نبات السمح

السمح نبات عشبي حولي عصاري (شكل 1) يرتفع لحوالي 25 سم، ذو سيقان بسيطة أو متفرعة وأوراق حليمية طويلة، وذو أزهار بيضاء كريمية (شكل 2 و 3) يزهر في الربيع وتنضج بذوره في الصيف، ينمو النبات في جنوب وجنوب شرق الأردن.

 

image1
شكل ( 1 ): عصارة نبات السمح الغنية بالمعادن.
image2
شكل (2 ) : زهرة نبات السمح البيضاء
image3
شكل ( 3 ) : نبات السمح في أواخر الربيع – مناطق العمري شرق جنوب الأردن

ينبت بأثر الامطار المتأخرة في بدايات الربيع أو أمطار الخريف المبكرة، حيث يحتاج إلى دفء وفترة إضاءة طويلة بالإضافة للأمطار الخفيفة. لا ترعاه الحيوانات الرعوية وهو أخضر ولكنها تقبل على رعيِه جافًّا، وثمار السمح عبارة عن كبسولات تتكون على فروع النبات وعند نضجها تسمى (الكعبر).

وتضم بداخلها عدداً كبيراً من الحبوب الصغيرة بّنية اللون تسمى (صبيب) وبعد جمع النباتات تفصل الكبسولات عن السيقان وتنقع الكبسولات في الماء تتفتح ويترسب الصبيب في الأسفل وتطفو أغلفة الكبسولة – الغريل- للأعلى ثم تبقى الحبوب وبعد تجفيفها تحمص وتطبخ ويصنع
منها العديد من الأكلات الشعبية   ومن أهمها  اكلة شعبية  تسمى (البكيلة) حيث تعد بخلط طحين السمح مع التمر والسمن لتعطي غذاء جيداً يمكن حفظه لفترة طويلة خاصة في الشتاء.

يعد (الكعبر) من الكبسولات الثمرية التي يمكن حفظها لعشرات السنين ونظراً لارتفاع نسبة الأملاح من أغلفتها لا تتأثر نتيجة الحفظ ولكن يجب إبعادها عن الرطوبة(شكل -4 ).

image4
شكل ( 4 ) : احدى بيادر السمح في منطقة بطن الغول جنوب الأردن

ولحبوب السمح قيمة غذائية جيدة فطحين السمح يحتوي على قرابة 22.5% بروتين وبهذا  فهو يماثل البقوليات كالحمص والعدس ويفوق القمح كما يحوي قرابة 54% سكريات وحوالي 4.5% دهون وتصل نسبة الألياف قرابة 9% كما يحتوي على العديد من العناصر المعدنية كالبوتاسيوم والمغنيسيوم والصوديوم والكالسيوم والمنجنيز والحديد والزنك والنحاس وفيتامين ج ونظراً لغنائه بهذه المواد فهو ذو قيمة غذائية عالية ومتوازنة.

13578996_256071558095665_911228953_n
يظهر في هذه الصور نبات السمح في منطقة (العوجة) جنوب شرق الاردن – تصوير محمد بن عوض أبو تايه

المصادر:

أبحاث الجيولوجي  احمد  عبدالله  الغرايبة / باحث دكتوراه في اكاديمية فرايبيرغ التكنولوجية -المانيا

نبات السمح

نبات كف مريم  (نبات الطلق)

 الاسم الشائع

تُعرف بشجرة مريم، كف العذراء، نبات الطلق.

الاسم العلمي 

 Anastatica hierochuntica

تعريف عام 

كف مريم هو عشب حولي قصير ينمو بعد سقوط الأمطار في الخريف مع بداية الشتاء في الأماكن ذات التربة الطميية الحصوية التي تستقبل بعض مياه السيول، وفي حالة نفاذ الرطوبة في التربة تموت النباتات، وتلتف الأفرع إلى أعلى لتكون على شكل كرة تشبه قبضة اليد المغلقة بإحكام على الثمار الناضجة الجافة، وعندما يحصل النبات على الرطوبة من الأمطار أو الغمر بالماء فإن الأفرع الميتة تتفتح منبسطة إلى الخارج لتحرر بعض البذور الموجودة في الثمار، وعند حدوث الجفاف فإن الأفرع تلتف مرة أخرى منقبضة إلى أعلى، وهذا النظام الميكانيكي يؤكد ويساعد على استمرار حياة هذا النوع في البيئة الصحراوية القاسية

image1
كف العذراء

الجزء الطبي المستخدم من النبات

 جميع أجزائه.

الاستخدامات والفوائد

  • عشبة كف مريم نبتة ذات منافع كثيرة لكنها تستخدم في الطب الشعبي لحالات عسر الولادة حيث يشرب منقوعها لتعجيل الولادة ومن أجل الانجاب.
  •  تُساعد نبتة كف مريم النساء على تنظيم الدورة الشهرية عندما تكون غير منتظمة.
  •  تخفض نسبة هرمون البرولاكتين أو هرمون الحليب، وعادة ما تكون هذا الهرمون مرتفع عند النساء أثناء فترة الرضاعة وخلال فترة الحمل، أما النساء غير الحوامل أو المرضعات فإن ارتفاع هذا الهرمون يمكن أن يؤدي إلى مشاكل مثل غياب الإباضة والشعور بتوتر في الصدر أو الاكتئاب، لذلك ينصح الخبراء باستخدام عشبة كف مريم التي تساعد الجسم على تنظيم مستويات الهرمون وبالتالي تفادي هذه الأعراض، حسب ما جاء في موقع صحيفة “دي إيلترن” الإلكترونية.
  •  خلاصة نبات كف مريم يقضي على عدد من الميكروبات ومن أهمها السالمونيلا.

طريقة الاستخدام

يؤخذ من العشبة غصنين أو ثلاثة أغصان وتغسل جيدا، يصب عليها كوب ماء مغلي، وتترك لتنقع نصف ساعة، ومن ثم تصفى وتشرب.

