المسار السابع لمعارك التحرير : أحفاد الأنباط في مواجهة الاحتلال التركي

خط المسير الجغرافي لقوات الثورة : معسكر الأردن (القويرة) – أبو اللسن – وادي موسى

13479221_10154134482700211_754917576_n
مقام النبي هارون على أعلى قمة جبل النبي هارون في وادي موسى عام 1900

مقدمة

وادي موسى منطقة جبلية الى الغرب من معان بحوالي 42 كم تقع ضمن سلسلة جبال الشراة، وأعلى مرتفعاته في المنطقة جبل النبي هارون الذي يقوم عليه مقام النبي هارون عليه السلام وارتفاعه 1257 م ومنطقة الوادي الغربية صخرية صعبة المسالك تنحدر بالتدريح اتجاه وادي عربة، أما منطقة الوادي الشرقية فهي تتخفض أيضا بالتدريج لتصبح جزءا من السهول الواسعة شمال معان، أما في الجنوب والشمال فتتشكل امتدادا لسلسلة جبال الشراه، ووادي موسى هو المدخل الى المنطقة، وفي بدايته عين موسى ويظهر للمرء أن المنطقة بعد الانتهاء من وادي موسى إنما هي صخور محددة جرداء ولا يعلم أنها تخفي تحفة تاريخية ونحت معماري، وحضارة كانت زاهرة تدل على عظمة اصحابها من أجدادنا الأنباط.

 كانت وادي موسى تشكل مسارا هاما من مسارات الثورة العربية الكبرى ودور المنطقة في الأحداث خاصة للأهمية التي اكتسبتها بسبب موقعها، فقد خصص الأمير فيصل بن الحسين حملة عسكرية بقيادة مولود مخلص للتعامل مع منطقة وادي موسى و تحريرها من الاحتلال العثماني بدعم و اسناد من عشائر المنطقة من أحفاد الأنباط وورثة حضارتهم، وكانت الأهداف الرئيسية من خلف الهجوم على الحامية التركية في وادي موسى هي:

  1. احكام الحصار على الحامية العسكرية التركية المتحصنة في معان .
  2. حرمان العدو العثماني من مصدرالأخشاب والخضروات والفواكه و صنوف المؤن ومصادر المياه التي تشتهر بها المنطقة .
  3. السيطرة على المنطقة يسهل التي العمليات المقبلة للانتقال الى الشوبك و تحريرها من براثن الاحتلال العثماني.
  4. تأسيس اتصال عبر وادي عربة مع قوات الحلفاء لتي تتحرك عسكريا في فلسطين.
  5.  الاتصال بالعشائر الأردنية الساكنة في المنطقة لإمداد قوات الثورة بالمقاتلين، فقد كان يسكن وادي موسى والطيبة والراجف عشائر اللياثنة و غيرهم من العشائر الأردنية التي اسهمت في عمليات الثورة بشكل فاعل.
mwlood
معسكر القائد مولود مخلص في وادي موسى، و يظهر بالصورة عدد من فرسان عشيرة اللياثنة

الخطة العسكرية المتعلقة  بوادي موسى :

وضعت خطة العمليات العسكرية لحركة جيوش الثورة في القويرة ( معسكر الأردن ) واستهدفت الخطة السيطرة وتحرير الأراضي الأردنية انطلاقا من القويرة باتجاه الشوبك ووادي موسى والطفيلة وذلك بقيادة الشريف مستور والشريف عبدالمعين و القائد العسكري مولود مخلص ، والشريف ناصر و بدعم و اسناد من عشائر الحويطات و بني صخر و شيوخها و فرسانها و عشائر المناطق المراد تحريرها، وعُيّن الأمير زيد بن الحسين قائدا عاما لهذه الارتال وقاد الامير زيد ومعه جعفر العسكري قوة عسكرية اتجهت من أبو اللسن باتجاه الطفيلة مرورا بالشوبك ووادي موسى، واعتبرت هذه القوة كاحتياط عام للأرتال الثلاثة التي تحركت حينها بناء على الخطط العسكرية في المنطقة و التي تعتبر على درجة من الأهمية لموقعها وخصبها وكثافة السكان النسبية فيها في تلك الفترة وقد كانت جبهة عمليات جيش الثورة تمتد من العقبة إلى القويرة ، ثم دلاغة مرورا بمناطق وهيدة وسهل الفقي وصولا الى وادي موسى ، وهذا الامتداد يحدد جبهة العمليات من الجهة الغربية.

