Tammamيعتبر الأردن نقطة جذب ومحط أنظار للباحثين في الإرث الحضاري بمختلف اهتماماتهم، فتجد الباحث في عصور ما قبل التاريخ مهتماً بمواقع تلك الفترة لما تقدمه من معلومات قيّمة تربط الإنسانية بجذور التمدن والزراعة، وتجد الباحث في الفترات الكلاسيكية مهتماً بما تملكه مدن الأردن المبنية في الفترات اليونانية والرومانية  وما قدمته من تطور في مجال العمارة والتجارة وربط العالم ببعضه البعض، حتى أنك تجد عالم الآثار التوراتيّ ينقب بشغف علّه يجد ضالته، فيربط نصّه الديني مع الواقع الأثري في هذه البقعة من العالم التي شهدت أحداثاً عظيمة ومرّ على أرضها أنبياء وقديسين وعلماء وشعراء.

ولم يقف الاهتمام بالأردن عند البحث والتنقيب، فامتد لتتسابق كبرى المتاحف في العالم على اقتناء بعض من إرثنا الثمين، حتى أصبح الزائر لأحد تلك المتاحف قادراً على الإلمام بجزء من تاريخ الأردن من خلال ما يملكه متحف ما من إرثنا وآثارنا.

إلا أن هذا الواقع أصبح مؤرقاً رغم أنه يبدو لطيفاً ويخدمنا كما يظن البعض، ويبدو أن أهم عاملين يساهمان في ذلك هما: عدم فهم دور المتحف بشكل كافٍ في مجتمعنا، وعدم قدرة متاحفنا على الظهور على الساحة المحلية والدولية. وهذان عاملان يحتاجان إلى مقالة منفردة للتعمق فيهما.

لا يخفى على أي أردني أن كماً لا بأس به من إرثنا تم نقله إلى متاحف مختلفة خارج الأردن، كما لا يخفى أن كثيراً مما نقل خارج الأردن نفيس جداً ويحكي جانباً كبيراً من قصة الأردن والأردنيين. ومن أجل التوضيح، فإن عملية نقل القطع الأثرية إلى الخارج كانت في جزء منها قانونية، إذ كان قانون الآثار الأردني يتيح للمنقّب من البعثات الأجنبية الحصول على نصف ما يُعثر عليه في أي موقع يتم التنقيب فيه، وهو ما كان يعرف بقانون القسمة، ما أدى إلى انتقال كمٍ لا يستهان به من الآثار خارج الأردن بشكل قانوني. ولست في هذا المقام بصدد الحديث عن ذلك القانون الذي وبحمد الله تم تعديله وما عادت تلك القسمة الضيزى موجودة، وإنما أردت إيضاح أحد الطرق التي نقلت من خلالها آثارنا إلى خارج الأردن.

أما ما يعنينا هنا فهو الطرق غير القانونية التي تم نقل الآثار فيها إلى الخارج، كالتهريب والاتجار غير المشروع بالآثار المنقولة حتى باتت كبرى المزادات تتاجر بإرثنا وتاريخنا. وهذا عائد في المقام الأول إلى مستوى الوعي بأهمية التاريخ والإرث ويعكس خللاً في منظومة الوعي والأخلاق لدى من يتاجرون بإرثنا، وعلينا جميعاً أن نعمل على تعديل تلك المنظومة، كلٌ في مكانه وحسب إمكاناته وسلطاته.

قصر المشتى 1900 وتظهر الزخارف التي قام النظام التركي العثماني بنزعها واهدائها للقيصر الألماني تماشياً مع سلوك ادارة المزرعة بالحقبة
قصر المشتى 1900 وتظهر الزخارف التي قام النظام التركي العثماني بنزعها واهدائها للقيصر الألماني تماشياً مع سلوك ادارة المزرعة بالحقبة

أما النوع الأخطر الذي أدى إلى خروج نفائس إرثنا فيعود إلى الفترة التي كانت الأردن فيها تحت الاحتلال العثماني -ويحق لي أن أسميه احتلالاً- وفيما بعد تحت الانتداب البريطاني. ولعل أشهر قصتين يعلمهما كل أردني هما قصة بيع مسلّة ميشع لجندي فرنسي، وقصة إهداء السلطان عبد الحميد الثاني واجهة قصر المشتى لألمانيا لتستقر المسلة في متحف اللوفر، ولتزين واجهة المشتى مدخل متحف البرجامون في برلين.