 تواجده في الاردن

يتواجد بكثره في المناطق الصحراوية وسط وجنوب و  جنوب شرق الأردن

image2
نبات كف مريم الاخضر في مناطق شرق الديسي جنوب الاردن
image3
نبات كف  مريم  الاخضر  في  مناطق شرق الديسي  جنوب  الاردن
image4
نبات كف مريم عند الجفاف
image5
نبات كف مريم عند الجفاف
image6
نبات كف مريم عند الجفاف

  

 

 المصادر :

أبحاث الجيولوجي  احمد  عبدالله  الغرايبة / باحث دكتوراه في اكاديمية فرايبيرغ التكنولوجية -المانيا 

 

نبات كف مريم (نبات الطلق)

الفارسان الشيخان ذيـاب و صالح العوران

144
الأمير زيد بن الحسين و عدد من قادة الثورة و ووجهاء و شيوخ و فرسان الطفيلة ملتفين حوله في استعراضهم لغنائمهم من المدافع الألمانية و النمساوية أثناء تطهير الطفيلة من الاحتلال العثماني

مقدّمة

في الــ 25 من كانون الثاني عام 1918  خاض أهالي الطفيلة المعركة الحاسمة المعروفة بحد الدقيق ضد أرتال وطوابير الاحتلال العثماني التركي بعد ان اجتمع أهل الطفيلة على قلب رجل واحد لنصرة الثورة العربية الكبرى والانضمام لقوات الشريف الحسين بن علي بزعامة الشيخ ذياب العوران الذي كان احد الزعماء الكبار في الطفيلة انذاك.

في هذا البحث نستعرض سيرة الشيخ ذياب العوران أحد قادة معارك الطفيلة في الثورة العربية الكبرى و أبطالها العظام ، و سيرة نجله الشيخ صالح العوران ” وريث ارث الثورة و البطولة و الفداء “

الفارس البطل ذياب العوران

نسبه و نشأته

هو الشيخ ذياب عبدالرحمن عبيدالله العوران ، ولد في مدينة الطفيلة عام 1853م، وهو أحد أبناء الشيخ عبدالرحمن الذي أنجب يحيى وخليل وأحمد ومحمود وجعفر وعبدربه ، وساهم في تأسيس القواعد العشائرية، وتقلد زمام الزعامة في جنوب الاردن أيام الحكم العثماني.

موقفه من الثورة العربية الكبرى

كان الشيخ ذياب العوران أحد زعامات مدينة الطفيلة المشهود له بالكرم و الفروسية و الزعامة المتوارثة و الرأي السديد، وكان صاحب اجماع و مكانة بين عشائر الطفيلة و شيوخها، وتولى لمرات عديدة مهمات الدفاع عن أبناء المدينة، وجلب حقوقهم، ومحاولة الحفاظ على أعلى حالات ديمومة الأمن و الاستقرار للمدينة ابناء السيطرة العثمانية عليها حتى اندلاع الحرب العالمية الأولى.

و بسبب الاحتلال العثماني والاضطهاد الذي كان يتعرض له أبناء الطفيلة اجتمعوا بقيادة شيخ المنطقة ذياب العوران واتفقوا على رأي واحد وهو الانضمام لقوات الشريف حسين، فوصلت مواقفهم للأمير فيصل الذي كان متواجدا في معسكر القويرة، حيث سارع الشيخ ذياب العوران بإرسال ابنه عبدالسلام – تبعا لإجماع أهل المدينة-  إلى الأمير فيصل القائد العام لجيوش الثورة العربية الكبرى في الأردن وذلك بشكل سري نظرا لكثرة العيون و الجواسيس المنتدبين من قبل القيادة التركية المحتّلة لمراقبة خطوط تواصل شيوخ العشائر الأردنية مع قادة الثورة و معسكراتها، ووصل عبد السلام ذياب العوران حاملا رسالة أهل الطفيلة و شيوخها من أجل إبلاغ الأمير فيصل للتقدم بقوات الثورة اتجاه الطفيلة و للتوجه نحو الحامية التركية المكونة من أكثر من 200 جندي والتي كان قائدها العربي ( زكي الحلبي ) والاخير هو ايضا كان على اتصال سري مع الامير فيصل .

هذه الاتصالات السرية والتي كانت قناتها الأبرز الشيخ ذياب العوران ساهمت بشكل مهم في دخول قوات الثورة الى الطفيلة واستسلام الحامية التركية فيها ورضوخها، حيث جرت الاتصالات لاحقا بين الامير زيد بن الحسين وبين الشيخ ذياب العوران شيخ مشايخ الطفيلة وذلك لمساندة الثورة ورجالها ضد الاتراك، وقد استعد الشيخ ذياب العوران للوقوف الى جانب الثورة، فوصل الشريف ناصر بن علي ومن معه من رجاله الى منطقة الطفيلة ، وأقامت لهم عشائر الطفيلة معسكرا في وادي الفرس ، حيث حضر الشيخ ذياب العوران ليرحب بالشريف ناصر ومن معه، وهناك وقفت عشائر الطفيلة تستقبل قوات الشريف ناصر بن علي القادمة من الشرق بالأهازيج المعروفة لديها،  و عرف عن الشيخ ذياب العوران بأنه كانت تربطه صداقة مع كل من الشيخ عودة أبوتايه ومحمد بن جازي شيوخ الحويطات وقد ساهم هذا الأمر في التفافهم جميعا حول راية الثورة و دعمهم لها،  ومن وادي الفرس توجه الشريف ناصر يرافقه الشيخ ذياب العوران الى الحامية التركية شرقي الطفيلة وجرت مفاوضات بين الطرفين كان من نتيجتها ان استسلمت القوة التركية في 15 كانون الثاني عام 1918م. وفي نفس اليوم وصل الى الطفيلة الشريف مستور وقواته القادمة من الغرب ومعه شيخ الحويطات حمد بن جازي والملازم محمد علي العجلوني وبالنهاية تم رفع راية الثورة على قلعة الطفيلة في تاريخ 15/كانون الثاني / 1918

وفي الأيام التالية وصل الأمير زيد بن الحسين وجعفر العسكري ومعهما قوة نظامية صغيرة وأقاموا معسكرهم في جنوب الطفيلة بجوار مزار جابر الانصاري.