233JPG
عربة محملة بمدفع و أسلحة في طريقها من أبو اللسن إلى وادي موسى

 

أهمية هذا الامتداد :

  • يفصل بين جبهة العمليات في الأردن وجبهة العمليات في فلسطين .
  •  يمنع اتصال قوات الاحتلال التركي ببعضها في الشرق والغرب .
  • يحرم قوات الاحتلال التركي من مصادر المياه والاخشاب التي يتم الحصول عليها عبر تقطيع الثروة الحرجية من الاشجار المعمرة في الشوبك ووادي موسى من أجل استخدامها للقطار العثماني و تشغيله إضافة إلى منعهم من الاستيلاء على الثروات الطبيعية كملح البارود والمواد التموينية التي كان يتم نهبها من أهل المنطقة مثل السكر و الحنطة و الشعير .
  • كثافة السكان في هذا الامتداد كبيرة نسبياً اذا ما قورنت بالخط الآخر الموازي على امتداد خط سكة الحديد في الشرق ،مما يتطلب حمايتهم من القصف التركي الألماني أو استخدامهم كدروع بشرية كما حصل في معان.
  • يتيح لقوات الثورة الاتصال مع القوات بوادي عربة التي كان فرسان العشائر الأردنية يعرفون مسالكها جيدا  وبالتالي يضمنون استمرارية التنسيق بين الطرفين والإمداد بالمقاتلين و الذخيرة.

 

معارك وادي موسى

شهدت وادي موسى أكثر من عملية عسكرية ، وكانت قوات الثورة التي وصلت الى وادي موسى تتشكل من :

  1. 300 جندي و مقاتل بين هجان و فارس .
  2. مدفعين جبليين .
  3. 4 رشاشات .

      إضافة إلى عدد كبير من المتطوعين من مقاتلي العشائر الأردنية  الذين ساهموا فى أعمال الدوريات والحراسة، كان توقيت المعارك في شهر تشرين الأول 1917 م وكان البرد قارصاً جداً والجنود يعيشون حياة بائسة في تلك الظروف القاسية، حيث لا يملك الجندي منهم سوى بطانية واحدة تحميه من شدة البرد …

مستند رسمي تركي حول معركة وادي موسى

      نقلا عن المصادر التركية الرسمية : ( معركة بالسلاح الابيض يستبسل فيها العرب ضدّ الأتراك )

ما هو مذكور أعلاه هو عنوان لواحد من المستندات التي نشرت في صحيفة الحرب العظمى التي كانت تصدر خلال الحرب العالمية الاولى وبعدها وتوثق الاحداث من وجهات النظر المختلفة، وفيها توثيق لمعارك وادي موسى التي يصفها التقرير بأنها من المعارك الخطيرة، و يتضح في هذه الوثيقة بعض المعارك الخطيرة التى وقعت بين العرب والمحتلين الاتراك أثناء الحرب نقلا عن المصادر التركية وما فيها من وصف مفصل ، كما أنها تعد في الواقع من المستندات الرسمية للحرب .