وليست الحادثة بعينها ما يؤرقني، وإنما رأي البعض الذي بتُّ أسمعه يتردد في العديد من الأوساط المثقفة من ارتياحهم لوجود تلك النفائس في متاحف عالمية بحجة أنها ستكون في مأمن هناك أكثر من وجودها في متاحفنا، إضافة إلى أن البعض يجنح في رأيه إلى أن وجودها خارج الأردن يعطيها الفرصة لأن يشاهدها زوار أكثر مما لو عرضت في متاحفنا.

إن هذا الموضوع خطير جداً وبحاجة إلى توضيحه وسد تلك الذرائع الواهية بنظري. وإذا ما أردت الرد على هاتين الذريعتين، فإنني ربما أحتاج لسلسلة من المقالات، ولكن، وعلى عجالة أقول:

أولاً: من الظلم بمكان أن نعتبر أنفسنا غير مؤهلين للحفاظ على إرثنا لأننا ببساطة إن لم نكن قادرين على الحفاظ عليه، فأولى لنا أن نفقده لأننا لا نستحقه، إلا أننا طبعاً وحتماً قادرين على حمايته لا بل وقادرين على تقديمه للعالم بأبهى صوره. فإن كانت متاحفنا غير مجهزة بما يليق لعرضه، فإن هذا يعد دافعاً للنهوض بمتاحفنا للمستوى الذي يؤهلها لعرض إرثنا، لا أن نتباكى عليها ونجلد ذاتنا على عدم القدرة ونعطي مبرراً لغيرنا بأن يحفظ إرثنا نحن. إن هذه الذريعة غير مقبولة البتة. ناهيك عن أن الأردن يملك من المتاحف –وإن لم تكن كلها- ما يضاهي كبريات المتاحف في العالم، ولنأخذ متحف الأردن نموذجاً، حيث أن ما يوفره متحف الأردن من إمكانات للحفاظ على مقتنياته يفوق ما يوفره كثير من المتاحف حولنا وإن اتسعت الدائرة. وإن لم يكن متحف الأردن فهناك متاحف أخرى مؤهلة وتملك الإمكانات كالمتحف الوطني الأردني للفنون الجميلة. وما هذان إلا مثالين على ما يمكننا توفيره حفاظاً على إرثنا، بدل أن نتذرع ونبرر لغيرنا سبب امتلاكه إرثنا الذي نحن أولى به.

ثانياً: لولا آثارنا المعروضة في كبرى المتاحف في العالم، لما زار تلك المتاحف هذا الكم من الزوار سنوياً وليس العكس. ما يعني أن وجود القطع الأثرية الثمينة والهامة يدفع الناس إلى زيارتها للتعرف على قصتها. ومن هذا المنطلق، فإن الأولى أن نعرض إرثنا وأن نحكي قصته في متاحفنا لأن ذلك سيساهم كثيراً في جذب السياح إلى متاحفنا وبالتالي تحسين منتجنا السياحي وزيادة أعداد السياح القادمين إلينا. وكأحد العاملين في قطاع المتاحف، أشاهد يومياً زواراً يأتون للمتحف تحديداً لرؤية مخطوطات البحر الميت، إذ أن المخطوطات تشكل سبباً رئيساً في زيارتهم الأردن، فما بالك لو كانت المخطوطات ومسلة ميشع وواجهة المشتى وغيرهم الكثير؟؟؟ أليس هذا ما سيدفع الناس لزيارة متاحفنا وزيارة مواقعنا؟ أوليس مثل ذلك ما يدفع الناس لزيارة المتحف البريطاني والمتروبوليتان واللوفر وغيرهم من المتاحف؟؟؟

إذاً، القصة نحن من عكَسها وهي ببساطة كالتالي: هيّء متحفك جيداً، وضع فيه ما يروي قصتك ويجذب إليها الزوار، وسيأتونك من كل حدب وصوب. ومن أجل هذا علينا أن نحسن متاحفنا ونرقى بها إلى المستوى المأمول، لا أن نسقط إسقاطات من شأنها إعطاء الآخر مبرراً لعدم كفاءتنا على حماية إرثنا.