و عند وصول الخبر الى الاحتلال العثماني عن استسلام  الحامية التركية على يد قوات الثورة  وبجهود عشائر الطفيلة وعلى رأسهم الشيخ ذياب العوران  زاد هذا الأمر من اضطراب الاحتلال التركي و زاد من خوف الأتراك من تحرير المناطق الأخرى من قبل قوات الثورة، وبدأت على عجل بإرسال رسائلها المتكررة للشيخ ذياب العوران و أهالي الطفيلة تدعوهم لمساندتها في وجه جيش الثورة العربية الكبرى و قادتها مقدما الاغراءات و الوعود بكافة أصنافها ، لكن الرفض كان قاطعا و أعلنت الطفيلة أنها لن تميل أو تتزحزح عن موقفها الداعي لتحرير الطفيلة من الاحتلال العثماني لها، فمزقت رسائل الأتراك و شدّت على أيدي زعاماتها بأنها لن تتنازل أو تتراجع عن محاربة الجيش التركي في حال قرر إعادة احتلال المدينة، وحينها وبعد أن علمت القيادة التركية بالموقف القاطع لعشائر الطفيلة و شيوخها قررت اعادة احتلال الطفيلة و البطش بعشائرها و اذاقتهم صنوف الاجرام و العذاب عبر تصريح الجنرال التركي حامد فخري قبيل وصوله للطفيلة بأنه سيضع سيفه في رقاب أهل الطفيلة جميعا، و كان واضحا اصرار القوات التركية و حلفائها الألمان و النمساويين على استعادة الطفيلة لأهميتها الاستراتيجية السياسية والاجتماعية والعسكرية والتي توفر حماية طبيعية جغرافية .

دوره في معركة حد الدقيق

وفي معركة حد الدقيق، و ما أن وصل حامد فخري مشارف وادي الحسا حتى بدأ بممارسة تهديده وبواسطة مدافع (القدرتلي) التي اصابت ثلاثة مواقع في الطفيلة.

وكأن ما حدث هو ايذان بإعلان معركة، وبقي اهل الطفيلة في البلدة ولم يغادروها انما استعدوا للمواجهة بأسلحتهم فتشاور كبارهم وعلى رأسهم الشيخ ذياب العوران لمقابلة الامير زيد في خاصرة الطفيلة الجنوبية ليمدوا له يد العون. وكانت قذائف مدافع الاتراك تلك انطلقت مساء 24 كانون الثاني من وادي الحسا – شمال الطفيلة ثم ارتاحت القوات التركية تلك الليلة في بطن الوادي فرجالها من مجموعات المشاة جاءوا راجلين.

وعند وصول خبر زحف الاحتلال التركي تجاه الطفيلة الى الأمير زيد ،بادر بإرسال رسائله الى الامير فيصل لينبئه بالزحف العثماني الى الطفيلة وطالبا منه العمل على امداده.

 فكان رأي الامير فيصل ان يستعين الامير زيد فورا بالشيخ ذياب العوران لحشد المقاتلين من فرسان الطفيلة و شبابها، وايضا من اجل الإغارة على السكة التي هي شريان المواصلات الرئيسي للأتراك وعبره يتم نقل المؤن و الأسلحة و الأسرى. ويوضح المؤرخ سليمان القوابعة؛ لم تكن تلك القوة التابعة للأمير زيد في الطفيلة كافية بحيث تستطيع ان تواجه قوة الترك مباشرة في الميدان، فالنظاميون كلهم لا يزيد عددهم على ستين وهم جنود الرشاشات الأربع يقودهم الملازم صبحي العمري، وجنود المدفعين الجبليين (اللذين) لم يكن مع كل منهما سوى ثماني طلقات واثني عشر خيالا وعدد من المتطوعين المحليين يقدر عددهم بخمسين رجلا ويقودهم الرئيس اسماعيل نامق بالإضافة الى عدد من الحجازيين يشكلون خاصة الامير زيد و حاشيته.

بعد ان تواردت انباء الحملة التركية من وادي الحسا اجتمع شيوخ الطفيلة ومعهم  الشيخ ذياب العوران وعقدوا أمرهم على نصرة الثورة فتوجهوا الى مخيم الامير زيد واحتشدوا ظهر يوم 25 كانون الثاني بعدد يزيد على الثلاثين من كبار اهل البلدة وهم خيالة وتبعهم راجلون وطلبوا من الأمير ان يتجه معهم بقواته لمرتفع الطفيلة في العيص لمواجهة الترك فاعتذر بداية اذ لا يستطيع ان يغامر بالمدافع، كما اضاف ان ذخيرة مدافعه ضئيلة جدا غير ان الرجال ألحوا عليه فتريث قليلا.

وفي نهاية معركة حد الدقيق و بعد تحقيق الانتصار وصل المقاتلون ومعهم الاسرى الاتراك ليلا الى داخل  البلدة حيث حيث كان الامير زيد وجعفر العسكري وعبدالله الدليمي وراسم سردست وصبحي العمري يقيمون في منزل الشيخ ذياب العوران.

وهكذا كان للشيخ ذياب العوران الدور الكبير في تثبيت دعائم انتصار ثورة الأردنيين و أهل الطفيلة على الاحتلال التركي.

توفي الشيخ ذياب العوران في عام 1938م، بعد حياة حافلة بالعطاء و التضحية و الانتماء الوطني .