   وتاليا ً نص التقرير كما جاء من المصدر  :

       ” معارك وادي موسى

         على اثر سفر القوات التركية الى القدس، أمر محمد جمال باشا بالجلاء عن الخطوط الألمانية لعدم وجود قوة كافية للدفاع فأخلينا الكويرة (القويرة) وعين بسطة، وانشأنا خط دفاع في جبل سمنه وأقمنا المشاه في مرتفعات معان الغربية وفي محطتها وذلك لتدبير الدفاع عن جنوبها وشمالها وأسرعنا بحفر الخنادق ونشط الجيش العربي في هذا الفترة فسيطر على وادي موسى، فرأى محمد باشا ان يسترد وادي موسى لأهميته العسكرية، فطلب بعض النجدات فوصله الاء الشراكسة بقيادة ميرزا بك من تبوك، كما أرسلوا مفرزة من المشاة وقبل وصولها زحفت جنودنا من معان بقيادة (شولاق كمال بك) رئيس أركان حرب محمد جمال باشا، ثم التحق بنفسه وبدأ جنديا ً باحتلال الجبل المطل على وادي موسى، ونصب فيه مدفعية فبادرت القوات العربية بإطلاق النار وبقيت متحصنة في أماكن جبلية قريبة من مراكزنا لتمهد لهجوم المشاة وتولى ميرزا بك قيادة الجناح الأيمن للترك وكان الأمير زيد يقود قوات الثورة واشتركت الطيارات التركية في هذا الهجوم وكانت تحوم فوق العرب أثناء القتال وتلقي عليهم قذائفها من ارتفاع 300 متر فقط وحمل الترك على العرب حملة صارمة ، واستمروا في ضربهم بالمدافع ساعتين فقابلهم هؤلاء بنيران حامية حينما بدأوا يصعدون الجبل ، وردوهم على أعقابهم فاستأنفوا الهجوم عند الظهر ولكنهم فشلوا أيضاً .”

نفير عام في القيادة التركية

 و يكمل التقرير ما نصه: ” تلقى جمال باشا ورحى القتال تدور في وادي موسى برقية من (بصرى باشا) يطلب فيها نجدات سريعة لسقوط محطتين بأيدي قوات الثورة، وكانوا يهددون تبوك كما بلغ أن مقاتلي الثورة المرابطين حول معان يشددون الخناق عليها ويهاجمون جنوبها، فشعر بحرج الموقف سيما وقد كان بعيداً عن مركز الرئاسة فقرر أن يستعد لمعركة حاسمة يتولى بنفسه تنظيمها وإدارتها.

 وافتتحت المدفعية التركية الحملة الثالثة بنيران حامية كانت تصب صبا على مراكز العرب حتى أنها اصبحت رمادا ً وأطلالاً واصدر الباشا على الأثر أمره بالهجوم، وأراد أن ينزل بنفسه إلى الميدان ويتقدم الصفوف فمنعه رئيس أركان الحرب الذي تولى إدارة الهجوم، وقد اشترك فيه أكثر ضباط المقر العام وجنده ومشى الترك الى الجبل تحت حماية المدفعية، وكانت تسرف في إطلاق القنابل يتقدمهم كمال بك ممتشقا ًحسامه يضرم في صدورهم نيران الحماسة، فصمدت قوات الثورة لهم ونازلتهم منازلة الأبطال، وقد أظهرت قوات الثورة في هذا اليوم من البسالة والبطولة ما يحير العقول وبدأت المجزرة الكبرى حينما بلغ الترك خنادق قوات الثورة فثبتوا فيها رغم قلة عددهم ودار القتال بالسلاح الأبيض، وجرح كمال بك هنا للمرة الرابعة عشرة كما جرح (زكاني بك باور محمد جمال باشا ) وسقط على بعد خمسة أمتار من مواقع قوات الثورة الذين ارتدوا بعد استبسال عظيم ، فدخلنا الوادي بعد أن خسرنا نحو مئتي قتيل وجريح ولم تكد نستقر فيه حتى صدر الأمر لنا بالانسحاب فاخليناها – أي وادي موسى – بعد ساعتين فقط لتحرج الحالة في جنوب معان وتبوك ، فاتجه الجند نحو معان تاركين مقر القائد وبطارية المدافع وراءهم، وكانوا ينتظرون حركته ليسيروا معه وقد وقع رجال المقر في حيرة وكادوا يسقطون في ايدي قوات الثورة الذين كانوا يحيطون بالمكان من جهاته الثلاثة لولا مداهمة الليل ، وقد استولت قوات الثورة على مستشفى الجرحى الترك لأننا عجزنا عن انقاذه اثناء انسحابنا ” .