وأخيراً أقول: إن من واجب كل أردني أن يطالب بالحفاظ على إرثه، ومن واجب كل أردني أن يطالب بتوفير بيئة مناسبة تليق بموروثنا الحضاري. ولذلك علينا أن نعمل بكل ما أوتينا للوصول بمتاحفنا إلى المستوى الذي يؤهلها أن تضم كنوزنا.

 

تمّام الخصاونة

اختصاصي البيئة المتحفية

متحف الأردن

إرثنا ونحن أولى بعرضه…. حتماً

شاركت مؤسسة إرث الأردن باحتفالية مركز هيا الثقافي السنوية “أردن أرض العزم” بمناسبة احتفالات المملكة بالعيد السبعين لاستقلالها ومئوية الثورة العربية الكبرى لما في ذلك من فرصة لتوصيل قيم النهضة للأطفال الأردنيين بطرق ميسرة وتفاعلية تحفز الأطفال على التفكير مع التسلية. أم المهرجان مئات العائلات وتمتعوا بالعديد من النشاطات والألعاب المتميزة ومن ضمن أحجيات صورية ضمن زاوية إرث الأردن بالمهرجان والتي لاقت تفاعلاً من شتى الأعمار.

نترككم مع بعض الصور من الفعالية:

13305019_10154860365508066_5908102004807906509_o 13323217_10154860365443066_1757281425075738573_o 13320406_10154860364853066_5221058609671732401_o 13305149_10154860364878066_1365966013385146727_o 13320372_10154860364843066_6158621707189989607_o 13305116_10154860365293066_3761505622310238099_o 13329515_10154860365288066_3540517034192171150_o 13305019_10154860365508066_5908102004807906509_o 13323477_10154860365413066_5881916303005059392_o 13305091_10154860365283066_8675535363492653067_o 13308161_10154860365803066_6362946415253203175_o 13308227_10154860365648066_3764044678042371969_o 13340086_10154860365698066_3936970191472574989_o 13316858_10154860365513066_4903229522747736673_o 13305258_10154860365798066_2998385802473148122_o 13320989_10154860365863066_7869086204054914221_o 13305263_10154860366023066_2827819301575389580_o 13329464_10154860365968066_6610376361054718987_o 13308412_10154860366088066_6387785059944749119_o 13248623_10154860366458066_35466183096421143_o 13301268_10154860366363066_1124316199560746902_o 13323260_10154860366358066_5710133198980994189_o 13316858_10154860366168066_3138708484161292105_o 13320889_10154860366153066_4887415938807375802_o 13316858_10154860366983066_8762091133871969045_o 12322596_10154860366793066_3489102023109118404_o 13329362_10154860366678066_6180212735616437429_o 13308247_10154860366608066_5747496972384411944_o 13323407_10154860366553066_5128891200714481179_o 13320406_10154860364853066_5221058609671732401_o 13320597_10154860367303066_3202825067249494238_o 13323386_10154860367118066_1080223335512938852_o 13329391_10154860367053066_7695734915416825607_o13308526_10154860365438066_7674596416482879380_o 13323477_10154860365413066_5881916303005059392_o 13305091_10154860365283066_8675535363492653067_o 13329515_10154860365288066_3540517034192171150_o 13305116_10154860365293066_3761505622310238099_o 13320372_10154860364843066_6158621707189989607_o 13305149_10154860364878066_1365966013385146727_o 13320406_10154860364853066_5221058609671732401_o

 

صور زاوية إرث الأردن بمهرجان مركز هيا الثقافي “أردن أرض العزم”

Scroll to top