  

الشيخ صالح باشا ذياب العوران

200199290116470

**مقدمة :

كانت حياة صالح العوران والظروف التي نشأ فيها بيئة ملائمة لبروز شخصيته ومقدرته على الاضطلاع بجهود ومهام صعبة ، بين فترات حرجة من عمر الدولة الأردنية ، كما عايش الإرهاصات التي سبقت مرحلة التأسيس ، فكان بذلك رجل مرحلتين مهمتين كان لهما دورهما الكبير في ما آلت إليه الحال في المنطقة برمتها ، وفي مختلف الميادين السياسية والعسكرية والاقتصادية.

**نشأته :

ولد الشيخ صالح باشا العوران في الطفيلة سنة 1888 م ، وينتسب الشيخ صالح ذياب الى عشيرة العوران الواقعة بجذروها في الطفيلة بالجنوب الاردني ، ويعد ذياب العوران من اشهر الزعامات العشائرية  الاردنية وكان من الزعماء المهابين من قبل رجال الاحتلال العثماني انذاك..

**موقفه من الثورة العربية الكبرى:

حظي الشيخ صالح ذياب العوران بتربية قوية وشجاعة وذات خبرة بسبب مرافقته لوالده ذياب العوران ، في بداية طفولته تعلم تعليماً اولياً من خلال الكُتاب ولكنه لم يكمل مراحله الثانوية ، ثم توجه الى الحياة العملية و كسب الخبرات المتراكمة وان يساهم بشكل مبكر مع اخاه عبد السلام الاكبر منه سناً في مساعدة والدهما ، وكان له الدور بالمساهمة في معارك الطفيلة وفي جيش الثورة العربية الكبرى. كانت الثورة العربية الكبرى حالة ذات ابعاد عميقة في وجدان الشيخ الباشا صالح العوران التي حمل رسالتها طوال سنوات عمره ، ولم يتباطئ عن دوره في بناء مؤسسات الدولة الاردنية منذ تأسيسها عام 1921.

**الشيخ صالح باشا العوران والجو الاجتماعي:

عاش الشيخ صالح العوران في جو اجتماعي عشائري فيه طابع الرجولة والعشائرية والنشاط وفي نفس الوقت فيه الكثير من الإنسانية والتعاون مع المجتمع كله، دخل السياسية بطريقة غير مباشرة ، ففي تلك الفترة لم تكن الأمور واضحة بل متغيرة، فقد عاشوا في فترة صعبة جدا على المستوى المحلي الأردني في عهد الاحتلال العثماني.

أما عن مشاركته السياسية فقد كان الشيخ صالح العوران عضوا في أول مجلس تشريعي وكان ذلك عام 1929 و واستمر لفترة لا بأس بها فأول خمس مجالس تشريعية كان عضوا فيها ، إلى أن جاء مجلس النواب ، فقد  قام بواجب وطني تجاه القيادة الهاشمية و تجاه الطفيلة و تجاه الأردن لأنه جزء من مؤسسة كبيرة جدا.

وكان يؤدي دوره هناك كواجب وطني  أردني مقدس  ومن هذا المنطلق فقط بدأ بالمجلس التشريعي واستمر فيه ثم جاء إلى مجلس النواب في نهاية الاربعينات ، فعندما تأسس المؤتمر كان عدد اعضائه 20 شخص وكان منهم صالح العوران وهذا يعني أن صالح العوران هو واحد من الأشخاص العشرين الذين صاغوا دستور هذا الوطن و مما يعتز به أبناء الطفيلة أن صالح العوران كان في المؤتمر التأسيسي الأول وكان صاحب دور فاعل.

**  الشيخ صالح باشا العوران و الملك المؤسس عبدالله الاول بن الحسين :

Mouran
معالي محمد صالح العوران

 تحدث معالي محمد صالح العوران عن والده  في لقاء له مع جريدة الدستور قائلاً :

أما عن علاقة الشيخ صالح العوران بالملك المؤسس فقد كانت العلاقة مميزة بين المرحوم الملك المؤسس وبين والدي بالإضافة إلى الزيارات التي كان يقوم بها الملك عبد الله إلى جميع محافظات المملكة وسمعت كثيرا أنه كان يأتي إلينا في المنزل ويبقى أياما ليلتقي بكل زعماء المنطقة ، كما يضيف أنه في عام 1950 قبل وفاة الملك المؤسس بسنة واحدة كان هو في الصف الرابع فكلفه والده أن يلقي بعض أبيات من الشعر أمام جلالة الملك عبد الله في زيارته للطفيلة وكان استاذه  الكبير زيد الكيلاني هو الذي كتب له الأبيات فقال:

 يا مرحباً بجلالة الملك الأبيّ           يا مرحبا بالهاشمي اليعرب

شرفت ديرتنا فباركتها الحياة          وسرت في أرضنا روح النبي

**الجانب الاجتماعي العشائري لصالح باشا العوران :

صالح باشا العوران هو ابن ذياب باشا العوران كما اسلفنا تربى في بيت مشيخة بمعناها القيمي والأخلاقي و كان قاضيا عشائرياً ، يمثل قمة معنى العطاء والإنسانية وإصلاح ذات البين،  يوجه الناس لخيرهم، معطاءاً كريماً وبالتالي كانت سرايا ذياب العوران ومن بعده صالح العوران ملجًأ للمعوزين و المحتاجين و أبناء السبيل و الضيوف، يذهبون هناك ليجدوا الرفادة والسياقة وكرم ضيافة الطفيلي و نخوته .

ساهم الشيخ صالح العوران في حل القضايا الاجتماعية والعشائرية، وعمل على تلبية طلب كل صاحب حاجة، فساعد الفقير، وأغاث الملهوف، وكثيراً ما لجأ إليه رجال الحكم المحلي في الطفيلة ومدن الجنوب، ليساعد في حل كثير من القضايا الصعبة، خاصة القضايا والمشاكل ذات البعد العشائري، نظراً لمعرفته الكبيرة بالعادات والتقاليد العشائرية، وضلوعه بالقضاء العشائري، الذي يعد قضاءً مسانداً بفعالية كبيرة للقضاء المدني، لذا تمتع بتقدير خاص بين الناس، وباحترام وتقدير كبيرين لدى كبار مسؤولي الدولة، وقد واصل العمل المتميز والمخلص حتى وفاته عام 1955، ودفن في مدينة الطفيلة مسقط رأسه والمكان الأحب إلى نفسه.