13460758_10154919181693066_1439367497_o
منظر عام لمدينة وادي موسى ومنازلها و عيون الماء و الأشجار فيها عام 1917

تحليل عام للتقرير التركي

       نلاحظ من هذا التقرير شدة المعركة وضراوتها من خلال الحشد التركي وشنّ المدفعية التركية لحملات ثلاث على مقاتلي الثورة، ومن خلال الخسائر الكبيرة نسبيا ً قياسا ً مع الأسلحة والذخائر المستخدمة في ذلك الوقت، فالتقرير التركي يعترف بمائتين بين جريح وقتيل وتقارير الثورة تفيد بوجود أكثر من هذا العدد الذي يصل الى 400 بين جريح وقتيل ونستطيع ان نستنتج ثلاث عمليات عسكرية تمت في ذلك اليوم وهي :

  • الهجوم الأول على مواقع قوات الثورة يسنده قصف مدفعي و قد فشل فشلا ذريعا.
  • الهجوم الثاني الذي ابتدأ بقصف مدفعي لمدة ساعتين ولم يحقق أي شيء أيضا.
  • الدخول الى وادي موسى ومحاولة اقتحامها لكن صدر الأمر بالإنسحاب بعد ساعتين من دخول الوادي وخلفوا وراءهم مدفعية ومركز القيادة والمستشفى التركي بعد أن جروا أذيال الخيبة .

    فى المرحلة الثالثة من القتال كانت المجزرة الكبرى، وكان القتال فى السلاح الأبيض وهذه هي المعركة الوحيدة فوق الأرض الاردنية التي يجري فيها قتال في السلاح الابيض ، ويعترف التقرير التركي بأن قوات الثورة على قلتها قد صمدت وثبتت واستطاع أحد فرسان العشائر الأردنية من بني ليث أحفاد الأنباط  جرح القائد التركي ( كمال بك ) .

دور عشائر وادي موسى 

 أشارت مذكرات الأمير زيد بن الحسين قائد المعركة إلى دور عشائر وادي موسى من عرب اللياثنة – بني ليث – وعشيرة المناعين المجاورة لهم حينها ، فقد أورد فى رسالة له الى الأمير فيصل مؤرخة في 29 / 5 / 1918 أن اللياثنة والمناعين نزلوا بأربعة بيوت – يقصد أربعة بيوت من المقاتلين و المتطوعين من فرسانها – وسينزل أيضا الشوابكة والنعيمات، وذكر فى نص الرسالة أيضا ان اللياثنة يريدون أحد الاشراف لقيادتهم في معاركهم ضد الاحتلال العثماني وانهم دفعوا بكل دوابهم (البغال ) لخدمة المعركة، وقد أوضحت بعض المصادر استعداد عرب اللياثنة التام للإنضمام للثورة العربية الكبرى، والقتال في صفوف قواتها وهم ينتظرون الفرصة السانحة للتخلص من تحكم المستبد التركي بهم، كما تحدث مولود مخلص في كتابه ( بطل معارك وادي موسى ) عن دور اللياثنه وعشائر وادي موسى المشرّف في تنفيذ عمليات الثورة العربية الكبرى، ووصفهم بأنهم لا يهابون الموت .

