساً في التنمية في وقت الرخاء ومنذ القدم  نرى صورتها جنباً الى جنب مع شريكها الأردني كما بعملة الملك الحارث الرابع وزوجته شقيلات.

وفي العصر الحديث ضربت جداتنا أروع صور البطولة في مواجهة أربع مائة عام من الاحتلال التركي والتجهيل والفقر والسرقة تحت ستار الخلافة والتجارة بالدين  وسارت النشميات جنباً الى جنب مع فرسان العشائر الأردنية  حتى تحقق الحلم الأردني بالاستقلال وعودة الأردن الى مساره الطبيعي في  الاسهام والتفاعل الحضاري.

ونحاول في هذا البحث المقتضب سرد المواقف التاريخية البطولية لنشميات الكرك في رحلة تحرير الأردن من الاحتلال التركي العثماني:

عندما قاد سامي الفاروقي طوابير عسكره المحتلين إلى الكرك، من أجل إخماد الثورة الوطنية الأردنية ضد الاحتلال التركي العثماني، استخدم كل ما توفر من قمع وقوة السلاح المعززة بالمدافع، ولاحق الرجال والنساء والأطفال، وقد أدرك الدور المؤثر الذي اضطلعت به المرأة الأردنية بتوفير الإسناد والدعم ورفع الروح المعنوية وتقديم الاسناد فمنهن من بعن ذهبهن لتمويل الثورة ضد الاحتلال التركي فكنّ هدفا للمحتل التركي لذا عمل على ملاحقتهن خلال إخماد الثورة فبدأ فرسان الهية إخلاء النساء والأطفال من المدينة والمناطق التي يصل إليها جيش الاحتلال التركي العثماني الذين ارتكبوا فظائع كثيرة سجلها التاريخ الرسمي والذي ورد بتفاصيله في أبحاث ثورة الكرك.

قلعة الكرك إبان انطلاق ثورة الكرك مطلع القرن العشرين
قلعة الكرك إبان انطلاق ثورة الكرك مطلع القرن العشرين

للاطلاع على البحث الخاص بثورة الكرك اضغط هنا 

 خرجت مشخص وبندر المجالي مع بعض النساء هاربات إلى الجنوب بحماية بعض الرجال، من أشهرهم الفارس البطل صخر المجالي الذي استشهد وهو يُشاغل عسكر الاحتلال التركي العثماني حتى ابتعدت النساء عن متناول يد جنود الاحتلال.

النشمية الشيخة بندر بنت فارس باشا المجالي

وقد خلدن نساء الكرك الشهيد صخر في أهازيج الأعراس لفروسيته وتضحيته بغنائهن:

 صخر يا صخر يا كاسر الطوابير.

فيما يقول المؤرخ السوري منير الريس في تأريخه لحادثة استشهاد صخر: ( لقد عادت مخيلتي في تلك الليلة إلى الكرك وظلت في مخيلتي صورة المآتم في الكرك. والنسوة في حلقات مشعثات الشعور، ملطخات الوجوه، مشققات الجيوب، يبكين وينشدن: (صخر! يا صخر ! يا كاسر الطوابير).

قُبض حينها على النشميات بندر ومشخص المجالي في الشوبك التي ثارت مسبقا على الاحتلال التركي وأُرسلن إلى سجن معان سيء الذكر المعروف لدى العثمانيين بكمّ المجازر التي ارتكبوها ضد الأردنيين فيه. وكان الهدف من وراء سجن بندر ومشخص يتلخص بقطع عملية جمع الصيغة من نشميات الكرك واستخدامه في تسليح الثوار الساعين للاستقلال خاصة وأن ثورة 1910 التي بدأت في الكرك قد امتدت من العقبة الى البلقاء وكانت في طريقها لتوحيد باقي الأردنيين لذا فقد أصبح قطع الامداد التمويلي التي أدارته الشيخات مشخص وبندر مسألة وجودية لجيش الاحتلال. أما الهدف الآخر فكان باعتقاد العثمانيين أن سجنهم للنساء سيكسر عزة وكرامة الأردنيين فأتاهم الرد بعد ست سنوات بالثورة العربية الكبرى.

كانت الراحلة النشمية بندر المجالي حاملاً بحابس ابن الشيخ رفيفان المجالي (رئيس هيئة الأركان في الجيش العربي الأردني  وبطل معارك باب الواد واللطرون في القدس وقاد الجيش الأردني فيما بعد في أدق الظروف السياسية التي أحاطت بالأردن) وولدته في السجن وأسمته لهذا السبب حابس كناية عن الولادة بالحبس.