المصادر و المراجع :

  • الثورة العربية الكبرى ( معارك الطفيلة – صور من البطولة ) ، سليمان حمّاد القوابعة ، أزمنة للنشر و التوزيع ، الطبعة الأولى،2008
  • التاريخ العسكري للثورة العربية الكبرى فوق الأرض الأردنية / بكر خازر المجالي، قاسم محمد الدروع 1995 .
  • الثورة العربية الكبرى : الحرب في الأردن 1917-1918 : مذكرات الأمير زيد بن الحسين / سليمان الموسى، دائرة الثقافة والفنون.
  • كتاب الطفيلة مملكة الادوميين وارض الكروم ، سلطان الحطاب
  • جريدة الدستور لقاء مع معالي الدكتور محمد صالح العوران بتاريخ 8 /تشرين الثاني/ 2007
  • لقاء مع الدكتورة سوسن العوران – حفيدة الشيخ صالح العوران- من قبل فريق إرث الاردن في مكتبها بالجامعة الاردنية
  • لقاء مع معالي الدكتور محمد العوان من قبل فريق إرث الاردن بتاريخ19/اذار/2016
  • موقع خبرني، مقال للاستاذ بسام العوران في تاريخ : 29/10/2015
  • وكالة انباء سرايا الاخبارية، مقال للاستاذ بسام العوران في تاريخ 07-04-2010

شيخ و فارس و ثورة ( ذياب و صالح العوران )

     معارك التحرير في الطفيلة –  دَيرْة الغور

141
صورة لمدينة الطفيلة و تظهر قلعة الطفيلة أعلى الجبل و التي تمركزت فيها قوات الثورة و فرسان الطفيلة إبان تطهير الطفيلة من الاحتلال العثماني

مقدمة
قدمنا في المسار الرابع لعمليات التحرير توضيحا تفصيليا عن معارك الطفيلة و معركتها المشهورة باسم ( حدّ الدقيق ) و تضحيات عشائر الطفيلة تحت قيادة الأمير زيد بن الحسين في مواجهة الاحتلال التركي العثماني و حلفائه ،استراتيجية التنظيم العسكري لقوات الثورة فيها.

وقدمنا سجلا للشهداء الأبطال و الجريحات من النشميات و الحرائر، وعرضنا انتصار قوات الثورة و فرسان عشائر الطفيلة على الحملة التأديبية الأولى التي قادها الجنرال حامد فخري ، وكيف تلقت قوات الاحتلال التركي هزيمة نكراء و عادت تجر أذيال الخيبة و الصدمة أمام شجاعة مقاتلي الطفيلة.

في هذا الجزء نستعرض مسار حملة التأديب الثانية التي شنتها قوات الاحتلال التركي ضد أهل الطفيلة بعد هزيمتها أمام فرسانها، و كيف نكّلوا بأهل الطفيلة عبر القصف بالطائرات الألمانية، و اضطروهم لتكبد جحيم النزوح ، عبر رحلة شاقة وموجعة، أصابت الأطفال والنساء معاً، واضطرت النساء الحوامل أن ينجبن خلال ذلك المسير الطويل بين الأودية الوعرة، ونوضح كيف أصبحت رحلة الدوران حدثاً هاماً يؤرخ به أهل الطفيلة أعمار الناس ووقائع حياتهم و تُسمى عندهم بـ ( دَيرْة الغور ).

T2
عدد من فرسان عشائر الطفيلة أثناء عمليات الترقب و الاستطلاع للقوات التركية الغازية

حملة التأديب الثانية

مع مطلع شهر شباط  من عام 1918 ومع الهزيمة القاسية التي تلقاها الجيش التركي وحلفاءه الألمان و النمساويين في مدينة الطفيلة فإن الاحتلال العثماني بدأ يخطط لهجوم على الطفيلة وبحملة مدروسة تسمى ( الحملة التأديبية الثانية  لأهل الطفيلة ) بعد حملة حامد فخري التي توعد فيها الطفيلة ليمحقها ويقلب عاليها سافلها، ويضع السيف فى رقاب أهلها وهذا ما يذكره المؤرخ سليمان الموسى في كتابه ” لورنس والعرب ” ص١٥٣  وكان الهدف الرئيسي من هذه الحملة هو إزاحة قوات الثورة بشكل نهائي واحتلال البلدة.


الحملة التأديبية التركية ومساراتها

حان الوقت لدى الأتراك والألمان لينطلقوا بحملتهم المعدة لإعادة احتلال الطفيلة- بعد طردهم منها- في مطلع شهر آذار 1918، ويذكر أمين سعيد فى كتابه ( الثورة العربية الكبرى، م1 ، ص٢٤٥ ).

” وعلى أثر هذه الكارثة – يقصد المعركة السابقة التي هزم بها الأتراك من فرسان الطفيلة – جاء المارشال الألماني فون فالنكنهاين إلى معان، وتفقد المكان، وأمرت القيادة العليا محمد جمال باشا بأن ينتقل إلى محطة جرف الدراويش ليقود القوات التركية التى صدر الأمر سراً بحشدها لاستعادة الطفيلة وسموها ( قوى التأديب ) وكانت بقيادة الضابط الألماني ( نيونيدر ماير ) ومعه قوات تركية وبلوك خياله ألماني مع رشاشاته وكتائب فنية مع تليفون وبرق لاسلكي واستحكام “.