13480124_10154135650715211_1888246831_n
عدد من مقاتلي جيش الثورة في ساحة المذبح ” النبطي ” – البتراء يراقبون تحركات الجيش العثماني و انسحابه

أما البطل محمد علي العجلوني فيشير في مذكراته أنه سمع عندما نزل على قرية الشوبك همس أحد الأشخاص في المجلس بأن مولود مخلص أحد قادة ارتال الثورة  نزل مع الشريف معين بوادي موسى وان أهالي قرية وادي موسى انحازوا إليهما تمام كما أن الاتراك يسوقون الجنود بالقطارات الى معان وأنهم يحتشدون على الجبال بين وادي موسى وأراضي الشوبك، وقد رأى العجلوني ورفيقه في السفر الطائرات الألمانية وهي تقصف معسكر القائد مولود مخلص في وادي موسى وكان هذا اليوم الثاني والثلاثين من رحلته وهو بداية قصة العجلوني مع الثورة العربية الكبرى.

وتضيف مذكرات العجلوني عن معركة وادي موسى الثانية أن هجوما تركيا كبيرا شنته فصائل تركية على وادي موسى حيث حامية القائد مولود مخلص، تشكلت الفصائل من طابورين من البغالة وطابورين من المشاة ومدفعية الميدان ومعهم متطوعة من شراكسة عمان بزعامة ميرزا بيك ومعهم متصرف الكرك مع خيالة الجندرمة فانسحب مقاتلو الثورة الى وادي سلع البتراء – يقصد السيق- حتى المساء وساند فرسان عشائر وادي موسى قوات الثورة وكروا على الأتراك وتولت عشيرة اللياثنة – بني ليث – مطاردتهم مع خيالة العشائر الأردنية من وادي موسى فانهزم المهاجمون وتركوا وراءهم الذخائر ومدافع الرشاش.

المصادر :

  • الثورة العربية الكبرى : الموسوعة التاريخية المصورة ، البحث التاريخي والإشراف الدكتور بكر خازر المجالي ؛ فريق العمل فريق الفرس الشقراء ، مركز أرض الأردن للدراسات والنشر، 2011  .
  • الثورة العربية الكبرى : الحرب في الأردن 1917-1918 : مذكرات الأمير زيد / سليمان موسى، دائرة الثقافة والفنون.
  • التاريخ العسكري للثورة العربية الكبرى فوق الأرض الأردنية / بكر خازر المجالي، قاسم محمد الدروع 1995 .
  • المراسلات التاريخية 1914-1918 : الثورة العربية الكبرى. المجلد الأول / أعدها وحققها وكتب حواشيها وترجم بعضها سليمان الموسى، 1973.
  • ذكرياتي عن الثورة العربية الكبرى، محمد علي العجلوني، مكتبة الحرية ،عمّان ، 1956.

المسار السابع لمعارك التحرير- معارك وادي موسى

صالح باشا العيد القاقيش

download

ولادته

ولد المرحوم صالح باشا عيد مفرح خلف انصير قاقيش في مدينة السلط في حدود سنة ١٨٥٦، وهو أخ لكل من : خلف ونويصر وعيد وبخيت وخليل، كان والده عيد القاقيش أحد المعتمدين في تقسيم الأراضي على العشائر والعائلات في أواخر عهد الاحتلال التركي.

حادثة طريفة

يروي معالي فؤاد قاقيش – أحد اللذين روا عن سيرته –  أن المرحوم ابراهيم الحنيطي جاءه يشكو عندما كان وزيراً لوزارة البلديات و الشؤون القروية أن احدى العائلات حاولت الاستيلاء على أراضي لهم، و كان عيد مفرح قاقيش – والد صالح باشا – أحد أعضاء اللجنة التي خصصتها مراع للحنيطية عند تقسيم الواجهات العشائرية، وكتبوا صكاً بذلك مؤرخاً بين سنة 1898 بخطه، فأراد معالي فؤاد قاقيش أن يمزح معه قائلاً له : الأرض ليست لكم! فقال له المرحوم الحنيطي : قاقيش خصصها لنا وقاقيش آخر يريد تقشيطها منا !!، وبعدها أرسله إلى مدير عام دائرة الأراضي والمساحة، وثبتها لعشيرة الحنيطية.