718a6725-338x400
الزعيم البطل ارفيفان المجالي

 

 

14657713_10211330088908363_1777864017_n
الشيخة بندر المجالي و حولها نساء بني عطية و الحويطات أثناء ولادتها للبطل حابس المجالي – صورة للفنانة التشكيلية هند الجرمي

 

 

 

th_787167873_habismajali_jormulti-blogspot-com_-mohammadandirshaidjaraidaalmashagba43_122_30lo
البطل المشير حابش باشا المجالي

لم يسجل التاريخ الرسمي ولم نجد في المرويّات الشعبية للتاريخ شيئاً عن سجن المرأة في ذلك الزمن وأغلب الروايات التي وصلت إلينا تتحدث عن ايداع المرأة المذنبة لدى شيخ الحارة أو المختار أو شيخ القبيلة ولكن المحتل العثماني اعتاد على أدنى درجات الخسة والوضاعة في أسلوب استخدام الرهائن الذي امتهنه لكسر إرادة الأردنيين.

وقد خلدت الأشعار الشعبيّة الأردنية النشميات وجعلت من مشخص المجالي شخصيّة بارزة في الثورة مما جعلها هدفاً للسلطة العثمانية لتقوم بسجنها مع بندر، تنفيذاً لعقوبة على جريمة سياسيّة،  كما أن مشخص أخذت موقفاً من حالة مجتمعها في ذلك الزمن بتحريضها لزوجها الشيخ قدر المجالي على الثورة.

وكان هنالك شقيقة لمشخص ذات دور بطولي لم يأخذ حقه بالتوثيق والتأريخ  وهي شفق المجالي والتي قامت عندما أخذها الأتراك بالتظاهر أمامهم بالجنون وبدأت تقوم بــ نثر التراب على رأسها من أجل أن يطلقوا سراحها وبالفعل قام الأتراك باطلاق سراحها وكانت غاية شفق المجالي أن تقوم بتبليغ فرسان العشائر الأردنية عن موقع مشخص وبندر وفداحة وخسة ما حصل من أسرهما وباقي النساء وذلك من أجل المسارعة في تحريرهم من أيدي الاحتلال العثماني.

وكما أيضاً من بطولات المرأة في ذلك الوقت حيث يقدِمن على وضع رماد النار في علائق خيول الفرسان بدلاً من مادة الشعير لإشعال صدور الخيول بالحرارة والهيجان.

وكما أسلفنا لم تسجل المروّيات الشعبيَة ولا التاريخ المدوّن أية إشارة عن السجينة السياسيّة في منطقة الشرق الأوسط قاطبة حتى عام 1910 (أحداث ثورة الكرك) بذكرها لأولئك الأردنيات الخالدات.

لقد أصبحت بندر ومشخص المجالي رمزاً وطنياً متفرداً، يكشف ما تمتعت به المرأة الأردنية منذ فترة مبكرة من مكانة، مكنتها من إدراك دورها وأداء واجبها بمبادرة فطرية، مستعدة بذلك لتحمل الثمن الباهظ، حتى وإن خسرت زوجها أو شقيقها، أو حتى حياتها، لأن الأوطان لا تبنى ولا تصان إلا ببذل الغالي والنفيس، وحمل الأحرار لأرواحهم على أكفهم إذا ما ادلهمت المخاطر وعصفت الأحداث بالأرض والإنسان، فتحية للأردنيات المنافحات عن الكرامة والمبادئ السامية، والسجل الوطني حافل بالنساء الكثيرات اللواتي قدمن للوطن ما لم يقل عن ما قدمه الرجال في أي مرحلة تاريخية مضت.

وما زال الأردنيون يرددون في أهازيجهم في ذكرى الثورة على  المحتل العثماني وعسكره  في الهية و تقديراً لدور مشخص وبندر والمرأة الأردنية عموما  بقولهم:

يا سامي باشا ما نطيع … ولا نعد ارجالنا

لعيون مشخص والبنات …ذبح العساكر كارنا

ارفيفان معهم باول الخيل القدام…..لعيون مشخص يطرد الترك بشمام

المراجع

  1. د.سعد ابو دية ،ثورة الكرك 1910 “الهية”
  2. نوفان رجا السوارية و محمد سالم الطراونة ، اضاءات جديدة على ثورة الكرك (1328هـ/1910م)، ط1 ،(الأردن، الكرك،دار رند للنشر والتوزيع، 2000) ، ص36-37
  3. الريس،منير ،الكتاب الذهبي للثورات الوطنية في المشرق العربي،ط1 1969،ص32
  4. محمود الزيودي ،كركيات”1″،صحيفة الدستور الأردنية 28 ايار 2009، العدد رقم 17494 السنة 50
  5. مقابلة من قريق ارث الأردن مع عاطف عطوي المجالي ومقابلة مع رايق عياد المجالي في تاريخ 4/6/2016،الكرك-الربة
  6. منتديات أبناء الأردن،محمود سعد عبيدات، تاريخ 2008
  7. هزاع البراري،بندر ومشخص،رائدات العمل النضالي

نساء الثورة – مشخص و بندر المجالي

دَيْر فَاخُور :

    قال الهروي : ” دير فاخور موضع تعمَّد المسيح من يوحنا المعمداني على الأردن كما ذكروا . وبه قبر كعب بن مرة البهزي معاذ بن جبل ” .