 

مواجهات صعبة و المحتل يعيد حساباته

يبدو أن المعارك في مدينة الطفيلة انتقلت من مراحل التماس في نهاية شباط إلى مواجهات صارمة زاد في قسوتها تكثيف العدو التركي لقواته والإستعانة بوسائله الفنية ومضاعفة مدفعيته وطائراته التي لامست الروح المعنوية عند الجنود والأهالي فأصبحت اللقاءات بين الطرفين صعبة جداً خاصة في مرتفعات الطفيلة الشرقية، التوانه وعابور والمصلى والحرير وغيره.

وقد استفادت القوات التركية المحتلة مما حدث لها في معركة الطفيلة القديمة ـ  معركة حد الدقيق – ففي هجومها الجديد – الحملة التأديبية الثانية – اختارت هذه القوات اتجاهاً آخر للهجوم غير المسار السابق المُتعب الذي اعتمدته في سيرها من نواحي الكرك إلى وادي الحسا في أرض شديدة الوعورة، أما الآن فهي تنطلق من شرق صحراوي واسع وينفع في كشف من يواجهها، تدعمها طائراتها وتسيطر على سكة الحديد هناك بعد أن أصلحت ما خرب منها، وبعد أن توقفت موجة البرد والثلوج في نهاية كانون الثاني وشباط ومطلع آذار فإن القوات التركية المحتلة ستأمن شر برودة الجبال الواقعة غربي محطتي الجرف والحسا وهي تتجه غرباً إلى الطفيلة.

وفي هذا الوقت من نهاية الأسبوع الأول من آذار حدثت لقاءات صعبة بين قوات الثورة وفرسان الطفيلة والتي يعوزها سرعة الإسناد بالمؤن والذخيرة ونقص الإمدادات بسبب البعد عن مراكز القيادة الرئيسية، وبين القوات المعادية – تركية، ألمانية، نمساوية و بلغارية – والتي تمتلك أسلحة حديثة وظهيراً متماسكاً.

وكانت أول المنازلة بعد محطة الجرف وعلى بعد 16 كم غرباً وفي خربة التوانه، وهي موقع مهم فيه نبع ماء غزير فاحتلته قوات الاحتلال التركي التي واصلت طريقها غرباً بمحورين متقاربين أحدهما احتل خربة عابور التي تبعد ٥ كم عن التوانة وعن الجرف 19 كم، أما المحور الآخر المرافق من اليسار – جنوباً – فقد اتجه إلى ما يراه من مرتفعات – الطولانه، أم الحرمل، المصلى، السحبانية و وادي الحرير – ويعترضه ثّوّار الطفيلة والعشائر البدوية الأردنية القاطنة هناك وخاصة فرسان عشيرة المناعيين.

كانت القوات التركية ومن معها ترتاح في الليل في مواقع محروسة ترسل أضواء كاشفة، وفي النهار تتحرك بسرعة مستعينين بالمدافع ذات المدى البعيد والتى تمهد للزحف،  وتذكر بعض المصادر إن الهدف من الحملة التأديبية كان واضحاً و هو تنفيذ سياسة ( المطحنة ) بحيث تتقدم القوات التركية، وتتراجع قوات الثورة أمامهم فيبتلعون الأرض ويطحنون القوات والسكان وتدفعهم باتجاه خليج العقبة لتأمين الاتصال مع القوات التركية المحتلة في معان ).

ارتدّت قوات الأمير زيد بعد منازلات غير متكافئة لتتواجد في مرتفع العيص، ولكنها لم تستطع الثبات بسبب نقص المؤن و الذخيرة فاتجهت إلى الطفيلة ومنها جنوباً إلى الرشادية في ٦ آذار ، وشعرالناس بثقل الوقت والمفاجأة بما حدث، تبع ذلك دخول القوات التركية المحتلة بلدة الطفيلة وأقاموا فيها – بعد نزوح اهل الطفيلة إلى الأغوار الجنوبية – وتجول الجنود في أسواق البلدة، وتسللوا إلى البيوت ونهبوا ما وقعت أيديهم عليه وخربوا بعض مصادر الماء والبرك وقنوات المياه كعادتهم في السلب و النهب و التخريب.

رجم الشاويش

كان الزحف التركي الذي حطّ على المنطقة  يعتمد على التمركز في قمم جبال كاشفة وهو يتقدم، ورغم أن المقاومين من أهل المنطقة لم يغيبوا عن ساحات القتال و ظلوا يتصدون للزحف، إلا أن كثافة نيران العدو التركي من أسلحته الحديثة لم تترك لهم مجالاً في مواصلة الصمود، ولم تسلم مضارب أهل الجبال وتجمعات بيوت الشعر من مدافع الترك وقنابل الطائرات.

T1
مقاتلو الثورة العربية الكبرى من فرسان ووجهاء عشائر الطفيلة

ومن الرجال المقاومين في أحشاء الجبال سقط عدد منهم فى تلك المواجهات وما زالت قبورهم شاهدة في تلك السفوح في الطولانه، ويستطيع المتجول شرقي هذه السفوح أن يرى بين الصخور قطعاً من الهياكل العظمية التي كشفت عنها أمطار الشتاء وعوامل التعرية – خاصة في أم حبابيل وأم احميطه – وهناك أيضاً كانت مقبرة جماعية ل ( ١٥ ) جندي شهيد من قوات الثورة عاد إلى جثثهم الريفيون ودفنوهم في حفرة واحدة وهذا ما يشير إليه صبحي العمري أنه قرب جبل ما المصلى في كتابه ( لورنس كما عرفته، ص210 ).

وسُمي المدفن ب ( رجم الشاويش ) حيث وضعت كومة حجارة لتغطي القبر، ونسب إسم الموقع لشاويش المجموعة، كما سمي مكان آخر قريب جبل ( الخطبة ) نسبة إلى من استشهد من المقاومين من عائلة ( خطبة الحميدات ) ومشهده واضح جداً.