 

نشأته و عمله

التحق المرحوم صالح بالكتّاب فتعلم القراءة والكتابة، وثقف الثقافة الاجتماعية حيث كان يجلس في ديوان والده، وبدأ حياته تاجراً وتعاطى تجارة الحبوب بعامة، حتى صار شديد الثراء، وربما تمّول بذلك إبان الحرب العالمية الأولى عندما ارتفعت أسعار المواد التموينية ولا سيما الحبوب.

وتظهر بعض الوثائق سندا يدل على أن أحد وجهاء الشراكسة قد استدان منه ستة آلاف ليرة ذهب، كان أخيه نويصر قاقيش يملك موقع بستان ( أبورصاع )، وعندما تزوج محمد مصطفى قدم له صالح باشا قاقيش نقوطا كان عبارة عن قطعة الأرض التي عرفت ببستان ( أبو رصاع).

تزوج بالسيدة شيخة السالم قاقيش، فأنجبت له : يعقوب وكمال، وتوفيت زوجته في العشرينيات، ولم يتزوج بعدها اخلاصا لها.

 

موقفه من الثورة العربية الكبرى

كان صالح باشا معروفا بمعاداته للاحتلال التركي و دعواته المتكررة للتحشيد ضد القوات التركية المتحصنة بالمدينة، وأخذت تصل القيادة التركية أخباره الداعية إلى تشكيل فرق المتطوعين و الثوار و امدادهم بالسلاح للثورة على القوات التركية و الضباط الألمان المنتشرين في مركز القيادة التركية داخل السلط بدلا من انتظار جيش الثورة حتى يدخل المدينة، فلم تكن تخلو اجتماعاته مع زعماء المدينة و شيوخها و أبناء عشيرته من هذه المواقف، ونشطت دعوة صالح باشا لمقاومة الاحتلال التركي و حلفائه الألمان و النمساويين للأسباب الموجبة التالية :

  1. مصادرة العثمانيين وحلفائهم الألمان والنمساويين المقدر عددهم ب١٤ الف جندي لمحاصيل السلط الزراعية مما أدى لانتشار المجاعة.
  2. نصب المشانق لأبناء السلط و الفحيص لكل من :
  • رفض التجنيد الإجباري
  • رفض دفع الضرائب المفروضة عليه بالقوة و التي تصل قيمتها ل 25% من الناتج .
  • قاوم عمليات سلب و نهب مؤونته ومحصوله من قبل جنود جيش الاحتلال العثماني التركي .
  • كل من كانت تثبت عليه محاولة تحرير المدينة من العثمانيين وحلفائهم عبر عمليات قتالية غير منظمة.
  1. والأهم ان الاحتلال العثماني أحضر أكثر ٥٠٠٠ تركماني ووطنهم بالفحيص وبعض مناطق السلط بعد تهجير اَهلها ضمن سياسة خلق مجتمع موالي له يحارب ضد قوات الحلفاء.

وبعد انتشار مواقفه المؤيدة للثورة العربية الكبرى ودعوته للانتفاض ضد الاحتلال التركي،أصدرت القيادة التركية العليا أمرا باعتقاله، و تم ارساله بالقطار العثماني قبل نهاية الحرب إلى سجون الاحتلال التركي في دمشق حيث ذاق الأمرّين هناك من صنوف التعذيب و بعد دخول قوات الثورة إلى دمشق و رفعها لراية الثورة تم تحرير الكثير من أبناء الأردن من براثن العثمانيين، فعاد إلى السلط بعد ثلاثة شهور، و استقبله أهل عشيرته و شيوخ المدينة بعدما فقدوا الأمل ببقائه على قيد الحياة .

