فرقة موسيقية نبطيةاعتاد الناس على النظر إلى الحضارات القديمة على أنها أقل تقدّمًا منّا في كلّ شيء، وفي الحقيقة أن حضارة أجدادنا الأنباط تقدّمت على الكثير من الحضارات التي
سبقتها وتلتها وعلى الكثير من التجمعات البشرية الموجودة في وقتنا الحالي، وإحدى أهم ركائز التقدّم المجتمعي هو ما يُنادى به اليوم بإسم “المساواة بين الرجل والمرأة”، وعلى ما يبدو أن أجدادنا الأنباط لم يتطرقوا للمطالبة بشيءٍ كهذا لأنه كان جزءً من حياتهم الاعتيادية، المستقرّة والمتوازنة.

من الجدير أن نتناول في يوم المرأة العالمي للعام 2016 واحدًا من أبهى جوانب إرثنا الموسيقي وهو دور المرأة النبطية في الموسيقى قبل أكثر من 2016 عام!

عثر الباحثون على منحوتة أثرية في البتراء تظهر فيها الفرقة الموسيقية والمكوّنة من إمرأتين ورجل، ويقودنا هذا الاكتشاف إلى استنتاجين في غاية الأهمية :

أولاً : كانت المرأة تمارس الموسيقى بإحترافية جنبًا إلى جنب من الرجل، وتلعب دورًا تقنيًا في صناعة الموسيقى وليس دورًا ترفيهيًا أو شهوانيًا، وإنما تجلس إلى جانب الرجل لتأدية القطعة الموسيقية بنفس درجة الكفاءة وأهمية المشاركة.

ثانيًا : كانت عزف الموسيقى لدى الأنباط فرديًا (Solo) وجماعيًّا (Tutti) بحسب ما يتناسب مع نوعية المناسبة، وهذا يُرجِّح بنسبة كبيرة ظهور العازفات النبطيات في أداء منفرد Solo وهذا يدل على إتقانهن واحترافيتهن في الموسيقى.

ثالثاً : تمتَّع الموسيقيون الأنباط بمكانة مرموقة وذات أهمية في المجتمع، وأول دليل على هذا هو عمل التماثيل لهم، فالتماثيل عادةً تُصنع للآلهة والحكّام وعلية القوم، بل والمثير للإهتمام أن هذه التماثيل صُنِعت من الفخار بأحجام صغيرة نسبيًا وهو ما يشير إلى سهولة اقتنائها من قبل عامة الناس الأمر الذي يدل على اهتمام العامة بالموسيقى وأهمية الموسيقيين ومكانتهم الدينية الرفيعة أو حتى قدسيتهم بين الناس.

نستنتج مما سبق أن أجدادنا الأنباط كانوا من الرّقي ما يكفي لأن تكون المرأة شريكة للرجل حتى في صناعة الموسيقى الدينية والدنيوية، لا تقل أهمية مشاركتها عن مشاركة الرجل بشيء، وتظهر المرأة إلى جانب الرجل بنفس الدور الوظيفي والأدائي بعيدًا عن الابتذال والمجون!!

وحتى يومنا الحالي حافظ الأردنيون على دور المرأة في الموسيقى برصانة و وقار، فالمرأة الأردنية تتعلّم وتُعلِّم الموسيقى في المدارس والجامعات، وتشارك مع الأوركسترا كعازفة لمختلف الآلات أو كمغنية منفردة في كافة أشكال الغناء الغربي والشرقي، بل ومؤخرًا اقتحمت المرأة الأردنية مجال التأليف الموسيقي وقيادة الجوقات والفرق الموسيقية وأثبتن مهارة عالية في كل المجالات المذكورة سابقًا.


المراجع :

الموسيقى عند العرب الأنباط – د.إياد المصري، د.مهدي عبدالعزيز، معهد الملكة رانيا للسياحة والتراث ، الجامعة الهاشمية.

تماثيل الآلهة النبطية سماتها وخصائها – د.إياد المصري، رسالة دكتوراة غير منشورة، جامعة بغداد.

المرأة النبطية الأردنية ، موسيقيّةٌ أيضًا

Scroll to top