ديرة الغور

ما أن شاهد أهل الطفيلة انسحاب قوات الثورة بأسلحتها وبسرعة ملفتة وسماعهم للأخبار الآتية من العدو التركي أن الحملة التركية هي حملة تأديبية حتى اجتمع رجال البلدة واتفقوا على رأي واحد ينص على أن ينقسم الرّجال إلى مجموعتين :

– المجموعة الأولى ترافق النساء والأطفال إلى غور فيفا لحمايتهم من عبث جنود الجيش التركي وتحرشهم المعهود بالنساء و الصبيان.

– المجموعة الثانية تلتحق بقوات الأمير زيد في الرشادية لتستمر في دور القتال و تحت إمرة قائد الفصيل ( إحمود ) كمتطوعين دائمين في بقية ما ينتظر من معارك الثورة.

وعلى اثر هذا الرأي اتجهت المجموعة الأولى في يومي 6 ، 7 آذار ١٩١٨ باتجاه قرية عيمه، وحاول أهل قرية عيمة بما عرف عنهم من كرم ونخوة أن يقنعوا أهل الطفيلة القادمين إليهم بالبقاء معهم ويكون العيش مناصفة بين الجميع، وتغلب رأي من دعا إلى الابتعاد عن التماس مع جنود الترك خوفاً على النساء قبل كل شيء، فواصلت هذه المجموعة نحو منحدر( مليح ) وأم جفنه غرباً ثم إلى غور فيفا وميلاً إلى الجنوب حيث وادي عربة ثم ( الضحل ).

ولما سمع الناس أن الأتراك رحلوا فيما بعد عن الطفيلة مال رجال المجموعة ومن معهم من نساء وأطفال إلى الشرق حيث مغاريب قرية بصيرة، فصعدوا إلى خاصرة مرتفع ( الكولة ) ومنه إلى عين البيضاء، ومن ثم إلى الطفيلة فوصل أولهم البلدة يوم 23 / 3 / 1918، وتبعهم آخرون على مراحل، وكانت تلك الرحلة شاقة وموجعة، أصابت الأطفال والنساء معاً، كما أن بعض النساء الحوامل أنجبن خلال ذلك المسير الطويل، وأصبحت رحلة الدوران هذه تُسمى عند أهل الطفيلة بـ ( دَيرْة الغور )، وظلت حدثاً هاماً يؤرخ به السكان أعمار الناس ووقائع حياتهم.

 

رسالة من الأمير زيد إلى الأمير فيصل

20 اذار 1918

( العدو أخلى الطفيلة وتقهقر، بعثت الشريف علي بن عريد والشيخ حمد بن جازي، ومعهم رهط عسكر مع وكيل قائمقام لحفظ الديرة، يلزم تحرير كتاب للشيخ ذياب من طرف سموكم بأن يحضر لديكم لأجل المذاكرة معه في شؤون قضائه لأن بقاءه في الطفيلة في الوقت الحاضر يضر، استرحم إرسال القائمقام ومأمور الشرطة للطفيلة.

كان انسحاب العدو التركي من الطفيلة بدون تعجّل إذ سار على مراحل، أي إن انسحابهم لم يكن شاملاً لأن وحداتهم الاستطلاعية المتمركزة في المرتفعات الشرقية للطفيلة وفي محطتي الحسا وجرف الدراويش ظلت تقوم بأعمال دوريات نحو الطفيلة بصورة متواصلة، وقد عادت إحدى دورياتهم في أواخر آذار إلى خرب العيص المشرفة على الطفيلة وأسرت عدداً من أبناء الطفيلة، ثم أرسل ضباطها يهددون الشيخ ذياب العوران حتى يتعاون معهم ضد الثورة، ومن خلال قوتهم المسيطرة على مرتفعات ومشارف البلدة، وخلّو المنطقة من قوات رادعة أوصلوا رسائلهم إلى السكان أن بدّلوا موقفكم تأمنوا جانبنا.

وبعد أيام اختلفت ظروف الحرب إذ جاء أمر مفاجئ بإنسحاب الترك يوم  23 / 3 / 1918 وهذا الأمر جاء بسبب الزحف البريطاني من فلسطين باتجاه الشرق ومحاولة اجتياز نهر الأردن ليصل إلى مرتفعات السلط، فلا بد من مواجهة التقدّم البريطاني فأمرت القيادة التركية قواتها في الطفيلة بالانسحاب لتعزيز الجبهة حول عمان للدفاع، وهكذا حان الوقت لقوات الثورة لتدخل الطفيلة من جديد ولتبدأ استعدادات القوات لمرحلة جديدة من العمليات العسكرية.

عودة أهل الطفيلة إلى بلدتهم

بعد نزوح نساء الطفيلة والأطفال ورجال الحماية نحو الأغوار في وقت الهجوم التركي والحملة التأديبية، ولمدة غياب متعبة حوالي ثلاث أسابيع، عاد من نزحوا عندما غادرت القوات التركية المحتلة البلدة، فوجدوا الدمار والتخريب قد حل بيوتهم، وراحوا يرممون ما خربه الاحتلال التركي في الأواخر من أيام آذار ومطلع نيسان، وفي ذاكرتهم من دفن في الرحلة أو من ولد في موقع ما، ونسي الناس مواجعهم وهم يصلحون ما تعرضت له قنوات الري والبرك والترع من عبث تركي أو إهمال .

رجال الطفيلة يهاجمون العدو في الجرف والحسا

أرسل الأمير زيد إلى الطفيلة من جانبه ( طارش ) – أي مرسال – يطلب العون من أهل الطفيلة في مهاجمة قوات العدو في محطتي جرف الدراويش والحسا حتى لا يتعثر مسير قوات الثورة وهي تتجه إلى الشمال ».