   ومثله ما قال ياقوت : ” دير فاخور بالأردن وهو الموضع الذي تعمَّد فيه المسيح من يوحنا المعمداني ” .

  وأما صاحب المراصد فقال : “دير فاخوراء بالأردن وهو الموضع الذي عمّد يحيى بن زكريا فيه المسيح” .


المصادر

الاردن في موروث الرحالة والجغرافيين العرب صفحة 184

الهروي : الإشارات لمعرفة الزيارات 19 .

ياقوت : معجم البلدان 2 : 525 .

صفي الدين البغدادي : مراصد الاطلاع 2 : 570 .

 

دير فاخور

رِحَاب

إرحاب هي قرية أردنية تقع على بعد 13 كيلو مترا من محافظة المفرق شرق عمان تزخر بأثارعديدة حيث تضم على أرضها أكثر من 70 كنيسة

     موضع تذكره بعض المصادر من نوحي حوران ، وفي غرب المفرق اليوم قرية تدعى رحاب وتلفظها العامة وأهل تلك النواحي إرحاب ، قال أبو عبيد البكري : ” رحاب بضم أوله على بناء فُعَال : موضع من عمل حوران ” .

   ومثل هذا ما قاله ياقوت مضيفا ً : ” قال كثير:

   سيأتي أمير المؤمنين ، ودونه       رُحابٌ وأنهار البضيع وجاســمُ

  ثنائي تنمّيـــه عليّ ومدحتـــي        سمــام على ركبانهـــن العمائـمُ


المصادر

صفي الدين البغدادي : مراصد الاطلاع 2: 605

الاردن في موروث الجغرافيين والرحالة  العرب صفحة 191

 

رِحَاب

800px-dhiban

ذُبْيَان

ومركز لواء ذيبان في محافظة مادبا. تبعد نحو 70 كم جنوب العاصمة عمّان وأربعة كيلو مترات إلى الشمال من وادي الموجب، شرق البحر الميت. كانت لها أهمية تاريخية بكونها عاصمة مملكة مؤاب (أو حضارة المملكة المؤابية) التي امتدت إلى الكرك ومادبا.

اسباب اختيار ذيبان عاصمة لمملكة مؤاب

1-الموقع العسكري الحصين حيث يشكل مركزاً لدائرة محيطة من التلال والجبال وتعذر معه على العدو اكتشافها بسهولة لحماية هذه التلال لها من جهة, ولحجبها الرؤية من بعد من جهة أخرى في الوقت الذي يمكن فيه مراقبة تحركات العدو من فوق هذه التلال وإعلام المدينة وبقية نقاط المراقبة على أفق الدائرة.

2-إحاطتها بالسهول الخصبة, مما يشكل لها مورداً زراعياً مهماً.

3-وجود فاصلين طبيعيين هما وادي الوالة شمالاً ووادي الموجب جنوباً إضافة إلى الحافة الغربية الشديدة انحدارها باتجاه سيل الهيدان المؤدي إلى البحر الميت.

4-توفر المراعي الخصبة

  اتفقت جميع المصادر الجغرافية على لفظة ذبيان بتقديم الباء على الياء ، واليوم توجد بلدة الى الشمال من الكرك تعرف بذيبان ، ولعل الاسم تحول الى صورته الحالية على عادة بعض العرب في قلب حروف معينة .

 قال الهمذاني ولعله على القبيلة : ” وأما ذُبيان (بضم الذال) فهي من حد البياض ، بياض قرقرة وهو غائط بين تيماء وحوران لا يخالطهم إلا طيئ وحاضرهم السواد ومرو والحيانيات ” .

 وقال ياقوت “ذبيان : بكسر أوله وسكون ثانيه ، بلفظ القبيلة : بلد قاطع بالأردن مما يلي البلقاء ” . وهو ما نقله صاحب المراصد بنصه ” .

 وذكرها ابن شاهين الظاهري احدى محطات البريد فيما بين دمشق والكرك ، قال : ” وأما طريق الكرك من دمشق فمنها الى القتيبة ثم الى البرديّة ثم إلى البرج الأبيض ثم إلى حُسبان ثم قنبس (وصوابه بقنس) ثم ذبيان ثم إلى قاطع الموجب ثم إلى الصفرة ثم إلى الكرك ” .


المصادر

الهمذاني : صفة جزيرة العرب 272 .

ياقوت : معجم البلدان3: 4 .

صفي الدين البغدادي : مراصد الاطلاع 2 : 584 .

ابن شاهين الظاهري : زبدة كشف الممالك 120 .

الاردن في موروث الجغرافيين والرحالة العرب صفحة 186-187

ذُبْيَان

Scroll to top