دوره في بناء الدولة

لعب دورا مهما في توضيح وجهة النظر الأردنية والدفاع عن الحقوق العربية ( الإسلامية و المسيحية ) في فلسطين، وكان له دور رئيس في توحيد كلمة رجالات مدينة السلط وذلك في الاجتماع الذي عقد في ديوانه مع هربرت صموئيل المندوب السامي البريطاني إلى فلسطين عندما قام بزيارة السلط

وكان نال الباشوية سنة 1922 هو وسعيد أبو جابر، و تموّل من تجارته كثيراً، وقدم المساعدات المالية للقوات المسلحة الاردنية التي كانت تتأسس في العشرينيات.

انتخب عام 1927 عضوا في اللجان التحضيرية لسنّ قانون الانتخابات للمجلس النيابي، وقد فاز في الانتخابات التشريعية عام 1934 هو وأعضاء حزب الشعب العام، و كان من عادته أن يصحوا مبكرا ليتناول افطاره قبل الساعة السادسة ثم ينزل من بيته في حارة الخضر قرب حي العطيات إلى كراج الحارس حيث يركب الباص ذاهبا الى عمان ويجلس في الكرسي الأمامي وخلال جلوسه في الباص كان يقرأ الجريدة اليومية، وإذا لم يجد الباص  يبدأ المشي على طريق عمان فيتوقف له  له الباص ، وكان طبيعياً أن يقوم له أحد الركاب ليجلس مكانه في الكرسي الأمامي احتراما وتقديرا لمكانته.

وكانت له مضافة يستقبل بها وجهاء البلاد، كما كان يرتاد الدواوين في السلط ويجتمع بالوجهاء، ليتبادل معهم الرأي، وكان له صلة وثيقة باسماعيل السالم العطيات و الحاج فوز النابلسي وسعيد الصليبي وعبد الله الداود ونمر الحمود العربيات ومحمد الحسين وذوقان الحسين العواملة وسعيد أبوجابر وسواهم، كما كانت بيوت القواقشة مفتوحة له دائما، وتستقبله وتستقبل ضيوفه.

ونظرا لمكانته و شهرته زاره الصحفي الشهير نجيب نصار في مضافته ، وأقام فيها بضعة أيام ، وذكره في كتابه ( جولات صحفي عربي ) .

صفاته

وكان له حدس صادق ، فعندما كان يحمل الشمسية فذلك يعني توقع هطول المطر، وكما كان أنيقاً في مظهره، فقد كان أنيقا في مأكله، فكان لا يأكل إلا بالملعقة والشوكة والسكين، وكان يقدم المساعدة لمن يطلبها طالما إليه، ويدعو إلى جمع الكلمة، والمؤاخاة الدائمة بين المسلمين والمسيحيين، وقد وصف بأنه كان رجلاً مستقيما، قوي الارادة لا يعرف الاعوجاج، صريح المواقف صادقاً .

وفاته

توفي في بيت أخيه عيد مساء يوم 12 / 3 / 1970، حيث كان يشاهد التلفزيون وعندما قام للنوم، شعر بالاعياء والألم ولم يتمكن ذووه من إحضار الطبيب، فأدركه الموت قبل منتصف تلك الليلة، وكانت جنازته حافلة.

، ودفن بمقبرة صبيح بالسلط، بعد أن شيع جثمانه من منزله إلى كنيسة الروم الأرثوذكس ومنها إلى مثواه الأخير.

المراجع :

  • أحسن الربط في تراجم رجالات من السلط، د.هاني صبحي العمد، ص240 –243، 2007، مطبعة السفير.
  • عامان في عمان، خير الدين الزركلي، ص63.
  • قاقيش “عشيرة أردنية من أعمدة السلط “، هاني سالم سويلم قاقيش، ص79-81.

صالح باشا العيد قاقيش

Scroll to top