وتورد الروايات الشفوية من فرسان الطفيلة ما يلي : ” جاءنا ( الطارش ) وقت غروب في ساعة من آخر أيام شهر آذار فانتشر الخبر، وتجمع رجال البلدة في باحة جامع محمد بن الحنفيه – المسمى حالياً بجامع النشاش نسبة إلى خادمه – وتشاوروا ثم نظّموا أ أنفسهم في مجموعتين :

39
عدد من مقاتلي الثورة ( فرسان عشائر الطفيلة ) بالقرب أثناء مراقبة القوات التركية الغازية

– المجموعة الأولى وعدد رجالها سبعون فارسا مسلحاً توجهوا في الحال شرقاً إلى الجرف سيراً على الأقدام – مسافة أربعين كيلومتر – وفاجأوا الحامية التركية هناك آخر الليل، وقد فرّ جنود الحامية باتجاه محطة الحسا وتركوا قتلاهم.

– المجموعة الثانية وعدد فرسانها ثمانون مقاتلاً فقد اتجهوا في الوقت نفسه إلى الشمال نحو وادي الحسا، ثم مالوا إلى الشرق حيث منبع الوادي وحين اقتربوا من المحطة فاجأوا جنود العدو هناك وقت الفجر فأصاب هؤلاء ما أصاب جماعتهم في الجرف فأخذهم الذعر وانسحبوا متعجلين إلى الشمال نحو القطرانة، ولم تكن خسائر رجال الطفيلة تذكر سوى بعض الجرحى وثلاثة شهداء عادت جثثهم إلى الطفيلة محمولة على أكتاف رفاقهم، وقد انضم لرجال المجموعتين بعض فرسان عشيرة المناعيين.

 

رسالة من الأمير زيد إلى الملك حسين بن علي

– الفقي ( الجردون ) :5 أيار 1918

إن سقوط معان يكون في الوقت العاجل، وأن العدو لم يتشبث في استرداد أوتعمير ما تخرب من الحديد – أي السكة – فالظاهر من هذه الحالة أن العدو قطع الأمل من معان وجنوب الأردن، ولا شك أن هذه أكبر فرصة لجيوش الثورة الجنوبية لسحق العدو التركي، مراكزنا قريبة من بعضها بعض، الطفيلة عقب تحريرها بأيدينا مرة ثانية؛ بعثت الشريف علي بن عريد إلى هناك ونزل فيها من البادية.

الطائرات الألمانية تقصف الطفيلة

و على أثر الهجومين اللذين نفذهما رجال الطفيلة على محطتي الجرف والحسا توالت هجمات الطائرات على مضارب عربان أهل الطفيلة – وهم في موسم الحصاد في جبالهم – وبطرق وحشية وخاصة ما أصاب مضارب عشيرة البحرات في الملافيس جنوب شرق وادي الحرير، وأرسل أهل الطفيلة طارش ليخبر الأمير زيد ويبدو أن شعور العدو التركي بمرارة هزائمه راح يمارس غضبه مع الأسرى وأهل الريف في الجنوب، وهذا ما نجده فى رسالة استرحام من الأمير زيد إلى الأمير فيصل.

139
فرسان الطفيلة يتسلقون أحد مرتفعات الطفيلة أثناء عمليات تطهيرها قصفها من الطيران الألماني و يظهر الدخان المتصاعد من البيوت جراء القصف

 

وحشية الاحتلال

رسالة من الأمير زيد إلى الأمير فيصل

– الفقي : 11 شعبان ( ٢٣ / 5 / 1918 )

وفي هذه الرسالة يشير الامير زيد إلى الوحشية التي ارتكبها العدو التركي مع الأسرى الأردنيين و العرب  في معركة الجردونة وتم ذبحهم، ويطلب الأمير من أخيه فيصل إنذارا للعدو التركي، والجدير بالذكر أن أحد رجالات الطفيلة قد اشترك في هذه المعركة وقطعت رجله.

278JPG
من الشمال إلى اليمين : الأمير زيد بن الحسين ؛ الأمير فيصل بن الحسين ؛ و وبعض وجهاء العشائر الأردنية في منطقة أبو اللسن

 

رسالة من الامير فيصل إلى علي وهبي – قائد قوة المرتبة الأولى التركية المحتلة في معان

–  حزيران / ١٩١٨

 . . ” ومع أنكم قصفتم أهالي وادي موسى والطفيلة بالطائرات فإنا حتى الآن لم نرسل الطائرات لتقصف معان، وقصدنا من ضرب معان تحطيم مستودعات الذخيرة الحربية التركية،  إننا سنداوم على ضرب حاميتكم في معان حتى تقلعوا عن ضرب مضارب البدو بالطائرات  “.

 

 

 

المراجع :

الثورة العربية الكبرة ( معارك الطفيلة – صور من البطولة ) ، سليمان حمّاد القوابعة ، أزمنة للنشر و التوزيع ، الطبعة الأولى،ص125- 149، 2008 .

الثورة العربية الكبرى : الموسوعة التاريخية المصورة ، البحث التاريخي والإشراف الدكتور بكر خازر المجالي ؛ فريق العمل خولة ياسين الزغلوان ، و فريق الفرس الشقراء ، مركز أرض الأردن للدراسات والنشر،2011.

التاريخ العسكري للثورة العربية الكبرى فوق الأرض الأردنية / بكر خازر المجالي، قاسم محمد الدروع 1995 .

الثورة العربية الكبرى : الحرب في الأردن 1917-1918 : مذكرات الأمير زيد بن الحسين / سليمان الموسى، دائرة الثقافة والفنون.

المراسلات التاريخية 1914-1918 : الثورة العربية الكبرى. المجلد الأول / أعدها وحققها وكتب حواشيها وترجم بعضها سليمان الموسى، 1973.

ذكرياتي عن الثورة العربية الكبرى، محمد علي العجلوني، مكتبة الحرية ،عمّان ، 1956 .

المعارك الأولى : الطريق إلى دمشق، صبحي العمري، أوراق الثورة العربية؛ رياض الريس للكتب والنشر، لندن، بريطانيا ؛ ليماسول، قبرص ، 1991،  ط. 1.

المسار الخامس لمعارك التحرير – دَيرْة الغور

Scroll to top